مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا والفصل اثالث عشر برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الثالث يقدر يشوفه من هنا عصفورة تحدت صقراً "الفصل الثاني عشر"
عصفورة تحدت صقراً
الفصل الثالث عشر
الآن هي تقف أمام الشركة، تراقبها بإحتقان، تلك الشركة كانت كثيرًا ما تقابل ابنة خالتها أمامها لكن الآن هي قادمة لغرض مختلف تمامًا.
نظرت حيث يقف الحرس متأهبين، هي واثقة أنها لن تمر ببساطة، نظرت لثيابها، عباءة سوداء من الأعلى إلى الأسفل خالية من النقوش..
كما تحب هي، فهي لم تسعَ يومًا لتتباها بجمالها أو بنحافة قوامها، أرادت دائمًا أن تكون كما يحب ربها لا الناس..
وحتى في عملها السابق كان المدير قد سئم من كثرة تنبيهها بضرورة إرتداء ثياب جذابة، وأن تُقلع عن إرتداء تلك العباءات السوداء التي تشعره بالغثيان، ولكن من قال أنها تريد أن يشتهيها أحدهم !
لكن هي تعلم الآن أن تلك الثياب ستجلب لها المشاكل، وعلى أي حال.. لن تفكر في التراجع.
سارت بثبات إلى أن وقفت أمام الحراس وحين حاولت العبور سد أحدهم الطريق عليها، وقد تركزت نظراته علام ترتدي، ومن أعلى لأسفل مرت عيناه عليها، فشعرت برغبة في لكمه أو وضع ما في قدمها بين عظام رأسه.
لكنها تمالكت نفسها وقبل أن تنطق هي أردف هو بصوت جاد بـ :
-على فين !
رفعت حاجبها الأيسر فقد إستفزها السؤال حقًا وبالأخص أن الطريقة التي يتحدث بها يشوبها بعض التهكم والسخرية.
أجابته بإحتقان وهي ترمقه بإحدى نظراتها المشتعلة بـ :
-إنت شايف الباب فين !
نظر الرجل لأعينها الجادة والمتسلطة نحوه، وقد كاد يقسم أنه رأى تلك النظرة الحادة عدة مرات قبلًا..
فقال هو بنبرة حادة :
-مش مسموح لأي حد يدخـ..آآآ
قاطعته جويرية بهدوء عجيب بـ :
-تصور لو المدير عرف إنك معطلني كل دا هيقول إيه !
إرتبك الرجل حين سمع تهديدها الواضح، وبالأخص أن مديره لا يتهاون أبدًا، وحين أراد أن يسألها عما تريده... كانت قد تركته وولجت، فعقد حاجباه بضيق وهو يردف بنبرة محتقنة بـ :
-أعوذ بالله، ميكونوش إخوات، أنا مالي طالما الباشا هو اللي طلبها !
......
كانت جويرية قد تركته وذهبت فقد شعرت بالغضب حقًا من حديثة الغبي معها ولولا أنها سيطرت على نفسها ووجدت ما تقوله حين هددته لكان الأمر أصبح عسيرًا.
فهي لم تكن لتتركه يتطاول في حقها أكثر، ألا تكفي نظراته !
حينما نظرت للأسفل وجدت الكثير من العمال، أمامها لكنها كانت في الطابق الأعلى حينها، ولم يكن فيه أي أحد.
لقد كان ذلك الطابق مكون من غرفتين ومكتب بالخارج فقط بعيدًا عن إزعاج الموظفين، ومن المتوقع أنها لن تجد أي أحد هنا لأن مساعدة المدير قد إعتُدي عليها بالأمس،
إقتربت هي من أحد المكاتب وطرقت الباب فلم يجب أحد...
فزفرت بضيق فهي حقًا مشحونة من البارحة، وأي تفصيلة صغيرة خاطئة تزيد من إشتعالها ...
كادت أن تطرق على الباب المجاور له لكن....
-إنتي مين !
حين سمعت صوته إستدارت مباشرة وحين رأته جحظت عيناها قبل أن تردف بنبرة مشدوهة بـ :
-إنت المدير !
لم يكُ هو أقل منها شدهًا وبالأخص أنه لم يظن أنه قد يراها مجددًا وقبل أن يتكلم قالت هي بتهكم بـ :
-هـه صح ما كلكم شبه بعض
ثم تبعت الكلمة بنظرة ساخطة لم تستطع إخفاءها فتعجب هو فلم تكن تلك نفس ردة فعلها في المرة السابقة ... لكنه قال أخيرًا بعدها ببرود :
-عاوزة إيه ؟
أجابته بنفس البرود وهي تحرك يدها اليمنى على مقدمة حقيبتها الصغيرة بـ :
-فيه موضوع مهم جاية أكلمك فيه...
كاد أن يسألها عما تريد إلا أنها تابعت سريعًا بـ :
-بصفتك مدير مش أكتر
صمت حين وجدها قد وأدت السؤال بداخله، ثم تقدم خطوتين وفتح باب مكتبه، وما إن دلف حتى قال بنبرة هادئة :
-إدخلي
أمسكت هاتفها قبل أن تدخل وعبثت ببعض أزراره ثم ..
ولجت داخل غرفة مكتبه، وتابعها هو وهي تدلف بعد أن إستقر على مقعده، فنظر لها وقال بإتزان :
-ها إتكلمي !
إختارت أحد المقاعد المتواجدة على الجانب الآخر من المكتب وجلست عليه، قبل أن تنظر له وتقول بهدوء :
-دلوقتي امبارح موظف حقير هنا إعتدى على فيروز بنت خالتي، و..
صمتت هي قليلًا تبتلع غصة مريرة في حلقها، فقد شعرت بالألم يجتاحها حين قررت أن تقص عليه ما حدث...
لكنها اضطرت أن تتابع بنبرة أقل هدوءًا وأكثر إضطرابًا بـ :
-و إعتدى عليها بأفظع آآ...
قاطعها وهو جاحظ العين مصدومًا بـ :
-إغتصبها ؟
لم تنظر له، بل أشاحت وجهها عنه، وبأسف أردفت بـ :
-آه، و.. وأنا جيت عشان هي قالتلي من كام يوم إنك طلبت منها تحط كاميرات مراقبة في كل الدور لإنك مش واثق في نفس الموظف ده ... وأكيد اللي هو عمله متسجل فيه
هدأت قليلًا قبل أن تتابع :
-بما إن الشركة كلها كاميرات حتى مكتبه أكيد فيه فيديو يثبت الجريمة دي
أقرا أيضا رواية أرض زيكولا الفصل الثامن
عقد حاجباه بضيق وهو يردف بإهتمام :
-اممم على كدة هي بتقولك على كل حاجة، مع إن دي معلومات شغل المفروض متقولهاش !
زفرت جويرية بغضب وسلطت أنظارها المحتقنة نحوه وقالت :
-أنا مش محتاجة أبررلك لا موقفي ولا موقفها، أنا بس عاوزة الفيديو
ضحك الأخير بتهكم ..
نعم لم يضحك منذ .... لا يدري ماذا، لكنه شعر برغبة شديدة في الضحك، فلم يمنع نفسه أبدًا، وضحك ...
أرجع رأسه للخلف قبل أن يتشدق بـ :
-وأنا إيه اللي يخليني أدهولك، دا أولًا هيضر بإسم الشركة وبعدين دي حتى راحت ولا جات مجرد سكرتيرة.
كانت هي واثقة أنه يرد لها نفس الصفعة وبنفس الطريقة، لكنها لم تترك أحدًا يتلاعب بها قبلًا، ليس ما ستفعله في الآخرين تناله هي،
لذلك أخذت نفسًا هادئ حاولت من خلاله تهدأة نفسها تمامًا ووزنها.
ثم حين شعرت أنها قد بدأت بالتحكم في نفسها قالت بثبات :
-شكلك أصيل أوي، هو يخونك ويغدر بيك وإنت تدافع عنه !
إشتعل الأخير غضبًا إثر كلمتها تلك، لكنه كان مضطرًا لإحتمال ذاك الغضب فقد أصبحت الآن حربًا مشادية بين طرفين، كلًا منهم يأبى الإستسلام...
والجائزة هي إخراج الآخر عن طوره !
سيطر هو بصعوبة شديدة على شحنة الغضب تلك، ثم قال ببرود شديد على خلاف عينيه النافذتين كعيني صقر :
-مش يمكن تكون هي سلمتله، صحيح أنا عارف إن بيجاد عنيه زايغة بس مش توصل للإغتصاب إلا لو...آآآ
نعم ضايقتها عباراته الجارحة، ونعم أرادت أن تقتله حينها، لكن الصبر مفتاح الفرج !
حينها قاطعته بنبرة هادئة رزينة على خلاف ما توقع بـ :
-تؤ تؤ تؤ لو كان واحد من الموظفين بس كدة، يبقى المدير عامل إزاي ؟!
كاد أن ينفجر فيها، إلا أنها تابعت غير آبهة بـ :
-بص يا حضرت.. أنا بس عاوزة الفيديو، وأنا مش هجيب لا سيرتك، ولا سيرة شركتك.
وكأن هناك مجال للتفاهم! ، طرح عقله ذاك السؤال، يا الله أهناك إنسي هكذا، لا يظهر أي مشاعر كما الجليد، من المستحيل أن يرَ لها شبيهًا،
لكن لماذا تذكر نفسه حين سأل ذاك السؤال ؟
زفر ليخرج غضبه بعيدًا، وأجاب بنبرة تخلوا من المرح عدا إبتسامته الجانبية التي إلتوى بها فمه فجأة وقال :
-على كدة إنتي مفكرة إني ممكن ادهولك كدة بالسهولة دي بعد كل اللي قولتيه !
-وإنت مفكر إني ممكن أتذللك !
كانت تلك إجابتها بدون أن تطرف لها عين ..
وصمتت قليلًا بعدها لتتابع بنبركة أكثر تهكمًا :
-فكر مرتين يا..
نظرت هي لإسمه الموضوع أمامه محفورًا على خشبة صغيرة من الزان، ومن ثم تابعت بنفس التهكم الملحوظ قائلة :
-يا صهيب.. باشا
لمعت عيناه بإعجاب شديد من طريقتها، حتى وإن ضايقته لكن بها شيء ما مألوف.. مألوفٍ جدًا،...
برغم إختلافها عن البقية !
وفجأة قبل أن يتحدث أحدهما، فتح بيجاد الباب بدون إذن حتى، لكنه صدم حين رآى صهيب وضيفته أمامه، فقد كان يظن أنه لم يأتِ بعد !
تحشرج صوته وهو ينطق بـ :
-آآ إنت هنا !... أنا آآ كنت
نظر له الأخير بإشمئزاز حاول جاهدًا اخفائه، ثم أشار له بيده ليلج للداخل، قبل أن يقول بنبرة هادئة على خلاف ما يبدوا ك :
-إدخل الـ ...
نظر هو إلى جويرية نظرات ثابتة وتابع بنبرة أكثر هدوءًا بـ :
-كانت بتسأل عليك !
عظيم، هو ليس مجرد رجل مستفز غليظ، بل هو تلميذ جيد أيضًا ...
نظرت له بضيق ثم نظرت خلفها للزائر الجديد ...
نظرت له مطولًا فقد شعرت أنها رأته من قبل
ضيقت عينيها وظلت تجوب بذاكرتها علها تتذكره.
وبالفعل تذكرته .. لذلك تقلقائيًا إتخذ وجهها غضبًا جديدًا أكثر من الذي كانت عليه، وربط عقلها أنه بالتأكيد الجاني ...
وفي ذات الوقت إتسعت مقلتي بيجاد وهو يرى تلك الفتاة التي لم تلبث أن حطمت سطوته عليها في ثوانٍ معدودة..
أنى له أن ينساها وهو لم يرَ مثلها من قبل !
لذلك وبدون تردد هتف بنبرة مشدوهة بـ :
-إنتي !
حين سمعت صوته تذكرته تمامًا، ذاك الحقير
تذكرت محاولاته للعبث معها، زفرت بضيق فجأة ثم أعادت النظر إلى صهيب وهي تقول بنبرة شبه عالية :
-ده بيجاد نفسه مش كدة !
إندهش هو لتبدل نبراتها إلى الغضب فجأة، لكنه أجابها بنبرة طبيعية بـ :
-أيوة
إبتسمت بإستنكار وهي ترمقهما بنظرات محتقرة فتارة تنظر لبيجاد بنظرات نارية محتقرة، وأخرى لصهيب بنظرات محتقنة.
-إيه جاب البت دي هنا !
قالها بيجاد بنبرة حائرة وهو ينظر لها بضيق..
أجابه صهيب بنبرة مشمئزة بـ :
-جاية تستفسر عن اللي حصل لفيروز امبارح !
إحتقنت عينا الأخير وظهر بهما الإرتباك، وبنبرة شبه متزنة قال وهو يتقدم عدة خطوات :
-لـ ... ليه إيه اللي حصلها !
كتفت جويرية ذراعاها ونظرت له بإزدراء وهي تقول بتهكم :
-آه صح إيه اللي حصل ؟!
نظر بيجاد إلى صهيب فوجده مركزًا عينيه على تلك الفتاة الغريبة، وقد إلتوى فمه بإبتسامة عجيبة.
أقرا أيضا رواية آدم وحياة الفصل الثامن
لكن فجأة قال صهيب بهدوء :
-كانت عاوزاني اديها الفيديو اللي انت متسجل فيه وانت بتغتصبها امبارح ايه رأيك في الموضوع !
إرتجفت نبرات الأخير بعد أن جحظت عيناه وهو يقول بصدمة :
-آآ فـ.. فيديو آآ ايه !
وقف صهيب وأبعد المقعد للخلف قليلًا ثم سار عدة خطوات إلى أن توقف أمام بيجاد
مد يده ووضعها على كتفه وهو يقول بنبرة حادة :
-ها تحب ادهولها
تنهد بيجاد بضيق وقال وهو يشيح وجهه :
-أنا كنت شارب ومش في وعيي
وهنا سمعوا صوت التصفيق القادم من خلفهم، كانت جويرية قد سارت حتى وقفت خلفهم مباشرة، ثم قالت بنبرة ساخرة :
-وعلى كدة كنت شارب قبل ما تحاول تمد إيدك عليا في الشقة !، لأ لأ ثواني بلاش أظلمك، إشرب إنت ودمر حياة بنت لمجرد إنك مش في وعيك أو مختل عقليًا !
رمقها بيجاد بنظرات غاضبة فهو لم ينسَ بعد ما فعلته هي به في المرة السابقة، ثم قال محذرًا :
-أنا لو كنت مكانك هسكت خالص !
إتسعت إبتسامة مغترة وجهها لتردف بثقة بـ :
-عيبة في حقي لو قارنت نفسك بيا، ايش جابك ليا !
صمتت قليلًا قبل أن تضيف قائلة بهدوء :
-أنا أهلي كانوا نضاف فطبعوا نضافتهم عليا، أما انت أهلك كانو ..... الله أعلم بقى يمكن إنت طالع كدة لنفسك !
لم يجد صهيب تعقيبًا على ما تقوله، فإن ما قالته كان مشابهًا كثيرًا لردات فعله تجاه الناس، وبالأخص حين يريد إستفزازهم بالقول.
فصمت وتابعها ..
نظر لها بيجاد بغضب وأردف بنبرة عالية بـ :
-أنا ممكن أعمل فيكي زي ما عملت فيها امبارح
لم ترمش حتى بعينيها، وببرود أجابته قائلة :
-فكرت القلم بتاع المرة اللي فاتت هيهدك، تحب تاخد تاني !
ثار بيجاد عليها وكادت قبضته أن تهوي على وجهها إلا أنها إنحنت متزامنة مع الوقت الذي حاول هو ضربها فيه.... وكاد أن ينحني ليمسكها من ثيابها ويعيد محاولة ضربها ...
إلا أن صهيب كان يتابع ما يحدث وحين حاول هو صفعها ولم يستطع ذهب ووقف بينهما فتراجعت جويرية بعد أن إستقامت، ونظرت لهما بفتور
حينها أردف صهيب ببرود :
-اهدى شوية هي مش هتقدر تعمل حاجة
زفر بيجاد بغضب وهو يرى تلك المبتسمة المستفزة الباردة المشاعر في الخلف تراقبه بإنتصار
ثم قال بنبرة عالية :
-تعرفي اني فرحان في اللي عملته في فيروز الوقت، والدور عليكي
هزت كتفها وقالت بتؤدة :
-يعني انت اللي اعتديت على فيروز صح !
-ايوة وانا، انا اغتصبتها والدور جاي عليكي
-امممممم
رواية عصفورة تحدت صقراً "الفصل الرابع"
كانت ردودها حقًا تثيره وتجعله يتقلب على جمرة من النار، وقد بان في عينيها لذة في رؤيته على ذاك الوضع
أما صهيب فقد إرتفع حاجب والآخر قد تمرد مستمرًا على وضعيته، ظهرت الحيرة على محياه وبدأ يحاول التحليل المنطقي لتلك التي تقف أمامه، فقد كان يملك القدرة على تحليل الشخصيات، لكن ليس شخصية معقدة كتلك !
هو لن ينكر أنها تخلف عن الآخرين، تلك ليست بأفعى أبدًا ... تلك ليست حية تترقب الفرصة للإنقضاض عليك، لا أبدًا بل ليس لديها بوادر الخبث
هي ذكية وتوقع بعدوها في العلن، توقع به على مرأى ومسمع، ليست مثل باقي الفتيات الاتي يتجنبهم بل .... بل هي أخطر بكثير منهم.
وحين أدرك عقله ذلك شعر بضرورة إيقافها عند ذلك الحد فتشدق بنبرة هادئة بـ :
-أنا شايف إنك مش هتاخدي حاجة من وقفتك دي !
أجابته بغموض وهي تنظر إلى صديقه الممسك هو به بـ :
-مين قالك إني مخدتش !
-قصدق إيه ؟!
قالها بترقب بعد أن ضيق عينيه..
فأجابته بإتزان بـ :
-إنسى، المهم هتجيب الفيديو !
-لأ
قالها بإحتداد حين تضايق من تجاهلها لسؤاله
حينها أردفت جويرية بلكنة هادئة :
-كدة هتضطر تتحمل العواقب معاه ..
ضيق هو عينيه قليلاً ، ورمقها بنظرات متفحصة ثم سألها :
-يعني أعتبر دا تحدي !
إبسمت بكل ثقة ، وهي تكتف ذراعيها ، قبل أن تردف بنبرة إعتزاز بـ :
-معنديش مانع ، بس يكون في حساباتك إن قبل الساعة 11 وعد مني إن صاحبك دا هيترمي فى السجن ..
وكادت أن تستدير لتذهب إلا أنها بدت وكأنها تذكرت شيئًا ما
فنظرت له نظرات هادئة ، لتردف بعدها بـ :
-وآآآه نسيت إنت كمان هتروح معاه بتهمة الإستتار على قضية مهمة زي دي
رمقها هو بنظرات قاتمة ، وقد تبدلت ملامحه الى الجدية التامة ، وبنبرة هادئة ، خطرة ، قال :
-تقدري ترجعي في كلامك دا دلوقتي ، إنتي مش قد التحدي صدقيني ودي آخر فرصة !
إبتسمت هي دون أي أثر للدعابة ، وبكل ثقة هددته بـ :
-أنا شايفة إنك تخاف على نفسك وعلى .... وعلى صاحبك .. ونشوف مين الى هيكسب فى النهاية !
ثم إستدارت وبكل خيلاء تركتهما بين نظرات الغضب والإمتعاض، ونظرات أخرى مشدوهة مدهوشة مصدومة !
....................
خرجت جويرية من مقر الشركة وقد إعتلت إبتسامة ثقة وجهها، لتردف بعدها بحصافة بـ :
-تمام كدة قدرت أجيب اللي جيت عشانه
لكنها تذكرت ما نغص عليها هذه السعادة البسيطة ... فنعم هي تعلم لما ذلك الحقير يشعر بالضيق لوجودها، وتذكرت ما حدث في اليوم ذاته الذي ذهبت فيه للعمل لديهم ...
.......
أنهت جويرية صنع الطعام الذي فُرض عليها اليوم، ثم بدأت تسكبه في أطباق التقديم ..
تأففت حين لم تجد أحدًا برفقتها في المطبخ .. فمن المفترض أن يوضع الطعام على المائدة في الحال ..
وإضطرت آسفة لتقديمه بنفسها، فهي حين كانت تحضره شردت في عالم آخر تمامًا ولم تنتبه أنهم رحلوا جميعًا !
وحين علمت أنه لا مجال من التهرب من الأمر أردفت بنبرة ممتعضة بـ :
-لازم أطلعهم بنفسي، أنا هطلعهم ولو لقيت حد هقوله ياخدهم بدالي .. وعمتًا جوزها مش هنا الوقت
أخذت طبقين من الطعام المُعَد، ثم خرجت بهما وهي تتلفت يمينًا ويسارًا علها تجد أحدًا آخر ليساعدها ..
وضعت الطبقين على المائدة ..
ولم تنتبه لمن كان جالسًا أمامها يتابع حركتها خطوة بخطوة، عادت هي أدراجها، لتحضر باقي الطعام، وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى عادت من جديد محملة بطبقين آخرين ..
ووضعتهم على المائدة، وأيضًا لم تلاحظه !
إستعجب هو من تلك الفتاة التي لم تلحظ شيئًا إلا الطاولة التي أمامها، وبالرغم أنه لا يبعد كثيرًا عنها لم تره قط !
وقف حينها بيجاد وإقترب منها بعد أن وضعت الأطباق ..
كانت جويرية عائدة إلى المطبخ لتحضر الباقي، إلا أنها وجدت من يمسك يدها من الخلف ..
فسحبت يدها بسرعة شديدة ثم إستدارت له، وحينما رأته شعرت بالدم يغلي في عروقها، كيف لذاك الغبي أن يتجرأ ويمسك يدها بتلك الطريقة !
وكادت هي حقًا أن تذيقه إحدى ردودها، إلا أنه سبقها قائلًا بنبرة متسائلة :
-اممممم أومال إنتي مين ؟
أجابته بإقتضاب وهي تستدير لتذهب :
-الطباخة الجديدة
وقف بيجاد أمامها ليمنعها عن الرحيل، فإتسعت مآقيها مشتعلة بالسعير
في تلك اللحظة رأتها كاثرن وهي قادمة من غرفتها، فجحظت عيناها رعبًا فقد حذرتها سابقًا منه ..
ولكن ليس بيدها ما تفعله لها الآن
فوقفت تراقبهما بأعين مذعورة
بيجاد بنبرة هادئة :
-إنتي مستعجلة ليه، دا أنا حتى مستغرب أول مرة كاثرن تجيب واحدة مُزة كدة !
نظرت له بتلك النظرات النارية، وبالرغم من ذلك آثرت السكوت، وحاولت تجنبه لتعبر، لكنه سد عليها الطريق مرة أخرى !
فلم يترك أمامها حل إلا لسانها السليط ..
أردف هو بنبرة غليظة ليغيظها أكثر، بعد أن وجدها تكور يدها من الغضب وبعد أن رأى بنفسه تبدل لون عيناها من الرمادي إلى الأخضر حتى صارت كما الأمواج العاتية ..
-إستني بس، حد يزعل عشان بقوله إنه جميل ! طب تعالي معايا فوق وأنا أآآآ ...
لم يكد ينهي حديثه حتى صفعته بأقصى ما لديها من قوة على وجهه، قبل أن تتبعها بركلة قوية من قدمها اليمنى ..
وضع بيجاد يده على وجهه بعدما صفعته، وإشتعلت عيناه توحشًا وهو لا يصدق ما فعلته تلك التي هي لاشيء بالمقارنة به !
تلك التي لا تكاد تلامس كتفاه تصدر منها مثل تلك الصفعة القوية، أو تلك الركلة العنيفة، من أين لها بكل تلك الشجاعة !
وضعت كاثرن يدها على فمها مشدوهة بما فعلته جويرية توًا، ولكنها لم تستطع منع تلك الإبتسامة المتشفية من الظهور، وتمنت حقًا لو أنها محلها الآن
وحينها أردفت جويرية بنبرة حـــــادة وهي تنظر له بشراسة :
-لأ مش أنا يا حيــوان يا قذر، طب حتى إحترم إن مراتك هنا !
بصقت هي على وجهه بعدها وبنبرة عالية محتقرة أردفت بـ :
-اتفو عليك وعلى أمثالك، العرر
أما هو فقد كان يرمقها بنظرات أشبه بالوحش إذا ما تحداه غريمه، ولكن هيهات أن ثؤثر بها إحدى نظراته الثاقبة ..
صاح بها عاليًا وهو يلهث :
-إنتي عارفة أنا مين ؟
ردت بتهكم وهي ترفع حاجباها في تحدٍ سافر :
-ولو رئيس الجمهورية، أنا ميهمنيش
ثم إستدارت لتتركه وترحل، لكنه مد يده بسرعة وأمسك بها من يدها، فضاق الأمر بها ذرعًا وحاولت سحب يدها بأقصى ما تستطيع، لكنه كان قد أطبق عليهما بشدة ...
وحينها فقط أغمضت كاثرن عيناها، فقد علمت أن كارثة على وشك الحدوث، فهي ليست المرة الأولى
أردفت جويرية قائلة بنبرة نارية :
-سيب إيدي يا حــــيوان ..
ثم وبعدها وبنبرة تخلو إلا من الغضب قال هو :
-إنتي مفكرة إني ممكن أسيبك كدة تفلتي بالسهولة دي، بعد كل إللي عملتيه ! هـــه يبقى بتحلمي
أقرا أيضا رواية آدم وحياة الفصل الثامن
نظرت له بغل بيّن قبل أن تطبق هي على يده بأظافرها الحادة، وظلت تغرزها في يده حتى أُدميت، فإضطر لإفلاتها آسفًا من شدة ما حظي به من ألم !
إبتعدت عنه على فورها وظلت ترمقه بنظرات غاضبة
فبادلها هو نفس النظرات وهو يفرك يده ليخفف من حدة الألم، وبنبرة عالية أردف بـ :
-برضوه مش هسيبك يا بنت الـ....
كاد أن يتابع لكنها قاطعته بنبرة شرسة وهي ترفع إصبعها في وجهه محذرة إياه بـ :
-إياك تنطق حرف واحد عنهم، أنا أهلي دول أنضف منك مليون ألف مرة، إنت ولا حاجة بالمقارنة بيهم، أصلًا إنت مينفعش تتقارن بيهم عارف ليه !؟ ، لأنك ..
صمتت قليلًا وهي تتابع نظراته المشتعلة، مبادلة إياها بنظرات إستهجان قطبية، ثم أكملت قائلة بتهكم :
-إنت عارف إنت بتفكرني بإيه ؟ .. إنت بتفكرني بالصفر إللي لما أي حاجة بتضرب فيه بتبقى زيه، بتبقى صفر، بتبقى ولا حاجة .. وإنت كمان ولا حاجة زيه بالظبط، عارف يعني إيه ولا حاجة !
كاد أن يلحق بها من شدة الغضب، ولكنه وجد كاثرن واقفة في وجهه، فدفعها بقوة ليزيحها من طريقه وهو يقول بنبرة محتقنة :
-إبعدي عني السعادي
تمالكت زمام نفسها قبل أن تقع، وأمسكته بقوة من يده وهي تقول بترجي :
-سيبها في حالها يا بيجاد، خلاص سيبها تمشي
نظر هو لها غاضبًا وأردف بشراسة بـ :
-إنتي مش شايفة هي عملت إيه، سيبيني يا كاثرن
أفلت يدها وكاد أن يذهب، ولكنها قالت بنبرة عاليه وهي تركض نحوه :
-يلا يا بيجاد عشان خطري بقى، ملكش دعوة بيها، دة هي بتعمل كدة بس عشان خايفة منك
نظر لها بضيق وقرر أن يذهب معها لأنها وببساطة كانت قد إبتعدت تمامًا ..
ولكن ما أثار حفيظته .. أكثر من كل هذا، أنها كانت تمشي بروية، لم تركض خائفة منه قط، بل فقط مشيت بخيلاء لم يره على أنثى من قبل !
وكأنها تتحداه أن يلحق بها لتجبره على تحمل المزيد من كلامها المريع !
نظر مرة أخرى ليده، ثم نظر إلى آخر طلل لها وهي ترحل، ولم يستطع أن ينكر أنه لم يرَ مثلها من قبل، هي مميزة بطريقة ما ..
بطريقة غير موجودة بأحدٍ إلاها ...
أقرا أيضا رواية أرض زيكولا الفصل الثامن
إستفاقت هي من ذكراها على صوت هاتفها النقال فأخرجته من حقيبتها لترد على المتصل، فهي تعلم أنه لن يتوقف إلا حين تجيبه لذلك وضعته على الوضع الصامت قبل أن تلج منذ قليل...
لكنها كما توقعت وجدته قد أعاد الإتصال مرة أخرى..
فضغطت على زر الإيجاب وهي ترد بهدوء بـ :
-السلام عليكم
أتاها الصوت عبر الهاتف منزعجًا غاضبًا بـ :
-إحنا مش إتفقنا امبارح هنعمل كل حاجة سوا، أنا من الصبح بدور عليكي وبرن مش بتردي
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته على عجالة، ونظرت حولها بفتور وهي تجيبه قائلة :
-اهدى شوية إنت كنت نايم وبعدين أنا خلصت اللي جيت عشانه خلاص
قال هو عبر الهاتف بنبرة منفعلة :
-طيب إنتي فين عشان أجيلك
نظرت حولها مدققة في الاماكن لتستطيع وصفها، فتلك هي مشكلتها مذ صغرها تعرف المكان بدون عنوان محدد وتستمر في محاولة وصفه عسى أن يفهمه الآخر !
لكنها قالت بعدها ببساطة :
-فيه محل بتاع هدوم جنبي اسمه **** وفيه محطة بنزبن اسمها**** اعرف انت المكان بقى كدة كفاية عليا
ضحك الأخير فلم يك منظرًا منها أكثر من هذا، فهو يعلمها جيدًا..
ثم قال بنبرة مرحة حينها :
-طيب ياختي اصبري خمسة وابقى عندك
-ليه إنت فين !
-احم
أتاها صوته من خلفها فإستدارت مندهشة وهي عاقدة حاجباها قبل أن تردف بـ :
-لحقت !
-ده على أساس إني كنت هفهم توضيحك الدقيق أوي احمدي ربنا اني كنت جنبك وشوفتك بالصدفة !
قالها حين عقد ساعداه أمام صدره بنبرة ساخرة..
فأجابته بنبرة طبيعية بـ :
-ما أنت عارفني، أنا أصلًا جاية مشي عشان معقدش السواق معايا
-المهم عملتي إيه ؟
مشت عدة خطوات للأمام وهي تقول بحذر :
-تعالى نركب الأول وإحنا في الطريق هقولك
أومأ الأخير وذهب نحو سيارته وقد كانت هي قد سبقته ففتحت الباب الأمامي الخاص بالسائق وجلست فيه ثم أغلقت الباب خلفها
إحتج براء وفتح الباب بجانبها قائلًا :
-متحلميش أنا اللي هسوق
نظرت له ببرود وقالت :
-يبقى هتفضل واقف عندك كتير !
-أوووف انزلي بقى
-بطل رخامة أنا عاوزة أسوق
-وأنا مش عاوز أموت يا جوري أنا لسا 22 سنة بس !
لم تتحرك، ولن تفعل
إذًا لم يكن أمامه حل إلا أن يرضخ للواقع، سيموت اليوم... أقصد ستقود هي اليوم
حين جلس بجانبها وأغلق الباب نظر لها بترقب وقال :
-جوري آآ
قاطعته قائلة :
-هات المفتاح
أخرجه من جيبه وأعطاه لها على مضد، بالطبع ليس خائفًا على نفسه فهو معتاد على التهور في القيادة، لكنه خائف عليها فهي منذ فترة لم تقد وقيادتها سريعة متهورة غبية.. برغم.. براعتها !
-مش عاوز تهور ولا آآآ....
لم يكد ينهي حديثه حتى وجد السيارة قد إنطلقت، وأخذت تتدرج في السرعة رويدًا رويدًا عشرة، عشرون .. أربعون، .. ثمانون، وصلت للمئة فنظر لها بحذر وهو يقول :
-جوري كفاية متسرعيش عن كدة..
وكأنها فرصة قد أتيحت لها، فتحت النوافذ الأربع من خلال الأزرار المتحكمة في الأمر، وظلت السرعة في إزدياد مئة وعشرون .. وأربعون وستون، وكانت تلك هي أقصى سرعة
هناك متعة حقًا في الأمر، هناك شعور بالقليل من الراحة يملأ روحها...
لذلك أغمضت عينيها لثوانٍ، تسمح للهواء أن يتخلل جميع أجزائها...
-يامجنونة افتحي عينك هتموتينا
-المفروض مكنتش أجيبك معايا !
قالتها وهي تفتح عينيها وتنظر له فرجاها أن تنظر أمامها ففعلت.
لم يطل الأمر حتى إعتاد هو على السرعة، حتى وإن كانت القصوى فهي رائعة ألا يكفي ذاك الهواء الذي تطرب له الروح !
ثم سألها بنبرة هادئة :
-ها عملتي إيه ماقولتيش !
ناولته حقيبتها وهي تقول بثقة :
-إفتح الشنطة وطلع المسجلة اللي فيها
فتح حقبتها بالفعل وأخرج تلك المسجلة السوداء ثم ضغط على زر البدء حتى إستُطرد أمامه كل ما قالوه ثلاثتهم منذ وقت قصير...
فنظر لها بإعجاب وأردف بنبرة جادة بـ :
-يخربيت عقلك إعترف على نفسه
إبتسمت ولم تتسع إبتسامتها وهي تقول :
-لا سحر ولا شعوذة، ها ياحضرت المحامي قولتلي امبارح لو قدرنا نجيب إعترافه يبقى كدة تمام !
إبتسم الأخير لها بإعجاب قبل أن يردف بنبرة عازمة بـ :
-كدة بسهولة جدًا نقدر ندخله السجن وخصوصًا إن ليا معارف كتير هناك هيمشولي أي حاجة معصلجة، وأنا اللي هرافع في القضية يعني مضمون نجاحها
زفرت جويرية وهي تنظر للطريق قبل أت تتشدق بـ :
-بس أنا عاوزة صهيب يحصلوا !
ضحك براء فقد فهم ما ترمي إليه، لكنه نظر لها وقال بجدية بعدها :
-أنا عارفة إنك إتدايقتي من طريقته، وخاصة إنك هددتيه وعارف مش بتحبي ترجعي في كلامك بس هو أقصاه يتحقق معاه بتاع ساعتين ويمشي دا بحكم انه صاحب الشركة بس !
قالت بضيق حينها :
-عارفة، طيب خلاص بس خلي صاحبك يرزل عليه او يخليني أنا أستجوبه
نظر لها جاحظ العين فاغر الفم وقال :
-حرام عليكي دا انتي هتخليه يعترف باللي معملوش عشان ترحميه !
ضحكت هي من طريقته، ثم أردفت بهدوء :
-أنا بهزر يا براء أنا خدت حقي تالت ومتلت ومجرد بس تشريفه للقسم دا كفاية....
-اممممم هنروح على فين الوقت !؟
-عند سوفانا
قالتها بهدوء عجيب وهي تنظر إلى الطريق، وكأنه لم يبدو عليها أي تأثر...
أما هو فقد أعاد السؤال بدهشة قائلًا :
-قولتي فين !
إبتسمت وقبل أن تظهر تلك الفجوة الصغيرة الوحيدة في خدها الأيمن كانت قد توقفت عن الإتساع..
ثم نظرت له قبل أن تردف بثبات :
-مالك موحشتكش !
إبتسم لها الأخير مبادلًا إياها وأرجع رأسه للخلف قليلًا ليسترخي أثاء قوله متمنيًا :
-جدًا ياريت لو...
ثم صمت قبل أن يتابع، وإنتفض من على المقعد فجأة و أعاد النظر إلى تلك السائقة المتزنة، المتهورة وقال بإضطراب :
-جويرية أنا شايف إن الموضوع مش مستاهل تروحي، كفاية عليكي اللي إنتي فيه، منتيش ناقصة !
لم تختفِ إبتسامتها، ولم تتسع، ولم تتغير تعابير وجهها قيد انملة، لكنها قالت دون أن تلتفت له :
-متخافش أنا بس هزورها عشان وحشتني جدًا و... حتى مـا..آآآ
تغيرت تعابير وجهه وهو يتابعها، فقد لمس ذلك الألم الذي يختلج صدرها، كيف له ألا يلمسه وهو مثلها لايزال يتعذب بذكراهم..
قال لها بنبرة منزعجة :
-يا جويرية إنتي مش ....
قاطعته وهي توقف السيارة بمهارة بالنسبة للسرعة التي كانت تسير بها فإبطاءها ليس بالهين، لكنها فعلتها وهي تقاطعه قائلة بنبرة حاسمة :
-يلا وصلنا
نظر حوله فلم يكن منتبهًا للطريق، ولكن فجأة وجد نفسه في المحل الذي يسافر إليه كل من إغترب عن الدنيا..
ترجلت جويرية من السيارة، وظلت تنظر أمامها لفترة بعينين جامدتين، خلاف قلبها الذي كساه الوجع..
نعم هي الآن أمام المقبرة، هي الآن أمام آخر مكان يبقى لنا بعد رحيل الأغلى
آخر مكان يبقى فيه أثرنا بعد الفناء.....
مشت خطوات ثابتة نحوها، ولحق بها براء على الفور بعد أن يئس من عدولها عن قرارها، وأمسك يدها وقد تجهم وجهه تمامًا
وسار معها إلى أن ولجا...
لم ينبس أحدهما بكلمة، فلذاك المكان حرمة من ذا الذي يجرؤ على إنتهاكها !؟
ولماكان شعور جويرية بالألفة في ذاك المكان بدأت تشعر ببعض الراحة...
لن تنكر أنها دومًا كانت تشعر بالإنتماء إلى هنا ..
أجل فهو بيتها الثاني والأرحم من قسوة وعذاب تلك الأيام.... والآن يزداد شعورها بالإنتماء له أكثر فأكثر..
ظلا يسيران بين القبور وهي تطالع أسماءهم .. هنا قبر كذا وذاك قبر كذا، وتلك هي الراحلة عن الحياة بعد أن فعلت كذا وكذا، وأما ذاك فقد كان كذا وكذا وكذا
وأخيرًا تلك ..
وقفوا أمام ذلك القبر الذي كُتب عليه "هنا ترقد ... سوفانا عبد القدوس محمد عرابي"
أغمضت جويرية عينيها علها لا تبكي، وتماسكت بأعجوبة وهي تدعوا لها وتقرأ عليها سورة الفاتحة..
ثم خطوة بعد إلى القبر الذي يليه وكم لنا في القبور أحبة ...!
هاك شعرت وهي تخطوا لتقف أمام ذاك القبر..
"هنا قبر ميادة عبد الحميد عزت "
تساءلت مع نفسها لوهلة "ما هو الأقسى أن تقرأ أسماء من تعشق بين أطلال القبور.. أم أن تحضر سكرات موتهم !"
قرأت لوالدتها الحبيبة سورة الفاتحة ودعت لها..
ولربما ظلت تناجي ربها لفترة أن يأخذها إلى حيث أخذ أحباباها...
حينما أنهى براء دعاءه ظل ينظر لها..
تمنى حينها حقًا أن تبكي، يتمنى أن تخرج ما في قلبها بالبكاء...
ولكن، يبقى التمني تمنيًا !
وضعت إحدى يديها على قبر والدتها والآخر على قبر سوفانا بعد أن جلست على ركبتيها لتصل لمستوى القبرين وتبسمت..
نعم تبسمت حتى أن الواقف بجانبها كاد يصاب بالجنون !
ثم قالت بهدوء كما النسيم وهي مغمضة العين :
-برغم بعدكوا بس لسا قريبن..
وقفت على قدميها ثانية ونظر إلى براء وهي تقول بصوت غائم :
-ماما بتجيلي كتير في الحلم، وجتلي امبارح وقالتلي إني وحشتها، و.. و...آآ
أغمضت عينيها فجأة لتمنع العبرات من النزول، ثم نظرت لأطلال أحبتها ثانية وقالت :
-أنا جيت عشان أزورهم عشان وحشوني ... أوي.
زفرت لتخرج حرارة حبستها طويلًا..
دمعت ولم تحرر دمعتها،... تهادت كما الطير إذا كُسر جناحه..
وقبل أن تنطق بكلمة أخرى فقدت وعيها وكادت تسقط لولا أن براء أسندها إليه بسرعة وكأنه كان متأهبًا لهذا !
ثم مد يده أسفل ركبتيها وحملها وهو ينظر لها بقلق، قبل أن يقول بنبرة متألمة :
-كنت خايف أنا من كدة !
ثم سار بها وهو متجهم الوجه، حزين الملامح...
حين وضعها بالسيارة ظل ينظر إليها بحزن ثم وضع يده على وجهها وأدخل بعض خصلات الشعر التي تناثرت بعد إغمائها،
لن يوقظها أبدًا فهي لن توافق على الذهاب معه إلى الطبيب، وما أعندها من فتاة !
إعتدل في كرسيه مرة أخرى بعد أن أرجع رأسها للخلف وأدار المحرك منطلقًا بها قاصدًا الطبيب..............................!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس المعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا