مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل السابع والثلاثون برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل االسادس والثلاثون"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل السابع والثلاثون
الثاني عشر من مارس ٢٠١٠
وقفت هي متسعة العينين مندهشة وهي تنظر له، ولم يختلف حاله عنها كثيرًا، وسرعان ما سألوه سويًا:
-مين دة يا عقاب؟!
نظر لهما عقاب مندهشًا وأجابهما بتعجب:
-مالكم، كاثرن دة صاحبي إياس، إياس دي صاحبتي كاثرن!
نظرت كاثرن لعقاب وضيقت عينيها وهي تسأله:
-أيوة، طب بيعمل إيه هنا؟
إبتسم عقاب لها وأجابها بتلقائية:
-بيشتغل هنا، من شهر واحد بس حول من فرع أليكس لهنا وإنتي أول مرة تطلبي تنزلي الشغل من زمان فطبيعي أول مرة تشوفيه
إبتسم إياس وإقترب منهما، فإبتعدت هي خطوتين بدون أن تشعر، وبالرغم من أن الأمر أثار فضوله ليفهم ما بها، لكنه أردف بهدوء:
-لأ مش أول مرة نتقابل، إتقابلنا مرتين قبل كدة بس برة الشغل
ردت عليه هي بضيق:
-لأ مرة واحدة بس اللي إتقابلنا فيها
-لأ إتنين، المرة الأولى أنا افتكرتها، كنتي هتخبطيني بعربيتك يوميها، والتانية كانت في الجنينة!
تذكرت هي ذاك اليوم بسرعة، فهو يوم لا ينسى، وبالكاد رأت وجه من إصطدم بها فقد كانت منشغلة التفكير..
نظرت له بإنزعاج، فقال عقاب:
-غنيين عن التعريف لبعضكم يعني، إن كان كدة فيلا كل واحد على شغله
نظر له إياس بهدوء وسأله:
-هو إنت هتفضل جد كدة دايمًا! روح ياعم شوف شغلك وإحنا هنتكلم شوية
نظرت له كاثرن بإشمئزاز ثم نظرت لعقاب وقالت:
-أوك يا عقاب أنا عاوزة أعرف شغلي إيه النهاردة؟
حينها نظر له عقاب وضحك على ما فعلت هي، بينما شعر الأخير بالحرج وصمت.
ثم أخذها معه قائلاً:
-تعالي معايا المكتب وأنا هديكي الملفات، المهم بلاش تجهدي نفسك إنتي في فترة المفروض ترتاحي فيها!
أومأت رأسها وذهبت خلفه، بينما ظل إياس ينظر لنفسه فهل يعيبه شيء لتنظر له بتلك الطريقة، بالكاد تبتلع كلمة ينطقها، هل أخطأ في شيء وهو ساهٍ عنه!
هز كتفه وهو لا يفهم أي شيء، ثم سار نحو مكتبه، وقد كسى الضيق وجهه.
.................
إنحنت هي كثيرًا حتى تصل إلى مستوى تلك الصغيرة وقد إرتسمت إبتسامة عذبة على محياها، ثم قالت له بمودة:
-مين قال إني مش بحبك؟
أجابتها تلك الصغيرة ذات الشعر الكستنائي، والضفائر المصنوعة بدقة، بنبرتها الطفولية:
-عشان حضرتك يا مس إديتي لكلهم شوكولاتة وأنا لأ، وكلهم سقفوا ليهم بس
حانت ملامح وجهها كثيرًا، ثم وقفت وحملتها بعدها وهي تجيبها بإهتمام:
-لأ مش لكلهم، أنا اديت للي جاوب صح بس، وإنتي حتى مرفعتيش إيدك عشان تجاوبي!
وضعت الطفلة يدها على عينها كحركة طفولية حين تحزن، فلم تستطع هي المقاومة، وأجلستها على المكتب بجانبها ثم أخذت حقيبتها وأخرجت منها ثلاث قطع من الشوكولا، وقبل أن تعطيهم لها سألتها بجدية تحاول إظهارها:
-تعرفي تكتبي من الألف لحد الراء
أومأت الصغيرة رأسها، فقامت بإخراج ورقة وقلم، ثم أعطتهم لها باسمة وهي تتابع:
-لو كتبتيهم يا تالا وكتبتي إسمك كامل هديكي التلاتة دول، وهخليهم يسقفولك بكرة كمان
تحمست تالا أكثر وبدأت تحاول أن تكتب بسرعة " أ.. ب.. ت.."
وكانت هي تراقبها باسمة، فمنذ أن جاءت إلى هنا، كانت تلك الفتاة هي محط أنظارها، وبالرغم من أنها لم تأتِ إلا من عدة أيام فقط، لكنها تعلقت بالمكان كثيرًا، وأحبت جميع الأطفال، وبالأخص تلك الـ"تالا" التي تجلس أمامها الآن.
-مس فيروز، أنا خلصت
إنتبهت لها فيروز، فنظرت لها، ثم للورقة، أمسكتها أولاً وظلت تحاول فهم ما كتبته، خطها بشع لدرجة غريبة، ويشعرها دومًا بالرغبة في الضحك، لكنها منعت نفسها بصعوبة ونظرت لها بنفس الإبتسامة التي لم تهتز وقالت:
-ما إنتي ممتاذة أهه، أومال مش بترفعي إيدك ليه؟
أجبتها تالا بخفوت وهي تنظر للأرض:
-بتكسف!
إقتربت منها فيروز، وطبعت قبلة على وجنتها ثم تحدثت برفق:
-مش ينفع نتكسف في كل حاجة، كدة بنضيع فرص كتير
صمتت قليلاً وهي تتذكر نفسها، فقد أضاعت فرصًا لا تعد ولا تحصى بسبب ذاك الإحراج الزائد، ثم تابعت بإبتسامة مشرقة:
-أنا عاوزة تالا بكرة، تكون أحسن واحدة في الحضانة كلها وتجاوب على كل الأسئلة، إتفقنا؟
إبتسمت لها الصغيرة وأومأت رأسها إيجايًا وهي تردف:
-إتفقنا
أعادت تقبيلها في وجنتها الأخرى، ثم حملتها لتنزلها، فسألتها الطفلة بسعادة:
-يعنى حضرتك بتحبيني؟
إنحنت لمستواها ثم أجابتها بهمس:
-مس فيروز بتحب تالا آآآد الدنيا، وبتحبها أكتر منهم كلهم كمان، بس مش تقولي لحد في الحضانة خليه سر بينا
ضحك تالا وهي تومئ رأسها، وبدى عليها سعادة غريبة، لدرجة أن فيروز شعرت بالغرابة، كادت الفتاة أن تذهب، لكن فيروز نادتها من جديد قائلة بهدوء:
-تالا!
استدارت الفتاة لتراها، وذهبت ناحيتها مرة أخرى، فمدت فيروز لها يدها بالشوكولا وهي تقول بوِد:
-الشوكولاتة بتاعتك
أخذتها الفتاة، ثم أردفت:
-شكرًا يا مس
ثم ركضت بعيدًا فاعتدلت فيروز في وقفتها وردت عليها برغم عدم وجودها:
-الشكر لله يا حبيبتي
لقد كانت واثقة أنها ستتحسن حين تأتي هنا، مع الأطفال، فقد كانت تعشقهم دائمًا، ولكن تلك الفتاة... رائعة جدًا لكم أحبتها في تلك الفترة الوجيزة! يا الله، كيف يعقل أن تكون طفلة كهذه مصدرًا لإزالة الآلآم، كيف لها أن تخفف عنها الشعور الطاغي بالحزن وهي لا تدري!
إبتسمت من جديد وهي تتذكر براءتها، ثم أمسكت حقيبتها وغادرت المكان..
أقرا أيضا رواية عصفوره تحدث صقرا الفصل العاشر
فتح باب الغرفة، وخرج منها، ثم سار بهدوء في الرواق، واضعًا يداه في جيبي بنطاله، وظل يسير قدمًا، حتى وقف أمام غرفتها. طرق الباب، فلم تجبه، حينها أعاد طرق الباب عدة مرات لكن لا فائدة.
أردف بصوت هادئ:
-جويرية، إفتحي!
حين لم يصله رد لأكثر من دقيتان، تابع محذرًا:
-أنا هفتح الباب
حسنًا، لم تجبه مجددًا، ففتح الباب، والعجيب أنه فُتح ببساطة فهو يعلم أنها أغلقته بالمزلاج ليلة أمس، لكن اليوم!
نظر في أنحاء الغرفة فلم يجدها، توسط الغرفة باحثًا عنها بعينيه مناديًا إياها بنبراته الهادئة رغم كل شيء، ولكن لا فائدة ترجى.
خرج من الغرفة ثم ظل يبحث عنها في كل الغرف، غرفة المعيشة وغرفة الضيوف، وأخرى فارغة، المطبخ، الحمام، وغرفة أخيرة فارغة، الحمام الآخر، لا يوجد لها أثر، ثم قرر أن يذهب إلى غرفة أخيها ليراها، ولكن في طريقه إلى هناك، سمع صوتًا غريبًا يأتي من النافذة المطلة على حديقة المنزل، رجع خطوتين للخلف، ونظر من خلالها فوجدها جالسة تحت شجرة هناك، ممسكة بكتاب ما وتقرأ منه، ياله من صوت، ولكن المهم أنها هناك، تنهد بإرتياح فللحظة ظنها غادرت. وبدون أن يفكر كثيرًا، سار بخطوات سريعة نحو الخارج..
كلما اقترب أكثر علاَ ذاك الصوت أكثر، صوت ندي لم يسمع كمثله من قبل له طنة محببة، ورنة، وتناغم، توقف خلفها مباشرةً فلم تشعر به، لقد كانت منشغلة بالقراءة لدرجة أنها لا تستمع إلا لصوتها العذب. جلس هو في الإتجاه المخالف لها من الشجرة وأسند رأسه عليها وأنصت.
-" يٰصَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَاَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُوْنَ خَيْرٌ اَمِ اللّٰهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ؕ. مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِهٖۤ اِلَّاۤ اَسْمَآءًا سَمَّيْتُمُوْهَاۤ اَنْـتُمْ وَاٰبَآؤُكُمْ مَّاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ بِهَا مِنْ سُلْطٰنٍ ؕ اِنِ الْحُكْمُ اِلَّا لِلّٰهِ ؕ اَمَرَ اَلَّا تَعْبُدُوْۤا اِلَّاۤ اِيَّاهُ ؕ ذٰلِكَ الدِّيْنُ الْقَيِّمُ وَلٰـكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ. أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ"
أغمض عينيه مستلذًا بسماع تلك الآيات، لن ينكر أنه لم يعلم ما الذي تقوله في البداية، لكنه شعر أنه القرآن، ذاك القرآن الذي لا يسمعه إلا في الجنائز، بصوت بطيء يدخل الحزن في النفوس، ويذكرهم برائحة الموت دومًا، أو من مكبرات الصوت في المساجد، ولأنه لم يدخل مسجدًا في حياته قط فكانت تلك هي أول مرة ينصت فيها للقرآن، أما صوتها هي مختلف، لقد جعلته يصغي لدرجة تخالف الوصف، في تلك اللحظة فقط، أدرك أنه كان يجهل الكثير، لقد كان يجهل أن للقرآن طريقة غريبة تشفي الصدور وتريح النفوس وتُسكن الفؤاد.
وإستمر الأمر نحو ما يقرب من النصف ساعة، تقرأ هي ولا تشعر بذاك الذي يجلس خلفها، يستمع بتلاوتها، إلى أن تلت قوله تعالى:
-" حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
ثم صمتت، وضمت المصحف إلى قلبها معلقة أنظارها في السماء، وإنتبه الأخير لصمتها المفاجئ وود لو يطلب منها أن تتابع ولكن..
-إنت هنا من إمت؟
سألته بهدوءٍ حين لاحظت حركة خلفها، فأجابها بهدوء مشابه:
-من شوية
صمتت ولم تعقب، فعاد هو يحادثها:
-بس صوتك..
صمت حين عجز عن التعبير بسهولة، لكنه أعاد محاولة إيجاد كلمة تناسبها حتى قال:
-صوتك مختلف، كل حرف بيخرج بتكوني حاسة بيه، تعرفي صوتك عمره ما كان ممكن يكون بالجمال دة لو مكنش طالع من قلبك، وإنتي فاهمة كل معانية
صمتت هي قليلاً، وظلت تنظر بشجن للسماء لتجيبه بعدها بنبرة صادقة:
-أنا مبعرفش أقرأ القرآن إلا بصوت عالي، لازم أسمع نفسي عشان مسرحش، دة أقل حاجة ممكن نقدمها لربنا.
إستعجب هو، فهي على الرغم من كل ما تمر به، يزداد تعلقها يومًا بعد يومٍ بخالقها، فسألها بتأن وهو ينظر أمامه:
-بس.. بس إنتي مش مبسوطة!
-ولإن شكرتم لأزيدنكم ولإن كفرتم إن عذابي لشديد
-أيوة بس..
-كل نفس ذائقة الموت، مش معنى إن ربنا إبتلاني أقلل العبادة أو الطاعة، ربنا أكتر حد قريب منك، ربنا عمره ما بيسيبك لحظة لوحدك، عارف يا صهيب، أنا عمري ما دعيت دعوة إلا وربنا استجابهالي، عمري ما لجأتله إلا وكان معايا، إزاي أقلل عبادة لو إمتحني أو إبتلاني؟
سكت تمامًا وظل ينظر أمامه، لم يرَ الأمور هكذا من قبل، لم يصلِ يومًا ولم يصوم، لم يقرأ يومًا حرفًا من كتاب الله، بالكاد هو مسلم فقط بالإسم! لكن بالعمل لا دليل. دمعت عيناه وهو يفكر بالأمر حتى أنه لم يفهم لما، وسرعان ما مسحها، سألها من جديد:
-إيه إللي بيخليكي واثقة إن ربنا معاكي دايمًا؟
أجابته بدون تردد وقد دمعت عيناها هي الأخرى وسالت عبرة من عينيها:
-عشان أنا لما بنام زعلانة بصحى مرتاحة، عشان لما بتعذب بلاقيه فاتح أبواب الرحمة ليا، عشان لما بدعي بيستجيب ليا، عشان لما بكون لوحدي بيكون معايا، أنا مرة كنت هتخطف من حوالي سنتين، كنت لوحدي خالص، وأنا راجعة البيت عربية سودة كبيرة وقفت قدامي ونزل منها راجلين كانوا ناويين يخطفوني، حاولت أهرب معرفتش، وطبعًا كان صعب عليا أبعدهم لوحدي، وحتى اما صرخت محدش لحقني، عارف أنا عملت إيه ساعتها؟
-إيه؟
-قولت اللهم إكفنيهم بما شئت وكيف شئت..
صمتت قليلاً، ثم عاد صوتها الهادئ يسأله:
-وتعرف إيه اللي حصل؟
سألها بإهتمام:
-إيه؟
أجابت باسمة:
-وقفت عربية تانية قدامي ونزل أربع رجالة منها وفضلوا يضربوا فيهم
إبتسم هو الآخر ولا يدرِ لما، وأراد أن يراها، ولم يمنع نفسه، حين إنتصب وإستدار حتى وقف أمامها، نظرت له بهدوء ثم عادت لتنظر في السماء بنفس الوجوم، فناداها بصوت أجش:
-جويرية!
نظرت له منتظرة أن يتابع، فمد يده لها متابعًا:
-الدكتورة قالت إمبارح لازم تاكلي حلو، وطبعًا إنتي مكلتيش حاجة من إمبارح، فاقومي معايا يلا عشان تفطري.
نظرت له مطولاً قبل أن تمد يدها لها، فسحبها هو لتقف، ثم سألته بنبرة ساكنة:
-الراجل الكبير إللي كان معانا واحنا بنتجوز..
صمتت قليلاً فسألها هو بتعجب:
-قصدك رحيل؟!
أومأت رأسها وسألته:
-يقربلك إيه؟
أجابها بهدوء برغم دهشته:
-عمي، بس.. بس هو زي أبويا بالظبط بالنسبالي
سألته مجددًا:
-وهو عايش لوحده ولا معاه حد؟
-لوحده، بس بتسألي ليه؟
أخذت نفسًا عميقًا ثم أجابته بروية:
-عشان، عشان مينفعش تسيبه لوحده!
برر هو بهدوء:
-لأ أنا مش ناوي أسيبه يعيش لوحده، أنا هجيبه يعيش معانا بس بعد شوية.
أرجعت رأسها للخلف وسألته بغموض:
-وإنت متوقع إني هعيش معاك هنا؟
ضيق عينيه وسألها بحيرة:
-قصدك إيه؟
هزت كتفاها غير مكترثة، وكادت أن تنصرف، حين أمسكها من يديها، وقفت، فسألها بنبرة أعلى بقليل:
-أنا مش فاهمك يا جويرية، وضحي!
أخذت نفسًا عميقًا وتحدثت وهي لا تنظر له:
-أكيد إنت كنت عارف إني مكنتش عارفة أنا بعمل إيه ساعة ما اتجوزنا!
توقفت قليلاً، ثم تابعت بضيق:
-كنت متلغبطة، وكان تفكيري مشوش و..
قاطعها هو بحدة وقد تجهم وجهه، وتصلبت عيناه:
-وطبعًا الوقت بدأتي تفهمي إنتي عملتي إيه وهتطلبي نصلح كل دة وننفصل!
أدارت وجهها ونظرت له بثبات، ثم أجابته:
-لأ يا صهيب، مش أنا إللي أرجع في قرار أخدته قبل كدة، حتى لو مكنتش عارفة أفكر كويس، كفاية إني وافقت بإرادتي!
إندهش من إجابتها وسألها مستفهمًا:
-أومال قصدك إيه؟
وضعت يدها على كتفه وقالت له برفق:
-بص يا صهيب، أنا وإنت مننفعش لبعض خالص، أنا وإنت مختلفين في كل حاجة، أنا مناسبكش بأي طريقة من الطرق، أنا معقدة وهتعبك بزيادة، ومش أنا إللي بقدر أتغير صدقني، وإنت هتكتشف كدة مع الوقت، ولحد الوقت دة أنا موجودة معاك عشان أثبتلك كل دة.
تقدروا تشوفوا احداث الفصل الأول من هنا ⏪ حب لا يجوز شرعاً "الفصل الأول"
ثم أنزلت يدها من عليه وأرادت الذهاب، لكنه لم يتركها، وأردف هو بثقة:
-أنا بقى إللي هثبتلك إن إحنا مناسبين لبعض جدًا، وإن احنا شبه بعض بطريقة إنتي متتصوريهاش، وإني متمسك بيكي ومش هسيبك لو عملتي إيه.
ظلت هي تنظر إليه لفترة، كان تفكيرها منصبًا على أن تبعده عنها، لم تكذب في كلمة واحدة فهي واثقة أنه لن يتحملها، لقد رأت في عينيه أنه يحتاج من تداوي له جروحه، أما هي فالملح ذاته، هي نار لا تنطفئ، ولن تخفف عنه ولن يستطيع هو أن يفعل فكلاً منهما وباء للآخر.
هكذا فكرت هي، وأما صهيب فبدى في عينيه ثقة رهيبة بكل حرفٍ نطقه، لدرجة أنه جعلها تشك في نفسها، ومصاقية حديثها.
أهدته إبتسامة هادئة قبل أن تبتعد، ويترك هو يديها، وظل يرنوها من بعيدٍ وهي تغادر.
كم تبذل من جهد لتحافظ على هذا الهدوء والسكون، كم تبذل من طاقة لكي لا تنهار كأي فتاة تتحمل ما تمر به هي الآن، وكأنه لا يرى ما يسكن عيناها من ألم ووجع وإنكسار، وكأنه سيصدقها إن أخبرته بطريقة غير مباشرة أنها بخير، ليست وحيدة، ولا تحتاج للمساعدة! جاهلة. نعم فهو يراجهت عنيدة جاهلة، بطريقة أو بأخرى هو يرى الألم يكسوها، ومهما حاولت التظاهر بعكسه.
أسرع محاولاً اللحاق بها، ولأنها كانت تسير بتأنٍ وصل لها، وناداها فوقفت محلها، وقبل أن يقول شيئًا بدى وكأن هناك ما تذكرته، فاستدارت وسألته بهدوء:
-براء مشى؟
قاطعها باِكْتِهَاء:
-لأ نايم جوا
نظرت له للحظة، قبل أن تردف بنفس السكون:
-مامشتوش يعني..
رد بثقة:
-وامشيه ليه، مش أخو مراتي برضوه!
أخذت نفسًا مطولاً، ثم نظرت له قائلة:
-كنت بتنده ليه؟
أجابها بهدوء:
-الفطار!
ردت بروية:
-مش جعانة الوقت
-حتى لو مش جعانة لازم تاكلي، إنتي مسمعتيش الدكتورة قالت إيه إمبارح!
نظرا كلاهما لصاحب الصوت قبل أن يردف صهيب:
-براء معاه حق، يلا عشان تفطري
نظرت لهما متعجبة من حالهما، فمنذ عدة أيام فقط كاد أحدهم يقتل الآخر، وكانوا ينظرون إلى بعض ببغض شديد، والآن يتحدون ضدها، لكنها الآن حقًا لا تستطيع تناول شيء، هناك شعور طاغٍ بالإختناق يسيطر عليها، يمنعها من الشعور بأي شيء آخَر، وآخِر ما تحتاجه الآن هو الطعام أو شخص يفرضه عليها!
نظرت لهما قليلاً قبل أن تبدأ في الحديث بهدوء:
-ماشي، لما الأكل يتعمل اندهولي.
ثم تركتهم وذهبت، في كل الأحوال لن يكسر أحدهم الباب عليها إن أغلقته!
لكنها وجدت من يقف أمامها ويقول:
-ما هو اتحضر، يلا تعالي
نظرت له بحنق، فتابع باسمًا:
-وبعدين يعني الواحد بيتعلم من غلطه، ما دة نفس إللي عملتيه إمبارح!
توعدت له بنظرات عينيها وهي تجيبه بضيق:
-ماشي ياصهيب
نظر لهما براء بضيق، وزفر مغتاظًا فهو يتعامل معها كما لو كانا متزوجان منذ زمن، وما يعرفه عن أخته أنها لا تسمح لرجلٍ أن يلمسها حتى، حسنًا هو يعلم أنهما قد تزوجا، وربما هي تحاول السيطرة على نفسها لكي لا تظهر أمامهم تلك الغبية التي أخذت قرارًا متهورًا في لحظة ضعف، ثم ندمت عليه، هو يعلم ذلك جيدًا، لكن ومع ذلك ليس معتادًا أن يعاملها أحدهم مثله!
للحق لم يكن هو إلا ممسكًا بيديها لكي يمنعها عن الرحيل، لكن براء تقدم نحوهم ووضع يده على كتفها ناظرًا لصهيب بتحدٍ، والأغرب أن صهيب لم يلتفت له، بل كان ينظر لها فقط وهذا ما زاد حنقه أكثر، ثم أردف لها بهدوء:
-يلا يا جويرية ندخل.
ترك صهيب يدها حين تأكد براء لن يتركها، ثم ولج إلى الداخل ليخبر المدبرة أن تجهز الفطور بسرعة إن لم تكن قد أعدته قبلاً......!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا