مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية كاملة جديدة للكاتب عمرو عبدالحميد والمليئة بلإثارة والغرائب والخيال فتابعونا علي موقعنا قصص 26 و موعدنا اليوم مع الفصل الخامس والعشرون من رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد - الفصل الخامس والعشرون
استيقظت أسيل فوجدت خالدا ويامنا في انتظارها،ًفسألت خالدا على الفور :هل اتخذت قرارك؟
فابتسم خالد: نعم.. لقد قررت أن أجازف، وأفعل ما أخبرنا به إياد.
فصمتت أسيل حتى أكمل: وسأنتظر حتى يوم زيكولا حيثما كان.. بعد ثمانين يومًا أو بعد خمسة أشهر.. وسأعمل كي أسترجع جزءًا كبيرا من ذكائي حتى عودتي..
فسألته وبدا الحزن على وجهها: ألم تجد حلا آخر؟ .. فهز خالد رأسه نافيًا فسألته مجددًا :ولماذا لا تنتظر حتى تعمل أولا فيزيد مخزونك.. ثم تحفر نفقك قبلها بأيام وتحافظ على ذكائك.. كما فعلت حين اشتريت كتابك؟
فأجابها :فكرت في ذلك.. ولكنني أصبحت أعلم جيدا طبيعة أهل زيكولا ومدى انتهازهم.. كلما اقتربنا من ذلك اليوم.. سيطلب من يحفرون النفق الكثير من الأجر.. ربما يطلبون ضعف الثلاثمائة وحدة أو ضعفين.. ثم نظر إليها وابتسم :سأكون بخير يا أسيل.. سأكون بخير.. أريدك فقط أن تكوني معي..
فابتسمت اسيل حتي تحدث يامن: هيا.. علينا أن نجد إيادًا ..
ولم يكد يكمل جملته حتى وجدوا إياد يدخل إليهم فابتسم يامن: كنا في طريقنا إليك..
فضحك إياد: أعلم ذلك.. ولذا أردت أن أوّفر القليل من الوقت.. ثم نظر إلى خالد : هل اتخذت قرارك؟
فرد خالد :نعم.. وسأترك لك المسئولية لمتابعة ذلك النفق وسأعطيك مقابلا.. ولكنه ليس كبيرا وليس الآن ..
فابتسم إياد: لا بأس.. ثم أكمل: كنت أعلم أنك ستقرر ذلك.. ثم تحرّك خطوات إلى الخارج، وعاد ومعه فتى ملابسه بالية ثم أشار إلى خالد
وحدث الفتي :إنه من يريد أن يستأجر بيت سيدك..
فتحدث الفتى: حسنا، ولكن سأكررها.. إلى يوم زيكولا فقط.. بل اليوم السابق له حتى.. يوم يُفتح باب زيكولا.. إن عاد سيدي فلن يترككم لحظة واحدة ببيته.. وربما يقتلني إن علم أنني من أدخلتكم بيته..
ًفأومأ خالد إليه برأسه موافقا دون أن يتحدث ثم نظر إلى إياد: ومتى يأتي عمالك؟
فهمس إليه إياد: سيأتون بعد قليل.. لا تخبر الفتى بما سنفعله أسفل بيت سيده.. ربما يضيع كل شيء إن علم بذلك.. سيأتون بعد أن يرحل.. بعدها نظر خالد إلى الفتى: حسنا.. أستأجر منك البيت حتى يوم فتح باب زيكولا مقابل مائتي وحدة..
فابتسم الفتى وأخرج مفتاحًا حديديًا كبيرا: وهذا مفتاح بيت سيدي..
وما إن أخذه خالد حتى شعر بألمٍ شديدٍ برأسه.. فنظرت إليه أسيل في لهفة واقتربت منه بعدما أمسك برأسه: خالد، تماسك.. أرجوك تماسك.. أعلم أن اليوم عليك شاق ..
فلم يرّد وظل ممسكا برأسه وبدأ شحوب جلده يزداد.. حتى سألته: خالد.. هل أنت بخير؟
فأجابها بصوت منخفض: نعم..
ولم يترك رأسه حتى مر قليل من الوقت.. وخرج إياد وعاد مجددًا وتحدث اليه : لقد أتى زعيم العمال الذين سيحفرون النفق.. ولكنه يريد أن يأخذ الثلاثمائة وحدة دفعة واحدة.. هل ستعطيهم أجرهم دفعة واحدة كما طلبوا؟
فنطقت أسيل على الفور: لا.. لن يدفع لهم ثلاثمائة وحدة الآن ..
فأمسك خالد بيدها.. ثم تحدث إلى إياد: هل يأخذون أجرهم دائمًا هكذا؟
فرد إياد: نعم.. وهذا ما سيجعلهم يكتمون أمر ذلك النفق.. الذي قد يودي بحياتنا
جميعًا..
فنطق خالد في صوت هادئ : حسنا.. سأعطيهم ما يريدون ..
فصرخت إليه أسيل: خالد.. إن هذا قد يودي بحياتك..
فابتسم إليها خالد: إنني قوي .. سأدفع لهم مايريدون ، سواء الآن أو بعد ذلك.. ولا أريد أن يخبروا أحدا..
فتحدث إياد: حسنا.. سأدخله إليك الآن ثم أذهب معهم إلى ذلك البيت لأنهم سيبدأون عملهم من اليوم.. وأنت ستواصل عملك.. وستجد نفقك كاملا بعد عشرين يومًا.. وقد اكدوا لي ذلك.. وبعد أن تغادره متى تشاء سأجعلهم يملأون جزءه القريب من البيت بالصخور مجددًا ثم يعيدون أرضية البيت كما كانت.. وأتمنى ألا يثير ريبة صاحبه حين يعود إليه ..
فحدثه خالد : حسنا.. أدخله ..
فخرج إياد.. وعاد ومعه رجل ضخم شعره مجعد وشاربه كثيف، وشفتاه غليظتان، وبيده آلة حفر يدوية سنّها حديدي مدبب، وتخرج منه عصا خشبية سميكة.. ثم نطق بصوته الغليظ: إننا نريد ثلاثمائة وحدة الآن..
فتحدث إليه خالد: لا أريد أن يعلم أحد بذلك أبدا..
فردّ الرجل: حسنا، كما تريد.. إننا نعلم كيف نصون السر جيدا..
فابتسم خالد: حسنا، لك ما تريد..
فابتسم الرجل وهمّ ليغادر قائلا: سنبدأ العمل اليوم.. وسترى كم نحن بارعون ..ثم غادر، ومعه إياد الذي أخذ المفتاح الحديدي معه.. أما خالد فأمسك رأسه من جديد، وتزايدت ضربات قلبه وتسارعت أنفاسه وزاد شحوبه للغاية وشحبت شفتاه، واحمرّت عيناه، ونهض من مكانه، وسار مترنحا بين أرجاء المكان ونظر إلى يامن وأسيل في ذهول وترنح مجددًا وبرزت عيناه وأمسك برقبته كأنه يختنق وأسيل تناديه وقد تساقطت دموعها: خالد.. عليك أن تصمد.. لم يفعل أحد من قبل مثلما فعلت.. خالد.. ستصمد.. إنك قوي .. أعلم أنك ستصمد..ستصمد..
ثم أمسكه يامن: خالد.. ستعود إلى بلدك.. ستعود قويا كما كنت.. ستسترجع ثروتك..
وخالد ما زال يتحرك ويهذي ولا يدري بشيء من حوله وينظر إلى ذراعه التي أصبحت صفراء شاحبة وإلى كفيه اللتين ارتعشتا قليلا.. حتى أراد أن يتجه نحو الباب وما إن تحرّك خطوات نحوه حتى سقط على الأرض، وظل جسده ينتفض وضمّت أسيل رأسه إلى صدرها ورجلاه تنتفضان بقوة حتى هدأتا رويدا رويدا وأغمض عينيه.. فنظرت أسيل باكية إلى يامن: كنت أعلم أن ذلك سيصيبه.. ولكنني لم أعلم أنني لن أستطيع أن أراه هكذا..
وزادت دموعها، ومررت يدها فوق شعره، وأكملت: إن اليوم سيكون أصعب أيامه في زيكولا.. إن مخزونه الآن لا يزيد عن مائة وحدة.. عليه أن يأخذ قسطا كبيرا من الراحة اليوم ..
فرد يامن: حسنا.. سأتركه ينام حتى الغد، وأنا سأذهب كي أرى عملنا الجديد.. لابد وأن نعمل من الغد.. لقد أصبح هدفي الآن أن يستعيد خالد ذكاءه قبل أن يغادر زيكولا.. وسأتابع مع إياد أيضا حفر ذلك النفق ..
فقالت أسيل، ومازالت دموعها على خديها : حسنا.. عليك أن تحمله إلى سريره الآن.. وأنا سأظل بجواره حتى تعود..
غادر يامن بيت ضيافة الطبيبة بعدما حمل خالد إلى سريره.. وترك بجواره أسيلا التي ظلت تنظر إليه، وتحاول أن تتمالك نفسها من البكاء مجددًا وتسكب القليل من الماء البارد على يدها ثم تمررها على وجهه وعلى لحيته الناعمة ثم على شعره الناعم.. وخالد مُغلقة عيناه، ويهذي بكلمات غير مفهومة، وأسيل تنظر إليه وتتذكر حين اصطدم حصان عربتها به ورأته لأول مرة.. ثم تتذكر حين قرأت كلماته التي كتبها عنها وأنها حورية زيكولا، وتمسح مجددًا وجهه بالماء، وابتسمت حين تذكرت حديثه إليها حين رأى نجمًا لامعًا فريدا، وأخبرها بأنه قد سمّاه أسيلا تشعر بأنها تراه أمامها كما رأته حين وقف أمام عمال المنطقة الشرقية كقائدهم وجعلهم بكلمات منه ويتخلون عن خوفهم، ويتحدون ضد آخذي وحدات الحماية.. وبدأت تتحدث إليه بصوت هادئ: ستكون على مايرام يا خالد.. ستكون بخير..
ثم نهضت لتحضر المزيد من الماء فوجدته يهذي، ويعلو صوته: جدي.. منى.. منى.. جدي..
فتوقفت قدماها حين سمعته.. ثم أكملت طريقها لتحضر الماء.. حتى عاد يامن،
وظلا بجواره ساعات طويلة دون أن يغفو لهما جفن .. حتى مرّ ذلك اليوم...
في صباح اليوم التالي فتح خالد عينيه فوجد أسيلا ويامنا بجواره فضحك،
فسألهما: لماذا تجلسان هكذا؟ !
فابستم يامن وابتسمت أسيل، وردّت: لقد أصابنا القلق فحسب..
فصمت خالد، ولم يتحدث بعدما نظر إلى ذراعه ثم نظر إلى يامن، وحدثه بصوت هادئ: هل بدأوا العمل؟
فأجابه: نعم.. لقد بدأوا بالأمس..
فسأله مجددًا: ونحن لماذا لانعمل معهم؟ !
فابتسم يامن: لدينا عملنا..
فصاح به في غضب: ولماذا تجلس هنا؟ !
فابتسمت أسيل، ونظرت إلى يامن : نعم.. لماذا تجلسان؟ .. هيا انهضا إلى عملكما؟
ًفنظر خالد إلى أسيل مندهشا : ألن نساعدك؟
فابتسمت: كنت أتمنى ذلك.. ولكن مرضى تلك المنطقة أغلبهم من النساء.. لقد وجد يامن لك عملا ستوفر منه ست وحدات باليوم..
فركل يامن بقدمه: حسنا.. هيا بنا إلى العمل..
فضحك يامن: حسنا يا صديقي.. انتظر حتى أغسل وجهي بالماء.. أراك أصبحت متسرعًا قليلا..
اتجه خالد مع يامن إلى عملهما الجديد في المنطقة الغربية.. وخالد يسير واجمًا،
وقد بطأت حركته وكلما سار بمكان ما تلفت حوله كثير وظل يسأل يامنا الكثير من الأسئلة واليى أجابها له يامن من قبل، ويامن يبتسم ويجيبه مجددًا.. حتى وصلا إلى عملهما الجديد..
فتحدث إليه يامن : هنا سنكسر الصخور مثلما كنا نكسرها في المنطقة الشرقية.. أتتذكر؟
فرد خالد : نعم.. أتذكر..
فأكمل يامن: أعلم أن كفاءتك ستكون أقل.. ولكن ما عليك سوى أن تقلدني في عملي.. إنه عمل لا يحتاج إلى ذكاء.. وحين ننتهي من عملنا سننال أجرنا.. ثم نذهب إلى إياد لنرى نفقك يا صديقي..
بدأ خالد يعمل مع يامن.. وكانت كفاءته أقل كما أخبره.. وكلما اشتد بعمله زاد تعبه وإنهاكه وأراد أن يستريح.. فيحدثه يامن بأن يعمل ويحمّسه: هيا يا خالد.. هيا.. إنك بحاجة إلى كل وحدة..
فيعمل مجددًا، ويحاول أن ينافس يامنا، ولكنه لا يستطيع.. فيُهدئ يامن من عمله، ويكسر مثله ببطء.. ثم يوحي إليه بأنه من تفوق في تلك المنافسة.. حتى انتهيا من عملهما، وأخذا أجرهما، واتجها إلى ذلك البيت الذي استأجره.. فوجدا إيادً ا
هناك بمفرده وعمال الحفر قد انصرفوا
فسأله خالد في غضب: أين العمال؟
فأجابه إياد: إنهم قد انصرفوا.. لن يستطيعوا أن يعملوا مع هدوء الليل.. إن ضجيج النهار يستر خلفه ضجيج الحفر..
فصاح به خالد: إننا نريد أن نسرع..
ّفأشار يامن إلى إياد بأن يُهدئ من حديثه.. وأن خالدا ليس كطبيعته ثم أمسك
بيده وتحرّك بهما إلى إحدى غرف الطابق السفلي بالبيت: انظرا.. لقد تخلصوا اليوم من أرضية تلك الغرفة، ومعها الطبقة الصخرية الصلبة.. إنها أصعب ما في الأمر.. بعد ذلك أعتقد أن الحفر سيكون سهلا.. وسينتهى في موعده بعد عشرين يومًا.. ثم نظر إلى خالد: اطمئن.. سأجعلهم يعملون ليلا أيضا، ولكن مع اقترابهم من نهاية النفق.. ثم
ضحك: من سيزيل تلك الصخور والرمال التي سيخرجونها من النفق، غيرهم؟ !..
فهدأ خالد، وهمّ للمغادرة: افعلوا ما تشاءون .. ثم نظر إلى يامن: يامن.. أريد أن أعود إلى المسكن ..
فابتسم إليه يامن في هدوء: حسنا يا خالد.. سنعود.. ثم نظر إلى إياد: إياد.. إن مصير خالد مصيرى.. لن أوصيك.. فضحك إياد لا أنسى أننى سأنال أجرا لمتابعة هؤلاء العمال..
توالت الأيام يومًا تلو الآخر وخالد يعمل مع يامن ويترك كل ما يريد أن يأخذ قرارا بشأنه إليه ولا يناقشه بشئ.. ما يريده فقط أن يعمل وينال أجره.. ثم يتجها إلى إياد ومن معه من عُمال وتأتى إليهم أسيل حين تنتهى من عملها وخالد ينظر إلى ما يفعلونه من بعيد.. ولا يتدخل بعملهم مطلقا.. وقد تعمّقوا بالأرض مسافة عمودية قد تصل إلى مترين، و وضعوا بها سُلما خشبيًا صغيرا.. ومنها بدأوا يحفرون نفقا أفقيًا.. واندهشت أسيل حين نزلت تلك الحفرة، ونظرت إلى النفق الأفقى.. وتعجبت من تلك البراعة التي يحفرون بها.. و كلما حفروا مسافة معين دعّموها بالأخشاب حتى لا ينهار ما فعلوه.. وتنظر إلى خالد ضاحكة: لقد بدأ العمل بحق يا خالد.. ستحقق أملك قريبًا.. ثم نظرت إلى إياد، وطلبت أن تتحدث إليه بعيدا عن خالد ثم سألته: هل سيستطيع أن يسير بذلك النفق..
فأجابها إياد : بالطبع لا.. إن ارتفاع النفق لا يتجاوز مترا.. عليه أن يزحف به.. أو يتحرّك على ركبيته.. إنها ليست مسافة كبيرة ..
فصمتت أسيل ثم سألته مجددًا: وماذا عن تهويته.. أخشى أن يختنق داخله فابتسم إياد: أرى أنك تخشين عليه كثيرا.. لا أرى أنها مشكلة على الإطلاق.. إن النفق سيكون
مفتوحًا من الجانبين.. وهذا بالطبع سيمرر الهواء..
فردت أسيل: أتمنى ذلك..
واستمرت الساعات في مرورها.. ومرت الأيام معها.. وخالد يواصل عمله.. والعمال يحفرون نفقه.. ويسرعون في عملهم دون أن يد ري أحد بما يحدث تحت الأرض الخالية بين سور زيكولا والبيت القريب منه.. يحفرون نهارا ويتخلصون من صخور الحفر ليلا.. ويامن يزداد الأمل أمامه، وكلما نزل النفق، وزحف على ركبتيه أمتارا به ومعه شعلة من النار يضحك، ويتحدث إلى خالد الذي ينتظره عند فتحته..
ويعلو صوته إليه: انظر يا خالد.. لم يعد سوى مسافة قليلة إلى سور زيكولا.. انظر يا خالد.. ستخرج من زيكولا كما تريد..
وخالد يستمع إليه ويبتسم ويتحدث إلى نفسه:"سأخرج يا يامن.. سأخرج.."
وتمر الأيام أكثر وأكثر، وأسيل تنهي عملها كل يوم لتذهب إلي ذلك النفق.. فتجد خالدا ويامنا هناك فتجلس بجوارهما ويداعبان خالدا ولا يتركانه حتى يعود معهما إلى ذلك المسكن.. دار الطبيب.. بعدما رفض أن يسكن بالطابق العلوي
بالبيت ذاته ..و قد وافقاه فيما أراد.
حتى جاء اليوم الثامن عشر من بداية الحفر، وكان خالد يجلس مع يامن بمفردهما، فنظر إليه: يامن.. لقد أخبرتك من قبل أنني أحب أسيلا..
فرد يامن مبتسمًا: نعم
فأكمل خالد: لم يعد يتبقى على إتمام النفق ومروره أسفل سور زيكولا سوى القليل.. وأنا أود أن أخبر أسيلا بأنني أحبها.. وأن أطلب منها أن تأتي معي إلى بلدي..
فابتسم يامن: مازال هناك وقت حتى يوم زيكولا..
فصمت خالد ثم نظر إليه: أعتقد أنني تأخرت كثيرا كى يأخبرها بذلك.. أرى أن الوقت قد حان لتعلم كم أحبها..
فسأله يامن: هل تريد أن تخبرها بذلك الآن؟
فأجابه : لا أعلم.. ما أعلمه أننى لا امتلك من الذكاء سوى مائتى وحدة أو أكثر بقليلا.. وأخشى ألا أكون ذكيًا في حديثى معها ..
فابتسم يامن: إنها تعلم من أنت يا خالد.. وهي تحبك.
فابتسم ابتسامة حزينة: أريدك فقط أن تخبرني ماذا أفعل.. كنت أظن الأمر سهلا.. ولكنني لا أجده بتلك السهولة.. أخشى أن يكون تواجدها معي تعاطفا ليس حبًا ..
ًفصمت يامن قليلا ثم ضحك وقال : سأخبرك ماذا تفعل، ثم سأله: أين أوراقك التي كنت تكتبها؟
فأشار خالد إلى أغراضه : إنها هناك بين أغراضي..
فسأله: كتبت بينها أنك تحب أسيلا؟
فأجابه خالد: نعم..
فسأله: وهل قرأتها أسيل؟
فأجابه: لا.. إنها قرأت الأوراق الأولى فقط.. حين كنت أمدحها.. ولكنها لم تقرأ أنني أحبها منذ دخولي إلى زيكولا.
فابتسم يامن: حسنا سآخذ تلك الأوراق، وسأجعلها تقرأها، وستتأكد من حبك لها، ولن تنتظر حتى تذهب إليها.. أراهنك بخمس وحدات من الذكاء.. أنها حين تقرأ تلك الأوراق ستأتي إليك مسرعة وتقول أحبك يا خاااااالد..
فابتسم خالد: حسنا لفعل ما تشاء.. أما أنا فأريد أن أذهب إلى إياد ومن معه من عمال الآن.. ثم أتجول بين شوارع المنطقة قليلا.. لا أريد أن أنام الليلة.. أشعر أنها ليلة مختلفة.. لم يعد سوى يومين على انتهاء العشرين يومًا التي أخبرني بها إياد
بعدها خرج .. أما يامن فقد حمل أوراقه واتجه بها إلى غرفة أسيل وطرق بابها برفق.. ففتحته فابتسم، وأظهر إليها أوراق خالد، وتحدث : ان خالد قد خرج ولا أعلم أين هو.. وأنا سأخرج الآن.. حين يأتي، أريدك أن تخبريه بأنني قد وجدت أوراقه مبعثرة.. ثم أعطاها لها
فابتسمت أسيل: حسنا سأعطيها له حين يعود..
ثم أخذتها وأغلقت بابها على الفور وأسرعت إلى سريرها وبعثرت الأوراق أمامها في سعادة.. تريد أن تقرأ ما كتبه خالد عنها.. وزادت من إضاءة غرفتها وأمسكتهم ورقة ورقة.. وكلما انتهت من قراءة إحداهن تناولت الأخرى .. وظلت تقرأ ما كتبه خالد عنها في البداية، والذي قرأته من قبل وأنها حورية زيكولا.. ثم بدأت تقرأ ما كتبه خالد عن زيكولا، وعن أهلها، وعن مناطقها.. حتى قاطع تركيزها الشديد صوت طرقات شديدة على باب غرفتها، وحين نهضت وفتحت بابها.. فوجئت ببعض الجنود
ويتحدث قائدهم : أيتها الطبيبة.. إننا من حراس الحاكم.. لابد أن تأتي معنا على الفور فسألته في دهشة: لماذا؟
فأجابها: لا أعلم سيدتي.. لقد أمرني سيدي الحاكم أن آتي بك على الفور .. يبدو أن سيدتي ليست على مايرام..
هدأت أسيل :حسنا.. سآتي معك.
ثم أغلقت باب حجرتها مرة أخرى وبدلت ملابسها ولملمت أوراق خالد سريعًا لتحملها معها.. ولم تدر أن هناك ورقة قد أسقطتها دون أن تشعر .. خرجت أسيل مسرعة مع حراس الحاكم.. وأرادت أن تخبر خالدا أو يامنا بأنها ستذهب إلى المنطقة الوسطى فلم تجد أيا منهما.. فركبت العربة الفخمة التي جاءوها بها وبدأت العربة في التحرّك، وهي تنظر عبر نافذتها لعلها تجد خالدا و لكن دون جدوى فحدث نفسها :
- إن المنطقة الوسطى ليست ببعيدة.. سأذهب إلى هناك، وسأعود على الفور ..ثم طلبت من قائد الحراس الذي كان يجلس أمامها في العربة أن يزيد من إضاءة المصباح الناري كي تتمكن من قراءة باقى أوراق خالد التي أحضرتها معها حتى تصل إلى قصر الحاكم.. وبدأت تقرأ مجددً ا ما كتبه بينما تسير العربة، وبدا السرور على وجهها.. حتى وصلت إلى آخر ورقة معها، وزادت ضربات قلبها حين وجدت أن خالدا قد كتب بها أنه قابل فتاة أثناء عمله بتكسير الصخور تشبه منى حبيبته التي أحبها ست سنوات، وكادت دموعها تسقط حين انتهت الورقة، وقد كتب: "ما أعلمه جيدا أنني لم أحبّ غير منى طوال عمري"
وانتهت الأوراق معها فحاولت أن تتمالك نفسها.. حتى شعر قائد الحراس بذلك بعدما بدا التوتر على وجهها، ولمعت عيناها بالدموع، وتسارعت أنفاسها، وكأن صدمة أصابتها فسألها: أهناك مكروه، سيدتي؟
فأجابته في حزن: لا شيء.. ثم نظرت عبر النافذة، ولم تحرك ساكنا..
في الوقت ذاته عاد يامن إلى المسكن ووجد فتاة تخرج من حجرة أسيل ،،كانت تقوم بتنظيفها
فسألها: أين الطبيبة أسيل؟
فأجابته: لقد خرجت مع جنود الحاكم..
ثم أخرجت ورقة صفراء وأكملت: وقد سقطت منها تلك الورقة يا سيدي.
فأمسك يامن بالورقة فوجدها إحدى أوراق خالد، والتي كتب ببدايتها: "لم أحب غيرها طوال عمري قبل أن آتي إلى زيكولا.. حتى وجدت أسيلا التي يزداد شعوري كل يوم بحبها لي.. أما أنا فأشعر تجاهها بحب لم أشعر بمثله من قبل.. "
فظهرت خيبة الأمل على وجهه ثم سأل الفتاة: ألا تعلمين لماذا جاءها جنود الحاكم في ذلك التوقيت المفاجئ؟
فأجابته: لا أعلم سيدي.
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس والعشرون من رواية أرض زيكولا عمرو عبدالحميد
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا الجزء الأول
تابع من هنا: جميع فصول رواية دمار قلب بقلم كنزى حمزة
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا الجزء الأول
تابع من هنا: جميع فصول رواية دمار قلب بقلم كنزى حمزة
تابع أيضاً: جميع فصول رواية العنيد بقلم الشيماء محمد
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا