أصدقائي الأعزاء متابعي موقع قصص 26 يسعدني أن أقدم لكم الفصل الثالث عشر من رواية فى قلبى أنثى عبرية بقلم دكتورة خولة حمدى وهي رواية واقعية إجتماعية ممزوجة بالحب وأيضا تتسم بالكثير من الأحداث والمواقف المتشابكة التي ستنال اعجابك بالتأكيد فتابع معنا.
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الثالث عشر
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى |
رواية فى قلبى انثي عبرية - خولة حمدى - الفصل الثالث عشر
وجاكوب أيضا كان واثقا من انها ستكون في أمان مع أخته، مع أن الواقع فاق كل توقعاتهالكن أن تتخلى عنها راشيل، لتلقي بها في مكان مجهول، لم تكن لها معرفة سابقة بساكنيه،
فهو ما لم تتصوره يوما
تقوست شفتاها من الألم وامتلأت عيناها بالدمع ونظرات الرجاء.
لا يمكن أن تتركها هنا! لا يمكنإ
اجتهدت راشيل وهي تحتضن ريما بنظراتها، تحاول عبسا ان تبث في نفسها الاطمئنان.
لكن انى لها ذلك وهي نفسها لا تعلم ما الذي تخبئه لها الأيام القادمة.
قالت في صوت مرتجف مغلف بثقة زائفة:
لن تطول إقامتك هنا كثيرا... بضعة أيام فقط ريثما أنتهي من بعض الإجراءات لإعادتك إلى تونس.
وكأن راشيل إنْتَبَهَت إلى الكلمة السحرية التي تكفي لِسَلْب لب ريما وإقناعها بالمستحيل
تونس!
فقد التفتت إليها بكليتها وقد غمرت الهفة والشوق ملامحها، هتفت كأنها تتشبث ببارقة الأمل التي ظهرت لها في كلمات راشيل:
هل حقا ستعيدينني إلى تونس؟، إلى بابا يعقوب؟
عضت راشيل على شفتها في إشفاق، لكنها هزت رأسها علامة التأكيد دون تردد، لقالت وهي تعي كل ما في كلماتها من خداع وتلاعب بمشاعر الفتاة البريئة:
أيام قليلة وأعود لآخذك...
لم يكن لديها أدنى فكرة عن طول الفترة التي ستحتاج إلى إبعاد ريما فيها وإبقائها في منزل سونيا،
لكنها لم تجد حلا آخر لبعث الطمأنينة، وإن كانت مؤقتة، في نفس ريما.
تذكرت مكالمتها في الليلة السابقة مع جاكوب.
يبدو أن الأوضاع لديه لم تستقر بعد، فرغم قلقه على ريما واهتمامه لأمرها ،فإنه لم يرحب بفكرة عودتها للعيش معه.
لم تستطع أن تصارحه بالمشاكل التي حصلت مؤخرا مع زوجها ، فهو وضع ثقته فيها وا ئتمنها على الطفلة... فكيف تخبره بأن زوجها يعتدي عليها بالضرب والتعذيب الجسدي؟!
حاولت أن توضح له مقدار الغربة التي تعيشها ريما، والعزلة اللتي فرضتها على نفسها ، لكنه تهرب وراوغ معللا بأنها ستتعود بمرور الوقت
لم تستطع أن تضغط عليه أكثر، فمن منطلق معرفتها بِشَقيقِها وَبِحُبِّه الشديد لريما الصغيرة، أدركت أن دوافعه لإبعادها لا شك قوية وقاهرة.
لم تشأ أن تتدخل في علاقته مع زوجته، لكنها تعتقد في أعماق نفسها أن جاكوب أفسد تانيا بانصياعه الشديد لرغباتها ، وانحنائه أمام إرادتها باستمرار.
لم يكن سلوكه متماشيا مع العرف والعادة السائدة في المجتمعات اليهودية.
ولو أنه كان أكثر حزما معها، لما فرضت عليه أسلوبها، ولا وضعته في هذا الموقف الحرج.
لكن فيم ينفع الكلام الآن! ،فها هو يدفع الثمن غاليا للحفاظ على استقرار أسرته الصغيرة
ولا ينفع العقار فيما أفسده الدهر!
تنهدت وهي تغلق باب السيارة بعد أن نزلت ريما، وقد تغيرت نفسيتها إلى الأفضل.
ابتسمت في مرارة وهي ترى أمام عينيها تأثير كذبتها الصغيرة)) على الفتاة.
إنها تعيش اليوم على أمل الغد
كانت ندى من فتح الباب.
عانقت راشيل في ود وهي تدعوها إلى الدخول.
لم تكن قد انتبهت إلى ريما التي وقفت في خجل، مختبئة خلف قامة راشيل الفارعة.
لكن راشيل لم تفوت الموقف. كانت تعلم ان ندى هي أكثر من سيرحب بريما ويهتم بها.
فإن انزعج كل أفراد العائلة من كونها مسلمة، فإن ندى بالتأكيد لن تفعل ذلك، وارتباطها بأحمد هو خير دليل.
استدارت إلى ريما وهي تخاطب ندى:
ندى حبيبتي ،أعرفك بريما!
ابتسمت ندى وهي تتقدم نحوها وتعانقها بعفوية.
كانت تحب ملاعبة الأطفال، وريما كانت تبدو طفلة خجولة، نظرت إليها في حنان وهي تقول مداعبة:
كيف حالك يا صغيرتي؟
ضحكت راشيل حين أطرقت ريما وقد توردت وجنتاها ، قالت:
إنها ليست صغيرة إلى هذه الدرجة ،بل تصغرك بثلاث سنوات فحسب!
لم تستمر دهشة ندى طويلا، بل تداركتها وهي تقول بنفس العفوية المرحة:
إذن آمل أن نصبح صديقتين!
كانت قد علمت من والدتها البارحة بشأن الضيفة التي ستحل للإقامة عندهم لبعض الوقت .
لذلك حاولت أن تشعر ريما بالراحة منذ اللحظات الأولى. سونيا لم تنتبه كثيرا إلى كون الفتاة مسلمة وترتدي الحجاب الإسلامي، ولم تخف ذلك عن بنتيها وزوجها، لكنها لم تستطع رفض طلب راشيل اللتي بدت مرتبكة وواقعة في مأزق.
فبالإضافة إلى كون راشيل صديقتها وابنة عمها المقربة، فإسداء معروف لها في وقت حاجتها يجعلها مدينة لها في المستقبل.
وهي لن تعدم فرصة قريبة لطلب رد المعروف منها، خاصة أن زواج دانا قد اقترب.
وإقامة الفتاة عندها مؤقتا لن تكلفها الكثير.
فراشيل ستستمر في دفع مصاريفها إلى أن يأتي وقت استردادها.
لم تطرح أسئلة كثيرة بشأن علاقتها بها ، وسبب وجودها عندها، واكتفت بما تخبرها به راشيل عن يتم ريما، واضطرارها هي إلى سفر عاجل إلى تونس
فرحبت باستقبالها في فترة غيابها.
سبقتهما ندى إلى الداخل وهي تنادي والدتها، ثم قادتهما إلى غرفة الجلوس.
جلست ريما في ارتباك واضح على طرف الأريكة، وأصابعها تشد في توتر على جانب حجابها.
كان الاطمئنان الطارئ الذي انتابها منذ لحظات إثر كلمات راشيل المبشرة قد تلاشا تقريبا .
فقد عادت إلى واقعها حين وجدت نفسها بين هاؤلاء الغرباء، أيقنت هذه المرة انها ستكون وحدها بينهم بعد قليل، حين ترحل راشيل.
تجمدت ملامحها حين دخلت سونيا إلى الغرفة. ،تعرق جبينها وانحبست انفاسها حين رمتها بنظرة متعالية
في نفس الوقت الذي انفرجت فيه شفتاها عن ابتسامة صغيرة باردة. ابتلعت ريما ريقها بصعوبة وهي تطالع راشيل مجددا بنفس النظرات المستجدية.
لكن راشيل كانت منشغلة عنها بمضيفتها.
مدت أصابعها ببطء لتشد سترتها وتلفت انتباهها إليها. ،لكن يدها توقفت فجأة عن حركتها حين التقت عيناها بعيني ندى الحانيتين.
كانت ندى ترقبها في عطف، وابتسامتها الشفافة لا تفارق وجهها.
للحظات، ظلت ريما تبادل ندى نظراتها الطويلة في حيرة.
شيء ما كان يجذبها في تلك الفتاة...
كان لقاءهما الأول، لكنها كانت تشعر بالألفة تجاهها.
وكيف لا تشعر بالراحة إليها وعيناها الصافيتان تبث الدفء حولها.
وشيئا فشيئا لانت ملامح الفتاة، واسترخت عضلاتها ، وارتسم شبح ابتسامة على شفتيها
وحين بادرتها ندى في مرح: - تعالي معي أريك بتنا !
قامت معها دون تردد، وقد تناست خوفها من الغرباء.
دفع جاكوب باب المكتب في عنف. ألقى بحاملة مفاتيحه على الطاولة امامه وارتمى على مقعده الوثير في إعياء.
أخذت أصابعه تنقر على سطح المكتب في حركة عصبية توشي بتوتره.
حين سمع الخبر ذاك الصباح، تملكه الغضب واستعرت النار في داخله
كان يمكن أن يقبل كل شيء... كل شيء ، عدا أن يسخر منه!
كيف تحدته وفعلَت ذلك؟
ألا تدرك أنها بتصرفها تتحداه علنا، وتضع نفسها في مأزق حقيقي؟
قوت يومها بين يديه وهي تعول عائلة كثيرة العدد... ومع ذلك تجرؤ على السخرية منه ؟
كان قد فرض احترامه في البلدة، حتى عرف عنه الحزم والجد، لكنه عرف أيضا بالرأفة وسعة الصدر مع العاملات لديه.
فهو لم يكن يتغاضى عن التقصير،
لكنه كان يراعي الكثير من الأمور.
فمعظم العاملات مسلمات وبعضهن يضعن الحجاب. ولم يكن ذلك يهمه في شيء، طالما كان المنتج كما ينبغي.
قبلهن واحترمهن، في حين كان غيره لا يفعل... فماذا كانت النتيجة؟
لم تتأخر إحداهن عن الغدر باليد اللتي تطعمها !
أخذ نفسا عميقا ليتمالك نفسه ويسيطر على انفعالاته
ثم وقف ونادى المشرفة على المعمل.
رمى إليها ببضع كلمات سريعة، التهمتها الضوضاء المنبعثة من آلات المعمل
في المستودع الملاصق للمكتب،
لكن يبدو أن المرأة المسلمة التقطتها ، ، فأومأت برأسها وابتعدت.
أغلق الباب ليعود الهدوء إلى الغرفة.
اقترب من الواجهة م س الزجاجية ذات الطبقتين، التي تمكنه من الإشراف على ساحة العمل
دون أن يفطن إليه أحد من الجانب الآخر، م ص
ويتابع بنظراته المشرفة التي سارت حتى وصلت إلى مستوى إحدى العاملات على الآلة. تبادلت المرأتان بضع كلمات، قبل أن تنصرف المشرفة إلى عملها ، وتتحرك العاملة بخطى متثاقلة باتجاه المكتب.
أخذ نفسا عميقا ثم ارتمى على مقعده مجددا، واستوى في وضعية المدير المسيطر على الأوضاع، وانتظر دخول المرأة عليه.
كان يبدو عليها الارتباك، إذ أنها تدرك جيدا سبب طلبها.
لكنها كانت تتظاهر بالثبات واللا مبالاة.
حنجها جاكوب بنظرة طويلة فيها شيء من الازدراء والترفع، ثم قال في هدوء عجيب:
أرسلت في طلبك لأستفسر منك عما فعلته بالإنتاج الإضافي للمعمل؟
ضمت كفيها أمامها في اضطراب، وقالت في حذر:
ألم تطلب منِّي التبرع بها للأطفال المحتاجين؟
انحنى إلى الأمام في انتباه وهويهز رأسه موافقا،
وفي صوته تهكم لاذع:
نعم... وأي الجمعيات الخيرية قصدت لتوزيعها ؟
تلعثمت الكلمات على لسانها ، وأخذت تهمهم في توتر، وقد أدركت ما يرمي إليه:
فكرت أن هناك من يعرف المحتاجين أكثر مني... ف... فقصدت... إمام المسجد...
قاطعها جاكوب وهو يخبط بقبضته على سطح المكتب في انفعال:
تقصدين المسجد للتبرع بمنتجات معملي أنا؟!
هل هذا ما أفادك به تفكيرك وذكاؤك المنعدم؟
أم هو ما سولت لك نفسك إياه للسخرية منِّي والتنكيل بي؟!
انفرجت شفتا المرأة في محاولة للتبرير والتفسير،
لكن صوت جاكوب علا في ثورة غير متوقعة، وأخذ يصرخ مفجرا الغضب الذي كتمه في داخله حتى اللحظة:
-يهودي يتبرع بماله لمسجد هل سمع أحد بهذا من قبل؟
إذن فها قد حصلت السابقة منقطعة النظير، أصبحت حديث القوم وأضحوكتةتهم!
عاملة تافهة رزقها بين يدي، تتحداني وتأخذ من مالي لتملأ خزائن المسجد ...
او جيوب الإمام ربما؛ ياللسخرية!، هذا هو الإسلام وها هي أخلاق أهله!
فوجئ حين قاطعته المرأة في صلابة وحزم يختلفان عما كانت عليه من استكانة منذ لحظات:
- رزقي بين يدي الله وحده!
ولا أظنني قد فعلت ما يستوجب شَتْمي بهذا الاسلوب.
وحتى إن كنتة قد أخطأت في حقك، فإن هذا لا يعطيك حق التطاول على الإسلام!
عض على شفتيه من الغيظ، وهتف منفعلا:
- إذن رزقك ليس بين يدي؟، حسنا إذن، لا أريد ان أراك مجددا في المعمل، وسنرى كيف ستسترزقين
كانت أنفاسه تتردد بقوة في صدره، وقد عبست ملامحه وتشنجت.
لبث يحدق فيها في ترقب لثوان قليلة وقد ساد الصمت على الغرفة.
وأخيرا تحركت المرأة ، بهدوء شديد، نزعت المئزر ووضعته على المنضدة، وخرجت دون حتى ان تطالب بأجرتها على الشهر الماضي!
كان المشهد النهائي أبعد ما يكون عما توقعه.
تسمر في مكانه للحظات، لكنه أخيرا استرخى على مقعده، وهو يحاول السيطرة على انفاسه المضطربة.
سيلقنها درسا لن تنساه!، سيوصي كل معارفه بعدم تشغيلها. ،ستغلق جميع الأبواب في وجهها.
سيجبرها على العودة إليه صاغرة، ترجوه أن يعيدها إلى العمل... وحينها سيشفي غليله منها ،
سينتقم لكرامته اللتي اهينت!
تنفس الصعداء حين وصل به التفكير إلى تلك النقطة المريحة.
لكن شيئا ما في داخله كان قد اهتز. الانقلاب المفاجئ في سلوكها أدهشه.
من أين جاءتها كل تلك القوة لترد عليه بهذه الصفاقة والا مبالاه الم تكن تدرك عواقب فعلها المتسرع
هل همها الدفاع عن دينها أكثر مما اهتمت بقوتها وقوت عائلتها؟ أمر محير... امر محير بالفعل.
- ستقيمين معي في غرفتي! سيكون ذلك ممتعا؛ هتفت بذلك ندى، وهي تساعد ريما على تفريغحاجياتها في الجزء المخصص لها من الخزانة.
راقبتها ريما في امتنان. عجيب أمرهذه الفتاة، لديها قدرة مبهرة على تحويل الأمور البسيطة إلى أشياء مميزة. كما أنها لم تتوقع أن تجد منها كل ذلك التعاون وتلك الحفاوة.
تجربتها البسيطة مع من اسمتهم الغرباء» من اليهود، جعلتها تتوجس خيفة من ردود الفعل المرتقبة.
لكن تصرفات ندى فاقت كل توقعاتها... وما اكثر المفاجآت في الفترة الأخيرة!
قطع عليها تأملاتها صوت الباب وهو يفتح.
كانت دانا قد عادت للتو من السوق، فالتحضيرات جارية على قدم وساق، لزفاف البنت الكبرى...
كانت دانا قد علمت هي الأخرى بقدوم ريما، فجاءت لتحييها
لكنها تسمرت في مكانها فجأة حين وقعت عيناها على ريما الجالسة على الأرض إلى جوار ندى، وقد انهمكتا في ترتيب الملابس.
لم يكن من ضمن المعلومات القليلة اللتي وصلتها عن الضيفة، أنها مسلمة، فضلا على أن تكون منقبة!
صحيح أنها لم تهتم بالسؤال أومعرفة التفاصيل، لكن كونها من طرف الخالة راشيل جعلها تتخيل ضيفا آخر من الضيوف!
لم تكن دانا قد تجاوزت دهشتها بعد، حين تدخلت ندى لتنقذ الموقف، فقالت وهي تمسك بيد ريما وتساعدها على الوقوف:
ريما، هذه شقيقتي دانا... تكبرني بسنتين.
ثم غمزت بعينها في مرح وهي تضيف:وستتزوج قريبا!
قاطعتها دانا التي تمالكت نفسها، في جفاف :مرحبا ،ثم استدارت لتغادر الغرفة
لم يخفى على ريما جفاف لهجةدانا وبرودها،
ولا وقع المفاجأة عليها. ابتسمت في سرها وهي تفكر...
كان هذا الاستقبال الذي توقعته وانتظرانه، أكثر مما توقعت استقبال ندى!
سارعت ندى تقول في اعتذار عن تصرفات أختها غير اللائقة:
دانا متعبة من السوق بالتأكيد لكنها طيبة...
قاطعتها ريما وهي تبتسم للمرة الاولى منذ دخولها المنزل:
لا عليك... لا بأس أبدا...
ثم عادت لتجلس على الأرض، وتنهي تفريغ حقيبتهاالصغيرة تحت نظرات ندى الحائرة.
تقلب أحمد في سريره في ضيق.
مرت الدقائق طويلة والنوم يجافي جفونه.
ضغط على رأسه بالوسادة، يحاول أن يوقف الأفكار السوداء التي تئز في دماغه أزا
إحساس غريب مزعج يلازمه منذ عودته اليلة الماضية.
كانت ليلة مرهقة للأعصاب والعضلات معا
انتظار طويل على حدود الأراضي المحتلة... فعيون العدو لا تغفل.
لبث ساعات في الظلام، يعد الحركات والأنفاس في انتظار اللحظة المناسبة.
حين عم السكون المكان، وخَفَّت أصوات حرس المنطقة معلنة عن فتور المراقبة، التفت إلى الجانب الأيمن وفي ظلمة الليل الحالكة،
ميز إشارة زميله الذي يتقدم بالتوازي معه على بعد بضعة أمتار. رد إليه إشارة الاستعداد، ثم أخذ يتقدم في اتجاه الهدف. سار بخطوات مدروسة رشيقة ودون وقع.
توقف لحظة والتفت حوله. ،كل شيء يسير حسب الخطة والجميع في المواقع المحددة.
تلقى إشارة جديدة ومعها بدا العد التنازلي. تسارعت انفاسه في صدره وتكاثفت حبيبات العرق على جبينه.
كان قد تدرب على العملية مرات ومرات
حتى حفظ الخطوات عن ظهر قلب ،يمكنه أن ينتهي منها في لمح البصر
شد الحزام حول خصره، وتحسس حقيبة المعدات على ظهره، وبسرعة أخذت أصابعه تعمل بدقة ومهارة.
تخلص من حمله في ثوان معدودة، ولم يتطلب منه تركيب المصيدة سوى بضع ثوان أخرى.
نجحت المهمة!، التفت إلى الناحية الأخرى مجددا، توقيت ممتاز!
تلقى إشارة الانسحاب، ،فتحرك الجميع في نفس الإتجاه، مثل رجل واحد.
انتهى دورهم عند هذا الحد ،ساعة تقريبا تصل المجموعة الثانية التي ستنهي تنفيذ المناورة.
حسان سيكون من بين أفراد هذه المجموعة.
كان قد سبقه بأشواط في التدريب، وأصبحت تسند إليه مهام أكثر تعقيدا وخطورة.
الأسابيع التي تمت إصابته وأقعدته عن التدريب صنعت الفرق بينهما. سيلتقيان في المساء ويتحدثان مطولا عن مهمة اليوم
فيأخذ حسان مظهرا جادا ويصف أدق التفاصيل بحركات مسرحية حية، فيها شيء من الصخب والتشويق.
تلك عادته... ابتسم أحمد حين را ودته تلك الأفكار وهويبتعد بخطوات واسعة. رفع بصره إلى سماء دون نجوم. سحب الخريف غشها بطبقة رمادية خفيفة تعطي الليل لونا باردا...
تلاشت ابتسامته فجأة وانقبض صدره. ،إحساس غريب راوده وهو يتفرس في وجه السماء المكفهر.
كان قد اطمأن إلى عودة رفاقه جميعا سالمين. تبادلوأ التحية ثم افترقوإ ، ومضى كل منهم في طريقه.
هاكذا تدربوإ وتعودوا ، الا تنتهي المهمة قبل التأكد من عودة الفرقة كاملة أحياء كانوا أم أمواتا !
فالثروة البشرية هي رأس مال المقاومة الأول!
كانت خيوط الفجر الاولى قد لاحت حين بدت له أشباح القرى النائمة في الأفق.
كان قد ابتعد تماما عن الخطوط الحمراء، وصار بامكانه أن يفرد قامته بعد هرولته محني الظهر لدقائق طويلة.
ألقى نظرة سريعة شاملة إلى الخلف، ثم مضى في طريقه. تسلل خفية إلى غرفته دون أن يشعر به أحد.
كان يشعر بتعب شديد.
إندَس في فراشه يطلب النوم والراحة بعد ليلته المرهقة. ،لكن أفكاره أبت أن تهدأ
ضيقه المفاجئ تحول إلى هاجس مجهول المصدر. عقد حاجبيه وهو يستعيد تفاصيل العملية.
هل وضع الفخ في المكان الدقيق
هل كان دقيقا في عمله بما فيه الكفاية؟ ماذا لو أخطأ في ضبط التوقيت؟ ماذا لو نسي إحدى الخطوات ،مذا لو ،مذا لو
استبدت به التهيءات والمخاوف.
هز رأسه بقوة لينفض عنه الصور القاتمة، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم
مسح العرق البارد الذي ملأ وجهه، واغلق عينيه بحثا عن النعاس.
كانت حرارة الطقس مرتفعة في ذاك الوقت من السنة.
وفرار النوم من عينيه يزيد من إحساسه بلظاها ، أزاح عنه اللحاف في ملل.
لبث يحدق في السقف للحظات، ثم انقلب على جانبه الأيمن ليقابل وجهه الجدار.
احس بالاختناق...
خطرت بباله فجأة، ندى.
لقاءاتهما الأخيرة كانت مشحونة بالقلق والتوتر...
الكثير من الأسئلة والكثير من الشكوك.
هل ستقتنع يوما ؟، كان صمودها وإصرارها على رأيها يتعبانه، تماما كما تتعبه ليالي السهاد الطويلة.
عليه بالصبر والتؤدة، فالطريق ستكون طويلة ووعرة بالتأكيد.
شغلته مخططاته بخصوص علاقته بندى لبعض الوقت ، وأنسته مشاعر الإحباط اللتي قضت مضجعه وأخيرا تسلل النوم إلى جفونه، بعد أن ارتفعت الشمس في كبد السماء
فجأة، سطعت أشعة الشمس في الغرفة بقوة.
فتح عينيه مبهورا ، وغطى وجهه بذراعه.
كان قد غفا لدقائق معدودة. جاءه صوت سماح اللتي كانت قد فتحت باب الغرفة وأزا حت الستار:
- كفاك نوما... هيا استيقظ. يجب أن أقوم بتهوية الغرفة!
شد اللحاف على جسده في انزعاج، وهتف في رجاء وهو يخبي رأسه تحت الوسادة: -
سماح أرجوك... لم أنم جيدا البارحة!
كان يريد أن يقول لم أنم أبدا البارحة))، لكنه لم يرد أن تفتح معه تحقيقا لا ينتهي، كما لا يريد أن يفتضح أمره،
وتفرض عليه مراقبةمن نوع آخر
ردد بصوت خامل متعب : هيا اغلقي النافذة... اريد أن انام قليلا
كانت قد جلست على طرف السرير، وأخذت تسحب منه اللحاف.
استمر الجذب بينهما للحظات، قبل أن تقول سماح محاولة استخدام سلاح مختلف:
هل تعلم من رأيت اليوم في السوق؟، همهم في غير اهتمام:
لا يهمني...
هتفت في حماس:
-بلى،بلى...يهمك! رأيت شخصا ما...
تمتم في تهكم دون أن يلتفت إليها:
من البديهي أن تري الكثير من الاشخاص في السوق!
شدت عنه اللحاف بقوة هذه المرة وهي تهتف:
بل رأيت شخصا معينا ...، رأيت ندى! ولن أخبرك بما قالت
وجزبت منه اللحاف وابتعدت وهي تحرك حاجبيها في شماتة.
استوى أحمد جالسا في غضب، وأشار إليها مهددا بأن تعيد إليه اللحاف، ولما لم يجد منها تجاوبا، قال كأنه تذكر شيئا:
وماذا قالت؟
عبست سماح وهي تخرج لسانها في تحدي : لن أخبرك!
عقد ذراعيه أمام صدره وهو يتأفف، ثم عاد ليستلقي على السرير.
هتفت سماح مجددا حين رأت أنه سيعود إلى النوم:
قالت إنها ستأتي لزيارتنا هذا المساء!
همهم في إرهاق:طيب...
وهناك أمر آخر!
هممم
-امر مهم جدا!
انتظرت لبضع ثوان، لم يكن يسمع خلالها سوى تنفس أحمد المنتظم. حين لم يصلها منه رد، أضافت:
- كان معها شخص آخر في السوق!
أجاب في صوت واهن دون أن يفتح عينيه:
من؟
تصور، كانتؤ معها فتاة مسلمة محجبة!
قالت انها ضيفة تقيم عندهم لفترة... طلبت منها ان تحضرها معها لزيارتنا اليوم.
ما رأيك؟، -في ماذا؟
زمجرت سماح في غضب:
أنت لا تسمعني؛ فكر معي أرجوك.. لدي فكرة رائعة؛
هممم... ما هي؟
شدته سماح بعنف من قميصه وهي تزمجر في احتجاج، لكنه أزاح يدها وهويقول في رجاء:
أرجوك... أنا متعب جدا... دعيني أنام لبعض الوقت ثم نتحدث
إبتعدت وهي تقول في استياء:
أنا المخطئة، لأنني أفكر في حل لمساعدتك على إقناع ندى بالإسلام؛ لا تطلب منِّي شيئا بعد الآن؛
أخفى وجهه بين كفيه في يأس، ثم استند على مرفقه ، وجلس على السرير وهو يحتضن الوسادة:
انا آسف هات ما عندكا
قبل ان تشرح سماح فكرتها، ارتفع رنين جرس الباب في إلحاح، وفي نفس اللحظة رن جرس الإنظار في رأسه.
وقفت سماح وهي تقول: سأفتح...
لكنه هب واقفا بسرعة، وقد عادت إليه مخاوفه السابقة.
شعور غريب متشائم.
قال في حزم وهو يتنا ول سترته
ويخطونحوالباب في سرعة: أنا سأذهب...
راقبته سماح في إستغراب. وتسرب إلى نفسها القلق هي الأخرى. الم يكن يقاوم النعاس منذ قليل؟
فتح الباب، فرأى صاحبه يقف أمام الباب وهو يلهث بشدة.
تعلقت عيناه بشفتيه وهو يتوقع الأسوء
همس أيهم بصوت مضطرب:
اجتماع عاجل
تسارعت دقات قلب أحمد، وهويقول في لهفة:
-الجميع بخير؟
أطرق أدهم في انكسار وتمتم: حسان...
هزه أحمد من كتفه بقوة وهويهتف في انفعال:
ما به؟
تردد أيهم قبل أن يرد في حزن:
وقع في الأسر...
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثالث عشر من رواية فى قلبى انثي عبرية بقلم خولة حمدى
تابع من هنا : جميع فصول رواية فى قلبى أنثى عبرية
تابع من هنا: جميع فصول رواية حكاية بقلم إيمان الصياد
تابع من هنا : جميع فصول رواية فى قلبى أنثى عبرية
تابع من هنا: جميع فصول رواية حكاية بقلم إيمان الصياد
تابع أيضاً: جميع فصول رواية جمعتنا صدفة بقلم هنا عمرو
تابعوا صفحتنا على الفيس بوك للمزيد من روايات حب
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا