مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الثامن بروايةعصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل السابع"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل الثامن
داخل سيارة صهيب .....
كان صهيب يقود سيارته متجهاً إلى منزله أخيراً، بعد يوم مضني من العمل ...
بالنسبة لشخص كرس حياته للعمل فقط، فلن يشكوا إن زاد العمل يوماً، ولن يشكوا إن إرهقته مشاقُه أبد الدهر ...
كان يسير مستقيم المسار، ولكن فجأة .. ظهرت تلك الفتاه من حيث لا يدري ..
في البداية ظن أنها ستبتعد، ولكن ما أثار ذهوله حقًا أنها لم تحرك ساكناً، بل على العكس إستكانت .. غير آبهة ...
إتسعت عيناه من إثر الدهشة، وعقد حاجبيه مقوسًا كليهما في حيرة ..
أعاد إطلاق بوق السيارة مرة أخرى بإنفعال، ولكن بدى له أنها لن تتحرك !
إنحرف بسيارته عن المسار حتى كاد يصطدم هو بالجدار الجانبي، إلا أن براعته في القيادة مكَّنته من تفادي الإصطدام، والعودة بالسيارة إلى مسارها الفعلي ..
ثم وقف بسيارته .. وترجل منها، وقد إعتلى وجهه بشارات الغضب الشديد .. وذهب نحو تلك الفتاة التي لم تتحرك من موضعها بعد ..!
وقف أمامها، وبنبرة غاضبة أردف بـ :
-المعروف إن الناس الطبيعين هيتحركوا لما يلاقوا عربية بتقرب !
إبتسمت له بعد أن فتحت عينيها، ولم تعي تلك الإبتسامة إلا حين بدأت تتحدث بنبرة غامضة قائلةً :
-بس إنت بتقول الطبيعين !
ذلك الصوت الذي جعله يمعن النظر جيداً إلى محياها، حينها فقط إرتسمت على وجهه علامات الصدمة، الممزوجة بالغضب الهادر ثم ..
صهيب بصدمة، وهو يضيق عينيه :
-إنتي !!!
رفعت وجهها لتراه جيداً، وحينما تذكرته ... أومأت رأسها على فورها مؤكدة ...
ثم وبنبرة هادئة أردفت بـ :
-أيوة أنا ..
ثم أطالت النظر إلى سيارته .. وهي تقول لنفسها متحسرة، بعد أن إعتلت إبتسامة إستنكار ثغرها :
-حتى الموت مش طايلاه ..!!!
ظل ينظر صهيب إلى تعابير وجهها، كم بدت غامضة، لا تبكي، لا تحزن، جامدة وكأنها لا تتألم، هاك تبدوا ..
تبتسم مع كل ما يواجهها وحين يحاول أحدهم تحديها تشعره وبدون حتى أن تحرك النَرد كم هو ضئيل ...
-كمجنونة مثلاً مكانك مش هنا ..!
أردف بها صهيب بنبرة ساخرة وهو يرمقها بإحدى نظراته المشدوهة ..
أعادت النظر له، وبكل هدوء وثبات وجمود أردفت بـ :
-عارفة، مكاني مش هنا ..
ثم أنزلت إصبعها الصغير مشيرة به تجاه الأرض، قبل أن تضيف بنفس النبرة التي ذادت عليها لمحة من الحزن جاهدت لإخفائها :
-مكاني هنا ..
ثم ضمت ذراعيها حولها وذهبت من أمامه ببطئ كما تتهادى أوراق الشجر حين تنجرف على سطح الماء ...
تابع النظر لها وهي تسير مبتعدة، لن يستطيع أن ينكر مدى الجلبة التي أثارتها داخل عقله، أو لما هي هكذا !
أهي مجنونة ..!!!!
هز كتفه مستعجباً فقد كان يتصور أنه سيفجر بركاناً من الغضب في الحال ..
ولكنها لا ... لا تغضب، لا تبدي أي ردة فعل !
حتى أنها وبكل بساطة تستطيع إشعال لهيب الغضب داخله، و خلال ثوانٍ معدودة تطفئها ببضع كلمات متريثة، متمهلة، ومتهادية ..
وحين تذهب من أمامه، يسأل نفسه ألف مرة لما لم يستطع إلجامها بإحدى كلماته الاذعة ...
هل عجز حقًا عن الرد عليها !
وحين وصل إلى هذه النقطة، نفاها كيانه تمامًا، فليذهب عقله للجحيم .. كفى تفكيرًا
سار حينها نحو سيارته، وعيناه لا تفارق إثرها حتى اختفت ...
تقدروا تشوفوا الفصل الأول من عصفورة تحدت صقرا
-شكراً يا روز على الخدمة دي هحاول أردهالك قريب
قالتها جويرية عبر الهاتف بنبرة ممتنة، ثم صمتت قليلاً لتستمع إلى رد المتحدث ..
تابعت هي بنبرة شاكرة بـ :
-الله يخليكي، ماشي بلغيهم إني هبدأ من بكرة إن شاء الله، الساعة كام قولتي ..!
هدأت بعدها، قبل أن تردف بـ :
-الساعة 01:00 يعني تمام، طب بصي أنا هقفل الوقت عشان مشغولة جداً ماشي
أومأت رأسها ثلاث مرات وهي تقول مودعة بـ :
-مع السلامة
أغلقت الهاتف بعدها، ثم تنهدت بإرهاق قبل أن تكمل طريقها نحو المنزل ..
ثم قالت لنفسها بنبرة شبه طبيعية :
-لازم أروح أجيب الدهب بسرعة قبل ما الصايغ يقفل عشان ألحق أبيعه
ثم أسرعت في خطاها نحو المنزل ..
.......................
في اليوم التالي ...
ترجلت جويرية من سيارتة الإسعاف أمام ذلك المشفى الخاص، الذي علمت أنه من أفضل المشافي في المدينة ..
وصاحبها والدها محمولاً على السرير النقال، يجره رجلان ..
وحين دخلو إلى المشفى، تجمعت بعض الممرضات حولهم وأخذوه من الرجلان
-خدوه بسرعة على الأوضة 201
قالها إحدى الأطباء حين رآهم قادمين، فأومأوا برءوسهم وهم يجرونه نحو الغرفة
وكانت جويرية تسير بجانبهم تنظر إلى والدها بحزن ..
بمجرد أن إستقر عبد القدوس في غرفته، جاء ذلك الطبيب الذي أمرهم بإدخاله، ليفحصه ..
-لو سمحتي ممكن تستنينا برا عشان نكشف عليه
-حاضر
خرجت جويرية من لدنه بعدما طلب منها
ثم أغلقت الباب خلفها وإنتظرت جالسة على إحدى المقاعد في الخارج ..
وبعد عدة دقائق، خرج الطبيب يصحبه ثلاث ممرضات بينما ترك إحداهن بالداخل ..
أسرعت جويرية نحوه، بوجه قلق ..
وحين وقفت أمامه، طمئنها هو بـ :
-هو حاليًا حالته مستقرة، ومفيش داعي للقلق، بس لازم نعمل تحاليل شاملة عشان نتأكد إن إللي عنده مجرد غيبوبة سكر ومفيش أمراض تانية ..
إتسعت عيناها فزعة مما سمعت وأردفت بنبرة تحمل الذعر بـ :
-يـ يعني هو آآآ ..
-بإذن الله معندوش حاجة ربنا يقومهولك بالسلامة، بس التحاليل دي روتينية عشان نطمن
قاطعها الطبيب مطمئنًا إياها بتلك الكلمات بنبرة هادئة ..
تنفست الصعداء حين طمأنها الطبيب ولو قليلًا، ثم ..
أومأت رأسها، ثم قالت :
-طيب أنا لازم أمشي الوقت ضروري، أسيب رقمي فين عشان لو فيه جديد تقدروا تبلغوني ؟
الطبيب بنبرة طبيعية :
-في الريسبشن تحت
جويرية وهي تومئ رأسها :
-تمام شكرًا
.................
خرجت كاثرن من الحمام وهي تلفُ شعرها بالمنشفة، ثم أخذت نفسًا مطولًا قبل أن تتجه إلى المرآة ..
نظرت لنفسها بحزن في المرآة، ثم وضعت يدها أسفل عينها وهي تنظر إلى ذاك السواد الذي تكَون بعد أيام قضتها تنتحب
أشاحت بوجهها الغاضب بعيدًا وهي تلهث، وبنبرة عالية أردفت بـ :
-سلمــى !
أتاها الرد من الأسفل، سريعًا بـ :
-جاية يا هانم
جلست كاثرن على الفراش وأزاحت المنشفة من على رأسها، لينسدل ذاك الشعر الأشقر الحريري، الذي قارب لونه البني بعدما بَلل الماء خصلاته ..
ألقت كاثرن المنشفة على الأرض بضيق وهي تزفر بحنق ..
وخلال ثوانٍ كانت سلمى قد جاءت، وحينما إقتربت منها ..
سلمى بنبرة طبيعبة :
-نعم يا هانم !
لم تنظر لها كاثرن، بل ظلت تنظل إلى آثار الخدوش التي تملؤ جسدها المتهالك، قبل أن تأمرها بنبرة هادئة بـ :
-عاوزة المرهم إللي بدهن منه دايمًا
ثم صمتت قليلًا قبل أن تتابع قائلة :
-وكوباية قهوة ..
ثم نظرت لها فجأة بعينيها الحمراوتين، من الأرق، والإعياء، وأضافت قائلة بنبرة أكثر هدوءاً :
-بس أنا عاوزاها instruct أوي
نظرت لها سلمى بعدم إستيعاب، وبنبرة محرَجة أردفت بـ :
-أنا أسفة يا هانم بس أنا مش آآآ ..
قاطعتها كاثرن وهي تستمر بالنظر إلى جروحها بنبرة غائمة بـ :
-يعني مُره يا سلمى، عاوزاها مـُره أوي
أومأت سلمى رأسها، ثم ذهبت وهي تتأسى على حالها وتشفق على سيدتها المسكينة ...
سقطت بضع عبرات من عين كاثرن، قبل أن تمد كفها الصغير لتمسحها، ثم جلست على الأرض مستندة على السرير .. ضامة قدميها إلى صدرها، ورغمًا عنها إستمرت دموعها تزداد ..
فتلك ليست بحياه تحياها إمرأة ! ...
......................
خرجت جويرية من السيارة التي إستأجرتها، ثم أعطت السائق بعض النقود قبل أن تتركه وترحل ..
هتفت لنفسها بنبرة هادئة بـ :
-هو دا العنوان، بس أمشي من أنهو إتجاه بقى ؟
زفرت بشدة وهي تنظر لعدة إتجاهات ثم ..
فتحت حقيبتها، وأخرجت منها ورقة بيضاء، مدونٌ عليها بعض الكلمات ...
وبنبرة هادئة أردفت لنفسها قائلة :
-يبقى من هنا ..
ثم سارت في الجهه ناحية الشمال وهي تنظر في تلك الورقة ..
....................
في منزل رحيل، القريب من ضفاف النيل ....
نزل صهيب من على الدرج بتمهل، ثم إقترب من طاولة الطعام التي كان يجلس رحيل على أحد مقاعدها ..
وما إن وصل حتى إستدار له رحيل لكي يراه، قبل أن يفتح فمه ويتفوه بنبرة مندهشة بـ :
-صهيب ! ، إنت مروحتش الشغل بجد !
بنبرة هادئة وهو يسحب المقعد المجاور له ليجلس عليه، أردف قائلًا :
-لأ.
إبتسم رحيل، ووضع يده على كتف صهيب ثم ..
قـال رحيل حينها بسعادة :
-فعلًا
رفع صهيب إحدى حاجباه، ونظر له بإستهجان قبل أن يتشدق قائلًا :
-تحب أغيــر رأيي !
تنهد رحيل بضجر قبل أن يردف بنرة هادئة بـ :
-لأ وعلينا من دة بإيه، خليك قاعد وأنا هسكت ..
أقرا أيضا رواية أرض زيكولا الفصل الثامن
ذهبت سلمى إلى المطبخ، وقد إمتعض وجهها، وظهرت الشفقة عليه فهي كل يوم تقريبًا ترى سيدتها على ذاك النحو ..
أخذت سلمى إحدى الأكواب المخصصة للقهوة، ووضعتها على طاولة المطبخ، ومن ثم أحضرت القهوة، والسكر، وبدأت تحضر كوب القهوة ..
تذكرت سلمى ما آل إليه الوضع أمس، حين جاء سيدها للمنزل
وحين سمعت صوت كاثرن وهي تصرخ مستجدية ليلاً، وبكاءها كل ليلة طالبة العون ..
كم شعرت بالإشفاق عليها، والحزن لأجلها فهي طيبة القلب ولم تتسبب يوماً في فعل ما قد تضرهم به ..
بل على العكس، كانت دومًا تدافع عنهم حين يعنفهم سيدها، أو يعلن جبروته على أي منهم ..
كانت شاردة الذهن وهي تقلب فنجان القهوة، إلى أن ...
-سلمى، إنتي يابت ياسلمى !
قالتها سيدة ما وهي تهز كتف سلمى بإنفعال
إستدارت سلمى ونظرت لها، وكادت أن تتحدث، ولكنها وجدت أمامها تلك الشابة التي لم تراها من قبل
فأردفت سريعاً متسائلة بـ :
-اومال مين دي ؟
أجابتها السيدة مبتسمة، وهي تضع يدها على زراع تلك الشابة :
-دي جويرية، الطباخة الجديدة ..
هزت سلمى رأسها وهي تردف بنبرة طبيعية بـ :
-أه
إبتسمت لها جويرية مجاملة، ثم وبنبرة هادئة أردفت قائلة :
-هو النهاردة المفروض أطبخلهم إيه ؟
إبتسمت لها سلمى مبادلة، وأمسكت كوب القهوة الذي صنعته مؤخراً .....
كوبالقهوة المُره، كما أمرتها سيدتها تماماً ...
وحينما إستقر الكوب بين يديها، قالت ببساطة :
-أنا هطلع أوديلها القهوة، وهسألها عاوزين ياكلوا إيه النهاردة ؟
أومأت جويرية رأسها، ولم تعقب ...
....................
كانت ممسكة بالهاتف، تحرك رأسها يمينًا ويسارًا بإيماءات خفيفة ثم ...
-حاضر يا باشا، يعني حضرتك مش جاي النهاردة ؟
أتاها صوته عبر الهاتف بنبرة جادة :
-لأ، وأول ما بيجاد يوصل تقوليلي، ولو دخل مكتبي تدخلي وراه وتشوفيه بيعمل إيه !
صمت قليلاً، ثم عاد ليضيف بنبرة حادة، مشدداً على كل كلمة :
-عشان لو فيه أي خساير إنتي أو هو حس بحاجة إللي هتتولي المسؤلية ها !
أشعرتها جملته الأخيرة بشيء من الرهبة، إلا أنها تمالكت نفسها بأُعجوبة وأردفت بنبرة شبه طبيعية :
-آآ إطمن ياباشا مش هخلي بيجاد يعرف إننا عرفنا حقيقته تحت أي ظرف
أغلق صهيب الخط بدون أن ينطق بكلمة أخرى فنظرت هي إلى الهاتف وزفرت بضيق، وهي تقول :
-وأنا مالي أنا بكل القرف دة هو صاحبك ولا صاحبي؟، ياكشي تولعوا سوا
-يعني هو عرف !
إستدارت فيروز ناحية الصوت ثم !!!!
.................
كان ذلك الطفل الصغير يركض بسرعة كبيرة في كل مكان، ولم ترهقه الدقائق تلك الكثيرة التي قطع فيها أشواطًا طويلة
كان يرتطم بكل ما يمر به، ويصطدم بكل من يمشي أمام قدميه العمياوتان، وبعد ثوانٍ وجد نفسه أمام ذلك المنزل الضخم، يدق الباب بكل ما أوتي من قوة ..
ولم ينتبه ذلك الطفل إلى تلك الدمـوع التي جفت على وجنتيه الصغيرتين ..
فتح رحيل الباب، ثم نظر إلى صهيب الصغير وهو يبكي، فجحظت عيناه، قبل أن يسأل برعب بـ :
-صـ صهيب إيه إلى حصل، مالك !
بدأ صهيب يبكي بشدة، وحاول أن يتكلم لكن كل ما إستطاع النطق به هو :
-بـ بـأ بابى، و ومامـى هي إلل إللي بـ بابى ..
نزل رحيل إلى مستواه، ثم ضمه إليه و ..
رحيل بنبرة حانية، ونظرات مذعورة :
-إهدى يا صهيب بس، أنا أول مرة أشوفك كدة يا حبيبي
تشبث به الطفل بكل قوته، وهو يرتجف، فحمله رحيل وأدخله منزله، ثم إتجه به نحو إحدى الغرف ..
وحين جاء ليضعه بالفراش، لم يزح صهيب يداه من حول عنقه بل تشبث بها أكثر ..
حينها حقًا شعر رحيل أن هناك شيئًا مريعًا قد حدث، ودنى الذعر من قلبه ..
فذلك الصغير قلما يخاف، بل هو معتاد على شجاعته الدائمة ..
حاول رحيل إبعاد يده عن عنقه ليستطيع النظر في وجهه، ولكن لم يستطع فقد كان يتشبث به أكثر كلما حاول إبعاده عنه
تنهد رحيل بقلق وهو يربت بحنان على شعره، ثم ..
رحيل بنبرة حذرة :
-مش عاوز تقولي إيه إللي حصل !
ظل الطفل متمسكًا به أكثر وبدأ يبكي بشدة وهو يحاول أن يقول :
- عموا مــ معتـز ومـأ مامى قتلـوه، مامــمى قتلــوه، و وء آآآ مـ مـــات ..
............
إستفاق صهيب من تلك الذكرى الأليمة، حين سمع صوت عمه بالأسفل وهو ينادي عليه بـ :
-صهيب معلش تعالى، عاوزك ثواني
تخللت يده خصيلات شعره ساحبة إياها من جذورها تكادت تُقتلعها ..
ثم وبنبرة حادة أردف قائلًا :
-جــاي
خرج صهيب من غرفته متجهًا إليه، وعلى وجهه عبوس قاتم ..
دخل صهيب غرفة، رحيل الذي كان جالسًا على الفراش، وأمامه لعبة الشطرنج ..
-ها عاوز إيه ؟
أردف بها صهيب وهو ينظر له بضيق ..
فإبتسم له رحيل قائلًا بمرح :
-فاكر لما علمتك اللعبة دي، وبقيت تغلبني !
-أهـا
-يلا بقى تعالى نلعب شوية، ملعبناش من زمان ..
زفر صهيب وهو ينظر إلى ما وراء النافذة المفتوحة في غرفته، يحاول إيجاد ما يصبوا إليه خلالها، لربما وجد الحرية في إحدى زواياها أو من خلال سماءها ..
أعاد النظر إلى عمه، قبل أن يردف بنبرة هادئة :
-مليش مزاج الوقت يا رحيل
وقف رحيل، ثم سار متجهًا إليه قبل أن يضع يده على كتفه و...
رحيل بنبرة حانية :
-مالك يا صهيب، كنت الصبح أحسن من كدة !
أشاح بوجهه بعيدًا عنه، وكاد أن يذهب إلا أن رحيل أمسكه من ذراعه وهتف به قائلًا :
-خلاص مش مهم تقول مالك تاني، وعارف إنك مبتحبش حد يسألك، بس متعملش في نفسك كدة، أنا مش بتحمل أشوفك بالوضع ده !
نظر له صهيب بغضب قبل أن يردف بنبرة جامدة بــ :
-أنا كويس يا رحيل
تنهد رحيل بضيق، ثم أردف بهدوء بـ :
-يبقى تعالى إلعب معايا
أجابه صهيب ببرود قائلًا :
-قولتلك مليش مزاج
سحبه صهيب بقوة أكبر نحو فراشه، ثم ألقاه عليه بخفة، فنظر له صهيب غاضبًا، وكاد أن يتحدث لكن سبقه هو بـ...
رحيل بنبرة طبيعبة :
-صح أنا عجزت، بس لسـة عندي قوة برضوه ..
أشاح صهيب بوجهه عنه، قبل أن يرف قائلًا بسخرية :
-دا على أساس إن أنا قاومت !
-مش مهم المهم إنك هتلعب معايا
نظر له صهيب مطولًا ..
سأل نفسه مراراً لما يتحمله ذلك الرجل، لما لا يتركه كما الآخرين، فطريقته في التعامل معه لا تختلف كثيراً عن البقيه، حتى أنه لم يناده بلقب يوماً، ولم يكن لديه أدنى مشكلة في ذلك ...
أعاد السؤال على نفسه من جديد
ما الذي يدعوه للتمسك به ؟!
ربما يشفق عليه !
هل هو محط للإشفاق إلى ذاك الحد !
لن يستطيع أن ينكر أن هناك شيء ما في قلبه يجعله مميزاً لديه، لا يدري ما هو ..
ليس مهماً ما هو، المهم أنه موجود دوماً ..
زفر صهيب بضيق، قبل أن ينظر له تارة، وللشطرنج أخرى ويقول :
-أنا الإسود ..
اقرأ ايضاً .... قصص رومانسية قصة فتي احلامي
كانت جويرية تضع اللمسات الأخيرة على ما صنعت من طعام ..
كان جميع الخدم ينظرون لها بين الحين والآخر، مشدوهين من صمتها وقتامة عينيها، حتى أنهم حين يحادثوها تجيبهم ببضع كلمات مقتضبة ...
مالت سلمى على أذن رفيقتها، وأردفت بنبرة متسائلة بـ :
-بت يا سهام، أومال يا ختي البت دي مالها، زي ما تكون واكلة سد الحنك كدة ليه !
أجابتها الأخيرة وهي تمط شفتاها بإستهجان :
-علمي علمك يا ختي !
لم تأبه جويرية لكل ما يقال، فهذا آخر همها الآن، ولما تأبه أصلًا، هل سيفيدوها في شيء !
أنهت هي جميع ما وكِل إليها ..
ثم إلتفتت إلى المدبرتين الواقفتين خلفها، وأردفت بنبرة هادئة :
-أنا خلصت ..
أجابتها سهام بنبرة طبيعية :
-طب بصي، كاثرن هانم كانت عاوزة تشوفك بحكم إنك جديدة هنا، فاروحي مع سلمى وهي هتوصلك عندها عشان تعرفك ..
أومأت جويرية رأسها بإتزان، ولم تعقب ...
إبتسمت لها سلمى مجاملة وهي تقترب منها مردفة بـ :
-تعالي
لم تتغير لمحة الحزن البادية على قسمات وجهها، بالرغم من أنها إبتسمت مبادلة لها ..
ذهبت جويرية مع سلمى إلى غرفة كاثرن، وحين وقفو قبالة الغرفة ..
أردفت سلمى بإيجاز وهي تتركها وحدها أمام الباب وترحل :
-دي أوضتها، همشي أنا عشان مشغولة جداً
نظرت لها جويرية إلى أن رحلت، ثم طرقت الباب ثلاث مرات بإتزان ..
-إدخل !
قالتها كاثرن لتسمح لها بالدخول، فأمسكت بمقبض الباب ودخلت ..
كانت كاثرن حينها جالسة على الفراش، ممسكة بكوب ماء تشرب منه البعض ..
نظرت لها جويرية، نظرات تخلوا من الحياه، فبادلتها كاثرن نفس النظرة...
نظرة ألم، نظرة إنكسار، نظرة من فقدت حياتها بين زقاق سنوات عمرها ..
أردفت جويرية بعدها بهدوء قائلة :
-أنا الطباخة الجديدة
رمقتها كاثرن بنظرات مطولة، ثم قالت بعدها محذرة بـ :
-تمام، بس حاولي تفضلي في المطبخ طول ما جوزي هنا ..
لم تتبدل نظراتها، ولم تحتد أبدًا نبرة صوتها، بل على العكس، أجابتها بتأني بـ :
-أنا أصلًا هطبخ الغدا بس، وعلى حد علمي هو مابيجيش حاليًا ..
هزت رأسها مرتين، قبل أن تردف بثقة بـ :
-مالوش ميعاد محدد، عمتًا دة عشان مصلحتك إنتي ..
لم تشعر بالفضول أبداً، لمعرفة كيف يكون الأمر في صالحها ؟
وببساطة أعطتها الرد بـ :
-تمام، الأكل أنا جهزتوا خلاص
-وإنتي تقدري تروحي الوقت، وأنا مش جعانة أصلًا، ولو جوعت سلمى هتحضرلي ..
أومأت رأسها وأجابتها مؤيدة إياها بـ :
-تمام
.......................
-كش ملك
قالها صهيب بنبرة طبيعية، حين سد الطريق على الملك الخاص برحيل ..
نظر له رحيل بضيق، وأردف بإقتضاب بـ :
-أووووف بقى، يعني أنا إللي أعلمك بتتلعب إزاي، وإنت تكسبني كل مرة
هز كتفه غير آبه له، قبل أن يستقيم واقفًا و ...
صهيب بنبرة هادئة :
-أنا همشي أنا بقى عشان عندي شغل، وعاوز أعرف فيروز عملت إيه مع الزفت دة !
وقف رحيل هو الآخر، ومن ثم قال بنبرة جادة :
-إنت فكرت هتعمل معاه إيه !
نظر له بثقة، وظهر ذلك الوهج في عينيه وهو يردف بـ :
-إتفرج إنت بس وشوف، بس مش فاهم فيروز متصلتش ليه لحد الوقت ؟
بنبرة قلقة أردف رحيل بـ :
-ليكون الحيوان دة عمل فيها حاجة ...!
.....................
قبل بضع ساعات من الآن ...
أغلقت فيروز سماعة الهاتف و ..
-يعني هو عرف ؟!!!
إستدارت فيروز وقد إنتفض قلبها على إثر صوته، ثم وبنبرة متحشرجة أردفت بـ :
-عـ عرف آآ عرف إيه ؟
نظر لها بيجاد بشراسة، ولكن فاجأها برده الهاديء خلاف عينيه الجامدتين بـ :
-هـا لأ مفيش حاجة، كنت بكلم الـ factor (العامل) إللي كان هنا ناو، صهيب جوا ؟
ردت بتوجس، وهي تهز رأسها نافية :
- لأ مش ... مش جوا، هو مش جاي النهاردة أصلاً ... بس ... بس إنت جاي من إمت ؟
أجابها ببساطة وهو يحوك يده بهدوء :
-لسا الوقت
تنفست هي الصعداء حين علمت أنه لم يدرى شيئًا، ثم وبنبرة هادئة رغم تعلثمها قالت :
-أها
قالها هو ببرود وهو يتجه نحو مكتبه، ثم إستدار ليحدجها بإحدى نظراته المتفحصة، الجريئة، حتى رأى علامات الذعر بادية على محياها ..
فإبتسم بمكر، وقال بنبرة خبيثة :
-أومال إيه الجمال دة !
إكفهر وجهها، وشعرت بالدم يغلي في عروقها، حتى صارت هي والدم شريكان في نفس اللون
وبنبرة غاضبة أردفت قائلة :
-لو سمحت إلزم حدودك، أنا هنا مجرد سكرتيرة مش زيهم ..
ننظر لها بخبث، وأطال النظر هذه المرة قبل أن يردف بـ :
-أاااه ، ومالـه ..
ثم سار نحو مكتبه وهو يضيف قائلًا بخفوت :
-دة لسة حتى اليوم طويل، وهعلمك إزاي تحاولي تخدعيني كويس !
صمت هو قيلًا قبل أن ينظر لها للمرة الأخيرة، وهو يدلف إلى مكتبه، ثم أكمل قائلًا بنبرة تشبه الفحيح :
-أنا هكسرلك غرورك دة، واعلمك مين هو بيجاد على أصول ..
..........
بالفعل أشعرتها نظراته بالخوف، ولكن لديها هدفٌ اليوم، وهي تلم علم اليقين أن صهيب لا يتههاون في حقه، لذا فأيامه هنا صارت على المحك ..
أمسكت الهاتف وعبثت بأزراره لثوانٍ، قبل أن تضعه على أذنها ..
وبعد وقت ليس بالطويل أردفت بهدوء بـ :
-أيوة بيجاد إجى يا باشا...................................................!!!!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا