مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الثاني الثلاثون برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الواحد والثلاثون"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل الثاني والثلاثون
"فاضل 11 ساعة، بلاش تخليني أضطر أنفذ تهديدي ..."
نظرت للهاتف بذهول، وسرعان ما تحول ذهولها إلى الغضب، زفرت بحنق تنظر إلى ما كتبه ذاك المختل، وقد فقدت القدرة عن التعبير ...
كم يبدوا جادًا تلك المرة!
ماذا لو كان سـ.. لا لا، لا يجب أن أفكر بتلك الطريقة، هو فقط يحاول تهديدي ولن يفلح كعادته..
وضعت الهاتف أسفل الوسادة ثم وضعت رأسها عليها، وأغمضت عينيها، لكن لا يزال هناك شعور ما سيء بداخلها، هي تشعر بعدم اطمئنان للغد، وسرعان ما قامت مجددًا معتدلة في فراشها، وأخرجت الهاتف طالبة رقم أحدهم وهي تمتم مع نفسها بخفوت:
-أنا بس هطمن على براء الأول بس وبعدها أنام..
استمعت إلى صوت الجرس في الجانب الآخر وهي تهز ساقها باتزان، ولم يطل الأمر حتى سمعت:
- سلام عليكم، أيوة يا جوري فيه حاجة!
تنفست بارتياح حالما سمعت صوته، ثم أجابته بهدوء:
-لأ، كنت بس عاوزة أعرف، انت روحت ولا لأ!
أجابها بنبرة منهكة:
-آه روحت من نص ساعة، يادوبك إتغديت عشان مكالتش من الصبح، ورايح أنام عشان مش قادر
ابتسمت بمودة وهي ترد عليه:
-طيب روح انت نام عشان شكلك تعبت من الصبح، وبكرة لو عرفت تعالى عندنا
أجابها بهدوء:
-لأ، بكرة مش هينفع خالص، عندي شغل مهم جدًا هيفضل وقت طويل
تغيرت تعابير وجهها وبدأ القلق يجتاحها من جديد، وظلت صامتة فتابع هو حين لم يجد منها تعقيبًا:
-طب بصي، بالليل على 10 كدة لو عرفت أجيلك هجيلك..
حافظت هي على نبرتها الهادئة وردت:
-إن شاء الله، المهم خلي بالك من نفسك ...
بعد أن أنهت الحديث معه، أعادت وضع رأسها على الوسادة مرة أخرى، صحيح لم تكن مرتاحة البال بالكلية، إلا أنها خففت حدة التوتر الزائد لديها قليلاً، لتعود وتقنع نفسها من جديد أنه كانت تعلم أنه بخير، ولن يصيبه بأمر الله شيء، ثم لا أحد سيمس شعرة منه، لا أحد إن شاء الله ...
مضت ساعة كاملة، الأمر مزعج جدًا، لا يغمض لها جفن، فتساءلت فجأة بينها وبين نفسها، لما لا تلجأ لمن لا تنفك كرباتها إلا بمساعدته؟!
لم لا تلجأ إلى الله!
لم تنتظر أكثر من ذلك، وذهبت نحو الحمام لتوضأ وفي نيتها الاستعانة بالله ..
الاستعانة بالمعين ...
..................
صباحًا..
وقف هو وسار نحوها بثبات لبضع خطوات، وما لبث أن وقف أمامها وقد اتسعت عيناه اندهاشاً وسأل:
-إنتي بتتكلمي بجد؟!
أومأت رأسها أي نعم، وأضافت بنبرة بها بعض الترجي:
-أيوة، آآآ.. أنا زهقت من البيت، أنا مش متعودة أفضل كل الفترة دي من غير شغل..
حك رأسه مستفهمًا، وقال على مضد:
-إيه الشغل ده طيب؟
ابتسمت حينها فقد بدأت ساحة الحوار تنفرج، ثم أجابته بتلقائية :
-هشتغل مع يمنا صاحبتي في الحضانة بتاعتها
رد وكأنه يتذكر شيئًا ما:
-يمنا دي اللي كانت بتجيلك البيت اليومين اللي فاتوا؟!
اقرأ ايضاً ... الحب والقدر بين الحياه والموت أجمل قصص الحب الواقعيه
-أيوة هي، هي عرضت عليا، وأنا قولتلها هسألك الأول
ابتسم لها بحنو، لقد بدأت تتناسى أنها تكبره بأكثر من أربعة أعوام، أو أنها بالفعل تتعمد هذا، تتعمد أن تشعره أنه رجُلها حتى ولو كانت هي الأكبر ...
وضع يده على وجنتها وهو يتحدث بهدوء:
-أنا عاوز راحتك بس، ولو الموضوع ده هيخليكي تبقي أحسن، أنا معنديش مشكلة
ازدادت ابتسامتها اتساعًا، قبل أن تضمه بسعادة وهي تردف:
-شكرًا يا سُهيل
مسح على شعرها، وهو يتحدث ضاحكًا:
-للدرجادي فرحانة؟
ابتعدت عنه قليلاً وهي وتقول:
-آه أصل كنت مفكراك مش هتوافق
نظر لها مطولاً وهو يبتسم بلمحة من حنان ورفق..
للحق، لم يعلم أن الأمر سيجعلها سعيدة إلى تلك الدرجة، لو كان يعلم لما ناقشها من البداية ووافق سريعًا..
لقد تطورت علاقتهما في تلك الفترة أكثر من أي وقت مضى، فقد اشتغل دومًا على إبهاجها وإرجاع أخته القديمة فيها، وفي المقابل، أعطته هي مفاتيح حياتها لكي يفتح هو لها إذا ما أرادت شيئًا، لقد أشعرته بالمسؤولية، وترتب على هذا، سرعته الكبيرة في إيجاد عمل مناسب، وكانت تلك هي المرة الأولى في حياته التي يعمل بها ...
لقد كان مدللاً في عائلته، حتى أنه حين طلب سيارة وألح في طلبها لم يمض شهر إلا وكانت معه، لكن في الوضع الجديد، يحمل مسؤولية نفسه، وأخته، وبيته، وللعجب لقد أحب تلك الحياة أكثر بألف مرة من الأخرى!
في وجهة نظره، لا حياة أفضل من حياة أسرة مترابطة، وحبها لبعضها حتى وإن كانت صغيرة ...!
-هتبدأي من إمتي!
-هي قالتلي براحتك، بس أنا بقول من بكرة
-خلاص يا روزي، من بكرة هوديكي أنا الصبح، شوفي كل حاجة وأنا هكون جاهز إن شاء الله على الوقت
أومأت رأسها مبتسمة وصمتت، فقال هو:
-أجيب غدا إيه وأنا جاي النهاردة
أجابته على الفور:
-لأ متجيبش، أنا اللي هطبخ النهاردة
سألها بفضول :
-هتطبخي إيه ؟
هزت رأسها نافية، ثم تحدثت :
-مفجأة، ويلا بقي هوينا على شغلك عشان تيجي تلاقي الأكل جاهز
قالت تلك الجملة وهي تجره نحو الباب، فضحك هو وقال لها:
-للدرجادي مش طايقاني!
-أيوة نهائي، يلا بقى
ثم أمسك يده لتنظرت في ساعته، وشهقت مازحة وهي تردف:
-انت إتأخرت نص ساعة كاملة!
إتسعت عيناه هو الآخر وسرعان ما ارتدى حذاءه وهو يقول:
-أنا اتأخرت خالص!
راقبته هي حتى إنتهى وهي تحاول منع نفسها من الضحك، ولكن بمجرد أن رأته يذهب ويغلق الباب حتى ضحكت وهي تتجه للمطبخ، ولكن فجأة وجدت الباب يطرق من جديد، فأسرعت نحوه ونظرت من خلف الباب، لكنها فتحت بسرعة وهي تنظر له وتسأله بهدوء:
-إيه نسيت حاجة؟!
إستند على حافة الباب ونظر لها بحاجب مرتفع، ونظرة السخرية تعلو محياه، قبل أن يردف بهدوء وهو ينظر في الساعة:
-نص ساعة تأخير يا مفترية، وأنا أصلاً لسا على ميعاد نزولي نص ساعة!
ضحكت هي فدخل البيت قائلاً بضيق وهو يمسك شعرها ويشده برفق:
-بطلي مقالب بقى في خلق الله يا شيخة!
تذمرت هي بلهجة طفولية وهي تتحدث:
-لو مرزلتش عليك أرزل على مين يعني!
نظر لها مليًا قبل أن يتركها ويضحك مجددًا، وشاركته هي الضحك..
اقرأ ايضاً ...عيد الحب والقديس فالنتين
فتحت عينيها، ولكنها لم تبصر شيئًا..
يحيط بها الظلام من جميع الجهات، وبالرغم من أنها فتحت عينيها، لكن لا فائدة، ظلام مرعب تقشعر له الأبدان، بدأت ساقيها ترتجفان وهي تحاول النهوض، لتتفاجأ أنها كانت نائمة على الأرض كل تلك المدة، تهادت في مشيتها، فظلت تمشي ببطيء شديد خشية من أي شيء..
تقدمت قليلاً وبدأت تلحظ ضوءً خافتًا في نهاية ذاك الظلام..
كلما تقدمت أكثر نحو الضوء، ازداد وهجًا، فأسرعت أكثر لترى ما هذا الضوء وسط كل الظلام هذا..
بمجرد أن توقفت أمامه وجدت بابًا خشبيًا زيتي اللون، لم يكن الباب مغلقًا، ولم يكن مفتوحًا على مصراعيه، أي أنها حين قررت الدخول فتحت الباب بيسر ...
وسط كل ذاك الهدوء، كان هناك صوت يحاول فرض سيطرته، صوت خاف لأحدهم يبكي، حين سمعت هي ذاك الصوت تملكها الفضول فأخذت تسرع أكثر، كانت غرفة غريبة لم ترها من قبل، غرفة خالية من أي شيءٍ عدا حفرة كبيرة في منتصفها، ورجل جالس في زاوية بعيدة يبكي، وحتى ملامحه لم تتبين ...
اقتربت منه وهي تسال بصوت خافت:
-مين، انت مين؟!
لم يبدوا على ذاك الرجل أنه سمعها، فاقتربت منه أكثر إلى أن وقفت أمامه، حينها فقط اتسعت عيناها وتراجعت للخلف ثلاث خطوات فاقدة القدرة على الحديث..
نظر لها ذلك الرجل بهدوء لفترة قصيرة، قبل أن يقف ويقترب منها، وقد لاحظ أنه حين اقترب خطوتان ابتعدت عنه أربع، فتوقف كي لا تستمر بالتراجع، وظل ينظر لها بهدوء دون أي يتفوه بكلمة، وبالرغم من هذا، لم تتوقف دموعه عن النزول، بل ازداد جريانها على وجنتيه، وازدادت نظراته ألمًا، وحزنًا بعد كل ثانية تمر ...
كانت هي قد بدأت تشعر بالطمأنينة فلن يقربها، وظلت تنظر لعينيه بشيء من الدهشة، حتى أنها لم تستطع سؤاله عما يبكيه..
فجأة بدأ الظلام يخيم على المكان من جديد، وابتعد هو عنها متجهًا نحو الحفرة التي رأتها منذ قليل، وقبل أن يدخلها، التفت لها وقد كان وجهه قد ازداد عبوسًا وقتامة، ثم دخل الحفرة واختفى فيها بعدها ...
استيقظت وهي تصرخ من الرعب، وبدأت تبكي بعدها بانفعال وهي تتنفس بصعوبة..
لم تمضِ عشرة ثوانٍ حتى فُتح الباب عليها بسرعة، ودخلت حور وهي تناديها بقلق:
-كاثرن، فيه إيه مالك؟!
وجدتها تبكي بشدة فأسرعت نحوها، ثم جلست بجانبها وصبت لها كوب من الماء، ثم ناولتها إياه قائلة:
-هشششش خلاص، خدي اشربي
لم تعلم كاثرن لما تبكي من الأساس، إلا أنها شعرت بوجوب ذلك، لقد رأته مرة أخرى، لقد أصبح الأمر مزعجًا، وباتت تراه يوميًا بلا إقطاع، يجلس في الزاوية يبكي، أو في أي مكان ويظل يبكي..
هدأت قليلاً وهي تمسك بكوب الماء، وتشرب منها القليل، حينها سألتها حور بقلق:
-انتي كويسة؟!
أومأت كاثرن رأسها قائلة:
-آه، متخافيش
ظلت حور تنظر لها بحيرة، فهذا ما حدث معها البارحة تمامًا، أعادت حور فتح فمها للحديث، لكن كاثرن سبقتها قائلة وهي تنظر في الفراغ:
-بيجاد، شوفته تاني، كان بيعيط، كان..
صمتت قليلاً وهي تتذكر عينيه، لما خطر لها فجأة أنها سيستمر في لقائها إلى أن تعفوا عنه!
-إنتي مش مسامحاه لحد الوقت؟!
سألتها حور بهدوء، فأجابتها الأخرى:
-لأ، مش مسامحاه
صمتت حور ولم تعقب، فنظرت لها كاثرن وقالت بانفعال:
-مش مسامحاه، دمرلي حياتي، هو السبب في موت أهلي، بكرهه!
سألتها بهدوء مرة أخرى:
-لسا بتخافي منه؟!
أجابتها دون أن تفكر:
-آه، بخاف
ردت عليها حور باستفسار:
-بس هو ميت
أردفت كاثرن حينها بغضب:
-بس كل حاجة عملها فيا لسا موجودة، لسا بفتكره، محسسني إنه عايش مش ميت!
نظرت لها حور مطولاً، في الفترة الأخيرة كانت تزورها هي وزوجها، لقد لاحظت أنها تعاني من اضطراب نفسي سببه لها هذا الضغط النفسي الحاد، والخوف الشديد من كل ما يتعلق بزوجها الراحل.. فبدأ الأمر يزداد معها تلقائيًا إلى ان وصل لحالة من الوسواس، هو ليس حيًا لكنه تشعر به في كل مكان، بالرغم من أنها تعلم أنه قد مات!
معظم ما تراه من كوابيس يأتي نتيجة للخوف الزائد قبل النوم، أو التفكير المتواصل فيما حدث معها فيصبح الأمر وكأنها تفرض على نفسها الشعور بالخوف منه، وترى الكابوس عنه، أو قد يخرج الأمر عن الطب النفسي وتصنيفاته إذا كان زوجها حقًا نادمًا ويريد إيصال اعتذاره لها، أو يريدها أن تعفوا عنه، لكن تَكرر الكابوس كل يوم، هو ما جعلها تشك في الأمر ...
فتحت حور الدرج المجاور لها، وأخرجت منه علبة الدواء، أخرجت شريطًا من العلبة وأعطته لها، مع كوب آخر من الماء، قائلة برفق:
-خدي اشربي الدوا يلا
أخذته منها باستسلام وهي تنظر للبعيد، لنقطة تخطت حتى الحائط، لربما تنطر هي إلى ما وراءه!
-البقاء لله..
كانت تلك الكلمة التي أردف بها الطبيب بنبرة هادئة قبل أن ينصرف، من أمامها، ظلت عينيها متعلقة به، حتى اختفى من أمامها، ثم بضع خطوات إلى داخل الغرفة التي توفي صاحبها، وقفت على عتبة الباب، ترنوه، نائم هو، جسده من أعلى لأسفل مغطى بملاءة بيضاء، حتى وجهه ...
أغمضت عينيها لثلاث ثوانٍ، قبل أن تفتحها، وتأخذ نفسًا عميقًا، ومن ثمة تسير نحوه بخطى ثابتة، توقفت مذ سمعت الطبيب ينبؤها بوفاته عن التفكير، وها هي الآن تقف أمام جثته هادئة، ثابتة، لا تفكر..
وقفت أمامه تمامًا، ونزعت عن وجهه الغطاء، ليطالعها وجه والدها المحبب، ابتسمت بيأس وهي تراه أمامها، لن تبكي، ولن تصرخ، لن تعذبه، كانت تحبه بطريقتها الخاصة طوال عمرها، كانت تعشقه ولا تستطيع مفارقته، كان هو من يجعلها تصمد، ومع ذلك ذهب!
مسحت على شعره لآخر مرة، ثم قبلت رأسه، رفعت رأسها لتنظر لوجهه، فوجدته مبتسم
دار بعقلها الكثير من التساؤلات حينها..
هل هناك أجمل من هنا بكثير يا والدي؟! هل أنت سعيد الآن، هل التقيت بأمي، هل تبث لها أشواقك الآن، هل تشعر بالراحة الآن بعد أن توقفت آلام جسدك، ألن تشتاق لي كما أفعل أنا من الآن يا أبي؟! أم أن السعادة هناك تغنيك عني، أم أن لقاء والدتي وأختي يغنيك عني، لما لم تأخذني معك؟ هل أنا أستحق كل ذاك العقاب؟!
حسنًا يا أبتاه، لتثق سأظل أدعوا لك ما حييت، ما كان بي نفس يتردد، أنت، وأمي، وأختي..
وأنا رضيت بما قسمه الله لي، فلن يخزيني الله أبدًا، كلي ثقة وإيمان ويقين به..
إلى لقاء ليس ببعيد إن شاء الله..
أنزلت عليه الغطاء مرة أخرى، وسمعت صوت هاتفها يرن، لم تنظر له حتى، بل ظلت تنظر إلي والدها بهدوء لفترة..
تكرر الأمر، والهاتف يرن، أمسكته ونظرت للاسم بفتور، كانت تنوي قطع الاتصال، لكن حالما رأت ذلك الاسم، أجابت بلا تفكير..
-أنا كنت بتصلب بس عشان أقولك إن لسا فاضلـ...
-موافقة..
كان ذاك ردها الهادئ، فسألها هو بحيرة:
-موافقة على إيه؟!
ردت بثبات:
-الجواز، بس متلمسش براء
سألها بنبرة أشبه بالصدمة:
-يعني نتجوز!
أجابه بصلابة:
-موافقة
شعر بالقلق، هل هناك شيء ما جعلها تغير مخططها، فهي..
-طيب، قدامك ساعة وتبقي قدام البيت بتاعك وأنا هاجي أخدك
قالت بنبرة حادة برغم أنه لمح الألم الذي فيها، وهي تنظر لجثة والدها:
-لأ، مينفعش النهاردة
رد هو بحزم:
-لأ لازم النهاردة، أنا مجهز كل حاجة!
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته بروية، قبل أن تردف:
-أربع ساعات وهجيلك أنا عند المأذون ..
لم يصدق هو أنها توافق بكل تلك البساطة، لابد أن في الأمر خدعة ما، حتى أنه حين أصر على اليوم وافقت، جويرية ليست كذلك!
سألها بهدوء:
-وإيه اللي خلاكي توافقي!
لم تجبه، فتوقف هو عن طرح الأسئلة، بالكاد يصدق أنها وافقت على شرطه، ثم قال لها بنفس الهدوء:
-خلاص أربع ساعات وتكوني عند منطقة ***** جنب **** وأنا هكون هناك..
..................
هناك مقولة تقول، " الفرح ساعة، تمر كما تمر الريح.. والحزن دهر لا يمر مرور الكرام"..
ربما لذلك الوقت لا يمر، ثقيلة تلك الساعات كما لا شيء ثقيل، لقد غسلوه، وصلوا عليه، وساقوه للقبر..
لقد رحل عنها الآن.. كانت آخر مرة ترى وجهه فيها، وهم يغسلوه..
آخر مرة أبصرته، آخر مرة اشتمت ريحه الطيبة، ذهب الآن ولن يعود، كما ذهب الباقون قبله..
تقف هي الآن أمام قبره، وظلت تنظر للقبر بألم، بانكسار، للحظات شعرت أنها فقدت القدرة على التفكير بأي شيء، لقد فقدت سندها، والدها الحبيب..
تتطاير عباءتها السوداء في الهواء حاملة معها نسمات الحزن والألم، وكأنها تشاركها آلامها.
لمعت عينيها بالدموع، فأبت إلا أن تقيدها، لا يجب أن تنكسر الآن، لا يجب أن تخور قواها أكثر من ذلك، لقد وافقت على عرض الزواج فقط لكي لا تعرض أخيها لأي نوع من الضرر..
صادقة هي مع نفسها وتعلم أنها ضعيفة جدًا الآن، لا قدرة لديها على أي شيء
ثم عادت تسأل نفسها، ما الضرر إن أخذني والدي معه وهو يرحل! ثم استغفرت ربها
وضعت يديها على القبر، ونفضت عنه بعض التراب بهدوء، ثم قالت:
-عارفة إنك كنت بتتعذب في الدنيا بسبب مرضك، وأنا مش زعلانة إنك ارتحت، أنا بس مش قادرة آآ ..
صمتت حين لم تجد القدرة على المتابعة، ونظرت بوجوم إلى السماء ...
..............
وقف هو مستندًا على سيارته، مشيحًا بوجهه للجانب الآخر وكأنه ينتظر شيئًا ما..
-يا صهيب رد عليا، انت جايبني هنا ليه ؟!
نظر له صهيب وكأنه أفاق للحظة من شروده، قبل أن يجيبه بهدوء وهو يأخذ نفسًا عميقًا:
-ماشي يا رحيل هقولك، أنا هتجوز..
عم الصمت المكان للحظات قبل أن يسأله رحيل وكأنه لم يفهم ما قيل:
-انت قولت إيه؟
ابتسم له صهيب ابتسامة عجيبة، ثم أعاد:
-هتجوز
اقترب منه رحيل ووضع يده على جبهته متسائلاً بقلق:
-صهيب انت كويس؟
أمسك صهيب يد رحيل التي على جبهته وأنزلها بهدوء وهو يقول بنبرة ثقة:
-لأ أنا في أحسن حالاتي
ظل رحيل يرنوه بصمت لثواني قبل أن يسأله مجددًا :
-هتتجوز؟!
-آه
سأله بعجب:
-مين؟!
أجابه بفتور:
-جويرية
عقد حاجباه وهو يسأله:
-مين دي!
أجابه وقد بدأ صبره ينفذ:
-اللي هتجوزها، وأنا جيبتك عشان تكون ولي ليها، وعقاب وواحد صاحبه جايين وهيكونوا شهود..
حك رحيل رأسه وهو لايزال مصدومًا، ففاجأه صهيب بقوله:
-أكيد بتسأل نفسك ليه، صهيب عمره ما فكر في بنت
نظر له فجأة فوجد في عينيه حيرة، فتابع ببساطة:
-حابب أطمنك، صهيب لسا زي ما هو، صهيب عمره ما فكر في بنت، بس مقدرش يتجاهل واحدة شابهته في أقل تفاصيله!
للحق، لم يفهم رحيل كلمة واحدة، وهذا ما اراده صهيب، لم يرده أن يفهم، أراده فقط أن يستمع!
شرد من جديد في تفاصيل الطريق متناسيًا كل ما حوله، لم يبقَ إلا عشر دقائق حتى تأتي ومع ذلك، يمر الوقت ببطء رهيب..
أما رحيل قد وقف مصدومًا على الجانب الآخر، لا يستطيع حتى أن يصدقه، فكيف يفعل إذا كان يراه يشمئز منهم أسوأ اشمئزاز، ثم أنه ...
لحظة، "جويرية"، لقد سمعت هذا الاسم من قبل ولكن أين؟
لا يهم، سيراها على أية حال، لكن لما سيكون هو الوالي ؟!، لما ليس والدها أو أحد أقاربها أو غيره، ثم ما دافعه للزواج بـ..
-متفكرش كتير، الموضوع منتهي..
قاطع شروده صوت عقاب الذي حضر توًا وبجانبه وجه لم يرياه من قبل..
نظر له رحيل وسأله بضيق:
-أنا مش فاهم حاجة أصلاً، انت فاهم ؟
هز الآخر رأسه نافيًا قبل أن يجيبه :
-أبدًا والله، زيي زيك، ومعرفش حاجة، بس بقولك كبر دماغك، صهيب لما يركز على حاجة بياخدها..
نظر صهيب للقادمين لعقاب وصديقه للحظات، قبل أن يعيد النظر إلى الطريق مرة أخرى..
وقف الثالث بينهما دون أن ينطق كلمة، كان فقط يراقب الطريق بفتور هو الآخر، ويديه في جيبه..
رن هاتف صهيب فجأة فأمسكه وأجاب على الفور بعد أن قرأ الاسم:
-انتي فين؟
جاءه صوتها الهادئ الذي حمل نبرة ألم غير مبرر له:
-دخلت عند المأذون جوا
صدم هو فمنذ وقت طويل وهو يراقب الطريق بحذر، سألها بدهشة:
-من إمتي؟
أجابته بصوت يحمل الحزم والإنهاك:
-أنا قولتلك أنا جوا، اتفضل ...
ثم قامت بإنهاء المكالمة، نظر للهاتف بغضب، ثم سار نحو مقصده بعد أن أشار لمن خلفه أن يتبعوه ............!!!
....................................!!!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا