مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية صعيدية جديدة للكاتبة المتألقة والمبدعة قسمة الشبينى التي سبق أن قدمنا لها العديد من القصص والروايات الجميلة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن والعشرون من رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى.
رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى - الفصل الثامن والعشرون
اقرأ أيضا: روايات رومانسية عربية كاملة
رواية الشرف ج4 قسمة الشبينى
|
عشرة أيام منذ رحلت أمها عن الدنيا وهى تلتزم الصمت ، يعلم أنها كانت تتحدث إلي زيدان ؛ وحده خصته بذلك حتى سحقت قلبه سحقا ، كلما تحدث إليها لم يجد إلا نظرات خاوية بلا روح وبدن خامد بلا رغبة في الحياة .
شحب وجهها كثيرا ، تجاهد زوجته لإطعامها يوميا فلا تقبل سوى بأقل القليل ، عادت الحياة لطبيعتها وعاد هو لعمله وزوجته لعملها كما أن جمعيتها الخيرية تتطلب الكثير من الوقت .
بدأت عفاف تشعر بالخطر ، حالة همت لا تنبأ بخير ، حاولت كثيرا حث هاشم على القبول بما يعيد لها الحياة لكنه يخشى أن يحاول أن يمنحها الحياة فيفقدها إياها.
بدأت عفاف تصحبها معها لمقر الجمعية ورغم أن ذلك أمرا غير مألوف لم تظهر حماسا له على غير العادة .
أخر هاشم تقسيم الإرث كما طلب يزيد رغم أنه يصبو لنزع زوجة أبيه عنه .
***
يرتدى دياب ملابسه فى عجالة كعادته ويثير فوضاه الصباحية فى المنزل ، تقف دينا تراقبه بوجه شديد العبوس بشكل مضحك لتقاطع هرولته : دياب
نظر لها بحدة: ماتحاوليش الجضية دى لازم احضر فيها بنفسى . وبعدين بجالى يومين جاعد فى الدار كيه الحريم .
تمتمت ببعض الكلمات التي تجاهل سماعها لتتذمر : مش كفاية روحت المحكمة تالت يوم چواز .
اقترب ليحاصرها دون تلامس : ماكانش تالت يوم كان سادس يوم ..شكلك ساجطة حساب .
عادت تتذمر وتحدث نفسها لينظر لها بإفتنان واضح : أچيب لك إيه من المركز ؟
اتكأت إلى الجدار تنظر له نظرة حب لم يخطئها قلبه الذى يرفض بشدة مغادرته مثلها تماما .
ابتعد بدنه عنها هربا من سيطرتها وقلبه لتزفر بضيق : خلاص هات لى كتاكيتو وانت چاى .
نظر لها بدهشة : كتاكيت !! شيعى هاتى من السوج . كتاكيت إيه اللى أچيبها من المركز .
اندفعت نحوه : كتاكيت إيه يا دياب ، كتاكيتو دى حاچة حلوة .زيدان كان بيچيلهالى من المركز .
احكم ربطة عنقه وهو يطالعها عبر المرآة مثيرا غضبها : أما اشوف .
ضربت الأرض بقدمها كطفلة : لو ماچبتش كتاكيتو ماهدخلكش من الباب . انا جولت لك اهه .
ضحك دياب لهذا التهديد الذى يثبت مدى عشقها لتلك الحلوى التى تطلبها ، رغم أنه لا يعلم كيف سيحصل عليها ، يكفى اسمها الاحمق من وجهة نظره.
******
وصل دياب لمقر الجمعية عصرا حيث سيجد هاشم وعفاف فى هذا التوقيت . كانت همت تجلس بصمت مرخية رأسها للجدار ، لم تخشه يوما لذا اقترب منها : ازيك يا همت ؟
نظرت له ولم تجب ليتابع : انا عاوزك تاچى المركز بكرة . إيه رأيك ؟
لا رد ولا تفاعل فقط أعادت رأسها للجدار وصمتت
تقدم للداخل ليستقبله زناتى مرحبا قبل أن يصل ل هاشم اخيرا .
جلس ثلاثتهم ليقول دياب : خيتك حالتها متأخرة يا هاشم .. انت بتجتلها بالبطئ .
نقر هاشم فوق المكتب متجاهلا : عملت ايه يا دياب ؟
زفر بيأس لصلابة رأسه تلك مخرجا من جيبه بطاقة همت الشخصية : كده همت ليها أهلية جدام الحكومة
تناولها هاشم بلهفة ناظرا لصورتها الشاحبة التى جاهد وزوجته لرسم بسمة فيها .
تابع دياب : خيتك تمت واحد وعشرين سنة من خمس شهور يعنى مفيش وصاية عليها إلا إذا ثبت عدم اهليتها وده لوحده محتاچ جضية وتحويل لمستشفى وحكاية كبيرة وتاخد وجت كتير المهم هتاچوا بكرة تعملوا توكيل لأچل ابدأ إجراءات الورث .
أومأ هاشم متسائلا : هى عملت لك توكيل ؟
نهض دياب : ايوه وهرفع جضية الخلع زى ما اتفجنا مع يزيد بعد سبوع .
رافقه هاشم وعفاف للخارج ليتذكر تلك الحلوى بسيارته ويفكر في منح همت إحداها لعلها تسعدها قليلا ، استوقفهما ليعود بعد لحظات مقدمها لها : همت تاخدى حاچة حلوة ؟
نظرت همت له بعدم اهتمام تحول للنقيض فورا وهى تخطف منه الحلوى وقد تهلل وجهها ليتعجب هاشم بينما ابتسمت عفاف : كتاكيتو يا دياب !!
نظر لها دياب تاركا همت مع سعادتها بالحلوى التى ضمتها لصدرها بدلا من إلتهامها : اعمل ايه حكم الجوى . هى شبر ونص بس مايهونش عليا زعلها .
ابتسمت عفاف براحة : ربنا يسعدك يا دياب .
بادلها بصدق : ويسعدك يا خية .
طرب قلبها للقب الذى ناداها به توا ، حقا هذا هو احساسها به هذا هو تفسير مشاعرها تجاهه ربما لم تصل إليه قبلا لنقصانها الإخوه ؛ وهو كذلك .
نظر دياب ل هاشم الذى يتابع همت ليقول : زيدان كان بيچيبها من المركز .
التقت نظرات هاشم الغاضبة بنظراته التى تتهمه بالتقصير ليفر من أمامه رافضا الانصياع .
مد كفه بجيبه مخرجا قطعة أخرى : خدى يا عفاف يمكن تعچبك .
تناولتها منه شاكرة : هى حج ربنا حلوة .بس خليت إيه ل دينا عاد ؟؟
حمحم دياب : ما أنا چايب لها علبة مش كل يوم هروح أجيب البتاعة دى 😂
غادر دياب بعد قليل معتذرا على أن يلاقيهم صباحا ، دارت عفاف لتلحق بزوجها فوجدت عينى همت معلقة بقطعة الحلوى التى قدمها لها دياب ، اقتربت منها متسائلة : ريداها ؟
بدلت همت نظراتها بين وجهها والقطعة لتومئ بالموافقة فتمنحها لها مع قبلة محبة .
*****
تأوه مازن بضعف والممرضة تضبط فراشه مجددا بناءا على طلبه لعدم شعوره بالراحة .
لم يعد يشعر بأى راحة مهما تجرع مسكنات أو حقن بمهدئات ، يزول الألم لفترة وجيزة ثم يهاجمه كموج ابيض الزبد فيغمره بالاوجاع .
تنهد بألم وهو يتذكر ذلك اليوم الذي أوقف ابنة عمه وأصر أنها ستكون له ، لقد ظن حياة عمه متصدعة ولن يتطلب الأمر جهدا وتكون زينة طوع بنانه .
لكن بعد وصوله لمتجر أبيه بمدة لا تزيد عن ساعتين حتى وجد عمه يقتحم المتجر وينهال عليه ضربا .
لم يكن يراه بتلك القوة أيضا ، لقد حطم فوقه المكتب وثلاثة مقاعد متسببا له في كسر ذراعه الأيمن وضلعين وعدة جروح بالإضافة للكدمات والسجحات ،وكلما حاول العاملين إنقاذه نالهم منه ما يعيدهم للخلف حتى لم يعد عمه قادرا على المزيد ليهمس بإذنه محذرا : انا عملت حساب دم اخويا اللى بيجرى فى جسمك النجس ، مرة تانية تقف فى طريق زينة هخليك ماتنفعش خالص .
ودفعه أرضا مطمورا بدمائه واوجاعه دون كلمة ومذاك اليوم يأتى أبيه وأمه يوميا للجلوس جواره دون حديث .
لم يوجه اى منهما إليه كلمة واحدة ، فقط صمتا شديد الصرامة لا يزيده إلا ألما .
طرقات خافتة قبل أن تدخل هيا ، رفع عينيه لها ، لقد تكورت بطنها قليلا لكن ردائها الواسع يخفيها تماما ، لولا حفظه تفاصيلها الدقيقة ما انتبه لذلك التكور الذى يخفى صغيرا له بالداخل .
نظر لها بحدة : جاية تشمتى فيا ! اقدر اعرف الهانم المحترمة كانت فين ؟
جلست هيا وكأن غضبه لا يعنيها : زى ما انت يا مازن !
اهتز داخليا لتتابع : كنت بحافظ على ابننا .. بحافظ عليه منك
صمتا لحظة ثم تابعت : إحنا الاتنين نستاهل الوجع يا مازن . يمكن انا اتفتنت بيك وفكرت نفسى بحبك ، لكن انت كنت عارف انك مابتحبنيش .. ليه وهمتنى بحبك !! ليه وعدتنى انك ليا !!
قاطعها بحدة : انا ماضحكتش عليكى ماتغالطيش نفسك !!
ابتسمت بتهكم : فى دى معاك حق .. انا ضحكت على نفسى وشوفت اللى عاوزة اشوفه .
نظرت أرضا بخزى : اللى بينا ماكانش حب يا مازن اللى بنا كان شهوة اتحكمت فينا واحنا مشينا وراها ، الحب مش كده . الحب قرب أرواح وتفكير ونفوس قبل الجسم .
عاد يتهكم : بقيتى فيلسوفة !!
زفرت ورفعت رأسها : سيبك منى انا خلاص مش فى حسبتك .. اللى فى حسبتك واحدة تانية ، بريئة ونضيفة وانت ماتستاهلهاش .
انتفض ليتأوه فورا : زينة بنت عمى و ..
مش بتحبك .
ابتلع حروفه لتؤكد : مش بتحبك ولا هتحبك ، زينة مستحيل تكون لواحد كان لغيرها .. افهم بقى .
استقامت لتتابع : انا جيت لك من ورا بابا محمود . حرام عليك اللى بتعمله فيهم . انت وجع .. وجع لكل اللى يقرب منك . راجع نفسك يا مازن قبل فوات الاوان . عن اذنك .
اتجهت نحو الباب ليتساءل : هتختفى تانى !
هزت رأسها نفيا : لا مش هختفى هقعد مع بابا محمود لحد ما أولد وبعد كده كل واحد مننا يروح لحاله . انا وانت طرقنا متفرقة وعمرها ما تتقابل .
تابعها حتى اختفت عن ناظريه ، بعد كل ما جرعها إياه من إذلال لازالت قادرة على المواصلة !!
ماذا عن أبويه ؟
لما يرفضان التحدث إليه ومتى ينتهى هذا العقاب ؟
زفر بضيق وآلامه تعود تنخر بدنه .
******
تسلل دياب كعادته للمنزل ، هى حتما بالمطبخ تعد غداءه وتترنم بإحدى أغنيات نجاة ، منذ اكتشف صوتها الدافئ وهو يتسلل ليستمع لغنائها دون أن تشعر ويباغتها حين تنتهى لتثور وتتهمه بتعمد قتلها للتخلص منها . وكم يعشق نفى تلك الجريمة عنه !!
لم يجدها بالمطبخ ليتجه نحو الغرفة وما إن دخلها حتى صدح صوتها من الحمام الملحق ، يبدو أنها تنظفه .
زاد قربا ليأتيه صوتها ، كانت تغنى ل نجاة كالعادة ، ظل خلف الباب حتى قالت : يا ورد يا ابو الشوك ارتاح
مش كل الحلوين تفاح
ابتسم وفتح الباب عنوة : لا منچ ..
ليبتلع حروفة مع بعض قطرات من سطل الماء الذى قذفته بوجهه صارخة .
رفع يديه شاهقا لبرودة الماء وقبل أن يستوعب ما حدث كانت استغلت قصر قامتها وفرت من اسفل ذراعه . استدار يلمح طيفها الهارب : اهلك ناس طيبين اجول إيه يا مچنونة انت ؟
خلع قميصه ليلقى به أرضا : ديييينا
صرخ باحثا عنها بلا جدوى ، دار بالردهة كاملة والمطبخ وجاب الغرف وكأنها تبخرت .عاد يضرب كفيه ساخطا : الأرض انشجت وبلعتك إياك !!
توقفت خطواته فجأه ليعود أدراجه باحثا أسفل الأريكة حيث تختبأ منه .
تقابلت اعينهما لتبتسم وتشير له بكفها فيفعل المثل : اطلعى
هزت رأسها نفيا ليعيد بحدة : اطلعى بدل ما اچيلك
ضحكت فورا : تاچى فينك !! ده دراعك هيفوت بالعافية 😂
استقام يتلفت حوله بغضب قبل أن يمسك بالأريكة من ناحية ويرفعها للاتجاه الآخر ، قبل أن تحاول الفرار كانت الأريكة مستلقية رأسيا وكفه يمتد ليمسك ملابسها من الخلف لتتزامن شهقتها مع إفاقتها من الصدمة .
نظرت له فورا برجاء : هتضرب مرتك يا دياب !! دى مروءة بردك ؟؟
قطب جبينه مدعيا التركيز : مرتى !! مش انا ديناصور مچنح !! وكد ضلفة الباب كمان !! يبجى انت يا شبر ونص مرتى كيه يعنى ؟؟
ربتت فوق صدره العارى هامسة : انت صدجتك !! انا بضحك وياك .
أشارت نحو رأسه ليقربها منها فتقول بجدية : ربنا لما بيكتب اسم بنت حوا على ابن آدم لازمن يكملوا بعض .انت خلجتك تجطع الخميرة من الدار وانا بفرفشك هبابة .
زادت طينها وحلا لتشعر به ينحنى وفى لحظة استقرت فوق كتفه صارخة : يا مرى .. هتضربنى يا دياب .
ليصيح دياب : هجرشك بسنانى يا شبر ونص . انا خلجتى تجطع الخميرة من الدار . ده انا هعملك رغيفين واتغدا بيكى يا آخرة صبرى انت .
*****
يجلس عارف وبسول أمام طايع وقد تخلف مهران إعتراضا على إتمام الزواج .
ابتسم عارف بظفر : يبقى متفقين الاسبوع الجاي الفرح .
أخرج من حقيبته دزينة مغلفة قدمها ل طايع : دى دعوات الفرح ، جاية من باريس . دى مجموعتكم واحنا هنوزع المجموعة التانية .
لم يتحرك طايع ليضع عارف الدعوات فوق الطاولة بينما اقترب طايع بجذعه العلوى : يبجى من النهاردة ليوم الفرح مااشوفش نسمة نازلة تجابلك .
ابتسم بسول : انا مش هعطلها خالص . انا فاهم عندها حاجات كتير غير التدريب وشغلها . اطمن يا عمى مش هنتقابل طول الاسبوع .
زفر طايع بضيق ليستقيم عارف مشيرا لولده الذى اتبعه بصمت ، غادرا لتدخل ليليان : ها اتفقتم على ايه ؟
مسح وجهه مستغفرا : اتفجنا !! نسمة متفجة وياه على اخر السبوع .. يعنى كلامى تحصيل حاصل .
أمسك الدعوات ينظر لها بحسرة : دول طابعين الدعوات كمان .
رفع عينيه بحزن كامن : هو انا غلطت في تربيتها للدرچة دى !! هى طول عمرها أنانية ولا دى خصلة چديدة !!
ألقت رأسها للخلف لتجيب بحسرة : كلكم بتدفعوا تمن غلطى انا .
نظر لها لم يعد واثقا من ذلك ، لقد أخطأت بالفعل ، لكن أخطأت بحق الفتاتين فلم اختارت نسمة هذا الطريق !!
يبدو أن الأمر تخطى خطأ ليليان ، الأمر مناط لشخصية ابنته وخياراتها التى أصبح واثقا أنها لن تشركه فيها مجددا . وكم يؤلمه هذا !!
*****
تجلس دينا فوق الفراش وامامها علبة الحلوى وقد تناولت أكثر من قطعة بالفعل ، اتسعت عينيها بسعادة وهى تلتقط قطعة أخرى غافلة عن عينيه التى تحيطها بحنان .
مد كفه وجذب القطعة من بين أناملها قبل أن تفضها قائلا : اتغدى الاول بطنك هتوچعك إكده .
تلهفت خلف القطعة المختطفة رغم وجود غيرها : هاكل دى وبس .. لأچل خاطرى يا دياب
ليعترف هو عاجز أمامها تماما ، لا يمكنه رفض رجائها مهما حاول .
أعاد القطعة لتفتحها وتدس قطعة منها بفمه قبل أن تقفز عن الفراش مهرولة للخارج .
تذوقها بتمهل ، هل هى لذيذة بالفعل أم أنه يتخيل ذلك لشدة تلذذها بها ؟؟
سيبحث هذا الأمر لاحقا أما الأن فعليه إدراك منبع سعادته الذى فر للتو ، تحرك فورا للخارج يبحث عن شق روحه الذى وهب لتزهر حياته بها .
*******
اخيرا وصلت رحمة ويمكنه بدءا من الليلة أن يقضى ليلته محتضنا دفء وفية ، لم يهتم بإفتراش رحمة الأريكة مجددا ليلة أمس ، هو لن يطلب منها العودة لفراشه حتى تمل هجره وتعود من تلقاء نفسها .
ابكر فى العودة للمنزل رغبة في قضاء اليوم كاملا بصحبتها وها هو يجلس إلى الطاولة منتظرا خروجها من المطبخ .
جلست أمامه تبتسم بتوتر ليبدأ تناول الطعام منتظرا تمكنها من شجاعتها لتتحدث .
ظلت تعبث بطعامها وتختطف النظرات له ، ترك الطعام ومد كفه مجبرا وجهها على النظر المباشر لوجهه : قولى اللى انت عاوزاه .
تهربت عينيها وجاء صوتها مهزوزا : خايفة تزعل .
عاد كفه ممسدا جبينه مستدعيا بعض الصبر : قولى يا وفية مش هزعل .
عادت تنظر نحوه بتردد : اصل ..
حثها بهدوء : هااا .
دفنت وجهها بكفيها : أنا حامل .
تمنى أن تنظر له لكنها تخشى ذلك وفضلت إغلاق عينيها عن رد فعله الذى يتمنى أن تراه .
استمر الصمت دقيقة قبل أن تسمعه يقول : ما أنا عارف .
نفضت كفيها عنها ونظرت له بدهشة لترى بسمته تحتل وجهه : عارف !!
أومأ مؤكداً : ومستنى البشارة من اسبوع واكتر .
نظر لها بعند ونقر جانب جبهتها بسبابته : يا خوافة .
تهلل قلبها قبل قسماتها وهو يخرج من جيبه مكعب مخملى مخرجا منه خاتما رقيقا يحيط به إصبعها : جبت الهدية لما حسيت وكنت مستنيكى تتكلمى .
رفع كفها بتلقائية يلثمه برقة : مبارك يا حبيبتي ربنا يقومك ليا بالسلامة .
حبيبتك !!
رددت بدهشة مشيرة لصدرها : محمد انا حبيبتك ؟؟
احتفظ بكفها : طبعا حبيبتي ومراتى وام ولادى .
انتقلت فى لحظة إلى صدره ليحيطها بدفء ، ظلا على هذا الوضع لدقائق كل منهما يتشبع من دفء صاحبه قبل أن يحرر يمناه ليلتقط بعض الطعام يدفعه إلى شفتيها : كلى يا ام عتريس .
وعكس توقعه كالعادة لم تغضب أو تتذمر بل ضحكت ببشاشتها المعهودة : حاضر يا ابو عتريس .. ده هيبقى احلى عتريس عرفته البشرية علشان انت ابوه .
فقد السيطرة على خفقات صدره أمام رقتها الدائمة ، لم يعرف بعد أمه امرأة بمثل هذه الوداعة والرقة .
*****
وقف دياب متفقدا ساعته مجددا قبل أن ينظر للشارع مرة أخرى ، ما كان ليخطئ سيارة زيدان التى توقفت للتو فى ركن ناء ، تنهد بحزن متجها له .
اقترب مدعيا المرح : مرحب يا ابو نسب .
ترجل زيدان يصافحه وعينيه تدور بالانحاء ليقول دياب بشفقة : وبعدهالك يا واد عمى ! بزيداك چلد لروحك .
تعلقت عينيه بنقطة خلف دياب : غصب عني يا دياب ، ألمحها من بعيد وهمشى طوالى .
تنهد دياب بحزن رابتا فوق كتفه قبل أن يعود للسيارة ويعود دياب لموضعه فقد لاحت سيارة هاشم وخلفها سيارة يزيد الذى توقف ليساعد الجد بينما دار هاشم ملتقطا كف همت .
ترجلت من السيارة لتتجه عينيها فورا إلى سيارته القابعة بعيدا ليسمع أخيها صوتها الذى اشتاقه بالفعل وهى تشير بحماس نحو السيارة : زيدااان .
اتجهت الأعين نحوه ليلعنه يزيد ويفر هو هاربا مجازفا بمخالفة مرورية .
نظرت لسيارته الهاربة لتتدلى شفتها السفلى باكية : زيدان . زيدان .
ضمها هاشم بقلب منفطر : مش هو يا همت ماتبكيش .
لكنها لم تستمع وتعالى نحيبها ليقترب الجد رامقا هاشم بغضب : ماتبكيش يا حبيبتي انا هاخدك وياى وتلعبى فى الچنينة .
ما كان هاشم ليخالف قول جده مهما حدث ، زفر بضيق ناظرا نحو دياب الذى تقدم باحثا فى حقيبته عن شئ ما ليخرج تلك الحلوى : خدى يا همت زيدان جالى اعطيك الحلاوة دى .
تبدل الأسى للتبسم رغم الدموع المتساقطة وهى تلتقط قطعة الحلوى من دياب ليقول الجد بحزم : النهاردة هنخلص الموضوع ده .
نظر له هاشم بفزع ليتابع : جولت ماوعياش وهاخدها دارى وتنسى . واهى كيه ما أنا واعى بجت فى نص حالها .
رفع كفه محذرا : همت أمانة بتى هتسألنى عليها وعمر البكا والحزن ما هيطولوا عمرها .
ضرب الأرض بعكازه متابعا بحدة : واللى هجوله هيمشى على رجاب الكل .. وانت يا هاشم أولهم .
وتقدم للداخل ليخفى يزيد بسمته الظافرة لقد كان واثقا من الوصول لتلك النقطة .وها هو يحقق نجاحا لمخططه الذى لا يدرى ايسعد أخيه به أم يشفيه !!
لكنه على الأقل لن يرى سحق قلبه بعينيه كل صباح وهو يتفقد مواضعها عله يجد طيفها فيها .
****
اجتمعوا في ردهة المنزل كما أمر الجد الذى تلزم همت غرفته منذ وصولها وعدم عثورها على زيدان .
أمر الجد بإحضاره ليهاتفه يزيد الذى يتهامس ودياب منذ وصوله لتحصل دينا على رفقة أبيها الغالى .
تجولا بالحديقة يستطلع أحوالها ويتمنى لها مزيدا من السعادة ، هو لا يخطئ نبضات الحياة بعينيها ولا تجددها بوجنتيها .
اخيرا وصل زيدان ليترجل عن سيارته بقلق نحو أبيه : خبر إيه يا بوي ؟؟ چدى بخير ؟؟
طمأنه حسين : بخير ادخله چوه .
توجه للداخل ليجد دياب ويزيد يتهامسان وهاشم مطرق بصمت تجاوره زوجته .
انقبض قلبه فورا وخشى أنها أصيبت بسوء ليهرع نحو غرفة جده .
اقتحم الغرفة ليتوقف عن الحركة والحديث ، توقفت أنفاسه عن التردد بصدره حين تعلقت عينيه بها بجوار جده لتكون الخطوة الأولى لها وهى تنطلق نحوه بلا تردد لتستقر بين أضلعه فى غمضة عين .
اقترب الجد ليسحبها للخلف مؤنبا بلطف : انى جولت إيه يا همت ؟
ابتسمت وابتعدت عن زيدان الذى لم يحرك ساكناً بعد ليمسك الجد كفها متجها للخارج : حصلنا على برة يا زيدان .
جلس الجد وحوله الجميع وبجواره همت ، نظر هاشم نحوه يرجوه بصمت ليقول : انى چمعتكم النهاردة لاچل موضوع مهم .
نظر أرضا بحزن : الغالية راحت واخدت الفرح وياها .
نظر ل همت : وانى ماهأهملش الحزن يجتل اغلى الناس عليها .
اتجهت عينيه نحو زيدان : اعمل حسابك يا زيدان بكرة هنعجد لك على همت .
اتسعت عينا زيدان : وانى متأكد انك ماهتأذيهاش واصل
هرع زيدان مقبلا كفه : بروحى يا چد وآخر نفس فى صدرى .
ربت الچد فوق رأسه ثم نظر إلى همت : موافجة يا همت ؟؟ سمعى خوكى
تبدد شحوبها رغم الذبول وهى تنظر نحو هاشم : موافجة يا هاشم .. همت چوز زيدان ؟
طفرت دموع هاشم رغما عنه ليهز رأسه مؤكدا دون حديث ، صفقت همت بحماس ثم رفعت رأس زيدان : زيدان چوز همت بكرة ؟؟ همت أروسة هات فستان .
نهضت بحماس أبكى الجميع نحو دينا : دييينا چيب فستان .
ضمتها دينا ليقول حسين بتأثر : والله لأچيب لك احلى واغلى فستان فى البلد .
لتصفق مجددا وتبعد دينا متجهة نحو حسين الذى استقبلها بقلبه الباكى أخته فيها .
******
صحبها محمد إلى الطبيبة ظهرا وقد أكدت أنها بخير وطلبت بعض الفحوصات لمزيد من التأكد
لذا قرر إخبارهم فأمر كهذا لا يجوز إخفائه ، انتظر حتى تجمعوا حول الطاولة ليقول : هيجى لكم اخ او اخت .
اتجهت رأسيهما فورا إلى رحمة التى نظرت له بفزع ليتابع : مش من امكم طبعا .
انتفض حمزة لدرجة أسقطت مقعده صارخا : انت كمان هتخلف منها !!
ضرب محمد الطاولة بغضب : حمزة .. اللى بتكلم عنها تبقى مراتى وهتبقى ام ولادى .
ولادك !!
ردد حمزة مستنكرا لينتفض محمد : ايوه ولادى .. ولادى من وفية يبقوا اخواتك ودى حقيقة حاول تتعامل معاها لأن مفيش قدامك حل تانى .
واتجه بغضب نحو غرفته وسرعان ما لحق به حمزة مغادرا الطاولة .
مدت زينة كفها بتردد تربت فوق كف أمها : ماما
افاقت لتنظر لها بدهشة : فى حاجة يا زينة ؟
هزت رأسها نفيا لتتساءل رحمة : هو ابوكى قال إيه دلوقتي ؟؟
نظرت زينة أرضا : قال مراته حامل
اعتصر الألم قلبها ، لم تكن تتخيل ، زوجته حبلى وما رأته منذ لحظات ليس حلما .
ابتلعت غصة كادت تزهق أنفاسها لتتمتم : ربنا يقومها بالسلامة .
تجهم وجه زينة : بتقولى إيه يا ماما ؟؟
نظرت لها رحمة لترى ضعف أمها للمرة الأولى بحياتها ، رأت نظرات ضائعة وألم ساحق ، تخبط وانفاس تجاهد لالتقاطها .
لحظات من الصمت قبل أن تقول رحمة : زينة انت مش صغيرة وفاهمة مادام ابوكى اتجوز طبيعى يخلف ..هى من حقها تبقى ام .
ضربت الطاولة بحدة غير مبررة : طبعا من حقها
زاغت نظراتها مجددا : حقها ؛ ايوه حقها .
لم تجد زينة ما يمكنها قوله ، أمها تعانى صدمة عصبية واضحة .
نهضت رحمة فورا نحو غرفة جانبية وعينا زينة تقتفيان أثرها قبل أن تنهض لتحمل الطعام الذى حرم عليهم تذوقه .
دخلت رحمة الغرفة لتلقى ثقل بدنها إلى الباب ، أغمضت عينيها ، ماذا عليها أن تفعل ؟
كيف لم تتوقع حدوث ذلك ؟
كيف لم تحذر من ذلك ؟
حمزة !!
كيف سمحت له بالغضب من أبيه !!
كيف سمحت له بهذا الصراخ !!
هل تتجدد حياة أبيها !!
سيأخذ حمزة دور حجاج فى حياة ذلك الاخ الذى لم تلده أمه بعد !!
شهقت فورا ليزداد الفزع والذى قادها مباشرة نحو غرفة حمزة .
دخلت من الباب وكان دافنا رأسه بين كفيه : حمزة .
رفع عينيه ليستقيم فورا : تعالى يا ماما
وقبل أن تتحدث عاجلها بقوله : ماتخافيش وماتشليش هم .
نظرت له بضياع : اخاف !!
أجلسها مؤكدا : لو خلف بدل الولد عشرة انا ماليش غير اخت واحدة .. زينة .. زينة وبس .. ماليش اخوات من غيرك يا ماما .
انتفضت رحمة : لا ليك .. اخواتك من ابوك .. انت الكبير اللى لازم يراعى الكل .. انا مش هسمح لك يا حجاج انت فاهم !!
نظر لها بدهشة : ماما انا حمزة .
نفضت رأسها بضياع : حمزة !! ايوه حمزة مالك يا حبيبي !! ينفع ولد مؤدب يزعق كده قدام باباه !!
زادت دهشة حمزة وحيرته لتتابع : انا علمتك كده يا حمزة ؟؟
رفعت سبابتها محذرة : اول ما تشوف بابا لازم تعتذر له .. ماشى
أومأ حمزة بصمت وخوف ظنا أنها تهلوس لتقترب منه مقبلة جبينه بحنان : شاطر يا حمزة .. طول عمرك شاطر وبتسمع كلامى .
ثم اتجهت للخارج بملامح مسترخية هادئة ليزداد توجس حمزة .
غادرت غرفة حمزة وكانت زينة لازالت تهتم بالطاولة ، تبعتها بعينيها حتى أغلقت باب غرفتها لترتمى فوق المقعد وفى لحظات كان حمزة أمامها متسائلا : ماما راحت فين ؟
أشارت لغرفتها : دخلت جوة .. ماما مصدومة يا حمزة .
تمكن الغضب من حمزة مجددا : ولسه ياما نشوف من الهانم الجديدة .
نظرت نحوه زينة بقلق ؛ لم يكن حمزة مطلقا بهذا القدر من القسوة .
ظلت عينيه محدقة فى الباب المغلق بصمت .
بينما ظلت رحمة منذ دخلت مكانها لم تتقدم خطوة ، نظر لها محمد و زفر بضيق ثم عاد لشاشة الهاتف .
ظلت لدقائق تتخبط قبل أن تتجه نحو الأريكة ، وقفت وقد تملكتها الحيرة لتهمس : محمد .
لم يرفع عينيه وهمهم بضيق : نعم يا رحمة !
توقع هجوما جديدا أو اتهاما بالخيانة ، توقع بكاءا أو ترهات حول ما أخبرها به لكنها قالت برجاء : ممكن اجى انام جمبك .
ارتفعت عينيه فورا ينظر لها بتعجب قائلا : طبعا يا رحمة انت بتستأذنى !!
اندفعت إلى الفراش بخطوات متسرعة متخبطة وما إن لامسته حتى كانت بين ذراعيه فى لحظة .
وضع الهاتف جانبا وهو يتساءل بقلق : مالك يا رحمة ؟
تعلقت برقبته لتزداد مخاوفه فيقول : رحمة لو خايفة افرق بينك وبين وفية ماتخافيش .. لو خا ...
لتقتنص لهفتها كلماته ، لهفة أطاحت بكيانه ، لهفة أعادته سنوات للوراء ودون أن يفكر مجددا ألقى نفسه في خضم تلك اللهفة .
******
دخلت زينة غرفتها أخيرا ، كم تحتاج قلبا يستمع إليها فى تلك اللحظة !!
لمن تلجأ ؟؟
حمزة !!
هى لم تعد تتعرف عليه ، بل لقد شعرت لوهلة بالخوف منه ، هذا القاسى الذى كان بالخارج شبيها ب حمزة لكنه ليس هو .
أبيها !!
كم تتمنى أن يحسن احتواء صدمة أمها وتخبطها وهذا يكفيه ، إن لجأت إليه لن يخذلها ، هى تثق بذلك لكن تترك له العناية بإمها وكفى .
صديقات !!!
لمن تأمن بأمور شديدة الخصوصية كتلك ؟؟
ألقت بدنها فوق الفراش بإرهاق نفسى ثم أمسكت هاتفها .
مهلا هناك من يمكنه الاستماع .. بل هناك من يتمنى ذلك .
فتحت مواقع التواصل . هو صديق لها منذ الأزل يراقب بصمت ، فتحت المحادثة وبدأت تكتب كل ما جال برأسها وأرجف قلبها . كتبت وكتبت وهو متصل ويرى رسائلها بنفس الصمت الذى اعتاد .
أفرغت صدرها من مخاوفه لتأتيها رسالة واحدة منه : ماتخافيش يا زينة انا جمبك .
جملة واحدة زرعت ابتسامة فوق شفتيها .
شحب وجهها كثيرا ، تجاهد زوجته لإطعامها يوميا فلا تقبل سوى بأقل القليل ، عادت الحياة لطبيعتها وعاد هو لعمله وزوجته لعملها كما أن جمعيتها الخيرية تتطلب الكثير من الوقت .
بدأت عفاف تشعر بالخطر ، حالة همت لا تنبأ بخير ، حاولت كثيرا حث هاشم على القبول بما يعيد لها الحياة لكنه يخشى أن يحاول أن يمنحها الحياة فيفقدها إياها.
بدأت عفاف تصحبها معها لمقر الجمعية ورغم أن ذلك أمرا غير مألوف لم تظهر حماسا له على غير العادة .
أخر هاشم تقسيم الإرث كما طلب يزيد رغم أنه يصبو لنزع زوجة أبيه عنه .
***
يرتدى دياب ملابسه فى عجالة كعادته ويثير فوضاه الصباحية فى المنزل ، تقف دينا تراقبه بوجه شديد العبوس بشكل مضحك لتقاطع هرولته : دياب
نظر لها بحدة: ماتحاوليش الجضية دى لازم احضر فيها بنفسى . وبعدين بجالى يومين جاعد فى الدار كيه الحريم .
تمتمت ببعض الكلمات التي تجاهل سماعها لتتذمر : مش كفاية روحت المحكمة تالت يوم چواز .
اقترب ليحاصرها دون تلامس : ماكانش تالت يوم كان سادس يوم ..شكلك ساجطة حساب .
عادت تتذمر وتحدث نفسها لينظر لها بإفتنان واضح : أچيب لك إيه من المركز ؟
اتكأت إلى الجدار تنظر له نظرة حب لم يخطئها قلبه الذى يرفض بشدة مغادرته مثلها تماما .
ابتعد بدنه عنها هربا من سيطرتها وقلبه لتزفر بضيق : خلاص هات لى كتاكيتو وانت چاى .
نظر لها بدهشة : كتاكيت !! شيعى هاتى من السوج . كتاكيت إيه اللى أچيبها من المركز .
اندفعت نحوه : كتاكيت إيه يا دياب ، كتاكيتو دى حاچة حلوة .زيدان كان بيچيلهالى من المركز .
احكم ربطة عنقه وهو يطالعها عبر المرآة مثيرا غضبها : أما اشوف .
ضربت الأرض بقدمها كطفلة : لو ماچبتش كتاكيتو ماهدخلكش من الباب . انا جولت لك اهه .
ضحك دياب لهذا التهديد الذى يثبت مدى عشقها لتلك الحلوى التى تطلبها ، رغم أنه لا يعلم كيف سيحصل عليها ، يكفى اسمها الاحمق من وجهة نظره.
******
وصل دياب لمقر الجمعية عصرا حيث سيجد هاشم وعفاف فى هذا التوقيت . كانت همت تجلس بصمت مرخية رأسها للجدار ، لم تخشه يوما لذا اقترب منها : ازيك يا همت ؟
نظرت له ولم تجب ليتابع : انا عاوزك تاچى المركز بكرة . إيه رأيك ؟
لا رد ولا تفاعل فقط أعادت رأسها للجدار وصمتت
تقدم للداخل ليستقبله زناتى مرحبا قبل أن يصل ل هاشم اخيرا .
جلس ثلاثتهم ليقول دياب : خيتك حالتها متأخرة يا هاشم .. انت بتجتلها بالبطئ .
نقر هاشم فوق المكتب متجاهلا : عملت ايه يا دياب ؟
زفر بيأس لصلابة رأسه تلك مخرجا من جيبه بطاقة همت الشخصية : كده همت ليها أهلية جدام الحكومة
تناولها هاشم بلهفة ناظرا لصورتها الشاحبة التى جاهد وزوجته لرسم بسمة فيها .
تابع دياب : خيتك تمت واحد وعشرين سنة من خمس شهور يعنى مفيش وصاية عليها إلا إذا ثبت عدم اهليتها وده لوحده محتاچ جضية وتحويل لمستشفى وحكاية كبيرة وتاخد وجت كتير المهم هتاچوا بكرة تعملوا توكيل لأچل ابدأ إجراءات الورث .
أومأ هاشم متسائلا : هى عملت لك توكيل ؟
نهض دياب : ايوه وهرفع جضية الخلع زى ما اتفجنا مع يزيد بعد سبوع .
رافقه هاشم وعفاف للخارج ليتذكر تلك الحلوى بسيارته ويفكر في منح همت إحداها لعلها تسعدها قليلا ، استوقفهما ليعود بعد لحظات مقدمها لها : همت تاخدى حاچة حلوة ؟
نظرت همت له بعدم اهتمام تحول للنقيض فورا وهى تخطف منه الحلوى وقد تهلل وجهها ليتعجب هاشم بينما ابتسمت عفاف : كتاكيتو يا دياب !!
نظر لها دياب تاركا همت مع سعادتها بالحلوى التى ضمتها لصدرها بدلا من إلتهامها : اعمل ايه حكم الجوى . هى شبر ونص بس مايهونش عليا زعلها .
ابتسمت عفاف براحة : ربنا يسعدك يا دياب .
بادلها بصدق : ويسعدك يا خية .
طرب قلبها للقب الذى ناداها به توا ، حقا هذا هو احساسها به هذا هو تفسير مشاعرها تجاهه ربما لم تصل إليه قبلا لنقصانها الإخوه ؛ وهو كذلك .
نظر دياب ل هاشم الذى يتابع همت ليقول : زيدان كان بيچيبها من المركز .
التقت نظرات هاشم الغاضبة بنظراته التى تتهمه بالتقصير ليفر من أمامه رافضا الانصياع .
مد كفه بجيبه مخرجا قطعة أخرى : خدى يا عفاف يمكن تعچبك .
تناولتها منه شاكرة : هى حج ربنا حلوة .بس خليت إيه ل دينا عاد ؟؟
حمحم دياب : ما أنا چايب لها علبة مش كل يوم هروح أجيب البتاعة دى 😂
غادر دياب بعد قليل معتذرا على أن يلاقيهم صباحا ، دارت عفاف لتلحق بزوجها فوجدت عينى همت معلقة بقطعة الحلوى التى قدمها لها دياب ، اقتربت منها متسائلة : ريداها ؟
بدلت همت نظراتها بين وجهها والقطعة لتومئ بالموافقة فتمنحها لها مع قبلة محبة .
*****
تأوه مازن بضعف والممرضة تضبط فراشه مجددا بناءا على طلبه لعدم شعوره بالراحة .
لم يعد يشعر بأى راحة مهما تجرع مسكنات أو حقن بمهدئات ، يزول الألم لفترة وجيزة ثم يهاجمه كموج ابيض الزبد فيغمره بالاوجاع .
تنهد بألم وهو يتذكر ذلك اليوم الذي أوقف ابنة عمه وأصر أنها ستكون له ، لقد ظن حياة عمه متصدعة ولن يتطلب الأمر جهدا وتكون زينة طوع بنانه .
لكن بعد وصوله لمتجر أبيه بمدة لا تزيد عن ساعتين حتى وجد عمه يقتحم المتجر وينهال عليه ضربا .
لم يكن يراه بتلك القوة أيضا ، لقد حطم فوقه المكتب وثلاثة مقاعد متسببا له في كسر ذراعه الأيمن وضلعين وعدة جروح بالإضافة للكدمات والسجحات ،وكلما حاول العاملين إنقاذه نالهم منه ما يعيدهم للخلف حتى لم يعد عمه قادرا على المزيد ليهمس بإذنه محذرا : انا عملت حساب دم اخويا اللى بيجرى فى جسمك النجس ، مرة تانية تقف فى طريق زينة هخليك ماتنفعش خالص .
ودفعه أرضا مطمورا بدمائه واوجاعه دون كلمة ومذاك اليوم يأتى أبيه وأمه يوميا للجلوس جواره دون حديث .
لم يوجه اى منهما إليه كلمة واحدة ، فقط صمتا شديد الصرامة لا يزيده إلا ألما .
طرقات خافتة قبل أن تدخل هيا ، رفع عينيه لها ، لقد تكورت بطنها قليلا لكن ردائها الواسع يخفيها تماما ، لولا حفظه تفاصيلها الدقيقة ما انتبه لذلك التكور الذى يخفى صغيرا له بالداخل .
نظر لها بحدة : جاية تشمتى فيا ! اقدر اعرف الهانم المحترمة كانت فين ؟
جلست هيا وكأن غضبه لا يعنيها : زى ما انت يا مازن !
اهتز داخليا لتتابع : كنت بحافظ على ابننا .. بحافظ عليه منك
صمتا لحظة ثم تابعت : إحنا الاتنين نستاهل الوجع يا مازن . يمكن انا اتفتنت بيك وفكرت نفسى بحبك ، لكن انت كنت عارف انك مابتحبنيش .. ليه وهمتنى بحبك !! ليه وعدتنى انك ليا !!
قاطعها بحدة : انا ماضحكتش عليكى ماتغالطيش نفسك !!
ابتسمت بتهكم : فى دى معاك حق .. انا ضحكت على نفسى وشوفت اللى عاوزة اشوفه .
نظرت أرضا بخزى : اللى بينا ماكانش حب يا مازن اللى بنا كان شهوة اتحكمت فينا واحنا مشينا وراها ، الحب مش كده . الحب قرب أرواح وتفكير ونفوس قبل الجسم .
عاد يتهكم : بقيتى فيلسوفة !!
زفرت ورفعت رأسها : سيبك منى انا خلاص مش فى حسبتك .. اللى فى حسبتك واحدة تانية ، بريئة ونضيفة وانت ماتستاهلهاش .
انتفض ليتأوه فورا : زينة بنت عمى و ..
مش بتحبك .
ابتلع حروفه لتؤكد : مش بتحبك ولا هتحبك ، زينة مستحيل تكون لواحد كان لغيرها .. افهم بقى .
استقامت لتتابع : انا جيت لك من ورا بابا محمود . حرام عليك اللى بتعمله فيهم . انت وجع .. وجع لكل اللى يقرب منك . راجع نفسك يا مازن قبل فوات الاوان . عن اذنك .
اتجهت نحو الباب ليتساءل : هتختفى تانى !
هزت رأسها نفيا : لا مش هختفى هقعد مع بابا محمود لحد ما أولد وبعد كده كل واحد مننا يروح لحاله . انا وانت طرقنا متفرقة وعمرها ما تتقابل .
تابعها حتى اختفت عن ناظريه ، بعد كل ما جرعها إياه من إذلال لازالت قادرة على المواصلة !!
ماذا عن أبويه ؟
لما يرفضان التحدث إليه ومتى ينتهى هذا العقاب ؟
زفر بضيق وآلامه تعود تنخر بدنه .
******
تسلل دياب كعادته للمنزل ، هى حتما بالمطبخ تعد غداءه وتترنم بإحدى أغنيات نجاة ، منذ اكتشف صوتها الدافئ وهو يتسلل ليستمع لغنائها دون أن تشعر ويباغتها حين تنتهى لتثور وتتهمه بتعمد قتلها للتخلص منها . وكم يعشق نفى تلك الجريمة عنه !!
لم يجدها بالمطبخ ليتجه نحو الغرفة وما إن دخلها حتى صدح صوتها من الحمام الملحق ، يبدو أنها تنظفه .
زاد قربا ليأتيه صوتها ، كانت تغنى ل نجاة كالعادة ، ظل خلف الباب حتى قالت : يا ورد يا ابو الشوك ارتاح
مش كل الحلوين تفاح
ابتسم وفتح الباب عنوة : لا منچ ..
ليبتلع حروفة مع بعض قطرات من سطل الماء الذى قذفته بوجهه صارخة .
رفع يديه شاهقا لبرودة الماء وقبل أن يستوعب ما حدث كانت استغلت قصر قامتها وفرت من اسفل ذراعه . استدار يلمح طيفها الهارب : اهلك ناس طيبين اجول إيه يا مچنونة انت ؟
خلع قميصه ليلقى به أرضا : ديييينا
صرخ باحثا عنها بلا جدوى ، دار بالردهة كاملة والمطبخ وجاب الغرف وكأنها تبخرت .عاد يضرب كفيه ساخطا : الأرض انشجت وبلعتك إياك !!
توقفت خطواته فجأه ليعود أدراجه باحثا أسفل الأريكة حيث تختبأ منه .
تقابلت اعينهما لتبتسم وتشير له بكفها فيفعل المثل : اطلعى
هزت رأسها نفيا ليعيد بحدة : اطلعى بدل ما اچيلك
ضحكت فورا : تاچى فينك !! ده دراعك هيفوت بالعافية 😂
استقام يتلفت حوله بغضب قبل أن يمسك بالأريكة من ناحية ويرفعها للاتجاه الآخر ، قبل أن تحاول الفرار كانت الأريكة مستلقية رأسيا وكفه يمتد ليمسك ملابسها من الخلف لتتزامن شهقتها مع إفاقتها من الصدمة .
نظرت له فورا برجاء : هتضرب مرتك يا دياب !! دى مروءة بردك ؟؟
قطب جبينه مدعيا التركيز : مرتى !! مش انا ديناصور مچنح !! وكد ضلفة الباب كمان !! يبجى انت يا شبر ونص مرتى كيه يعنى ؟؟
ربتت فوق صدره العارى هامسة : انت صدجتك !! انا بضحك وياك .
أشارت نحو رأسه ليقربها منها فتقول بجدية : ربنا لما بيكتب اسم بنت حوا على ابن آدم لازمن يكملوا بعض .انت خلجتك تجطع الخميرة من الدار وانا بفرفشك هبابة .
زادت طينها وحلا لتشعر به ينحنى وفى لحظة استقرت فوق كتفه صارخة : يا مرى .. هتضربنى يا دياب .
ليصيح دياب : هجرشك بسنانى يا شبر ونص . انا خلجتى تجطع الخميرة من الدار . ده انا هعملك رغيفين واتغدا بيكى يا آخرة صبرى انت .
*****
يجلس عارف وبسول أمام طايع وقد تخلف مهران إعتراضا على إتمام الزواج .
ابتسم عارف بظفر : يبقى متفقين الاسبوع الجاي الفرح .
أخرج من حقيبته دزينة مغلفة قدمها ل طايع : دى دعوات الفرح ، جاية من باريس . دى مجموعتكم واحنا هنوزع المجموعة التانية .
لم يتحرك طايع ليضع عارف الدعوات فوق الطاولة بينما اقترب طايع بجذعه العلوى : يبجى من النهاردة ليوم الفرح مااشوفش نسمة نازلة تجابلك .
ابتسم بسول : انا مش هعطلها خالص . انا فاهم عندها حاجات كتير غير التدريب وشغلها . اطمن يا عمى مش هنتقابل طول الاسبوع .
زفر طايع بضيق ليستقيم عارف مشيرا لولده الذى اتبعه بصمت ، غادرا لتدخل ليليان : ها اتفقتم على ايه ؟
مسح وجهه مستغفرا : اتفجنا !! نسمة متفجة وياه على اخر السبوع .. يعنى كلامى تحصيل حاصل .
أمسك الدعوات ينظر لها بحسرة : دول طابعين الدعوات كمان .
رفع عينيه بحزن كامن : هو انا غلطت في تربيتها للدرچة دى !! هى طول عمرها أنانية ولا دى خصلة چديدة !!
ألقت رأسها للخلف لتجيب بحسرة : كلكم بتدفعوا تمن غلطى انا .
نظر لها لم يعد واثقا من ذلك ، لقد أخطأت بالفعل ، لكن أخطأت بحق الفتاتين فلم اختارت نسمة هذا الطريق !!
يبدو أن الأمر تخطى خطأ ليليان ، الأمر مناط لشخصية ابنته وخياراتها التى أصبح واثقا أنها لن تشركه فيها مجددا . وكم يؤلمه هذا !!
*****
تجلس دينا فوق الفراش وامامها علبة الحلوى وقد تناولت أكثر من قطعة بالفعل ، اتسعت عينيها بسعادة وهى تلتقط قطعة أخرى غافلة عن عينيه التى تحيطها بحنان .
مد كفه وجذب القطعة من بين أناملها قبل أن تفضها قائلا : اتغدى الاول بطنك هتوچعك إكده .
تلهفت خلف القطعة المختطفة رغم وجود غيرها : هاكل دى وبس .. لأچل خاطرى يا دياب
ليعترف هو عاجز أمامها تماما ، لا يمكنه رفض رجائها مهما حاول .
أعاد القطعة لتفتحها وتدس قطعة منها بفمه قبل أن تقفز عن الفراش مهرولة للخارج .
تذوقها بتمهل ، هل هى لذيذة بالفعل أم أنه يتخيل ذلك لشدة تلذذها بها ؟؟
سيبحث هذا الأمر لاحقا أما الأن فعليه إدراك منبع سعادته الذى فر للتو ، تحرك فورا للخارج يبحث عن شق روحه الذى وهب لتزهر حياته بها .
*******
اخيرا وصلت رحمة ويمكنه بدءا من الليلة أن يقضى ليلته محتضنا دفء وفية ، لم يهتم بإفتراش رحمة الأريكة مجددا ليلة أمس ، هو لن يطلب منها العودة لفراشه حتى تمل هجره وتعود من تلقاء نفسها .
ابكر فى العودة للمنزل رغبة في قضاء اليوم كاملا بصحبتها وها هو يجلس إلى الطاولة منتظرا خروجها من المطبخ .
جلست أمامه تبتسم بتوتر ليبدأ تناول الطعام منتظرا تمكنها من شجاعتها لتتحدث .
ظلت تعبث بطعامها وتختطف النظرات له ، ترك الطعام ومد كفه مجبرا وجهها على النظر المباشر لوجهه : قولى اللى انت عاوزاه .
تهربت عينيها وجاء صوتها مهزوزا : خايفة تزعل .
عاد كفه ممسدا جبينه مستدعيا بعض الصبر : قولى يا وفية مش هزعل .
عادت تنظر نحوه بتردد : اصل ..
حثها بهدوء : هااا .
دفنت وجهها بكفيها : أنا حامل .
تمنى أن تنظر له لكنها تخشى ذلك وفضلت إغلاق عينيها عن رد فعله الذى يتمنى أن تراه .
استمر الصمت دقيقة قبل أن تسمعه يقول : ما أنا عارف .
نفضت كفيها عنها ونظرت له بدهشة لترى بسمته تحتل وجهه : عارف !!
أومأ مؤكداً : ومستنى البشارة من اسبوع واكتر .
نظر لها بعند ونقر جانب جبهتها بسبابته : يا خوافة .
تهلل قلبها قبل قسماتها وهو يخرج من جيبه مكعب مخملى مخرجا منه خاتما رقيقا يحيط به إصبعها : جبت الهدية لما حسيت وكنت مستنيكى تتكلمى .
رفع كفها بتلقائية يلثمه برقة : مبارك يا حبيبتي ربنا يقومك ليا بالسلامة .
حبيبتك !!
رددت بدهشة مشيرة لصدرها : محمد انا حبيبتك ؟؟
احتفظ بكفها : طبعا حبيبتي ومراتى وام ولادى .
انتقلت فى لحظة إلى صدره ليحيطها بدفء ، ظلا على هذا الوضع لدقائق كل منهما يتشبع من دفء صاحبه قبل أن يحرر يمناه ليلتقط بعض الطعام يدفعه إلى شفتيها : كلى يا ام عتريس .
وعكس توقعه كالعادة لم تغضب أو تتذمر بل ضحكت ببشاشتها المعهودة : حاضر يا ابو عتريس .. ده هيبقى احلى عتريس عرفته البشرية علشان انت ابوه .
فقد السيطرة على خفقات صدره أمام رقتها الدائمة ، لم يعرف بعد أمه امرأة بمثل هذه الوداعة والرقة .
*****
وقف دياب متفقدا ساعته مجددا قبل أن ينظر للشارع مرة أخرى ، ما كان ليخطئ سيارة زيدان التى توقفت للتو فى ركن ناء ، تنهد بحزن متجها له .
اقترب مدعيا المرح : مرحب يا ابو نسب .
ترجل زيدان يصافحه وعينيه تدور بالانحاء ليقول دياب بشفقة : وبعدهالك يا واد عمى ! بزيداك چلد لروحك .
تعلقت عينيه بنقطة خلف دياب : غصب عني يا دياب ، ألمحها من بعيد وهمشى طوالى .
تنهد دياب بحزن رابتا فوق كتفه قبل أن يعود للسيارة ويعود دياب لموضعه فقد لاحت سيارة هاشم وخلفها سيارة يزيد الذى توقف ليساعد الجد بينما دار هاشم ملتقطا كف همت .
ترجلت من السيارة لتتجه عينيها فورا إلى سيارته القابعة بعيدا ليسمع أخيها صوتها الذى اشتاقه بالفعل وهى تشير بحماس نحو السيارة : زيدااان .
اتجهت الأعين نحوه ليلعنه يزيد ويفر هو هاربا مجازفا بمخالفة مرورية .
نظرت لسيارته الهاربة لتتدلى شفتها السفلى باكية : زيدان . زيدان .
ضمها هاشم بقلب منفطر : مش هو يا همت ماتبكيش .
لكنها لم تستمع وتعالى نحيبها ليقترب الجد رامقا هاشم بغضب : ماتبكيش يا حبيبتي انا هاخدك وياى وتلعبى فى الچنينة .
ما كان هاشم ليخالف قول جده مهما حدث ، زفر بضيق ناظرا نحو دياب الذى تقدم باحثا فى حقيبته عن شئ ما ليخرج تلك الحلوى : خدى يا همت زيدان جالى اعطيك الحلاوة دى .
تبدل الأسى للتبسم رغم الدموع المتساقطة وهى تلتقط قطعة الحلوى من دياب ليقول الجد بحزم : النهاردة هنخلص الموضوع ده .
نظر له هاشم بفزع ليتابع : جولت ماوعياش وهاخدها دارى وتنسى . واهى كيه ما أنا واعى بجت فى نص حالها .
رفع كفه محذرا : همت أمانة بتى هتسألنى عليها وعمر البكا والحزن ما هيطولوا عمرها .
ضرب الأرض بعكازه متابعا بحدة : واللى هجوله هيمشى على رجاب الكل .. وانت يا هاشم أولهم .
وتقدم للداخل ليخفى يزيد بسمته الظافرة لقد كان واثقا من الوصول لتلك النقطة .وها هو يحقق نجاحا لمخططه الذى لا يدرى ايسعد أخيه به أم يشفيه !!
لكنه على الأقل لن يرى سحق قلبه بعينيه كل صباح وهو يتفقد مواضعها عله يجد طيفها فيها .
****
اجتمعوا في ردهة المنزل كما أمر الجد الذى تلزم همت غرفته منذ وصولها وعدم عثورها على زيدان .
أمر الجد بإحضاره ليهاتفه يزيد الذى يتهامس ودياب منذ وصوله لتحصل دينا على رفقة أبيها الغالى .
تجولا بالحديقة يستطلع أحوالها ويتمنى لها مزيدا من السعادة ، هو لا يخطئ نبضات الحياة بعينيها ولا تجددها بوجنتيها .
اخيرا وصل زيدان ليترجل عن سيارته بقلق نحو أبيه : خبر إيه يا بوي ؟؟ چدى بخير ؟؟
طمأنه حسين : بخير ادخله چوه .
توجه للداخل ليجد دياب ويزيد يتهامسان وهاشم مطرق بصمت تجاوره زوجته .
انقبض قلبه فورا وخشى أنها أصيبت بسوء ليهرع نحو غرفة جده .
اقتحم الغرفة ليتوقف عن الحركة والحديث ، توقفت أنفاسه عن التردد بصدره حين تعلقت عينيه بها بجوار جده لتكون الخطوة الأولى لها وهى تنطلق نحوه بلا تردد لتستقر بين أضلعه فى غمضة عين .
اقترب الجد ليسحبها للخلف مؤنبا بلطف : انى جولت إيه يا همت ؟
ابتسمت وابتعدت عن زيدان الذى لم يحرك ساكناً بعد ليمسك الجد كفها متجها للخارج : حصلنا على برة يا زيدان .
جلس الجد وحوله الجميع وبجواره همت ، نظر هاشم نحوه يرجوه بصمت ليقول : انى چمعتكم النهاردة لاچل موضوع مهم .
نظر أرضا بحزن : الغالية راحت واخدت الفرح وياها .
نظر ل همت : وانى ماهأهملش الحزن يجتل اغلى الناس عليها .
اتجهت عينيه نحو زيدان : اعمل حسابك يا زيدان بكرة هنعجد لك على همت .
اتسعت عينا زيدان : وانى متأكد انك ماهتأذيهاش واصل
هرع زيدان مقبلا كفه : بروحى يا چد وآخر نفس فى صدرى .
ربت الچد فوق رأسه ثم نظر إلى همت : موافجة يا همت ؟؟ سمعى خوكى
تبدد شحوبها رغم الذبول وهى تنظر نحو هاشم : موافجة يا هاشم .. همت چوز زيدان ؟
طفرت دموع هاشم رغما عنه ليهز رأسه مؤكدا دون حديث ، صفقت همت بحماس ثم رفعت رأس زيدان : زيدان چوز همت بكرة ؟؟ همت أروسة هات فستان .
نهضت بحماس أبكى الجميع نحو دينا : دييينا چيب فستان .
ضمتها دينا ليقول حسين بتأثر : والله لأچيب لك احلى واغلى فستان فى البلد .
لتصفق مجددا وتبعد دينا متجهة نحو حسين الذى استقبلها بقلبه الباكى أخته فيها .
******
صحبها محمد إلى الطبيبة ظهرا وقد أكدت أنها بخير وطلبت بعض الفحوصات لمزيد من التأكد
لذا قرر إخبارهم فأمر كهذا لا يجوز إخفائه ، انتظر حتى تجمعوا حول الطاولة ليقول : هيجى لكم اخ او اخت .
اتجهت رأسيهما فورا إلى رحمة التى نظرت له بفزع ليتابع : مش من امكم طبعا .
انتفض حمزة لدرجة أسقطت مقعده صارخا : انت كمان هتخلف منها !!
ضرب محمد الطاولة بغضب : حمزة .. اللى بتكلم عنها تبقى مراتى وهتبقى ام ولادى .
ولادك !!
ردد حمزة مستنكرا لينتفض محمد : ايوه ولادى .. ولادى من وفية يبقوا اخواتك ودى حقيقة حاول تتعامل معاها لأن مفيش قدامك حل تانى .
واتجه بغضب نحو غرفته وسرعان ما لحق به حمزة مغادرا الطاولة .
مدت زينة كفها بتردد تربت فوق كف أمها : ماما
افاقت لتنظر لها بدهشة : فى حاجة يا زينة ؟
هزت رأسها نفيا لتتساءل رحمة : هو ابوكى قال إيه دلوقتي ؟؟
نظرت زينة أرضا : قال مراته حامل
اعتصر الألم قلبها ، لم تكن تتخيل ، زوجته حبلى وما رأته منذ لحظات ليس حلما .
ابتلعت غصة كادت تزهق أنفاسها لتتمتم : ربنا يقومها بالسلامة .
تجهم وجه زينة : بتقولى إيه يا ماما ؟؟
نظرت لها رحمة لترى ضعف أمها للمرة الأولى بحياتها ، رأت نظرات ضائعة وألم ساحق ، تخبط وانفاس تجاهد لالتقاطها .
لحظات من الصمت قبل أن تقول رحمة : زينة انت مش صغيرة وفاهمة مادام ابوكى اتجوز طبيعى يخلف ..هى من حقها تبقى ام .
ضربت الطاولة بحدة غير مبررة : طبعا من حقها
زاغت نظراتها مجددا : حقها ؛ ايوه حقها .
لم تجد زينة ما يمكنها قوله ، أمها تعانى صدمة عصبية واضحة .
نهضت رحمة فورا نحو غرفة جانبية وعينا زينة تقتفيان أثرها قبل أن تنهض لتحمل الطعام الذى حرم عليهم تذوقه .
دخلت رحمة الغرفة لتلقى ثقل بدنها إلى الباب ، أغمضت عينيها ، ماذا عليها أن تفعل ؟
كيف لم تتوقع حدوث ذلك ؟
كيف لم تحذر من ذلك ؟
حمزة !!
كيف سمحت له بالغضب من أبيه !!
كيف سمحت له بهذا الصراخ !!
هل تتجدد حياة أبيها !!
سيأخذ حمزة دور حجاج فى حياة ذلك الاخ الذى لم تلده أمه بعد !!
شهقت فورا ليزداد الفزع والذى قادها مباشرة نحو غرفة حمزة .
دخلت من الباب وكان دافنا رأسه بين كفيه : حمزة .
رفع عينيه ليستقيم فورا : تعالى يا ماما
وقبل أن تتحدث عاجلها بقوله : ماتخافيش وماتشليش هم .
نظرت له بضياع : اخاف !!
أجلسها مؤكدا : لو خلف بدل الولد عشرة انا ماليش غير اخت واحدة .. زينة .. زينة وبس .. ماليش اخوات من غيرك يا ماما .
انتفضت رحمة : لا ليك .. اخواتك من ابوك .. انت الكبير اللى لازم يراعى الكل .. انا مش هسمح لك يا حجاج انت فاهم !!
نظر لها بدهشة : ماما انا حمزة .
نفضت رأسها بضياع : حمزة !! ايوه حمزة مالك يا حبيبي !! ينفع ولد مؤدب يزعق كده قدام باباه !!
زادت دهشة حمزة وحيرته لتتابع : انا علمتك كده يا حمزة ؟؟
رفعت سبابتها محذرة : اول ما تشوف بابا لازم تعتذر له .. ماشى
أومأ حمزة بصمت وخوف ظنا أنها تهلوس لتقترب منه مقبلة جبينه بحنان : شاطر يا حمزة .. طول عمرك شاطر وبتسمع كلامى .
ثم اتجهت للخارج بملامح مسترخية هادئة ليزداد توجس حمزة .
غادرت غرفة حمزة وكانت زينة لازالت تهتم بالطاولة ، تبعتها بعينيها حتى أغلقت باب غرفتها لترتمى فوق المقعد وفى لحظات كان حمزة أمامها متسائلا : ماما راحت فين ؟
أشارت لغرفتها : دخلت جوة .. ماما مصدومة يا حمزة .
تمكن الغضب من حمزة مجددا : ولسه ياما نشوف من الهانم الجديدة .
نظرت نحوه زينة بقلق ؛ لم يكن حمزة مطلقا بهذا القدر من القسوة .
ظلت عينيه محدقة فى الباب المغلق بصمت .
بينما ظلت رحمة منذ دخلت مكانها لم تتقدم خطوة ، نظر لها محمد و زفر بضيق ثم عاد لشاشة الهاتف .
ظلت لدقائق تتخبط قبل أن تتجه نحو الأريكة ، وقفت وقد تملكتها الحيرة لتهمس : محمد .
لم يرفع عينيه وهمهم بضيق : نعم يا رحمة !
توقع هجوما جديدا أو اتهاما بالخيانة ، توقع بكاءا أو ترهات حول ما أخبرها به لكنها قالت برجاء : ممكن اجى انام جمبك .
ارتفعت عينيه فورا ينظر لها بتعجب قائلا : طبعا يا رحمة انت بتستأذنى !!
اندفعت إلى الفراش بخطوات متسرعة متخبطة وما إن لامسته حتى كانت بين ذراعيه فى لحظة .
وضع الهاتف جانبا وهو يتساءل بقلق : مالك يا رحمة ؟
تعلقت برقبته لتزداد مخاوفه فيقول : رحمة لو خايفة افرق بينك وبين وفية ماتخافيش .. لو خا ...
لتقتنص لهفتها كلماته ، لهفة أطاحت بكيانه ، لهفة أعادته سنوات للوراء ودون أن يفكر مجددا ألقى نفسه في خضم تلك اللهفة .
******
دخلت زينة غرفتها أخيرا ، كم تحتاج قلبا يستمع إليها فى تلك اللحظة !!
لمن تلجأ ؟؟
حمزة !!
هى لم تعد تتعرف عليه ، بل لقد شعرت لوهلة بالخوف منه ، هذا القاسى الذى كان بالخارج شبيها ب حمزة لكنه ليس هو .
أبيها !!
كم تتمنى أن يحسن احتواء صدمة أمها وتخبطها وهذا يكفيه ، إن لجأت إليه لن يخذلها ، هى تثق بذلك لكن تترك له العناية بإمها وكفى .
صديقات !!!
لمن تأمن بأمور شديدة الخصوصية كتلك ؟؟
ألقت بدنها فوق الفراش بإرهاق نفسى ثم أمسكت هاتفها .
مهلا هناك من يمكنه الاستماع .. بل هناك من يتمنى ذلك .
فتحت مواقع التواصل . هو صديق لها منذ الأزل يراقب بصمت ، فتحت المحادثة وبدأت تكتب كل ما جال برأسها وأرجف قلبها . كتبت وكتبت وهو متصل ويرى رسائلها بنفس الصمت الذى اعتاد .
أفرغت صدرها من مخاوفه لتأتيها رسالة واحدة منه : ماتخافيش يا زينة انا جمبك .
جملة واحدة زرعت ابتسامة فوق شفتيها .
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والعشرون من رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع أيضا: جميع فصول رواية الفريسة والصياد بقلم منال سالم
تابع من هنا: جميع فصول رواية اماريتا بقلم عمرو عبدالحميد
تابع أيضاً: جميع فصول رواية انتقام اثم بقلم زينب مصطفى
اقرأ أيضا: رواية شرسة ولكن بقلم لولو طارق
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا