رواية احتيال وغرام بقلم رحمة سيد - الفصل الرابع
إقرأ أيضا: قصص قبل النوم
رواية احتيال وغرام بقلم رحمة سيد - الفصل الرابع
كاد يكمل... كاد يرميها في نفس الجحيم الذي ألقت به "مريم" ولا يدري ما ماهية الشيء الذي صدح صوته من بين زخات قلبه ليمنعه مغطيًا على صوت شيطانه الذي يخبره أن يفعل..!
بينما تلك السيدة تركزت كافة حواسها في ترقب للحروف التي ستخرج من بين شفتا "بدر" وهي تسأله بسرعة:
-شوفتها فين؟
زفر أنفاسه على مهل وهو يمسك جبهته وكأنه يتذكر ثم قال مستدركًا:
-تقريبًا عدت من هنا وكانت بتجري بس مش قادر أتذكر راحت يمين ولا شمال
تأففت السيدة بضيق وهي تتلفت يمينًا ويسارًا، ليسألها بدر بفتور:
-ليه هي سرقت من حضرتك حاجة ولا إيه؟
فأومأت الاخرى بتأكيد زائف:
-ايوه سرقت مني شنطتي وفيها حاجات مهمة ليا اوي
فهز بدر رأسه وراح يخبرها بنبرة ماكرة:
-لو كده متقلقيش أكيد هتتمسك لأني لسه شايف الأمن طالع باين حد بلغه إن في خناقة
شحبت ملامح تلك السيدة والخوف يتخذ مساحته من قسماتها السمراء قبل أن تهز رأسها موافقة لبدر مرددة بتوتر حاولت إخفاؤوه:
-تمام شكرا يا استاذ
ثم استدارت لتغادر بسرعة قبل أن يفتك بها رجال الأمن وتُسلم للشرطة بعدها...!!!
بينما بدر كان مثبتًا عيناه عليها حتى إختفت عن أنظاره حينها استدار ليفتح ذلك الباب ثم دلف ليجد أيسل مكتومة الأنفاس تطالعه بنظرات مُغلقة مُبهمة... وكأن كل مشاعرها تشابكت خيوطها كخيوط عنكبوت لا تدري أولها من اخرها...!
للحظات أحست كرهه لها.. ذلك الكره تجسد في نبرته وهو يخبرهم أنه رآها، ثم غاص ذلك الكره في الأعماق مرة اخرى لتعود إنسانيته وتحلق بين حروفه التي نجدتها من بين براثنهم...!!
ظلت تنظر له لثوانٍ ثم نطقت بصوت مبحوح:
-شكرًا
بملامح جامدة ونظرات ثابتة قاسية كحروفه الجافة أخبرها:
-مفيش داعي للشكر لإني معملتش كده عشانك، أنا عملت اللي إنسانيتي خلتني أعمله، لكن انتي ماتهمنيش
لا يدري هل يقنعها ام يقنع نفسه بذلك الكلام، ولكنه لن ينسى لحظة... تلك النبضة التي فرت هاربة من حصار الذكريات والكلمات المغموسة بذرات الكره...!
تلك النبضة التي أطلق بعدها جنود الكره والحقد ليظهروا في كافة أفعاله.. قاتلين تلك النبضة الهادرة في مهدها.....
فسخرت أيسل لاوية شفتاها:
-كويس إن في حاجة مشتركة بينا، انا ماهمكش وانت ماتهمنيش!
ثم استدارت تعطيه ظهرها لتغادر، فلمح بدر التيشرت الذي ترتديه وقد اُزيح لأسفل عن كتفها نوعًا ما، وقطرات العرق جعلت خصلاتها الحمراء تلتصق بجلدها الذي ظهر....
كان خلفها مباشرةً.. تسمع هدير أنفاسه بوضوح يخالط نبرته الرجولية الخشنة وهو يهمس لها:
-استني
ولم تعد يداه قيد طوعه حينما رفع أصابعه دون شعور ليُزيح ببطء شديد تلك الخصلات الملتصقة بسدها... وحينها لمس إصبعه الخشن جسدها الناعم فانتفضت هي وقد أفلتت تلك الشهقة المكتومة من بين شفتاها مغمضة عيناها بقوة وقد عَلى تنفسها بتوتر ملحوظ، بينما بدر شعر أن يداه تخالف كل ذرة تعقل لديه فتتوق لملمس جسدها.....
للحظات فقط أحس أن مضجع عواطفه إحترق بتلك الجمرة التي اُلقيت فيه دون مقدمات..!
فهمست هي بصوت خفيض أتاه كصدى صوت لعقله الذي خدره حلاوة ذلك الشعور:
-بدر، أنت بتعمل إيه!
فخالف رغبة يده المُلحة وهو يرفع ذلك التيشرت ليعدله ثم يبعدها عنها قسرًا مغمغمًا بصوت حاد مثخن بالعاطفة:
-كتفك كله كان باين وقولتلك شعرك تلميه لما تكوني برا البيت!!
-انا... انا كنت عامله...... كنت لماه
رددت بصوت يكاد يُسمع وذلك الشعور يُزلزل حروفها المبعثرة كحالها، فيما زفر هو بقوة يحاول قمع عاطفة لا يدري من أين تحركت لتداعب المدفون داخله، وقال بحدة أجشة:
-اطلعي، اطلعي يا أيسل يلا !!
اومأت هي برأسها بسرعة لن تجادله، كانت تود الخروج بأي طريقة... لن تحتمل البقاء معه بمفردها في ذلك المكان الصغير جدًا وهو شبه ملتصق بها بهذه الطريقة !!...
فتحت الباب ثم خرجت بسرعة، يتبعها بدر الذي بدأ يلتقط أنفاسه بصوت مسموع.. يحاول سحب نفسه من بين زوبعة ذلك الشعور.. مستمرًا في محاربة المجهول.....
*****
كانت ليال تجالس ابنة عم يونس "ورد" في الأسفل، تحاول كسر الملل الذي اصبح جزءًا لا يتجزء من حياتها....
ثم توجهت صاعدة لغرفتهم، فتحت الباب ثم دلفت لتجد "يونس" جالسًا على الأريكة مندمجًا بين أوراق عمله الذي اهمله في الفترة الاخيرة، فألقت ليال نظرة عليه وتنهدت وهي تدخل للغرفة متعمدة اصدار صوت لتلفت نظره ولكنه لم يبدي اي رد فعل...
جلست جواره ولكنه ايضا لم يلتفت لها حتى، اقتربت منه شيئًا فشيء وحين وجدته لا يعطيها أي اهتمام، اقتربت برأسها جدًا من اوراقه لترى ما يجذب كافة إنتباهه لهذه الدرجة..
فتحركت عيناه بصمت يتابع تفحصها الطفولي ولم يتفوه ببنت شفه، حتى رفعت رأسها لتسأله بفضول:
-أنت بتعمل إيه؟
فأجاب بجمود وهو يعاود النظر لأوراقه مرة اخرى:
-ملكيش فيه، وبطلي فضولك ده!
فاقتربت منه اكثر وهي تسأله بإصرار وبراءة:
-ليه.. ابطل فضول ليه... هه يا يونس ليه؟؟
كز يونس على أسنانه بغيظ... يحاول ألا يحتك بها قدر الإمكان ولكنها كالعادة تبحث عن اي ثغره لتتقرب منه...!
عاد ينظر لأوراقه مرة اخرى ولم يجيبها، فنظرت هي لملامحه الرجولية عن قرب ولأول مرة... تلك الملامح السمراء بأنف رفيع مرفوع وحاجب أسود مرسوم يتناسب مع سواد عيناه التي تنتشلها في كل مرة ينظر لها فيها لتلقيها في وادٍ جديد مهلك من الشوووق..!
وشفتاه الغليظة التي لم تنطق أسمها بنبرة حانية كما تمنت بل دوما تخرج ما يترك داخلها لها جرحًا جديدًا...
ودون شعور اقتربت فجأة لتضع شفتاها الصغيرة على شفتاه في قبلة متهورة مجنونة، ليتصنم هو للحظات بينما هي مغلقة العينين تشعر أن جسدها احترق بشعور جديد لم تختبره قط... أن نبضاتها تعالت حتى صمت اذنها عن اي شيء حولها...
بينما هو متخبطًا في تلك اللحظات وحركة شفتاها البطيئة البريئة الغير خبيرة على شفتاه تجعل مشاعره الذكورية الساكنة داخله تهتاج لتزأر معلنة وجودها....!
تحركت يداه رغم ارادته ليحيط خصرها بقوة، يجاهد تلك الرغبة القوية لشفتاه في الاستجابة لحركة شفتاها.... نجح في اختزال ذاك التأثر الذي مقته بشدة ليرمه في أبعد نقطة داخله..
ثم أبعدها فجأة ويداه تضغط على خصرها بعنف بينما يهدر فيها بقسوة:
-انتي بتعملي إيه، انتي اتجننتي؟
أسبلت جفناها ولم تدري ماذا تجيب... بل لم تجد صوتًا لتخرجه اصلاً....
ولكنها رأت غضبه الأهوج يحتل ام عيناه، فابتلعت ريقها مجيبة بمكر انثوي:
-مالك يا يونس، انا زي مراتك على فكره!
فأمسك يونس فمها لتغطي يده الخشنة شفتاها وهو يضغط عليها بقسوة متابعًا بنبرة غليظة حادة:
-أنا مش عارف إيه اللي بقوله ده، بس إياكي بوقك ده يجي جمب بوقي تاني انتي فاهمة!
فدفعت يده بعيدًا عنها ولم تمنع ضحكاتها العالية من الخروج.... لقد إنقلب الوضع تمامًا وأصبح هو من يطالبها بالابتعاد عنه وهي التي تقنعه أنها زوجته.. يالسخرية القدر !!
نهض يونس عن الأريكة غارزًا يده بين جذور خصلاته السوداء بعنف... لا يصدق جرأتها التي لم يتوقعها قط...!
ثم اخذ يضرب كفًا على كف، بينما هي تضع قدم فوق الاخرى وهي ترسم ابتسامة واسعة وتردد بنفس المكر وداخلها سعادة لا تصدق بسبب تأثيرها كأنثى عليه:
-أنت خايف مني ولا إيه!
إتسعت حدقتاه بذهول... ولم يجد ما ينطق به!!
فدلف للمرحاض صافعا الباب خلفه لتضحك هي بصوت عالي... إن كانت جرأتها تحرك أي شعور داخله، فلن تتعامل معه سوى بتلك الجرأة بعد الان!!......
بينما داخل المرحاض كان يونس يحدق بصورته المعكوسة في المرآة... وداخله يغلي غضبا يود لو يمحي الدقائق السابقة من حياته... كارها ذاك الشعور الذي حركته تلك اللعينة داخله !!
فضرب المرآة امامه بجنون من فرط إنفعاله لتشهق ليال بقلق حينما سمعت صوت تهشيمها، ثم نهضت بسرعة لتضع اذنها على الباب في نفس اللحظات التي رن بها هاتف يونس فأخرجه ليجيب بصوت أجش ولم يرى اسم المتصل:
-ايوه ؟
أتاه صوت معشوقته التي تركته خلفها مجرد رماد احترق بنيران الفراق:
-يونس عايزه اشوفك انهارده!
لم يصدق اذناه.. فردد ذاهلا :
-فيروز! وحشتيني اوي، هاجيلك حالا
كزت ليال على أسنانها بعنف... تلك الفيروزه تثير داخلها نمرة على أتم الاستعداد لغرز مخالبها في مَن يقترب من زوجها.... زوجها هي !
خرج يونس من المرحاض ليتجاهل وجودها متجها نحو باب الغرفة...
وقفت أمام باب الغرفة تغلقه بجسدها لتمنع "يونس" من الخروج، ثم بدأت تهز رأسها نافية والشراسة تتملق حروفها:
-مش هاخليك تروحلها واحنا ماكملناش ٣ اسابيع متجوزين! مش من حقك تعمل كده أنا بقيت مراتك.
شعر بكل خلية به تهتاج رافضة ما يسمعه منها، والنفور كان يستوطن قسمات وجهه الرجولية السمراء وهو يخبرها بنبرة قاسية مزدردة:
-وأنا مش بعتبرك مراتي اصلًا، إنتي مجرد عالة ودخيلة في حياتي!
وكالعادة تستقبل سم كلماته الضاري بين ثناياه، تُخفي تلك الجروح في جبعتها بصبر..
جذبها "يونس" من ذراعها بعنف يبعدها عن الباب لتركض هي مرة اخرى تقف امام الباب، تستفز هدوئه دون أن تشعر وهي تقول:
-أنت لازم تقبل بالأمر الواقع زي منا عملت، لازم تتأقلم على إني بقيت مراتك.
تعاود إشعال جنون شياطينه الذي يخمده بصعوبة، كل خلاياه لا تتقبل ذلك الأمر... لا يستطع... لا يستطع أن يراها ولا يشعر برغبة مستعرة في قتلها !!...
أمسكها من ذراعاها بعنف حتى تأوهت بألم ليزيد من ضغطة يده أكثر وعيناه تتوهج بلمعة غريبة وكأن ألمها هو الشيء الوحيد الذي يخفف من وقع ألمه....!!!
ثم دفع جسدها نحو الحائط بعنف متعمد وهو يستطرد بخشونة قاسية تعمد جعل حروفه أنياب تنهش كرامتها:
-مش هقبل، أنا بكرهك ومابتمناش في حياتي إلا إنك تتألمي زي منا بتألم وأكتر، انا مش عايزك.. وهفضل اشوفها واروحلها وهخونك وهذلك لو لسه عندك ذرة كرامة اخرجي من حياتي
إرتجف جسدها كله وكلماته تدوي كقنبلة تفجرت داخلها لتمزق ثناياها لأشلاء.... ليتها تستطع.. فقط لو تستطع لفعلت منذ زمن، ولكنها اُصيبت بـ لعنة... لعنة تنتهك روحها لترديها قتيلتها في النهاية..!
فصرخت وكأن أنين كرامتها تشكل في حروفها وهي تزمجر:
-ياريتني أعرف، ياريتني اعرف اعمل كده!
اومأ برأسه وهو يغمغم بحقد متوعدًا إياها:
-متقلقيش أنا هخليكي مش طايقة حتى تقعدي في حتة انا بتنفس فيها، هخليكي تقولي حقي برقبتي وهعرف مين اللي زقك عليا
تنفست بصوت مسموع وهي تخبره للمرة التي لا تذكر عددها:
-للمرة المليون محدش زقني عليك، أنت بس اللي مش فاكر اللي حصل
إلتوت شفتاه بتهكم شيطاني وهو يردف:
-لأ فاكر، حظك الأسود إني فاكر!!
هبطت عيناه لتلك العباءة المطرزة التي ترتديها والتي اهدتها اياها خالته، فدون مقدمات أمسك بمقدمتها ليمزقها بعنف فشهقت هي بهلع وهي تدفعه بعيدًا عنها لتغطي ما ظهر من جسدها، ليرمقها هو بنظرة قاتلة قبل أن يهتف بنبرة حادة كطرف السكين:
-الهدوم اللي أهلي جابوها لو شوفتك حطاها على جسمك هطين عيشتك، تفضلي تلبسي هدومك المعفنه اللي تليق بيكي لكن اي هدية ماتستحقهاش واحدة زيك
-بطل الأسلوب الهمجي ده أنت مش بتعامل حيوانة!
زمجرت بجنون وهي تنظر له بحدة تتنفس بصوت عالي، فاقترب هو منها ببطء ليجذبها فجأة من رقبتها ممسكًا خصلاتها التي اصبحت قصيرة وهو يخبرها بتهديد مبطن:
-في ايدك تخلصي نفسك من كل ده وتقوليلي مين زقك عليا وليه عملتي كده وانا هاطلقك وهاسيبك، لكن طول ما انتي بتقاوحي قسمًا بالله لأقصلك لسانك مش شعرك بس !
لم ترضخ شراسة عيناها لعنف كلماته، فابتلعت ريقها بتوتر لحظي قبل أن تستكمل في هدوء وخز غضبه الأسود:
-انا قولتلك اللي حصل، أنت اللي مش عايز تصدق
حينها دفعها ارضًا بقوة وثوران غضبه يعود من جديد ليصيح فيها بجنون:
-يبقى تستاهلي اللي هعمله فيكي، وكل ما أروحلها وترفض تسمعني هاجي وهافضل اهينك وأقهرك!!!
انتهى من كلماته ثم استدار ليغادر الغرفة, بينما هي تتنفس بإنهاك... تعرف أنها في بداية مهمتها القاسية ولن تستسلم مهما فعل....!!!!
*****
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا