مرحبا بكم متابعين قصص 26 موعدنا في قسم روايات رومانسية كاملة والكاتبة فاطمة رزق والفصل الخامس والأربعون برواية عصفوره تحدت صقراً
وَعَـىَ على مُر الحياهِ ، حين إِصطَدم بواقِعِــهِ .. فنشأَ على كُره حــواءَ ، فلم تكن يوما منزلُــهُ .. وبنفورِهِ جعلَ الجواري تَشتهى قُربَــهُ .. فعُزِزَ الغُــرور في نفسهِ ، بأنُ لا مِثل لـهُ .. فأتتْ هي قبل أن ينخدِعَ بِظَنــهِ .. لتُريهُ مدى ضآلة حجمــهِ .. فليست من الجــَواري، ولا أَمـه يروق لها منزلــُه .. هي سيـدةٌ فى قصرٍ من الحيــاءِ تزينت جُدرانُـهُ .. هي سيـدةُ حسنـاءٌ ، تملك من الكـِبْرِياءِ ما تَكبَح بـِهِ غـرورَهُ .. فقطعَ العهــودَ والمواثيــقَ على نفســهِ .. بأن أيامها القادمــةُ ستكونُ داخلَ جحيمــهِ .. ولِتـَـرى ابنه حــواء ذاك الذي قَـللتْ من شأنِــهِ .. كيف يَسوقهـا إلى هاويةِ الهـلاكِ بنفسـهِ ..! هل ستقاوم سَبيـهُ ، أَم هل ترضـخُ لــهُ ؟ هل ستعيش حبيسَــةً ، أَم سيُجّــلِي قَيــّدَهُ ؟ اللي مشفش الفصل الرابع يقدر يشوفه من هنا رواية عصفوره تحدت صقراً "الفصل الرابع والأربعون"
عصفوره تحدت صقراً
الفصل الخامس والأربعون
٢٠٠٥
دلف ذاك الشاب إلى ذلك المكتب وقد ارتسمت ابتسامة جذابة على محياه، واقترب من مكتب الأخير الجالس عليه. ثم قال بمرح:
-إيه يا بابا، قولتلي آجي ليه كدة، دة إحنا لسا شايفين بعض الصبح لحقت أوحشك!
نظر له والده بشرود، وقد كان وجهه شاحبًا لدرجة غريبة، فسأله الشاب بجدية وقد بدأ يقلق:
-بابا، مالك!
نظر له الأب فجأة ورد بحزم:
-مفيش، كويس، أنا بس كان فيه حاجة عاوزة أقولهالك.
اقترب الشاب من والده وقد بدأت علامات الرعب تكسوا وجهه، فهو غير معتاد على رؤية والده على ذاك الحال.
وضع يده على كتفه وسأله باضطراب:
-فيه إيه يابابا؟
أذ نفسًا عميقًا ثم سأله بهدوء:
-اتصلت ببراء النهاردة؟
اتسعت عيناه رعبًا وهو يردد بقلق:
-ليه حصله إيه.. فيه إيه؟
أجابه بحذر:
-متخافش مش براء، دي أخته يا معتصم.
ازدادت عيناه اتساعًا، وصمت من هول الصدمة، ليسأله بعدها بسرعة وهو يحرك رأسه بانفعال:
-أخته أنهو!! وإيه إللي حصلها!
أغمض عينيه بإرهاق، ووضع يده على جبهته ليتفادى الصداع الحاد، ثم أجابه بهدوء:
-اتعرضت لإغتصاب جماعي، وحالتها حرجة جدًا في المستضفى الوقت.
اهتز قلبه من موضعه، وصارت ضرباته كما لو أن هناك مطرقة بالداخل تطرق على جُدر قلبه، وبرعب النبرات سأله:
-أنهو واحدة!
رفع والده أنظاره إليه، وأجابه بعد أن أخذ نفسًا عميقًا:
-سوفانا.
٢٠١٠
استفاق معتصم من ذكراه على صوت ابنته تردف بمرح:
-بابا، بابا أنا لبست.
أومأ رأسه وابتسم لها ابتسامة شاحبة، فشعرت تالا بشيء مختلف به، لذلك سألته عابسة الوجه:
-بابا، هو إنت زعلان مني؟
نظر لها معتصم وقد رسم اببتسامة حانية على وجهه، ثم اقترب منها وحملها قائلاً بنبرة حاول اكسابها الهدوء:
-ليه بتقولي كدة؟
أجابته سريعًا:
-عشان مش رديت.
ضحك ضحكة خفيفة، ثم قبلها من وجنتها وهو يجيبها برفق:
-لأ مش زعلان، وبعدين بابا بيحب تالا ومش بيزعل منها خالص.
ارتسمت ابتسامة عذبة على وجه الصغيرة، وهمت بضمة بقوة ثم قبلته في خده، حينها ضمها الأخير بحب.
لقد كان دائمًا يشعر بأنه مذنب في حقها، فمنذ أن جاءت الدنيا لم ترَ أُمًا لها، لذلك حاول أن يكون الإثنين بالنسبة لها، لكن الأمر ليس بالهين، فمهما كان عطفه عليها وحبه لها، تبقى الأم أُمًا، تبقى مصدرًا للدفئ والحنان، أحضانها ينبوع من الأمان.
أخذ نفسًا عميقًا لينتبه أنها قد ابتعدت عنه وتنظر لها باسمة. لذلك أنزلها ثم أمسك يدها قائلاً بروية:
-أوعي تضايقي مس فيروز، أنا هبعتك معاها النهاردة زي ما طلبت مني امبارح، بس بعد كدة مش هينفع وهرجع أوديكي بنفسي.
عبست، فسألها رافعًا حاجباه بدهشة:
-إيه مش عاوزاني أوديكي!
هزت رأسها نافية، ثم أجابته ببراءة طفلة في الخامسة من عمرها:
-عاوزة أروح معاها.
-طب ما وأنا؟
وضعت اصبعها في فمها تفكر قليلاً، ثم تابعت بسرعة:
-هي توديني، وإنت تجبيني
قلب يديه ناظرًا لها، متسائلاً باستنكار:
-دة على اساس إن هي شغالة عندك، طب أنا ومغلوب على أمري، هي بقى إيه ذنبها!
مطت شفتيها بانزعاج، وكتفت يداها ولم تجبه، فابتسم لطفولتها، ثم حملها كحركة مفاجئة، وسار بها إلى أن وصل للباب، ثم ارتدى نعله، وخرج حاملاً إياها.
..................
نفس المكان، ونفس التوقيت، وها هي واقفة حتى بنفس الفستان الذي ارتدته في المرة السابقة. لكنها أبدًا لم تركز على البحر الذي أمامها اليوم، هي تركز علي شيءٍ آخر. لقد توقعت أن تراه مجددًا، لماذا؟ هي لا تدري، وقد تعتبر أنها ساذجة فمن هو الشخص الذي قد يأتي في نفس الوقت هنا كل يوم.
أرادت رؤيته من جديد، لقد انتابها هذا الفضول لتعلم كيف وصلت به الجرأة ليفعل ما فعله بها في المرة السابقة!
من المؤكد أنها سوف تعاتبه وبقسوة إذا رأته اليوم من جديد، ثم تخبره ألا يقترب من حياتها مرة أخرى. هل هذا منطقي؟!
سألت نفسها هذا السؤال، وتتابعت الأسئلة الإستنكارية، كيف لها أن تأتِ إلى هنا لتلقاه لأجل إخباره فقط أن يبتعد عنها! أهي بكامل قواها العقلية!! ثم أنها.. حسنًا، ما الذي ستفعله إن رأته! يا للهول لم تفكر بالأمر حتى!
أخذت نفسًا عميقًا مع نفسها وهي تلومها لمجيئها إلى هنا، وفي النهاية اية قررت ترك المكان والذهاب، وسارت عدة خطوات مبتعدة، فبالطبع إن رأته لن تـ..
-أخدتي قرار، لازم تكوني أده.
أوقفها صوته الهادئ، ثم استدارت له، لتراه أمامها من جديد، سار هو بضع خطواتٍ حتى أصبح أمامها مباشرةً، ثم تابع بنفس الهدوء:
-كنتي هتهربي ليه؟
أجابته بغضب:
-مكنتش ههرب، أنا بس جيت شوية وماشية.
سار حتى وقف بجانبها، هي تنظر للبحر، وهو ينظر للرمال، ثم سألها بتريث:
-يعني مش عشان تشوفيني؟
برغم البرودة التي انتابتها من وقوفه إلى جانبها، إلا أنها أصرت إصرارًا رهيبًا على الوقوف ثابتة، حتى ولو كانت ترتجف من الداخل، ومع ذلك أشعرها حديثه بالسخونة من الانفعال، هل يتعمد الضغط على مراكز الغضب لديها!
-لأ، مش عشانك طبعًا.
تلك كانت إجابتها المقتضبة، فابتسم بهدوء، ثم سار للأمام مردفًا ببساطة:
-يبقى هضطر أقولك مع السلامة.
وأخذ يبتعد عنها بخطى هادئة، متريثة. استدارت هي لتنظر له للحظات، قبل أن تسير بخطى سريعة وهي تردف بصوتٍ عالٍ:
-استنى، استنى شوية.
اتسعت ابتسامته ووقف في محله، ثم استدار لها فوجدها قد باتت أمامه. فسألها ببرود:
-نعم!
عبست بملامح وجهها وهدرت به:
-مش من حقك!
رفع حاجباه مستعجبًا وكاد أن يتحدث، إلا أنها تابعت بغضب وهي تلوح بيدها:
-مش من حقك أبدًا إنك تيجي براحتك، وتمشي براحتك! مش من حقك تحكم عليا إني ضعيفة لمجرد إنك متعرفش حاجة عني! مش من حقك تفكر نفسك فاهمني أكتر من نفسي، إنت سامع، مش حقك.
بدى هادءًا وكأن شيئًا لم يكن، وسألها بإتزان:
-طب إيه إللي من حقي؟
صمتت هي حين بتر العبارات في فمها بسؤاله البارد، لكنها أجابته بعد مدة بحدة:
-مش من حقك تدخل في حياتي.
أومأ رأسه مرة واحدة، وتحدث بعفوية:
-ما أنا كنت ماشي عشان متدخلش وإنتي ندهتيلي!
كادت أن تصرخ بوجهه مش شدة الحنق، والغضب، منذ زمنٍ بعيد لم تغضب إلى ذاك الحد، لكنه.. لكن..
-خليك واقف هنا.
تلك كانت جملتها قبل أن تنصرف وتتركه واقفًا يتابعها وخي تنصرف! ، أغمض عينيه وفتحها مستعجبًا منها، قاطبًا حاجباه.
...
سارت هي بعيدًا عنه، وهذا جيد، فهي من قررت ما ستفعله هذه المرة، وهي من ذهبت قبله، وهل أرضت نفسها بتلك الطريقة!
وقفت فجأة حين وصلت أمام سيارتها، ثم استدارت لتستند عليها وتضحك بطريقة غريبة، وما لبثت ضحكتها أن تحولت لبكاءٍ حاد.
تساءلت لماذا تمر بكل تلك الضغوط النفسية يومًا بعد يوم! أما آن الأوان لتعود كاثرن القديمة. كاثرن الفتاة المرحة الرائعة، أين هي من كل هذا!
فتحت باب السيارة، ثم ركبتها، وبدأت تمسح دموعها، وهي تفكر أنها يجب أن تتخذ خطوة جادة للأمام، فهذا لا يمكن، حياتها وحياة وليدها ستدمر إن ظلت تائهة إلى تلك الدرجة.
فجأة نظرت أمامها وهي تفكر بأمرٍ ما قبل أن تقول لنفسها بهدوء:
-لو كان دة الخيار الوحيد عشان أرجع زي ما كنت، هنفذه.
ثم أدارت المحرك، وانطلقت سريعًا، بوجهها الشاحب...
هذه أول مرة تبقى وحدها في هذا المنزل، فقد اعتادت أن يكون موجودًا إلى جوارها دومًا، حتى ولو كانت لا تريده. فتحت ضلفة خزانتها بهدوء، وأخرجت منه ورقة كانت تحت ثيابها. ثم نظرت لها مبتسمة ببوجوم.. حينها بدأت تتذكر حين رأت تلك الورقة أول مرة، رأتها اليوم الذي تلا يوم مجيء عمه إلى هذا المنزل.
ولن تنكر أنها قد أصابتها حالة من الدهشة حين قرأتها، فلم تصدق أنه من خط تلك العبارت المجنونة.
ثم أعادت قراءة الورقة بهدوء:
-"خُذي رَأسِي وَلا تَمنَعي اِبتسامَتكِ أَنْ تَطالَ عَيني"
"خُذي قَلبي وَظلي مَعي لَحظةَ قَضاءِ أَجَلِي"
"خُذي عَيني وَلا تُرينِي دَمعةً تَقتُلنِي قَبل أَنْ تَطأَ وَجنتيكِ"
حين قرأت تلك العبارات للوهلة الأولى شعرت بالانزعاج، فقد احتملت أنه.. لربما قد أشفق عليها، لكن مع الوقت تغير الأمر، ربما الدافع ليس اشفاقًا كما ظنت، هي تعلم أنه لم يرها بذاك الضعف يومًا إلا تلك المرة، ومع ذلك كانت كافية لتؤنب نفسها لفترة طويلة، أو لربكا حتى خففت عنه البارحة قليلاً.
أخذت نفسًا طويلاً وتساءلت:
-براء، مجاش من كام يوم، ومتصلش بيا إلا امبارح الصبح، أول مرة يعمل كدة، و..
كادت أن تتابع، إلا أنها سمعت أحدهم يطرق الباب عليها، وبهدوء سمحت للطارق بالدخول، حيث أنها تعلم خلو المنزل إلا منها ومن الخادمة.
حينها فتح هو الباب، ودلف، فابتسمت بمجرد أن رأته قائلة:
-براء!
بادلها الإبسامة، ثم اتجه إليها مردفًا:
-وحشتيني بالله.
ثم ضمها إليه، فسألته هي بدهشة:
-مش المفروض عندك شغل الوقت!
ابتعد عنها، وهو يجيبها بروية:
-اتأجل، فقولت آجي أشوفك، وبعدين كنت ناوي أجيلك من كام يوم، بس والله غصب عني الشغل آآ..
قاطعته ببساطة:
-إيه يا براء، من إمت بنقدم أعذار!
اتسعت ابتسامته، ثم سحبها من يدها ليجلسا على الفراش، ليسألها بتريث بعدها:
-المهم عاملة إيه، والزفت دة بيدايقك ولا لأ؟
أجابته وهي ترجع رأسها للخلف قليلاً:
-الحمد لله
-طب بيدايقك؟
-لأ
أمسك يدها بإصرار وهو يتابع:
-أنا مستعد أطلقك منه في أي وقت، إنتي بس قوليلي وأنا هعمل كل إللي...
قاطعته جويرية بهدوء:
-يا براء إفهمني أنا..
قاطعها هو من جديد، بوجه عابس، وبنبرة حادة:
-لأ إنتي إللي افهميني، أنا مش عاوز أكون السبب، أنا عارف إنه هددك بيا عشان كدة إنتي خايفة. بس والله هـ..
-براء، عشان خطري إفهم، صهيب مش محتاج لكل دة عشان يرغمني أفضل معاه، أنا هنا بإرادتي، ولو عاوزة أمشي هو مش هيمنعني.
-طب إيه إللي مانعك!!
-هو إللي لازم ياخد القرار مش أنا، أنا وافقت على الجواز يبقى أبقى أده.
صمت قليلاً وهو ينظر لها غير مقتنع بما قالت، ثم سألها فجأة وهو يفكر:
-لو إنتي مش حابة ترجعي البيت قوليلي وأنا هحل المشكلة دي، أنا عارف إنك بتكرهي الأماكن إللي فيها ذكريات كتير.
سألته بهدوء:
-إنت مش مصدقني!
أجابها بدون تردد:
-آه بصراحة، خالص. أصل إنتي مش..آآ
قاطعته هي بنفس الهدوء والتريث:
-عارفة إنك مستغرب، إزاي أوافق أفضل معاه، بس أنا قولتلك إني خدت القرار دة بنفسي، ومبتراجعش عن أي قرار أنا باخده.
علم هو ألا جدوى من النقاش معها، فصمت.. فمنذ متى تقتنع، هي تقنع وبارعة في ذلك، لكن أن تقتنع! مستحيل.
أخذ نفسًا مطولاً، ثم سألها بفتور:
-طيب ياختي، هو فين؟
-في الشغل.
رفع رأسه لينظر لها، فقد بدى مدهوشًا، وأردف:
-غريبة، أول مرة
بهدوء قالت:
-فعلاً ما دي أول مرة يروح.
-إيه إللي جد!
هزت كتفها غير آبهة وهي تجييبه بضجر:
-معرفش
أومأ رأسه، ثم سألها باسمًا بمودة:
-المهم إنتي أحسن اليومين دول؟
-الحمد لله يا براء، أنا كويسة متخافش عليا، المهم إنت كنت مختفي ليه كدة، إيه إللي حصل؟
تبدلت ملامحه للعبوس، وزفر من الإختناق، ثم أدار وجهه للجهة المقابلة لينظر للأمام، ويقول بعدها:
-مهزلة يا بنتي بتحصل بالله، راجل ملوش ذنب في أي حاجة عاوزين يشيلوه قضية قتل. دة غير إن معتصم إستقال أصلاً.
سألته باهتمام:
-ليه استقال؟
-كانوا عاوزينه يساعدهم في القضية دي ويلفق معاهم، وطبعًا أول ما رفض بدأو يهددوه
سألته وكأنها تخمن الأمر:
-يإيه؟
أدار وجهه قبالتها، وبدى جادًا تمامًا وهو يجيبها بسؤاله:
-بجد مش عارفة؟
وقفت سريعًا وقد اتسعت عيناها وكأنها بدأت تتذكر شيئًا ما، فوقف هو الآخر وسار ليقف أمامها، وتساءل بهدوء:
-يبقى أكيد عرفتي!
نظرت له بعينين جامدتين، وتحدثت بغموض:
-يعني أفهم من كدة انه استقال عشان التهديد دة؟
-لأ طبعًا، و..
كاد أن يتابع إلا أنه سمع صوت هاتفه يرن، حينها أخرج الهاتف من جيبه ونظر للإسم قبل أن يبتسم لها ويقول:
-شوفتي أهو يا ستي بيتصل، هخليه بنفسه يشرحلك
ثم ضغط على الزر، وفتح مكبر الصوت وهو يردف:
-السلام عليكم
أجابه الأخير عبر الهاتف:
-وعليكم السلام، براء أنا...
قاطعه براء بهدوء وهو يقول:
-لحظة بس، أنا عند جويرية الوقت، وفاتح الاسبيكر عاوزك تفهمها إنت ليه سيبت الشغل.
جاءه الرد يحمل نبرة من اليقين وهو يجيبه:
-هاتها
-السلام عليكم، أيوة يا معتصم براء قالي هما هددوك بإيه بس...
-لحظة بس لحظة، لو بتفكري إني سيبت الشغل عشان كدة، فأنا أحب أقولك إن دة غلط تمامًا، أنا كنت ناوي أسيبه من فترة، وواحد صاحبي فاتح فرع جديد هنا وطلب متي لما عرف إني هسيب الشغل أشتغل معاه.
كادت هي أن تتحدث، إلا أنه تابع بثقة:
-وعلى فكرة مفيش مقارنة بين الحاجتين دول، طول ما أنا بشتغل هناك هتكون مضطر آجي على ناس وأظلم ناس، والمفروض أصلاً إني اتعينت في المهمة دي بس عشان أحمي الناس مش آجي عليهم، صدقي أو لأ أنا كدة مرتاح راحة مرتحتهاش في حياتي. واقفلي على الموضوع دة. إنتي عارفة براء غالي عليا أد إيه، والحاجة الغالية على براء غالية عليا أنا كمان، يعني عمري ما هندم من إللي عملته عشانها.
ابتسمت دون تكلفة، فهي تعلم نوع المشاعر التي كان يكنها لها، كانت نظراته وحدها تكفي للتعبير، ومع ذلك لم يبح يومًا. ومع ذلك كانت تحترمه كثيرًا.
-شكرًا يا معتصم، خلاص براء معاك الوقت، وربنا يوفقك.
أقرا أيضا رواية أرض زيكولا الفصل الثامن
جلس في منتصف الفراش يتابع القراءة، وقد ظهر على وجهه كل أمارات الصدمة،
تلك المفكرة تحمل ما لا يحتمل عقله تصديقه. لقد كان مرتاحًا برغم كل شيء قبل أن يقرأ هذا الدفتر... ولكن الآن يعذبه ضميره، لن ينكر أنه شعر بالسعادة قليلاً، لكن في ذات الوقت لقد ظلمها!
مسح عبراته الساقة وتابع قراءة الدفتر باضطراب، للمرة الثانية على التوالي:
-"لم أستطع تحمل أن يكون قاتلها على قيد الحياة، ولا سيما أنني رأيتُ كل شيءٍ بعيني، رأيته يقتلها، ويساعده الآخر على اخفاء الجريمة. رأيتهما يتشاركانها كقطعة من الخبز يقسمانها بينهما، رأيتُ عيناها، عيناها كانتا تبكيان وتناجياني، وأنا كنت بعيدة.. بعيدة جدًا تاركة إياها وحدها في الهلاك. حينها فقط أقسمت، أقسمت لأذيقنهم من الكأس، أقسمت ليقتلن أحدهم الآخر.. آسفة يا عقلي لن أتريث. آسفة يا عيني لن أبكي الآن، هذا وقت العمل"
................
١٩٨٣
أمسك ذاك الرجل بشعر تلك الفتاة، ثم جذبها منه بقوة حتى وقفت على قدميها وهي تصرخ وتبكي، فصاح بها عاليًا وهو قاتم العينين:
-أما أقولك على حاجة تنفذيها، إنتي سامعة!
أومأت رأسها على الفور وهي تحاول كتم شهقاتها، فحدجها بنظرات صارمة وهو يأمرها بقوة:
-أنا هطلع، خمس دقايق وتبقي جاهزة.
ثم دفعها بعنفٍ للخلف، وخرج.. حينها أسرعت هي نحو الخزانة، وأخرجت علبة بيضاء، أخرجت من تلك العلبة كيسًا بلاستيكيًا صغيرًا به مسحوق أبيض اللون، فتحت الكيس وأسرعت نحو كوب ماء فوق حاملك الأدراج، وسكبت المسحوق كاملاً بداخله، وظلت تراقب ذوبانه في الماء. كانت شهقاتها قد خفت تدريجيًا إلا أن دموعها ظلت تنهمر بلا قيود، ثم أردفت بيأس وهي تمسك بالكوب جيدًا:
-أنا مقدرش أسلم نفسي لحد، أنا مقدرش أعمل كدة، عارفة إن الإنتحار هو دة الحل الوحيد.
ثم وضعت الكوب على فمها وما لبث أن شربته كاملاً... كان ذلك السم لا يؤثر فوريًا، يحتاج الأمر إلى ساعة أو أكثر ليسري في جميع أنحاء جسدها، ثم يبدأ بالفتك بها.
وهذا هو ما كانت تفكر فيه، إذ أنها لم ترد أن يعلم أحدٌ أنها قد انتحرت، من المهم أن يكونا هما السبب الرئيسي في مقتلها. يكفيها عذابًا.
أوقعت الكوب فارغًا على الأرض عن عمدٍ فتهشمت أجزاءه، وسريعًا تخلصت من الكيس الفارغ في يدها في سلة القمامة، ثم اتجهت نحو خزانة ثيابها. أخرجت ثيابًا لترتديها، ثم دلفت إلى الحمام.
بعد خمس دقائق، كانت قد تجهزت تمامًا، حينها خرجت من الغرفة فوقفت أمامها رجلٌ ما وبدأ يتحدث بهدوء:
-البيه مستني حضرتك برا وقالي أجيبك.
نظرت له نظرة خاليةً من الروح، ثم سارت معه بصمت. شعورٌ بالدوار، يصاحبه بعض وخزات الألم في مناطق متفرقة من رأسها ويداها، ومع ذلك تستمتع هي بذاك الألم، فهو الألم الأخير لها.
خرجت من القصر لتجده في سيارته منتظرًا إياها، نظرت له نفس العينين الكريهتين، ونفس الوجه البائس، كم تكرهه، كم تبغض حتى صوت أنفاسه، كم تتمنى الموت كل لحظة حتى لا تراه فيها.
ركبت السيارة، وظلت صامتة بينما انطلق هو بالسيارة سريعًا.
فجأة فتح فمه ليردف متهكمًا:
-أنا مش فاهم إنتي بتبقي متضايقة كدة ليه كل مرة ببنروح فيها هناك!
تابع بابتسامة سمجة ثقيلة:
-دة حتى معتز أحسن مني!
تجاهلته تمامًا فتابع ببرود:
-وبعدين أنا ومعتز بنتشارك كل حاجة من صغرنا.
نظرت له وكأنها لا تصدك كيف يتحدث، وسألته بجمود:
-بس أنا مراتك!
أرجع ظهره للخلف، وابتسامته العابثة تتسع وأجابها:
-ما إنتي من ضمن الحاجات إللي بتتشارك.
لم يقوَ عقلها على الإستيعاب أكثر، خاصةً وأن السم قد بدأ يسبح في خلاياها، فأرجعت رأسها للخلف، وتابع هو بجدية:
-وبعدين إنتي متعرفيش معتز، لازم أدفع التمن إللي يعجبه عشان ينفذ إللي أنا عاوزه، وإنتي بتعجبيه أوي.
ضحك بعدها ساخرًا وهو يردف:
-ولا كنتي مفكراني متجوزك ليه؟!
أغمضت عينيها وتحملت ما يقول، تحملت لأنها لن تتحمله من جديد، سترحل وتتركه، وتترك قذارته وقذارة أخيه.
في النهاية قد وصلوا إلى ذاك البيت الضخم، ترجل من سيارته، ثم فتحت هي الباب لتخرج هي الأخرى، كانت قطرات العرق تنصب على جبينها، وبدى الإرهاق على كل جسدها ولكنها قاومت لتتظاهر أنها بخير.
ساروا متجهين للبوابة، ومنها إلى المنزل حتى دخلوه، إستقبلهم معتز حينها بحفاوة، واقترب منهما قائلاً بابتسامة غريبة:
-أهلا أهلا، إيه يا جلال كل دة إتأخرتوا.
-يلا أدينا جينا في النهاية.
جاءت إحدى الخادمات، واتجهت نحوها قائلة بهدوء:
-ممكن حضرتكتيجي معايا يا هانم!
لم تقاومها، وإنما سارت معها بإستسلامٍ غريب، فنظر له معتز قائلاً بدهشة:
-جلال، إنت عملت فيها إيه المرة دي، المرتين إللي فاتوا كنت بتجرها!
هز جلال كتفه غير آبه وهو يجيبه:
-إتلاقيها اتعودت، المهم الفرع هتجيبلي الإمضى إللي قولتلك عليها.
ابتسم الأخير بخبث وهو يرد:
-جبته أصلاً، هتلاقيه هناك على المكتب، روح خده.
لم ينظر له جلال بل سار مبتعدًا في الإتجاه الذي أخبره به، بينما ذهب الأخير نحو الغرفة التي ذهبت إليها هي منذ قليل.
دلف إلى الغرفة فوجدها جالسة على الفراش، وقدماها في الأسفل. أغلق الباب ثم اقترب منها وهو ينظر لها بإنتشاء، وأردف معاتبًا بتهكم:
-قولتلك قبل ما تتجوزيه إني بحبك، بس إنتي برضوه إختارتيه عليا، والوقتي هو إللي بيجيبك ليا عشان أنفذله طلباته.
ظلت بنفس السكون ولم تتحرك، بينما وقف هو أمامها وتابع:
-بس إنتي إللي بإيدك خليتيني أكرهك، ومتعرفيش أنا أد إيه بستمتع لما أشوفك قاعدة كدة مذلولة أُدامي.
أمسك بيدها، فلم تنظر له، فاستعجب هو حالتها تلك..
..
في إحدى أركان هذا المنزل، كان هناك خادمٌ ممسكٌ بهاتفه، يتحدث فيه بخفوت وهو يخفي فمه بيده، وكأنه يخبر أحدهم سرًا..
..
خرج معتز من غرفته سريعًا وهو يصيح بصوتٍ عالٍ:
-جلال!
جاءه الأخير على صوت ندائه، ثم وقبل أن ينطق، تحدث الأخير بإضطراب:
-نوار ماتت!
اتسعت عيناه وسأله بصدمة:
-إيه!
أجابه الأخير بنفس الصوت المهتز:
-نوار كان عندها قبل كدة صدمة عصبية، نوار ماتت من الخوف يا جلال!
هز الأخير رأسه غير مصدق، وتابع قائلاً:
-لأ ممكن تبقى بتمثل!
صاح فيه الأخير بشراسة:
-قولتلك ماتت، ماتت إيه مبتفهمش، وأنا السبب.
أخذ جلال نفسًا عميقًا وزفره بسرعة وهو يجيب بهدوء:
-طيب طيب اهدى خلاص، أنا هتخلص من جثتها وإنت ملكش دعوة بأي حاجة
صدم الأخير من تلك البساطة التي يتحدث بها، بينما تابع جلال وهو يسير نحو الغرفة التي هي فيها:
-بس الأول أتأكد بنفسي.
...
بعد دقائق كان قد تأكدا من صحة خبر موتها، وسريعًا إتصل جلال بأحد معارفه ليتخلص من جثتها بيسر، وكانت آخر كلمات المحادثة:
-تمام، الساعة واحدة بالليل تكون مأمنلي الطريق الصحراوي.
أنهى المحادثة ثم أغلق معه، ونظر لأخيه الجالس أمامها مصدومًا، فاقترب منه متسائلاً باستخفاف:
-متقولش إنك زعلان، أنا أصلاً كنت مليت منها، دي زنانة و٢٤ ساعة بتعيط!
نظر له بأعينٍ زائغة وهو يردد:
-بس أنا إللي قتلتها... أنا السبب
رفع حاجباه ساخرًا وسأله:
-وإنت عندك قلب من إمت!
كاد الأخير أن بتحدث، إلا أن جلال قاطعه بصوت صارم:
-بدل ما تخنقني باللي عمال تقوله دة، فكر معايا في حجة نقولها للست أختها لتفضحنا. إسمع أنا هتخلص من جثتها النهاردة ودة مش عشانك، دة عشان سمعتي أنا كمان، وبعدها نفكر في موضوع أختها دة.
أومأ الأخير رأسه باستسلام وهو يقف، ثم ذهب ناحيتها وغطى وجهها بالملاءة.......!!!
......................................!!!!!
أظن الفصل دة وضح كتير!
يتبع ....
يارب تكون حلقة النهارده عجبتكم وأستنونا كل يوم في نفس الميعاد فصل جديد من رواية عصفورة تحدت صقرا وعلشان تجيلكم الفصول بتسلسلها تقدروا تتابعونا من خلال صفحتنا علي الفيس بوك
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا