مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الأربعون برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل التاسع والثلاثون"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل الأربعون:
١/٤/٢٠١٠
جالسٌ هو على حاسوبه النقال؛ فمنذ فترةٍ طويلة لم تطأ أقدامه الشركة، وأراد أن يتأكد من وضعها، على الأقل يحاول متابعتها من بعيد. وها هو يمسك بالفأرة، يحركها يمينًا ويضغط على زرٍ ما، يطالع الحاسوب، دقيقة.. إثنتان.. ثلاث.. وها قد شرد من جديد، اختفت كلمات الحاسوب وحل محلها وجهها، مبتسمةً، عابسةً، قاتمةً، حزينةً. عينان رماديتان معظم الوقت، مملوءتان بدموع حبيسة، عينان كما الزمرد تلمعان، وإن حاول الوصف تعجزه الحروف والكلمات.
أخذ نفسًا عميقًا وزفره بروية شديدة، وابتسم لنفسه، إنه لشعور عجيب عندما يريد عقله رؤياها في كل مكان، وحينما تتخيلها عيناه في كل ملجأ. هكذا حدث نفسه واستمر التفكير لدقائق، لقد تغلبت على أي شخص داخل دوامة حياته ونبذت هي الجميع لتقف ولا سواها في المقدمة برضاه أو دونًا عنه، والأمر الأكثر غرابة أنها لم تفعل ذلك عن قصد! معها دومًا ينسى كل جرح عاناه وعاشه، معها كان لايتذكر إلاها، كيف الحياة قبلها ولما الحياة بدونها!
قصص رومانسية | إغتصاب ولكن تحت سقف واحد "الفصل العاشر"
قاطع شروده صوت طرقات الباب، فأذن للطارق بالدخول، ولكنه ما إن رأى الدالف اندهش ثم تساءل بهدوء:
-رحيل!
إبتسم له رحيل واقترب منه، فوقف الآخر وذهب ليعاونه على السير، فعلام يبدوا أن صحته ليست بخير. ولكن بمجرد أن اقترب منه، ضمه رحيل إليه فابتسم خفيةً وظل كما هو.
أردف رحيل حينها بسعادة:
-وحشتني يا صهيب والله.
أجابه الآخر بهدوء:
-ما أنا قولتلك من فترة تبجي ومكنتش بترضى، وبعدين كنت تقولي إنك جاي عشان أجيبك.
إبتعد عنه رحيل وأردف ببشاشة الوجه وهشاشته:
-ما أنا جيت خلاص أهو.
عاونه صهيب ليجلس على الفراش، ثم سأله بعدها بحيرة:
-إنت جاي من إمت؟
أجابه وهو يلتفت حوله متفحصًا:
-لسة الوقت
صمت لثوانٍ قبل أن يسأله بروية:
-أومال فين مراتك؟
أجابه بهدوء:
-نايمة.
ضيق عينيه في حيرة، فشعر صهيب أنه لن يتوقف عن طرح الأسئلة، وما بينه وبينها لا يجب أن يعرفه أحد. وبالأخص هو فسيشغل باله بالأمر كثيرًا وسيضخمه والأمر لا يحتاج إلى تضخيم..
-بص هي مش بتحب تنام هنا، وأنا بحب اشتغل هنا.
استعجب الأخير من هذا الرد السريع، لكنه آثر الصمت. ومضى بعض الوقت دون أن تخرج الحروف من فم أحدهم، حتى قال صهيب:
-بتاخد الدواء كويس؟
-آه
-مش واضح!
هز كتفه مرتين وقال بضجر:
-كنت باخد، متخافش عليا أنا كويس
صمت قليلاً ثم عاد يسأله بتأنٍ:
-وإنت عامل إيه بعد الجواز؟
نظر له صهيب مطولاً، ثم زفر بضيق، لن يكف عن السؤال. رقف قائلا بصوتٍ أجش:
-أنا رايح اشوف صحت ولا لأ..
أومأ رحيل رأسه باسمًا فغادر هو على الفور.
مضى في الرواق بخطًا هادئة حتى وصل إلى غرفتها. طرق الباب فسمحت له بالدخول، ففتح الباب ودلف إليها.
كانت جالسة على الأرض ترتدي عباءةً وحجابًا، ومستندة على الحائط خلفها، فأدرك هو أنها كانت تصلي. ظلت كما هي حين ولج إليها، فظل يقترب منها حتى وقف أمامها.
استمر صمته لبعض الوقت ولم تقاط هي تقاطعه هي، وبعد دقائق كسر حاجز صهيب الصمت بحديثه الهادئ:
-عاوز أطلب منك حاجة؟
رفعت رأسها لتواجهه، وضيقت عيناها ناظرة له بإستعجاب، فمنذ متى يطلب منها، ولكن على العكس أجابته بهدوء مماثل:
-إتفضل
راقبها وهي تنتصب واقفة، ثم اتخذ القرار ببدء الكلام فتحدث بترقب:
-رحيل هنا، وعاوزك تتصرفي أدامه بشكل..
صمت قليلاً يحاول إيجاد ما يقوله قبل أن يتابع بثبات:
-يعني، تتصرفي زي..
-زي ما نكون زوجين طبيعيين مش كدة؟
أومأ رأسه مرة واحدة بعد أن قاطعته بتلك الكلمات، وأجابها بحماس أخفاه ببراعة:
-هيبقى دة أحسن، بس لو مش عاوزة هقوله إنك..آآ
قاطعته قائلة ببساطة:
-لأ يا صهيب، بسيطة، أنا كمان مش عاوزة حد يحس بحاجة.
ابتسم هو لتعاونها معه، برغم اندهاشه لتلك السرعة في الموافقة، لكن سرعان ما اختفت ابتسامته وعاد وجهه لنفس الهدوء، ليردف بعدها بجدية:
-رحيل مش هيسكت
عدلت هي من وضع حجابها وهي تجيبه بحسم:
-خلاص أنا هديله الإجابات إللي هو عاوزها، بس لو لقتني مش عارفة ارد، ساعدني إنت.
سار أمامها خطوتن، وقد أعجبته تلك الكلمات حقًا، لسبب لا يدريه، برغم بساطة عباراتها لكن فكرة تعاونهما في شيءٍ ما جعلته سعيدًا. وعاد ليجيبها بسكون بعد ذلك، وهو يوليها ظهره:
-أكيد
أخذت نفسًا عميقًا وذهبت معه بهدوء، لا ضير في مساعدته، فهو لم يرفض لها طلبًا من قبل. سارا معًا في الرواق، ولم يسبق أحدهم الآخر بخطاه حتى وصلا إلى الغرفة، نظر لها صهيب ثم أردف بصوتٍ منخفض:
-إنتي كنتي نايمة ها؟
فهمته فأجابته بإيماءةٍ خفيفة، ثم ولجا سويًا للداخل.
كان هو قد استلقى على الفراش، وما إن رآهما حتى اعتدل قليلاً ثم ابتسم لهما قائلاً بتلقائية:
-هي كانت صاحية ولا إنت إللي صحيتها؟
أجابه صهيب بهدوء:
-آه روحت لقيتها صاحية
أومأ رأسه ثم تفحصها بنظراته مستعجبًا وسألها بحيرة:
-إنتي كنتي هتروحي في حتة يا بنتي؟
ابتسمت هي الأخرى مبادلة إياه، ثم أجابته بروية:
-لأ كنت بصلي بس
أومأ رأسه بنفس الإبتسامة وفسر حديثه بـ:
-أصل قولت ملحقتيش تلبسي وكدة.
كان صهيب يقف على مقربة منها، يتابعها، يتابع كل حركة، كل إيماءة، وكل كلمة، هل تدرك أنها في غاية الوقار وهي تتحدث هكذا، كيف تنظر في المرآة يوميًا ولا تُفتن وتغتر بجمالها بل تخفيه أكثر!
طريقتها في كل شيء تفتنه، في الحديث، في سيرها وطريقة تناولها للطعام، ابتسامتها، يالها من ابتسامة، كيف ستكون إن ضحكت إذًا؟ تذكر هو أنها لم تضحك أمامه من قبل، حقًا لم يرها تضحك بصدق أمامه أبدًا، لكم يتمنى هو الآن أن يرى ويسمع ضحكاتها.
اقرأ ايضاً ... قصة العاشق المسكين من أقوى قصص الحب والرومانسية
-لأ يا بنتي، أنا أقصد الجواز حصل بسرعة جدًا، ومحدش من أهلك جه فاستغربت
انتبه هو أنهما منذ فترة يتحدثان، ووعى على تلك الكلمات التي قالها رحيل، فلام نفسه على عدم مساعدتها في الإجابة وكاد يتحدث إلا أنها أجابته ببساطة:
-كلهم ماتوا الله يرحمهم.
سألها مجددًا بهدوء:
-أيوة بس أنا سمعت إن والدك ربنا يرحمه يارب مات في نفس اليوم إللي اتجوزتوا فيه.
فهم كلاهما أنه بحث كثيرًا عن أصلها حتى يتبين الخيط من بدايته، نظر صهيب لرحيل بغضب فهو لا يريد أن تتذكر ما حدث، يكفيها كل ما تمر به الآن، وتحدث بحدة خفيفة:
-هي كانت آآ..
قاطعته هي بهدوء بعد أن نظرت إليه:
-كنت متفقة معاه نتجوز، وأنا مبقدرش أخلف اتفاقي أبدًا
أعجب صهيب بردها، وعجب رحيل لردها. ولكن الجميع إلتزموا الصمت لدقائق، وكأن على رؤسهم الطير، وقد مل كلاهما حقًا من حلقة الأسئلة تلك و..
-طب هو عامل إيه معاكي بقى؟
أردف بها رحيل بمرح، فلم تجبه وصمتت حينها أجابه هو بضيق:
-مالك يا رحيل يعني هاكلها، كفاية أسئلة وتعالى ننزل نتعشى.
تنفست هي الصعداء حين حررها من ذاك السؤال الغبي، فكيف تجيب عليه، قد يبدوا السؤال أسهل من الباقي لكن للحق لا تعرف له جوابًا.
تفاجأت هي بهما يغادران الغرفة فجأةً وأدركت أنها شردت كثيرًا، ثم جلست على الفراش أمامها وزفرت بحنق، ليست الأسئلة ما أزعجتها، بل الأجوبة، فقد شعرت بالخواء فجأة بعد ذكر موت أهلها من جديد، هناك ألم يصاحب تلك الكلمة لا أحد يفهمه أكثر منها، وهي..
إستفاقت من شرودها بعد أن وجدته يضع يده على كتفها، فلم تنظر له وظلت كما هي، حينها بدأ هو بالحديث بضيق:
-أنا عارف إن الأسئلة كانت تقيلة عليكي بس آآآ..
قاطعته بخفوت وهي ترسم ابتسامة ثَبات على وجهها و تجيبه بـ:
-عادي يا صهيب، أنا عايشة الموقف نفسه، مش حبة كلمات هتموتني يعني.
أغمضت عينيها بندم على ما قالت، فهي لم تقصد حتى أن تتفوه بهذا، لقد أوصلت له ما تشعر هي به وهذا عكس ما أرادته.
حينها سحبها بقوة من يدها وجعلها تقف، ثم نظر لها مليًا قبل أن يتحدث بعمق:
-بس إنتي قوية وهتطلعي من كل دة صدقيني
أجابته وكأنها لا تدرِ ما تقوله، وقد بدأت عينيها تلمعان بشدة:
-بس أنا اعتمدت على قوتي كتير، أنا هموت لو اعتمدت عليها أكتر من كدة!
لم يصدق هو ما تفوهت به، لم يصدق أنها اعترفت له بعدم مقدرتها على تحمل المزيد، وحانت تعابير وجهه كثيرًا..
حين انتبهت مجددًا لما قالته، أدركت أنها فقدت السيطرة على نفسها تمامًا، وكان خير ما قامت به أن أفلتت يدها وانسحبت باكتهاء من المكان، محاولة الحفاظ على ما بقي من رباطة جأشها.
لكنه سرعان ما أدركها، وأوقفها في الرواق، ثم وقف أمامها، فأردفت هي له بإختناق:
-صهيب سيبني أمشي الوقت
هز رأسه نافيًا على فوره، فحاولت هي ابعاده عنها قائلة:
-مش إنتم هتتعشوا، مينفعش تسيبه كل دة قاعد لوحده!
هز رأسه من جديد نافيًا، ثم إقترب منها قليلاً وتابع:
-دة معناه إنك مكنتيش معانا أصلاً! رحيل قال إنه هينام، وأنا أخدته على أوضته، ورجعتلك.
تنفست بضيق، وألم، وكل ما أرادته هو التواري عن الأنظار فقط.
حين طال صمتها ناداها هو بهدوء:
-جويرية!
نظرت له وقد بدأت الدموع تزداد داخل عينيها، وأردفت له بخفوت:
-معلش يا صهيب سيبني الوقت، أنا اتخنقت بجد
وكادت أن تعبر من جانبه إلا أنه سد الطريق عليها مجددًا، وأجابها برفق:
-طب ما أنا ممكن أساعدك!
أشاحت وجهها عنه ولم تعقب، فأصر عليها قائلاً:
-اتكلمي وهترتاحي
هزت رأسها نافية ونظرت له بحزن وهي ترحل مجيبة إياه:
-بس أنا مش عاوزة أتكلم يا صهيب
سار خلفها ولم يستسلم، ثم أمسك ذراعها وأدارها إليه ليسألها بنبرة جادة:
-بس أنا عاوزك تتكلمي، عاوزك تبقي مرتاحة، دة يهمني كتير.
نظرت جويرية للأرض أسفلها لكي لا يرى دموعها التي إنحدرت على وجنتيها و مدت يدها الأخرى لتمسح دموعها بسرعة قبل أن يراها.
تابع هو بهدوء:
-يا جويرية أنا مش عارف ليه بس أنا مبقدرش أشوفك بتعاني وأقف أتفرج من بعيد، أنا مبقدرش، فاهمة! إنتي نستيني وجعي بوجعك، والله نستيني نفسي بنفسك!
رفعت رأسها لتواجهه بعينيها المبللتان، وقد ظنت أنها مسحت كل دموعها ولم تنتبه لعبراتها الجديدة التي بدأت تنساب على وجنتبها، لقد أشعرتها كلماته بـ.. بــ.. بهذا الشعور الذي ينتاب الإنسان حين يشعر أن أحدهم يشاطره حزنه، أو يحاول التخفيف عنه. ربما الراحة، أو السكينة.. لا هو شعور لا يفسر.
صدم هو حين رأى عبرتان قد شقتا طريقهما نحو وجنتيها، وظل ينظر لها لفترة وقد سيطرت عليه حالة من الصدمة، فمنذ متى كانت تبكي؟ إلى أي حد تتحمل العذاب؟ هل..
لم يشعر بنفسه وهو يضمها فجأة، لدرجة أنه تفاجأ مثلها تمامًا بما فعل، حاولت هي مقاومته في البداية، لكن بمجرد أن وصل إليها شعور السكينة قلت مقاومتها له. تركته وتركت نفسها وعينها تفيض بالدموع بصمت، لقد احتاجت لهذا بالفعل. أما هو فلم يدرك ما فعل إلا بعد أن فعل، ولكن هو لم يندم علام فعل.
بل أردف بعد صمت طال لخمس دقائق:
-عارفة أنا نفسي في إيه، تناديني قبل ما تحتاجيني، وقبل ما تخلصي نداء هكون عندك.
سألته هي بهدوء بعد أن هدأت قليلاً وشعرت أن لديها القدرة بالتحكم في نبرتها:
-إنت عاوز مني إيه يا صهيب؟
-عاوزك
تلك كانت إجابته بدون تفكير، ثم تابع:
-ومش عاوز حاجة تانية
لم ترد لفترة، واستمر هو بضمها إليه ولم يقل شيئًا.
ثم ردت فجأة:
-بس أنا صعبة المنال يا صهيب.
أجابها بساطة:
-وأنا ميهمنيش هنفضل لحد امت كدة إنتي حاجة كبيرة أوي عندي.
ابتسمت دون أن تدري، وكأنه يختار الكلمات التي ستطمئنها ويقولها، وكأنه يعرفها منذ زمن ويفهم ما تريد، ربما لأنهما بالفعل متشابهان، كل شيءٍ وارد. ربما بالفعل زواجهما والإنتقال إلى هذا البيت لم يكن بشعًا، فهي كانت ستتألم أكثر إن ظلت هناك، بين ذكراهم وحيدة. أما هنا فللحق لم يقصر معها يومًا، بل على العكس تمامًا.
مرت بعض الدقائق التي لم يحصها أحدهما، وما لم يدره هو أنها كانت نائمة بين يديه، لقد نامت فجأة، كيف! لا تدري لكنها نامت على أي حال. وحين قد شعر هو أنها قد تراجعت للخلف قليلاً، إبتعد عنها فكادت أن تقع إلا أنه حملها سريعًا، واندهش حين نظر في وجهها فوجدها نائمة، لكنه ابتسم لها برفق في نهاية الأمر وسار حاملا إياها نحو الداخل. لقد ذَكر مرارًا أن حياته صارت أجمل بكثير بوجودها، لكن ماذا عنها؟ أما آن الأوان ليرد لها الجميل!
وضعها على الفراش، ثم نزع عنها حجابها لكي لا يخنقها أثناء نومها، ودثرها جيدًا بالغطاء بعدها. نظر لها مطولاً، يسيطر عليه الحزن لأجلها، والألم، لقد اختلطت مشاعره ولا يعلم ما وراء كل هذا، و ماذا يعني هذا؟
كاد أن يرحل لكنه وجد قلمًا و ورقة بيضاء على مكتبها، فذهب نحوهما وكانت الورقة فارغة فسيطرت عليه رغبة ملحة في كتابة شيءٍ ما، وبالفعل أمسك القلم وخط بعض العبارات بخطٍ كبير، وأخرى بخطٍ صغير منمق، ثم تركها، وترك القلم عليها ورحل بعد أن نظر لها للمرة الأخيرة وابتسم.
٢ ابريل
توقفت السيارة بهما أمام ذاك المبنى، ثم ترجلا سويًا منها ووقفا بجانب السيارة أمام المبنى، ونظر هو لها ثم سألها مستفسرًا:
-هو قالك إيه بالظبط؟
أجابته هي بنبرة هادئة:
-قالي الأول هييجي يشوفنا عشان يشوف هيجيبها معانا ولا لأ
رد هو بغيظ:
-منكونش هنخطفها ولا حاجة؟!!
أجابته هي بتأنٍ:
-يا سهيل احمد ربنا أصلاً إنه وافق، دة أنا تعبت امبارح وأنا عمالة أقنع فيه!
زفر هو، ثم نظر لها متسائلاً بحنق:
-مش دة لمصلحة بنته برضوه!
عبست هي وسألته بضيق:
-يعني إنت لو عندك بنت هتسمح لأي حد متعرفوش ياخدها!
أجابها بحسم:
-مستحيل يا فيروز، حتى لو إيه!
قلبت يديها وهي تنظر له مبتسمة وتردف ساخرة:
-ومستخسر خلق الله يخافوا على عيالهم!
انتبهت فيروز لتلك الفتاة التي تخرج من المبنى ركضًا، وبمجرد أن رأت فيروز هرولت إليها، فابتسمت الأخيرة وانحنت قليلاً وهي تفتح لها يدها، حتى جاءت إليها وضمتها بقوة. ضحكت فيروز وهي تقول:
-وحشتيني
أجابتها الأخرى وهي تضحك أيضًا وتتنفس بسرعة:
-وانتي كمان أكتر، كنت عارفة إنك هتيجي
حملتها وهي تجيبها بثقة:
-طبعًا مش وعدتك!
ثم أرتها لسهيل الذي كان ينظر إليهما مبتسمًا، وهي تقول باسمة:
-دي تالا
ابتسم لها سهيل، ثم أخرج شيئًا ما من جيبه ومده نحوها قائلاً:
-تشرفنا يلا خدي الشوكولاتة دي كليها بس متنسيش فيروز بتحبها هي كمان، يعني اعزمي عليها
نظرت لها تالا ثم ضحكت وهى تقول رافعةً يدها للأعلى:
-ما انا عارفة، أنا كنت باكل كل الشوكولاتة بتاعتها
نظرت لسهيل مردفة بمرح:
-مش أنا قولتلك انها لمضة!
ضحك الأخير وهو يتحدث مدافعًا عنها:
-لأ دي عسل خالص
ثم مد يديه لها قائلاً:
-سيبيها يا تالا وتعالي عندي أنا، دي وحشة بتقولك لمضة
هزت رأسها نافية وهي تخرج له لسانها وتجيبه:
-لأ إنت إللي وحش
ضحكت فيروز على حديثها فنظر هو لهما بضيق مصطنع، وقطب حاجباه قائلاً:
-طب يلا يا لمضة منك ليها، مش هنقضي اليوم هنا وهتأخر على الشغل بسببكم!
كاد ثلاثتهم أن يغادروا ولكن بمجرد أن استداروا نظرت تالا للجانب الآخر، وجعلت فيروز تنزلها أرضًا، ثم أمسكت يديها وسحبتها معها قليلا نحو الرجل الواقف خلفهم من فترة، وحين وقفت أمامه قالت باسمةً:
-بابا دي مس فيروز
نظر الإثنين إلى بعضهما، فصدمت هي عندما رأته وقالت مضيقة عينيها يإستعجاب:
-مـ.. معتصم!
ابتسم لها قائلاً بهدوء:
-أيوة، أنا أول ما شوفتها بتجري عليكي حسيت اني شوفتك قبل كدة وفعلاً شوفتك.
كانت هي مستعجبة حقًا، وتساءلت بدهشة:
-مكنتش أعرف ان عندك بنت! أقصد إن...آآ
-مين دة يا فيروز؟!
قاطعها سؤال سهيل الهادئ، فأجابته بهدوء مماثل:
-دة أستاذ معتصم صاحب براء أخو جويرية بنت عمتي، و دة إللي..آآآ
قاطعها معتصم لكي لا تدخل إلى تفاصيل أكثر عن الحادث وقال:
-مش عارفني لسة يا سهيل؟
أجابه مفكرًا وهو يضع يده على جبهته:
-لأ افتكرتك، مش إنت آآ..
أومأ رأسه بهدوء ليقاطع تفكيره، ثم حول انتباهه لها ولصغيرته، ووضع يده على شعرها مداعبًا إياها، حين قال مرتاح البال:
-بجد أنا كنت قلقان أوي عشان مبخليش حد ياخدها أو يوديها في حتة غيري، ولولا إمبارح إني لما كنت هرفض لقيتها بتعيط مكنتش هوافق، بس أول ما عرفت إن إنتم إللي هتودوها إرتحت.
برغم أن الدهشة كانت مسيطرة على الجميع، فلم تكن تعلم أبدًا أن لديه طفلة، كما أن هذا يعني أن زوجته قد توفيت، قد يفسر هذا نظرة الحزن في عينيه دائمًا.
-يعني إنتم تعرفوا بعض
قالتها تالا بنبرة طفولية مستنتجة الأمر، فابتسما لها وقالا سويًا:
-آه يا حبيبتي.
ثم نظرا لبعضهما بنفس الإبتسامة لإستعجابهم.
أردف حينها سهيل بتذمر:
-طب بالنسبة لإني اتأخرت خالص!
ضحك معتصم ووضع يده على كتفه قائلاً بمزاح:
-قولهم بس أنا أعرف وكيل نيابة وهيحضروك في كل الأيام
ضحك هو الآخر وأجابه بابتسامة سمجة:
-طب ما نجيب وكيل النيابة قدامهم أحسن
-طيب لحظة بس أجيب المسدس وآجي، عشان نضمن إن محدش هيعترض
-ياريت، دة الناس إللي هناك تبتة أوي وبتاخد بالها من أي حاجة، مرة واحد بيقولي، اتأخرت عشر ثواني ودة ضد اللوايح والقوانين!
-لأ دة أنا أجيب المسدس بجد بقى
نظرت الفتاتان لهما ببشمٍ ولم تعقبا، لكن بعد ثوانٍ أمسكت تالا رداء فيروز وقالت بضجر وهي تشده لتنتبه لها:
-مش هنمشي بقى؟
أمسكتها فيروز من يدها ونظرت لهما بانزعاج وهي تجيبها:
-تعالي، هنروح عند العربية وهما هيبجوا ورانا
فرحت الفتاة وذهبتا معًا لتركبا السيارة، ركبت فيروز بالمقعد الأمامي، وحملتها على قدماها، وبالفعل ما لبثوا إلا أن جاءوهما ليغادر كلاً إلى مكانه.
لكنه كان مطمئنًا جدًا خاصة حين رآها تعتني بها لتلك الدرجة، ولم يصدق أن ابنته قد تعلقت بأحدهم فهي تنفر غالبًا من أغلب الناس، وتخجل حتى من الإقتراب منهم، أما اليوم.. لقد كانت سعيدة جدًا، سعيدة لدرجة أنه لم يراها هكذا من قبل. أخذ نفسًا عميقًا وسار في الإتجاه المقابل، عائدًا إلى منزله لكي يستعد للذهاب للعمل بعدها............!!!
.................................!!!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا