مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والحكايات الخلابة في موقعنا قصص 26 مع رواية جديدة من روايات الكاتبة دعاء عبدالرحمن و الفصل الثامن عشر من قصة ولو بعد حين للكاتبة دعاء عبدالرحمن، هذه القصة مليئة بالعديد من الأحداث الإجتماعية البوليسية الغامضة.
تابعونا لقراءة جميع فصول قصة ولو بعد حين للكاتبة دعاء عبدالرحمن.
اقرأ أيضا
رواية مع وقف التنفيذ لدعاء عبدالرحمن
_شريكة الغرفة_
قبل عام..
أمل ..ممر ضيق نوعا ما مغلفة جدرانه بالأبيض وإضاءات دائرية مزروعة فى خط طولى مستقيم
درجتان منخفضتان منحنى دائرى بسيط ثم يعود الممر لاستقامته مرة أخرى الخطوات السريعة تتباطأ
وقبضة الممرضة على ذراع (أمل) تخف تدريجيا وتتوقف بها أمام غرفة الطبيب.
ثلاث طرقات على الباب الذى تفتحه الممرضة على الفور ثم تجذبها للداخل مغلقة خلفها
ينهض دكتور (يحيى) الطبيب الذى عاد إلى عمله مؤخرا فى المصحة بعد قترة انقطاع بسبب
وفاة زوجته موليا كل اهتمامه إليها وتبدأ الجلسة العلاجية.
هذا كله لم يحدث بعد.
لقد كان شريطا مكررا يدور بعقلها كلما سمعت خطوات قوية تمر أمام باب غرفتها المشتركة
بداخل المصحة النفسية بينما شريكة غرفتها التى لا تنهض من أمام حاسوبها المحمول إلا دقائق
قليلة تقضى فيها حاجاتها او تأتيها زيارة من زوجها أو تذهب لجلستها العلاجية أو لساعة أخرى
تتحدث فيها مع شخصيات وهمية ثم تنهى الحديث دوما وهى تخبرهم بأنهم غير متواجدين سوى
بعقلها فقط ويجب أن ينصرفوا وإلا قتلتهم بالدوية التى لا تتناولها حتى الآن.
ترى هل من المهم أن يعرف أحدكم اسم شريكة غرفتها تلك؟!لا أظن أن أحد سيهتم فهى ليست
شخصية أساسية كل مهمتها أنها تسرد عليكم الحكاية فقط!.
ها قد أتت الخطوات التى كانت تنتظرها (أمل) ثم تبعتها مباشرة الطرقات السريعة والدخول غير
المفاجئ وها هى تجلس أمام طبيبها كالمعتاد بعد رحلة الممرالتى تحفظها عن ظهر قلب يعتذر منها
عن خشونة تصرفات ممرضته المفضلة (رجاء) والتى تغيرت فى الأونة الأخيرة بعد حالة مأساوية
عاشتها وخرجت منها بأعجوبة دون أن تجن وهو متعاطف معها للغاية ولأقصى درجة.
رفعت (أمل) عينيها عندما ناداها للمرة الثانية ابتسم (يحيى) بارتياح وهو يحاول دراسة ملامحها
جيدا والتغيرات التى تطرأ عليها لقد استجابت لندائه للمرة الأولى منذ تولى الإشراف على حالتها
كما دون فى تقريره عنها.
فى البداية كانت نظراتها مزروعة فى أرضية الحجرة لا يستطيع اقتلاعها نحوه ولا حتى لثانية واحدة
ملف حالتها الصحية والنفسية على سطح مكتبه بياناتها تكاد تكون مكتملة واكنها خالية من التفاصيل
كان أشار فى إحدى أوراقه أنه حاول التواصل مع أختها الوحيدة التى جاءت بها إلى المصحة ودفعت
مبلغا نقديا مقدما ثم اختفت بعد أن قالت: إنها ستسافر لتتابع عملها مع زوجها فى الخارج.
وليس لديها أقارب يهتمون بمتابعة حالتها:
أمل أعلم أنك لا تشعرين بالارتياح لمشاركة مشاعرك وبخاصة لو كانت مؤلمة يكفى أن تتحدثى فقط
عن أى شئ تحبين الكلام عنه ؟
المرة الأولى التى يفشل فيها في سبر أغوار أحد مرضاه ولا يعلم لماذا؟!
فالجميع يشهد له بالكفاءة فى مجاله برغم عدم تخطيه الخامسة والثلاثين بعد.
ربما كان تأثرا بوفاة زوجته التى كانت كل حياته فى يوم من الأيام والتى وللعجب
اصيبت بالاكتئاب الشديد قبل وفاتها ولم يفلح فى علاجها لهذا يحمل نفسه المسؤولية
عن موتها فانقطع عن العالم والعمل وانقطعت معه أخباره فخفت نجمه قليلا.
ولكنه عاد منذ أشهر أكثر قوة وجدية وصلابة وتعاطفا مع المريضات وخاصة الصامتات منهن
كل واحدة منهن شعر معها بأنها مسؤولة منه يسعى ليكون سببا فى شفائها مهما كلفه الأمر من
جهد وسهر وصبر مع حالتها حتى تخرج من صمتها وتبدأ بالحديث.
وقتها يتنفس الصعداء كمن يمسك بتلابيب شخص كان على وشك القفز من فوق البرج لولا
تدخله فى اللحظة الأخيرة.
دقيقة كاملة من الصمت كانت كافية ليعرف بأنها لن تتجاوب معه مجددا
إنها تتابعه بعينيها فقط بنظرات مبهمة.
كان يقاوم الإحباط بداخله ليحافظ على ابتسامة الثقة فى نفسه وليخفف من وطأة
الحيرة التى قاومت لتظهر على وجهه للحظات يفكر بأن يثير مشاعر الألم بداخلها
لبجعلها تنفعل وتغضب ليجبرها على الحديث.
يخشى أن تؤذى نفسها فيما بعد كردة فعل تلقائية لمريض الاكتئاب عندما يجبر على شئ ما.
لقد كان متعجلا لجعلها تتكلم معه ان تقول أى شئ لقد كانت بمثابة تحد ما وبالرغم من ذلك
صبر معها لأربعة أشهر كاملة وماذا تكون أربعة أشهر فى عمر العلاج النفسي؟! لا شئ.
هل تذكره بزوجته فى مرحلة متأخرة من حياتها؟
عندما عادت من الخارج ذات يوم ودخلت غرفتها ثم اختارت الصمت ولم يستطع أحد ولا حتى
هو أن يخرجها من عزلتها حتى ماتت دون سابق إنذار؟
لن يسمح بمزيد من هذا الصمت القال.
قام بوضعها مع شريكة غرفة يعلم بأن لديها وعيا نفسيا بالرغم من حالتها المرضية
ويثق بأنها ستساعده فيما ينتويه وفوق ذلك لن تسمح لها بالانتحار إن حاولته يوميا.
شهر اثنان ثلاثة لا تتقدم خطوة واحدة تأبى التفاعل مع الجميع كيف تثمر خطته بينما
شريكتها فى الغرفة أكثر صمتا منها؟
تجلس طوال اليوم كالصنم أمام حاسوبها وبما انها تعانى عدم اكثراث مزمن فهو مضطر
لأن يطلب منها المساعدة بشكل مباشر.
وجاء اليوم الذى طلب فيه من ممرضته (رجاء) أن تحضر له شريكة غرفتها تلك إلى غرفته
يذكر جيدا شبح الابتسامة الذى رسم نفسه فوق شفتيها وهو يطلب منها أن تهتم ب (أمل).
ماهذا؟ هل تم ترقيتها من مريضة إلى رتبة طبية دفعة واحدة؟ولم لا؟ فلتجرب.
فأجابته بعد تفكير قائلة:
أشعر بأنه تجنيدى.
ولماذا ترفض؟! فمنذ أن أصبحت صاحبة عامود فى مجلة أسبوعية تجيب فيها عن المشكلات
التى ترسل لها من القراء الذين يعرفون جيدا مكان تواجدها الآن بل ويجدون الأمر أكثر جذبا
لهم أن تكون القائمة على حل مشاكلهم عبر البريد الإلكترونى مقيمة فى إحدى مصحات العلاج
النفسي إقامة إرادية رافضة الخروج منها.
أصبحت تهتم بمشكلات الناس أكثر من ذي قبل وتجد نفسها مسؤولة عنهم بشكل أو بآخر
وتطور الأمر لديها بأن باتت تكتب القصص المستوحاة من الواقع وتهتم بالأدب.
وبرغم كرهها للاختلاط بالآخرين بشكل مباشر إلا أن سر (امل) الذى تخبئه جعلها
تراهن نفسها على أنها لن تفصح به لأحد سواها.
ولم لا؟ فالجميع هنا يعلم طبيعة مرضى النفسي
حتى وإن افشيت سرها يوما ما فلن يصدقنى أحد
فالهذيان أحد اعراض نزلاء هذا المكان البارد...أليس كذلك؟!
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن عشر من قصة ولو بعد حين للكاتبة دعاء عبدالرحمن،
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا