مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الخيالية و روايات مترجمة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل العشرون من رواية مسيرة الملوك وهي الكتاب الثاني من "سلسلة طوق الساحر" للكاتب مورغان رايس وهي السلسلة التي تمتلك كل المقومات لتحقيق النجاح.
سنغوص سويا داخل سلسلة طوق الساحر وعبر أجزائها المتتالية في عالم من المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة, تابع الجزء الأول: رواية السعي من أجل البطولة.
سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. لذلك نوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية.
رواية مسيرة الملوك | مورغان رايس - الفصل العشرون
رواية مسيرة الملوك لـ مورغان رايس |
رواية مسيرة الملوك | مورغان رايس (الكتاب الثاني في "سلسلة طوق الساحر")
الفصل العشرون
وقفت جوين على الشاطئ الرملي حيث كانت تصطدم أمواج المحيط قريبة جداً من قدميها, موجات شرسة ضخمة تضرب ساقيها بقوة تجعلها تتمايل. وقفت هناك, تفقد توازنها بينما تشاهد السفينة الضخمة تستعد للإبحار مقابلها. تور يقف على رأسها ملوحاً. على كتفه وقف إيستوفيليس الذي كان يحدق مع نظرة مشؤومة جعلت جوين تشعر بالقشعريرة.كان تور يبتسم وبينما كانت تشاهده, سقط سيفه من وسطه ووقع في البحر. الغريب أنه لم يلاحظ وبقي يبتسم ويلوح, حينها شعر بالرعب عليه.
البحر كان هادئ جداً, ثم فجأة تحول من اللون الأزرق الكريستالي إلى الرغوة السوداء. بينما كانت تشاهد, هُزت السفينة بعنف وارتطمت بها الأمواج. كان تور لا يزال واقفاً هناك يبتسم ويلوح لها وكأن شيء لم يحدث. لم تستطع فهم ما كان يجري. كانت خلفه السماء صافية ثم منذ لحظة فقط تحولت إلى القرمزي وحتى الغيوم نفسها بدت وكأنها الزبد من الغضب. أضاء البرق السماء في كل مكان وبينما كانت تشاهد اخترقت صاعقة الشراع. في لحظات اشتعلت سفينة تور. أصبحت السفينة في النار. أسرعت, أبحرت بعيداً أسرع وأسرع و مضت في البحر من خلال التيارات الضخمة.
"تور!" صرخت جوين.
صرخت مرة أخرى بينما كانت السفينة تصبح كرة من اللهب وتمضي في سماء حمراء داكنة. و تختفي في الأفق.
نظرت إلى الأسفل واصطدمت موجة بها وارتفعت حتى صدرها, ودفعتها على ظهرها. مدت يدها للإمساك بشيءٍ ما, ولكن لم يكن هناك أيّ شيء. أحست بنفسها تُسحب إلى المحيط أسرع وأسرع والتيارات تستهلك قواها, حينها جاءت موجة ضخمة أخرى واصطدمت بها عند وجهها تماماً.
صرخت جوين.
فتحت عينيها ورأت نفسها واقفة في غرفة والدها في منتصف الليل, وقد كانت الغرفة فارغة وباردة وقد اصطفت المشاعل على الحائط, مشاعل كثيرة جداً, تومض معاً. كان في الغرفة شخص ما يقف على حافة النافذة, ظهره باتجاهها. لقد شعرت فورا بأنه كان والدها, كان يرتدي الفرو الملكي وعلى رأسه التاج. وقد بدا أكبر مما كان في أي وقت مضى.
"أبي ؟" سألت بينما كانت تقترب.
ببطء, التفت و نظر إلى وجهها. لقد أصيبت بالرعب. كان وجهه نصف هيكل عظمي, عيونه جحظت من مقلتيها ولحمه تحلل. كان ينظر في وجهها مع نظرة رعب ويأس بينما مد يداً واحدة.
"لماذا لم تنتقمي لموتي ؟" قال مشتكياً.
تنفست جوين وقد اشتعل صدرها مرتعبة بينما هرعت نحوه.
بدأ يلتفت إلى الوراء, استطاعت إمساك يده ولكن بعد فوات الأوان. سقط ببطء, إلى الوراء, من النافذة.
صرخت جوين وركضت إلى الأمام, وتخرج رأسها لتشاهد. سقط والدها إلى الأسفل نحو الظلام, واستمر في السقوط. ابتعد قاع الأرض, وبدا أنه يقع في أحشاء الأرض. لم تسمع صوتاً لسقوطه أبداً.
سمعت جوين ضجيجا صاخباً, التفت و تفحصت الغرفة الفارغة, كان هناك تاجه. يبدو أنه سقط عن رأسه, والآن يتدحرج أمامها على جانبه, عبر الغرفة مما يصدر صوت معدنٍ أجوف. تدحرج في دوائر بصوت أعلى وأعلى. حتى استقر في النهاية هناك على الأرضية الحجرية العارية.
"انتقمي لي!"
استيقظت جوين, قامت وجلست على السرير, تتنفس بصعوبة. فركت عينيها و قفزت من الفراش, تسرع نحو النافذة, في محاولة للخروج من ذلك الكابوس المرعب. أخذت مياه بارده من وعاء صغير عند النافذة ورشت وجهها عدة مرات ثم نظرت بعيداً.
كان الفجر, وكان البلاط الملكي هادئاً, الضوء بدأ يظهر من أول ارتفاع للشمس. شعرت جوين أنها كانت أول من استيقظ في هذا الوقت. كان حلماً مروعاً, أشبه ما تكون بالكابوس, خفق قلبها جداً بينما كانت تردد ذلك. تور يموت على تلك السفينة. كانت تشعر وكأنها رسالة, وكأنها رؤية للمستقبل. لقد كُسر قلبها لأنها شعرت بيقين أنه سيكون ميتاً في وقت قريب. ومن ثمّ صورة والدها الفظيعة والهيكل العظمي المتحلل, توبيخه لها. كانت جميع الصور حقيقية حتى أنها لم تستطع العودة إلى النوم. كانت تعبر غرفتها مجيئة وذهاباً وهي لا تعرف ما يجب القيام به.
من دون تفكير, بدأ تلبس ثيابها قبل وقتها المعتاد بكثير. شعرت أنها يجب أن تفعل شيئاً, أي شيء. كل ما بوسعها للعثور على قاتل والدها.
*
بينما كان يسير في أروقة القلعة الفارغة في ضوء الصباح الباكر, كان غودفري واعياً ووحيداً على حد سواء للمرة الأولى منذ سنوات, كان شعوراً غير مألوف. إنه لا يستطيع أن يتذكر متى كان آخر يوم قضاه دون شرب أو متى قضى بعض الوقت وحده, لا يحيط به أصدقاءه وهم في حالة سكر. مشاعر الوحدة والوعي كانا جديدان بالنسبة له , حينها أدرك أن هذا ما يشعر به معظم الناس بينما يعيشون حياتهم الطبيعية. كان الأمر فظيعاً ومملاً. كان يكره ذلك وأراد أن يركض عائداً إلى البار إلى أصدقاءه ليذهب كل شيء بعيداً, لم تكن الحياة الحقيقة قد خُلقت له.
ولكن للمرة الأولى في حياته, رفض غودفري الاستسلام لمشاعره لم يكن يعرف ما هو الشيء الذي تغلب على ذلك, ولكن مراقبة والده و هو يتم إنزاله إلى تحت التراب قد غيرت شيئاً فيه, أثارت شيئاً ما في داخله. كان كالمرجل الذي يغلي على نار هادئة. كان يشعر بشعور سخط وعدم ارتياح لم يعرفه من قبل. لأول مرة التفت إلى نفسه وأعاد تقييم نفسه بشكل قاسي, كيف عاش حياته وكيف سينفق ما تبقى منها, وحين نظر إلى نفسه في المرآة بصدق , لم يعجبه ما شاهده.
نظر غودفري إلى أصدقاءه بعيون جديدة أيضاً, ولم يعد يتحمل رؤية وجوههم مرة أخرى. الأهم من ذلك كله, نفسه. هذا الصباح, للمرة الأولى كان طعم النبيذ مقززاً, للمرة الأولى منذ فترة لم يعد يتذكر طولها, كان لديه رأس واع وعقل موجود. لقد كان يحتاج للتفكير بوضوح اليوم, بحاجة لاستدعاء كل ذكاءه. لأن هناك شيئاً ما يشتعل داخله, شيءٌ لم يفهمه تماماً, شيء يقوده ليجد قاتل والده.
ربما كان ذنبه الذي حمله, علاقته التي لم تصلح مع والده. في بعض الجوانب رأى أن لديه فرصة للحصول على رضا والده أخيراً, ربما ليدافع عن نفسه أيضاً, دفاعاً عمّا فعل إلى الآن في حياته.
احترق غودفري أيضاً مع الظلم في كل ذلك. كان يكره فكرة أن أخيه غاريث يجلس على العرش. كان غاريث دائماً صاحب مكائد وإنساناً لعوباً ونذلاً بدم بارد, لا يوجد عنده حب لأحد غير نفسه. لقد لاحظ الشر الذي يشع من عيون غاريث وكأنه شيء من أعماق الأرض. كان هو رجل يعشق السلطة ويريد الهيمنة على الآخرين. عرف غودفري أن غاريث كان قذراً. وقد شعر أن له علاقة بمقتل والده.
صعد غودفري خطوات أخرى والتفت إلى ممر آخر, بينما كان يسير في الممر الأخير المؤدي إلى غرفة والده شعر بالبرد يجري في عروقه. لقد مرت ذكريات حديثة جداً على رأسه, بينما كان يقترب من غرفة والده, عن استدعاءه من قبله, وتأنيبه له. كان دائماً يكره السير في هذا الممر المؤدي إلى غرفته.
الغريب أنها الآن أسفرت عن إحساس مختلف, كان مثل المشي في قاعة أشباح. كان يمكنه الشعور بوجود والده العالق مع كل خطوة كان يخطوها.
وصل غودفري إلى الباب الأخير, و وقف أمامه. لقد كان باباً مقوساً كبيراً, سمكه قدم واحدة, وبدا أن عمره ألف سنة. حينها تساءل عن عدد ملوك ماكجيل الذين استخدموا هذا الباب. كان من الغريب أن يراه بهذا الشكل بدون حراسة. لم يره غودفري بدون حرس ولا حتى مرة في حياته. كما لو أنه لا يوجد أحد يهتم بأن والده كان موجوداً في يوم من الأيام.
كان الباب مغلقاً, اقترب غودفري ,أمسك مقبضه الحديدي و دفعه. فتح الباب مع صوت صرير قديم, تقدم غودفري نحو الداخل.
الشيء الذي كان أكثر غرابة في هذه القاعة الفارغة, أنها ماتزال نشطة بحيوية والده. كان السرير ما يزال مسوًاً وملابس والده قد ألقيت عليه, عباءته ما تزال معلقة في الزاوية البعيدة والأحذية بجانب الموقد. كانت النافذة مفتوحة ونسيم الصيف المفاجئ قد اقتحمها, شعر غودفري بالقشعريرة, كان يشعر بأن والده واقفٌ هناك, أمامه تماماً. كان النسيم يحرك الأغطية المعلقة فوق السرير بأربعة أعمدة, لم يكن متأكدا ولكنه شعر بأن ذلك كان والده يتحدث إليه. شعر غودفري بأنه مرهق بحزنه.
سار غودفري عبر الغرفة, يشعر بقشعريرة عند التفكير بأن هذا المكان الذي اغتيل فيه والده. لم يكن يعرف ما الذي كان يبحث عنه بالضبط ولكنه شعر بأن هنا حيث حدث ما حدث, سيكون المكان المناسب للبدء. ربما كان هناك شيء صغير غير واضح يمكن أن يساعد. لقد افترض أن المجلس قام بتمشيط هذه الغرفة أكثر من مرة. لكنه أراد أن يحاول. إنه يحتاج إلى المحاولة, من أجل نفسه.
ولكن بعد دقائق من التجول في الغرفة, لم يرى أي إشارات لهذا.
"غودفري؟ " جاء صوت امرأة.
تفاجأ غودفري. لم يكن يتوقع وجود شخص آخر معه. التفت ورأى شقيقته الصغرى, جويندولين.
"لقد أخفتني," قال ونفخ بتذمر. "لم أكن أعرف أنه يوجد شخص غيري هنا."
"أنا آسفة," قالت و تقدمت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها. "لقد كان الباب مفتوحاً, لم أتوقع وجودك هنا أيضاً."
تقلصت عيناه وهو يتفحصها, لقد بدت ضائعة ومضطربة.
"ماذا تفعلين هنا ؟ " سأل.
" كنت سأسألك السؤال نفسه," أجابت. "إنه وقت مبكر جداً, يبدو كأن قدميك قادتاك إلى هنا, مثلي."
نظر غودفري في كل الاتجاهات, بحثاً عن اشارات على مراقبة أي شخص أو استماعه. وأدرك كم كان مذعوراً ومجنوناً بالارتياب. ببطء وحذر أومأ لجويندولين.
لقد كان غودفري يهتم دائماً لأمر جوين, كانت الوحيدة التي لم تحكم عليه من بين إخوته. كان دائماً يكنّ لها التقدير لمدى حساسيتها وتعاطفها معه. كان يشعر دائماً أن من بين جميع أفراد أسرته, كانت الوحيدة التي يمكن أن تصدقه, أن تعطيه فرصة ثانية. وشعر أن بإمكانه أن يقول لها أي شيء من دون خوفه من الانتقام.
"أنتِ على حق," أجاب. "لقد شعرت بأني مدفوع للمجيء إلى هنا. في الواقع, كنت أفكر بشيء آخر أيضاً."
"شعرت بذلك أيضاً," قالت. " لقد كان موته مفاجئاً للغاية, وعنيفاً جداً. أجد صعوبة في الاسترخاء والاستمتاع في الحياة حتى أعرف بأننا وجدنا قاتله. لقد رأيت حلماً رهيباً, وهذا ما قادني إلى هنا."
أومأ غودفري. لقد فهم ما قالته.
شاهد جويندولين بينما كانت تسير في الغرفة, وتنظر إلى كل شيء. كان يمكن أن يرى الألم في وجهها, وأدرك كم هو مؤلم هذا بالنسبة لها أيضاً. في النهاية كانت هي الأقرب إلى والدهم, أقرب من أي منهم.
"اعتقدت أنه ربما بالمجيء إلى هنا سأستطيع إيجاد شيء ما," قال غودفري, بينما كان يدور في الغرفة مرة أخرى, ويبحث في كل زاوية, تحت السرير ومن خلال كل التفاصيل. "ولكن ليس هناك شيء واضح".
استطلعت الغرفة بنفسها وهي تمشي ببطء.
"ما هذه البقع؟" سألت.
التفت وسارع نحو المكان التي كانت تنظر إليه. على الحجر المظلم, كان هناك أثر خفيف لبقعة. سارا نحو النافذة, متبعين الطريق. حين دخلت أشعة الشمس استطاعا رؤية ذلك بوضوح أكثر, كانت بقع دم. شعر بالقشعريرة. غطت البقع الأرضيات والجدران, وأدرك أنها كانت لوالده.
" من المؤكد أنه كان صراعاً عنيفاً," قالت وهي تسير في جميع أنحاء الغرفة.
"هذا فظيع," قال.
"لا أعرف بالضبط ما الذي كنت آمل أن أجده هنا," قالت. "لكن أعتقد أنها مضيعة للوقت, لا أرى شيئاً."
"وأنا أيضاً," قال غودفري.
"ربما هناك أماكن أفضل للبحث," قالت.
"أين؟" سأل غودفري.
قالت "أينما كان, ليس هنا."
شعر غودفري بنسيم بارد آخر, ورعشة يبدو أنها لن تتركه. كانت تتغلب عليه رغبة بمغادرة هذه الغرفة, وكان يرى في عيون جوين أنها شعرت بنفس الشيء.
التفت الاثنان معاً وتوجها نحو الباب.
ولكن بينما كان غودفري متجه نحو الباب, فجأة شيءٌ ما لفت انتباهه وجعله يتوقف.
"انتظري," قال, "انظري هنا."
التفتت جوين ونظرت, لحقت به بينما كان يسير عدة خطوات عبر الغرفة, نحو الموقد. وصل وأشار بإصبعه نحو بقعة دم على الحائط".
"هذه البقعة ليست مثل البقع هناك," قال. وأضاف "إنها في جزء آخر من الغرفة, وتبدو بشكل أخف."
تبادلا نظرة الحيرة بينما فحص كلٌّ منهما الجدار عن كثب.
"يمكن أن تكون من سلاح الجريمة," أضاف. "ربما حاول أن يخفيه في الجدار."
تحسس غودفري الحجارة, وشعر بأن واحدة منها مفكوكة, ولكنه لم يجد شيئاً. توقفت جوين بعد ذلك وأشارت نحو الموقد.
"هناك," قالت.
نظر غودفري لكنه لم يرى شيئاً.
"بجانب حفرة الموقد. هل ترى ذلك؟" ذلك الثقب في الجدار. إنه مزلق, مزلق النفايات."
"ماذا في ذلك؟" سأل.
"هذه البقع من الخنجر. إنها تحيط به. انظر إلى سقف الحفرة."
جلسا على ركبهم ونظرا عن كثب, كان مندهشاً حين أدرك أنها كانت على حق. أن البقع تؤدي مباشرة نحو المزلق.
"الخنجر جاء خلال هذا الطريق," استنتجت. "لا بد أنه ألقاه في المزلق."
التفت كلاهما ونظرا إلى بعضهما البعض, لقد عرفا أين يجب أن يذهبا.
"حجرة النفايات," قال غودفري.
*
انتهى طريق غودفري وجويندولين إلى سلالم القلعة الضيقة الحجرية, أعمق وأعمق في أحشاء القلعة, أعمق في واقع لم يسبق لغودفري أن شعر به. حين بدأ يشعر غودفري بالدوران تماماً وصلا إلى باب حديدي, التفت إلى جوين.
"هذا يشبه مكان الخدم," قال. "أعتقد أن حجرة النفايات وراء هذه الأبواب."
"جربه," قالت.
اقترب غودفري وخبط بقبضته على الباب, بعد انتظار, سمع خطى. فُتح الباب أخيراً. وجه طويل مهيب يحدق بانشداه في دهشة.
"نعم؟" سأل الرجل الكبير في السن, الذي بدا بوضوح أنه كان خادماً طوال حياته.
"هل هذه غرفة النفايات؟" سأل.
"نعم," أجاب الرجل. " وغرفة المعدات للمطبخ أيضاً؟ ما هو عملك هنا؟"
قبل أن يستطيع غودفري الإجابة, ضاقت عينا الرجل, و نظر إليه بمفاجأة التعرف عليهم.
"انتظر لحظة," أضاف. "هل أنت ابن الملك ماكجيل؟" أضاءت عيناه احتراماً. "أنت هو," أجاب بنفسه. "ماذا تفعلون هنا بالأسفل؟"
"من فضلك," قالت جوين بهدوء, تقدمت إلى الأمام ووضعت يدها على معصمه. "دعنا ندخل."
رجع الرجل إلى الخلف خطوتان وفتح الباب على مصراعيه, ثم أسرعا إلى الداخل.
فوجئ غودفري بهذه الغرفة الذي لم يراها من قبل في حياته, على الرغم أنها كانت في أعماق القلعة التي عاش فيها طوال حياته. كانوا في أحشاء القلعة, في غرفة واسعة ومظلمة, مضاءة بواسطة المشاعل المتفرقة, مليئةٌ بحفر النار المشتعلة, وطاولات الإعداد الخشبية, وقدور ضخمة تغلي وضعت فوق الحفر. من الواضح أن هذه الغرفة قصد منها أن تتسع لعشرات الخدم, ولكن عدا وجود هذا الرجل, كانت فارغة.
"لقد وصلتما في وقت مبكر من اليوم," قال الرجل. "نحن لم نبدأ بعد باستعدادات الإفطار, سيصل الآخرون قريباً."
"لا بأس," أجاب غودفري. "نحن هنا لسبب آخر."
"أين هي حفرة النفايات؟" سألت جوين, من دون إضاعة الوقت.
حدق الرجل في حيرة.
"حفرة النفايات؟" ردد. "ولكن لماذا تريدين معرفة مكانها؟"
"من فضلك, أرنا مكانها فقط," قال غودفري.
حدق الخادم بوجه طويل وخدين غارقتين ثم التفت في النهاية وقادهم عبر الغرفة.
توقفوا جميعاً أمام حفرة حجرية كبيرة, داخلها يوجد ما يشبه قدراً بحجم هائل, كبير بحيث بدا أنه يتعين وجود شخصين على الأقل ليتمكنا من رفعه, وكما بدا لو أنها كانت تحتوي على نفايات القلعة بأكملها. كان هناك مزلق, الذي يجب أن يكون يؤدي إلى الأعلى. كان غودفري يستطيع شم الرائحة من هنا, وكان يرتعد.
تقدم غودفري إلى الأمام مع جوين وفحصا الجدار المحيط به بعناية. ولكن بالرغم من بذل قصارى جهدهم في ذلك, لم يروا أي بقعة ولا شيء خارج من المكان.
نظرا إلى الأسفل داخل الحاوية الكبيرة ولكنها كانت فارغة.
"لن تجدا شيئاً هنا," قال الخادم. "إنها تفرغ كل ساعة, وعلى مدار الساعة."
تساءل غودفري إذا كان كل ذلك مضيعة للوقت, تنهد وتبادل نظرة خيبة الأمل مع جوين.
"هل هذا يتعلق بسيدي؟" سأل الخادم أخيراً وكسر حاجز الصمت.
"سيدك؟" سألت جوين.
"هل هو مفقود؟" سأل غودفري.
أومأ الخادم.
"اختفى ليلة واحدة ولم يعد أبداً إلى العمل, هناك شائعات عن وجود جريمة قتل."
تبادل جوين وغودفري نظرات الشك.
"أخبرنا أكثر," قالت جوين.
قبل أن يتمكن من الإجابة, فتح الباب الخلفي, وعلى الجانب الآخر من الغرفة مشى رجل فاجأ غودفري بمنظره. كان قصيراً وعريضاً, وأكثر ما يلفت للنظر في شكله هو ظهره الملتوي والمنحني. كان يسير مع عرجة وكان رفع رأسه صعباً بالنسبة له.
وأخيراً وقف الرجل أمامهم, ينظر روحة ومجيئه بين غودفري والعبد.
"إنه لشرف كبير أنكم أنعمتم علينا بحضوركم, أسيادي." قال ذو الحدبة المقوسة.
"ستيفن يعرف عن هذه المسألة أكثر مما أعرف بكثير," أضاف الخادم الآخر, محاولاً التخلص من الأمر, من الواضح أن هذا العبد لم يحب ستيفن.
مع هذا التفت العبد وسارع في الخروج, عبر الغرفة واختفى خلف الباب الخلفي. ستيفن كان يشاهده وهو يذهب,
تبادل غودفري وجوين نظرة.
"ستيفن, هل يمكن أن نتكلم معك؟" سألت جوين بهدوء, محاولة لجعل الوضع يبدو أكثر سهولة.
حدق ستيفن فيهم بأيد ملتوية, ويبدو متوتراً جداً.
"أنا لا أعرف ما قاله لكما, ولكنه شخص يهوى الأكاذيب والقيل والقال," قال ستيفن, بشكل دفاعي. "أنا لم أفعل شيئا."
"لم نقل أبداً أنك فعلت," قال غودفري, في محاولة لطمأنته. كان من الواضح أن لدى ستيفن ما يخفيه, وأراد أن يعرف ما هو, كان يشعر أن لهذا علاقة بوفاة والده.
"نريد أن نسألك عن والدنا, الملك," قالت جوين. "حول ليلة وفاته, هل تتذكر أي شيء غير عادي في تلك الليلة؟ سلاح سقط في مزلق النفايات؟"
كان ستيفن يتلوى وينظر إلى الأرض, محاولاً عدم التقاء عيناه بأعينهم.
"أنا لا أعرف أي شيء عن أي خنجر," قال.
"من قال أي شيء عن خنجر, نحن لم نقل خنجر؟" أصر غودفري.
نظر ستيفن نظرة مذنب, وعرف غودفري أنه كان كاذباً. وأن لدى هذا الرجل شيء يخفيه بالتأكيد, لقد شعر بـأنه أكثر جرأة.
لم يجب ستيفن بشيء, استمر فقط في تمرير أصابع قدميه على الأرض وفرك يديه.
"أنا لا أعرف شيئاً," قال مكرراً. "لم أفعل أي شيء خاطئ."
تبادل غودفري وجوين نظرات معرفة أنهم وجدوا شخصاً مهماً. وكان من الواضح أيضاً أنه سيطلعهم على أشياء أكثر من ذلك, شعر غودفري بأنه يجب أن يفعل شيئاً يجعله يتحدث.
تقدم غودفري إلى الأمام, اقترب منه ووضع يده بثبات على كتف ستيفن. نظر ستيفن نظرة شعور بالذنب, وكأنه تلميذ تم ضبطه, عبس غودفري وشد قبضته هناك.
"نحن نعرف عمّا حدث لسيدك," قال مخادعاً. "والآن إما أن تقول لنا كل ما نريده لمعرفة قاتل أبينا, أو أننا سنرميك في زنزانة لا ترى النور فيها مرة أخرى, الخيار لك."
بينما كان يقف هناك, شعر غودفري بقوة والده تملأه وشعر للمرة الأولى بالقوة الكامنة في دمه, دم سلالة طويلة من الملوك. للمرة الأولى في حياته, شعر أنه قوي, واثق, جدير بالثقة, كان يشعر وكأنه ماكجيل. ولمرة واحدة في حياته, كان يشعر برضا والده.
من الواضح أن ستيفن شعر بذلك. لأنه أخيراً, وبعد فترة طويلة, عرج بتلوي. نظر إلى الأعلى, التقت عيونه بعيون غودفري, وأومأ بإذعان.
"لن أذهب إلى السجن؟" سأل. "إذا أخبرتك؟"
"لن تفعل," أجاب غودفري. "طالما أن ليس لك علاقة بمقتل والدي. أنا أعدك."
مسح ستيفن شفتيه, مفكراً, ثم أخيراً بعد وقت طويل, أومأ.
"جيد جداً," قال أخيراً. "سأقول لكما كل شيء."
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل العشرون من رواية مسيرة الملوك لـ مورغان رايس
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
اقرأ أيضا: رواية أميرة القصر بقلم مايسة ريان
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا