مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل السادس والأربعون برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل السابع والأربعون"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل السادس والأربعون:
الكثير من الصخب والإزعاج حوله، ومع ذلك هو في هدوءٍ تام، أو هناك صخب من نوعٍ آخر داخل رأسه، وفي ذاكرته.
منذ فترة طويلة لم يبتعد عنها، كان يراها يوميًا ولم يتعد مفارقتها، والآن فقط أدرك أنها أصبحت إدمانه الدائم.. فهو يحاول التركيز في أي شيء عداها، وذاكرته تخونه وتقوده إليها، ربما في الأيام السابقة أدرك لماذا، وفهم ما السبب وراء هذا، فقد وصل لنتيجة مقنعة.. هو يحبها، بلى يحبها كثيرًا.
لم يكن ليصدق أنه قد ينسى يومًا تلك الحقيقة السامة التي عرفها منذ القليل بالتفكير فيها. لقد اكتشف أن حياته كانت مبنية على الكذب والخداع، ومازالت لا تفارق ذاكرته! يعلم أنه لم يعطِ للموضوع هذا القدر المُستحق من التفكير، ويعلم جيدًا أنه أسرف بالتفكير بها، ومع كل هذا لا تزال تتصدر ذاكرته أفكارًا، واهتمامًا.
-وطبعًا الـ change دة هيفرق كتير معانا، ومعنى شراكة الشركتين لإن مفيش أي ماركة تانية هتتفوق علينا وهنكون في الصدارة.
انتبه هو لصوت صديقه الذي علا فجأة وكأنه ينبهه، فنظر أمامه ليتذكر أنه في اجتماعٍ الآن!
رد رجلٌ من الطرف الآخر بدبلوماسية:
-بأيدك و sure الموضوع دة هيعمل رواج كبير في الـ marketplace.
نظر له عقاب وأومأ رأسه مردفًا:
-تمام، يبقى كدة اتفقنا.
ثم وقف، ووقف الجميع عداهُ، وبدأ يصافح الجميع بين نظراتهم المستعجبة لتصرف رئيس الشركة، وبين سعادتهم بإتمام التعاقد.
وحين خرج الجميع، أخذ عقاب مقعده، وقربه من رفيقه ليتحدث بقلق:
-فيه إيه يا صهيب مالك؟
نظر له صهيب وكأنه يحاول التركيز على ما أمامه، ثم سأله ببساطة:
-مالي!
اقرأ ايضاً .... قصص رومانسية قصة فتي احلامي
استند الأخير على المعقد، وابتسامة عابثة تتسلل إليه وهو يقول:
-أمممم أنا بسألك، وبعدين إيه الاختفاء دة كله، كان لازم يبقى فيه meeting مهم عشان نشوفك!
رفع حاجبه ساخرًا ليسأله:
-إنت مش كنت بتفضل تقولي ارتاح، خد أجازة، شيل يا عم
أجابه الأخير متذمرًا:
-حرام عليك دة أنا شايل الشركة والمصنع، وبدير المهم في الفروع إللي برا، يعني إنت لما تاخد أجازة أشيل أنا كل دة!
بهدوءٍ أجاب:
-ما أنت عارف، أنا مش بآمن على الشركة والمصنع إلا معاك، أنا وإنت واحد في الشغل.
تحدث عقاب بحنق:
-صهيب، يعني إنت لسة هتطول!
وقف صهيب وسار عدة خطوات للأمام، قبل أن يلتفت إليه ويجيبه بجدية:
-يومين اتنين، وهرجع تاني.
وقف الأخير وسار إليه وقد بدى الإنزعاج على وجهه، فابتسم صهيب له ليسترضيه. رغم كل شيء، فهو كالأخ بالنسبة له، لقد كان ومازال الصديق المخلص الذي لم يتركه مهما حدث، تحمله بكل همجيته وإطاحته بالكلام. تحمله بكل سلبياته ولم يسأم منه، يتذكر أنه حين أراد توظيفه معه تضايق! لم يهتم بالمال أو المكسب الذي سيجنيه، بل تضايق لأنه لا يحب العمل! و كاد أن يرفض لولا أنه خشي أن يحزنه، وبرغم هذا لم يقصر يومًا في العمل أو يتقاعس حين كان يحتاج إليه.
-بس المرادي مش هسيبك تشتغل، إحنا هنسيب الشركة اليومين دول، أنا وجويرية هنطلع يومين على الشاليه بتاعنا إللي في شرم، وإنت وحور تروحوا الشاليه إللي في أليكس. ونرجع أعصابنا هديت شوية.
وتلقائيًا وضع عُقاب يده على جبهة رفيقه متسائلاً بقلق:
-صهيب، إنت كويس؟
أنزل صهيب يده، ثم تحدث بهدوء:
-يعني أفهم من كدة إنك مش عاوز!
قبل أن ينهي حديثه اندفع الأخير ليجيب بضراوة:
-مين! لأ طبعًا خالص أبدًا، خلاص هروح، إنت مابتصدق!
صمت لفترة قبل أن يتابع بحيرة وهو ينظر له:
-بس بجد قولي إيه السبب!
أخذ صهيب نفسًا عميقًا، ثم بدأ كلامه:
-إنت عارف إني إتجوزت جويرية في نفس اليوم إللي مات فيه أبوها، ودة معناه أكيد إن هي محتاجة تغير جو شوية بس.
صمت عقاب لفترة قبل أن يسأله باهتمام:
-طب ليه إنت عملت كدة، ليه جوازكم كان في نفس..
قاطعه صهيب بغضب:
-عقاب، قفل على الموضوع دة.
تابع عقاب بنبرة حادة:
-بس أنا واثق إنك هددتها عشان توصلها، العقل بيقول كدة!
اشتعل الأخير منه، ولكن تابع عقاب بنفس الهدوء وقد وضع يداه على كتف صهيب:
-وإنت بتحبها يا صهيب، ورفضها ليك هيكسرك صدقني، حاول تبررلها موضوع تهديدها عشان متكرهكش.
-بس هي مطلبتش تبرير، هي مش مصدقة أصلاً إني كنت هأذيها، إنت مش فاهم حاجة.
كان هذا رده بعد أن سكنت نبرته كثيرًا.
ابتسم له، ثم ابتعد عنه وهو يجيبه:
-على فكرة، هي غيرتك كتير، مش بس الوقت، لأ من يوم ما شوفتها وإنت بتتغير، بقيت أحسن بكتير من ساعة ما شوفتها، يمكن هي إللي رجعتك شوية للحياة.
نظر له صهيب وشرد في حديثه، فحتى هو قد بدأ يلاحظ تغيره.. لقد بدأ التغير من الداخل، إلى أن تسرب للخارج، كيف تفعل هي هذا!
رفع رأسه ونظر له لثوانٍ قبل أن يقول:
-أنا همشي الوقت..
.............
٢٠٠٥
ركض ذاك الشاب في الممر المؤدي نحو إحدى الغرف، ثم وبعد أن رأى بعض الناس يتجمهروا أمام إحدى الغرف، اتجه إليهم سريعًا ووجهه خالٍ إلا من الرعب، ثم وقف أمام أحدهم وسأل باضطراب:
-براء، إيه إللي حصل؟
نظر له براء بحزن، ثم نظر نحو الباب مرة أخرى، فتركه الأخير وذهب نحو تلك الواقفة هناك، ليسألها:
-جويرية، سوفانا كويسة صح؟
ظلت جويرية على حالتها، ناظرة بوجوم للفراغ، و بالرغم من هذا أجابته بصلابة:
-أختي، بين الحياة و الموت جوا.
-هو إيه إللي حصل!
لم تجبه، فاقترب منه براء، وأردف بألم:
-راحت الصبح المدرسة ومرجعتش، و والدك إللي جابها هنا، جابها هنا بعد ما القذرين..
صمت، فحتى الحديث في هذه الحالة أصبح حكرًا على أصحاب القلوب المتحجرة.
كان الذعر يغطي وجهه، يكسوه.. يلونه، لا لم يتخيل يومًا أن هناك قلبًا قادرًا على التعدي على ملاكٍ كهذا! بلى سوفانا ملاك، وقد وُجد الشيطان الذي.. الذي...!!
-مش واحد، ولا اتنين، ولا حتى تلاتة، دول خمسة، عارف يعني إيه خمسة!! بس والله ما هسيبهم، أقسم بالله هموتهم، وربنا ما هسيبهم.
هذا ما قالته جويرية بنبرة تحمل الغل، الكره، نبرة تخبرهم أن الجانب المخفي منها سيظهر.. ستزول الألوان الهادئة التي تغطيها لتحل محلها ألوان النار المتأججة.. ألوان الإنتقام..
قبل أن تبتعد، كان لهما نصيب بنظراتها القاتمة، القاسية.. لتسير بعيدًا بعدها.
حينها التفت هو وسأل براء وعيناه متسعتان:
-قصدها إيه، خمسة مين!
أجابه براء وقد اشتعلت عيناه بوهج الحقد:
-خمسة يا معتصم، خمسة قتلوها حية.
أغمض معتصم عيناه بألم، وقد بدأت قبضتاه تتكوران حتى كادت عظام يده أن تتهشم، وبقوة ضرب الحائط وكأنه المذنب..
حينما فتح عيناه، كانتا كجمرتين من نار بركان قد ثار توًا، وبنبرة كفحيح الأفعاعي أردف:
-أنا عارف أنا هعمل إيه كويس.
٢٠١٠
كانت عيناها تحملان أوتادًا من الألم، وسيولاً من العذاب.. لقد عانت منذ الصغر، لقد تألمت أكثر مما تنفست، ولا تزال أسوأ الذكريات تلاحقها، لماذا لا تستطيع أن تنسى؟ لماذا لا تستطيع؟ لماذا تطاردها الذكريات بمجرد أن ينبس أحدهم عنها نبسًا.
برغم كل شيء، وكل الذكريات التي تدور في عقلها إلى الآن لا تزال صامدة، ما تزال تنظر بجمود لكل ما حولها.
أخذت نفسًا طويلاً، الأمر المثير أنها لا تدري علامَ تحزن أو تتألم أكثر على الألم القريب أم على البعيد! اختلاف رهيب بين كل منهما، كل منهما له نكهته الخاصة، وطريقة معينة في تهشيمها من الداخل. تبتسم لنفسها بين الحين والآخر، لو كانت تبكي لانطفأ نور عينها كما انطفأ نور عين نبي الله يعقوب عليه السلام على فراق يوسف، لكنها لا تبكِ.
أعطت لنفسها استراحة من التفكير، وحلت شعرها. ما يزال الصداع يرافقها. سارت بعيدًا عن الفراش، إلى أن وصلت إلى النافذة، وقفت فيها و أخذت تطالع الآفاق بنظرات والهة.. كم تعشق السماء! تزداد عينيها بريقًا كلما أبصرتها، يحيرها سؤال بعد أن تنظر للأرض ثم تعيد النظر للسماء، ما هو المميز في الأسفل حتى تفضله على الأعلى؟ شتان بين السماء والأرض، في الأعلى الأحبة، الله ورسوله، والأحبة من ذويها ، و في الأسفل جثثهم!
يدعابها الهواء بنسماته الباردة فتبتسم، وتحمد الله على كل شيء، فثقتها به لا تخيب.. لا تغيب.. لا تقل، بل تزيد، فإن كانت تحظى بحياة تعيسة، و إن ابتلاها ربها في كل تلك الأيام، فبالطبع لديها منزلة عظيمة في الآخرة، وتلك هي ثقتها بالله.
كان واقفًا بجانبها ينظر لها، وهي لم تلحظه حتى، أو ربما تشعر به وهو لا يدري، فمنذ خمس دقائق و هي واقفة هكذا لم تلحظ وجوده بجانبها، وفي النهاية قرر الحديث..
-مش عاوزة تعرفي هنروح فين؟
أجابته بهدوءٍ جعله يتأكد أنها شعرت بوجوده من قبل أن ينطق:
-فين؟
رفع يده و وضعها على كتفها، مما جعلها تنظر ليديه بهدوء و هي رافعة حاجباها من حركته المفاجئة. في حين لم يهتم هو و تحدث:
-هنروح يومين الشاليه بتاعي في شرم، وبما إني جيت بدري فيلا إجهزي عشان نروح.
صمتت قليلاً، و وجهت أنظارها نحو الأمام، قبل أن تسأله بجدية:
-بس إنت مينفعش تسيب عمك هنا لوحده، دة غير إنه مرجعش البيت من إمبارح!
تبدلت ملامح وجهه للعبوس، وتحولت عيناه من الصفاء إلى التعكر، وبهدوءٍ حاول تمكينه في نفسه سحب يده من عليها وسار مبتعدًا عن النافذة حتى جلس على الفراش.
البارحة لم يحاول عمه أن يهدأ من روعه حين كان يصيح بالبيت كله، بل ترك البيت وذهب، وفي ذات الوقت لم يهتم هو لعدم رجوعه حتى الآن. أو أنه بالفعل يريد أن ينسى، والأدهى أنه يريد السفر وتركه وحده، لذلك وبكل بساطة أدركت أن الأمر متعلقٌ بهما، إذًا ما الكذبة التي كذبها عليه وجعله يعيش عليها كل تلك الفترة من حياته؟ ومنذ متى كنتُ فضولية لتلك الدرجة؟!
-أفهم من كدة إن هو السبب!
نظر لها بغضبٍ وهي تسير نحوه، وقال:
-جويرية، اقفلي على الموضوع دة.
توقفت في محلها، وأعادت التحدث بعينين هادئتين:
-بسيطة، بس أنا مش هروح معاك في أي مكان إلا لما تتصل بيه وتخليه ييجي معانا.
باختلاط النظرات بين الصدمة والحيرة والغضب نظر لها، وسألها:
-إنتي بتتكلمي جد؟!
ثم وقف، و سار عدة خطوات إلى أن وصل إليها، وتابع باستهجان:
-ولا هو شغل برود وخلاص!
عقدت ما بين حاجباها، وظهر الإستنكار على وجهها لترد عليه:
-لأ جد
زفر، و لها بانزعاجٍ نظر، ثم نطق بغضب:
-أنا مش فاهم بجد، إشحال ما إنتي مكنتيش بتقعدي معاه، وكان كلامه بيدايقك!
ثم كاد يتركها ويذهب فقد أغضبته حقًا، ولكنها نادته بهدوء:
-صهيب!
توقف، و لم يستدر، فذهبت هي إليه و وقفت أمامه، و لم تتحدث، فقط اكتفت بتكتيفها ليدها و الصمت، وبالمثل فعل هو، صمت ونظر لها منتظرًا أن تتحدث، هو يعلم أنها تريد الحديث، وليس الإحراج أو الكبر يمنعها، لكنها..
-أنا مقدرة كويس أوي إنك مش عاوز تدخلني في حياتك الخاصة، و معنديش مشكلة في دة بس أنا برضوه ليا الحق أقول مين ييجي معانا ومين لأ.
سألها مستفهمًا:
-أكيد إنتي مش خايفة مني!
ردت ببساطة:
-هو فيه حد معانا الوقت!
حينها تحدث بانفعال:
-أومال فيه إيه؟
ابتسمت بطريقة مريبة، ثم أجابته بروية:
-مفيش، أنا حضرت الشنطة بتاعتي، يلا روح صلي الضهر أعبال ما اكون جهزت.
إندهش هو من طريقتها وسألها تلقائيًا:
-نعم! ببساطة كدة!!
سارت أمامه وهي تجيب ببرود:
-عادي غيرت رأيي
ثم دلفت إلى الحمام بدون أن تنظر له، ليردف هو بخفوت مع نفسه:
-أنا اللي عملت كدة في نفسي، كان مين جبرني اتجوزها بس!
ثم غادر وهو يقلب كفيه..
ربما لم يفهمها بشكل واضحٍ بعد، أو أنها تتعمد ذلك، لكن في كل الأحوال جعلته يبتسم ولا يدري لما يفعل، ثم اتجه نحو غرفته ليتوضأ ويصلي.
أقرا أيضا رواية آدم وحياة الفصل الثامن
بعد ساعة كانا في السيارة وبدأت رحلتهما، وبرغم الهدوء الشديد الذي سيطر عليهما كان كل شخص يفكر في.. يفكر في ماضٍ أو حزنٍ أو ألمٍ لم يستطع ركام السنين أن يخفيه..
هما الإثنان لا يعرف أيًا منهما عن الآخر شيء، ولكن هناك شعور بينهما أن الألم ذاته يجمعهما، الألم يجعل الإنسان غير قادر على الإستمتاع بالحياة، الألم يمحو جميع الألوان حتى لا يبقى إلا اللون الأسود، الألم.. وما أدراك ما الألم.
ما معنى أن يعيش شخص حياةً كاملة على كذبة كبيرة، كيف يستطيع التكيف مع الأمر! كيف يستطيع مسامحته، كيف!!
-طب هو ليه ما قاليش قبل كدة، ليه؟!!
نظرت له بثبات، هي لا تفهم كل شيء لكنها شعرت أن ما يتحدث عنه له صلة كبيرة بعمه، وبرغم أنها لا تفهم أجابته بهدوء:
-فيه حاجات بتبقى أحسن لو فضلت مخفية.
عاد هو ليتحدث مكفهر الوجه:
-بس مش معنى كدة يخبي عليا كل الفترة دي إن هو أبويا!
صمتت قليلاً لم يبدُ عليها آثار الصدمة المتوقعة، فقد اكتفت بالصمت وكأنها تجمع الخيوط ببعضها، وصمت هو أيضًا حين أدرك ما قاله، ثم أخذ نفسًا عميقًا، وبدأت سرعة السيارة تزداد.
هل أخبرته يومًا عن عشقها للسيارات السريعة، وبدون تفكير فتحت النافذة التي بجنبها إلى أن اختفى الزجاج بالداخل، واستندت على باب السيارة لتنظر للطريق وابتسامة هادئة تتسلل إلى وجهها. وبعد لحظات انتبه من شروده لها وابتسم، ألا يحب هو السيارات السريعة! إذًا ستحبها هي أيضًا.
غير معقولٍ هذا التشابه الكبير، حتى في هذه!
تفاجأ بها تحدثه بجدية:
-عاوزة أسوق!
نظر لها، في الحقيقة ظنها تمزح، لكن تعابيرها الجادة جعلته يسألها بدهشة:
-تسوقي!
-آه
هز رأسه نافيًا وهو يجيبها:
-أنا عندي إيمان تام إن الستات مبيعرفوش يسوقوا
لم تكرر طلبها، ولكنها لاحظت أن سرعة السيارة بدأت تقل تدريجيًا، فابتسمت.
ثوانٍ وكانت السيارة قد توقفت، ثم نظر لها قائلاً بهدوء:
-معاكي رخصة!
-لأ مش مطلعة
أعطاها المفتاح وهو يتمتم مع نفسه بأنها لن تستطيع أن تقود تلك السيارة لأكثر من خمس دقائق، وربما ينتهي بهم المطاف وهم يرحبون بإحدى الأرصفة!
لكنه ومع ذلك لم يمانع، بل كان لديه الفضول ليرى كيف ستفعل.
تبادلا المقاعد، ووضعت هي المفاتيح داخل السيارة، فسمعته يقول:
-حطي رجلك على الفرامل.
ابتسمت له وهي تجيبه بإستفزاز:
-فعلاً، وفين الفرامل دي؟!
نظر لها قاطبًا حاجباه مردفاً باستنكار:
-بطلي تتريقي.
-و إنت بطل تقولي اللي أنا أعرف اعمله.
-اتفقنا، وريني
نظرت له لثوانٍ قبل أن تنطلق، وبدأت السرعة تزداد شيئًا فشيئًا، فأعجب صهيب بقيادتها، حتى أن الطريقة التي تتفادى بها السيارت تجعله يستمتع، فتحت هي باقي النوافذ حتى يزور الهواء باقي السيارة.
حينها سألته بثقة:
-عجبتك صح!
أجاب بفخر:
-مش مرات صهيب قصي، لازم تبقى بـ..
-باس إنت ما بتصدق
لم يسيطر على نفسه وبدأ يضحك، فتعمدت النظر إليه ثم إلى الطريق مرةً أخرى، ما يجهله ذاك المجنون أنه لو ضحك في منتصف الطريق لتهافتت نصف الفتيات الموجودات في الطريق حوله، والنصف الآخر سيكن مع أزواجهن!
إتسعت عيناها فجأة، هل تغازله في عقلها! منذ متى بات يعجبها جماله!
لم يعد يعجبها تأثيره عليها..
زفرت بضيق، وقررت ألا تنظر له مجددًا، ولكن هل تخدع نفسها!
لقد ظنت أنه سيمل منها سريعًا حين قررت ألا تطلب منه الإنفصال، لم تكن تريد أن تتراجع عن قرار مصيري كهذا، لكنه لم يمل منها، وهي لم تمل منه. هي لم تمل منه أبدًا. بل كانت تتركه ليتقرب إليها أكثر، ولم تمنعه. جويرية ليست مِن مَن يكذبون على أنفسهم، هي صريحة تمامًا، ولما أن شعرت أن تقربه منها لا يزعجها بقدرٍ كبير، ويساعدها على نسيان حزنها ولو قليلاً قررت ألا تنافق.
لماذا تفكر في هذا الأمر الآن؟
-جويرية!
نظرت له بعد أن اخرجها مما تفكر، فأشار أمامها قائلاً بسرعة:
-خلي بالك
نظرت أمامها فوجدت سيارةً تمر أمامها، وكادت بالفعل أن تصطدم بها إلا أنها اتخذت من اليمين طريقًا لها بعد أن كان لا يفصل بينهما أكثر من ثلاث سانتي مترات، ثم استدرت مجددًا لتعود لنفس الطريق، وأردفات قائلة بسكون:
-آسفة كنت سرحت، أنا هركن و كمل إنت.
وضع يده على يدها التي هي على المقود، وقال لها بجدية:
-لأ كملي إنتي، و بطلي سرحان، أنا قولت نطلع برا شوية عشان ننسى، فعشاني حاولي تبطلي تفكير شوية و انسي، و لو حتى اليومين دول.
أجابته بنبرة بها بعض الراحة:
-مش بفكر في حاجة حزينة متخافش
سألها بحيرة:
-بتفكري في إيه!
-سيبك إنت، أنا هركن وكمل إنت!
-ما قولتلك متسرحيش
-يا عم سرحان إيه، أنا تعبت
-لأ لأ أكيد خايفة تسرحي، صدقيني السرحان وحش
-آه لأ دة أنت ماصدقت بقى، والله لهركن مليش فيه....!!!
...................................!!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا