أصدقائي الأعزاء متابعي موقع قصص 26 يسعدني أن أقدم لكم الفصل التاسع عشر من رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن وهي رواية رومانسية واقعية ذات طابع ديني تتسم بالكثير من الأحداث والمواقف المتشابكة التي ستنال اعجابك بالتأكيد فتابع معنا.
جائزته التى طالما أنتظرها طويلاً بعد جهد وعناء ومشقة وسنوات دراسة وبذل وسهر وتعب وأرهاق مضاعف ...كم هى مذاقها طيب لذة الانتصار وكم هو مرهق مشوار النجاح وتحقيق الاهداف .. بحث بعينيه كثيراً عنها بين المهنئين فلم يجدها كيف ذلك وقد وعدته بالحضور لتشاركه أحلامه وسعادته تلك اللحظة شعر بالقلق حيالها هل ربما قد تكون أصابها مكروه ...أخرج هاتفه الخلوى وهاتفها سمع صوتها فرد بلهفة:
- حبيبتى أنتى كويسه؟
أنتفضت دنيا من فراشها هاتفة:
- أيه ده هى الساعه كام دلوقتى
أطاحت المرارة بابتسامة ثغره ووضعت مرارتها على شفتيه وأحتلتها أحتلالاً وهو يقول:
- أنتى كنتى نايمه ؟! ..معلش صحيتك روحى كملى نوم ..سلام
أمسكت الهاتف بكلتا يديها وقالت بلوعة:
- والله يا حبيبى راحت عليا نومه مش عارفه ازاى ... اصلى نايمه بعد الفجر .. بس أنت غلطان مكلمتنيش ليه قبل ما تنزل الصبح
قال بضيق :
- خلاص خلاص محصلش حاجه يلا سلام
أغلق الهاتف وهو يشعر أن مرارة ابتسامتة قد أستعمرت قلبه ورفعت رايتها معلنةً أحكامها وبعثرت غصتها فى حلقه تباعاً لتجبره على الانصياع لها بلا مقاومه.. ولم يكن ليفعل .. لم يكن ليقاوم ذاك الشعور المرير بأهمالها الدائم له وعدم حرصها عليه وتفكيرها الأبدى فى شخصها وفقط .. كيف يكون ذلك حباً ..
عاد إلى بيته وهو يحاول التخلص من تلك المشاعر التى أحتلته فلا يريد أن يزعج احداً بما يعانيه ..كل ما كان يفكر به هو اسعاد تلك المرأة الطيبة التى بذلت عمرها لأجله ولم تبقى لنفسها عافية إلا وقدمتها بحب وأرتياح وهى تراه يحقق الانجازات يوماُ بعد يوم فكأنها هى التى تنجح وهى التى تتقدم وهى التى تخطو نحو المستقبل بخطاً ثابته..
أحضر لها معه بعض الأشياء التى تحبها ورسم ابتسامة سعيدة على محياه ليدخل البهجة على قلبها ..قابلته .. وجدها تقف فى الشرفة تنتظره على أحر من الجمر فابتسم لها وخطى خطوات واسعة نحو المنزل صعد درجات السلم فى سرعة كبيرة فوجدها قد سبقته ونزلت هى إليه ..عانقته وهى تضحك بين دموعها وتحسست وجهه بيديها الواهنتين وهى تقول ببكاء:
- مبروك يا حبيبى ألف مبروك يا ما انت كريم يارب الحمد لله يابنى
وكأن دموعها قد سمحت لدموعه بالافلات أخيراً من محبسهم وبغزارة..وهو يقول :
- أيه يا ست الكل أنتى تفرحى تعيطى تزعلى تعيطى
قبلت كتفه وأحاطها بذراعه وهى تقول:
- دى دموع الفرح يا دكتور
جائهم صوت مُهرة من خلفهم وهى تقول بصوت يشبه البكاء:
- كده خلتونى أعيط..
ألتفتا فوجداها تقف اعلى الدرج وعيناها تلمع بعبراتها السعيدة التى هطلت بغزارة على جنتيها وهى تنظر إليهم بأبتسامة كبيرة فأعطت مظهراً يُرسم له لوحة فنية بكل تلك المشاعر المتناقضة على وجهها الدموع المنهمرة بلا توقف والابتسامة الكبيرة السعيدة وتلك الملامح البريئة التى لا تخطئها عين...
هبطت درجتين من السلم حتى اقتربت ثم توقفت وأخرجت من جيب تنورتها ميدالية مرصعة بفصوص من الفضة مكتوب وسطها وبخط فضى صغير د/فارس سيف الدين ....وقدمتها له وهى تقول ببراءة :
- مبروك يا دكتور ممكن تقبل منى الهدية البسيطه دى
أخذها فارس وهو ينظر لها ويقلبها بين يديه متأملاً وقد تملكته الدهشة وقال:
- الله يبارك فيكى يا مُهرة..بس جبتيها أمتى دى وعملتيها أزاى
رفعت كتفيها وقالت بتلقائية:
- من سنة كده وأنا عند ابله عبير شفت واحد جنبهم بيعمل حاجات فضه طلعت فى دماغى ووصيته عليها ولسه مستلماها منه من اسبوع بس
رفع حاجبيه وقد أندمج مع عباراتها التلقائية ولم يكن حال والدته باقل من حالته وهما ينصتان لكلماتها العفوية وقال متسائلاً:
- من سنه ولسه مستلماها من أسبوع
أبتسمت فى خجل وهى تطرق برأسها وقالت:
- أصل أنا كنت بحوش تمنها ولما خلصت أدهالى
أتسعت ابتسامته وهو يتبادل النظرات مع والدته التى شعرت كأنها تراها لأول مرة أما هو فقد شعر بمتعة وهو يتسائل مرة اخرى ويقول :
- وانتى بقى عرفتى منين المعاد بتاع مناقشة الرسالة علشان تظبطيها كده وتخلصى تمنها قبلها بأسبوع
أستندت بذراعها إلى سور الدرج ولوحت بيدها الاخرى بعفوية وهى تقول:
- مرة سمعتك وانت بتتكلم مع طنط
رفع حاجبية مندهشاً وقال :
- سمعتى المعاد مره من سنه !!!!
أومأت بخجل ثم عقدت جبينها ونظرت لأم فارس ثم نظرت إليه وقالت:
- هى معجبتكش ولا ايه
أجاب بدون وعى وبدون تفكير:
- بالعكس دى جميله جدا
نظرت له والدته فوجدته شارداً أو حائراً وهو ينظر إلى الميدالية فى يده ويقول فى وجوم:
- شكلك كنتى متأكده أنى هاخد الدكتوراه حتى من قبل ما أكون انا متأكد
صعدت والدته درجتين وربتت على كتف مُهرة ثم مسحت على ذراعها فى حنان وقالت :
- طول عمرك جدعه يا مُهرة وفاكره الناس اللى حواليكى ثم نظرت لملابسها وقالت متسائلة:
- انتى رجعتى من المدرسه بدرى النهارده ولا ايه
نظرت مُهرة لملابسها المدرسية ومطت شفتاها وهى تقول بحزن:
- انا مروحتش أصلاً النهارده الصبح صحيت بدرى علشان أروح أتفرج على فارس وهو بياخد الدكتوراه بس ماما مرضيتش وقعدت تتخانق معايا علشان الامتحانات قربت وصممت ألبس وأروح المدرسه ..طبعا بقى على ما الخناقه خلصت ولبست كان عدى وقت المدرسه لقيت ماما بتقولى خلاص اتأخرتى هتروحى فين..ومن ساعتها بقى وانا مغيرتش هدومى وقاعده اذاكر فى البلكونه علشان لما فارس يرجع اشوفه وأديله الهديه...
شعر فارس بكلمات مُهرة تُطيح بالمرارة التى كانت قد احتلت قلبه من قبل وتنزع رايتها وتحررقلبه من القسوة التى كانت تحاول فرض سيطرتها عليه بالقوة وتُميت عواطفه وتكاد تدفنها فى اعماقه فلا تظهر مرة أخرى على السطح
ولكنها جائت فى الوقت المناسب لتعيد تشغيله واعادته إلى الحياة مرة ثانية ..
قبض على هدية مُهرة فى راحته ولا يعلم لماذا شعر فى هذه اللحظة بالذات انه يجب أن يغض بصره عنها لأنها ...لأنها قد كبرت ...كبرت إلى هذه الدرجة ..كبرت النبتة التى زرعها بيديه وزرع ما بها من معانى جميلة وعواطف نبيلة مخلصة لتصبح وارفة الظلال لتظله هو ايضا ببعض ظلالها حينما تسحقه رمضاء الحياة
********************************************
ومرت الأيام الخمس ووقف فارس يرتدى سترته الانيقة السوداء امام المرآة وهو يستعد لحفل زفافه ..لم يكن متحمساً كما كان يظن فى ذلك اليوم .. مشط شعره فى عناية شديدة ووقف ينظر للمرآة ويتمم على أناقته حينها سمع صوت بلال وعمرو فى الخارج ابتسم وهو يفتح باب غرفته وسمع عمرو يصيح بمرح:
- وأنا هاخد وقت فى اللبس ليه انا حلو من غير حاجه
خرج فارس ورد عليه قائلاً:
- ده ايه التواضع ده كله
ضحك بلال وهو يضرب على كتف فارس قائلاً:
- نحن السابقون و انتم اللاحقون
نظر بلال إلى فارس وقال متسائلاً:
- أنتوا مسافرين بعد الفرح فعلا يا فارس
أومأ فارس براسه وقال:
- أيوا الدكتور حمدى عزمنا نقضى اسبوع فى شقته اللى فى اسكندرية ..هنقضى ساعه كده فى الفرح ونسافر على طول
وضع عمرو يديه فى خصره وهو يتصنع الحقد وقال:
- ماشيه معاك يا عم مين قدك
- بقولك ايه يا عمرو مابدل الحقد اللى مالى قلبك ده.. يومين تلاته كده وتعالوا قضوا معانا يومين فى اسكندرية
حك عمرو راسه وهو يقول:
- ممم هفكر واخد رأى الحكومه
ضحك ثلاثتهم بينما قال عمرو :
- يالا يا سيدنا العرايس فى الكوافير مستنينا على نااااااار
نظر فارس حوله وهو يقول متسائلاً:
- هى ماما راحت فين
قال بلال وهو يضع يديه فى جيب بنطاله:
- طلعت تودى الولاد عند مُهرة ونازله على طول ان شاء الله
عقد فارس بين حاجبيه وقال متسائلاً بقلق:
- ليه هما مش جايين معانا
جذبه عمرو من ذراعه وهو يتجه به صوب باب الشقة ويقول :
- ياعمنا يالا بقى هنستناهم تحت الستات دول يومهم بسنه
خرج ثلاثتهم وأغلق فارس الباب خلفة ونزل الدرج خلفهم فى توتر وقلق وهو ينظر للأعلى ثم ينظر امامه ويكمل طريقة فى الهبوط
وقف الجميع اسفل بنايتهم وتبادلوا العناق والتهنئة مع الجيران والاحبة والمدعوين منهم للحفل ...تأخرت والدته قليلاً فقال عمرو:
- ما تطلع تشوف الحاجه يا فارس عزة عماله تتصل شكلنا بقى وحش أوى
نظر فارس الى هاتفه فوجد مكالمتين من دنيا لم ينتبه إليهم..
كان على وشك أن يهاتفها ليخبرها أنهم فى طريقهم ولكنه وجد يحيى يهبط الدرج بسرعة ويتجه إلى بلال مباشرة وهو يقول:
- لو سمحت يا دكتور ممكن تطلع معانا اصل مُهرة تعبانه اوى
لم يتحدث فارس كثيرا بل لم يسأله من الاصل أنما توجه للأعلى مباشرة وطرق الباب ..فتحت له أم يحيى الباب وفى عينيها اثر البكاء معلنا عن نفسه بوضوح فقال بلوعة:
- فى ايه مُهرة مالها
كان بلال ويحيى قد لحقا به ..غض بلال نظره وهو يقول :
- خير يا جماعه مالها
افسحت لهم أم يحيى الطريق وهى تقول:
- مش عارفه يا دكتور سخنه اوى وبتترعش والكمادات مش جايبه نتيجه خايفه تكون حمى
قال بلال بسرعة دون ان ينظر إليها:
- طب غطيها وحطى حاجه على شعرها
دخلت ام يحيى سريعاً إلى غرفة مُهرة وخرجت بعد ثوانى وهى تقول بلهفه:
- خلاص يا دكتور اتفضل
هم بلال بالدخول ولكنه تفاجأ بفارس يمسك بذراعه يوقفه فنظر بلال إلى يد فارس الممسكة به ثم نظر إليه فى تسائل ....فقال فارس بصوت كأنه خرج من شخص آخر غيره ومن حلق آخر غير حلقه وكأنه آتى من بئر عميق وبعيد :
- هو انت بتكشف على بنات؟
شيئاً ما فى عينى فارس جعل بلال ينظر إليه بعمق وهو حائراً من امره ثم قال:
- انا مش هكشف عليها أنا هشوفها بس حمى ولا لاء وده مش محتاج كشف زى ما أنت فاهم ..علشان لو حمى مش هينفع نستنى اكتر من كده
ثم أشار بلال إلى أم يحيى أن تتبعه ..دخلت معه والدتها لغرفتها فوجد أم فارس تجلس بجوارها وتبكى على حالها وما أصابها ومُهرة نائمة وجبينها متعرق من اثر الحرارة العالية والكمادات التى غطتها....
وقف فارس حائراً فى الخارج يريد الدخول ولكن لا يستطيع بعد دقائق خرج بلال وهو يحادث زوجته على الهاتف ويقول:
- خلاص نازلين اهو ..لا الحمد لله كويسه..اه طبعا هجيب الولاد معايا
لم يستطع الانتظار أكثر ..أمسك بلال من يده التى يحمل بها الهاتف وقال بسرعه :
- طمنى يا بلال
أنهى بلال مكالمته مع عبير ووضع الهاتف فى جيبه وقال ل فارس وهو يتفرس فى ملامحه:
- متقلقش دى حرارة عاديه مش حمى ...كويس أن والدتها بتعرف تدى حقن انا كتبتلها اسم حقنه لما تاخدها هتبقى كويسه بأذن الله
مر يحيى من جوارهم سريعاً فى طريقة للخروج ليحضر الحقنه التى طلبها بلال وخرجت على اثره ام فارس من الغرفه وتوجهت ل فارس وهى تقول:
- انت لسه هنا يابنى يالا أنت اتوكل على الله علشان تلحق عروستك فى الكوافير مش عاوزين مشاكل فى ليله زى دى
جاء صوت رنين هاتف فارس فى هذه اللحظه فنظر فى الهاتف فوجده عمرو الذى تكلم بسرعة قائلا:
- انتوا هتباتوا عندكوا يا فارس
قال فارس بدون تردد:
- أمشى انت يا عمرو روح خدهم من الكوافير ووديهم القاعة وماما وبلال هيحصلوك
هتف عمرو مستنكراً:
- هما مين اللى أخدهم دول اروح اقول لمراتك تعالى معايا وجوزك جاى ورانا فى ايه يا فارس
صاح فارس بغضب:
- اعمل اللى بقولك عليه يا عمرو ..ماما هتنزل دلوقتى وهتاخدها معاك من الكوافير وتروحوا على القاعه وانا هبقى أحصلكوا ..وبعدين كده ولا كده قاعة الرجاله مفصوله عن قاعة الستات يعنى محدش هياخد باله انى هتأخر
أنتزعت أم فارس الهاتف من يده وهى تنظر له بحدة وقالت ل عمرو:
- فارس نازلك يا عمرو دلوقتى سلام
أغلقت الهاتف ونظرت إليه بصرامه وقالت:
- يالا روح خد عروستك من الكوافير وأنا هقعد معاها لحد ما تتحسن
زفر فارس بضيق وهو يشعر ان حفل زفافه تحول إلى جبل على صدره يريد التخلص منه ...لاحظ بلال الحيرة فى عينيه ونفس الشىء الغامض الذى استشعره سابقاً وهو لا يريده أن يدخل للكشف عليها فتدخل لحل المشكلة قائلاً:
- بص يا فارس السخونيه دى حاجه عادية بتيجى وتروح ومتقلقش هى هتاخد الحقنه وهتبقى زى الحصان
عاد يحيى سريعاً بالحقنه ودخل غرفة أخته مسرعاً كانت أم يحيى واقفة تستمع للحوار بجوار باب غرفة ابنتها فحزمت امرها ورسمت ابتسامة على شفتيها وخرجت مبتسمة وهى تقول:
- الحمد لله الحرارة نزلت شويه وابتدت تتحسن
ألتفت بلال إليها دون النظر لها مباشرة وقد أستشعر خدعتها فهو كطبيب يعلم أن الحرارة تحتاج لوقت أكبر من هذا لتعود لطبيعتها..
أنهالت المكالمات على هاتف فارس وبلال وأحتالت أم يحيى كثيرا عليهم حتى لا يتأخروا أكثر من هذا على زفافهم بسبب مرض ابنتها فهم لا ذنب لهم فيما يحدث لها ...
وبعد مداولات كثيرة أستقل فارس السيارة ويكاد يكون فى عالم آخر.. يأكله القلق والتوتر والاضطراب وتكاد أن تفتك به أناتها التى كانت تخرج منها عالية فتصل إلى اذنيه وتنهش صدره عن بعد وهو ينظر خلفه ويكاد أن يراها من خلف الابواب المغلقة والجدران ... والسيارة تبتعد به وتفصله عن عالمه الذى طالما أحبه ....
*******************************************
وقف فارس وعمرو على باب الكوافير ينتظر كل منهما عروسه ولم ينتظرا طويلاً فقد كانتا كل منهما تجهزت منذ وقت وأنتهت من زينتها ...
دلفت عبير إلى الداخل ووضعت الكاب الابيض على عزه لتغطى به زينتها التى زينت بها وجهها بينما رفضت دنيا أن تفعل ذلك واصرت على الخروج وهى تحمل الغيظ والحنق بين جنباتها وعلى قسمات وجهها لاصرار فارس أن ترتدى الحجاب فى هذا اليوم ولتاخره عليها كل هذا الوقت ...
خرجت كل منهما إلى زوجها وتأبطت ذراعه إلى السيارة وأنطلق الجميع وسط الزغاريد وأصوات أبواق السيارات حتى وصلوا إلى قاعة الافراح...
كانت قاعة الرجال فى الدور الارضى بينما قاعة النساء فى الدور الاول ..صعدت النساء للأعلى بينما دلف الرجال إلى القاعة الارضيه ...
كانت هناك فرقة من النساء تقف فى بهو القاعه ينتظرون حضور العروستان فى صفين يحملن المشاعل وصفين آخرين يحملن الدفوف
مرت عزة بين صفى الدفوف بينما مرت دنيا بين صفى المشاعل ..كانت أستقباليه رائعه بين ضرب الدف والانشاد وبين أنوار المشاعل الملونه جلست كل منهما فى مقعدها المخصص لها والمزين بالتول والورود والقلوب الحمراء وبدات الفرقه فى أداء فقراتها المدربة عليها ولكن كل هذا لم يعجب دنيا وكانت تشاهد ما يحدث بملل وكأنهم نساء من كوكب آخر وتنظر إلى عزة بدهشه وتتعجب كيف يبدو عليها السعادة والبهجه بل وتشاركهم الرقص على ضرب الدف هل هذه حفلة زفاف !!
أين الراقصات والمغنيات اين الاختلاط اين الاغانى كل هذا كان ليس له وجود فقد كانت عبير هى متعهدة هذه الحفله وقد رتبتها بما يرضى الله وجهزتها لتخرج بدون معاصى وايضا فى أبهى حلة لها ...
أما فى الاسفل عند الرجال وقف عمرو يتضاحك مع اصدقائه ومحبيه ويتبادلون النكات ووقف فارس بجوراه يصافح المهنئين له ويبتسم لهم ولكن عقله كان فى مكان آخر فيتجه إلى ركن ما فى القاعة ويخرج هاتفت ويتصل على هاتف يحيى الذى يجيبه ببعض الكلمات المطمئنه التى لقنته اياها والدته ...
ترك عمرو اصدقائه وأتجه إلى ركن هادىء بالقاعه وأتصل على والدته وقال وهو يتلفت حوله :
- بقولك ايه يا ست الكل مش كفايه كده بقالنا ساعتين مش هنروح بقى ولا ايه
ضحكت والدته ثم قالت :
- طيب خلاص ربع ساعة كده وننزل
أنهى عمرو الاتصال ووقف يفرك كفيه ما بين توتر و عجلة وحانت منه التفاته إلى فارس الذى يقف شارداً يضغط ازرار هاتفه فى أنفعال ما بين الحين والاخر فاتجه إليه ووضع ذراعه على كتفه وقال مداعباً :
- أنت كمان مستعجل ولا ايه
رسم فارس ابتسامه على شفتيه ولم يجيبه
فقال عمرو :
- مالك يا فارس شكلك مش طبيعى خالص من ساعة ما وصلنا
فارس:
- مفيش يا عمرو مفيش
أنتهى حفل الزفاف واستقل عمرو سيارة بجوار عزة فى طريقهما لعش الزوجية بينما لاحظت أم فارس قلقه وعدم رغبته فى السفر فاقتربت منه وربطت على كتفه وقالت وكانها ترى ما يدور بعقله:
- يابنى اطمن هى خلاص بقت كويسه يلا توكل انت على الله وخد عروستك وسافر
أنحنت دنيا وهى داخل السيارة واطلت براسها من زجاجها وقالت بانفعال:
- انا هفضل ملطوعه كده كتير
أضطر فارس إلى استقلال السيارة تحت الالحاح الشديد من والدته وكلمات دنيا اللاذعة وأنطلق بها إلى الاسكندرية
ظلت طوال الطريق تؤنبه وتوبخه على تأخره عليها فى الكوافير وفى السيارة امام القاعة ولكنه لم يرد كاد ان يستشيط غضباً وهو يحاول ارضائها ويقدم أعذاره ولكنها لم تقبل بل وأزدادت حدة كلماتها القاسية التى تتهمه فيها بالاهمال والتقصير ...والبداية الغير المبشرة بحياة سعيدة
***************************************
فتحت والدة عزة باب الشقة ودلفت وهى تطلق الزغاريد المتواصله وتبعتها عبير وعزة وعمرو...قبلت عبير أختها وعانقتها وهى تتمنى لهما حياة سعيدة وأيام مباركه وأنصرفت بسرعه كما أمرها بلال من قبل بينما ظلت والدة عزة تطلق الزغاريد المتواصله حتى مال عمرو على عزه وقال هامساً:
- هو النهارده الزغاريت وبكره الفرح ولا ايه !!
ابتسمت عزه خجلاً ولم تجيبه وانما تمنت ان تبقى والدتها ولا تنصرف ابدا من كثرة خوفها من عمرو الذى كان يتوعدها بهذه الليله مراراً وتكراراً وهو يداعبها ...
صعدت والدة عمرو وجذبت أم عزة من يدها وقالت بمرح:
- يالا بقى أحنا هنبات هنا ولا ايه
فرت دمعتين من عينيى ام عزة وهى تحتضنها وتقبلها قائلة:
- خللى بالك من نفسك وكلى كويس ها
لمعت عينيى عزة بالدموع وهى تودع والدتها على الباب بينما أسرع عمرو وأغلق الباب خلف الجميع وهو يزفر بارتياح قائلا:
- الحمد لله أخيرا ..ايه رايك نقفل بالمفتاح والترباس لحسن يرجعوا تانى ؟!!
أطرقت عزة برأسها ولم تجيبه وشعرت أن الدنيا تميد بها وتكاد أن يغشى عليها ..لاحظ عمرو العلامات الجلية على وجهها وشحوبه خوفاً فقال بلامبالاة :
- يلا بقى انا هموت من الجوع أدخلى غيرى وأطلعى بسرعه قبل ما أخلص العشا لوحدى
لم تصدق نفسها هرولت للداخل أغلقت الباب عليها وبدلت ملابسها سريعاً بعد أن تعثرت قليلا وهى ترتديها وتتمتم بصوت خفيض:
- بتتلبس ازاى دى !
بعد قليل خرجت إليه وجدته يأكل بنهم شديد فنظرت إليه باستغراب وقد تناست خوفها قليلاً وهى تسمعه يقول لها دون أن ينظر إليها:
- الاكله دى خلتنى عامل زى اللى واخدين بنج وشكلى كده هكسف أهلى وأنام على روحى
أبتسمت وقد تلاشى أى شعور داخلها بالخوف وجلست على مقعدها تتناول بعض الطعام وتصنعت أن الامر لا يعنيها وهى تقول:
- كل وأدخل خد دش علشان تسترخى ونام وأنا هابقى اصحيك الفجر علشان نصلى سوا على فكره شكلك مرهق اوى أوى
نظر إليها بطرف عينيه وهو يلعق اصبعه من بقايا الطعام وقال :
- أسكتى يا بت انتى وكلى عيش فى البيت ده وانتى ساكته أحسنلك
أنهى طعامه ودلف الى الحمام أغتسل وخرج ليجدها قد استغرقت فى نوم عميق على الاريكة أمام التلفاز
حاول ايقاظها ولكنها لم تستجب حاولا مراراً ولكنها تعمدت الاستغراق أكثر فى النوم فإتجه الى الثلاجه وأخرج زجاجة عصير وأتجه إليها ووقف بجوارها وهو يفتح الزجاجه بصوت عالى وقال:
- ياترى نوع العصير ده لما بيتكب على هدوم ولا على شعر ولا على السجاده ولا على الكنبه بيطلع تانى ولا لاء
أنتفضت عزة واقفةً وهى تقول برجاء:
- لالالالالا بلاش أنا صاحيه اهو
اشار لها لتسير أمامه للداخل وهو يعقد جبينه قائلا بجديه مصطنعه:
- قداااامى ...ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا صحيح
*********************************
وأما هناك وفى الاسكندرية وقبل الفجر بدقائق كانت هناك دوى صفعة قوية على وجهها هوت على اثرها أرضاً وهى تصرخ قائلة:
- متظلمنيش يا فارس مكنش بايدى ...اسمعنى طيب
قبض على ساعديها بقوة وعينيه تشعان غضباً وكأن الشيطان قد سكنها وأطلق منها قذائف نيرانه فتطايرت فى وجهها ولفحتها وهو يجذبها لتقف مرة أخرى على قدميها وهى تهتز خوفاً وهلعا وهو يقول بصوت يشبه الفحيح:
- مين اللى عمل كده أتكلمى ولا هقتلك وأدفنك هنا دلوقتى حالاً ..
قال كلمته الاخيرة وهو يصفعها مرة اخرى لترتطم بالفراش وتسقط عليه بثقلها ..وضعت يدها وجنتها وهى ترتعش وتقول متوسلة له:
- هتكلم هحكيلك على كل حاجه بس اسمعنى والله مظلمومه مظلمومه يا فارس ...بدأت تتعثر فى كلماتها وتتلعثم وهى تقول:
- فى يوم بعد ما ركبتنى التاكسى ومشيت فضل ماشى بيا فى الطريق عادى وقبل ما يدخل على بيتنا دخل فى الشارع الضلمه اللى قصاده اللى كله عمارات فاضيه ولسه بتتبنى ما أنت عارفه وو..و بعدين طلع مطوه وهددنى ومقدرتش افتح بؤى خفت يا فارس خفت وبعدين أغمى عليا ولما فوقت لقيت نفسى فى الشارع قمت جريت ودخلت بيتنا وماما كانت نايمه ومشفتنيش
قبض على شعرها بقوة وصرخ بها:
- كدااابة ..انا عمرى ما ركتبتك تاكسى لوحدك ابدا
صرخت وهى تحاول الفكاك منه ومن قبضته حتى شعرت أن روحها تفرقت فى جسدها وهربت من كثرة الالم وقالت وهى تنتفض:
- ايوا ايوا أنت عمرك ما ركبتنى تاكسى لوحدى بس فى اليوم ده الميني
باص اللى ركبتهولى اتعطل والناس نزلت كلها واضطريت أخد تاكسى وحصل اللى حصل
صرخ بها وهو مازال قابضاً على شعرها بقوة :
- ومقولتليش ليه ومبلغتيش ليه وأمتى كل ده حصل
بكت بشدة وهى تصرخ من الالم وقالت :
- حصل من سنه تقريبا وخفت يا فارس خفت اقولك وخفت ابلغ
دفعها على الفراش بقوة فارتطم رأسها به وأخذت تبكى وترتعش بقوة .. نظر إليها تسلط عليه الشيطان فى تلك اللحظه فاقدم على قتلها ولكنه تراجع ..
كلماتها تفوح منها رائحة الكذب ولكنه لا دليل لديه على شىء أخر ..ابتعد عنها ودخل الشرفة فلفحه الهواء بقوة وشعر أنه كان تحت سطح البحر لا يكاد يتنفس وخرج فجأة الى الهواء العليل فكادت ان تنفجر رئتيه وشعر بدمائه تغلى بداخل عروقه لتلهبها وتحرقها ورأى الماء يندفع بجنون ويرتطم بأمواج عقله فتطحن رجولته وتبعثرها وتنثرها على الشاطىء ..
شعر أنه سيفقد عقله ورشده ..جلس على الارض واضعاً وجهه بين كفيه وهو يشعر أن قلبة قد طُعن طعنة غدر من اقرب الناس إليه لا يصدقها وليس لديه حل آخر هل يعرضها على طبيبه لتكشف له الامر ولكن الامر قد مضى عليه سنه كاملة ..
هل يفضحها ويقول لوالدتها ويطلقها أم يستر عليها ..صدح صوت اذان الفجر ليتسلل لقلبه المكلوم الممزق ..نهض بتثاقل وتوجه للحمام أغتسل وبدل ملابسه وصلى الفجر وقد انهمرت عبراته الساخنه التى كانت تقطع طريقها على وجنتيه ثم تغير وجهتها وتقفز على الارض لتروى مكان سجوده بماء دموعه ..أنكفأ لونه وارتجفت أوصاله ..
فلقد عاد الفارس من معركته خاسراً ولكنه لم يفقد روحه وأنما فقد حكمته وشرفه...
ولكن الفارس النبيل مازال بداخله يستصرخه أن يظل نبيلاً حتى آخر رمق وان زهقت روحه تحت راية نبلة وتذكر حديث النبى صل الله عليه وسلم :
- (من ستر مؤمنا فى الدنيا ستره الله يوم القيامه )
ولكن هل يستطيع ذلك ؟!!
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن ( الفصل الثامن عشر )
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن ( الفصل التاسع عشر ) |
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن ( الفصل التاسع عشر )
أنتشت روحه أبتهاجاً وسعادة ما بعدها سعادة ودوت دقات قلبه بين جنباته فى اصرار لترسم خطوطها على قسمات وجهه البسام وعينيه المشعتان أملاً وأنتصاراً وهو يعانق الزملاء والمحبين والمهنئين له وقد اقترن أسمه بلقب الدكتور .. وأصبح يدعى الدكتور فارس سيف الدين ..جائزته التى طالما أنتظرها طويلاً بعد جهد وعناء ومشقة وسنوات دراسة وبذل وسهر وتعب وأرهاق مضاعف ...كم هى مذاقها طيب لذة الانتصار وكم هو مرهق مشوار النجاح وتحقيق الاهداف .. بحث بعينيه كثيراً عنها بين المهنئين فلم يجدها كيف ذلك وقد وعدته بالحضور لتشاركه أحلامه وسعادته تلك اللحظة شعر بالقلق حيالها هل ربما قد تكون أصابها مكروه ...أخرج هاتفه الخلوى وهاتفها سمع صوتها فرد بلهفة:
- حبيبتى أنتى كويسه؟
أنتفضت دنيا من فراشها هاتفة:
- أيه ده هى الساعه كام دلوقتى
أطاحت المرارة بابتسامة ثغره ووضعت مرارتها على شفتيه وأحتلتها أحتلالاً وهو يقول:
- أنتى كنتى نايمه ؟! ..معلش صحيتك روحى كملى نوم ..سلام
أمسكت الهاتف بكلتا يديها وقالت بلوعة:
- والله يا حبيبى راحت عليا نومه مش عارفه ازاى ... اصلى نايمه بعد الفجر .. بس أنت غلطان مكلمتنيش ليه قبل ما تنزل الصبح
قال بضيق :
- خلاص خلاص محصلش حاجه يلا سلام
أغلق الهاتف وهو يشعر أن مرارة ابتسامتة قد أستعمرت قلبه ورفعت رايتها معلنةً أحكامها وبعثرت غصتها فى حلقه تباعاً لتجبره على الانصياع لها بلا مقاومه.. ولم يكن ليفعل .. لم يكن ليقاوم ذاك الشعور المرير بأهمالها الدائم له وعدم حرصها عليه وتفكيرها الأبدى فى شخصها وفقط .. كيف يكون ذلك حباً ..
عاد إلى بيته وهو يحاول التخلص من تلك المشاعر التى أحتلته فلا يريد أن يزعج احداً بما يعانيه ..كل ما كان يفكر به هو اسعاد تلك المرأة الطيبة التى بذلت عمرها لأجله ولم تبقى لنفسها عافية إلا وقدمتها بحب وأرتياح وهى تراه يحقق الانجازات يوماُ بعد يوم فكأنها هى التى تنجح وهى التى تتقدم وهى التى تخطو نحو المستقبل بخطاً ثابته..
أحضر لها معه بعض الأشياء التى تحبها ورسم ابتسامة سعيدة على محياه ليدخل البهجة على قلبها ..قابلته .. وجدها تقف فى الشرفة تنتظره على أحر من الجمر فابتسم لها وخطى خطوات واسعة نحو المنزل صعد درجات السلم فى سرعة كبيرة فوجدها قد سبقته ونزلت هى إليه ..عانقته وهى تضحك بين دموعها وتحسست وجهه بيديها الواهنتين وهى تقول ببكاء:
- مبروك يا حبيبى ألف مبروك يا ما انت كريم يارب الحمد لله يابنى
وكأن دموعها قد سمحت لدموعه بالافلات أخيراً من محبسهم وبغزارة..وهو يقول :
- أيه يا ست الكل أنتى تفرحى تعيطى تزعلى تعيطى
قبلت كتفه وأحاطها بذراعه وهى تقول:
- دى دموع الفرح يا دكتور
جائهم صوت مُهرة من خلفهم وهى تقول بصوت يشبه البكاء:
- كده خلتونى أعيط..
ألتفتا فوجداها تقف اعلى الدرج وعيناها تلمع بعبراتها السعيدة التى هطلت بغزارة على جنتيها وهى تنظر إليهم بأبتسامة كبيرة فأعطت مظهراً يُرسم له لوحة فنية بكل تلك المشاعر المتناقضة على وجهها الدموع المنهمرة بلا توقف والابتسامة الكبيرة السعيدة وتلك الملامح البريئة التى لا تخطئها عين...
هبطت درجتين من السلم حتى اقتربت ثم توقفت وأخرجت من جيب تنورتها ميدالية مرصعة بفصوص من الفضة مكتوب وسطها وبخط فضى صغير د/فارس سيف الدين ....وقدمتها له وهى تقول ببراءة :
- مبروك يا دكتور ممكن تقبل منى الهدية البسيطه دى
أخذها فارس وهو ينظر لها ويقلبها بين يديه متأملاً وقد تملكته الدهشة وقال:
- الله يبارك فيكى يا مُهرة..بس جبتيها أمتى دى وعملتيها أزاى
رفعت كتفيها وقالت بتلقائية:
- من سنة كده وأنا عند ابله عبير شفت واحد جنبهم بيعمل حاجات فضه طلعت فى دماغى ووصيته عليها ولسه مستلماها منه من اسبوع بس
رفع حاجبيه وقد أندمج مع عباراتها التلقائية ولم يكن حال والدته باقل من حالته وهما ينصتان لكلماتها العفوية وقال متسائلاً:
- من سنه ولسه مستلماها من أسبوع
أبتسمت فى خجل وهى تطرق برأسها وقالت:
- أصل أنا كنت بحوش تمنها ولما خلصت أدهالى
أتسعت ابتسامته وهو يتبادل النظرات مع والدته التى شعرت كأنها تراها لأول مرة أما هو فقد شعر بمتعة وهو يتسائل مرة اخرى ويقول :
- وانتى بقى عرفتى منين المعاد بتاع مناقشة الرسالة علشان تظبطيها كده وتخلصى تمنها قبلها بأسبوع
أستندت بذراعها إلى سور الدرج ولوحت بيدها الاخرى بعفوية وهى تقول:
- مرة سمعتك وانت بتتكلم مع طنط
رفع حاجبية مندهشاً وقال :
- سمعتى المعاد مره من سنه !!!!
أومأت بخجل ثم عقدت جبينها ونظرت لأم فارس ثم نظرت إليه وقالت:
- هى معجبتكش ولا ايه
أجاب بدون وعى وبدون تفكير:
- بالعكس دى جميله جدا
نظرت له والدته فوجدته شارداً أو حائراً وهو ينظر إلى الميدالية فى يده ويقول فى وجوم:
- شكلك كنتى متأكده أنى هاخد الدكتوراه حتى من قبل ما أكون انا متأكد
صعدت والدته درجتين وربتت على كتف مُهرة ثم مسحت على ذراعها فى حنان وقالت :
- طول عمرك جدعه يا مُهرة وفاكره الناس اللى حواليكى ثم نظرت لملابسها وقالت متسائلة:
- انتى رجعتى من المدرسه بدرى النهارده ولا ايه
نظرت مُهرة لملابسها المدرسية ومطت شفتاها وهى تقول بحزن:
- انا مروحتش أصلاً النهارده الصبح صحيت بدرى علشان أروح أتفرج على فارس وهو بياخد الدكتوراه بس ماما مرضيتش وقعدت تتخانق معايا علشان الامتحانات قربت وصممت ألبس وأروح المدرسه ..طبعا بقى على ما الخناقه خلصت ولبست كان عدى وقت المدرسه لقيت ماما بتقولى خلاص اتأخرتى هتروحى فين..ومن ساعتها بقى وانا مغيرتش هدومى وقاعده اذاكر فى البلكونه علشان لما فارس يرجع اشوفه وأديله الهديه...
شعر فارس بكلمات مُهرة تُطيح بالمرارة التى كانت قد احتلت قلبه من قبل وتنزع رايتها وتحررقلبه من القسوة التى كانت تحاول فرض سيطرتها عليه بالقوة وتُميت عواطفه وتكاد تدفنها فى اعماقه فلا تظهر مرة أخرى على السطح
ولكنها جائت فى الوقت المناسب لتعيد تشغيله واعادته إلى الحياة مرة ثانية ..
قبض على هدية مُهرة فى راحته ولا يعلم لماذا شعر فى هذه اللحظة بالذات انه يجب أن يغض بصره عنها لأنها ...لأنها قد كبرت ...كبرت إلى هذه الدرجة ..كبرت النبتة التى زرعها بيديه وزرع ما بها من معانى جميلة وعواطف نبيلة مخلصة لتصبح وارفة الظلال لتظله هو ايضا ببعض ظلالها حينما تسحقه رمضاء الحياة
********************************************
ومرت الأيام الخمس ووقف فارس يرتدى سترته الانيقة السوداء امام المرآة وهو يستعد لحفل زفافه ..لم يكن متحمساً كما كان يظن فى ذلك اليوم .. مشط شعره فى عناية شديدة ووقف ينظر للمرآة ويتمم على أناقته حينها سمع صوت بلال وعمرو فى الخارج ابتسم وهو يفتح باب غرفته وسمع عمرو يصيح بمرح:
- وأنا هاخد وقت فى اللبس ليه انا حلو من غير حاجه
خرج فارس ورد عليه قائلاً:
- ده ايه التواضع ده كله
ضحك بلال وهو يضرب على كتف فارس قائلاً:
- نحن السابقون و انتم اللاحقون
نظر بلال إلى فارس وقال متسائلاً:
- أنتوا مسافرين بعد الفرح فعلا يا فارس
أومأ فارس براسه وقال:
- أيوا الدكتور حمدى عزمنا نقضى اسبوع فى شقته اللى فى اسكندرية ..هنقضى ساعه كده فى الفرح ونسافر على طول
وضع عمرو يديه فى خصره وهو يتصنع الحقد وقال:
- ماشيه معاك يا عم مين قدك
- بقولك ايه يا عمرو مابدل الحقد اللى مالى قلبك ده.. يومين تلاته كده وتعالوا قضوا معانا يومين فى اسكندرية
حك عمرو راسه وهو يقول:
- ممم هفكر واخد رأى الحكومه
ضحك ثلاثتهم بينما قال عمرو :
- يالا يا سيدنا العرايس فى الكوافير مستنينا على نااااااار
نظر فارس حوله وهو يقول متسائلاً:
- هى ماما راحت فين
قال بلال وهو يضع يديه فى جيب بنطاله:
- طلعت تودى الولاد عند مُهرة ونازله على طول ان شاء الله
عقد فارس بين حاجبيه وقال متسائلاً بقلق:
- ليه هما مش جايين معانا
جذبه عمرو من ذراعه وهو يتجه به صوب باب الشقة ويقول :
- ياعمنا يالا بقى هنستناهم تحت الستات دول يومهم بسنه
خرج ثلاثتهم وأغلق فارس الباب خلفة ونزل الدرج خلفهم فى توتر وقلق وهو ينظر للأعلى ثم ينظر امامه ويكمل طريقة فى الهبوط
وقف الجميع اسفل بنايتهم وتبادلوا العناق والتهنئة مع الجيران والاحبة والمدعوين منهم للحفل ...تأخرت والدته قليلاً فقال عمرو:
- ما تطلع تشوف الحاجه يا فارس عزة عماله تتصل شكلنا بقى وحش أوى
نظر فارس الى هاتفه فوجد مكالمتين من دنيا لم ينتبه إليهم..
كان على وشك أن يهاتفها ليخبرها أنهم فى طريقهم ولكنه وجد يحيى يهبط الدرج بسرعة ويتجه إلى بلال مباشرة وهو يقول:
- لو سمحت يا دكتور ممكن تطلع معانا اصل مُهرة تعبانه اوى
لم يتحدث فارس كثيرا بل لم يسأله من الاصل أنما توجه للأعلى مباشرة وطرق الباب ..فتحت له أم يحيى الباب وفى عينيها اثر البكاء معلنا عن نفسه بوضوح فقال بلوعة:
- فى ايه مُهرة مالها
كان بلال ويحيى قد لحقا به ..غض بلال نظره وهو يقول :
- خير يا جماعه مالها
افسحت لهم أم يحيى الطريق وهى تقول:
- مش عارفه يا دكتور سخنه اوى وبتترعش والكمادات مش جايبه نتيجه خايفه تكون حمى
قال بلال بسرعة دون ان ينظر إليها:
- طب غطيها وحطى حاجه على شعرها
دخلت ام يحيى سريعاً إلى غرفة مُهرة وخرجت بعد ثوانى وهى تقول بلهفه:
- خلاص يا دكتور اتفضل
هم بلال بالدخول ولكنه تفاجأ بفارس يمسك بذراعه يوقفه فنظر بلال إلى يد فارس الممسكة به ثم نظر إليه فى تسائل ....فقال فارس بصوت كأنه خرج من شخص آخر غيره ومن حلق آخر غير حلقه وكأنه آتى من بئر عميق وبعيد :
- هو انت بتكشف على بنات؟
شيئاً ما فى عينى فارس جعل بلال ينظر إليه بعمق وهو حائراً من امره ثم قال:
- انا مش هكشف عليها أنا هشوفها بس حمى ولا لاء وده مش محتاج كشف زى ما أنت فاهم ..علشان لو حمى مش هينفع نستنى اكتر من كده
ثم أشار بلال إلى أم يحيى أن تتبعه ..دخلت معه والدتها لغرفتها فوجد أم فارس تجلس بجوارها وتبكى على حالها وما أصابها ومُهرة نائمة وجبينها متعرق من اثر الحرارة العالية والكمادات التى غطتها....
وقف فارس حائراً فى الخارج يريد الدخول ولكن لا يستطيع بعد دقائق خرج بلال وهو يحادث زوجته على الهاتف ويقول:
- خلاص نازلين اهو ..لا الحمد لله كويسه..اه طبعا هجيب الولاد معايا
لم يستطع الانتظار أكثر ..أمسك بلال من يده التى يحمل بها الهاتف وقال بسرعه :
- طمنى يا بلال
أنهى بلال مكالمته مع عبير ووضع الهاتف فى جيبه وقال ل فارس وهو يتفرس فى ملامحه:
- متقلقش دى حرارة عاديه مش حمى ...كويس أن والدتها بتعرف تدى حقن انا كتبتلها اسم حقنه لما تاخدها هتبقى كويسه بأذن الله
مر يحيى من جوارهم سريعاً فى طريقة للخروج ليحضر الحقنه التى طلبها بلال وخرجت على اثره ام فارس من الغرفه وتوجهت ل فارس وهى تقول:
- انت لسه هنا يابنى يالا أنت اتوكل على الله علشان تلحق عروستك فى الكوافير مش عاوزين مشاكل فى ليله زى دى
جاء صوت رنين هاتف فارس فى هذه اللحظه فنظر فى الهاتف فوجده عمرو الذى تكلم بسرعة قائلا:
- انتوا هتباتوا عندكوا يا فارس
قال فارس بدون تردد:
- أمشى انت يا عمرو روح خدهم من الكوافير ووديهم القاعة وماما وبلال هيحصلوك
هتف عمرو مستنكراً:
- هما مين اللى أخدهم دول اروح اقول لمراتك تعالى معايا وجوزك جاى ورانا فى ايه يا فارس
صاح فارس بغضب:
- اعمل اللى بقولك عليه يا عمرو ..ماما هتنزل دلوقتى وهتاخدها معاك من الكوافير وتروحوا على القاعه وانا هبقى أحصلكوا ..وبعدين كده ولا كده قاعة الرجاله مفصوله عن قاعة الستات يعنى محدش هياخد باله انى هتأخر
أنتزعت أم فارس الهاتف من يده وهى تنظر له بحدة وقالت ل عمرو:
- فارس نازلك يا عمرو دلوقتى سلام
أغلقت الهاتف ونظرت إليه بصرامه وقالت:
- يالا روح خد عروستك من الكوافير وأنا هقعد معاها لحد ما تتحسن
زفر فارس بضيق وهو يشعر ان حفل زفافه تحول إلى جبل على صدره يريد التخلص منه ...لاحظ بلال الحيرة فى عينيه ونفس الشىء الغامض الذى استشعره سابقاً وهو لا يريده أن يدخل للكشف عليها فتدخل لحل المشكلة قائلاً:
- بص يا فارس السخونيه دى حاجه عادية بتيجى وتروح ومتقلقش هى هتاخد الحقنه وهتبقى زى الحصان
عاد يحيى سريعاً بالحقنه ودخل غرفة أخته مسرعاً كانت أم يحيى واقفة تستمع للحوار بجوار باب غرفة ابنتها فحزمت امرها ورسمت ابتسامة على شفتيها وخرجت مبتسمة وهى تقول:
- الحمد لله الحرارة نزلت شويه وابتدت تتحسن
ألتفت بلال إليها دون النظر لها مباشرة وقد أستشعر خدعتها فهو كطبيب يعلم أن الحرارة تحتاج لوقت أكبر من هذا لتعود لطبيعتها..
أنهالت المكالمات على هاتف فارس وبلال وأحتالت أم يحيى كثيرا عليهم حتى لا يتأخروا أكثر من هذا على زفافهم بسبب مرض ابنتها فهم لا ذنب لهم فيما يحدث لها ...
وبعد مداولات كثيرة أستقل فارس السيارة ويكاد يكون فى عالم آخر.. يأكله القلق والتوتر والاضطراب وتكاد أن تفتك به أناتها التى كانت تخرج منها عالية فتصل إلى اذنيه وتنهش صدره عن بعد وهو ينظر خلفه ويكاد أن يراها من خلف الابواب المغلقة والجدران ... والسيارة تبتعد به وتفصله عن عالمه الذى طالما أحبه ....
*******************************************
وقف فارس وعمرو على باب الكوافير ينتظر كل منهما عروسه ولم ينتظرا طويلاً فقد كانتا كل منهما تجهزت منذ وقت وأنتهت من زينتها ...
دلفت عبير إلى الداخل ووضعت الكاب الابيض على عزه لتغطى به زينتها التى زينت بها وجهها بينما رفضت دنيا أن تفعل ذلك واصرت على الخروج وهى تحمل الغيظ والحنق بين جنباتها وعلى قسمات وجهها لاصرار فارس أن ترتدى الحجاب فى هذا اليوم ولتاخره عليها كل هذا الوقت ...
خرجت كل منهما إلى زوجها وتأبطت ذراعه إلى السيارة وأنطلق الجميع وسط الزغاريد وأصوات أبواق السيارات حتى وصلوا إلى قاعة الافراح...
كانت قاعة الرجال فى الدور الارضى بينما قاعة النساء فى الدور الاول ..صعدت النساء للأعلى بينما دلف الرجال إلى القاعة الارضيه ...
كانت هناك فرقة من النساء تقف فى بهو القاعه ينتظرون حضور العروستان فى صفين يحملن المشاعل وصفين آخرين يحملن الدفوف
مرت عزة بين صفى الدفوف بينما مرت دنيا بين صفى المشاعل ..كانت أستقباليه رائعه بين ضرب الدف والانشاد وبين أنوار المشاعل الملونه جلست كل منهما فى مقعدها المخصص لها والمزين بالتول والورود والقلوب الحمراء وبدات الفرقه فى أداء فقراتها المدربة عليها ولكن كل هذا لم يعجب دنيا وكانت تشاهد ما يحدث بملل وكأنهم نساء من كوكب آخر وتنظر إلى عزة بدهشه وتتعجب كيف يبدو عليها السعادة والبهجه بل وتشاركهم الرقص على ضرب الدف هل هذه حفلة زفاف !!
أين الراقصات والمغنيات اين الاختلاط اين الاغانى كل هذا كان ليس له وجود فقد كانت عبير هى متعهدة هذه الحفله وقد رتبتها بما يرضى الله وجهزتها لتخرج بدون معاصى وايضا فى أبهى حلة لها ...
أما فى الاسفل عند الرجال وقف عمرو يتضاحك مع اصدقائه ومحبيه ويتبادلون النكات ووقف فارس بجوراه يصافح المهنئين له ويبتسم لهم ولكن عقله كان فى مكان آخر فيتجه إلى ركن ما فى القاعة ويخرج هاتفت ويتصل على هاتف يحيى الذى يجيبه ببعض الكلمات المطمئنه التى لقنته اياها والدته ...
ترك عمرو اصدقائه وأتجه إلى ركن هادىء بالقاعه وأتصل على والدته وقال وهو يتلفت حوله :
- بقولك ايه يا ست الكل مش كفايه كده بقالنا ساعتين مش هنروح بقى ولا ايه
ضحكت والدته ثم قالت :
- طيب خلاص ربع ساعة كده وننزل
أنهى عمرو الاتصال ووقف يفرك كفيه ما بين توتر و عجلة وحانت منه التفاته إلى فارس الذى يقف شارداً يضغط ازرار هاتفه فى أنفعال ما بين الحين والاخر فاتجه إليه ووضع ذراعه على كتفه وقال مداعباً :
- أنت كمان مستعجل ولا ايه
رسم فارس ابتسامه على شفتيه ولم يجيبه
فقال عمرو :
- مالك يا فارس شكلك مش طبيعى خالص من ساعة ما وصلنا
فارس:
- مفيش يا عمرو مفيش
أنتهى حفل الزفاف واستقل عمرو سيارة بجوار عزة فى طريقهما لعش الزوجية بينما لاحظت أم فارس قلقه وعدم رغبته فى السفر فاقتربت منه وربطت على كتفه وقالت وكانها ترى ما يدور بعقله:
- يابنى اطمن هى خلاص بقت كويسه يلا توكل انت على الله وخد عروستك وسافر
أنحنت دنيا وهى داخل السيارة واطلت براسها من زجاجها وقالت بانفعال:
- انا هفضل ملطوعه كده كتير
أضطر فارس إلى استقلال السيارة تحت الالحاح الشديد من والدته وكلمات دنيا اللاذعة وأنطلق بها إلى الاسكندرية
ظلت طوال الطريق تؤنبه وتوبخه على تأخره عليها فى الكوافير وفى السيارة امام القاعة ولكنه لم يرد كاد ان يستشيط غضباً وهو يحاول ارضائها ويقدم أعذاره ولكنها لم تقبل بل وأزدادت حدة كلماتها القاسية التى تتهمه فيها بالاهمال والتقصير ...والبداية الغير المبشرة بحياة سعيدة
***************************************
فتحت والدة عزة باب الشقة ودلفت وهى تطلق الزغاريد المتواصله وتبعتها عبير وعزة وعمرو...قبلت عبير أختها وعانقتها وهى تتمنى لهما حياة سعيدة وأيام مباركه وأنصرفت بسرعه كما أمرها بلال من قبل بينما ظلت والدة عزة تطلق الزغاريد المتواصله حتى مال عمرو على عزه وقال هامساً:
- هو النهارده الزغاريت وبكره الفرح ولا ايه !!
ابتسمت عزه خجلاً ولم تجيبه وانما تمنت ان تبقى والدتها ولا تنصرف ابدا من كثرة خوفها من عمرو الذى كان يتوعدها بهذه الليله مراراً وتكراراً وهو يداعبها ...
صعدت والدة عمرو وجذبت أم عزة من يدها وقالت بمرح:
- يالا بقى أحنا هنبات هنا ولا ايه
فرت دمعتين من عينيى ام عزة وهى تحتضنها وتقبلها قائلة:
- خللى بالك من نفسك وكلى كويس ها
لمعت عينيى عزة بالدموع وهى تودع والدتها على الباب بينما أسرع عمرو وأغلق الباب خلف الجميع وهو يزفر بارتياح قائلا:
- الحمد لله أخيرا ..ايه رايك نقفل بالمفتاح والترباس لحسن يرجعوا تانى ؟!!
أطرقت عزة برأسها ولم تجيبه وشعرت أن الدنيا تميد بها وتكاد أن يغشى عليها ..لاحظ عمرو العلامات الجلية على وجهها وشحوبه خوفاً فقال بلامبالاة :
- يلا بقى انا هموت من الجوع أدخلى غيرى وأطلعى بسرعه قبل ما أخلص العشا لوحدى
لم تصدق نفسها هرولت للداخل أغلقت الباب عليها وبدلت ملابسها سريعاً بعد أن تعثرت قليلا وهى ترتديها وتتمتم بصوت خفيض:
- بتتلبس ازاى دى !
بعد قليل خرجت إليه وجدته يأكل بنهم شديد فنظرت إليه باستغراب وقد تناست خوفها قليلاً وهى تسمعه يقول لها دون أن ينظر إليها:
- الاكله دى خلتنى عامل زى اللى واخدين بنج وشكلى كده هكسف أهلى وأنام على روحى
أبتسمت وقد تلاشى أى شعور داخلها بالخوف وجلست على مقعدها تتناول بعض الطعام وتصنعت أن الامر لا يعنيها وهى تقول:
- كل وأدخل خد دش علشان تسترخى ونام وأنا هابقى اصحيك الفجر علشان نصلى سوا على فكره شكلك مرهق اوى أوى
نظر إليها بطرف عينيه وهو يلعق اصبعه من بقايا الطعام وقال :
- أسكتى يا بت انتى وكلى عيش فى البيت ده وانتى ساكته أحسنلك
أنهى طعامه ودلف الى الحمام أغتسل وخرج ليجدها قد استغرقت فى نوم عميق على الاريكة أمام التلفاز
حاول ايقاظها ولكنها لم تستجب حاولا مراراً ولكنها تعمدت الاستغراق أكثر فى النوم فإتجه الى الثلاجه وأخرج زجاجة عصير وأتجه إليها ووقف بجوارها وهو يفتح الزجاجه بصوت عالى وقال:
- ياترى نوع العصير ده لما بيتكب على هدوم ولا على شعر ولا على السجاده ولا على الكنبه بيطلع تانى ولا لاء
أنتفضت عزة واقفةً وهى تقول برجاء:
- لالالالالا بلاش أنا صاحيه اهو
اشار لها لتسير أمامه للداخل وهو يعقد جبينه قائلا بجديه مصطنعه:
- قداااامى ...ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا صحيح
*********************************
وأما هناك وفى الاسكندرية وقبل الفجر بدقائق كانت هناك دوى صفعة قوية على وجهها هوت على اثرها أرضاً وهى تصرخ قائلة:
- متظلمنيش يا فارس مكنش بايدى ...اسمعنى طيب
قبض على ساعديها بقوة وعينيه تشعان غضباً وكأن الشيطان قد سكنها وأطلق منها قذائف نيرانه فتطايرت فى وجهها ولفحتها وهو يجذبها لتقف مرة أخرى على قدميها وهى تهتز خوفاً وهلعا وهو يقول بصوت يشبه الفحيح:
- مين اللى عمل كده أتكلمى ولا هقتلك وأدفنك هنا دلوقتى حالاً ..
قال كلمته الاخيرة وهو يصفعها مرة اخرى لترتطم بالفراش وتسقط عليه بثقلها ..وضعت يدها وجنتها وهى ترتعش وتقول متوسلة له:
- هتكلم هحكيلك على كل حاجه بس اسمعنى والله مظلمومه مظلمومه يا فارس ...بدأت تتعثر فى كلماتها وتتلعثم وهى تقول:
- فى يوم بعد ما ركبتنى التاكسى ومشيت فضل ماشى بيا فى الطريق عادى وقبل ما يدخل على بيتنا دخل فى الشارع الضلمه اللى قصاده اللى كله عمارات فاضيه ولسه بتتبنى ما أنت عارفه وو..و بعدين طلع مطوه وهددنى ومقدرتش افتح بؤى خفت يا فارس خفت وبعدين أغمى عليا ولما فوقت لقيت نفسى فى الشارع قمت جريت ودخلت بيتنا وماما كانت نايمه ومشفتنيش
قبض على شعرها بقوة وصرخ بها:
- كدااابة ..انا عمرى ما ركتبتك تاكسى لوحدك ابدا
صرخت وهى تحاول الفكاك منه ومن قبضته حتى شعرت أن روحها تفرقت فى جسدها وهربت من كثرة الالم وقالت وهى تنتفض:
- ايوا ايوا أنت عمرك ما ركبتنى تاكسى لوحدى بس فى اليوم ده الميني
باص اللى ركبتهولى اتعطل والناس نزلت كلها واضطريت أخد تاكسى وحصل اللى حصل
صرخ بها وهو مازال قابضاً على شعرها بقوة :
- ومقولتليش ليه ومبلغتيش ليه وأمتى كل ده حصل
بكت بشدة وهى تصرخ من الالم وقالت :
- حصل من سنه تقريبا وخفت يا فارس خفت اقولك وخفت ابلغ
دفعها على الفراش بقوة فارتطم رأسها به وأخذت تبكى وترتعش بقوة .. نظر إليها تسلط عليه الشيطان فى تلك اللحظه فاقدم على قتلها ولكنه تراجع ..
كلماتها تفوح منها رائحة الكذب ولكنه لا دليل لديه على شىء أخر ..ابتعد عنها ودخل الشرفة فلفحه الهواء بقوة وشعر أنه كان تحت سطح البحر لا يكاد يتنفس وخرج فجأة الى الهواء العليل فكادت ان تنفجر رئتيه وشعر بدمائه تغلى بداخل عروقه لتلهبها وتحرقها ورأى الماء يندفع بجنون ويرتطم بأمواج عقله فتطحن رجولته وتبعثرها وتنثرها على الشاطىء ..
شعر أنه سيفقد عقله ورشده ..جلس على الارض واضعاً وجهه بين كفيه وهو يشعر أن قلبة قد طُعن طعنة غدر من اقرب الناس إليه لا يصدقها وليس لديه حل آخر هل يعرضها على طبيبه لتكشف له الامر ولكن الامر قد مضى عليه سنه كاملة ..
هل يفضحها ويقول لوالدتها ويطلقها أم يستر عليها ..صدح صوت اذان الفجر ليتسلل لقلبه المكلوم الممزق ..نهض بتثاقل وتوجه للحمام أغتسل وبدل ملابسه وصلى الفجر وقد انهمرت عبراته الساخنه التى كانت تقطع طريقها على وجنتيه ثم تغير وجهتها وتقفز على الارض لتروى مكان سجوده بماء دموعه ..أنكفأ لونه وارتجفت أوصاله ..
فلقد عاد الفارس من معركته خاسراً ولكنه لم يفقد روحه وأنما فقد حكمته وشرفه...
ولكن الفارس النبيل مازال بداخله يستصرخه أن يظل نبيلاً حتى آخر رمق وان زهقت روحه تحت راية نبلة وتذكر حديث النبى صل الله عليه وسلم :
- (من ستر مؤمنا فى الدنيا ستره الله يوم القيامه )
ولكن هل يستطيع ذلك ؟!!
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل التاسع عشر من رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن،
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك من هنا للمزيد من الروايات الأخري
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك من هنا للمزيد من الروايات الأخري
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا