أصدقائي الأعزاء متابعي موقع قصص 26 يسعدني أن أقدم لكم الفصل الرابع والعشرون من رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن وهي رواية رومانسية واقعية ذات طابع ديني تتسم بالكثير من الأحداث والمواقف المتشابكة التي ستنال اعجابك بالتأكيد فتابع معنا.
أقترب منها وجلس بجوارها ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده وقبل راحتها ثم أكمل تسبيحه على أصابعها هى ..
نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الاخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت اصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم ثم أقترب منها أكثر وأخذها بين ذراعه وهما جالسان على الارض ثم تناول يدها الاخرى وأكمل التسبيح عليها ..ظلت هى تمرر أصابعها على يده التى تتلمس راحتها برقة حتى أنتهى ورفع راحتها لفمه ليقبلها مرة أخرى بإشتياق ولفها إليه برفق لتكون فى مواجهته وقال بخفوت :
- لسه صاحيه لغاية دلوقتى ليه مش قلتى هصلى وأنام
بادلته همساً بهمس وهى تقول بسكينة :
- كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما أخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان أبقى مركزة فيها ...ثم أردفت متسائلة :
- مش قلت هتدى درس بعد الصلاة
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول :
- درس الفجر أتمنع هو كمان مع الاسف ثم أردف متهكماً بسخرية حزينة:
- الرقاصه فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن الله يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول
ربتت على وجنته وقالت بهدوء :
- متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال :
0 بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ
نظر لها وأطل الاسى من عينيه قائلا:
- أحنا بقينا غُرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها
حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة :
- قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو
أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال :
- ناوى أدشدشهم طبعاً
تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة :
- أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير
خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلاً:
- فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده ...!
**************************************
- طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا
قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبة ويأخذ هاتفه وقبعته العسكرية وأتجه خارج مكتبة ..أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فألتفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مُطرقاً برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس:
- أقعد يا هانى
جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسة أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس ملياً وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحة الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبداً على العكس تماماً وجهة فيه البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعرة أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعلة يتوتر أكثر ويسهل أستدراجة وقاطعاً عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة :
- أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..!!!
رفع هانى رأسه بحذر ناظراً إلى فارس الذى مال للأمام مقتحماً عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحادث رأى العين وأردف قائلاً بثقة :
- كانت بتهددك ...كنت هتعمل ايه يعنى غير كده ..
حدق هانى فيه مندهشاً وقال متعجباً :
- عرفت أزاى أنها كانت بتهددنى !!!!
قال فارس بهدوء وتركيز :
- أحكيلى كل حاجه وأنا هقولك عرفت أزاى
نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى أضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثماً :
- زى ما أنت قلت مكنش فى أيدى حل تانى كانت عماله تهددنى أنها تفضحنى فى كل حته وتقول لابويا وأنا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير منى الشغلانه اللى كنت بحلم بيها طول عمرى...ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلاً :
- صدقنى أنا عمرى ما كنت أحلم أنى أعمل فيها كده بس هى اللى اضطرتنى ..دفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول:
- أنا مكنش قصدى أموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص مكنتش أعرف أنها هتموت
سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئاً وقال :
- أهدى بس يا هانى أهدى أنا فاهمك طبعاً بس أنت ايه اللى خلاك من الاول تعرف الاشكال دى يا أخى
جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه اول مرة يعترف بها بما فعل وقال :
- كانت زميلتى فى الكليه وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمه معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصوره كده أن علاقتنا بقت شبه رسمية وبقت مطمنه أكتر معايا ...
فى الاول كانت بتحاسب أوى على كل لمسه بينى وبينها وبترفض لكن بعد ما اختها الكبيرة عرفت ورحبت وهى من ساعتها وهى معتبره علاقتنا رسميه .. وابتدت التنازلات بينا لحد ما حصل اللى حصل ..وجات قالتلى أنها حامل ..وفضلت شهر بحاله أحاول أتهرب منها ..
ألتقط أنفاسه بصعوبة وهو يتابع قائلاً :
- لحد ما هددتنى وقالتلى انها هتفضحنى فى كل حته وتبلغ ابويا ..
أجهش فى البكاء عندما وصل لهذه النقطة وهو يقول:
- مفكرتش معرفتش أفكر فى حاجه غير انى اخلص من تهدديها بس مكنتش اقصد صدقنى يا أستاذ فارس
أغمض فارس عينيه بألم وقد تيقن من أدانتة ..ها هو يتجسد أمامه مثالاً لعقد الحرام عندما يُقطع فتنفرط حباتة حبة تلو الاخرى بسرعة كبيرة لا نستطيع اللحاق بها أو جمعها.. لقد بدؤا بشىء يظنونه تافهاً الزمالة و الاعجاب .. ثم الزنا ثم حمل سفاحاً ثم قتل ...وها هو نموذجاً جديداً لتساهل الاهل فى تربية أبنائهم وبناتهم وتركهن بدون مراقبة بل وترحيب بعضهم بأقامة علاقات الصداقه والحب بين الشاب والفتاة ....
تركه فارس يبكى ويعضه الندم على ما فعل حتى بدأ يهدأ ويسكن جسده المنتفض ثم قال :
- علشان كده أنكرت أنك تعرفها مش كده
رفع هانى كتفيه بحركة عصبية وهو يقول بأنفاس لاهثة :
- اومال كنت هعمل ايه كان لازم أنكر وكدبت الشهود اللى شافوا الحادثة وكدبت أختها لما قالت انها تعرفنى ...خفت يا استاذ فارس خفت اقول الحقيقة خفت يعدمونى
أخذ فارس كفه وقبض عليه بقوة وهو ينظر له بصرامة قائلاً:
- ومخفتش من ربنا ؟! .. إنت ممكن تاخد براءة وبعدين تموت عادى فى بيتك وتروح لربنا كده ..ثم وضع أصبعه على صدره وضغطه وهو يقول :
- هتروحله أزاى بقلبك ده ..هتروحله أزاى وأنت هاتك عرض واحده ومش هى عايشه وبس لاء وهى ميته كمان
حدق فيه هانى فزعاً وهو يقول منتفضاً :
- وهى ميته يعنى أيه
- يعنى أهلها وصاحبها وجيرانها وكل اللى يعرفوها عرفه دلوقتى أنها ماتت وهى حامل وهى مش متجوزه .. يعنى عرضها أتلوث والناس بتنهش فيه حتى وهى ميته .. و بسببك أنت
بدأت دموع هانى تنهمر بشدة وهتف صائحاً :
- أنا تبت لربنا تبت وندمت وربنا هيقبل توبتى انا متأكد
وضع فارس يده على كتفه وهزه بقوة وهو يقول :
- ممكن ربنا يقبل توبتك اه لما تغلط فى حق نفسك وبس ..لكن أنت غلط فى حق أنسانه متعلقه فى رقبتك عمرها اللى راح هى واللى كان فى بطنها وشرفها اللى أتنهش .. يعنى لازم تردلها حقها على الاقل خالص أنك تعترف بغلطك وتتقبل العقوبه بشجاعه مش تنكر وتقول تبت
دفع هانى يد فارس حانقاً وقال :
- أنت عايز منى أيه ..أنت جاى تدافع عنى ولا جاى تلف حبل المشنقة حوالين رقبتى
هز فارس رأسه أسفاً وهو يقول :
- يابنى أنا بنصحك لوجه الله علشان لما عمرك اللى متعرفش هيخلص أمتى ينتهى ..تروح لربك نضيف
قال عبارته الاخيرة وتركه وأتجه لباب الحجرة لينصرف ..ولكنه توقف فجأة عندما سمعه يقول بأنهيار
- أنا لسه شباب هخرج وهعيش حياتى ياما ناس عملت اللى عملته وخرجت وعاشت حياتها
وأستدار إليه متمهلاً وقال :
( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ , ُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ )
ثم قال مردفاً :
- ساعتها هتلاقيها واقفة قدامك عند ميزان أعمالك بتطالب بحقها وتسمع بودنك كلام الله عزوجل وهو يقول :
(اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) ...
وفتح الباب وخرج وتركه وحيداً يشعر بظلام قلبه وروحه الاثمة الملوثة .. والمُعذبة ..
***********************************************
بينما كانت أم فارس منشغلةً فى المطبخ تعد طعام الغذاء سمعت طرقاً خفيفاً على باب الشقة فتركت ما فى يدها وأتجهت لتفتح الباب ..أبتسمت وهى تنظر الى مُهرة التى وقفت على أستحياء مطرقةً برأسها وقالت :
- أهلا يا مُهرة يا حبيبتى أتفضلى
قالت مُهرة بخفوت وقد بلغ الخجل منها مبلغة :
- معلش يا طنط مش هقدر أدخل ..
ثم ترددت قبل أن تقول :
- انا بس كنت عاوزه أسأل على حاجه وهمشى على طول
جذبتها أم فارس من يدها وهى تقول :
- تعالى مفيش حد هنا غيرى
دخلت مُهرة وهى تحتضن حقيبة المدرسة بين ذراعيها وأغلقت أم فارس الباب خلفها فوقفت خلفه ولم تتحرك خطوة واحده وقالت بخجل :
- معلش يا طنط بجد مش هقدر أقعد ..
قالت أم فارس وهى تمسكها من يدها وتتجه للمطبخ :
- طب تعالى معايا فى المطبخ قوليلى اللى أنتى عايزاه لحسن الاكل هيتحرق
وضعت مُهرة حقيبتها جانباً ودخلت وتبعتها للمطبخ ..وقفت مُهرة بجوارها تنظر اليها وهى تقلب الطعام فى الإنائين أشفقت عليها من المجهود اليومى التى تقوم به وحدها وبحركة تلقائية تناولت ملعقة خشبية كبيرة ووقفت تقلب الارز مساعدة لها ثم قال :
- فى حاجه يا طنط عاوزه أسألك عليها بس خايفه تقلقى
ألتفتت إليها أم فارس بأهتمام وقالت :
- خير يا بنتى فى أيه؟
ظهرعلى وجهها الاضطراب والتوتر وهى تقول :
- بقالى كام يوم بحلم بكوابيس تخص الدكتور فارس وبقوم من النوم مفزوعه
عقد أم فارس بين حاجبيها وهى تضيف صلصة الطماطم الى اللإناء وقد تسرب القلق لقلبها وقالت :
- يتشوفى أيه فى الكوابيس دى
أضافت مُهرة مرقة اللحم الى الارز وقلبته مرة أخرى ثم وضعت غطاءه جيداً وألتفتت إليها قائلة :
- مش هينفع أحكيه يا طنط علشان مره ..مره الدكتور فارس قالى أن اللى يحلم بحلم وحش ميحكيهوش لحد خالص ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو مش هيضره
قالت كلمتها وتوجهت للمكان المخصص للأكواب بحثت بعينيها قليلاً وما لبثت أن وجدت ضالتها ..كوبها المخصص منذ زمن طويل لا يشرب منه أحد غيرها لونه مميز وعليه رسومات كرتونية كثيرة مختلفة أبتسمت وهى تتناوله وقالت :
- مكنتش متخيله أنى هلاقيه
أطلت نظرات الاشفاق فى عينيى أم فارس وقالت بحنان :
- حاجاتك اللى هنا فى الحفظ والصون مهما غبتى هترجعى تلاقيها
لمعت عينيى مُهرة بدمعة قاتلت لاخفائها وهى تتجه للثلاجة ووضعت فى الكوب بعض المياه البارده وما أن أنتهت حتى قالت لها أم فارس :
- كنتى عاوزه تسألينى على أيه يا مُهرة
وضعت مُهرة الكوب على رخامة المطبخ أمامها وقالت :
- الكوابيس دى مش مريحانى يا طنط هو الدكتور فارس عنده مشكله ولا حاجه ..توترت وهى تردف :
- انا والله مش بدخل فى خصوصياته بس أنا بخاف من أحلامى دايما وبصدقها علشان كده بسأل
هزت ام فارس رأسها نفياً وهى تقول مطمئنة :
- محكاش ليا حاجه خالص لو فى مشكله كان أكيد حكالى أطمنى
قالت مُهرة وهى تومىء براسها قلقةً :
- يارب يكون كده فعلا .. معلش يا طنط عطلتك أمشى أنا بقى علشان عندى مذاكره كتير الامتحانات قربت
كادت أن تخرج من المطبخ الا أن أم فارس تذكرت أنها لم تسألها عن أحوالها مع زوجها وخصيصا بعد المشادة التى حدثت بينه وبين فارس فوضعت يدها على كتفها من الخلف وهى تقول :
- استنى صحيح عامله أيه مع جوزك يا بنتى ياترى لسه زعلان ولا خلاص
شعرت مُهرة بالحنق لمجرد ذكر أسمه وقالت بضيق :
- تفتكرى يا طنط أنا ممكن أفكر فى زعله بعد ما كان هيمد أيده عليا بعد أسبوع واحد من كتب كتابنا
عندما وصلت لهذه النقطة سمعت المفتاح يدور فى الباب ويُفتح لتفاجأ بفارس يدخل ويغلق الباب خلفه وقد بدا عليه الارهاق والهم الشديد بعد جلسته مع هانى منذ قليل ..ألتفت بتلقائية لينادى والدته فوجدها تهم بالخروج من المطبخ وقد أحمرت وجنتاها خجلا للقائة فى بيته ...نسى همه وأرهاقه وهو مازال واقفاً مكانه خلف الباب المغلق وتسللت النشوة الى قلبه ... تناولت حقيبتها التى وضعتها سابقاً بجوار الباب بارتباك شديد ووقفت تقول بخفوت :
- أزيك يا دكتور
لم يتنحى جانباً لتخرج إنما ظل واقفاً مكانه .. لا يعلم لماذا تسمرت قدماه وأبت أن تتحرك وقد ارتسمت النشوة والبهجة على ملامحة وقال :
- أزيك أنتى يا مُهرة عامله أيه
تحشرج صوتها وهى تتمتم :
- الحمد لله
كانت تتوقع أن يتحرك جانباً ولكنه لم يفعل ..أقتربت منه والدته وربتت على ذراعه وكأنها توقظة من غفوته وقالت :
- عديها يا فارس علشان متتأخرش على مامتها
ألتفت الى والدته محدقاً بها وكأنه لم يراها الا الان فقط أغمض عينيه وفتحهما ثم تنحى جانباً لتمر من امامه وتحت ناظرى قلبه الذى يقاتل ليزيل الغامامة التى تعصب عينيه فتحجب عن الرؤية الصحيحة لحقيقة مشاعره ... خرجت وأغلقت الباب خلفها بسرعة وصعدت الدرج فراراً ولكن من منا يستطيع الفرار من قلبه ...
تركته والدته وعادت للمطبخ ثانية لتُتمم على الطعام فدخل خلفها ووقف مستنداً بذراعيه على باب المطبخ قائلاً :
- مالها يا ماما فى حد ضايقها تانى
هزت راسها نفياً وقالت :
- لا مفيش دى كانت بتسلم عليا بس
وقع بصره على الكوب الموضوع فوق رخامة المطبخ فأرتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه .. تقدم نحوه وأخذه ونظر إليها جيدا وهو يقول :
- طول عمرها مبتحبش تشرب غير من الكوبايه دى
نظرت له والدته بدهشة وهو يتوجه الى الثلاجه ويصب فيها بعض الماء البارد ويشرب بشكل تلقائى ولكن بحماس شديد
أنتهى ووضعها مكانها كما هى وخرج ليبدل ملابسه تحت ناظرى والدته التى كانت تدعو الله بقلبها أن يرزقة راحة البال والقلب ...
بمجرد أن جلسا حول مائدة الطعام قالت والدته :
- أومال مراتك مجاتش ليه يابنى لحد دلوقتى
عقد بين حاجبيه بضيق وقال :
- عاوزه تقعد فى بيت امها يومين
وكأنهما استدعاها حينما تحدثا عنها فلم يكد ينتهى من كلمته حتى سمع رنين هاتفه النقال أخذ الهتف واجابها فقالت على الفور:
- أيه يا فارس قافل تليفونك ليه
ظهرت الدهشة على وجهه وقال :
- أنا مقفلتش التليفون النهارده خالص
تصنعت الدهشة وهى تقول :
- معقوله أومال كان بيدينى مغلق ليه
ثم استدركت وهى تقول :
- أومال أنت كنت فين من ساعتين كده لما كان بيدينى مغلق
- كنت مع المتهم بتاع قضية القتل
أدعت المرح وهى تقول :
- شكلك كده وافقت على القضية
هز رأسه نفياً وهو يقول :
- لاء رفضتها
أبتلعت ريقها بصعوبة فهذا ما كانت تتوقعه الا أنها كان لديها بصيص من الامل فى ان يقبلها ويريحها مما هى مقدمةً عليه .. قالت بتماسك :
- بلغت والده بالرفض ولا لسه
- لا لسه لما أروح المكتب بالليل هخلى السكرتاريه تبلغه علشان يجى كمان ياخد الاوراق بتاعة القضيه
شعرت بالوهن يدب فى أوصالها فهاهى ستضطر ان تلجأ الى أكثر شخص تبغضه على وجه الارض وسمعته ينهى المكالمه قائلا:
- طب معلش يا دنيا هقفل دلوقتى علشان ألحق أخلص غدا وأنزل
قالت بلهفه :
- رايح المكتب بدرى كده
- لالا أنا عندى ماتش كده مع الدكتور بلال وعمرو ويمكن اروح المكتب متأخر شويه ..يلا سلام
أنهى مكالمته بينما قالت والدته بأهتمام:
- ليه يا فارس هتسيبها تقعد لوحدها يابنى فى حاجه مزعلاها ولا ايه ..طب شوف ايه اللى مزعلها مينفعش تقعد لوحدها كده دى دلوقتى بقت يتيمه يا فارس
نظر لها فارس وهو يشعر بالاشفاق تجاه والدته لطيبتها الزائدة حتى مع من يُسيئون معاملتها وقال :
- مفيش حاجه يا ماما هى طلعت فى دماغها النهارده الصبح أنها تروح هناك شويه وصممت .. خلاص براحتها
نظرت له والدته بريبة ثم تذوقت الارز وهى تتمتم بإعجاب :
- والله شاطره
رفع فارس رأسه ناظراً اليها بتسائل وقال :
- مين دى اللى شاطره
قالت والدته وهى تتناول طبقها :
- ولا حاجه مُهرة أصلها نفسها حلو فى الرز
رفع حاجبيه وقال :
- هى اللى عملته ؟!
أومأت برأسها وهى تكمل طعامها دون أن تنظر إليه فقال :
- فين طبق الرز بتاعى يا ست الكل
رفعت رأسها بدهشة وقالت :
- أنت مش قلت بتحب السبانخ مع العيش
مط شفتيه قائلا:
- هجربها مع الرز
نظرت له والدته وهو يأكل الارز بإعجاب شديد وكأنه لم يأكله من قبل فلاحت ابتسامة صغيرة على جانبى شفتيها رغماً عنها ...
وبعد أن أنتها من طعامهما ..أعد فارس الشاى كما يفعل دائماً ...وضع واحدة امام والدته التى قالت :
- أنت هتقابل عمرو والدكتور بلال النهارده
ارتشف رشفة منه وأومأ برأسه قائلاً :
- أيوا عندنا ماتش النهارده بعد صلاة العصر على طول يدوبك أخلص وأرجع أغير هدومى وأنزل على المكتب على طول .....
أنهى فارس أغتساله وبدل ملابسه وأرتدى حلته الرياضية استعداداً لماتش الملاكمة ..
*************************************
نظر باسم لرقم الدنيا الذى تتضىء به شاشة هاتفه النقال بإنتصار وخبث فقد كان متأكداً من أتصالها ولجوئها اليه من أجل المال فلقد صدق ظنه به بل ثقته فى طمعها ... أجابها بترحاب شديد فقالت بإقتضاب وهى تشعر بالتقزز منه وقالت :
- خلصنى وقولى هتعمل ايه فارس هيبلغ الراجل رفضة النهارده
أصابه التوتر والقلق وقال بسرعة وهو يعتدل فى جلسته ..:
- لاء لازم تعطليه النهارده بأى شكل .. مش لازم يكلم الراجل النهارده خالص أنتى فاهمه والا كل حاجه هتبوظ
قالت بتأفف :
- أمنعه ازاى يعنى أنا اصلا فى بيت ماما مش معاه وبعدين انت ناوى تعمل ايه انا لسه معرفش لحد دلوقتى ..
هتف بغضب :
- انتى غبية ولا ايه سبتى البيت ليه دلوقتى
صرخت به :
أنت أيه يا اخى مبتحسش ..انا مش عارفه أنت ناويله على ايه مش قادره أحط عينى فى عينه
أطلت من عينيه نظرات بغض شديده وهو يقول :
- هعدى عليكى بالعربيه دلوقتى هنروح مشوار مهم وهناك هقولك أنا ناويله على ايه بالظبط
ضحكت ضحكة عصبية وهى تهتف :
- أنت عاوزنى أقابلك أنت .. فى حد يروح جحر التعبان مرتين
ضغط حروف كلماته بغل واضح وهو يقول :
- أسمعى بقى ..أنتى وافقتى تتعاملى معايا بمزاجك مره تانيه يعنى لازم تكملى للآخر ومتخافيش يا أموره أنا مش عاوز منك حاجه المقابله هتبقى فى الشارع .. ولو خايفه اوى كده من مقابلتى هقولك هنتقابل فين علشان تطمنى
قالت بسرعه :
- فين ؟
نظر أمامه بحقد دفين وهو يقول :
- مباحث أمن الدولة
أتسعت عيناها رعباً وهى تردد خلفه :
- مباحث أمن الدولة !!!؟
غير نبرة صوته وهو يقول :
- متخافيش أوى كده .. أنا ليا واحد صاحبى هناك هيظبطنا فى الحكايه دى كل اللى عليكى أنك تقدمى بلاغ صغير وملكيش دعوه بالباقى
هتفت ساخطه :
- وهقول ايه فى البلاغ ده واشمعنى انا اللى أقدمه
باسم :
- أنتى مراته يعنى بلاغك هيبقى أهم من عشرين بلاغ تانى متنسيش أحنا عاوزينهم يتحركوا بسرعه قبل ما يتصل بالراجل ويبلغه بالرفض ومتخافيش عليه يا ستى محدش هيلمسه هما بس هيضايفوه عندهم لحد ما القضيه تخلص والفلوس تبقى بتاعتنا
قالت وكأنها منومة وقد أنتزعت ارادتها :
- وهقول ايه فى البلاغ ده
أبتسم وهو يقول :
- هتقولى أنك شاكه أنه منضم لخلية أرهابيه وأنه بيجتمع بناس معينه فى البيت عندكوا وبيتكلموا فى السياسه وحطى أسم اى حد من صحابه ويا سلام لو مربى دقنه
تقطعت أنفاسها وأنقبض صدرها وهى تقول :
- بس أنا معرفش حد من صحابه غير أتنين بس وواحد فيهم مربى دقنه
- ممتاز أوى حطى أساميهم الاتنين
صمتت وقد شعرت أن السماء والارض تلعنها وضاقت بها جدران بيتها وأنقبض عليها فلم تسمح لها بالتنفس فشعرت بأضلاعها تتمزق صارخةً ببغضها تود الهروب ببعضها من بعضها ... لم ينتظرها حتى تستيقظ مما هى فيه وقال بسرعة :
- أنا مش عارف أنتى قلقانه من أيه قلتلك محدش هيلمسه بأى أذى صاحبى اللى هناك أكدلى كده ..كل الحكايه أننا هنكسب وقت لصالحنا مش أكتر من كده ومحدش هيعرف أن أنتى اللى بلغتى ولا حتى فارس نفسه ها قلتى أيه
أبتلعت ريقها وقت أمتقع وجهها بشدة وتحجرت مقلتيها وقالت بصوت مسحوق بأقدام الطمع:
- موافقة
***********************************
وقف بلال على الحلبة وحيداً وهو يلوح لهما بذراعيه تاره ويضرب يديه بعضهما فى بعض تارة أخرى فتصدر قفازات الملاكمة التى يرتديها صوتاً عاليا وهو يهتف بهم :
- ايه محدش قادر يواجهنى ولا أيه
دفع عمرو فارس للحلبة وهو يقول لبلال :
- لالا اوعى يغرك جسمك أنت باين عليك متعرفش فارس ده أيده طارشه
دفع فارس يد عمرو بعيدا عنه ثم صعد الى الحلبة وقال ل عمرو :
- طول عمرى بقول عليك ندل ياض
بدا بلال يلاعبه بمرح شديد ويعلمه بعض الفنون التى تجعله يتفادى الضربات بحرفيه شديدة ولقد كان فارس تلميذ بارع ..تعلم سريعاً وبدا يناوش بلال ببعض الضربات الخاطفة ولكنه لم يفلح فى اصابته الا مرة واحدة ..ألتفت بلال الى عمرو وهو يلوح له بالصعود هاتفاً :
- يالا يا عمرو دورك جه
صعد عمرو على مضض وهو يقول :
- انا لله وانا اليه راجعون الله يرحمك يا عمرو كنت أمور ومسمسم الله يرحمك يا غالى
ضحكا كل من فارس وبلال عليه وتنحى فارس جانباً ليصبح عمرو فى مواجهة بلال ..شعر بلال بالنشوة وهو يداعب عمرو بضربات لا تصل اليه ما جرء عمرو على التقدم وصد تلك الضربات ...بعد قليل وقف بلال بينهما يلعب دور الحكم وبدء عمرو وفارس فى مناوشة بعضهما البعض طالت المناوشات ولكن فارس كان متقدم على عمرو كثيرا فاستطاع أن يوجه له ضربات عدة مما جعل عمرو يشعر باليأس فوجه الى فارس ضربة غير مدروسة لم يراعى فيها المسافة بينهما رغماً عنه فاصابته فى فكه مباشرة وأندفعت الدماء من فم فارس بغزارة
أمتقع وجه عمرو واقترب منه بلال بسرعة يحاول أسعافه حتى توقفت الدماء تماماً جلس عمرو يساعده وهو يعتذر لفارس قائلا :
- انا اسف والله ما اقصد يا فارس معلش أنا غشيم
أعتدل فارس فى جلسته بمساعدة بلال وعمرو وضربه فارس على كتفه بقوة وهو يهتف به :
- يخربيت العمى الحيسى اللى أنت فيه يا أخى هروح شغلى أزاى دلوقتى
ساعده بلال على النهوض وهو يقول :
- لا شغل ايه بقى ده أنت بؤك وارم خالص أرتاح النهارده
****************************************
هبطت دنيا على سلم مبنى مباحث أمن الدولة بعد أن قدمت بلاغها وقالت ما حفظته سابقاً بالاتفاق مع باسم ..ألتفت اليه وهو يهبط بجوارها ونظرت اليه بأشمئزاز وهى تقول :
- المفروض ايه الخطوه اللى جايه
قال باسم وهو ينظر أمامه بتفكير:
- هتروحى البيت دلوقتى وتحاولى تعطليه علشان ميروحش المكتب النهارده
والنهارده قبل الفجر هيعملولوا زياره ليلية
وضعت يدها على صدرها بخوف وقالت:
- بسرعه كده
وقف امام سيارته والتفت اليها قائلا:
- الناس دى مش محتاجه تحريات وجوزك سهل علينا الامر وربى دقنه وده دليل اتهام كافى علشان يبقى ارهابى يا مدام ..هو انتى مش عايشه فى البلد دى ولا أيه
***************************************
عاد فارس للمنزل فى آخر اليوم بعد أن ودعه عمرو وبلال عند باب المنزل وتركاه وأنصرفا ... ضربت والدته على صدرها وهى تنظر لفكه المصاب وقالت بلوعة:
- ايه اللى عمل فيك كده يا فارس
لف ذراعه حول كتفها وهو يقول مداعباً:
- متقلقيش كده يا ماما دى أصابة ملاعب
حاولت أن تتحسس مكان الاصابه قائلة :
- أنا بكلم جد مين اللى عمل فيك كده
حاول أن يضحك ولكنه تالم وقال :
- الواد عمرو الله يخرب بيته ده مش بيلعب ده بيطبش صحيح على رأى المثل ألعب مع اللئيم ومتلعبش مع العبيط
دخلت دنيا المنزل خلفه تماماً وأغلقت الباب خلفها وتبادلا نظرات الدهشه بين بعضهما البعض فقال :
- أنتى مش قلتى هتباتى يومين هناك
قالت :
- رجعت فى كلامى بس أنت مين عمل فيك كده
تركها وأستدار ليجلس على المقعد وقال :
- مفيش دى حاجه بسيطه بكره هبقى كويس ان شاء الله
خفق قلبها هى تقول :
- يعنى مش هتروح المكتب النهارده
أومأ براسه دون أن يتكلم فقالت بسرعه :
- طب خلاص أرتاح أنت وأنا هلبس وأروح دلوقتى وهبلغه باللى أنت عايزه ...
بدلت ملابسها فى غرفتها وهى شادرت الذهن يكاد قلبها أن يقفز من حنجرتها من شدة الخوف من المستقبل نظرت لنفسها فى المرآة فوجدت علامات الريبة تحتل ملامحها وصدق من قال ..يكاد المُريب أن يقول خذونى ...حاولت ان تتماسك وجمدت ملامحها وخرجت من الغرفه ووقفت امامه تنظر اليه كأنها تودعه وقالت :
- انا ماشيه عاوز حاجه
أشار اليها قائلا:
- متنسيش تبلغى السكرتاريه يتصلوا بالراجل صاحب القضية ويبلغوه رفضى علشان يجى ياخد ورق القضيه ويلحق يشوف محامى تانى
أومأت براسها وأتجهت للباب فاستوفقها منادياً :
- دنيا
وقع قلبها أخمص قدميها وهى تلتفت اليه بعينين زاهلتين فقال :
- ساعتين بالظبط وارجعى متتأخريش علشان مترجعيش بالليل متاخر لوحدك
أبتلعت ريقها وهى تسمع كلماته وأومأت برأسها وقالت :
- حاضر
**********************************
ذهبت دنيا للمكتب وحضر اليها وائل وأتفقا على تنفيذ الخطوات الاحقة .. ستتصدر هى القضية وسيتولى هو وباسم أمر الشهود وأمر ورقة التحريات التى ستُنزع من ملف القضيه لتصبح منعدمة الادله ....
خافت دنيا أن تعود للبيت وهى تعلم ما سيحدث قبل الفجر بدقائق أتصلت بوالدة فارس وابلغتها أنها ستضطر الى الذهاب لشقة والدتها لانها قد نسيت هاتفها وبعض اشياءها الخاصه هناك وربما ستضطر للمبيت هناك ... لم تُقظه والدته لتُخبره بامرها وعزمت أن تخبره فى الصباح خوفاً من ردة فعله وهو منهك ومصاب هكذا ...
دقت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وقبل الفجر بقليل ولكنها لم تدق وحدها لقد تبعتها دقات عنيفة على باب المنزل ..أستيقظ فارس فزعاً وكذلك والدته ولكن الدقات لم تنتظرهما كُسر الباب عنوة ليدخل زوار الفجر الى المنزل بإندفاع محطمين ما فيه يبحثون عن أى شىء يدينه ظل يصرخ بهم وهو يحمى والدته بذراعيه :
- أنتوا مين وبتفتشوا على أيه وفين أذن النيابه
خرج أحد الرجال من المطبخ وهو يرفع سكينة كبيرة قائلا :
- لقيت سكينة دبح كبيرة يا فندم وورق ألمونيوم
هتفت والدته :
- وفيها ايه دى حاجات المطبخ
خرج رجل آخر من الشرفه وهو يقول لنفس الرجل :
- لقينا تراب فيه حبات ظلت صغيره يا فندم
تناول الرجل الذى كان يلقى الاوامر للجميع الاشياء الثلاث وقال موجهاً كلامه لفارس :
- رمل وظلت وورق المونيوم ..أنت بتصنع قنبله يديويه فى بيتك ولا ايه
أدرك فارس أنه مأخوذ لا محاله وأن دفاعه عن نفسه لن يجدى فقال بهدوء :
- ده مش رمل ده تراب بنزرع بيه فى البلكون قصارى الزرع بس أنا عارف أنه هيتكتب رمل
أومأ الرجل برأسه ساخرا وقال :
- شاطر ثم صرخ فى الموجودين جميعاً ...خدوووه
**************************************
وقف بلال يسد باب غرفة نومه بعد أن هتف بزوجته آمرا بارتداء ملابسها فورا وباقصى سرعة ارتدت عبير ملابسها وهى تصرخ به :
- مش معقوله هيدخلوا عليا الاوضه وانا كده
صرخ بها :
- البسى بقولك بسرعه دول معندهمش دين ولا نخوه
وبسرعة البرق وقبل أن يتكاثر عليه الرجال ويدفعوه بقوة ليدخلوا غرفته كانت قد وضعت نقابها على وجهها ..دفعهم وهو يمر من بينهم ليحميها منهم وهم ينقضون على فراش السرير ليمزقونه بالمطواة ويخرجون ما به ويقلبون الخزانات والملابس التى بداخلها فيمزقونها عنوة واذا وجدوا ذهبا أو مالا وضعوه فى جيوبهم كأنهم لصوص ..لصوص الفجر ..أحاطها بذراعيه هى ووالدته وابناءه ..لقد كان كل همه أن لا تنكشف زوجته ولا أمه على أحد منهم ..
وعبير تردد بجسد مرتجف وهى متشبثة به :
- اللهم أكفيناهم بما شئت وكيف شئت ...
وبعد أن أنتهوا تكاثروا عليه مرة أخرى ليأخذوه معهم ....لم يكن بلال بالشخص الهين ابدا ولكن الكثرة تغلب الشجاعه حاولت والدته أن تتشبث به تمنعهم ولكنهم لم يراعوا حرمة ولا أمرأة عجوز ... دفعوها بمنتهى العنف وهم يقذفونها باقذع الالفاظ لتسقط على راسها مغشيا عليها فى الحال وخرجوا وتركوا البيت فى حالة دمار ..أمرأة مغشياً عليها واخرى ترتعتش وتنتفض وتنتحب زوجها وحبيبها وأطفال يصرخون ابيهم ...
أما عند عمرو فلم يكن الامر بأقل منهما شئنا ,, دمارا فى كل مكان وأثاثاً مبعثر وممزق فى كل مكان ومحطم وأمرأة خلفٌَها زوجها صارخة باكية جزعة تنادى على زوجها فلا تجد من يرد النداء ..
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن ( الفصل الثالث والعشرون )
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن ( الفصل الرابع والعشرون ) |
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن ( الفصل الرابع والعشرون )
أطل بلال برأسة داخل مصلاها الصغير الذى أتخذته منذ زواجهما مصلى خاص بها فى أحد أركان المنزل الصغيرة فوجدها تسبح بعد أنتهاءها لتوها من صلاة الفجر ..أزاح الستار الذى وضعته عليه ليعطى الركن شىء من الخصوصيه فلا يدخله أحداً سواها ولا يعبث أحد بمكتبتها الصغيرة فيه ..أقترب منها وجلس بجوارها ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده وقبل راحتها ثم أكمل تسبيحه على أصابعها هى ..
نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الاخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت اصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم ثم أقترب منها أكثر وأخذها بين ذراعه وهما جالسان على الارض ثم تناول يدها الاخرى وأكمل التسبيح عليها ..ظلت هى تمرر أصابعها على يده التى تتلمس راحتها برقة حتى أنتهى ورفع راحتها لفمه ليقبلها مرة أخرى بإشتياق ولفها إليه برفق لتكون فى مواجهته وقال بخفوت :
- لسه صاحيه لغاية دلوقتى ليه مش قلتى هصلى وأنام
بادلته همساً بهمس وهى تقول بسكينة :
- كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما أخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان أبقى مركزة فيها ...ثم أردفت متسائلة :
- مش قلت هتدى درس بعد الصلاة
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول :
- درس الفجر أتمنع هو كمان مع الاسف ثم أردف متهكماً بسخرية حزينة:
- الرقاصه فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن الله يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول
ربتت على وجنته وقالت بهدوء :
- متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال :
0 بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ
نظر لها وأطل الاسى من عينيه قائلا:
- أحنا بقينا غُرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها
حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة :
- قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو
أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال :
- ناوى أدشدشهم طبعاً
تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة :
- أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير
خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلاً:
- فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده ...!
**************************************
- طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا
قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبة ويأخذ هاتفه وقبعته العسكرية وأتجه خارج مكتبة ..أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فألتفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مُطرقاً برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس:
- أقعد يا هانى
جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسة أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس ملياً وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحة الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبداً على العكس تماماً وجهة فيه البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعرة أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعلة يتوتر أكثر ويسهل أستدراجة وقاطعاً عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة :
- أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..!!!
رفع هانى رأسه بحذر ناظراً إلى فارس الذى مال للأمام مقتحماً عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحادث رأى العين وأردف قائلاً بثقة :
- كانت بتهددك ...كنت هتعمل ايه يعنى غير كده ..
حدق هانى فيه مندهشاً وقال متعجباً :
- عرفت أزاى أنها كانت بتهددنى !!!!
قال فارس بهدوء وتركيز :
- أحكيلى كل حاجه وأنا هقولك عرفت أزاى
نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى أضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثماً :
- زى ما أنت قلت مكنش فى أيدى حل تانى كانت عماله تهددنى أنها تفضحنى فى كل حته وتقول لابويا وأنا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير منى الشغلانه اللى كنت بحلم بيها طول عمرى...ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلاً :
- صدقنى أنا عمرى ما كنت أحلم أنى أعمل فيها كده بس هى اللى اضطرتنى ..دفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول:
- أنا مكنش قصدى أموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص مكنتش أعرف أنها هتموت
سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئاً وقال :
- أهدى بس يا هانى أهدى أنا فاهمك طبعاً بس أنت ايه اللى خلاك من الاول تعرف الاشكال دى يا أخى
جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه اول مرة يعترف بها بما فعل وقال :
- كانت زميلتى فى الكليه وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمه معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصوره كده أن علاقتنا بقت شبه رسمية وبقت مطمنه أكتر معايا ...
فى الاول كانت بتحاسب أوى على كل لمسه بينى وبينها وبترفض لكن بعد ما اختها الكبيرة عرفت ورحبت وهى من ساعتها وهى معتبره علاقتنا رسميه .. وابتدت التنازلات بينا لحد ما حصل اللى حصل ..وجات قالتلى أنها حامل ..وفضلت شهر بحاله أحاول أتهرب منها ..
ألتقط أنفاسه بصعوبة وهو يتابع قائلاً :
- لحد ما هددتنى وقالتلى انها هتفضحنى فى كل حته وتبلغ ابويا ..
أجهش فى البكاء عندما وصل لهذه النقطة وهو يقول:
- مفكرتش معرفتش أفكر فى حاجه غير انى اخلص من تهدديها بس مكنتش اقصد صدقنى يا أستاذ فارس
أغمض فارس عينيه بألم وقد تيقن من أدانتة ..ها هو يتجسد أمامه مثالاً لعقد الحرام عندما يُقطع فتنفرط حباتة حبة تلو الاخرى بسرعة كبيرة لا نستطيع اللحاق بها أو جمعها.. لقد بدؤا بشىء يظنونه تافهاً الزمالة و الاعجاب .. ثم الزنا ثم حمل سفاحاً ثم قتل ...وها هو نموذجاً جديداً لتساهل الاهل فى تربية أبنائهم وبناتهم وتركهن بدون مراقبة بل وترحيب بعضهم بأقامة علاقات الصداقه والحب بين الشاب والفتاة ....
تركه فارس يبكى ويعضه الندم على ما فعل حتى بدأ يهدأ ويسكن جسده المنتفض ثم قال :
- علشان كده أنكرت أنك تعرفها مش كده
رفع هانى كتفيه بحركة عصبية وهو يقول بأنفاس لاهثة :
- اومال كنت هعمل ايه كان لازم أنكر وكدبت الشهود اللى شافوا الحادثة وكدبت أختها لما قالت انها تعرفنى ...خفت يا استاذ فارس خفت اقول الحقيقة خفت يعدمونى
أخذ فارس كفه وقبض عليه بقوة وهو ينظر له بصرامة قائلاً:
- ومخفتش من ربنا ؟! .. إنت ممكن تاخد براءة وبعدين تموت عادى فى بيتك وتروح لربنا كده ..ثم وضع أصبعه على صدره وضغطه وهو يقول :
- هتروحله أزاى بقلبك ده ..هتروحله أزاى وأنت هاتك عرض واحده ومش هى عايشه وبس لاء وهى ميته كمان
حدق فيه هانى فزعاً وهو يقول منتفضاً :
- وهى ميته يعنى أيه
- يعنى أهلها وصاحبها وجيرانها وكل اللى يعرفوها عرفه دلوقتى أنها ماتت وهى حامل وهى مش متجوزه .. يعنى عرضها أتلوث والناس بتنهش فيه حتى وهى ميته .. و بسببك أنت
بدأت دموع هانى تنهمر بشدة وهتف صائحاً :
- أنا تبت لربنا تبت وندمت وربنا هيقبل توبتى انا متأكد
وضع فارس يده على كتفه وهزه بقوة وهو يقول :
- ممكن ربنا يقبل توبتك اه لما تغلط فى حق نفسك وبس ..لكن أنت غلط فى حق أنسانه متعلقه فى رقبتك عمرها اللى راح هى واللى كان فى بطنها وشرفها اللى أتنهش .. يعنى لازم تردلها حقها على الاقل خالص أنك تعترف بغلطك وتتقبل العقوبه بشجاعه مش تنكر وتقول تبت
دفع هانى يد فارس حانقاً وقال :
- أنت عايز منى أيه ..أنت جاى تدافع عنى ولا جاى تلف حبل المشنقة حوالين رقبتى
هز فارس رأسه أسفاً وهو يقول :
- يابنى أنا بنصحك لوجه الله علشان لما عمرك اللى متعرفش هيخلص أمتى ينتهى ..تروح لربك نضيف
قال عبارته الاخيرة وتركه وأتجه لباب الحجرة لينصرف ..ولكنه توقف فجأة عندما سمعه يقول بأنهيار
- أنا لسه شباب هخرج وهعيش حياتى ياما ناس عملت اللى عملته وخرجت وعاشت حياتها
وأستدار إليه متمهلاً وقال :
( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ , ُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ )
ثم قال مردفاً :
- ساعتها هتلاقيها واقفة قدامك عند ميزان أعمالك بتطالب بحقها وتسمع بودنك كلام الله عزوجل وهو يقول :
(اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) ...
وفتح الباب وخرج وتركه وحيداً يشعر بظلام قلبه وروحه الاثمة الملوثة .. والمُعذبة ..
***********************************************
بينما كانت أم فارس منشغلةً فى المطبخ تعد طعام الغذاء سمعت طرقاً خفيفاً على باب الشقة فتركت ما فى يدها وأتجهت لتفتح الباب ..أبتسمت وهى تنظر الى مُهرة التى وقفت على أستحياء مطرقةً برأسها وقالت :
- أهلا يا مُهرة يا حبيبتى أتفضلى
قالت مُهرة بخفوت وقد بلغ الخجل منها مبلغة :
- معلش يا طنط مش هقدر أدخل ..
ثم ترددت قبل أن تقول :
- انا بس كنت عاوزه أسأل على حاجه وهمشى على طول
جذبتها أم فارس من يدها وهى تقول :
- تعالى مفيش حد هنا غيرى
دخلت مُهرة وهى تحتضن حقيبة المدرسة بين ذراعيها وأغلقت أم فارس الباب خلفها فوقفت خلفه ولم تتحرك خطوة واحده وقالت بخجل :
- معلش يا طنط بجد مش هقدر أقعد ..
قالت أم فارس وهى تمسكها من يدها وتتجه للمطبخ :
- طب تعالى معايا فى المطبخ قوليلى اللى أنتى عايزاه لحسن الاكل هيتحرق
وضعت مُهرة حقيبتها جانباً ودخلت وتبعتها للمطبخ ..وقفت مُهرة بجوارها تنظر اليها وهى تقلب الطعام فى الإنائين أشفقت عليها من المجهود اليومى التى تقوم به وحدها وبحركة تلقائية تناولت ملعقة خشبية كبيرة ووقفت تقلب الارز مساعدة لها ثم قال :
- فى حاجه يا طنط عاوزه أسألك عليها بس خايفه تقلقى
ألتفتت إليها أم فارس بأهتمام وقالت :
- خير يا بنتى فى أيه؟
ظهرعلى وجهها الاضطراب والتوتر وهى تقول :
- بقالى كام يوم بحلم بكوابيس تخص الدكتور فارس وبقوم من النوم مفزوعه
عقد أم فارس بين حاجبيها وهى تضيف صلصة الطماطم الى اللإناء وقد تسرب القلق لقلبها وقالت :
- يتشوفى أيه فى الكوابيس دى
أضافت مُهرة مرقة اللحم الى الارز وقلبته مرة أخرى ثم وضعت غطاءه جيداً وألتفتت إليها قائلة :
- مش هينفع أحكيه يا طنط علشان مره ..مره الدكتور فارس قالى أن اللى يحلم بحلم وحش ميحكيهوش لحد خالص ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو مش هيضره
قالت كلمتها وتوجهت للمكان المخصص للأكواب بحثت بعينيها قليلاً وما لبثت أن وجدت ضالتها ..كوبها المخصص منذ زمن طويل لا يشرب منه أحد غيرها لونه مميز وعليه رسومات كرتونية كثيرة مختلفة أبتسمت وهى تتناوله وقالت :
- مكنتش متخيله أنى هلاقيه
أطلت نظرات الاشفاق فى عينيى أم فارس وقالت بحنان :
- حاجاتك اللى هنا فى الحفظ والصون مهما غبتى هترجعى تلاقيها
لمعت عينيى مُهرة بدمعة قاتلت لاخفائها وهى تتجه للثلاجة ووضعت فى الكوب بعض المياه البارده وما أن أنتهت حتى قالت لها أم فارس :
- كنتى عاوزه تسألينى على أيه يا مُهرة
وضعت مُهرة الكوب على رخامة المطبخ أمامها وقالت :
- الكوابيس دى مش مريحانى يا طنط هو الدكتور فارس عنده مشكله ولا حاجه ..توترت وهى تردف :
- انا والله مش بدخل فى خصوصياته بس أنا بخاف من أحلامى دايما وبصدقها علشان كده بسأل
هزت ام فارس رأسها نفياً وهى تقول مطمئنة :
- محكاش ليا حاجه خالص لو فى مشكله كان أكيد حكالى أطمنى
قالت مُهرة وهى تومىء براسها قلقةً :
- يارب يكون كده فعلا .. معلش يا طنط عطلتك أمشى أنا بقى علشان عندى مذاكره كتير الامتحانات قربت
كادت أن تخرج من المطبخ الا أن أم فارس تذكرت أنها لم تسألها عن أحوالها مع زوجها وخصيصا بعد المشادة التى حدثت بينه وبين فارس فوضعت يدها على كتفها من الخلف وهى تقول :
- استنى صحيح عامله أيه مع جوزك يا بنتى ياترى لسه زعلان ولا خلاص
شعرت مُهرة بالحنق لمجرد ذكر أسمه وقالت بضيق :
- تفتكرى يا طنط أنا ممكن أفكر فى زعله بعد ما كان هيمد أيده عليا بعد أسبوع واحد من كتب كتابنا
عندما وصلت لهذه النقطة سمعت المفتاح يدور فى الباب ويُفتح لتفاجأ بفارس يدخل ويغلق الباب خلفه وقد بدا عليه الارهاق والهم الشديد بعد جلسته مع هانى منذ قليل ..ألتفت بتلقائية لينادى والدته فوجدها تهم بالخروج من المطبخ وقد أحمرت وجنتاها خجلا للقائة فى بيته ...نسى همه وأرهاقه وهو مازال واقفاً مكانه خلف الباب المغلق وتسللت النشوة الى قلبه ... تناولت حقيبتها التى وضعتها سابقاً بجوار الباب بارتباك شديد ووقفت تقول بخفوت :
- أزيك يا دكتور
لم يتنحى جانباً لتخرج إنما ظل واقفاً مكانه .. لا يعلم لماذا تسمرت قدماه وأبت أن تتحرك وقد ارتسمت النشوة والبهجة على ملامحة وقال :
- أزيك أنتى يا مُهرة عامله أيه
تحشرج صوتها وهى تتمتم :
- الحمد لله
كانت تتوقع أن يتحرك جانباً ولكنه لم يفعل ..أقتربت منه والدته وربتت على ذراعه وكأنها توقظة من غفوته وقالت :
- عديها يا فارس علشان متتأخرش على مامتها
ألتفت الى والدته محدقاً بها وكأنه لم يراها الا الان فقط أغمض عينيه وفتحهما ثم تنحى جانباً لتمر من امامه وتحت ناظرى قلبه الذى يقاتل ليزيل الغامامة التى تعصب عينيه فتحجب عن الرؤية الصحيحة لحقيقة مشاعره ... خرجت وأغلقت الباب خلفها بسرعة وصعدت الدرج فراراً ولكن من منا يستطيع الفرار من قلبه ...
تركته والدته وعادت للمطبخ ثانية لتُتمم على الطعام فدخل خلفها ووقف مستنداً بذراعيه على باب المطبخ قائلاً :
- مالها يا ماما فى حد ضايقها تانى
هزت راسها نفياً وقالت :
- لا مفيش دى كانت بتسلم عليا بس
وقع بصره على الكوب الموضوع فوق رخامة المطبخ فأرتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه .. تقدم نحوه وأخذه ونظر إليها جيدا وهو يقول :
- طول عمرها مبتحبش تشرب غير من الكوبايه دى
نظرت له والدته بدهشة وهو يتوجه الى الثلاجه ويصب فيها بعض الماء البارد ويشرب بشكل تلقائى ولكن بحماس شديد
أنتهى ووضعها مكانها كما هى وخرج ليبدل ملابسه تحت ناظرى والدته التى كانت تدعو الله بقلبها أن يرزقة راحة البال والقلب ...
بمجرد أن جلسا حول مائدة الطعام قالت والدته :
- أومال مراتك مجاتش ليه يابنى لحد دلوقتى
عقد بين حاجبيه بضيق وقال :
- عاوزه تقعد فى بيت امها يومين
وكأنهما استدعاها حينما تحدثا عنها فلم يكد ينتهى من كلمته حتى سمع رنين هاتفه النقال أخذ الهتف واجابها فقالت على الفور:
- أيه يا فارس قافل تليفونك ليه
ظهرت الدهشة على وجهه وقال :
- أنا مقفلتش التليفون النهارده خالص
تصنعت الدهشة وهى تقول :
- معقوله أومال كان بيدينى مغلق ليه
ثم استدركت وهى تقول :
- أومال أنت كنت فين من ساعتين كده لما كان بيدينى مغلق
- كنت مع المتهم بتاع قضية القتل
أدعت المرح وهى تقول :
- شكلك كده وافقت على القضية
هز رأسه نفياً وهو يقول :
- لاء رفضتها
أبتلعت ريقها بصعوبة فهذا ما كانت تتوقعه الا أنها كان لديها بصيص من الامل فى ان يقبلها ويريحها مما هى مقدمةً عليه .. قالت بتماسك :
- بلغت والده بالرفض ولا لسه
- لا لسه لما أروح المكتب بالليل هخلى السكرتاريه تبلغه علشان يجى كمان ياخد الاوراق بتاعة القضيه
شعرت بالوهن يدب فى أوصالها فهاهى ستضطر ان تلجأ الى أكثر شخص تبغضه على وجه الارض وسمعته ينهى المكالمه قائلا:
- طب معلش يا دنيا هقفل دلوقتى علشان ألحق أخلص غدا وأنزل
قالت بلهفه :
- رايح المكتب بدرى كده
- لالا أنا عندى ماتش كده مع الدكتور بلال وعمرو ويمكن اروح المكتب متأخر شويه ..يلا سلام
أنهى مكالمته بينما قالت والدته بأهتمام:
- ليه يا فارس هتسيبها تقعد لوحدها يابنى فى حاجه مزعلاها ولا ايه ..طب شوف ايه اللى مزعلها مينفعش تقعد لوحدها كده دى دلوقتى بقت يتيمه يا فارس
نظر لها فارس وهو يشعر بالاشفاق تجاه والدته لطيبتها الزائدة حتى مع من يُسيئون معاملتها وقال :
- مفيش حاجه يا ماما هى طلعت فى دماغها النهارده الصبح أنها تروح هناك شويه وصممت .. خلاص براحتها
نظرت له والدته بريبة ثم تذوقت الارز وهى تتمتم بإعجاب :
- والله شاطره
رفع فارس رأسه ناظراً اليها بتسائل وقال :
- مين دى اللى شاطره
قالت والدته وهى تتناول طبقها :
- ولا حاجه مُهرة أصلها نفسها حلو فى الرز
رفع حاجبيه وقال :
- هى اللى عملته ؟!
أومأت برأسها وهى تكمل طعامها دون أن تنظر إليه فقال :
- فين طبق الرز بتاعى يا ست الكل
رفعت رأسها بدهشة وقالت :
- أنت مش قلت بتحب السبانخ مع العيش
مط شفتيه قائلا:
- هجربها مع الرز
نظرت له والدته وهو يأكل الارز بإعجاب شديد وكأنه لم يأكله من قبل فلاحت ابتسامة صغيرة على جانبى شفتيها رغماً عنها ...
وبعد أن أنتها من طعامهما ..أعد فارس الشاى كما يفعل دائماً ...وضع واحدة امام والدته التى قالت :
- أنت هتقابل عمرو والدكتور بلال النهارده
ارتشف رشفة منه وأومأ برأسه قائلاً :
- أيوا عندنا ماتش النهارده بعد صلاة العصر على طول يدوبك أخلص وأرجع أغير هدومى وأنزل على المكتب على طول .....
أنهى فارس أغتساله وبدل ملابسه وأرتدى حلته الرياضية استعداداً لماتش الملاكمة ..
*************************************
نظر باسم لرقم الدنيا الذى تتضىء به شاشة هاتفه النقال بإنتصار وخبث فقد كان متأكداً من أتصالها ولجوئها اليه من أجل المال فلقد صدق ظنه به بل ثقته فى طمعها ... أجابها بترحاب شديد فقالت بإقتضاب وهى تشعر بالتقزز منه وقالت :
- خلصنى وقولى هتعمل ايه فارس هيبلغ الراجل رفضة النهارده
أصابه التوتر والقلق وقال بسرعة وهو يعتدل فى جلسته ..:
- لاء لازم تعطليه النهارده بأى شكل .. مش لازم يكلم الراجل النهارده خالص أنتى فاهمه والا كل حاجه هتبوظ
قالت بتأفف :
- أمنعه ازاى يعنى أنا اصلا فى بيت ماما مش معاه وبعدين انت ناوى تعمل ايه انا لسه معرفش لحد دلوقتى ..
هتف بغضب :
- انتى غبية ولا ايه سبتى البيت ليه دلوقتى
صرخت به :
أنت أيه يا اخى مبتحسش ..انا مش عارفه أنت ناويله على ايه مش قادره أحط عينى فى عينه
أطلت من عينيه نظرات بغض شديده وهو يقول :
- هعدى عليكى بالعربيه دلوقتى هنروح مشوار مهم وهناك هقولك أنا ناويله على ايه بالظبط
ضحكت ضحكة عصبية وهى تهتف :
- أنت عاوزنى أقابلك أنت .. فى حد يروح جحر التعبان مرتين
ضغط حروف كلماته بغل واضح وهو يقول :
- أسمعى بقى ..أنتى وافقتى تتعاملى معايا بمزاجك مره تانيه يعنى لازم تكملى للآخر ومتخافيش يا أموره أنا مش عاوز منك حاجه المقابله هتبقى فى الشارع .. ولو خايفه اوى كده من مقابلتى هقولك هنتقابل فين علشان تطمنى
قالت بسرعه :
- فين ؟
نظر أمامه بحقد دفين وهو يقول :
- مباحث أمن الدولة
أتسعت عيناها رعباً وهى تردد خلفه :
- مباحث أمن الدولة !!!؟
غير نبرة صوته وهو يقول :
- متخافيش أوى كده .. أنا ليا واحد صاحبى هناك هيظبطنا فى الحكايه دى كل اللى عليكى أنك تقدمى بلاغ صغير وملكيش دعوه بالباقى
هتفت ساخطه :
- وهقول ايه فى البلاغ ده واشمعنى انا اللى أقدمه
باسم :
- أنتى مراته يعنى بلاغك هيبقى أهم من عشرين بلاغ تانى متنسيش أحنا عاوزينهم يتحركوا بسرعه قبل ما يتصل بالراجل ويبلغه بالرفض ومتخافيش عليه يا ستى محدش هيلمسه هما بس هيضايفوه عندهم لحد ما القضيه تخلص والفلوس تبقى بتاعتنا
قالت وكأنها منومة وقد أنتزعت ارادتها :
- وهقول ايه فى البلاغ ده
أبتسم وهو يقول :
- هتقولى أنك شاكه أنه منضم لخلية أرهابيه وأنه بيجتمع بناس معينه فى البيت عندكوا وبيتكلموا فى السياسه وحطى أسم اى حد من صحابه ويا سلام لو مربى دقنه
تقطعت أنفاسها وأنقبض صدرها وهى تقول :
- بس أنا معرفش حد من صحابه غير أتنين بس وواحد فيهم مربى دقنه
- ممتاز أوى حطى أساميهم الاتنين
صمتت وقد شعرت أن السماء والارض تلعنها وضاقت بها جدران بيتها وأنقبض عليها فلم تسمح لها بالتنفس فشعرت بأضلاعها تتمزق صارخةً ببغضها تود الهروب ببعضها من بعضها ... لم ينتظرها حتى تستيقظ مما هى فيه وقال بسرعة :
- أنا مش عارف أنتى قلقانه من أيه قلتلك محدش هيلمسه بأى أذى صاحبى اللى هناك أكدلى كده ..كل الحكايه أننا هنكسب وقت لصالحنا مش أكتر من كده ومحدش هيعرف أن أنتى اللى بلغتى ولا حتى فارس نفسه ها قلتى أيه
أبتلعت ريقها وقت أمتقع وجهها بشدة وتحجرت مقلتيها وقالت بصوت مسحوق بأقدام الطمع:
- موافقة
***********************************
وقف بلال على الحلبة وحيداً وهو يلوح لهما بذراعيه تاره ويضرب يديه بعضهما فى بعض تارة أخرى فتصدر قفازات الملاكمة التى يرتديها صوتاً عاليا وهو يهتف بهم :
- ايه محدش قادر يواجهنى ولا أيه
دفع عمرو فارس للحلبة وهو يقول لبلال :
- لالا اوعى يغرك جسمك أنت باين عليك متعرفش فارس ده أيده طارشه
دفع فارس يد عمرو بعيدا عنه ثم صعد الى الحلبة وقال ل عمرو :
- طول عمرى بقول عليك ندل ياض
بدا بلال يلاعبه بمرح شديد ويعلمه بعض الفنون التى تجعله يتفادى الضربات بحرفيه شديدة ولقد كان فارس تلميذ بارع ..تعلم سريعاً وبدا يناوش بلال ببعض الضربات الخاطفة ولكنه لم يفلح فى اصابته الا مرة واحدة ..ألتفت بلال الى عمرو وهو يلوح له بالصعود هاتفاً :
- يالا يا عمرو دورك جه
صعد عمرو على مضض وهو يقول :
- انا لله وانا اليه راجعون الله يرحمك يا عمرو كنت أمور ومسمسم الله يرحمك يا غالى
ضحكا كل من فارس وبلال عليه وتنحى فارس جانباً ليصبح عمرو فى مواجهة بلال ..شعر بلال بالنشوة وهو يداعب عمرو بضربات لا تصل اليه ما جرء عمرو على التقدم وصد تلك الضربات ...بعد قليل وقف بلال بينهما يلعب دور الحكم وبدء عمرو وفارس فى مناوشة بعضهما البعض طالت المناوشات ولكن فارس كان متقدم على عمرو كثيرا فاستطاع أن يوجه له ضربات عدة مما جعل عمرو يشعر باليأس فوجه الى فارس ضربة غير مدروسة لم يراعى فيها المسافة بينهما رغماً عنه فاصابته فى فكه مباشرة وأندفعت الدماء من فم فارس بغزارة
أمتقع وجه عمرو واقترب منه بلال بسرعة يحاول أسعافه حتى توقفت الدماء تماماً جلس عمرو يساعده وهو يعتذر لفارس قائلا :
- انا اسف والله ما اقصد يا فارس معلش أنا غشيم
أعتدل فارس فى جلسته بمساعدة بلال وعمرو وضربه فارس على كتفه بقوة وهو يهتف به :
- يخربيت العمى الحيسى اللى أنت فيه يا أخى هروح شغلى أزاى دلوقتى
ساعده بلال على النهوض وهو يقول :
- لا شغل ايه بقى ده أنت بؤك وارم خالص أرتاح النهارده
****************************************
هبطت دنيا على سلم مبنى مباحث أمن الدولة بعد أن قدمت بلاغها وقالت ما حفظته سابقاً بالاتفاق مع باسم ..ألتفت اليه وهو يهبط بجوارها ونظرت اليه بأشمئزاز وهى تقول :
- المفروض ايه الخطوه اللى جايه
قال باسم وهو ينظر أمامه بتفكير:
- هتروحى البيت دلوقتى وتحاولى تعطليه علشان ميروحش المكتب النهارده
والنهارده قبل الفجر هيعملولوا زياره ليلية
وضعت يدها على صدرها بخوف وقالت:
- بسرعه كده
وقف امام سيارته والتفت اليها قائلا:
- الناس دى مش محتاجه تحريات وجوزك سهل علينا الامر وربى دقنه وده دليل اتهام كافى علشان يبقى ارهابى يا مدام ..هو انتى مش عايشه فى البلد دى ولا أيه
***************************************
عاد فارس للمنزل فى آخر اليوم بعد أن ودعه عمرو وبلال عند باب المنزل وتركاه وأنصرفا ... ضربت والدته على صدرها وهى تنظر لفكه المصاب وقالت بلوعة:
- ايه اللى عمل فيك كده يا فارس
لف ذراعه حول كتفها وهو يقول مداعباً:
- متقلقيش كده يا ماما دى أصابة ملاعب
حاولت أن تتحسس مكان الاصابه قائلة :
- أنا بكلم جد مين اللى عمل فيك كده
حاول أن يضحك ولكنه تالم وقال :
- الواد عمرو الله يخرب بيته ده مش بيلعب ده بيطبش صحيح على رأى المثل ألعب مع اللئيم ومتلعبش مع العبيط
دخلت دنيا المنزل خلفه تماماً وأغلقت الباب خلفها وتبادلا نظرات الدهشه بين بعضهما البعض فقال :
- أنتى مش قلتى هتباتى يومين هناك
قالت :
- رجعت فى كلامى بس أنت مين عمل فيك كده
تركها وأستدار ليجلس على المقعد وقال :
- مفيش دى حاجه بسيطه بكره هبقى كويس ان شاء الله
خفق قلبها هى تقول :
- يعنى مش هتروح المكتب النهارده
أومأ براسه دون أن يتكلم فقالت بسرعه :
- طب خلاص أرتاح أنت وأنا هلبس وأروح دلوقتى وهبلغه باللى أنت عايزه ...
بدلت ملابسها فى غرفتها وهى شادرت الذهن يكاد قلبها أن يقفز من حنجرتها من شدة الخوف من المستقبل نظرت لنفسها فى المرآة فوجدت علامات الريبة تحتل ملامحها وصدق من قال ..يكاد المُريب أن يقول خذونى ...حاولت ان تتماسك وجمدت ملامحها وخرجت من الغرفه ووقفت امامه تنظر اليه كأنها تودعه وقالت :
- انا ماشيه عاوز حاجه
أشار اليها قائلا:
- متنسيش تبلغى السكرتاريه يتصلوا بالراجل صاحب القضية ويبلغوه رفضى علشان يجى ياخد ورق القضيه ويلحق يشوف محامى تانى
أومأت براسها وأتجهت للباب فاستوفقها منادياً :
- دنيا
وقع قلبها أخمص قدميها وهى تلتفت اليه بعينين زاهلتين فقال :
- ساعتين بالظبط وارجعى متتأخريش علشان مترجعيش بالليل متاخر لوحدك
أبتلعت ريقها وهى تسمع كلماته وأومأت برأسها وقالت :
- حاضر
**********************************
ذهبت دنيا للمكتب وحضر اليها وائل وأتفقا على تنفيذ الخطوات الاحقة .. ستتصدر هى القضية وسيتولى هو وباسم أمر الشهود وأمر ورقة التحريات التى ستُنزع من ملف القضيه لتصبح منعدمة الادله ....
خافت دنيا أن تعود للبيت وهى تعلم ما سيحدث قبل الفجر بدقائق أتصلت بوالدة فارس وابلغتها أنها ستضطر الى الذهاب لشقة والدتها لانها قد نسيت هاتفها وبعض اشياءها الخاصه هناك وربما ستضطر للمبيت هناك ... لم تُقظه والدته لتُخبره بامرها وعزمت أن تخبره فى الصباح خوفاً من ردة فعله وهو منهك ومصاب هكذا ...
دقت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وقبل الفجر بقليل ولكنها لم تدق وحدها لقد تبعتها دقات عنيفة على باب المنزل ..أستيقظ فارس فزعاً وكذلك والدته ولكن الدقات لم تنتظرهما كُسر الباب عنوة ليدخل زوار الفجر الى المنزل بإندفاع محطمين ما فيه يبحثون عن أى شىء يدينه ظل يصرخ بهم وهو يحمى والدته بذراعيه :
- أنتوا مين وبتفتشوا على أيه وفين أذن النيابه
خرج أحد الرجال من المطبخ وهو يرفع سكينة كبيرة قائلا :
- لقيت سكينة دبح كبيرة يا فندم وورق ألمونيوم
هتفت والدته :
- وفيها ايه دى حاجات المطبخ
خرج رجل آخر من الشرفه وهو يقول لنفس الرجل :
- لقينا تراب فيه حبات ظلت صغيره يا فندم
تناول الرجل الذى كان يلقى الاوامر للجميع الاشياء الثلاث وقال موجهاً كلامه لفارس :
- رمل وظلت وورق المونيوم ..أنت بتصنع قنبله يديويه فى بيتك ولا ايه
أدرك فارس أنه مأخوذ لا محاله وأن دفاعه عن نفسه لن يجدى فقال بهدوء :
- ده مش رمل ده تراب بنزرع بيه فى البلكون قصارى الزرع بس أنا عارف أنه هيتكتب رمل
أومأ الرجل برأسه ساخرا وقال :
- شاطر ثم صرخ فى الموجودين جميعاً ...خدوووه
**************************************
وقف بلال يسد باب غرفة نومه بعد أن هتف بزوجته آمرا بارتداء ملابسها فورا وباقصى سرعة ارتدت عبير ملابسها وهى تصرخ به :
- مش معقوله هيدخلوا عليا الاوضه وانا كده
صرخ بها :
- البسى بقولك بسرعه دول معندهمش دين ولا نخوه
وبسرعة البرق وقبل أن يتكاثر عليه الرجال ويدفعوه بقوة ليدخلوا غرفته كانت قد وضعت نقابها على وجهها ..دفعهم وهو يمر من بينهم ليحميها منهم وهم ينقضون على فراش السرير ليمزقونه بالمطواة ويخرجون ما به ويقلبون الخزانات والملابس التى بداخلها فيمزقونها عنوة واذا وجدوا ذهبا أو مالا وضعوه فى جيوبهم كأنهم لصوص ..لصوص الفجر ..أحاطها بذراعيه هى ووالدته وابناءه ..لقد كان كل همه أن لا تنكشف زوجته ولا أمه على أحد منهم ..
وعبير تردد بجسد مرتجف وهى متشبثة به :
- اللهم أكفيناهم بما شئت وكيف شئت ...
وبعد أن أنتهوا تكاثروا عليه مرة أخرى ليأخذوه معهم ....لم يكن بلال بالشخص الهين ابدا ولكن الكثرة تغلب الشجاعه حاولت والدته أن تتشبث به تمنعهم ولكنهم لم يراعوا حرمة ولا أمرأة عجوز ... دفعوها بمنتهى العنف وهم يقذفونها باقذع الالفاظ لتسقط على راسها مغشيا عليها فى الحال وخرجوا وتركوا البيت فى حالة دمار ..أمرأة مغشياً عليها واخرى ترتعتش وتنتفض وتنتحب زوجها وحبيبها وأطفال يصرخون ابيهم ...
أما عند عمرو فلم يكن الامر بأقل منهما شئنا ,, دمارا فى كل مكان وأثاثاً مبعثر وممزق فى كل مكان ومحطم وأمرأة خلفٌَها زوجها صارخة باكية جزعة تنادى على زوجها فلا تجد من يرد النداء ..
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الرابع والعشرون من رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن،
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك من هنا للمزيد من الروايات الأخري
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك من هنا للمزيد من الروايات الأخري
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا