إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
نكمل سويا مقالاتنا في قصص الصحابه عن حياة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه نكمل حياته في الجهاد مع رسول الله .......
قصص الصحابه | عثمان بن عفان 8
شفاعة عثمان بن عفان في عبد الله بن أبي السرح في فتح مكة:
لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صل الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى, فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على الصحابة فقال:«أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله»
فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال:
«إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين».
وجاء في رواية: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله الناس إلا أربعة نفر، وقال:
«اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح».
فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعد بن حارث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا، وكان أشب الرجلين فقتله،
وأما عكرمة فركب في البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا،
فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لم ينجني في البر غيره، اللهم لك عليَّ عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ولأجدنه عفوا كريما، فجاء وأسلم.
وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صل الله عليه وسلم ، ثم ذكر الباقي كما مر معنا.
وعن عبد الله بن عباس قال: كان عبد الله بن سعد بن أبي السرح يكتب لرسول الله صل الله عليهوسلم ، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صل الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان، فأجاره رسول الله.
وذكر ابن إسحاق سبب أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه فقال: وإنما أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بقتله لأنه كان قد أسلم، وكان يكتب لرسول الله صل الله عليه وسلم الوحي، فارتد مشركا راجعا إلى قريش، ففر إلى عثمان بن عفان وكان أخاه للرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله صل الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة فاستأمن له، قال ابن هشام: ثم أسلم بعد، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر .
غزوة تبوك:
في العام التاسع الهجري ولي هرقل وجهه المتآمر صوب الجزيرة العربية متلمظًا برغبة شريرة في العدوان عليها والتهامها، وأمر قواته بالاستعداد وانتظار أمره بالزحف، وترامت الأنباء إلى الرسول صل الله عليه وسلم فنادى في أصحابه بالتهيؤ للجهاد وكان الصيف حارا يصهر الجبال، وكانت البلاد تعاني الجدب والعسرة،
فإن قاوم المسلمون بإيمانهم وطأة الحر القاتل وخرجوا إلى الجهاد فوق الصحراء الملتهبة المتأججة فمن أين لهم العتاد، والنفقات التي يتطلبها الجهاد؟ لقد حض الرسول على التبرع فأعطى كلٌّ قدرَ وسعه، وسارعت النساء بالحلي يقدمنه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يستعين به في إعداد الجيش،
بيد أن التبرعات جميعها لم تكن لتغني كثيرا أمام المتطلبات للجيش الكبير، ونظر الرسول صل الله عليه وسلم إلى الصفوف الطويلة العريضة من الذين تهيأوا للقتال وقال:
«من يجهز هؤلاء ويغفر الله له؟»
وما كاد عثمان يسمع نداء الرسول صل الله عليه وسلم هذا حتى سارع إلى مغفرة من الله ورضوان، وهكذا وجدت العسرة الضاغطة (عثمانها المعطاء) ، وقام رضي الله عنه بتجهيز الجيش حتى لم يتركه بحاجة إلى خطام أو عقال.
يقول ابن شهاب الزهري: قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيرا، وستين فرسا أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول:
«ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين.
لقد كان عثمان رضي الله عنه صاحب القدح المعلى في الإنفاق في هذه الغزوة, وهذا عبد الرحمن بن حباب يحدثنا عن نفقة عثمان حيث قال: شهدت النبي صل الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة،
فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله، عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله، عليَّ ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل على المنبر وهو يقول:
«ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه».
وعن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنهما- قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صل الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صل الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فجعل النبي صل الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول:
«ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مرارا.
إنه يبدو وكأنه الممول الوحيد للأمة الجديدة، ومضى الرسول صل الله عليه وسلم على رأس جيشه حتى وصلوا موطنا يدعى تبوك في منتصف الطريق بين المدينة ودمشق، وهناك جاءته الأنباء مبشرة بأن هرقل الذي كان يعد العدة للزحف من دمشق قد ثلم الله عزمه، وغادر دمشق نافضا يديه من محاولته اليائسة بعد أن علم بخروج النبي وأصحابه إليه،
ورجع الجيش بكل عتاده الذي أمده به عثمان، فهل استرجع من ذلك شيئا؟ كلا.. وحاشاه أن يفعل، وقد ظل كما كان دوما سريع التلبية لكل إيماءة من النبي صل الله عليه وسلم تعني جديدا من البذل، ومزيدا من العطاء.
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا