مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الثاني والأربعون برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الواحد والأربعون"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل الثاني والأربعون
تقترب تلك السيارة منها أكثر من الحد المباح، اتسعت عيناها برعب، ووضعت يدها على وجهها وهي تصرخ مستنجدة، وفي الوقت الذي فقدت فيه الأمل بالنجاة.. شعرت بأن أحدهم يسحبها بسرعة من مكانها، حينها أنزلت يدها من على وجهها بحذر وهي ترتجف، فسألها هو بقلق:
-كاثرن إنتي كويسة؟
أومأت رأسها وهي ما تزال مصدومة، لكنه أجابته بصوتٍ مهتز:
-آآ.. آه كويسة، بس انت آآ..
قاطعها هو بهدوء:
-تعالي العربية طيب نتكلم بدل ما احنا واقفين في نص الطريق كده!
حركت رأسها نافية، ثم أشارت له نحو الجنوب وهي تجيبه:
-لأ لأ، أنا راكنه عربيتي هناك أصلاً.
أصر هو عليها بـ:
-طيب وفيها إيه، أنا هروحك، وبعدين أرجع أجيبلك العربية على البيت.
أجابته بحسم:
-لأ شكرًا يا إياس أنا هروح بنفسي.
أخذ هو نفسًا مطولاً ثم ابتعد عنها لعدة خطوات، ثم قال باسمًا بمودة:
-روحي
أومأت هي رأسها وسارت مبتعدة عنه ذاهبة إلى سيارتها، فظل هو ينظر لها بهدوء، حتى ركبت السيارة. ظل ينتظر أن تتحرك لكنها لم تفعل، وبعد ما يقرب من الدقيقتان نزلت هي من السيارة وظلت تنطر لها بحنق. عزم حينها على الاقتراب منها، وبالفعل تقدم نحوها حتى وقف خلفها مباشرة، ثم سألها بروية:
-إيه ممشتيش ليه؟
انتفضت هي من مكانها على صوته، وتقدمت للأمام بضع خطوات، وهي تضع يدها على قلبها، فحاول إياس منع نفسه من الضحك وسألها بمرح:
-هو أنا صوتي مرعب أوي كدة؟!
استدارت كاثرن ناظرة له بغضب، ثم هدرت به:
-أنا بخاف لما حد يجي من ورايا كدة!
اختفت ابتسامته وظهر العبوس على وجهه، ثم زفر بنفاذ صبر وسألها:
-معرفش، مكنتش أعرف، كنت جاي بس أشوف مالك ممشتيش ليه، بس أنا غلطان، آسف مش هشوفك تاني.
ثم استدار مغادرًا، فظلت هي تنظر له بحيرة، فهل تستقل سيارة، أم تخبره أن سيارتها قد تعطلت ؟، أدارت وجهها إلى السيارة بسرعة وهي تنفي عن عقلها تمامًا تلك الفكرة، ثم سارت نحو الطريق لكي تستقل سيارة أُجرة، ولكن لسوء حظها لقد بدأت تمطر، وقد كانت تشعر بالبرد كثيرًا، فضمت يدًا إلى صدرها وبالأخرى حاولت إيقاف سيارة. مر خمس دقائق ولم تأتِ سيارة واحدة حتى فارغة، إلا وكان صاحبها لا يسمح له مزاجه بأن يقلها الآن. وكانت ثيابها قد تبللت قليلاً وازداد شعورها بالبرد.
أقرا أيضا رواية عصفوره تحدث صقرا الفصل السابع
فجأة وجدته يصف سيارته أمامها مباشرةً وينزل منها وهو يخلع سترته، ثم وضعها عليها دون أن ينبس بكلمة، وبنفس الصمت سحبها من يدها بشدة، وفتح لها باب السيارة الأمامي وأردف بحدة:
-اركبي
شعرت هي بالخوف منه لتلك الطريقة التي يتعامل معها بها، مع أنها لن تنكر شعورها بالدهشة لرؤيته فهي قد ظنت أنه ذهب منذ وقتٍ طويل و.
-كاثرن، قولتلك اركلي
قالها بصوتٍ أقل حدة بقليل بعد أن جلس داخل السيارة، فاستسلمت هي لأمره وركبت، ثم أغلقت الباب ويداها ما تزال ترتجف، لكنها أغلقت الباب برفق زائد عن الحد لدرجة أن الباب لم يغلق جيدًا، لذا اضطر هو لمد يده إلى الباب وإغلاقه جيدًا، ولكن حين فعل ذلك رجعت هي للخلف كثيرًا وكأنها خافت أن يؤذيها خاصةً بعد طريقته تلك، ودمعت عينها. فنظر إياس لها وأدرك أنها تهابه لذلك حاول التخفيف عنها خين قال بهدوء:
-فين بيتك؟
أجابته كاثرن بخفوت:
-في ((...))
-طيب، حطي إيدك في جيب الجاكيت اليمين، وخدي اللي فيه
قال كلمته، ثم انطلق سريعًا بالسيارة، حينها فعلت هي ما قاله لها بعدم فهم، لكنها وجدت علبة مناديل ورقية، فنظرت له وأردفت بحرج:
-شكرًا
ثم سحبت أحد المناديل وبدأت تمسح غبراتها بسرعة، حينها قال هو بهدوء تام:
-أحسن؟
أجابته بحزن:
-إياس، أنا آسفة عشان بفهمك غلط كل مرة، بس أنا اللي مريت بيه مش قليل، اللي مريت بيه كان كفيل لوحده إنه يكرهني في كل الرجالة.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر لها، وسألها برفق:
-بس مش كل الرجالة زي بعضهم يا كاثرن، زي ما فيه الوحش فيه الحلو.
هزت رأسها غير مقتنعة وهي تجيبه بغضب:
-لأ يا إياس، بيكونوا طيبين وبعدها يتغيروا، بيورونا المميزات عشان نتصدم باكتشاف العيوب بعدها.
أوقف السيارة فجأة، ثم نظر لها متسائلاً بتريث:
-الوقت إنتي شايفاني إيه؟
أجابته بعدم فهم:
-شايفاك إيه مش فاهمة؟
سألها ثانية بدون تفكير:
-إنتي شايفاني أنا الإنسان اللي ممكن أكون مكان القذر ده! أو حتى أشبهه ولو في صفة واحدة؟
أشاحت هي وجهها عنه، فتجهم وجهه وانطلق بالسيارة مرةً أخرى بدون أن يقول شيئًا، وظل الصمت يحيط بالمكان لمدة خمس دقائق، إلى أن قررت هي أن تكسره بخفوت النبرات قائلة:
-لأ مش شايفاك زيه، بس هو مكنش هو قبل الجواز، أنا تعبت يا إياس، I'm very tired Eyas.
كان هذا آخر ما قالته قبل أن تنخرط في البكاء، فقد بدأت تتذكر كل شيء يحدث معها هذه الأيام، من الكوابيس والخرف الدائم، ومن الـ..
كان هو قد أوقف السيارة بالفعل ثم ترجل منها، وذهب سريعًا نحوها، ثم فتح لها الباب، وأمسك بيدها، وسحبها برفق ليخرجها من السيارة، حينها خرجت هي معه وهي ما تزال تبكي، فرفع وجهها بيده، ونظر لها مليًا وهو يقول لها بنبرة حانية:
-هششش خلاص، خلاص اهدي، أنا لو كنت أعرف إنك هتنعيطي كدة مكنتش اتكلمت أصلاً.
ثم بدأ يمسح لها دموعها وهو ينظر في عينيها بعمق، ويقول:
-وأنا ميرضنيش أكون أنا مصدر تعبك ده، أنا ممكن أواجه أي حاجة عشان أنا حبيبتك بجد، بس مستحيل آجي عليكي أو أجرحك.
صمت قليلاً قبل أن يتابع بهدوء:
-أنا معرفش ازاي حبيتك، بس كل اللي أعرفه إني حبيتك من يوم ما شوفتك أول مرة، وكل يوم كان بيزيد أكتر. حتى لما كنتي بترفضيني، مكنتش بيأس وكنت بقول إنك ممكن يجي اليوم اللي تتقبليني فيه.
ودلوقتي بقولك إني لو كنت مصدر كل العذاب ده ها..
قاطعته هي بشرود وبنبرة مختنقة:
-بيجيلي في الحلم كل يوم..
صمتت قليلاً قبل أن تتابع بنبرة أشد اختناقًا:
-بسمع قبل ما أنام كل يوم صوت خطوات شبه صوت رجليه زمان، وسعات بيظهرلي في أي حتة أو اتخيل بيه. عاوزة أتخلص منه ومش عارفة ازاي!
ظل هو منتبهًا لها إلى أن انتهت، ثم نظر لها للحظة قبل أن ينظر خلفه للمكان المتواجدون هم فيه، حينها نظر لها مرة أخرى وسألها بهدوء:
-تيجي نكمل كلام جوا؟
نظرت إلى المقهى الذي أمامها، ثم أومأت رأسها موافقة. حينها أخذها معه إلى الداخل.
بعد استقرارهم على مقاعدهم، ظل هو ينظر لها لفترة من الزمن قبل أن يسألها باسمًا:
-هتشربي إيه؟
-قهوة سادة
كاد أن يرفع يده لينادي النادل إلا أنها تابعت بهدوء:
-من غير سكر
نظر لها بسكون برغم أن طلبها استدعى انتباهه، وسألها:
-ليه من غير سكر؟
أجابته ببساطة:
-بحس إن ده بيديني طعم حياتي.
ابتسم لها ولم يعقب، وأشار للنادل حتى إذا ما جاء أخبره بطلبها وطلب مثلها تمامًا، ثم أخبره أن يخضر شيئًا آخر لكنها لم تستمع إليه لأن صوته كان خافتًا.
وحين رحل النادل سألته هي بضيق:
-ليه اخترت زيي؟
أجابها ببساطة وهو ينظر لها:
-عشان بحس إن ده طعم حياتي اليومين اللي فاتوا وإنتي بتكرهيني.
كتفت يداها، وأرجعت رأسها للخلف وهي ترمقه بسخرية، فظل كما هو صامت، قاطب حاجباه وينظر إليها بين الحين والآخر.
طال الصمت بينهما، ليقطعه النادل قائلاً:
-اتفضلوا طلبكم
ثم وضع القهوة وبجانبها كيس من مكعبات السكر. ورحل بعدها، فاستعجبت هي من وجود السكر لكنها لم تسأل وظلت كما هي، حتى تفاجأت به يردف بتأنٍ:
-ساكتة ليه؟
-عادي أتكلم في إيه!
سألها بهدوء وهو يرفع رأسها قبالة رأسها:
-أنا مصدر كل العذاب ده؟
أخذت نفسًا طويلاً، ثم مدت يدها لفنجان القهوة، وأمسكت به لتجيبه بعدها بروية:
-ولو قولت آه إيه رد فعلك؟
ظهر العبوس على وجهه وتراجع بجسده للخلف، لكنه أجابها بهدوء بعدها:
-هطلع من حياتك.
سألته من جديد بجمود:
-وللأبد؟
أجابها يدون تفكير:
-وللأبد
وضعت الكوب من جديد على الطاولة، وسكتت ولم تتابع، فأردف هو بنفس الهدوء، والتريث:
-تعرفي ليه خليته يجيب السكر!
نظرت له مستفسرة، فتابع بغموض وهو يمد يده ليفتح كيس السكر ويخرج مكعبًا منه:
-عشان حياتك شبه كوباية القهوة دي، بإيدك تمرريها..
تابع بروية وهو يضع مكعب السكر داخل كوبها:
-وبإيدك تحليها
ظلت كاثرن تبصره بتفكر، بينما أخذ هو مكعبًا آخر ووضعه داخل كوبها وهو يتابع بتؤدة:
-وبإيدك كمان تتحكمي في درجة حلاوتها، وإنتي اللي تمشيها معاكي.
وضع واحدة أخرى ونظر لها قائلاً:
-عارفة ازاي؟
تساءلت بعينيها عن الجواب، فأجابها بثبات:
-تطلعي من اللي إنتي عايشه فيه، إنسيه، حطي كل ده ورا ضهرك وابدأي من أول وجديد
-بس ده مش سهل يا إياس، أنا بحاول ومبعرفش
-بس ده مش صعب يا كاثرن، إنسيه وهتعرفي، بلاش تظلمي نفسك وتظلمي ابنك التعب في الفترة دي وحش جدًا ليكم إنتوا الإتنين.
ثم وضع يده على يدها الممتدة على الطاولة وتابع باسمًا:
-وأنا معاكي في أي قرار تختاريه، سواء عاوزاني أفضل في حياتك أو لأ.
اقرأ ايضاً ... الحب والقدر بين الحياه والموت أجمل قصص الحب الواقعيه
انطفأ البراد الكهربي، وظل البخار الساخن يخرج من فوهته، فأمسك هو به، وصب الماء الساخن داخل الكوب، وبدأ يقلبه بهدوء. خرج من المطبخ ممسكًا بالكوب ثم اتجه نحو الأريكة التي تتوسط الغرفة وجلس عليها. زفر لأكثر من مرة وهو ينظر للفراغ بأعين شاردة وقد بدأت ذكريات الأمس تطارده بكل ظلمها وقسوتها...
...
ضرب ذلك الرجل على المكتب بقوة قبل أن يقف متجهم الوجه، قاطب حاجباه حتى اقتربا من أنفه، وهو يصيح فيه بغضب:
-قصدك إيه يا معتصم؟
وقف معتصم وهو يحاول السيطرة على غضبه جراء تلك الحركة العنيفة، وأجابه بهدوء مستفز:
-اللي سعادتك سمعته، أنا مش هشارك في الظلم ده، ده واحد ملوش ذنب يا رشدي بيه!
أخذ رشدي نفسًا مطولاً قبل أن يجيبه بصوتٍ أقل حدة:
-إحنا من إمتى بنفكر في القرارات اللي بتجيلنا؟ وبعدين ده واحد إرهابي انت مش شايف منظره!
هز معتصم رأسه نافيًا وهو يخرج من حيز مكتبه، وحين وقف أمامه تحدث بضيق:
-مش معنى إنك مشتبه فيه نلبسه قضية كاملة، وبعدين ده عنده أُسرة عارف يعني إيه واحد يكون عنده أُسرة ويتـ...آآ
قاطعه الأخير بحدة وهو يطرق بقوة على المكتب أمامه:
-ده مش شغلنا إننا نفكر، إحنا بنفذ الأوامر وبس.
رد عليه بحسم:
-لأ يا سعادة البيه، إحنا مخلوقين بعقول عشان نفكر بيها، وأنا قدامي الدليل اللي يثبت إنه كان موجود في بيته وقت الحادث، وكمان الكل بيشهد بكدة، لكن شغل التزوير ده حرام، ومش معنى إنك مش لاقي المجرم تلبسها لأي واحد والسلام!
أجابه الأخير بهدوء خطر:
-إنت كدة بتعرض حياتك المهنية للخطر، عشان واحد حتى متعرفوش!
لم يبدُ عليه التأثر وهو يجيبه بفتور:
-لو أنا اتجازيت دلوقتي وانطردت من شغلي، يبقى أشرف بمليون مرة لما أقف قدام ربنا ويسألني عملت كدة ليه، مش كنت عاطيلك عقل تفكر بيه؟
رفع الأخير حاجباه وهو يجيبه بسخط:
-ده على أساس إيه إن شاء الله، ما إنت دايمًا بتنفذ الأوامر!
رمقه معتصم بحنق وهو يجيب بنبرة هادئة:
-لأ أنا مبستلمش إلا القضايا الحقيقية، وطول فترة شغلي هنا حاولت على قد ما أقدر مظلمش حد، ولو تطلب الموضوع إني أضحي بشغلي عشانه هعملها، وهقدم الإثبات اللي معايا لمحاميه.
إكفهر وجه رشدي من الغضب والحنق في آن واحد، ثم نظر له قائلاً بحدة:
-يعني إنت مش همك!
أجابه ببساطة:
-أنا قولتلك يهمني مكونش مصدر ظلم لحد.
ظهرت ابتسامة سمجة على وجه الأخير وهو يسأله بهدوء مفاجئ:
-طب وبالنسبة للي إنت قتلته قبل كدة، ده كان مكنش منضم للظلم!
صمت معتصم قليلاً، وحدجه بنظرة حادة، ولم يعقب.
حينها استغل الأخير الفرصة وتابع بخبث:
-وإحنا طلعناك منها زي الشعرة من العجينة عشان والدك الله يرحمه بس.
أخذ معتصم نفسًا مطولاً ليسأله بعدها بدهاء:
-أعتبر ده تهديد!
-زي ما تحب
-وأنا معنديش مشكلة لو هتفتح قضية اللي قتلته ده تاني، براحتك يا رشدي باشا، بس أكيد ساعتها اللي غطى على الجريمة هيتحاسب معايا!
أومأ الأخير رأسه بغضب، وأشار إليه وهو يرجع للخلف مهددًا إياه:
-أنا حذرتك، وإنت هتشوف أخرت عنادك ده إيه.
ثم تركه وخرج من المكتب، فنظر هو حيث ذهب بأعين غاضبة مشتعلة، ثم أسرع نحو مكتبه ليجلس عليه وهو يزفر بغضب.
...
استفاق معتصم من ذكرياته تلي صوت هاتفه النقال، فالتقطه ناظرًا إلى اسم المتصل، قبل أن يجيب على الفور:
-السلام عليكم
جاءه الصوت منفعلاً من الجانب الآخر وهو يقول:
-وعليكم السلام، شوفت اللي حصل يا معتصم، أنا مش هسكت والله على اللي بيحصل ده!
أجابه الأخير بقلق:
-إيه يا أبان خير؟
لم يزل الانفعال في أبان وهو يجيبه بجدية:
-من كام يوم وهما قابضين على واحد وعمالين بيغذبوا فيه عشان يعترف بجريمة هو أصلاً معملهاش، والنهاردة أول مرة أشوفوا عارف طلع مين؟
سأله معتصم باهتمام وهو ينزل الكوب ويضعه على الطاولة أمامه:
-طلع واحد كان جاري في السكن القديم، وأنا أصلاً عارفه ده طيب جدًا والله، وعارف ربنا.
تنهد معتصم بضيق، وأرجع رأسه للخلف وقد برزت عروقه من شدة الضغط، ثم رد عليه في النهاية بهدوء غريب:
-ما هو عشان عارف ربنا بيعملوا فيه كدة، إنت لسة مفهمتش يا أبان الحكاية إنهم فشلوا في إنهم يلاقوا المجرم الحقيقي اللي قتل، وطبعًا عشان اللي اتقتل ده شخصية مهمة شوية، وكان دايمًا بيهاجم رجال الدين بشكل دائم وهو منهم فلقوا الحل الأمثل يجيبوا الراجل ده ويلزقوله التهمة وخلاص.
سأله أبان بانفعال:
-وإنت ترضى باللي بيحصل ده، والله أنا مش هسامحك لو..
-أنا هستقيل.
قاطعه معتصم بها بهدوء، فصمت الأخير لبرهة قبل أن يسأله مصدومًا:
-إيه!
-إمبارح جالي رشدي وقالي على الموضوع ده، وقبلها حصل موقف مشابه وأنا اعتذرت عن القضية أو حتى المشاركة فيها، يا أبان أنا مقدرش أفصل قاعد في مكان كله ظلم بالشكل ده، مينفعش كدة ده إقامة العدل أحسن من أي حاجة تانية، ومفيش عدل عندنا خالص!
أخذ الأخير بعض الوقت بالتفكير قبل أن يجيبه بثبات:
-طب أنا عاوز أطلعه
أجابه ببساطة:
-متقلقش، براء هيساعدنا في الحكاية دي، وأنا معايا أوراق تثبت انه بريء.
-طب كلمت براء ولا أكلمه أنا؟
-لأ كلمته امبارح وجالي البيت شوية وهو قالي مقلقش وهيعمل اللي يقدر عليه إن شاء الله، و.
كاد أن يتابع، إلا أنه سمع صوت جرس الباب يرن، فأردف له بروية:
-استنا أما أشوف مين.
ذهب معتصم ناحية الباب، ثم فتحه، وحالما رآهما ابتسم قائلاً وهو ينظر في ساعته:
-كل ده!
بادلتاه الابتسامة سويًا وقبل أن يقول أحدهما شيئًا، أردف هو عبر الهاتف:
-طب أنا هقفل الوقت يا أبان، شوية وأكلمك.. تمام.. ماشي مع السلامة.
أغلق الهاتف، ومن ثمة أفسح لهما المجال ليعبرا قائلاً بنفس الابتسامة:
-ادخلوا
حينها دلفت الصغيرة وظلت الأخرى في الخارج، ثم قالت بطريقتها الطفولية وهي تقفز:
-روحنا الملاهي وإنت لأ
ضحك معتصم من طريقتها، ثم قام بحملها قائلاً بحزن مصطنع:
-ماشي، ماشي، غيظي بابا حلو يا تالا
ثم نظر للأخرى بهدوء قائلاً وهو يشير لها:
-إدخلي يا فيروز
أجابته باسمة بخفوت:
-لأ مش هينفع، سهيل مستنيني تحت، أنا قولت بس زي ما أخدتها أرجعها
نظر لها هو بنفس الابتسامة، ولم يرد أن يضايقها مُلحًا، حينها استدارت فيروز، وكادت أن تذهب إلا أنه ناداها قائلاً بغموض:
-فيروز، لحظة!
ثم أنزل ابنته قائلاً لها:
-روحي يلا يا تالا غيري هدومك
أومأت الفتاة رأسها ثم ذهبت، بينما استدارت فيروز لتواجهه بوجه متسائل، فتابع هو بسكون:
-كنت عاوزة أعرف، تالا دايقتك في حاجة أو...
قاطعته هي بضيق:
-لأ طبعًا، وبعدين أنا بحبها جدًا والود ودي أجيبها تعيش معايا أصلاً.
ظهرت الراحة على تعابير وجهه، ثم نظر بحنوٍ إلى حيث ذهبت، فتابعت هي بهدوء:
-بس الحقيقة أنا لما لقتها زهقت في أول الحفلة، خرجتها منها وفسحتها شوية في الملاهي.
أدار وجهه قبالتها وهو يومئ رأسه مفسرًا قائلاً بتريث:
-عشان كدة قالت إنها راحت الملاهي لما جت، بس على العموم أنا بشكرك جدًا لإنها من يوم ما شافتك وهي كل يوم تفضل تحكيلي عنك، وبقت بتحب الحضانة، على غير العادة!
-ربنا يخليهالك يا رب، طب أنا نازلة الوقت.
-طيب، مع السلامة
كادت تستدير لتذهب، لكنها تذكرت شيئًا ما فجأة، فعادت تعبث بحقيبتها، إلى أن أخرجت شيئًا ما منه، ثم أعطته له قائلة بجدية:
-لما تالا تطلع إديها دا، عشان نسيته معايا.
نظر لما أعطته له، وحين عاد لينظر لها كانت قد ذهبت، فأغلق الباب، وسيطر عليه الفضول ليعرف ما في داخل الكيس الملون الممسك به، ولم يتمهل قبل أن يفتحه، ليجد بعض الشوكولا والسكاكر، فابتسم بهدوء ثم نادى "
-تالا!
خرجت الصغيرة من الغرفة وهي ترتدي سترتها، وتحاول إدخال رأسها من رقبة السترة، فكان مظهرها هزليًا أكثر من كونها مسكينة.
فوضع معتصم كيس الحلوى على الطاولة، وتقدم ناحيتها وهو يضحك على مظهرها، ثم جثى على ركبته ليساعدها وهو يردف بمرح:
-استني يا فورؤعلوز.
ثم أنزلها لها مبتسمًا، فنظرت له تالا بغضب وقالت:
-أنا تالا بس
حملها هو إلى أعلى، وقال مهددًا، رافعًا حاجباه لأعلى:
-هعلقك في المروحة دي يا لمضة
صرخت تالا بخوف:
-لأ لأ نزلني
أنزلها قليلاً، ضاحكًا على طريقتها، ثم جلس على الأريكة وأجلسها على قدمه وسألها ببشاشة وجهه:
-اليوم كان حلو النهاردة صح؟!
اندفعت الفتاة لتجيبه بسعادة وهي ترفع يديها إلى أعلى:
-آه يا بابا كان حلو أوي، وروحت الملاهي، وماما فيروز ركبت معايا و.
قاطعها هو بدهشة وهو قاطب حاجباه:
-ماما؟!
أومأت تالا رأسها، وهي تجيبه بروية:
-آه، أنا قولتلها أقولها ماما وهي وافقت، عشان العيال كلهم كانوا جـايـبـين مامتهم معاهم في الحفلة، وأنا لأ.
ضمها هو إليه بحنان، وهو يقول بحزن:
-يا حبيبتي
ابتعدت تالا عنه مبتسمة بسعادة وهي تتابع:
-بس أنا بحس إنها ماما، وبحبها أوي، وهي كمان بتحبني أوي.
صمتت قليلاً قبل أن ترفع عينيها الواسعتين له وتسأله بخفوت:
-أنا ينفع أقولها ماما صح؟
بادلها هو ابتسامة دافئة، وأجابها بهدوء:
-طالما هي موافقة، قوليلها.
اتسعت ابتسامة الفتاة كثيرًا، ثم احتضنته بسعادة غامرة، وبالمثل فعل.
كان الحزن يكسوا ملامحه، برغم السعادة التي تسللت إلى تعابير وجهه فجأة. كان مهمومًا، محملاً بالأثقال، برغم صفاء الذهن الذي
واتاه لحظتها.
ابنته هي كل حياته، فإن لم يعش لها ولأجلها ولأجل بسمة وجهها لمن سيعيش! تمر الأيام وحاجتها لوجود أمٍ في حياتها تتضاعفُ، كل يومٍ عن الذي قبلهُ. لو سُد الفراغ مؤقتًا فمن المحتم بعد وقتٍ ثُقبهُ، فمن يا ترى سيسدهُ! أخواء قلبٍ من حنان الأم متوافرٌ علاجهُ، أَم أن نيله بالحلم أشبهُ!
أخذ نفسًا عميقًا وأبعدها عنه، وهو يردف بهدوء:
-تالا، قومي يلا نامي
أومأت تالا موافقة إياه، وقد بدى عليها النعاس، ثم سألته بترقب:
-بابا مش هتنام إنت كمان، مش عاوزة أنام لوحدي
ابتسم لها ثم قبل وجنتها، وأنزلها من على قدمه قائلاً برفق:
-تعالي، أنا كمان أصلاً عاوزة أنام شوية
ثم أمسك يدها، وذهبا سويًا إلى الداخل.........!!!
..................................!!!!!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا