مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية صعيدية جديدة للكاتبة المتألقة والمبدعة قسمة الشبينى التي سبق أن قدمنا لها العديد من القصص والروايات الجميلة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل التاسع عشر من رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى.
رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى - الفصل التاسع عشر
اقرأ أيضا: روايات رومانسية عربية كاملة
رواية الشرف ج4 قسمة الشبينى
|
لم تحاول رحمة تغيير روتينها اليومى ،تناولت الطعام برفقة حمزة بينما امتنعت عنه زينة التى لم تغادر غرفتها منذ وصلت عصرا ، وحين عاد حمزة مساءا وفكر فى لومها للمغادرة دونه لم تكن تستمع لما قال لذا غادر ساخطا منها على غير عادته .
ظلت طيلة الوقت تتساءل عما يفعله والدها في تلك اللحظة ،
هل هو سعيد فى غير وجودهم !!؟
هل حقا يمكنه تجاوزهم لاحقا !!؟
وهل تجاوز بالفعل مغادرته المحزنة !!؟
وما زاد من سوء حالتها عدم شعورها أن الأمر يعنى أمها كثيرا ، إنها تطهو وتنظف وتشاهد التلفاز !!!!
تناولت الطعام وكأن هذا الذى تزف إليه أخرى ليس زوجها !!
لقد شعرت زينة أنها أسوأ حالا من صاحبة الشأن التى تمرر يومها بشكل طبيعى .
أما حمزة فلم يستذكر دروسه هذا المساء ، بل ظل بالقرب منها يراقب ما تقوم به عن قرب ومستعد تماما للحظة إنهيار منها .
أخيرا أغلقت رحمة بابها دون الجميع ، يمكنها الأن أن تسمح لبعض هذا اللهيب أن يخرج عن السيطرة .
وقفت أمام مرآتها تطالع صورتها البائسة ، عبائة عادية ووشاح كبير يغطى نصفها العلوى .
ما حاجتها له بالمنزل !!!
نزعته وألقته جانبا وبدأت في تحرير خصلاتها بصعوبة . هى لا تتذكر متى صففت شعرها للمرة الأخيرة لكنها منذ عدة أيام على الأرجح .
نظرت لوجهها وكفيها ، بشرتها الذابلة ، شعرها الاشعث ، ثم نظرت للسراحة تطالع العديد والعديد من مستحضرات العناية التى قد يكون بعضها منتهى الصلاحية ولم تستعمله بعد .
اقتربت تفحص العبوات ، بعضها للبشرة وبعضها للشعر ، عبوة للأظافر وأخرى للشفاة هدية من صغيرتها ، والبقية منه ومن حمزة ، جميعهم يهاديها وهى تترك العبوات متراصة ولا تمسهم سوى لإزاحة الغبار .
هى شغوفة بتنظيف المنزل ، يمكنها أن تدور طلية اليوم بين جنباته بسعادة حقيقية ؛ لكنها في النهاية لا تجد لنفسها الوقت الكافى الذى يسمح بإستخدام تلك المستحضرات ، لكنها في نهاية اليوم تشعر بالرضا وأنها قامت بكل ما يتوجب عليها القيام به ودون ذلك يمكنه أن يأتى لاحقا .
جلست فوق المقعد واسندت رأسها لقبضتها المضمومة تحدث نفسها : انت تستاهلى ..لازم تفهمى كده ..
ارجعت ظهرها للخلف بحدة : لا طبعا هو اللى مايستاهلنيش ، ده جزاتى بعد ما ربيت ولاده وعشت عمرى ليه ؟؟ خاين !!
نظرت لصورتها بحدة : هو اللى خاين ؟؟
عادت للخلف : طبعا أنا عشت عمرى ليه وهو عاش لنفسه وسابنى.
ظلت على هذا الحال لفترة ليست قصيرة وقد استراحت لإلقاء لوم الفشل عليه ، اعتبرت زواجه الثانى فشلا لزواجها واعتبرته خائن واعتبرت عروسة فتاة لعوب ، خاطفة الأزواج وهادمة للبيوت العامرة بالحياة ، وكم شعرت بالراحة حين وصلت لتلك النهاية . هى ضحية الجميع تفانت وتعبت وضاعت حياتها مع خائن للعشرة .
نهضت اخيرا لتمسك وشاحها مرة أخرى ، لا ضرر من التحشم حتى بالمنزل ، ابنها صار رجلا وعليها أن تكون أكثر حيطة ، عكصت شعرها بفوضاوية ووضعت وشاحها قبل أن تأوى للفراش .
وهناك فى هذا الفراش نبت ألم اخر .. ألم يصعب تحمله يغرس أشواكه بصدرها فتزيد جروحها تقرحا .
تقلبت فى الفراش مرات ومرات .
لم ليس كعادته !!
هذا الفراش اللعين الذى كان ملاذها للراحة .
أين تسربت راحتها منه !!!
جفنيها أيضا يحترقان ولا أمل فى إخماد احتراقها قريبا .
تطلعت للسقف ، ربما اعتادت النوم فوق الأريكة ؟؟
لا بأس لتحاول .
تحركت فورا نحو الأريكة التى حصلت على نصيبها من السهد والأرق لتعود للفراش البارد لعله يلين لأوجاع جسمها ونفسها ومع مداعبة النوم لجفنيها .
وهى هائمة بين الوعى واللاوعى تردد فى ذهنها صوته الذى يخبرها بمغادرته لتهمس برجاء : ماتسبنيش يا محمد .
وأسلمت وعيها كاملا للخدر اللذيذ الذى يزحف فيسكن كل الصرخات ويتحكم فى كل التضارب والانقسامات .
******
تجلس أمامه منذ نصف ساعة تتصنع الإنشغال بالطعام رغم أنها لم تأكل سوى لقيمات ، يبدو أن التوتر أثر بشكل كامل على شهيتها التى تعلن العصيان رغم خواء معدتها .
محمد أيضا لم يشعر برغبة في الطعام هو فقط يمنحها مزيدا من الوقت لتهزم التوتر قليلا .
وضع أمامها قطعة من اللحم لتنظر له ، ابتسم بحنان : انت مابتاكليش حاجة .
عادت بناظريها للصحن ليقول : وفية انت عمرك ما كلمتينى عن حياتك .
نظرت له بدهشة ليتابع : انت حتى لما كنت بتيجى تاخدى بضاعة ماكنتيش بتتعاملى معايا انا .
ابتسمت وفية لتلك الذكريات ، لقد تعمدت بالفعل البعد عنه لكنها لم تتمكن من عدم التوجه لمتجره مطلقا .
ترك الطعام ونظر لها باهتمام : ها احكى لى بقا ازاى بقيتى عطارة شاطرة كده !!
نظرت له بلا حرج للمرة الأولى منذ وصولهما للمنزل لتقول : من خمس سنين كنت بنت عادية ، عايشة مع بابا وماما واخويا الوحيد .. كنت مخطوبة كمان لواحد قاريبنا .
انقبض قلبه رغم إحاطته بالقصة مسبقا ليهز رأسه مهتما لتتابع : ست شهور بس غيروا كل حياتى ، اخويا مات في حادثة عربية وماقدرناش حتى ناخد حقه . بعدها بشهرين ماما حصلته من الحزن وبابا جت له صدمة واكتئاب لدرجة حاول ينتحر واضطريت ادخله مصحة نفسية . .
مد كفه يضم كفها لتتوقف عن الحديث وتنظر له ليتابع : المصحة اخدت فلوس كتير فى الوقت اللى قفلتى فيه المحل بتاع والدك ، بعدها اضطرينى تبيعى المحل علشان تسدى المصحة وتمن البضاعة اللى اكترها اترمى ، وجه خطيبك كمان فسخ الخطوبة وبقيتى لوحدك ، ماكنتيش تعرفى غير العطارة اللى والدك واخوكى كانوا بيشتغلوا فيها فعملتى جروب على الفيسبوك وبعتى بقية البضاعة اللى عندك .
نظرت له بدهشة لينضم كفه الآخر رابتا فوق كفها : وبعد كده بدأتى تاخدى بضاعة من عندى
صمت لحظة وتساءلت عينيه ليترجم لسانه تساؤلها : من عندى بس ؟؟
ابتسمت وفية ، هو على علم إذا بقصتها كاملة ، لكنه يحتاج أن يعرف منها مقداره بقلبها ، ورغم خجلها أرادت منحه ما يريد فإستجمعت بعضا من شجاعتها وتهربت : انا لاقيت فواتير للمحل عندك ضمن المحلات اللى بابا بياخد منها بضاعة . صراحة روحت لناس رفضوا يدونى بضاعة علشان اللى حصل لبابا .
عادت بعينيها لعينيه لتتابع بهدوء : لما جيت المحل عندك أول مرة كنت انت مشغول وعم حسن قالى ارجع تانى يوم على مايسألك يدينى بضاعة تانى ولا لا . ولما جيت تانى يوم كان قلبى بيقولى انك هتساعدنى وفعلا اخدت البضاعة اللى انا عاوزاها ، فى الاول كنت مقتنعة انى برجع المحل علشان البضاعة ، بعدين كدبت نفسى وقلت انى بدارى جرح قاريبى اللى سابنى وقت الحوجة ، لكن فى الاخر اعترفت انى بروح المحل علشان اشوفك قبل اى حاجة تانية .
رفعت كفها تضعه فوق كفه لينهمر الدفء منه يذيب برودة ترتعد لها جنبات صدره وهى تقول : علشان انا حبيتك يا محمد .. حبيتك وانا عارفة إنك زوج وأب .. حبيتك وانا عارفة إن فرصتى معاك صفر .. حبيتك وانا عارفة كل حاجة بس قلبى مش بإيدى
لم تحمل كلماتها سوى الصدق فمنحته حروفها كل ما احتاج إليه ودون أن يفكر رفع كفها محاطا بكفيه لتعبر شفتيه عن سعادته بشغف هامسا : اوعدك امحى كل الوجع اللى فات في حياتك .
نهض ليقربها منه انحنى يرفعها نحوه ، تقابلت الأعين فى شغف متبادل ليقترب تابعا شغفه وتترك قلبها لشغفها الذى زاد تأججا مع كل لمسه منه .
رغم حبها له ورغبتها فيه وسعادتها لمجرد وجودها بحياته يصر عقلها على التساؤل هل سيكون محوا للوجع أم وجع جديد ؟؟؟
******
استيقظت نسمة باكرا رغم تأخرها بالنوم ، لقد واعدت بسول أن تلاقيه للتدرب باكرا ورغم رفضها الداخلى فقد وافته على الموعد .
وقفت تسرج فرسها هزيم ، أولته ظهرها فى ثقة وهو يسرج فرسه برق للتمرين . اخرجت حبات السكر فور انتهائها ليلتقمها هزيم فورا ، ابتسمت وربتت فوق رأسه وقبل أن تبتعد وجدت كف بسول يمتد نحو رأس هزيم وقد حاصرها تماما بينه وبين الفرس الذى اقترب مغتنما هذه المكعبات الغالية .
ابتسمت فى البداية لكن شدت قربه أظهرت نفورها ، دفعته بكتفها للخلف : بسول ماينفعش كده ، ابعد من فضلك .
أرخى رأسه فوق كتفها بعناد : ليه ؟؟
زفرت بضيق وقد احاطها بذراعيه ليزيد قربه منه فتزيد حدتها : بسول انت اتجننت !!
لكن بسول لم يعر انفعالها اهتماما وقال بهدوء : أهدى يا نسمة انت مراتى .
أمسكت كفيه وقد زاد تجاوزه : بسول ابعد حد يشوفنا
قهقه ببرود : مفيش حد غيرنا ومحدش هيدخل ، انت مش عارفة انا مين !! انا بسول الهادى
زادت حدتها وظهر غضبها جليا في عنف دفعها له ليزداد تمسكا بها ، رفعها بسهولة حتى لامست أنفاسه وجهها لتحذره بيأس : بسول كده ما ينفعش إحنا لسه مااتجوزناش وكدة ...
وضع ذراعه أسفل ركبتيها وابتسم بتهكم : بسيطة نتجوز
****
صعد مهران صباحاً كعادته يوم الجمعة لتناول الفطور بصحبة أخيه وعائلته فالشقيقين منذ انتقلا للعيش ببيت واحد يتناوبان الزيارة يوم الجمعة ويجتمعا صباحا حتى يتوجه الرجال لصلاة الجمعة .
تبعته روان وخالد الذى لاحظ فور دخوله تجهم والده وعمه ، نظر نحو والدته التي نظرت نحو ليليان التى تتهرب بعينيها من الجميع .
اتجه خضر رأسا نحو غرفة إياد بينما تساءل خالد : فين بسمة ونسمة ؟
لم يجبه أحد ليتابع : فى إيه ؟؟
تأفف مهران : بسمة فى اوضتها دلوك تخرچ
لم يكتف خالد وألح فى سؤاله : ونسمة ؟؟
وكزته أمه هامسة : خلاص يا خالد .
صمت مكرها أمام صمت الجميع بينما أمسك طايع هاتفه ليعيد محاولة اتصاله بها دون جدوى .
جلس خالد وروان بصمت وسرعان ما خرجت بسمة لتعيد نفس التساؤل ، نظرت ل خالد الذى حرك شفتيه دون صوت لتفهم أن شقيقتها ليست بالمنزل .
خرج إياد أيضا من غرفته بوجه عابس فهو لا يزال يرغب بالنوم ، اقترب ليجلس قرب أبيه : بابا عاوز انام
ابتسم طايع بشحوب رابتا فوق خده : روح يا حبيبي نام مش هنفطر دلوك .
أسند إياد رأسه لكف أبيه : بس انا جعان .
قاطعة بسمة أبيها : انا هفطره يا بابا
نهضت بحماس : تعالى يا إياد وانت يا خضر .
نظرت ل خالد : خالد هتيجى تفطر .
فهم خالد دعوتها ونهض فورا : ايوه جاى .
تحرك الجميع لتتساءل روان بخفوت : فى إيه يا جماعة قلقتونى .
نظر طايع لزوجة أخيه : فيه إن نسمة خرچت الساعة ستة الصبح وماعاوداتش .. بجى لها اربع ساعات برة ومابتردش على المحمول .
زادت هواجس روان ليقول مهران بحدة : العيب مش عليها العيب على اللى سمح لها بإكده .
قاطعته ليليان بحدة : انا مش فاهمة انتو مكبرين الموضوع ليه ده جوزها وبيتمرنوا عندهم بطولة
ضغط طايع قبضته : انت بتستهبلى !! ما كلمت المدرب جدامك جال مفيش زفت .. وهو فى تدريب اربع ساعات ؟ ومن ميته بتك بتروح تدريب لحالها ؟؟
انتفضت ليليان بحدة : انت ليه مش عاوز تقدر النقلة اللى بنتك داخلة عليها !! البنت اتجوزت شاب في الخارجية من عيلة كبيرة وهى نفسها اشتغلت في قناة محترمة ليه عاوز تربط حياتها هى بأفكارك انت !!
وقف أمامها طايع لتتوتر من هيئته فيقول بهدوء غير متوقع : اول حاچة صوتك مايعلاش ، تانى حاچة بتى لسه ماتچوزتش ، تالت حاچة من هنا ورايح مالكيش حكم على حد من ولادى لا بت ولا واد . من هنا ورايح انت فى البيت ده كمالة عدد وده بس لأچل الولد والعشرة اللى انت مابجياش عليها .
اتسعت عينيها بصدمة : انت بتقول ايه يا طايع ؟؟
ظل مهران على وضعيته بينما وقفت روان : استهدى بالله يا ابو اياد مش كده الولاد يسمعوكوا .
نظر لها طايع : لو بتخاف على ولادها ماكانتش سابت البنت تخرج الساعة ستة الصبح لحالها وكمان تدارى عليا
عقدت ليليان ساعديها : لا انا بخاف على ولادى ومش عاوزة نسمة تخيب خيبة اختها . قلت لك ألف مرة حرام تخيب امل البنت وتمشى وراها وأدى اخرتها ، هتجوز وتروح الصعيد مش بس كده لا دى هتجوز واحد عقيم واقل منها ، انا ما صدقت واحدة فيهم اتنصفت
أغمض طايع عينيه بينما نهرتها روان : ليليان مايصحش كده البنت تسمعك .
تحرك طايع للخارج لينهض مهران ويقف أمام ليليان ، نظر لها نظرة ارتعد لها قلبها صمت لحظات ليزيدها رعبا قبل أن يقول : انى ماجادرش اصدج انك بت عمتى الغالية .. ميته اتغيرتى إكده ؟؟ وكيف ؟؟
تهربت بعينيها ، هى لا تعلم لم لا يفكر أحدهم بشكل منطقى ، نسمة أصبحت زوجة بسول ولا ضرر فى قضاء بعض الوقت سويا ، يحتاجان للتفاهم ، للتقارب ، الفارق بينهما كبير فكريا وكم تخشى أن تواجه صغيرتها الفشل !
لم يرفضون منحها فرصة للتأقلم مع حياتها المقبلة !!
عقولهم لم تتغير منذ سنوات ولن تفعل بينما تغيرت الحياة كثيرا .
لحق مهران بأخيه لتنتفض على صوت صفعة الباب فتسرع روان من فورها نحو المطبخ تتأكد أن الصغار بعيدا عن هذه الفوضى .
****
دخل الجميع للمطبخ ليجلس إياد وخضر بينما يقف خالد قرب الموقد وبسمة تعد بعض البيض المقلى ، اختطفت نظرة له لتتساءل : هتفضل ساكت كتير ؟ ماتتكلم يا اخى .
زفر خالد بضيق : اللى فهمته إن مامتك اذنت ل نسمة تخرج مع بسول على أساس عندهم تمرين . وعمى كلم المدرب نفى الكلام ده .
قطبت جبينها متسائلة : ونسمة ماقالتش لبابا ليه ؟
رفعت المقلاة عن النار لتتابع : نسمة اتغيرت اوى يا خالد .
فتح خالد البراد ليخرج بعض العلب الحافظة للطعام : ولسه .
تناولتها منه مستفهمة : قصدك ايه ؟؟
رفض التحدث فالتحدث يعنى ذكر زوجة عمه بالسوء ، وهو لن يفعل ذلك احتراما لمشاعرها ، ليحتفظ برأيه لنفسه ، عل كل نظرته تكون وهمية وهو يبالغ فى تقدير العواقب . لذا جلس إلى طاولة الطعام : ماتشغليش بالك تعالى افطرى قبل ما سى سويلم يتصل .
ابتسمت لذكره وجلست تقدم الخبز للجميع بحماس فقد وعدها بزيارة اليوم فعليهما غدا التوجه لزيارة الطبيب .
رفعت وجهها حين سمعت صفعة الباب لتقول : نسمة جت .
كادت أن تنهض لولا أن دخلت روان للمطبخ وأغلقت الباب : لا يا حبيبتي ده باباكى وعمك نزلوا راحوا يجيبوا نسمة من النادى .
ابتسمت بتوتر ثم نظرت ل خالد الذى يثق أن دخول أمه وإغلاقها الباب خلفه أمر خطير خاصة حين جلست روان وبدأت تتناول الطعام بصمت .
****
هبط سويلم الدرج مسرعا فى محاولة للبعد عن محيط حمزة وعمته أيضا ليقول : يا بوى استهدى بالله بس
ابعد الهاتف عن أذنه لصراخ أبيه : كلمة واحدة كنت تعرف ولا لاه ؟
وصل سويلم لخارج البناية تماما ليقول : ايوه كنت اعرف ، حمزة خبرنى لما وصلت
عاد رفيع للصراخ : وماخبرتنيش ليه ؟؟
ليجيب سويلم بتساؤل اخر : وكنت هتعمل ايه يا بوى ؟؟ جولى كنت هتعمل ايه إذا كانت عمتى ذات نفسيها ماعملتش حاچة ؟ دى حتى ماجالتش لحد منينا كأنها عاوزة تخلص منيه ؟؟
صمت والده وكأنه تلقى صدمة لم يتوقعها ليتابع : يا بوى النفر منينا لازم يحس إن مرته باجية عليه ، ريداه ، حتى لو عاشرته بدل السنة خمسين .. انى ماخابرش إيه بين عمتى وچوزها لكن سلبيتها دى بتجول إنها مارايدهوش .
لم يتلق ردا من أبيه ليبعد الهاتف عن أذنه وينظر لشاشته ، تأكد من استمرار الاتصال ليتساءل : بوى !!
قاطعه رفيع بهدوء عكس الثورة التى كانت منذ دقائق : مع السلامة .
أراد أن يستوقفه لكنه أنهى المكالمة بالفعل ، نظر للهاتف بحيرة ، هو يقدر غضب والده لكن إخباره من قبله هو أمر غير لائق بالمرة ، كان على عمته أن تفعل ، لكنها لسبب ما لم تفعل ، لم يسعفه عقله بهذا السبب لكن مهما كان فهو يراها تتخلى عن زوجها بإرادتها .
****
كان رفيع يجلس إلى طاولة الطعام ويجلس الجميع حوله بصمت وترقب ، منحته رنوة كل الوقت الذي يحتاج ليهدأ بعد ثورته وغضبه أثناء مهاتفة ولدها صباحا .
كانت تعلم أن رحمة لن تحارب لأجل محمد ، رغم محاولاته ومحاولاتهم .هى لسبب لا يعلمه أحد تخلت عن الأمر كاملا واسقطته فوق كاهل ابن عمها .
ربما خوفا من التغيير !!
ربما عدم رغبة في التغيير !!
وربما لعدم قناعة بحاجتها للتغير !!
كانت سيلين آخر من انضم للطاولة لتتساءل : مالكم ساكتين ليه ؟؟
نهرها سليم بنظرة لتبتسم وتشاغب أبيها : مالك يا بابتى ؟ اوعى يكون حد من العيال دول مزعلك ؟ انى اودرهولك
قطب دياب جبينه ليقول بتهكم : مش لما تعرفى تنطجيها الاول !!
نظر له سليم وجارى تهكمه : والواحد لو كح فى وشها هتموت من الخضة .
ظل ثلاثتهم فى سلسلة العند الطفولى بينما كان تركيز رنوة كاملا منصبا على رفيع وردود أفعاله .
كان رفيع غارقا فى أفكاره وغير منتبه لأى مما يدور حوله ؛ ابنه محق .. يحتاج الرجل شعوره برغبة حبيبته ، هذا الشعور يدفعه لمحاربة الحياة والتمسك بها أكثر .
رفع وجهه ليتوتر الصغار بينما نظر لزوجته مباشرة وتساءل : رنوة لو جولت لك بدى اتچوز عليكى هتعملى إيه ؟
صمت الجميع وتعلقت العيون ب رنوة التى لم تتحرك عينيها إنشا واحد عن عينيه المشتعلة ، رفعت حاجبا بتحد واضح وقالت بثقة : هتختفى من حياتنا فى ظروف غامضة .
انفجر سليم ضاحكا ليركله دياب أسفل الطاولة وتصفق سيلين بحماس .
أسند رفيع ذقنه لكفيه المجتمعين ونظر لها دون أن يهتم بالصخب حوله وعاد يتساءل : هتجتلينى !!
لم تحرك ساكنا وهى تتطلع لعينيه لتجيب : زى ما هتقتلنى تمام .
نهضت عن الطاولة مباشرة وغادرت المكان بينما انشقت شفتيه رغما عنه معبرة عن صراخ قلبه السعيد ، فهى لن تتخلى عنه مطلقا وما الذى يحتاجه من الدنيا بعد !!؟
نظر فى أثرها وقد تبدل حاله والان هو على استعداد تام لتلقى عقابه ومواجهة تبعيات سؤاله الأخرق .
******
فتح عينيه بتثاقل شاعرا بدفئها بين ذراعيه ، دفء يحيى قلبه ويزيد رغبته في هذا القرب ، لحظات تخيلها هى حتى تهادت نظراته فوق موجات شعرها الكستنائية ، رفع رأسه ناظرا لملامحها المسترخية قبل أن يغمض عينيه مجددا ويعود بذكرياته لأيام زواجه الأولى من رحمة .
لم تقبل تلك الاستكانة مطلقا ، وكان يظنها تتدلل ، تخجل ، تشاغبه ، لم يفكر قط أنها تنفر من هذا القرب .طالما عوض رغبته في قربها بتوسد ساقيها الذى لم ترفضه مطلقا ، هذه هى ، المرأة التي لم يفهمها مطلقا .
أشاح بوجهه ليطردها من أفكاره ، كيف يضم امرأة ويفكر بأخرى !!!
ياله من فظ غليظ القلب !!
عاد يفتح عينيه وينظر للراحة على وجهها ، ارتفع كفه مبعدا تلك الخصلات للخلف قبل أن يهمس : وفية ...
همهمت بنعاس ليسحب ذراعه الذى تتوسده ببطء ، فتحت عينيها وابتسمت له ثم اغمضتهما مجددا ، اقترب مقبلا رأسها : خلاص خليكى نايمة وانا هنزل اصلى الجمعة .
اعتدلت جالسة فجأة بشكل افزعه وأعاده للخلف بتلقائية ليتساءل : إيه مالك ؟؟
رفعت كفيها تضم جانبى جبهتها بقوة : اااه .
ضم كفيه كفيها بلا تفكير متسائلا : حصل ايه يا وفية مالك ؟
ابتسمت رغم شعورها بالدوار : مفيش حاجة ماتقلقش ، فكرت انى بحلم بيك .
جملة عفوية صادقة تقلب موازين قلبه فى لحظة وتحوله من الهدوء والتعقل إلى الثورة والجنون لتزيده جنونا برقة أذابت كل أفكاره الصباحية فلم يعد يذكر سواها .أو يرى سواها ولم يتردد لحظة فى إتباع هذا الجنون الذى يحيه ويرمم تصدعات قلبه .
******
نظر لها بسول بغضب فرغم احتجازه لها فى غرفة الملابس لأكثر من ساعتين إلا أنه لم يصل لمبتغاه بعد ، وقفت قرب الباب بغضب لتقول بلهجة آمرة : افتح الباب واللى حصل ده مايتكررش .
انتفض بسول يهندم ملابسه : هو إيه اللى حصل علشان مايتكررش ؟؟
أمسك ذراعها بقسوة : ده إحنا ولا المراهقين !! انت ليه رجعية كده ؟؟
اتسعت عينيها دهشة : رجعية ؟؟
دفعها للخلف : ايوه رجعية .. انا حبيتك لأنك ملتزمة ومالكيش علاقات .. فرحت انى هكون اول راجل فى حياتك ..قولت نكتب الكتاب علشان تبقى براحتك معايا لكن بالشكل ده انت مش ملتزمة انت رجعية وأفكارك متخلفة .
اتجهت نحو الأريكة تسحب حجابها بغضب ، عكصت شعرها بفوضاوية لتضع الحجاب فوق رأسها ، بدأت تدور حول نفسها بغضب مجددا حتى أعادت هيئتها لما كانت عليه قبل دخولها تلك الغرفة إكراها .
كان يفعل المثل وينظر لها بحدة وقبل أن تصل للباب قال بحدة : واضح إننا استعجلنا
ثم فتح الباب واخترقه بغضب ليصل إلى ساحة التمرين ، كانت خلفه تماما وقبل أن يمتطى فرسه كان فرسها يتجاوزه ليرى غضبها من خلاله .
امتطى فرسه وقبل أن يتحرك اهتز هاتفه ، رفعه ليرى اسم حارس البوابة ، أجاب بهدوء : فى إيه ؟
جاءه صوت حارسه : يا باشا والد الآنسة نسمة هنا ومعاه واحد لابس صعيدى .
ابتسم بسول وقال : محدش يوقفهم خليهم يدخلوا .
وضع هاتفه بجيبه وانطلق لاحقا بها .
*******
كادت أن تغفو مجددا لكن رنين هاتفه ازعجها ، تأففت وتحركت لتضع الوسادة فوق رأسها حتى اختفى الصوت ، لحظة من الهدوء وعاد مجددا ، رفعت رأسها لتطالعه فى زاوية يقف بين يدى الله ، امتد ذراعها نحو الهاتف تنظر لشاشته فترى صورة زينة تزينه ودون أن تفكر أجابت : سلام عليكم .
جاءها صمتا بعد شهقة مصدومة لتشعر بالحرج الشديد فتبرر موقفها بتلعثم : اسفة انى رديت بس خوفت تقلقى ومحمد بيصلى .
لم يأتيها رد أيضا ليزداد شعورها بالحرج ولا تدرى كيف تنهى المحادثة ليأتيها صوته منقذا : مين يا وفية ؟
نظرت نحوه فورا وقدمت له الهاتف ليلاحظ رجفة كفها وهي تهز كتفيها علامة لا أدرى و تقول : زينة
تناوله منها مبتسما ليرفع عنها هذا التوتر ليجيب فورا : ازيك يا زينة ؟ وحشتنى يا حبيبتي .
تسطحت بالفراش تتصنع النوم رغم أنه ابعد ما يكون عنها في هذه اللحظة .
*****
وصل طايع لساحة التمرين ليرى فرس نسمة يشق الحواجز وبسول يلحق بها ، تصنع بسول التفاجؤ واسرع نحوها ليقول : باباكى وعمك هنا ، انا بقول ناخد رأيهم في موقفك .
تلفتت لتجد أبيها وعمها ، كيف ستنظر لهما إن اخبرهما بالفعل ؟؟
رأى التوتر وارتعاش اللجام بين كفيها ليقترب بفرسه منها ويدور حولها : ماتخافيش انا عارف انهم صعايدة ودماغهم مقفلة وممكن يأذوكى .
نظرت له بحدة : بابا عمره ما يأذينى .
خلع قبعته ليتساءل : تحبى نجرب ؟؟ اروح أقوله بنتك فضلت فى حضنى ساعتين !!!
جذبت لجام الفرس ليصهل بقوة وهي تقول : بس ده ماحصلش
اقترب بجزعه العلوى منها : خليه يشوف ويحكم بنفسه .
أتاها نداء أبيها بإسمها لتنظر له ثم تنظر ل بسول الذى قال محذرا : اللى حصل مايتكررش ، تدلعى شوية اوكيه لكن ترفضينى ممنوع .. فاهمة ؟؟
اومأت بصمت وجذبت لجام فرسها لتتجه نحو أبيها وهو يتبعها .
******
عاد للغرفة بعد أن أنهى المحادثة التى طالت ، شعرت فى أثناء ذلك بالملل والتوتر لذا نهضت عن الفراش وبدلت شراشفه بأخرى ثم ارتدت مئزرها وجلست عاقدة ساعديها بصمت ، اقترب منها متعجبا هذا التغيير السريع لقد أخبرته قبل أن يتحمم أنها تشعر برغبة في النوم وخمول شديد .
جلس بجوارها : مالك يا وفية ؟ مش كنت عاوزة تنامى ؟
نظرت له بإضطراب : اسفة انى رديت على موبايلك بس خوفت المكالمة تفوتك .
ابتسم لتوترها الشديد وانتقل ليلتصق بها ، أمسك هاتفه وقد احاطها بدفء ممتع : شوفى يا قمر . دى زينة بنتى فى كلية تجارة .. وده حمزة ابنى فى كلية هندسة .. فى البكالوريوس السنة دى .
ابتسمت وفية وقد زال كل توترها بمجرد أن تعرفت إلى شخصية زينة التى ظنتها زوجته ، استكانت للدفء الذى يبثه فيها وتساءلت : ليه مش عرفتنى قبل كده ؟؟
همس محمد : انا عارف إن جوازنا جه بسرعة ، واكيد جواكى مخاوف كتير من ناحيتى ، لكن صدقينى يا وفية انا كنت خايف اقرب منك ، لحد اخر لحظة خايف ترجعى فى قرارك ومانتجوزش
ابتعد عنها قليلا : انا كبير عليكى اوى وعارف إن والدك رافض جوازنا .
تقربت هى منه لتقول بلهجة منكسرة : انا كمان كنت خايفة تغير رأيك ، خايفة اكون في حياتك نزوة زى ما قال بابا ، خايفة ترجع لبيتك ومراتك وتسبنى ، بس لما خدتنى فى حضنك امبارح طول الليل الخوف راح ، محمد انا بحبك ومش هسيبك بس كنت خايفة انت تسبنى .
غرسها بصدره دون أن يفرط متسائلا : وفية انت فى عمر ولادى انا مش مصدق لحد دلوقتي انك مراتى
أبعدته بسخط : ولادك مين ؟؟ انا عندى اتنين وتلاتين سنة ابقى من عمر ولادك ازاى يعنى ؟؟
ضحك محمد لهيئتها الهجومية وتحفزها الواضح : اول مرة اشوف واحدة بتعلن عن عمرها عادى كده !!
اتسعت عينا وفية وشهقت بفزع : ليه هو انت عرفت كام واحدة ؟؟
انفجر ضاحكا لغيرتها التى تسعده كثيرا ويسعده أكثر بوحها بها بتلقائية .لحظات وتناست كل خمولها وآلامها البدنية وبدأت تهاجمه وكانت بقامتها القصيرة مثيرة للضحك وكلما علت ضحكاته كلما زاد جنونها الذى لم يمانعه بل يخطط لينهيه كما يحب .
*******
اقترب بسول مرحبا : اهلا يا عمى ازى حضرتك ؟
نظر لهما طايع بحدة وقال لابنته : من امته بتروحى تمرين لوحدك ؟
أجاب بسول عنها : ماتقلقش يا عمى انا معاها وانا جوزها
قاطعه مهران بحدة : المفروض تكون فاهم إن فى فرج بين العجد والبناء ؟
هز كتفيه بلا مبالاة : عندى مفيش فرق ..نسمة مراتى وعمرها ما هتكون غير كده .
رأى طايع خلافا وشيكا ، لكم يتمنى أن يفتك بهذا الشاب الذى لم يرع هيبته كأب ، بل لم يلتفت لوجوده وتحايل ليحظى بوقت معها دون رغبته .
رغم راحته لوجودهما بساحة التمرين إلا أن تحايله ذا يشعره بنوايا غير جيدة ينتويها هذا الشاب لذا نظر لابنته فورا : غيرى هدومك هنروح .
اومأت موافقة ليشتعل بسول غضبا فهى لم تهتم سوى لرأى أبيها وكأنه غير موجود لذا توعد لها قبل أن يجذب فرسه مبتعدا : روحى انت انا هتمرن .
****
سمح لهم الطبيب برؤية همت ليكون جدها اول من يدخل إليها ، ابتسمت لرؤيته رغم الوهن الذى يغلف ملامحها لتهلل بخفوت : زيدااان
هرول نحوها : نعمين يا جلب زيدان .حاچة بوچعك .
ظهر الضيق على ملامحها: عاوزة ..أم .. امشى اروح عندك .. اوعى تودينى..عن عن عنده انا بخاف منيه جوى .
لم يكن بحاجة للتساؤل عن هوية المتحدث عنه لذا ابتسم ببشاشة : ماتخافيش يا همت ماهتروحيش عنديه تانى واصل .
تأوهت بألم : اااه ..جلبى ..بيوچعنى ..ويدى كمان .
ربت فوق كفها بحنان ونظر للممرضة التى ترجوه بعينيها ألا يزيدها جهدا فهى كما أخبره الطبيب لن تتحمل اى جهد ، اخفض عينيه بألم لحال تلك الصغيرة التي لم تنل من الدنيا إلا الألم .
شرد عنها بما أخبره به حفيده يزيد صباحا ، أخبره أن منصور ؛ ابن أخيه الذى خان كل صلات الدم قد جمع من أموال ابنته ما مكنه من شراء مزرعة خاصة به فى أحد النجوع التى تبعد عنهم بقدر كاف ليختفى عن أعينهم .
لذا تجرأ بهذا الشكل ، لقد تعجب تخليه عن سليمة بهذه البساطة لكنه فهم اليوم أن منصور لم يعد بحاجتها ليحتفظ بها .
***
أعدت حياة طعاما بكميات قليلة وتجهزت بعد مغادرة مازن وصحبت مروة لتغادران بهدوء .
فتحت الباب لتنادى هامسة : هيا ..
وألقت ما بين يديها مهرولة نحو المرحاض فور سماع صوت تقيؤ هيا الصادر عنه . تبعتها مروة بصمت لتجدها قد أحاطت خاصرة هيا بذراعيها : تعالى يا هيا كفاية يا بنتى .
تملك الإعياء منها كليا لتترك ل حياة أمر عودتها للغرفة وهى على ثقة أنها ستكون بخير ما دامت حياة ومروة هنا .
ظلت طيلة الوقت تتساءل عما يفعله والدها في تلك اللحظة ،
هل هو سعيد فى غير وجودهم !!؟
هل حقا يمكنه تجاوزهم لاحقا !!؟
وهل تجاوز بالفعل مغادرته المحزنة !!؟
وما زاد من سوء حالتها عدم شعورها أن الأمر يعنى أمها كثيرا ، إنها تطهو وتنظف وتشاهد التلفاز !!!!
تناولت الطعام وكأن هذا الذى تزف إليه أخرى ليس زوجها !!
لقد شعرت زينة أنها أسوأ حالا من صاحبة الشأن التى تمرر يومها بشكل طبيعى .
أما حمزة فلم يستذكر دروسه هذا المساء ، بل ظل بالقرب منها يراقب ما تقوم به عن قرب ومستعد تماما للحظة إنهيار منها .
أخيرا أغلقت رحمة بابها دون الجميع ، يمكنها الأن أن تسمح لبعض هذا اللهيب أن يخرج عن السيطرة .
وقفت أمام مرآتها تطالع صورتها البائسة ، عبائة عادية ووشاح كبير يغطى نصفها العلوى .
ما حاجتها له بالمنزل !!!
نزعته وألقته جانبا وبدأت في تحرير خصلاتها بصعوبة . هى لا تتذكر متى صففت شعرها للمرة الأخيرة لكنها منذ عدة أيام على الأرجح .
نظرت لوجهها وكفيها ، بشرتها الذابلة ، شعرها الاشعث ، ثم نظرت للسراحة تطالع العديد والعديد من مستحضرات العناية التى قد يكون بعضها منتهى الصلاحية ولم تستعمله بعد .
اقتربت تفحص العبوات ، بعضها للبشرة وبعضها للشعر ، عبوة للأظافر وأخرى للشفاة هدية من صغيرتها ، والبقية منه ومن حمزة ، جميعهم يهاديها وهى تترك العبوات متراصة ولا تمسهم سوى لإزاحة الغبار .
هى شغوفة بتنظيف المنزل ، يمكنها أن تدور طلية اليوم بين جنباته بسعادة حقيقية ؛ لكنها في النهاية لا تجد لنفسها الوقت الكافى الذى يسمح بإستخدام تلك المستحضرات ، لكنها في نهاية اليوم تشعر بالرضا وأنها قامت بكل ما يتوجب عليها القيام به ودون ذلك يمكنه أن يأتى لاحقا .
جلست فوق المقعد واسندت رأسها لقبضتها المضمومة تحدث نفسها : انت تستاهلى ..لازم تفهمى كده ..
ارجعت ظهرها للخلف بحدة : لا طبعا هو اللى مايستاهلنيش ، ده جزاتى بعد ما ربيت ولاده وعشت عمرى ليه ؟؟ خاين !!
نظرت لصورتها بحدة : هو اللى خاين ؟؟
عادت للخلف : طبعا أنا عشت عمرى ليه وهو عاش لنفسه وسابنى.
ظلت على هذا الحال لفترة ليست قصيرة وقد استراحت لإلقاء لوم الفشل عليه ، اعتبرت زواجه الثانى فشلا لزواجها واعتبرته خائن واعتبرت عروسة فتاة لعوب ، خاطفة الأزواج وهادمة للبيوت العامرة بالحياة ، وكم شعرت بالراحة حين وصلت لتلك النهاية . هى ضحية الجميع تفانت وتعبت وضاعت حياتها مع خائن للعشرة .
نهضت اخيرا لتمسك وشاحها مرة أخرى ، لا ضرر من التحشم حتى بالمنزل ، ابنها صار رجلا وعليها أن تكون أكثر حيطة ، عكصت شعرها بفوضاوية ووضعت وشاحها قبل أن تأوى للفراش .
وهناك فى هذا الفراش نبت ألم اخر .. ألم يصعب تحمله يغرس أشواكه بصدرها فتزيد جروحها تقرحا .
تقلبت فى الفراش مرات ومرات .
لم ليس كعادته !!
هذا الفراش اللعين الذى كان ملاذها للراحة .
أين تسربت راحتها منه !!!
جفنيها أيضا يحترقان ولا أمل فى إخماد احتراقها قريبا .
تطلعت للسقف ، ربما اعتادت النوم فوق الأريكة ؟؟
لا بأس لتحاول .
تحركت فورا نحو الأريكة التى حصلت على نصيبها من السهد والأرق لتعود للفراش البارد لعله يلين لأوجاع جسمها ونفسها ومع مداعبة النوم لجفنيها .
وهى هائمة بين الوعى واللاوعى تردد فى ذهنها صوته الذى يخبرها بمغادرته لتهمس برجاء : ماتسبنيش يا محمد .
وأسلمت وعيها كاملا للخدر اللذيذ الذى يزحف فيسكن كل الصرخات ويتحكم فى كل التضارب والانقسامات .
******
تجلس أمامه منذ نصف ساعة تتصنع الإنشغال بالطعام رغم أنها لم تأكل سوى لقيمات ، يبدو أن التوتر أثر بشكل كامل على شهيتها التى تعلن العصيان رغم خواء معدتها .
محمد أيضا لم يشعر برغبة في الطعام هو فقط يمنحها مزيدا من الوقت لتهزم التوتر قليلا .
وضع أمامها قطعة من اللحم لتنظر له ، ابتسم بحنان : انت مابتاكليش حاجة .
عادت بناظريها للصحن ليقول : وفية انت عمرك ما كلمتينى عن حياتك .
نظرت له بدهشة ليتابع : انت حتى لما كنت بتيجى تاخدى بضاعة ماكنتيش بتتعاملى معايا انا .
ابتسمت وفية لتلك الذكريات ، لقد تعمدت بالفعل البعد عنه لكنها لم تتمكن من عدم التوجه لمتجره مطلقا .
ترك الطعام ونظر لها باهتمام : ها احكى لى بقا ازاى بقيتى عطارة شاطرة كده !!
نظرت له بلا حرج للمرة الأولى منذ وصولهما للمنزل لتقول : من خمس سنين كنت بنت عادية ، عايشة مع بابا وماما واخويا الوحيد .. كنت مخطوبة كمان لواحد قاريبنا .
انقبض قلبه رغم إحاطته بالقصة مسبقا ليهز رأسه مهتما لتتابع : ست شهور بس غيروا كل حياتى ، اخويا مات في حادثة عربية وماقدرناش حتى ناخد حقه . بعدها بشهرين ماما حصلته من الحزن وبابا جت له صدمة واكتئاب لدرجة حاول ينتحر واضطريت ادخله مصحة نفسية . .
مد كفه يضم كفها لتتوقف عن الحديث وتنظر له ليتابع : المصحة اخدت فلوس كتير فى الوقت اللى قفلتى فيه المحل بتاع والدك ، بعدها اضطرينى تبيعى المحل علشان تسدى المصحة وتمن البضاعة اللى اكترها اترمى ، وجه خطيبك كمان فسخ الخطوبة وبقيتى لوحدك ، ماكنتيش تعرفى غير العطارة اللى والدك واخوكى كانوا بيشتغلوا فيها فعملتى جروب على الفيسبوك وبعتى بقية البضاعة اللى عندك .
نظرت له بدهشة لينضم كفه الآخر رابتا فوق كفها : وبعد كده بدأتى تاخدى بضاعة من عندى
صمت لحظة وتساءلت عينيه ليترجم لسانه تساؤلها : من عندى بس ؟؟
ابتسمت وفية ، هو على علم إذا بقصتها كاملة ، لكنه يحتاج أن يعرف منها مقداره بقلبها ، ورغم خجلها أرادت منحه ما يريد فإستجمعت بعضا من شجاعتها وتهربت : انا لاقيت فواتير للمحل عندك ضمن المحلات اللى بابا بياخد منها بضاعة . صراحة روحت لناس رفضوا يدونى بضاعة علشان اللى حصل لبابا .
عادت بعينيها لعينيه لتتابع بهدوء : لما جيت المحل عندك أول مرة كنت انت مشغول وعم حسن قالى ارجع تانى يوم على مايسألك يدينى بضاعة تانى ولا لا . ولما جيت تانى يوم كان قلبى بيقولى انك هتساعدنى وفعلا اخدت البضاعة اللى انا عاوزاها ، فى الاول كنت مقتنعة انى برجع المحل علشان البضاعة ، بعدين كدبت نفسى وقلت انى بدارى جرح قاريبى اللى سابنى وقت الحوجة ، لكن فى الاخر اعترفت انى بروح المحل علشان اشوفك قبل اى حاجة تانية .
رفعت كفها تضعه فوق كفه لينهمر الدفء منه يذيب برودة ترتعد لها جنبات صدره وهى تقول : علشان انا حبيتك يا محمد .. حبيتك وانا عارفة إنك زوج وأب .. حبيتك وانا عارفة إن فرصتى معاك صفر .. حبيتك وانا عارفة كل حاجة بس قلبى مش بإيدى
لم تحمل كلماتها سوى الصدق فمنحته حروفها كل ما احتاج إليه ودون أن يفكر رفع كفها محاطا بكفيه لتعبر شفتيه عن سعادته بشغف هامسا : اوعدك امحى كل الوجع اللى فات في حياتك .
نهض ليقربها منه انحنى يرفعها نحوه ، تقابلت الأعين فى شغف متبادل ليقترب تابعا شغفه وتترك قلبها لشغفها الذى زاد تأججا مع كل لمسه منه .
رغم حبها له ورغبتها فيه وسعادتها لمجرد وجودها بحياته يصر عقلها على التساؤل هل سيكون محوا للوجع أم وجع جديد ؟؟؟
******
استيقظت نسمة باكرا رغم تأخرها بالنوم ، لقد واعدت بسول أن تلاقيه للتدرب باكرا ورغم رفضها الداخلى فقد وافته على الموعد .
وقفت تسرج فرسها هزيم ، أولته ظهرها فى ثقة وهو يسرج فرسه برق للتمرين . اخرجت حبات السكر فور انتهائها ليلتقمها هزيم فورا ، ابتسمت وربتت فوق رأسه وقبل أن تبتعد وجدت كف بسول يمتد نحو رأس هزيم وقد حاصرها تماما بينه وبين الفرس الذى اقترب مغتنما هذه المكعبات الغالية .
ابتسمت فى البداية لكن شدت قربه أظهرت نفورها ، دفعته بكتفها للخلف : بسول ماينفعش كده ، ابعد من فضلك .
أرخى رأسه فوق كتفها بعناد : ليه ؟؟
زفرت بضيق وقد احاطها بذراعيه ليزيد قربه منه فتزيد حدتها : بسول انت اتجننت !!
لكن بسول لم يعر انفعالها اهتماما وقال بهدوء : أهدى يا نسمة انت مراتى .
أمسكت كفيه وقد زاد تجاوزه : بسول ابعد حد يشوفنا
قهقه ببرود : مفيش حد غيرنا ومحدش هيدخل ، انت مش عارفة انا مين !! انا بسول الهادى
زادت حدتها وظهر غضبها جليا في عنف دفعها له ليزداد تمسكا بها ، رفعها بسهولة حتى لامست أنفاسه وجهها لتحذره بيأس : بسول كده ما ينفعش إحنا لسه مااتجوزناش وكدة ...
وضع ذراعه أسفل ركبتيها وابتسم بتهكم : بسيطة نتجوز
****
صعد مهران صباحاً كعادته يوم الجمعة لتناول الفطور بصحبة أخيه وعائلته فالشقيقين منذ انتقلا للعيش ببيت واحد يتناوبان الزيارة يوم الجمعة ويجتمعا صباحا حتى يتوجه الرجال لصلاة الجمعة .
تبعته روان وخالد الذى لاحظ فور دخوله تجهم والده وعمه ، نظر نحو والدته التي نظرت نحو ليليان التى تتهرب بعينيها من الجميع .
اتجه خضر رأسا نحو غرفة إياد بينما تساءل خالد : فين بسمة ونسمة ؟
لم يجبه أحد ليتابع : فى إيه ؟؟
تأفف مهران : بسمة فى اوضتها دلوك تخرچ
لم يكتف خالد وألح فى سؤاله : ونسمة ؟؟
وكزته أمه هامسة : خلاص يا خالد .
صمت مكرها أمام صمت الجميع بينما أمسك طايع هاتفه ليعيد محاولة اتصاله بها دون جدوى .
جلس خالد وروان بصمت وسرعان ما خرجت بسمة لتعيد نفس التساؤل ، نظرت ل خالد الذى حرك شفتيه دون صوت لتفهم أن شقيقتها ليست بالمنزل .
خرج إياد أيضا من غرفته بوجه عابس فهو لا يزال يرغب بالنوم ، اقترب ليجلس قرب أبيه : بابا عاوز انام
ابتسم طايع بشحوب رابتا فوق خده : روح يا حبيبي نام مش هنفطر دلوك .
أسند إياد رأسه لكف أبيه : بس انا جعان .
قاطعة بسمة أبيها : انا هفطره يا بابا
نهضت بحماس : تعالى يا إياد وانت يا خضر .
نظرت ل خالد : خالد هتيجى تفطر .
فهم خالد دعوتها ونهض فورا : ايوه جاى .
تحرك الجميع لتتساءل روان بخفوت : فى إيه يا جماعة قلقتونى .
نظر طايع لزوجة أخيه : فيه إن نسمة خرچت الساعة ستة الصبح وماعاوداتش .. بجى لها اربع ساعات برة ومابتردش على المحمول .
زادت هواجس روان ليقول مهران بحدة : العيب مش عليها العيب على اللى سمح لها بإكده .
قاطعته ليليان بحدة : انا مش فاهمة انتو مكبرين الموضوع ليه ده جوزها وبيتمرنوا عندهم بطولة
ضغط طايع قبضته : انت بتستهبلى !! ما كلمت المدرب جدامك جال مفيش زفت .. وهو فى تدريب اربع ساعات ؟ ومن ميته بتك بتروح تدريب لحالها ؟؟
انتفضت ليليان بحدة : انت ليه مش عاوز تقدر النقلة اللى بنتك داخلة عليها !! البنت اتجوزت شاب في الخارجية من عيلة كبيرة وهى نفسها اشتغلت في قناة محترمة ليه عاوز تربط حياتها هى بأفكارك انت !!
وقف أمامها طايع لتتوتر من هيئته فيقول بهدوء غير متوقع : اول حاچة صوتك مايعلاش ، تانى حاچة بتى لسه ماتچوزتش ، تالت حاچة من هنا ورايح مالكيش حكم على حد من ولادى لا بت ولا واد . من هنا ورايح انت فى البيت ده كمالة عدد وده بس لأچل الولد والعشرة اللى انت مابجياش عليها .
اتسعت عينيها بصدمة : انت بتقول ايه يا طايع ؟؟
ظل مهران على وضعيته بينما وقفت روان : استهدى بالله يا ابو اياد مش كده الولاد يسمعوكوا .
نظر لها طايع : لو بتخاف على ولادها ماكانتش سابت البنت تخرج الساعة ستة الصبح لحالها وكمان تدارى عليا
عقدت ليليان ساعديها : لا انا بخاف على ولادى ومش عاوزة نسمة تخيب خيبة اختها . قلت لك ألف مرة حرام تخيب امل البنت وتمشى وراها وأدى اخرتها ، هتجوز وتروح الصعيد مش بس كده لا دى هتجوز واحد عقيم واقل منها ، انا ما صدقت واحدة فيهم اتنصفت
أغمض طايع عينيه بينما نهرتها روان : ليليان مايصحش كده البنت تسمعك .
تحرك طايع للخارج لينهض مهران ويقف أمام ليليان ، نظر لها نظرة ارتعد لها قلبها صمت لحظات ليزيدها رعبا قبل أن يقول : انى ماجادرش اصدج انك بت عمتى الغالية .. ميته اتغيرتى إكده ؟؟ وكيف ؟؟
تهربت بعينيها ، هى لا تعلم لم لا يفكر أحدهم بشكل منطقى ، نسمة أصبحت زوجة بسول ولا ضرر فى قضاء بعض الوقت سويا ، يحتاجان للتفاهم ، للتقارب ، الفارق بينهما كبير فكريا وكم تخشى أن تواجه صغيرتها الفشل !
لم يرفضون منحها فرصة للتأقلم مع حياتها المقبلة !!
عقولهم لم تتغير منذ سنوات ولن تفعل بينما تغيرت الحياة كثيرا .
لحق مهران بأخيه لتنتفض على صوت صفعة الباب فتسرع روان من فورها نحو المطبخ تتأكد أن الصغار بعيدا عن هذه الفوضى .
****
دخل الجميع للمطبخ ليجلس إياد وخضر بينما يقف خالد قرب الموقد وبسمة تعد بعض البيض المقلى ، اختطفت نظرة له لتتساءل : هتفضل ساكت كتير ؟ ماتتكلم يا اخى .
زفر خالد بضيق : اللى فهمته إن مامتك اذنت ل نسمة تخرج مع بسول على أساس عندهم تمرين . وعمى كلم المدرب نفى الكلام ده .
قطبت جبينها متسائلة : ونسمة ماقالتش لبابا ليه ؟
رفعت المقلاة عن النار لتتابع : نسمة اتغيرت اوى يا خالد .
فتح خالد البراد ليخرج بعض العلب الحافظة للطعام : ولسه .
تناولتها منه مستفهمة : قصدك ايه ؟؟
رفض التحدث فالتحدث يعنى ذكر زوجة عمه بالسوء ، وهو لن يفعل ذلك احتراما لمشاعرها ، ليحتفظ برأيه لنفسه ، عل كل نظرته تكون وهمية وهو يبالغ فى تقدير العواقب . لذا جلس إلى طاولة الطعام : ماتشغليش بالك تعالى افطرى قبل ما سى سويلم يتصل .
ابتسمت لذكره وجلست تقدم الخبز للجميع بحماس فقد وعدها بزيارة اليوم فعليهما غدا التوجه لزيارة الطبيب .
رفعت وجهها حين سمعت صفعة الباب لتقول : نسمة جت .
كادت أن تنهض لولا أن دخلت روان للمطبخ وأغلقت الباب : لا يا حبيبتي ده باباكى وعمك نزلوا راحوا يجيبوا نسمة من النادى .
ابتسمت بتوتر ثم نظرت ل خالد الذى يثق أن دخول أمه وإغلاقها الباب خلفه أمر خطير خاصة حين جلست روان وبدأت تتناول الطعام بصمت .
****
هبط سويلم الدرج مسرعا فى محاولة للبعد عن محيط حمزة وعمته أيضا ليقول : يا بوى استهدى بالله بس
ابعد الهاتف عن أذنه لصراخ أبيه : كلمة واحدة كنت تعرف ولا لاه ؟
وصل سويلم لخارج البناية تماما ليقول : ايوه كنت اعرف ، حمزة خبرنى لما وصلت
عاد رفيع للصراخ : وماخبرتنيش ليه ؟؟
ليجيب سويلم بتساؤل اخر : وكنت هتعمل ايه يا بوى ؟؟ جولى كنت هتعمل ايه إذا كانت عمتى ذات نفسيها ماعملتش حاچة ؟ دى حتى ماجالتش لحد منينا كأنها عاوزة تخلص منيه ؟؟
صمت والده وكأنه تلقى صدمة لم يتوقعها ليتابع : يا بوى النفر منينا لازم يحس إن مرته باجية عليه ، ريداه ، حتى لو عاشرته بدل السنة خمسين .. انى ماخابرش إيه بين عمتى وچوزها لكن سلبيتها دى بتجول إنها مارايدهوش .
لم يتلق ردا من أبيه ليبعد الهاتف عن أذنه وينظر لشاشته ، تأكد من استمرار الاتصال ليتساءل : بوى !!
قاطعه رفيع بهدوء عكس الثورة التى كانت منذ دقائق : مع السلامة .
أراد أن يستوقفه لكنه أنهى المكالمة بالفعل ، نظر للهاتف بحيرة ، هو يقدر غضب والده لكن إخباره من قبله هو أمر غير لائق بالمرة ، كان على عمته أن تفعل ، لكنها لسبب ما لم تفعل ، لم يسعفه عقله بهذا السبب لكن مهما كان فهو يراها تتخلى عن زوجها بإرادتها .
****
كان رفيع يجلس إلى طاولة الطعام ويجلس الجميع حوله بصمت وترقب ، منحته رنوة كل الوقت الذي يحتاج ليهدأ بعد ثورته وغضبه أثناء مهاتفة ولدها صباحا .
كانت تعلم أن رحمة لن تحارب لأجل محمد ، رغم محاولاته ومحاولاتهم .هى لسبب لا يعلمه أحد تخلت عن الأمر كاملا واسقطته فوق كاهل ابن عمها .
ربما خوفا من التغيير !!
ربما عدم رغبة في التغيير !!
وربما لعدم قناعة بحاجتها للتغير !!
كانت سيلين آخر من انضم للطاولة لتتساءل : مالكم ساكتين ليه ؟؟
نهرها سليم بنظرة لتبتسم وتشاغب أبيها : مالك يا بابتى ؟ اوعى يكون حد من العيال دول مزعلك ؟ انى اودرهولك
قطب دياب جبينه ليقول بتهكم : مش لما تعرفى تنطجيها الاول !!
نظر له سليم وجارى تهكمه : والواحد لو كح فى وشها هتموت من الخضة .
ظل ثلاثتهم فى سلسلة العند الطفولى بينما كان تركيز رنوة كاملا منصبا على رفيع وردود أفعاله .
كان رفيع غارقا فى أفكاره وغير منتبه لأى مما يدور حوله ؛ ابنه محق .. يحتاج الرجل شعوره برغبة حبيبته ، هذا الشعور يدفعه لمحاربة الحياة والتمسك بها أكثر .
رفع وجهه ليتوتر الصغار بينما نظر لزوجته مباشرة وتساءل : رنوة لو جولت لك بدى اتچوز عليكى هتعملى إيه ؟
صمت الجميع وتعلقت العيون ب رنوة التى لم تتحرك عينيها إنشا واحد عن عينيه المشتعلة ، رفعت حاجبا بتحد واضح وقالت بثقة : هتختفى من حياتنا فى ظروف غامضة .
انفجر سليم ضاحكا ليركله دياب أسفل الطاولة وتصفق سيلين بحماس .
أسند رفيع ذقنه لكفيه المجتمعين ونظر لها دون أن يهتم بالصخب حوله وعاد يتساءل : هتجتلينى !!
لم تحرك ساكنا وهى تتطلع لعينيه لتجيب : زى ما هتقتلنى تمام .
نهضت عن الطاولة مباشرة وغادرت المكان بينما انشقت شفتيه رغما عنه معبرة عن صراخ قلبه السعيد ، فهى لن تتخلى عنه مطلقا وما الذى يحتاجه من الدنيا بعد !!؟
نظر فى أثرها وقد تبدل حاله والان هو على استعداد تام لتلقى عقابه ومواجهة تبعيات سؤاله الأخرق .
******
فتح عينيه بتثاقل شاعرا بدفئها بين ذراعيه ، دفء يحيى قلبه ويزيد رغبته في هذا القرب ، لحظات تخيلها هى حتى تهادت نظراته فوق موجات شعرها الكستنائية ، رفع رأسه ناظرا لملامحها المسترخية قبل أن يغمض عينيه مجددا ويعود بذكرياته لأيام زواجه الأولى من رحمة .
لم تقبل تلك الاستكانة مطلقا ، وكان يظنها تتدلل ، تخجل ، تشاغبه ، لم يفكر قط أنها تنفر من هذا القرب .طالما عوض رغبته في قربها بتوسد ساقيها الذى لم ترفضه مطلقا ، هذه هى ، المرأة التي لم يفهمها مطلقا .
أشاح بوجهه ليطردها من أفكاره ، كيف يضم امرأة ويفكر بأخرى !!!
ياله من فظ غليظ القلب !!
عاد يفتح عينيه وينظر للراحة على وجهها ، ارتفع كفه مبعدا تلك الخصلات للخلف قبل أن يهمس : وفية ...
همهمت بنعاس ليسحب ذراعه الذى تتوسده ببطء ، فتحت عينيها وابتسمت له ثم اغمضتهما مجددا ، اقترب مقبلا رأسها : خلاص خليكى نايمة وانا هنزل اصلى الجمعة .
اعتدلت جالسة فجأة بشكل افزعه وأعاده للخلف بتلقائية ليتساءل : إيه مالك ؟؟
رفعت كفيها تضم جانبى جبهتها بقوة : اااه .
ضم كفيه كفيها بلا تفكير متسائلا : حصل ايه يا وفية مالك ؟
ابتسمت رغم شعورها بالدوار : مفيش حاجة ماتقلقش ، فكرت انى بحلم بيك .
جملة عفوية صادقة تقلب موازين قلبه فى لحظة وتحوله من الهدوء والتعقل إلى الثورة والجنون لتزيده جنونا برقة أذابت كل أفكاره الصباحية فلم يعد يذكر سواها .أو يرى سواها ولم يتردد لحظة فى إتباع هذا الجنون الذى يحيه ويرمم تصدعات قلبه .
******
نظر لها بسول بغضب فرغم احتجازه لها فى غرفة الملابس لأكثر من ساعتين إلا أنه لم يصل لمبتغاه بعد ، وقفت قرب الباب بغضب لتقول بلهجة آمرة : افتح الباب واللى حصل ده مايتكررش .
انتفض بسول يهندم ملابسه : هو إيه اللى حصل علشان مايتكررش ؟؟
أمسك ذراعها بقسوة : ده إحنا ولا المراهقين !! انت ليه رجعية كده ؟؟
اتسعت عينيها دهشة : رجعية ؟؟
دفعها للخلف : ايوه رجعية .. انا حبيتك لأنك ملتزمة ومالكيش علاقات .. فرحت انى هكون اول راجل فى حياتك ..قولت نكتب الكتاب علشان تبقى براحتك معايا لكن بالشكل ده انت مش ملتزمة انت رجعية وأفكارك متخلفة .
اتجهت نحو الأريكة تسحب حجابها بغضب ، عكصت شعرها بفوضاوية لتضع الحجاب فوق رأسها ، بدأت تدور حول نفسها بغضب مجددا حتى أعادت هيئتها لما كانت عليه قبل دخولها تلك الغرفة إكراها .
كان يفعل المثل وينظر لها بحدة وقبل أن تصل للباب قال بحدة : واضح إننا استعجلنا
ثم فتح الباب واخترقه بغضب ليصل إلى ساحة التمرين ، كانت خلفه تماما وقبل أن يمتطى فرسه كان فرسها يتجاوزه ليرى غضبها من خلاله .
امتطى فرسه وقبل أن يتحرك اهتز هاتفه ، رفعه ليرى اسم حارس البوابة ، أجاب بهدوء : فى إيه ؟
جاءه صوت حارسه : يا باشا والد الآنسة نسمة هنا ومعاه واحد لابس صعيدى .
ابتسم بسول وقال : محدش يوقفهم خليهم يدخلوا .
وضع هاتفه بجيبه وانطلق لاحقا بها .
*******
كادت أن تغفو مجددا لكن رنين هاتفه ازعجها ، تأففت وتحركت لتضع الوسادة فوق رأسها حتى اختفى الصوت ، لحظة من الهدوء وعاد مجددا ، رفعت رأسها لتطالعه فى زاوية يقف بين يدى الله ، امتد ذراعها نحو الهاتف تنظر لشاشته فترى صورة زينة تزينه ودون أن تفكر أجابت : سلام عليكم .
جاءها صمتا بعد شهقة مصدومة لتشعر بالحرج الشديد فتبرر موقفها بتلعثم : اسفة انى رديت بس خوفت تقلقى ومحمد بيصلى .
لم يأتيها رد أيضا ليزداد شعورها بالحرج ولا تدرى كيف تنهى المحادثة ليأتيها صوته منقذا : مين يا وفية ؟
نظرت نحوه فورا وقدمت له الهاتف ليلاحظ رجفة كفها وهي تهز كتفيها علامة لا أدرى و تقول : زينة
تناوله منها مبتسما ليرفع عنها هذا التوتر ليجيب فورا : ازيك يا زينة ؟ وحشتنى يا حبيبتي .
تسطحت بالفراش تتصنع النوم رغم أنه ابعد ما يكون عنها في هذه اللحظة .
*****
وصل طايع لساحة التمرين ليرى فرس نسمة يشق الحواجز وبسول يلحق بها ، تصنع بسول التفاجؤ واسرع نحوها ليقول : باباكى وعمك هنا ، انا بقول ناخد رأيهم في موقفك .
تلفتت لتجد أبيها وعمها ، كيف ستنظر لهما إن اخبرهما بالفعل ؟؟
رأى التوتر وارتعاش اللجام بين كفيها ليقترب بفرسه منها ويدور حولها : ماتخافيش انا عارف انهم صعايدة ودماغهم مقفلة وممكن يأذوكى .
نظرت له بحدة : بابا عمره ما يأذينى .
خلع قبعته ليتساءل : تحبى نجرب ؟؟ اروح أقوله بنتك فضلت فى حضنى ساعتين !!!
جذبت لجام الفرس ليصهل بقوة وهي تقول : بس ده ماحصلش
اقترب بجزعه العلوى منها : خليه يشوف ويحكم بنفسه .
أتاها نداء أبيها بإسمها لتنظر له ثم تنظر ل بسول الذى قال محذرا : اللى حصل مايتكررش ، تدلعى شوية اوكيه لكن ترفضينى ممنوع .. فاهمة ؟؟
اومأت بصمت وجذبت لجام فرسها لتتجه نحو أبيها وهو يتبعها .
******
عاد للغرفة بعد أن أنهى المحادثة التى طالت ، شعرت فى أثناء ذلك بالملل والتوتر لذا نهضت عن الفراش وبدلت شراشفه بأخرى ثم ارتدت مئزرها وجلست عاقدة ساعديها بصمت ، اقترب منها متعجبا هذا التغيير السريع لقد أخبرته قبل أن يتحمم أنها تشعر برغبة في النوم وخمول شديد .
جلس بجوارها : مالك يا وفية ؟ مش كنت عاوزة تنامى ؟
نظرت له بإضطراب : اسفة انى رديت على موبايلك بس خوفت المكالمة تفوتك .
ابتسم لتوترها الشديد وانتقل ليلتصق بها ، أمسك هاتفه وقد احاطها بدفء ممتع : شوفى يا قمر . دى زينة بنتى فى كلية تجارة .. وده حمزة ابنى فى كلية هندسة .. فى البكالوريوس السنة دى .
ابتسمت وفية وقد زال كل توترها بمجرد أن تعرفت إلى شخصية زينة التى ظنتها زوجته ، استكانت للدفء الذى يبثه فيها وتساءلت : ليه مش عرفتنى قبل كده ؟؟
همس محمد : انا عارف إن جوازنا جه بسرعة ، واكيد جواكى مخاوف كتير من ناحيتى ، لكن صدقينى يا وفية انا كنت خايف اقرب منك ، لحد اخر لحظة خايف ترجعى فى قرارك ومانتجوزش
ابتعد عنها قليلا : انا كبير عليكى اوى وعارف إن والدك رافض جوازنا .
تقربت هى منه لتقول بلهجة منكسرة : انا كمان كنت خايفة تغير رأيك ، خايفة اكون في حياتك نزوة زى ما قال بابا ، خايفة ترجع لبيتك ومراتك وتسبنى ، بس لما خدتنى فى حضنك امبارح طول الليل الخوف راح ، محمد انا بحبك ومش هسيبك بس كنت خايفة انت تسبنى .
غرسها بصدره دون أن يفرط متسائلا : وفية انت فى عمر ولادى انا مش مصدق لحد دلوقتي انك مراتى
أبعدته بسخط : ولادك مين ؟؟ انا عندى اتنين وتلاتين سنة ابقى من عمر ولادك ازاى يعنى ؟؟
ضحك محمد لهيئتها الهجومية وتحفزها الواضح : اول مرة اشوف واحدة بتعلن عن عمرها عادى كده !!
اتسعت عينا وفية وشهقت بفزع : ليه هو انت عرفت كام واحدة ؟؟
انفجر ضاحكا لغيرتها التى تسعده كثيرا ويسعده أكثر بوحها بها بتلقائية .لحظات وتناست كل خمولها وآلامها البدنية وبدأت تهاجمه وكانت بقامتها القصيرة مثيرة للضحك وكلما علت ضحكاته كلما زاد جنونها الذى لم يمانعه بل يخطط لينهيه كما يحب .
*******
اقترب بسول مرحبا : اهلا يا عمى ازى حضرتك ؟
نظر لهما طايع بحدة وقال لابنته : من امته بتروحى تمرين لوحدك ؟
أجاب بسول عنها : ماتقلقش يا عمى انا معاها وانا جوزها
قاطعه مهران بحدة : المفروض تكون فاهم إن فى فرج بين العجد والبناء ؟
هز كتفيه بلا مبالاة : عندى مفيش فرق ..نسمة مراتى وعمرها ما هتكون غير كده .
رأى طايع خلافا وشيكا ، لكم يتمنى أن يفتك بهذا الشاب الذى لم يرع هيبته كأب ، بل لم يلتفت لوجوده وتحايل ليحظى بوقت معها دون رغبته .
رغم راحته لوجودهما بساحة التمرين إلا أن تحايله ذا يشعره بنوايا غير جيدة ينتويها هذا الشاب لذا نظر لابنته فورا : غيرى هدومك هنروح .
اومأت موافقة ليشتعل بسول غضبا فهى لم تهتم سوى لرأى أبيها وكأنه غير موجود لذا توعد لها قبل أن يجذب فرسه مبتعدا : روحى انت انا هتمرن .
****
سمح لهم الطبيب برؤية همت ليكون جدها اول من يدخل إليها ، ابتسمت لرؤيته رغم الوهن الذى يغلف ملامحها لتهلل بخفوت : زيدااان
هرول نحوها : نعمين يا جلب زيدان .حاچة بوچعك .
ظهر الضيق على ملامحها: عاوزة ..أم .. امشى اروح عندك .. اوعى تودينى..عن عن عنده انا بخاف منيه جوى .
لم يكن بحاجة للتساؤل عن هوية المتحدث عنه لذا ابتسم ببشاشة : ماتخافيش يا همت ماهتروحيش عنديه تانى واصل .
تأوهت بألم : اااه ..جلبى ..بيوچعنى ..ويدى كمان .
ربت فوق كفها بحنان ونظر للممرضة التى ترجوه بعينيها ألا يزيدها جهدا فهى كما أخبره الطبيب لن تتحمل اى جهد ، اخفض عينيه بألم لحال تلك الصغيرة التي لم تنل من الدنيا إلا الألم .
شرد عنها بما أخبره به حفيده يزيد صباحا ، أخبره أن منصور ؛ ابن أخيه الذى خان كل صلات الدم قد جمع من أموال ابنته ما مكنه من شراء مزرعة خاصة به فى أحد النجوع التى تبعد عنهم بقدر كاف ليختفى عن أعينهم .
لذا تجرأ بهذا الشكل ، لقد تعجب تخليه عن سليمة بهذه البساطة لكنه فهم اليوم أن منصور لم يعد بحاجتها ليحتفظ بها .
***
أعدت حياة طعاما بكميات قليلة وتجهزت بعد مغادرة مازن وصحبت مروة لتغادران بهدوء .
فتحت الباب لتنادى هامسة : هيا ..
وألقت ما بين يديها مهرولة نحو المرحاض فور سماع صوت تقيؤ هيا الصادر عنه . تبعتها مروة بصمت لتجدها قد أحاطت خاصرة هيا بذراعيها : تعالى يا هيا كفاية يا بنتى .
تملك الإعياء منها كليا لتترك ل حياة أمر عودتها للغرفة وهى على ثقة أنها ستكون بخير ما دامت حياة ومروة هنا .
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل التاسع عشر من رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع أيضا: جميع فصول رواية الفريسة والصياد بقلم منال سالم
تابع من هنا: جميع فصول رواية اماريتا بقلم عمرو عبدالحميد
تابع أيضاً: جميع فصول رواية انتقام اثم بقلم زينب مصطفى
اقرأ أيضا: رواية شرسة ولكن بقلم لولو طارق
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا