مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الخيالية و روايات مترجمة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع والعشرون من رواية السعي من أجل البطولة وهي الكتاب الأول من "سلسلة طوق الساحر" للكاتب مورغان رايس وهي السلسلة التي تمتلك كل المقومات لتحقيق النجاح.
سنغوص سويا داخل سلسلة طوق الساحر وعبر أجزائها المتتالية في عالم من المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة.
سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. لذلك نوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية.
رواية السعي من أجل البطولة | مورغان رايس - الفصل السابع والعشرون
رواية السعي من أجل البطولة |
رواية السعي من أجل البطولة | مورغان رايس (الكتاب الأول في "سلسلة طوق الساحر")
الفصل السابع والعشرون
مشى تور لعدة ساعات خلال الطرق المتعرجة من الغابة, وهو يفكر بلقائه مع جوين. لم يكن يمكنه إخراجها من عقله ولا للحظة. كان لقائهم هذا خيالياً أكثر مما توقعه, لم يعد قلقاً أبداً بشأن مشاعرها اتجاهه. كان يوماً مثالياً باستثناء ما حصل في نهاية اللقاء بالطبع.الأفعى البيضاء النادرة جداً التي ظهرت لهما, مع نذير الشؤم الذي جلبته. لقد كانا محظوظين أنها لم تقم بعضهما. نظرت إلى الأسفل باتجاه كروهن المخلص الذي كان يمشي بجانبه, متسائلاً ما الذي كان من الممكن أن يحصل لو لم يكن هناك, لو لم يقم بقتل الثعبان و إنقاذ حياتهما. هل كانا ميتان الآن؟ كان مديناً لكورهن إلى الأبد لإنقاذ حياتهما وعلم أنّ لديه صديقاً موثوقاً لآخر حياته.
ما زال تور يفكر بتلك الأفعى التي أزعجتهم, لقد كانت أفعى نادرةً للغاية وأصلاً لم تكن تعيش في هذا الجزء من المملكة. إنها تعيش في أقصى الجنوب, في الأهوار و المستنقعات. كيف يمكن أن تكون سافرت كلّ تلك المسافة حتى هنا؟ لماذا ظهرت لهم في تلك اللحظة بالتحديد؟ كان ذلك غامضاً جداً, ولكنه كان متأكداً أنّ ذلك كان لعلامةٍ ما. و مثل جوين كان تور يشعر أنّ ذلك نذير شؤمٍ, نذير موتٍ قادم. ولكن لمن؟
أراد تور أن يزيل هذه الفكرة من ذهنه, أراد نسيانها و التفكير بأيّ شيءٍ آخر, ولكنه لم يستطع ذلك. لقد أشعره ذلك بخطرٍ قادم, ولكن لم يخبره بالبقية. علم أنّ عليه العودة مباشرةً إلى الثكنة, ولكنه لم يكن قادراً على ذلك. فهذا اليوم لا يزال يوم عطلة, وبدلاً من ذلك سار لعدة ساعات يمشي من خلال مسارات الغابة المتعرجة, محاولاً تنظيف فكره من كلّ ذلك. شعر بأنّ ظهور الثعبان لهم كان رسالةً عميقةً له فقط, و حثّه ذلك على اتخاذ بعض الإجراءات.
و ممّا جعل الأمر أسوء, رحيل جوين وهي متفاجئة. عندما وصلا إلى طرف الغابة, كانا قد وصلا إلى مفترق الطرق بسرعة, و افترقا بسرعةٍ بعدة كلماتٍ فقط. كانت تبدو مذهولة, افترض تور أنّ ذلك بسبب الثعبان ولكنه لم يكن متأكداً من ذلك. بالإضافة إلى أنها لم تشر إلى أيّ شيء بشأن لقائهم التالي. هل قامت بتغيير رأيها بشأنه؟ هل قام بارتكاب خطأ ما؟
كان التفكير بذلك يمزّقه إرباً, إنّه بالكاد يمكنه معرفة ما عليه القيام به, تجول هناك لعدة ساعات. كان يحتاج لإجراء محادثةٍ إلى شخصٍ يفهم بهذه الأمور, يمكنه تفسير الأمور المتعلقة بالنذير والشؤم.
توقّف تور في مكانه, بالطبع إنّه أرجون. سيكون ممتازاً لهذا الأمر, يمكنه تفسير كل شيءٍ. لقد أراحه قليلاً ذلك.
نظر تور إلى الأمام, كان يقف على الطرف الشمالي من التلال على الحافة, من هنا كان يستطيع أن يرى أمامه مشهداً كاملاً للمدينة الملكية أمامه. كان يقف بالقرب من مفترق طرق. هو يعرف ان أرجون يعيش وحده, في كوخ حجري على المشارف الشمالية من سهول بولدر. كان يعلم أنّه إذا خرج باتجاه اليسار, بعيداً عن المدينة, فأحد هذه الطرق سوف يقوده إلى هناك. بدأ تور بمسيرته متجهاً لهناك.
ستكون هذه رحلة طويلة, و كان هناك احتمالٌ كبيرٌ ألّا يكون أرغون هناك حتى, عند وصوله إلى بيته. ولكنه كان مضطراً لمحاولة ذلك, لم يكن سيهدأ باله حتى يعرف الإجابة على هذا الشؤم.
مشى تور بوتيرةٍ سريعة, محاولاً مضاعفة سرعته, وهو يتجه إلى السهول. كان الوقت قد أصبح في الظهيرة تقريباً, بينما كان يمشي و يمشي. كان يوماً صيفياً جميلاً, و كانت أشعة الشمس تتلألأ على الحقول المحيطة به. كان كروهن يوثب بجانبه على طول الطريق, محاولاً الانقضاض على أحد السناجب بين الفينة والأخرى, و التي أمسك إحداها و حملها في فمه.
أصبح الدرب منحدراً وهبّت بعض الرياح, بينما بدأت المروج تتلاشي أمامه فاسحةً المجال أمامه لأرضٍ مقفرةٍ من الحجارة والصخور. ثمّ تلاشت هذه الأرض أيضاً و أصبح المكان أكثر برودةً و الرياح أقوى, والأشجار أيضاً لاحت بعيداً جداً, وتحول الجو إلى صحراوي. كان المكان غريباً جدا و خالياً من أيّ شيء ما عدا بعض الصخور الصغيرة والحصى التي تُرى بصعوبة و بعض الأوساخ, شعر و كأنه يسافر إلى أرض الضياع. بعد ذلك اختفت الدروب من أمامه تماماً, و وجد تور نفسه يمشي على الحصى والصخور الصغيرة.
بجانبه بدأ كروهن يأنّ قليلاً. كان هناك شعورٌ مخيفٌ يملأ المكان, و شعر تور بذلك أيضاً. لم يكن بالضرورة هذا الجو يحمل الشرّ معه, كان فقط مختلفاً. كبعض الضباب الروحيّ الثقيل.
عندما بدأ تور يتساءل عمّا إذا كان يمشي في الاتجاه الصحيح أصلاً, شاهد في الأفق على أعلى التلّة كوخ حجرٍ صغير. كان الكوخ مدوراً تماماً كشكل الحلقة, مبنياً بالحجارة السوداء والصلبة, كان منخفضا على الأرض. كان له بابٌ واحد على شكل قوس بدون أيّ يدٍ للباب أو مطرقةٍ حتى, و خالياً من أيّة نوافذ. هل من الممكن أن يكون أرغون يعيش هنا, في هذا المكان الموحش؟ هل سيكون متفاجأً لمجيء تور وبدون أيّ دعوةٍ حتى؟
بدأت الكثير من الأفكار تدور في ذهنه, و لكنه أجبر نفسه على متابعة المسير. بينما كان تور يقترب من الباب, شعر ببعض الثقل في الجو, كان ثقلاً جعله بالكاد يستطيع التنفس. بدأ قلبه ينبض بسرعةٍ مع بعض الخوف وهو يمد يده لطرق الباب بقبضة يده.
قبل أن يتمكن من لمس الباب, فُتح الباب من تلقاء نفسه. بدا المكان مظلماً جداً في الداخل, ولم يتمكن تور من معرفة إذا كانت الرياح من تسببت بفتحه. كان الظلام دامساً جداً و لم يكن بإمكانه رؤية إذا كان هناك أيّ شخصٍ في الداخل.
اقترب تور قليلاً دافعاً الباب بلطف, و هو يمدّ رأسه قليلاً إلى الداخل.
"مرحباً؟" صاح تور عالياً.
دفع تور الباب أكثر, بينما كان الظلام يخيّم على المكان, باستثناء بعض النور الخفيف الذي يسطع في آخر المكان.
""مرحباً؟" صاح تور بصوتٍ أعلى. "أرغون؟"
بجانبه كان كروهن يأن قليلاً. شعر تور أنّه قام بفكرةٍ سيئة, كان واضحاً أن أرغون لن يكون في المنزل. ولكنه أجبر نفسه على التأكد من ذلك قبل الذهاب. مشى خطوتين إلى الأمام وعندما فعل ذلك, أُغلق الباب خلفه.
تفاجأ تور بذلك, ولكن هناك على الحائط البعيد كان أرغون.
"أنا آسف لقد أزعجتك," قال تور وقلبه يخفق بشدّة.
"لقد أتيت بدون دعوة أو موعدٍ مسبق," قال أرغون.
"اغفر لي ذلك, لم أكن أقصد إزعاجك." قال تور.
نظر تور في المكان حوله محاولاً التأقلم في المكان, رأى العديد من الشموع الصغيرة الموضوعة على شكل دائرة, المصفوفة على محيط الجدار. كان أغلب الضوء الموجود في المكان قادماً بواسطة شعاعٍ واحدٍ من ضوء قادم من خلال فتحةٍ دائريةٍ صغيرة في السقف. كان هذا المكان ساحقاً وسريالياً وصارخاً.
"لم يتمكن سوى القليل من الناس من أن يكونوا في هذا المكان," ردّ ارجون عليه. "و بالطبع أنت لن تكون هنا الآن لو لم أسمح لك بذلك. هذا الباب لا يُفتح إلا لبعض الناس المقصودين, ومن لا يكون مقصوداً فلن يُفتح له الباب ولو اجتمعت كلّ القوة التي في العالم."
شعر تور بشعورٍ أفضل, وتعجب من كيفية معرفة أرجون بمجيئه. كان كل شيءٍ متعلقٍ بهذا الرجل غامضاً.
"لقد حدث معي موقفٌ لم أفهمه," بدأ تور بالكلام محاولاً إخراج كلّ ما بداخله, وهو يريد الاستماع لرأي أرجون بذلك. "كان هناك ثعبان أبيض, الزيزفون. وحاول مهاجمتنا, ولكنّ شبلي كروهن قام بحمايتنا."
"حمايتنا؟" سأل أرجون.
احمر وجه تور و اكتشف أنّه قال أكثر من اللازم, لم يكن يعرف ما الذي عليه قوله.
"أنا لم أكن وحيداً," قال تور.
"و من كان معك؟"
رُبط لسان تور, لم يكن يعرف إذا كان يجب أن يخبره أو لا. ففي النهاية يبقى هذا الرجل مقرباً من والدها, الملك, ومن الممكن أن يخبره بالأمر.
"أنا لا أرى أيّ علاقةٍ لهذا الأمر بالثعبان الذي ظهر لي؟"
"بالتأكيد له علاقة, هل تساءلت عمّا إذا كان ذاك الشخص الذي معك هو السبب في ظهور الثعبان؟"
شعر تور أنه حُصر تماماً.
"أنا لا افهم," قال تور.
"ليس كلّ فأل تراه بالضرورة أنت المقصود فيه, قد يكون يستهدف بعض الأشخاص الآخرين."
بدأ تور يتفحص أرجون في الضوء الخافت, بدأ يفهم الأمر. هل مقدرٌ لجوين أن تواجه بعض الشر؟ و إذا كان الأمر كذلك, هل يمكنه إيقاف هذا الأمر؟
مشى أرجون ببطء, متجولاً في هذه الغرفة.
"بالطبع, هذا هو السؤال الذي نُسأل عنه دائماً منذ عدة قرون," أجاب أرجون. "هل يمكن تغيير القدر؟ من جهة كلّ شيءٍ مقدرٌ بشكل مسبق. ومن جهةٍ أخرى, لدينا حريّة التصرف, خياراتنا أيضاً تحدد مصيرنا. في الظاهر يبدو من المستحيل لهذين الأمرين, القدر والإرادة الحرة, العيش معاً وجنباً إلى جنب, و لكنهم في الواقع كذلك. عندما يتقابل هذان الأمران, القدر والإرادة الحرة, يتدخل السلوك البشري في الأمر هنا. لا يمكن أن يكسر القدر دائماً, ولكن يمكن مواجهته أو حتى تغييره, من خلال تضحيةٍ كبيرة أو قوةٍ ضخمة من الإرادة الحرّة. مع أنّه في أغلب الأحيان يكون القدر هو المُتحكم. غالباً ما نكون نحن مجرد مشاهدين, تمّ وضعنا هنا لمشاهدة القدر يتحكم بنا. نعتقد أنّ لنا دوراً في هذا, ولكن في الحقيقة ليس كذلك. نحن في الغالب مجرد مراقبين و لسنا مشاركين.
"إذا كان الأمر كما تقول لماذا الكون يتكّلف عناء إظهار بعض النّذر أو الفأل لنا, إذا لم يكن هناك أيّ شيءٍ يمكننا القيام به حيال ذلك؟"
التفت إليه أرجون وابتسم.
"أنت صبيٌّ متسرع, سوف أخبرك. في الغالب تظهر لنا هذه الدلائل كي نعدّ أنفسنا. يتمّ إظهار مصيرنا لكي نأخذ بعض الوقت للاستعداد. في بعض الأحيان, أو حتى نادراً, نُعطى بعض العلامات كي نتمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة, لتغيير الذي سيحصل. ولكنّ هذا أمرٌ نادرٌ جداً."
"هل صحيح أن ثعبان الزيزفون يُنبّأ موت؟"
نظر إليه أرجون بتمعّن.
"إنه كذلك, ذلك صحيح دون أيّ احتمالٍ آخر." قالها أخيراً.
خفق قلب تور بشدّة مع هذه الإجابة, لقد تأكدت مخاوفه. وتفاجأ أيضاً من إجابة أرجون الدقيقة هذه.
"لقد واجهت واحداً اليوم, ولكن لا أعرف من الذي سيموت. أو إذا كان هناك بعض الإجراءات التي يمكنني اتخاذها لمنع ذلك. أريد إخراج هذا الأمر من ذهني ولكنني لا أستطيع, دائماً صورة ذلك الثعبان تبقى عالقةً في رأسي. لماذا؟"
غرق أرجون في التفكير لبعض الوقت, ثمّ تنهّد.
"إنّ من سيموت, سيكون له تأثير مباشرٌ عليك. سوف يكون لذلك تأثيرٌ على مصيرك."
كان تور يزداد انفعالاً, شعر أنّ كل إجابةٍ تولد لديه المزيد من الأسئلة.
"و لكن هذا ليس عدلاً, أريد أن أعرف من الذي سيموت. أريد تحذيرهم."
ببطء, أومأ أرجون برأسه بالنفي.
"قد يكون الأفضل لك ألّا تعرف من, و إذا عرفت من الممكن أن تبقى غير قادرٍ على فعل شيءٍ حيال هذا الأمر. لقد وجد الموت فريسته, حتى لو قمت بتحذير ذاك الشخص."
"إذاً لماذا ظهر هذا النذر لي؟ و لماذا لا يمكنني إخراجه من رأسي؟" سأل تور و هو متضايقٌ من الأمر.
خطى أرجون عدة خطواتٍ إلى الأمام باتجاه تور, أصبح قريباً جداً و على بُعد عدة بوصاتٍ فقط. شدة بريق عينيه كانت تجعلهما لامعتين في هذا المكان الخافت, كان ذلك يخيف تور. كان مثل النظر إلى الشمس, و لم يكن بإمكان تور فعل شيءٍ سوى النظر إليهما. رفع أرجون إحدى يديه و وضعها على كتف تور, كانت باردةً جداً و أرسلت قشعريرةً سرت في جسم تور.
"أنت شاب," قال أرجون ببطء. "أنت لا تزال تتعلم, و أنت تشعر بشيءٍ عميقٍ جداً في داخلك. رؤية المستقبل مكافأةٌ كبيرة, و لكن يمكن أن تكون نقمةً كبيرةً أيضاً. معظم الناس يعيشون دون أيّ إدراكٍ لمصيرهم, وليس لديهم أي وعيّ لذلك. في بعض الأحيان يكون الشيء الأكثر إيلاماً هو أن تكون على بينةٍ من قدرك, على بينةٍ بما سيحصل. أنت حتى الآن لم تبدأ بفهم قدراتك, و لكنك ستفهم ذلك في يومٍ ما. بمجرد أن تفهم من أين أنت؟"
"من أين أنا؟" سأل تور بتعجب.
"وطنك الأم, بعيدٌ من هنا. من وراء وادي كانيون, من المناطق الخارجية للبراري. هناك يوجد قلعة, مرتفعةٌ في السماء. تقبع وحيدةً هناك على منحدر, و للوصول إليها أنت تمشي على طول طريق حجري متعرج. إنّه طريقٌ سحريّ, يشبه الصعود إلى السماء, إنّه مكانٌ للقوى العميقة. ذاك هو المكان الذي نتحدر منه. من المستحيل أن تفهم كل شيءٍ تماماً حتى تصل إلى ذاك المكان. وبمجرد قيامك بذلك, سوف تحصل على إجاباتٍ لجميع أسئلتك."
رمش تور بعينيه, وعندما فتحهما وجد نفسه واقفاً خارج كوخ أرجون, وهو في دهشة. ليس لديه أيّة فكرةٍ كيف حصل ذلك و وصل إلى هنا.
كانت الرياح تدخل إلى حلقه الجاف, وهو يحدق بعينيه نصف المغمضتين بأشعة الشمس القويّة.
وبجانبه كان يقف كروهن وهو يزمجر.
استدار تور و رجع إلى باب كوخ أرغون, و قرع الباب بكل قوّته. ولم يأتي أيّ ردٍ من الداخل سوى الصمت.
"أرغون!" صرخ تور عالياً.
و لكن لم تأته إجابةٌ سوى من صفير الرياح.
حاول أن يفتح الباب, وضع كتفه عليه و دفعه بقوة, ولكن الباب لم يتزحزح من مكانه أبداً.
انتظر تور وقتاً طويلاً, لم يكن متأكداً من الوقت الذي انتظره حتى في النهاية جاءت نهاية النهار. و أخيراً أدرك أن وقته هنا قد انتهى.
التفت تور و بدأ بالمشي مرةً أخرى إلى نهاية المنحدر الصخري, وهو يتساءل عن الذي حصل معه. كان يشعر بالغموض أكثر من أيّ وقتٍ مضى, و شعر أيضاً بأنّ هناك موتٌ قادمٌ لا محالة ولكنه عاجزٌ عن فعل أيّ شيءٍ مقابل ذلك.
وبينما كان يقطع هذا المكان الموحش ماشياً على قدميه, بدأ يشعر ببعض البرد الذي يسري في كاحليه و رأى أن الضباب بدأ يتشكل أيضاً. ارتفع الضباب عالياً و ازداد سمكاً أكثر من أيّ لحظةٍ مضت. لم يفهم تور ما الذي كان يحدث, بينما كروهن يأن بجانبه.
حاول تور زيادة سرعته, لمتابعة طريقه إلى أسفل الجبل, ولكن خلال عدة دقائق ازداد الضباب الذي كان في المكان جداً, وأصبح بالكاد يستطيع أن يرى ما أمام عينيه. وفي نفس الوقت أحسّ أن أطرافه تصبح ثقيلةً جداً و السماء تصبح مظلمةً, كما لو كان ذلك بفعل سحرٍ ما. شعر تور بأنّ طاقته استنزفت ولم يعد بإمكانه المشي أيّ خطوةٍ أخرى. أحيط تور بكرةٍ لولبيةٍ على الأرض, تماماً حيث كان يقف, تلفه بضبابٍ كثيف. حاول أن يفتح عينيه, كي يتحرك من مكانه, و لكنه لم يستطع أبداً. وخلال لحظات كان غارقاً في نومٍ عميق.
*
رأى تور نفسه واقفاً على أحد الجبال, و هو يحدق بمملكة الطوق بكاملها من هذا المكان المرتفع. أمامه كان البلاط الملكي و القلعة و الحصون و الحدائق و الأشجار و التلال على مدّ عينيه, جميعها كانت مزهرّةً بشكل كامل. كانت الحقول ممتلئةً بالفواكه و الأزهار الملونة, وكان هناك صوت موسيقى و احتفالات,ولكن بينما كان تور يحدّق بكلّ شيءٍ حوله, بدأ العشب يتحول إلى اللون الأسود, والفواكه تتساقط عن الأشجار, ثمّ الأشجار نفسها ذبلت إلى لا شيء. جميع الأزهار ذبلت إلى أوراقٍ جافة صغيرة, و مما زاد رعبه, أحد المباني التي كانت أمامه بدأت بالانهيار. بدأت المملكة كلها بالتداعي و تحولت إلى خراب و أكوام من الحجارة و الركام.
نظر تور إلى الأسفل و رأى ثعبان زيزفون ضخمٍ جداً يسعى بين قدميه فجأة. كان واقفاً هناك دون حولٍ ولا قوة, والثعبان يلتف حول ساقيه ثمّ وسطه ثمّ ذراعيه. شعر بنفسه يبدأ بالاختناق, وبدأ يفارق الحياة. بينما كان الثعبان قد لفّه كاملاً و هو يرفع رأسه ويضع وجهاً لوجه أمام تور على بعد عدة بوصات فقط وهو يهسهس, ولسانه الطويل يقترب ويلمس خدّ تور. وبعد ذلك, فتح فمه بأقصى ما يستطيع, وكشف عن أنيابه الضخمة ثمّ اقترب إلى الأمام وابتلع رأس تور.
صرخ تور بشدّة, بعدها وجد نفسه يقف وحيداً داخل قلعة الملك. كان المكان فارغاً تماماً, لم يترك أيّ كرسي أو شيءٍ في مكانه. كان سيف القدر موضوعاً على الأرض, دون أن يمسّه أحد. النوافذ جميعها محطمة, و الزجاج الملون مرمىً على الأرض. سمع تور صوت موسيقى من بعيد, التفت نحو الصوت ومشى باتجاهه, غرفةً فارغةً تلو غرفة. وأخيراً وصل إلى بابٍ مزدوجٍ ضخم, طوله مئة قدم, قام بفتحه بكلّ قوته.
وقف تور عند مدخل قاعة الولائم الملكية. امتدت أمامه طاولتان ضخمتان من الولائم, على طول الغرفة, بفيض من الطعام المتنوع, ولكنها خاليةً من الرجال. في نهاية القاعة البعيدة كان هناك رجلٌ واحد, الملك ماكجيل. يجلس على كرسيه ويحدق بتور من بعيد, لقد بدا بعيداً جداً.
شعر تور أنه يجب عليه الذهاب إلى الملك. بدأ بالمشي عابراً القاعة الكبيرة نحوه, بين طاولتي الولائم الكبيرتين. بينما كان يمشي, كان جميع الطعام الذي على جانبيه يصبح فاسداً, مع كل خطوةٍ كان يخطوها, كان يتحول إلى الأسود ويغطى بالذباب على الفور. حلق الذباب في المكان كله فوق الطاولات, وهو يتغذى بذلك الطعام الفاسد.
مشى تور بسرعةٍ أكبر. حين أصبح بينه وبين الملك بالكاد عشرة أقدام, ظهر أحد الخدم فجأةً, خرج من أحد الغرف الجانبية حاملاً بيده كأساً ذهبياً من النبيذ. كان الكأس مميزاً جداً, مصنوعٌ من الذهب الخالص و مرصّعٌ بصفوف من الياقوت و المرجان. رأى تور ذلك الخادم يمسك يسكب بعض المسحوق الأبيض داخل الكأس و أدرك أنّ ذلك كان سُماً, بينما لم يكن الملك يرى أيّ شيءٍ من ذلك.
أحضر الخادم الكأس إلى الملك, تناول ماكجيل ذاك الكأس بكلتا يديه.
"لا!" صرخ تور.
اندفع تور إلى الأمام بسرعة, محولاً ضرب كأس النبيذ بعيداً عن يديّ الملك.
لكنه لم يصل باللحظة المناسبة, كان قد شرب ماكجيل الكأس دفعةً واحدة. انسكب بعض الشراب على أسفل ذقنه وعلى صدره, كان قد شرب الكأس كاملاً.
رفع ماكجيل رأسه و نظر إلى تور, و فتح عينيه جداً. رفع الملك يديه إلى الأعلى و أمسك برقبته, كان الملك يختنق. أمال الملك رأسه مغمياً عليه و مال إلى اليمين ثمّ سقط عن كرسيه. نزل على الأرض الحجرية الصلبة, بينما سقط تاجه عن رأسه على الأرض مع صوت رنّة, ثمّ تدحرج عدة أقدام.
كان الملك يرقد هناك, بلا أيّ حراك وعيناه جاحظتان, لقد كان ميتاً.
هبط إيستوفيليس إلى الأسفل منقضاً على رأس ماكجيل. وقف على رأسه و هو يحدق مباشرةً باتجاه تور وهو يزعق. كان صوته شديداً جداً, جعل قشعريرةً تسري في العامود الفقري لتور.
"لا!" صرخ تور.
*
استيقظ تور وهو يصرخ بشدّة.
جلس فوراً وهو ينظر في المكان حوله, كان يتعرق بشدّة ويتنفس بصعوبة. كان تور يحدّق بكلّ شيءٍ حوله, محاولاً معرفة مكان وجوده. كان لا يزال ملقاً على التلّة التي عليها كوخ أرجون. لا بدّ أنّه غطّ بنومٍ عميقٍ هنا. كان الضباب قد تلاشى و رأى أن الفجر قد بدأ بالبزوغ. كانت الشمس الحمراء تظهر في الأفق بلون الدم وتضيء كلّ شيءٍ أمامه. بجانبه كان كروهن يتأوه, قفز إلى حضنه, وأخذ يمسح بيده على وجه تور.
احتضن تور كروهن بيدٍ واحدة بينما كان يتنفس بصعوبة, محاولاً معرفة إذا كان استيقظ أو أنّه ما زال في الحلم. أخذ ذلك وقتاً طويلاً ليتأكّد تور أنّ ذلك كلّه كان مجرد حلم, لقد شعر أنّه كان واقعياً جداً.
سمع تور صوتاً من خلفه, استدار و رأى إيستوفيليس جاثماً على صخرة بالقرب منه, مجرد قدمٍ واحدةٍ بينهما. كان الطائر الكبير ينظر باتجاهه مباشرةً, ثمّ صاح مراراً و تكراراً.
أرسل ذاك الصوت قشعريرةً في جسم تور, لقد كان نفس الصوت الذي في الحلم. وفي تلك اللحظة علم تور, بكل خليةٍ في جسمه, بأنّ هذا الحلم كان رسالة.
الملك على وشك الموت مسموماً.
قفز تور على قدميه وانطلق مسرعاً باتجاه أسفل الجبل, متوجهاً إلى البلاط الملكي مع أشعة الشمس الأولى. كان يجب عليه الوصول إلى الملك بأقصى سرعةٍ ممكنة. يجب عليه تحذيره. من الممكن أن يعتقد الملك أنّه مجنون, و لكن ليس لديه خيارٌ آخر. سيفعل كلّ ما بوسعه لإنقاذ الملك.
*
ركض تور عبر الجسر المتحرك, متجهاً نحو بوابة القلعة الخارجية, و لحسن الحظ تعرّف عليه الحارسين الذين كانا على البوابة, كانا معه في الفيلق, و سمحا له بالمرور بدون أن يتوقف. استمر تور بالركض بسرعة, و كروهن يركض إلى جانبه.
انطلق تور عبر الفناء الملكي, مجتازاً النوافير الكبيرة, و ركض مباشرةً باتجاه البوابة الداخلية للقلعة. وقف هناك أربعة حرّاسٍ يمنعونه من إكمال طريقه.
توقف تور وهو يلهث.
"ما الغرض من مجيئك أيها الفتى؟" سأله أحدهم.
"أنت لا تفهم, عليكم أن تسمحوا لي بالدخول. أريد أن أقابل الملك." قال تور لاهثاً.
نظر الحراس إلى بعضهم, مشكّكين بالأمر.
"أنا تورجرين, من فيلق الملك. يجب عليكم أن تسمحوا لي بالعبور."
"أنا أعرف من يكون," قال أحدهم متحدثاً إلى باقي الحراس. "إنّه واحدٌ منا."
ولكن الحارس الذي كان يترأسهم وقف أمامه وسأله, "ما الذي تريده من الملك؟"
كان تور لا يزال يلتقط أنفاسه بصعوبة.
"أمرٌ ملحٌ جداً, يجب أن أراه في الحال."
"حسناً, أعتقد أنّه لا يعلم بمجيئك, و أنت ليس لديك معلوماتٌ كافيةٌ. ملكنا ليس هنا, لقد غادر مع موكبه منذ عدة ساعات, من أجل بعض الأعمال في المملكة. ولن يعود حتى الليل, حتى وقت الوليمة الملكية."
"الوليمة؟" سأل تور وقلبه يخفق بشدّة. لقد تذكر حلمه, الطاولات و والولائم, شعر أنّ كل ذلك أمام عينيه.
"نعم, الوليمة. إذا كنت من الفيلق, أنا متأكدٌ أنك ستكون هناك. ولكن الملك ذهب الآن, ولا يوجد طريقةٌ يمكنك رؤيته بها. عُد في الليل, مع البقية."
"ولكن يجب أن أوصل له رسالة, قبل وقت الوليمة!" قال تور بإصرار.
"يمكنك أن تترك الرسالة معي إذا أردت, و لكنني لن أتمكن من إيصالها أسرع منك."
لم يكن تور يريد أن يترك رسالة كهذه مع أحد الحراس, أدرك أنه سيبدو مجنوناً بذلك. كان عليه أن يسلمها بنفسه, هذه الليلة قبل الوليمة. كان تور يصلي متوسلاً ألّا يكون الأوان قد فات.
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل السابع والعشرون من رواية السعي من أجل البطولة | مورغان رايس
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
اقرأ أيضا: رواية أميرة القصر بقلم مايسة ريان
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا