قصة أختراع الكيمياء الصناعية
إن تجارب الكيميائيين المسلمين المنهجية قبل
أكثر من ألف ومئة سنة أدت إلى اکتشاف وأختراع عملية التقطير التي تؤثر اليوم في حياة كل
فرد وأمة على وجه البسيطة. إن نتاج هذه العملية يعد اليوم من أكبر مقومات الحياة
بعد الماء. ومن يخطر بباله أن للنفط أكثر من أربعة آلاف استخدام؟ ولولا تقطير
النفط الخام، لما حصلنا على البترول أو الكيروسين أو الأسفلت أو المواد
البلاستيكية.
كان جابر بن حیان أول من أنتج
كثيرا من الأحماض الكيميائية بأستخدام جهاز إمبيق أخترعه المسلمون فى القرن العاشر كان يستخدمه المسلمون وتظهرالمخطوطة بالاسفل من القرن الرابع عشر والتى تبين حوجلات نصف كروية، فيها خليط من الورد
والماء على نار (القاعدة الحمراء) تجمع الأبخرة وتبرد في الحوجلات الثماني على
جانبي العمود المركزي، فتغذي الإمبیقات الثمانية الخارجية التي توصل
ماء الورد إلى ثماني حوجلات خارجية.
عملية التقطير وسيلة فصل السوائل بعضها عن بعض
باختلاف درجة الغليان في كل سائل، كان ذلك معروفا عند علماء الكيمياء المسلمين منذ
القرن الثامن. وإن أول تطبيق لعملية التقطير أنتجت ماء الورد والزيوت الأساسية.
وكان الحصول على التحول النقية بتقطير النبيذ الذي كانت المجتمعات غير الإسلامية
تنتجه وتستهلکه بكميات كبيرة، كالمسيحيين الذين كانوا يعيشون في الدولة الإسلامية.
ووصف جابر بن حیان تقنية التبريد التي كانت تطبق التقطير الكحول. وكان هذا الكحول
المقطر أو النفائح الكحولية تستخدم لإنتاج الأحماض والأدوية والعطور وأنواع الحبر
للكتابة لأن الإسلام يحرم استهلاك المشروبات المسكرة.
كان جابر بن حیان هو أول من استخدم مقطر
الإمبيق في القرن الثامن وهو ما زال يستخدم اليوم في مخابر التقطير. إنه يبرد
السوائل اللازمة في عملية التقطير ويجمدها. وكلمة الإمبيق (alembic)، مثلها كمثل الكثير
من المصطلحات الكيميائيةجاءت من الكلمة العربية الإنبيق وتعني "رأس المقطر».
إن لمقطر الإمبيق معوجتين موصولتين بأنبوب. لاحظ جابر الأبخرة القابلة للاشتعال في
الإمبيق الناجمة عن غليان النبيذ والملح. فذكر في كتابه الكيمياء»: ”والنار التي
تشتعل عند فوهات القوارير بسبب غليان النبيذ والملح وأمثالها من المواد ذات الخصائص
الدقيقة، كان يظن ألا فائدة منها، ولكنها ذات أهمية كبيرة في هذه العلوم“
استخدمت قابلية الكحول للاشتعال على نطاق
واسع منذ أيام جابر، فهناك أوصاف مستقاة من المقالات العسكرية من القرن الرابع عشر
عن نبيذ العنب المعتق المقطر بوصفه مكونة مهمة من مكونات إنتاج النيران العسكرية.
كما تضمنت تلك المخطوطات تحذيرات من أن هذه المواد المقطرة سهلة الاشتعال لذلك يجب
تخزينها في حاويات مدفونة في الرمل.
واشتهر الكندي بتقطير العطور التي كتب عنها
في القرن التاسع في كتابه "کیمیاء العطرة. ويصف عملية التقطير بقوله وهكذا يستطيع
المرء تقطير النبيذ باستخدام حمام مائي فيخرج بلون ماء الورد. وكذلك الخل يقطر
ويخرج بلون ماء الورد أيضا وقبل تسعة قرون وصف ابن باديس من تونس كيف كانت برادة
الفضة تسحق مع نبيذ مقطر لإنتاج حبر للكتابة بالفضة، فقال: "خذ برادة الفضة
واسحقها مع نبيذ مقطر مدة ثلاثة أيام، ثم جففهما واسحقهما ثانية مع نبیذ مقطر حتى
يصير المزيج كالطين ثم رش الخلطة بالماء“
أقراء أيضا قصة أختراع الورق
وكما قلنا، فإن المشروبات الكحولية محرمة
على المسلمين ولكن اهتمامهم واكتشافهم لها بفضل التقطير قصد به استخدام عناصرها
المفيدة غير الضارة. أدى اكتشاف الكحول إلى ظهور عدد من المنتجات في الصناعات بدء
بالمواد الصيدلانية حتى المواد التجميلية. كان كثير من عملهم قبل ألف سنة تطبيقات
عملية، وتمكنوا بفضل صناعة مواد جديدة مثل الحبر واللك (الورنيش)، وسبائك اللحام،
والأسمنت، والؤلؤ الصناعي. ثم أخذت الصناعات الأخرى تزدهر إضافة إلى المنتجات
الفردية. ومن التجارب الجوهرية التي حددت انطلاقة الكيمياء التركيبية تجارب الرازي، عندما وصف كيفية
الحصول على الكلوريد الزئبقي بوصفه "كلوريد الزئبق في كتابه عن مادة الشب
والمواد الملحية. أوحى هذا مع اقترانه باکتشاف كلوريد الزئبق المستخدم اليوم في
إبادة الذياب والجرذان والطحالب باکتشافی مواد ترکیبية أخرى.
اکتشاف كلوريد الزئبق وقدرته على كلورة
المواد الأخرى عملية استخراج الأحماض المعدنية. يستخدم كلوريد الزئبق اليوم في
تطبيقات مهمة تتعلق بصناعة الأدوية کالمواد المقبضة والمنبهة والكاوية والمطهرة.
ومن أعظم الإنجازات المتقدمة في العصور الذهبية التي تحققت في ميدان الكيمياء
الصناعية والكيمياء التطبيقية فصل مادة "الشب» عن الصخور الشبية وتصنيعه عن طريق
تجوية متدن الألونيت. كان الشب يستخدم في صناعة الورق، وإنتاج الدهانات وحامض
الكبريت. وجابر بن حیان هو من اكتشف حمض الكبريت وحمض الهيدروكلوريك. وكان
المسلمون يبلورون الشب النشادري أو كبريتات الألمنيوم النشادري.
لمزيد من قصص الاخترعات من هنا
تأليف: سليم الحسنى
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا