مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص مع رواية صعيدية جديدة للكاتبة المتألقة والمبدعة قسمة الشبينى التي سبق أن قدمنا لها العديد من القصص والروايات الجميلة علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الخامس والثلاثون من رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى.
رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى - الفصل الخامس والثلاثون
اقرأ أيضا: روايات رومانسية عربية كاملة
رواية الشرف ج4 قسمة الشبينى
|
مرت عدة أيام كحلم جميل تجرى السعادة بين القلوب فيرتشف منها الأحبة ما يزيد الشوق تأججا .
كم كان فراق أسرتها صعبا ! بكت وأبكت الجميع خاصة إياد الذى فر بعد دقائق رافضا هذا الألم تلاه أبيها الذى لولا رغبتها ما قبل بعدها عنه مطلقا ، ليليان لم تكن تظن أنها ستواجه تلك المشقة فى فراقها بعد الزواج خاصة أن نسمة تزوجت مسبقا ربما بعد المسافة زاد الأمر سوءا أما نسمة فشعرت أنها فقدت جزءا منها فعليا أثناء المغادرة تلك المرة لتعترف أمام نفسها للمرة الأولى أن رفضها ل سويلم نابع من رفضها بعد شقيقتها عنها فرغم أنهما مختلفتان بشكل جذرى إلا أن بسمة جزء من روحها لا يمكنها التخلى عنه .
أما بسمة فقد سحبها زوجها رغما عنها ليتمكن الجميع من المغادرة ، أسرتها جزء منها أيضا ومفارقتهم شاقة للغاية .
وجد سويلم صعوبة كبيرة في امتصاص حزنها لفراقهم لكنه مقدر تماما لكل اوجاعها .
*****
استرخت وفية بين ذراعى محمد كعادة يومية منذ لزمت الفراش ، طيلة الليالى التى يقضيها معها تتخذ من صدره متكئا دافئا ، بسط كفيه فوق بطنها مجددا وهو يهمس : هيتحرك دلوقتى
لحظة واحدة وكان جنينها يركل أسفل كفه ليضحك بسعادة كأنه يحظى بطفل للمرة الأولى بحياته وكم كانت سعادته تلك داعما لتحمل مشقة الحمل .
ابعدت كفه بمشاغبة : بطل لعب انت وابنك يا محمد بطنى انا اللى بتوجعنى .
أعاد كفه بإلحاح : مرة واحدة كمان .
ضحكت بسعادة : انا حاسة انى كورة بتلعبوا بيا .
كتم ضحكته ليثير غضبها وتتساءل : بتضحك على ايه ؟؟
تعالت ضحكاته : اصلك بقيتى شبه الكورة فعلا ههههه .
زادت ضحكاته مع وكزاتها المتكررة واعتراضها الفورى لكن لم تستمر أكثر من دقيقة وبدأت تتألم لتتوقف عن الحركة مرغمة خوفا من إفزاعه .
ضمها بعد هدوئها : ده انت احلى كورة شوفتها في حياتى . اوزعة صحيح بس بحبك .
لم تجب ليتساءل : وفية انت زعلتى ؟
هزت رأسها نفيا : لا يا محمد بس عاوزة انام .
تشكك فى الوهن المتوارى خلف كلماتها ليقول : لا انت تعبانة .
انتفض من فوره فهو على علم بخطورة حالتها ، رفض مهاتفة الطبيبة وأصر على أن يصحبها للفحص .
*****
فتح طايع باب منزله ليشعر بوحشة شديدة .
هذا الصمت .
هذا الهدوء .
اخترق إياد الباب نحو غرفته مباشرة لينظرا له بألم ، غياب بسمة سيؤثر سلباً على إياد .
تقدمت ليليان ببطء ولحق بها مغلقا الباب خلفه ، جلس فوق المقعد وعينيه تجوب الانحاء ، أعوام مرت .. سعادة واحزان ..يسر ومشقة .. وفى النهاية حظت كل منهما برفيق العمر ، وها هو بعد هذا العمر يغلق بابه وهما بعيدتان عنه .
أغمض عينيه لتمر عدة صور مرورا سريعا ، جنون زوجته أثناء حملها بجوهرتيه ، ميلادهما ، ميلاد إياد ، انتقالهم لهذا المنزل ، اول تدريب فروسية ل نسمة ، اول نشيد انشدته بسمة ، ظل مغمض العينين يبتسم احيانا ويتجهم أخرى حتى شعر بكفها يسترخى فوق كفه ، نظر لها لتبتسم بمشقة واضحة متسائلة : البنات هيبقوا كويسين صح ؟
حمحم باحثا عن صوته : إن شاء الله حبيبتي .
اومأت بتفهم لتنهض : انا هشوف إياد .
تابعها ليجد أنها المرة الأولى تطرق باب غرفته دون تذمر وتنتظر أن يفتح لها ، حتى إياد نفسه تعجب أنها من بالباب ، نظر لأبيه الذى ابتسم له وليليان تتساءل : ممكن اقعد معاك شوية ؟
افسح مجالا لها لتمر دون تردد لتتسع ابتسامة طايع ويعود لذكرياته .
**
دخلت ليليان لحجرة إياد لتجده قد افترش الأرض وحوله مئات الصور لشقيقتيه وله فى عدة مناسبات نظرت له بتساؤل ليقول بحماس : هحط صور فرح بسمة .. تعالى شوفيهم .
جلست أرضا ليجلس بجوارها مخرجا اللقطات التي طبعها لتلك الذكرى الغالية.
*****
وصلت نسمة منزلها لتجده غارقا فى هدوء تكرهه ، أمسكت هاتفها تتصل بزوجها المفترض تواجده بالمنزل في ذلك الوقت ، انتظرت قليلا حتى جاء صوت بسول : حبيبتي وحشتينى اوى .
تنهدت بضيق : انت فين يا بسول ؟
لتأتيها الصدمة مع قوله : فى البيت يا حبيبتي هكون فين دلوقتي يعنى !! كنت هنام كمان .. انت هتيجى امته ؟
فقدت النطق وهى تعيد تكرار إجابته ودون تردد انهت الاتصال .
تعلم أنه سيعلم بعودتها وسيكون هنا قريبا ، انتظرت ساعة واحدة وكان بالفعل يدخل للغرفة ، وقف أمامها بصمت وهى لم ترفع وجهها و تنظر له .
اتجه لأقرب مقعد وجلس بهدوء ثم قال : انا كنت هعرفك فى كل الاحوال بس كنت مستنى بعد الولادة .
نظرت له نظرة خالية من المشاعر ليتابع : نسمة انا حبيتك بجد واتحملت فترة الخطوبة علشان خاطرك ، علشان انت مش عاوزة علاقة كاملة قبل الفرح .. بعد ما اتجوزنا كنت بتبعدى عنى وتضايقى من علاقتنا وقولتى انى همجى ومش حاسس بيكى .
استجمع أنفاسه ليتابع : طبعا أنا مااقدرش اطلقك ولا هسمح إننا نوصل لكده انا حياتى الاجتماعية مرتبطة بنجاحى فى شغلى وخبر زى ده هيأثر على مستقبلى .
انتظر أن تتساءل أو تتجاوب معه لكنها تنظر له فقط دون أى رد فعل ليتابع : طبعا كان لازم الاقى واحدة تحقق لى اللى انت مش عارفة تحققيه انا راجل عاوز اعيش حياتى واتمتع بيها .طبعا حريص على حياتنا مع بعض علشان كده اخترت واحدة ماتأثرش على علاقتنا وشرطت عليها مفيش خلفة ولا اشهار انا عاوز ولادى منك انت وانت بس هتفضلى مراتى قدام الناس .
أنهى حديثه وصمت دقائق لتقول بهدوء : انا عمرى ما حبيتك .. ولا حبيت غيرك .. انا مش بعترف بالحب .. جوازى منك كان بالعقل لانك مناسب مش اكتر ..
هزت كتفيها ببساطة : انت فعلا همجى انا مش بتجنى عليك .
قاطعها بحدة : كنت متهور شوية بس ماتنكريش انى اتغيرت .. عارفة اتغيرت امته ؟؟ لما اتجوزتها يعنى انت كان ممكن تجنبينا كل ده لكن انت مستقبلك عندك اهم ..
هب واقفا : انت قولتى بنفسك عمرك ما حبتينى انت اتجوزتينى لأنى هقدر اقدم لك المستقبل اللى بتحلمى بيه .
وقفت أمامه : لا مش انا اللى كان ممكن اجنبك انك تتجوز عليا .. انت اللى كان ممكن تتفهم وتعرف انك غلط . لكن انت كابرت طبيعى كل اتنين متجوزين جديد ماعندهمش خبرة كفاية لكن انت ماحاولتش حتى .. بسول انت عمرك ما حبتنى ..انت بس بتبرر لنفسك .
نظر لها بحدة لتقترب منه : انا راهنت عليك بعمرى ..وخسرت الرهان .. كنت حاسة من يوم ما قولت لك أنى حامل .. كنت ببص فى عنيك وحاسة إنك بتكدب عليا واللى يوجع اكتر ماكنتش قادرة امنعك تكدب ولا قادرة اصدق كدبك .
ابتعدت فورا ليلحق بها قبل أن تغادر الغرفة ، أمسك ذراعها دون حدة : رايحة فين ؟
نظرت له دون أن تحاول إخفاء الألم : انا اعترفت انى ماحبتكش .. لكن انت جوزى اللى اخترته واتحديت بيه الكل .. انت وجعتنى وجع عمرى ما عشته ولا فكرت ممكن أعيشه .
رفعت كفها تخلص ذراعها من قبضته : من فضلك ادينى وقت اتخطى الوجع واقدر اتعامل معاك
تساءل بترقب : يعنى مش هتسيبينى ؟؟
ابتسمت بمرار وابعدت كفه عنها لتغادر الغرفة إلى غرفة أخرى حيث يمكنها أن تبكى قهرها وعجزها عن الاعتراف بسوء اختيارها فهذا الاعتراف سيعيدها للخلف وليست هى من يقبل بالعودة للخلف .
أغلقت دونها بابا ، هو لم يتغير لأجل حملها !!
لم يعترف أنه مخطئ !!
لم تكن مرعاته لها !!
بل علمته إحداهن كيف يصبح رجلا مراعيا بشكل يتوافق تماما مع هيئته الأرستقراطية .
احتراق داخلى يكاد يطيح بكيانها كاملا ، كيف تتخطى أنه أصبح زوجا لأخرى ؟؟
زوجا !!!
هى ليست بلهاء ، تعلم جيدا أن ما أقدم عليه ليس زواجا شرعيا ، ورغم ذلك ليس هذا ما يؤلمها .خطت عدة خطوات مخترقة الغرفة حتى توقفت أمام المرآة .
من صاحبة هذه الصورة ؟؟
ارتفع كفها بتلقائية نحو خصرها النحيف ، لقد أساءت اختيار الأب لهذا الصغير القابع بين احشائها ، وها هو بسول يلقى بها بين شقى الرحا مدمرا كرامتها وأنوثتها وكل أحلامها .
ضاقت عينيها غضبا ، كيف يجرؤ ؟؟
انسابت دموعها ، لما لازالت هنا ؟؟
لما لا تغادر وكفى ؟؟
اتجهت نحو الفراش لتستلقى بصمت ، تعلم أنها لن تغادر .. تعلم أنها لن تعترف حتى بما فعل .. أنها لن تعترف بإختيارها الفاشل .
ستظل فى المقدمة طالما لديها القدرة على ذلك .
****
وصل مازن لمنزل عاصم طالبا رؤية زوجته ، منذ غادرت المنزل لم يرها نهائيا ، لم يعترض عاصم على ذلك فمراقبته الحثيثة ل مازن أوضحت مدى تغير شخصيته فى الآونة الأخيرة .
صعد لغرفة هيا بصحبة سناء التى تركته أمام الباب على أمل منحهما مساحة للتفاهم .
دخل بهدوء وكانت تجلس فوق أريكة جانبية ممدة ساقيها وتقرأ إحدى الروايات.
حمحم لتنتبه لوجوده فيسرع كفها بتلقائية يغطى ساقيها عنه ، لزمت عينيه الأرض متقدما حتى جلس بالقرب منها ، مد كفه رافعا ثوبها عن ساقيها متسائلا : رجلك وارمة كده ليه ؟
أعادت الثوب بحرج : ابدا عادى
ابعد كفه ووجهه أيضا : اعدى عليكى بكرة نروح للدكتور ؟
وضعت كتابها جانبا : ماتتعبش نفسك ماما بتروح معايا .
أومأ بتفهم : هيا لو انت مش محتاجة وجودى ابنى اكيد هيحتاجه .. من فضلك ماتحرمنيش اعيش لحظات بتسعد كل راجل مع مراته .
عاد كفه ممسدا ساقيها بدفء : انا عاوز اطمن عليكم ومش هجبرك على اى حاجة ولا هطلب منك حاجة ماتقدريش عليها .
نظرت أرضا بحزن دون أن تعترض على لمساته : مازن انا ماحرمتكش من حاجة .. احنا كان عندنا فرصة نكمل مع بعض ونعيش كويس . انت رفضت الفرصة دى وعاملتينى على انى واحدة من الشارع مع إن كل غلطتى انى صدقتك ووثقت فيك .
أمسكت كتابها لتلقيه بعيدا بغضب : كنت فاكرة إن الروايات ممكن تبقى حقيقة .. كنت فاكرة إن الحب موجود ويعمل المعجزات .. كنت عبيطة وساذجة وانت غيرت كل افكارى .
نظر نحو الكتاب الذى فقد بعض صفحاته ليقول : بس الحب فعلا بيعمل معجزات .. وانت لسه بتقرأى روايات .
ابتسمت بتهكم : دلوقتى بقرأها بعنيا .. تضيع وقت مش اكتر .
نظرت للجهة الأخرى لحظة ثم تساءلت : مازن انت جاى دلوقتى عاوز ايه ؟
أجاب بصدق : ولا حاجة وحشانى جيت اشوفك .
اقترب ليستقر كفه فوق بطنها : بجد مش عاوز غير اطمن عليكم .
اغمض عينيه مبتسما فور شعوره بحركة صغيره تحت كفه ليقترب دون وعى منه مقبلا موضع حركته هامسا : انا مستنيك .
نظرت له بدهشة ليبتعد بعد لحظات : علشان خاطره ممكن اجى معاك للدكتور ؟
اومأت بصمت ليبتسم ويقبل موضع حركته مرة أخرى ثم يستقيم واقفا : هستنى منك معاد .
وغادر دون أن يزيد ، أغمضت عينيها وكفها فوق بطنها ، قريبا سينتهى كل شيء .
*****
استيقظ دياب صباحا على صوت هاتفه الذى أصبحت تكرهه فعليا ، لكنه اليوم ومنذ تلقى هذا الإتصال شارد الذهن .
أخبرها أن منصور تم القبض عليه ، تعلم أنه لا يحارب منصور نفسه ، لكنه يحارب صورة أبيه عبره ، نجاحه في زج منصور بالسجن سيكون انتصارا له على ماضى أبيه الذى ارهقه .
****
استيقظ زيدان ليجد نفسه وحيدا بالفراش ، انتفض فزعا باحثا عنها ، إنها لا تغادر الفراش دونه مطلقا ، بحث في المرحاض الذى زاده خواءه فزعا ليغادر الغرفة ركضا نحو الأسفل ، ارتطم بأخيه الذى نظر لهيئته الغير مرتبة بقلق : خبر إيه يا زيدان ؟
تجاوزه زيدان متابعا ركضه : همت يا خوى .. مالاجيش همت .
تبعه يزيد فورا لكنه اتجه نحو البوابة يتأكد من عدم دخول أى غريب او خروجها منها ، جاب زيدان الغرف بحثا عنها بلا جدوى .
هرع إلى الحديقة حيث أبيه وجده بمكانهما المفضل فتساءل بهلع : بوى ماوعيتش همت إهنه ؟
انتفضا معا لينفى حسين : لاه .. هى مش فى الاوضة ؟
تحرك الجد : هتكون راحت فين ؟ مستحيل تخرچ لحالها .
وصل يزيد ليؤكد : محدش دخل ولا خرچ من البوابة .
إنه المكان الأخير للبحث ؛ الحديقة الخلفية ، تحركت الأقدام تابعة القلوب المهرولة نحو الحديقة الخلفية ، وصل زيدان لتتوقف خطواته ويرتفع كفه نحو صدره حين وجدها فوق تلك الأرجوحة .
ربت يزيد فوق كتفه هامسا : الحمدلله إنها بخير ، بالراحة عليها .
وعاد أدراجه ليعيد أبيه وجده الذى رفض التراجع قبل أن يراها بعينيه ليقف ثلاثتهم خلف الجدار ويتطلع لها بحزن .
اقترب زيدان ليجثو بجوار الأرجوحة وقلبه يحمد الله أنها أمامه مرة أخرى ، أصبح لديه مؤخرا هاجس فقدها الذى ينقض مضجعه .
رفع كفه متلمسا وجنتها بينما هى غارقة في غفوتها ، لحظات وبدأ يهمس بإسمها : همت .. همت .
فتحت عينيها لتبتسم فور رؤيته فيلومها برفق : ينفع تفزعينى إكده ؟ إيه جومك من چارى ؟
أغمضت عينيها مجددا ليهزها برفق : همت ، اصحى .
فتحت عينيها مرة أخرى لتبتسم بحب : همت حبك زيدان
ابتسم فورا : وانا بحبك يا همت .. بحبك اكتر من روحى .
اعتدلت قليلا ليجلس فوق الأرجوحة وتتوسد فخذه فيتساءل : مالك يا همت ؟ حاچة بتوچعك ؟
هزت رأسها نفيا ليتابع : امال فيكى إيه ؟ لا بجيتى تلعبى ولا تچرى ورا الفروچ فى المزرعة .. وبزيادة إنك جومتى من چارى وهملتينى نعسان .
لم يكن يعلم ما تشعر به ، وهى لم تكن قادرة على التعبير لكنها للمرة الأولى يراها تبكى بصمت ، فقط دموع تتابع معبرة عن الم يمزق كليهما .
تراجع الجد فور رؤيتها تبكى ، فهو يرى أنها تعانى رغم أنها نفسها لا تعلم السبب .
رفعها زيدان فورا بقلق بالغ لتدفن رأسها بين ثناياه وتجهش بالبكاء الذى يدمى قلبه ، زادته جذبا كأنها ترغب في إختراق أضلعه وسكناها ليزيدها أيضا هامسا : اتحدتى يا همت .. جولى اللى فى جلبك ماتوچعيش جلبى .
لا رد سوى المزيد من الاختباء داخله ، اغمض عينيه مستسلما أمام حزنها الذى لا يدرك سببه ، ارتفع كفه لرأسها يربت فوقه بحنان وهو يهتز يهدهدها برقة : هششش خلص يا حبيبتي بزيادة بكى .
مر ربع ساعة تقريبا قبل أن تهدأ نوبة البكاء وما هدأت سوى لشعورها بالألم والإجهاد .
شعر براحة بعض الشيء بعد توقفها عن البكاء ، ابعد رأسها عن صدره المتألم ليكفف دموعها بدفء ، ابتسم لها رغم ألمه لتأتيه صدمة أخرى حين رفعت رأسها حتى لامست شفتيه برقة ارجفت قلبه ، نظر لها بفزع ليجد دموعها تنساب قبل أن تبتعد فورا وتدفن وجهها مجددا في صدره .
ظل لحظات بلا حركة يتأكد أنها اقدمت على ذلك ، منذ أزمتها الصحية الأخيرة الناجمة عن تهوره كما يتهم نفسه دائما توقف تماما عن محاولته التنعم برحيقها ، لم يكن يتخيل أنها تشعر ببعده عنها ، وهذا يعنى أنها كانت تشعر بقربه سابقا .
اغمض عينيه بألم وهو يزيد ضغطها لصدره المشتعل ، ياله من احمق غبى !!
ترى ما الذي يدور بعقلها وتعجز عن التعبير عنه ؟
ما الذى يصوره لها خيالها البرئ وتعجز عن تحويله لكلمات ؟؟
وما النتيجة التى سيصل إليها إن فعلت ؟؟
حمدا لله على عجزها عن التعبير فهو لن يجازف بحياتها وإن عنى ذلك احتراقه حيا .
حملها بعد أن هدأت أفكاره التى تدفعه للجنون متجها للداخل ثم إلى غرفته مباشرة ، لا عمل اليوم ، لن يبارح موضعه حتى تستيقظ ويرى ابتسامتها مجددا .
****
أنهى سويلم حمامه وقبل أن يدخل للغرفة سمع بسمة تتحدت بإنفعال واضح : لا يا خالد مااقدرش اعمل كده من ورا سويلم
صمتت قليلا وتابعت : لا هحس انى بخون ثقته فيا .. لا مااقدرش .
اهتزت نبرة صوتها : يا خالد ماتزعلش منى .. انت اخويا وسويلم جوزى واللى بتطلبه ده مش سهل ابدا .
وصلته زفرتها التى تنم عن إصرار خالد على مطلبه : معلش حاول تكلمه الأول وبعدين اعمل لك اللى انت عاوزه .
تراجع سويلم للخلف متعجبا ،
ما الذى يطلبه خالد ؟
ولما تعتبره خيانة لثقته ؟
ظل بالخارج دقائق ثم تقدم للغرفة ليجدها قد أنهت المكالمة ليتساءل : كنت بتكلمى مين ؟
أجابت بهدوء : ده خالد
حمحم لتشعر بغيرته الواضحة : لعله خير !!
جلست أمامه فهى ليست بحالة تسمح بمشاكسته لأجل غيرته فأجابت بصراحة : طالب منى خدمة
قطب جبينه وهو يجلس بالقرب منها : خدمة إيه ؟
نظرت له لتتابع : مش من حقى اقولك .
رفع حاجبيه دهشة لتتابع : من فضلك يا سويلم بلاش نتكلم فى الموضوع ده
سحب هاتفه وتحرك للخارج بصمت ، إنه يغار وما من براءة من غيرته تلك ، يعلم جيدا مكانة خالد لها ومكانتها له وكم ساعده خالد بالفعل إلا أن قلبه يشتعل رغما عنه .
توجه للخارج لتنظر في أثره بضيق ولا تلحق به فهى تعلم أنه سيهاتف خالد .
****
توجه بسول للغرفة التى اتخذتها ملجئا لها الليلة الماضية ، لم تحكم إغلاق الباب فهى لا تمانع دخوله إذا .
بمجرد أن شعرت به تجاهلته واتجهت نحو المرحاض لكنه اعترض طريقها : انت عارفة أنا مابحبش الأمور العالقة .. احب كل حاجة تبقى في النور .
عقدت ساعديها بعند : وأما انت بتحب النور تسمى إيه علاقتك في الضلمة؟ وماتقوليش جواز
مسد جبهته بضيق : نسمة انا اتجوزت ماعملتش حاجة غلط ..و قولت لك كنت مستنى لما تولدى واعرفك .. كنت خايف عليكى مش اكتر
ابتسمت بتهكم : لا حنين اوى
دفعته عن طريقها : تسمح ! عاوزة اخد شاور علشان اروح المحطة .
لم يتزحزح بل إقترب بلين : وحشتينى .
زفرت بضيق ودفعته بقوة : يووه انت إيه يا اخى !
تجاوزته وقد تركها تفعل ليبدأ فى نزع ملابسه ويلحق بها عازما على نيل ما يحب منها فهو يرى هذا القرب ما يذلل كل العقبات ويحل كافة الخلافات ، هى تحتاجه .. يثق أنها تفعل وهو اصبح يعلم جيداً كيف يطوع هذا الاحتياج لرغباته .
قاومته لدقائق لتتاكد ألا جدوى من مقاومته فتبدى له رضا زائف مع كثير من اللوم والعتاب رحب هو بإبتلاعه كاملا .
كادت أن تغفو بعد ساعتين من هذا التوقيت ليمرر كفه فوق ملامحها : حبيبتي مش هتروحى المحطة ؟
تأففت بضيق : لا مش قادرة .
صمت لتتابع بلا تردد : بسول انا محتاجة منك إثبات على حسن نيتك وانك عمرك ما هتتغير معايا أو تفضل حد عليا .
همس بحنان : وايه اللى يثبت لك ؟
لم تفكر لحظة : اكتب لى الڤيلا دى .
ابتسم بسول ، لقد عزمت أمرها مسبقا ولا بأس لديه فى دفع ثمن وجودها بحياته ، هو يريدها بحياته لذا قبل مقدمة رأسها : اعتبريه حصل وبكرة العقد يبقى عندك .
لم تجب بل سمحت لدمعة خائنة أن تعبر عن صراعها الداخلى ، لقد أصبحت مثله تماما ، مفاوضة بارعة تعلم متى يمكنها أن تطلب ما تريد وتحدد جيدا أهدافها القادمة ، وصلت دمعتها لصدره ليتساءل : نسمة انت بتعيطى ؟
هزت رأسها نفيا ليرفع رأسها فتنهمر المزيد من الدموع ، أعادها لصدره هامسا : حبيبتي انت عارفة أنا بحبك انت .. صدقينى عمرك ما هتحسى إن فى حياتى واحدة غيرك ..
وعادت لهفته تشتعل مع استسلام تام منها فهى قد قبلت بالبيع وعليه أن يتمتع بممتلكاته .
****
وقف مازن وعينيه متعلقة بالشاشة الصغيرة التي يرى فيها صغيره المرتقب والطبيبة تشرح لهم وضع الجنين وحالته وتثنى على اتباع هيا للتعليمات التى اثرت إيجابيا على وضع الجنين .
أشار للشاشة الصغيرة : هو ولد ولا بنت ؟
ابتسمت الطبيبة : بنت
اتسعت ابتسامته وهيا تراقب رد فعله لتشعر بالراحة حياله وهو ينظر لها بسعادة : هنسميها إيه ؟
هزت كتفيها بينما ضحكت الطبيبة : تيجى بالسلامة وبعدين اختاروا اسمها براحتكم .
غادرت الطبيبة مقعدها إيذانا بنهاية الفحص ليتحرك فورا ويساعدها فلا تملك رفض مساعدته .
فتح باب سيارته لتجلس صامتة ويتجه هو لمقعده بحماس ، تحرك بالسيارة ليقول : نعدى على اول صيدلية نجيب الدوا .. خلاص هانت انا عارف انك تعبتى فى الحمل .
نظرت له بحدة : مازن انت بتعمل ايه ؟
ذاب حماسه بدهشة : بعمل ايه ؟؟
أجابت بنفس الحدة : انت عاوز تفهمنى إننا زى اى اتنين منتظرين اول طفل !! مازن انا وانت انتهينا وحتى اللى فى بطنى مش بيربط بنا ولا هيكون عمره رابط بنا .
تجهمت ملامحه : قصدك ايه ؟
نظرت للأمام : قصدى إننا نتطلق بهدوء ومفيش داعى للرومانسية الكدابة دى لأنى مابقتش أصدقها .
قبض على المقود منفثا عن غضبه : انا مش هطلقك يا هيا .. هتفضلى مراتى .
نظرت له بتهكم : لو لسه بتفكر تستعملنى انا مش هسمح لك ...
أوقف السيارة بحدة كادت تؤدى لارتطام رأسها ومع الحركة المفاجئة للأمام تألمت لتمسك بطنها بألم ، رأى ألمها ليتراجع غضبه ويتساءل : انت كويسة ؟
اعتدلت بألم واضح ليقول : هيا انا مابفكرش في حاجة ولا عاوز منك حاجة .. إحنا الاتنين غلطنا انا معترف .. بس بنتنا مالهاش ذنب تتعذب بنا .
نظرت له بتشكك ليتابع : خليكى براحتك يا هيا . بس من غير طلاق .
نظرت للخارج ليعيد تشغيل السيارة ويتحرك مجددا مع صمت مطبق حتى اوصلها لمنزل أبيها وغادر فورا .
*****
أجاب خالد ليشعر بضيق سويلم فيقول فورا : سويلم ماكانش قصدى اضايقك والله .. بس انت عارف الحب مش بإدينا .
تساءل سويلم بفزع : حب !! حب مين ؟ انت بتكلم عن إيه ؟
صمت خالد ندما ، إذا لم تخبره بسمة ، لقد تسرع مجددا ، لحظات وصرخ سويلم : ماتنطج يا بنى آدم ؟
حمحم خالد بحرج : صراحة يا سويلم .. انا ماكانش قصدى والله .. يعنى مافكرتش اخونك ولا حاجة
انتفض سويلم مقاطعه بحدة : يااااألله . والله لو ما اتحدت كيه الرچالة لتلاجينى فوج راسك وموتك على يدى
حاول خالد تهدئته : خلاص يا سويلم .. انا بس مرتبك يا اخى بتتعصب ليه انت ؟
زفر سويلم بضيق ليتابع خالد : انا بحب سيلين ..بس والله العظيم لا كلمتها ولا اتعرضت لها خالص .. حتى خليت زينة تسألها لو بتفكر ترتبط دلوقتى والحمد لله طلعت مابتفكرش .
هز سويلم رأسه شاعرا بالغباء : انت جولته إيه ؟؟
جاءت زفرة الضيق تلك المرة من خالد : لا سويلم انا مكتفى والله ماتزودش عليا !
تساءل سويلم : وبسمة مالها ومال اللى بتجوله ده !؟
زفر خالد مجددا : هيكون مالها يعنى ؟ كنت عاوز اعرف رأيها يعنى .. ترضى بيا ولا لا . فهمت يا قفل ؟
لحظة من الصمت أعقبها انفجار سويلم ضاحكا ليثير دهشة خالد الذى تأفف من ضحكاته تلك لكنه لا يملك سوى أن ينتظر رده .
انتهى سويلم من موجة ضحكاته ليقول : أول هام ماتحدتش مرتى تانى من غير وچودى .. تانى هام انا هخليها تسأل سيلين وانا اللى هرد عليك .. تالت هام إذا سيلين وافجت معندناش حاچة اسمها مش عاوزة ترتبط أجله تلبسها دبلة وتبجى في النور .. رابع هام تبجى تنجى كلامك يا جفل .
لم تكن سعادته بتقبل سويلم لمشاعره لترفض بعضا من غضبه . لا بأس سيتحمله للأبد لأجل تلك المجنونة العابثة التى بعثرت مشاعره بطفوليتها وجنونها .
***
عاد سويلم للغرفة بعد قليل وكانت بسمة لاتزال بنفس المقعد تنظر أمامها بشرود ، تعلم أن عشقه لها سيدفعه لتقبل مشاعر خالد ، هى تثق بخالد تماما لذا تنتظر فقط إعلانه الموافقة .
لكنها تشعر بالقليل من الغضب حيال رد فعله لمهاتفة خالد لها . يمكنها أن تقدر غيرته ومشاعره لكنها لا ولن تتقبل نظرة عدم ثقة بعينيه مطلقا .
جلس بجوارها وقد تغيرت حالته للنقيض متسائلا : مالك يا حبيبتي ؟
نظرت له بلوم وهبت واقفة لتوليه ظهرها بنفور واضح : مالاكش دعوة بيا .
لحق بها فورا : واه حوصل إيه بس ؟
دارت على عقبيها تنظر له : مش عارف !! شوف كنت بتبص لى ازاى ؟ انت يا سويلم !! انت مش واثق فيا ؟؟
نهرها برفق : لا طبعا .. مين جال إكده .. بسمة انا وانت واحد .. انت حتة منى كيه تفكرى إكده ؟ انا ثجتى فيكى اكتر من روحى .
ارتسمت علامات الأسى فوق ملامحها : نظراتك قالت كده يا سويلم .. مش لازم لسانك ينطقها .
احاطها ليقربها منه : والله ما حصل .. انا بس ماكنتش فاهم خالد بده إيه منيكى وانت مارضتيش تتحدتى . كنت عصبى مش اكتر بس والله العظيم ما فكرت لحظة فى غير إكده .. وهو بيكلمنى جعد يجول ماجصديش اخونك ولا ماعرفش إيه حديت ماسخ زييه .
تراجعت للخلف ليتبعها بلا تردد : انا بغير عليكى يا بسمة .. بغير من خلاجاتى مش من خالد بس .. بغير من بوكى وخوكى
ارتفع كفه ليغوص بين خصلاتها : بغير من الهوا .نار بتجيد چوايا .
ابتعدت عنه خطوة : الغيرة الزيادة عن اللزوم بتخنق يا سويلم .. سويلم انا بحبك دى حاجة مفهاش شك .. حاول تتحكم في غيرتك علشان خاطري .. علشان الغيرة ماتفسدش حياتنا .
عاد يغمرها مقتطفا كل ما يصل إليه منها بلهفة هامسا : ساعدينى يا بسمة .. ساعدينى انا ..
قاطعت كلماته بلهفتها الخاصة ، لا تحتاج اعتراف منه لشعوره بعدم ثقته بنفسه ، لا تحتاج اعترافا منه لشعوره بالضعف ، يمكنه أن يطرح كل ضعفه بين ذراعيها وهى ستمتص كل هذا الضعف لتخفيه عن العالم أجمع ، حبيبها لم ولن يكون ضعيفا مطلقا ، ستنبع قوته مجددا من فيض حبها له .
****
تحركت همت بخمول لينتفض زيدان فورا ، كانت تنظر للسقف بشرود ليبتسم مداعبا وجنتيها : كل ده نوم يا همت ؟ بجينا العصرية !
تحركت عينيها تنظر نحوه لتبتسم ابتسامة باهتة فيتساءل بحنان : فيكى إيه يا حبة الجلب ؟؟ جولى يا همت !!
هزت كتفيها علامة لا أدرى ليتنهد بحزن ويجذبها نحوه فتتشبث به بقوة زادت من مخاوفه . أنفاسها المتسارعة قرب صدره بعثت هواجس بشكل مختلف ليهمس برجاء : همت !!
همهمت دون حديث وهى تهز رأسها رفضا لتزيده عذابا بهذا القرب وهذا الدفء ، حاول أن يبعدها بلطف لتزداد تمسكا به واعتراضا : زيدااان
استلقى مستسلما لتظل على تشبثها به حتى غفت مجددا بعد قليل ، لم ينتو أن يتركها لغفوة أخرى ، هى بحاجة للطعام والدواء ولم تحصل على اى منهما منذ الأمس ، لكنه أجبر على القبول بغفوتها بدلا من اتباع لهفتها التى لا تفهم والتى ستهلك كل منهما ، نظر لها بحنان ، كم هى جميلة حتى في ذبولها بهذا الشكل ، اقترب متلمسا وجنتها الدافئة ليتمرد قلبه رافضا إلا تذوق رحيقها فيتبع قلبه بتردد وترقب خوفا على قلبها الغر الضعيف من نوبة إنفعال غير مرجوة النتائج .
ابتعد بعد لحظات مغمضا عينيه بألم ليتسلل من الفراش ببطء متجها للخارج ، لن يستسلم لاستسلامها ، سيحافظ على حياتها مهما كان عذابه شاقا .
عاد بعد قليل للغرفة حاملا الطعام ، نادى اسمها لتفتح عينيها بنعاس فيقول : لازم تاكلى ولا ازعل منيكى !
نهضت بتثاقل : لا آكل زيدان .. ازعلش
وضع الطعام جانبا وأمسك كفها متجها معها نحو المرحاض لتغتسل اولا ، شعر ببعض التحسن في حالتها المزاجية رغم بعض الذبول والهالات المحيطة بعينيها لذا قرر إخضاعها للفحص فى اقرب فرصة ، فقط سيقنعها أن تفعل ذلك طواعية .
****
مرت عدة أيام وقد أوفى دياب بوعده ، صحبها للفحص الطبي لتطلب الطبيبة فحصه أيضا ، زادت هواجسه ونمت مخاوفه ، لم يذق للنوم طعما رغم جهادها لتشتيته ، اليوم عليه أن يواجه الحقيقة .
بل عليه أن يواجه مصيره
كم كان فراق أسرتها صعبا ! بكت وأبكت الجميع خاصة إياد الذى فر بعد دقائق رافضا هذا الألم تلاه أبيها الذى لولا رغبتها ما قبل بعدها عنه مطلقا ، ليليان لم تكن تظن أنها ستواجه تلك المشقة فى فراقها بعد الزواج خاصة أن نسمة تزوجت مسبقا ربما بعد المسافة زاد الأمر سوءا أما نسمة فشعرت أنها فقدت جزءا منها فعليا أثناء المغادرة تلك المرة لتعترف أمام نفسها للمرة الأولى أن رفضها ل سويلم نابع من رفضها بعد شقيقتها عنها فرغم أنهما مختلفتان بشكل جذرى إلا أن بسمة جزء من روحها لا يمكنها التخلى عنه .
أما بسمة فقد سحبها زوجها رغما عنها ليتمكن الجميع من المغادرة ، أسرتها جزء منها أيضا ومفارقتهم شاقة للغاية .
وجد سويلم صعوبة كبيرة في امتصاص حزنها لفراقهم لكنه مقدر تماما لكل اوجاعها .
*****
استرخت وفية بين ذراعى محمد كعادة يومية منذ لزمت الفراش ، طيلة الليالى التى يقضيها معها تتخذ من صدره متكئا دافئا ، بسط كفيه فوق بطنها مجددا وهو يهمس : هيتحرك دلوقتى
لحظة واحدة وكان جنينها يركل أسفل كفه ليضحك بسعادة كأنه يحظى بطفل للمرة الأولى بحياته وكم كانت سعادته تلك داعما لتحمل مشقة الحمل .
ابعدت كفه بمشاغبة : بطل لعب انت وابنك يا محمد بطنى انا اللى بتوجعنى .
أعاد كفه بإلحاح : مرة واحدة كمان .
ضحكت بسعادة : انا حاسة انى كورة بتلعبوا بيا .
كتم ضحكته ليثير غضبها وتتساءل : بتضحك على ايه ؟؟
تعالت ضحكاته : اصلك بقيتى شبه الكورة فعلا ههههه .
زادت ضحكاته مع وكزاتها المتكررة واعتراضها الفورى لكن لم تستمر أكثر من دقيقة وبدأت تتألم لتتوقف عن الحركة مرغمة خوفا من إفزاعه .
ضمها بعد هدوئها : ده انت احلى كورة شوفتها في حياتى . اوزعة صحيح بس بحبك .
لم تجب ليتساءل : وفية انت زعلتى ؟
هزت رأسها نفيا : لا يا محمد بس عاوزة انام .
تشكك فى الوهن المتوارى خلف كلماتها ليقول : لا انت تعبانة .
انتفض من فوره فهو على علم بخطورة حالتها ، رفض مهاتفة الطبيبة وأصر على أن يصحبها للفحص .
*****
فتح طايع باب منزله ليشعر بوحشة شديدة .
هذا الصمت .
هذا الهدوء .
اخترق إياد الباب نحو غرفته مباشرة لينظرا له بألم ، غياب بسمة سيؤثر سلباً على إياد .
تقدمت ليليان ببطء ولحق بها مغلقا الباب خلفه ، جلس فوق المقعد وعينيه تجوب الانحاء ، أعوام مرت .. سعادة واحزان ..يسر ومشقة .. وفى النهاية حظت كل منهما برفيق العمر ، وها هو بعد هذا العمر يغلق بابه وهما بعيدتان عنه .
أغمض عينيه لتمر عدة صور مرورا سريعا ، جنون زوجته أثناء حملها بجوهرتيه ، ميلادهما ، ميلاد إياد ، انتقالهم لهذا المنزل ، اول تدريب فروسية ل نسمة ، اول نشيد انشدته بسمة ، ظل مغمض العينين يبتسم احيانا ويتجهم أخرى حتى شعر بكفها يسترخى فوق كفه ، نظر لها لتبتسم بمشقة واضحة متسائلة : البنات هيبقوا كويسين صح ؟
حمحم باحثا عن صوته : إن شاء الله حبيبتي .
اومأت بتفهم لتنهض : انا هشوف إياد .
تابعها ليجد أنها المرة الأولى تطرق باب غرفته دون تذمر وتنتظر أن يفتح لها ، حتى إياد نفسه تعجب أنها من بالباب ، نظر لأبيه الذى ابتسم له وليليان تتساءل : ممكن اقعد معاك شوية ؟
افسح مجالا لها لتمر دون تردد لتتسع ابتسامة طايع ويعود لذكرياته .
**
دخلت ليليان لحجرة إياد لتجده قد افترش الأرض وحوله مئات الصور لشقيقتيه وله فى عدة مناسبات نظرت له بتساؤل ليقول بحماس : هحط صور فرح بسمة .. تعالى شوفيهم .
جلست أرضا ليجلس بجوارها مخرجا اللقطات التي طبعها لتلك الذكرى الغالية.
*****
وصلت نسمة منزلها لتجده غارقا فى هدوء تكرهه ، أمسكت هاتفها تتصل بزوجها المفترض تواجده بالمنزل في ذلك الوقت ، انتظرت قليلا حتى جاء صوت بسول : حبيبتي وحشتينى اوى .
تنهدت بضيق : انت فين يا بسول ؟
لتأتيها الصدمة مع قوله : فى البيت يا حبيبتي هكون فين دلوقتي يعنى !! كنت هنام كمان .. انت هتيجى امته ؟
فقدت النطق وهى تعيد تكرار إجابته ودون تردد انهت الاتصال .
تعلم أنه سيعلم بعودتها وسيكون هنا قريبا ، انتظرت ساعة واحدة وكان بالفعل يدخل للغرفة ، وقف أمامها بصمت وهى لم ترفع وجهها و تنظر له .
اتجه لأقرب مقعد وجلس بهدوء ثم قال : انا كنت هعرفك فى كل الاحوال بس كنت مستنى بعد الولادة .
نظرت له نظرة خالية من المشاعر ليتابع : نسمة انا حبيتك بجد واتحملت فترة الخطوبة علشان خاطرك ، علشان انت مش عاوزة علاقة كاملة قبل الفرح .. بعد ما اتجوزنا كنت بتبعدى عنى وتضايقى من علاقتنا وقولتى انى همجى ومش حاسس بيكى .
استجمع أنفاسه ليتابع : طبعا أنا مااقدرش اطلقك ولا هسمح إننا نوصل لكده انا حياتى الاجتماعية مرتبطة بنجاحى فى شغلى وخبر زى ده هيأثر على مستقبلى .
انتظر أن تتساءل أو تتجاوب معه لكنها تنظر له فقط دون أى رد فعل ليتابع : طبعا كان لازم الاقى واحدة تحقق لى اللى انت مش عارفة تحققيه انا راجل عاوز اعيش حياتى واتمتع بيها .طبعا حريص على حياتنا مع بعض علشان كده اخترت واحدة ماتأثرش على علاقتنا وشرطت عليها مفيش خلفة ولا اشهار انا عاوز ولادى منك انت وانت بس هتفضلى مراتى قدام الناس .
أنهى حديثه وصمت دقائق لتقول بهدوء : انا عمرى ما حبيتك .. ولا حبيت غيرك .. انا مش بعترف بالحب .. جوازى منك كان بالعقل لانك مناسب مش اكتر ..
هزت كتفيها ببساطة : انت فعلا همجى انا مش بتجنى عليك .
قاطعها بحدة : كنت متهور شوية بس ماتنكريش انى اتغيرت .. عارفة اتغيرت امته ؟؟ لما اتجوزتها يعنى انت كان ممكن تجنبينا كل ده لكن انت مستقبلك عندك اهم ..
هب واقفا : انت قولتى بنفسك عمرك ما حبتينى انت اتجوزتينى لأنى هقدر اقدم لك المستقبل اللى بتحلمى بيه .
وقفت أمامه : لا مش انا اللى كان ممكن اجنبك انك تتجوز عليا .. انت اللى كان ممكن تتفهم وتعرف انك غلط . لكن انت كابرت طبيعى كل اتنين متجوزين جديد ماعندهمش خبرة كفاية لكن انت ماحاولتش حتى .. بسول انت عمرك ما حبتنى ..انت بس بتبرر لنفسك .
نظر لها بحدة لتقترب منه : انا راهنت عليك بعمرى ..وخسرت الرهان .. كنت حاسة من يوم ما قولت لك أنى حامل .. كنت ببص فى عنيك وحاسة إنك بتكدب عليا واللى يوجع اكتر ماكنتش قادرة امنعك تكدب ولا قادرة اصدق كدبك .
ابتعدت فورا ليلحق بها قبل أن تغادر الغرفة ، أمسك ذراعها دون حدة : رايحة فين ؟
نظرت له دون أن تحاول إخفاء الألم : انا اعترفت انى ماحبتكش .. لكن انت جوزى اللى اخترته واتحديت بيه الكل .. انت وجعتنى وجع عمرى ما عشته ولا فكرت ممكن أعيشه .
رفعت كفها تخلص ذراعها من قبضته : من فضلك ادينى وقت اتخطى الوجع واقدر اتعامل معاك
تساءل بترقب : يعنى مش هتسيبينى ؟؟
ابتسمت بمرار وابعدت كفه عنها لتغادر الغرفة إلى غرفة أخرى حيث يمكنها أن تبكى قهرها وعجزها عن الاعتراف بسوء اختيارها فهذا الاعتراف سيعيدها للخلف وليست هى من يقبل بالعودة للخلف .
أغلقت دونها بابا ، هو لم يتغير لأجل حملها !!
لم يعترف أنه مخطئ !!
لم تكن مرعاته لها !!
بل علمته إحداهن كيف يصبح رجلا مراعيا بشكل يتوافق تماما مع هيئته الأرستقراطية .
احتراق داخلى يكاد يطيح بكيانها كاملا ، كيف تتخطى أنه أصبح زوجا لأخرى ؟؟
زوجا !!!
هى ليست بلهاء ، تعلم جيدا أن ما أقدم عليه ليس زواجا شرعيا ، ورغم ذلك ليس هذا ما يؤلمها .خطت عدة خطوات مخترقة الغرفة حتى توقفت أمام المرآة .
من صاحبة هذه الصورة ؟؟
ارتفع كفها بتلقائية نحو خصرها النحيف ، لقد أساءت اختيار الأب لهذا الصغير القابع بين احشائها ، وها هو بسول يلقى بها بين شقى الرحا مدمرا كرامتها وأنوثتها وكل أحلامها .
ضاقت عينيها غضبا ، كيف يجرؤ ؟؟
انسابت دموعها ، لما لازالت هنا ؟؟
لما لا تغادر وكفى ؟؟
اتجهت نحو الفراش لتستلقى بصمت ، تعلم أنها لن تغادر .. تعلم أنها لن تعترف حتى بما فعل .. أنها لن تعترف بإختيارها الفاشل .
ستظل فى المقدمة طالما لديها القدرة على ذلك .
****
وصل مازن لمنزل عاصم طالبا رؤية زوجته ، منذ غادرت المنزل لم يرها نهائيا ، لم يعترض عاصم على ذلك فمراقبته الحثيثة ل مازن أوضحت مدى تغير شخصيته فى الآونة الأخيرة .
صعد لغرفة هيا بصحبة سناء التى تركته أمام الباب على أمل منحهما مساحة للتفاهم .
دخل بهدوء وكانت تجلس فوق أريكة جانبية ممدة ساقيها وتقرأ إحدى الروايات.
حمحم لتنتبه لوجوده فيسرع كفها بتلقائية يغطى ساقيها عنه ، لزمت عينيه الأرض متقدما حتى جلس بالقرب منها ، مد كفه رافعا ثوبها عن ساقيها متسائلا : رجلك وارمة كده ليه ؟
أعادت الثوب بحرج : ابدا عادى
ابعد كفه ووجهه أيضا : اعدى عليكى بكرة نروح للدكتور ؟
وضعت كتابها جانبا : ماتتعبش نفسك ماما بتروح معايا .
أومأ بتفهم : هيا لو انت مش محتاجة وجودى ابنى اكيد هيحتاجه .. من فضلك ماتحرمنيش اعيش لحظات بتسعد كل راجل مع مراته .
عاد كفه ممسدا ساقيها بدفء : انا عاوز اطمن عليكم ومش هجبرك على اى حاجة ولا هطلب منك حاجة ماتقدريش عليها .
نظرت أرضا بحزن دون أن تعترض على لمساته : مازن انا ماحرمتكش من حاجة .. احنا كان عندنا فرصة نكمل مع بعض ونعيش كويس . انت رفضت الفرصة دى وعاملتينى على انى واحدة من الشارع مع إن كل غلطتى انى صدقتك ووثقت فيك .
أمسكت كتابها لتلقيه بعيدا بغضب : كنت فاكرة إن الروايات ممكن تبقى حقيقة .. كنت فاكرة إن الحب موجود ويعمل المعجزات .. كنت عبيطة وساذجة وانت غيرت كل افكارى .
نظر نحو الكتاب الذى فقد بعض صفحاته ليقول : بس الحب فعلا بيعمل معجزات .. وانت لسه بتقرأى روايات .
ابتسمت بتهكم : دلوقتى بقرأها بعنيا .. تضيع وقت مش اكتر .
نظرت للجهة الأخرى لحظة ثم تساءلت : مازن انت جاى دلوقتى عاوز ايه ؟
أجاب بصدق : ولا حاجة وحشانى جيت اشوفك .
اقترب ليستقر كفه فوق بطنها : بجد مش عاوز غير اطمن عليكم .
اغمض عينيه مبتسما فور شعوره بحركة صغيره تحت كفه ليقترب دون وعى منه مقبلا موضع حركته هامسا : انا مستنيك .
نظرت له بدهشة ليبتعد بعد لحظات : علشان خاطره ممكن اجى معاك للدكتور ؟
اومأت بصمت ليبتسم ويقبل موضع حركته مرة أخرى ثم يستقيم واقفا : هستنى منك معاد .
وغادر دون أن يزيد ، أغمضت عينيها وكفها فوق بطنها ، قريبا سينتهى كل شيء .
*****
استيقظ دياب صباحا على صوت هاتفه الذى أصبحت تكرهه فعليا ، لكنه اليوم ومنذ تلقى هذا الإتصال شارد الذهن .
أخبرها أن منصور تم القبض عليه ، تعلم أنه لا يحارب منصور نفسه ، لكنه يحارب صورة أبيه عبره ، نجاحه في زج منصور بالسجن سيكون انتصارا له على ماضى أبيه الذى ارهقه .
****
استيقظ زيدان ليجد نفسه وحيدا بالفراش ، انتفض فزعا باحثا عنها ، إنها لا تغادر الفراش دونه مطلقا ، بحث في المرحاض الذى زاده خواءه فزعا ليغادر الغرفة ركضا نحو الأسفل ، ارتطم بأخيه الذى نظر لهيئته الغير مرتبة بقلق : خبر إيه يا زيدان ؟
تجاوزه زيدان متابعا ركضه : همت يا خوى .. مالاجيش همت .
تبعه يزيد فورا لكنه اتجه نحو البوابة يتأكد من عدم دخول أى غريب او خروجها منها ، جاب زيدان الغرف بحثا عنها بلا جدوى .
هرع إلى الحديقة حيث أبيه وجده بمكانهما المفضل فتساءل بهلع : بوى ماوعيتش همت إهنه ؟
انتفضا معا لينفى حسين : لاه .. هى مش فى الاوضة ؟
تحرك الجد : هتكون راحت فين ؟ مستحيل تخرچ لحالها .
وصل يزيد ليؤكد : محدش دخل ولا خرچ من البوابة .
إنه المكان الأخير للبحث ؛ الحديقة الخلفية ، تحركت الأقدام تابعة القلوب المهرولة نحو الحديقة الخلفية ، وصل زيدان لتتوقف خطواته ويرتفع كفه نحو صدره حين وجدها فوق تلك الأرجوحة .
ربت يزيد فوق كتفه هامسا : الحمدلله إنها بخير ، بالراحة عليها .
وعاد أدراجه ليعيد أبيه وجده الذى رفض التراجع قبل أن يراها بعينيه ليقف ثلاثتهم خلف الجدار ويتطلع لها بحزن .
اقترب زيدان ليجثو بجوار الأرجوحة وقلبه يحمد الله أنها أمامه مرة أخرى ، أصبح لديه مؤخرا هاجس فقدها الذى ينقض مضجعه .
رفع كفه متلمسا وجنتها بينما هى غارقة في غفوتها ، لحظات وبدأ يهمس بإسمها : همت .. همت .
فتحت عينيها لتبتسم فور رؤيته فيلومها برفق : ينفع تفزعينى إكده ؟ إيه جومك من چارى ؟
أغمضت عينيها مجددا ليهزها برفق : همت ، اصحى .
فتحت عينيها مرة أخرى لتبتسم بحب : همت حبك زيدان
ابتسم فورا : وانا بحبك يا همت .. بحبك اكتر من روحى .
اعتدلت قليلا ليجلس فوق الأرجوحة وتتوسد فخذه فيتساءل : مالك يا همت ؟ حاچة بتوچعك ؟
هزت رأسها نفيا ليتابع : امال فيكى إيه ؟ لا بجيتى تلعبى ولا تچرى ورا الفروچ فى المزرعة .. وبزيادة إنك جومتى من چارى وهملتينى نعسان .
لم يكن يعلم ما تشعر به ، وهى لم تكن قادرة على التعبير لكنها للمرة الأولى يراها تبكى بصمت ، فقط دموع تتابع معبرة عن الم يمزق كليهما .
تراجع الجد فور رؤيتها تبكى ، فهو يرى أنها تعانى رغم أنها نفسها لا تعلم السبب .
رفعها زيدان فورا بقلق بالغ لتدفن رأسها بين ثناياه وتجهش بالبكاء الذى يدمى قلبه ، زادته جذبا كأنها ترغب في إختراق أضلعه وسكناها ليزيدها أيضا هامسا : اتحدتى يا همت .. جولى اللى فى جلبك ماتوچعيش جلبى .
لا رد سوى المزيد من الاختباء داخله ، اغمض عينيه مستسلما أمام حزنها الذى لا يدرك سببه ، ارتفع كفه لرأسها يربت فوقه بحنان وهو يهتز يهدهدها برقة : هششش خلص يا حبيبتي بزيادة بكى .
مر ربع ساعة تقريبا قبل أن تهدأ نوبة البكاء وما هدأت سوى لشعورها بالألم والإجهاد .
شعر براحة بعض الشيء بعد توقفها عن البكاء ، ابعد رأسها عن صدره المتألم ليكفف دموعها بدفء ، ابتسم لها رغم ألمه لتأتيه صدمة أخرى حين رفعت رأسها حتى لامست شفتيه برقة ارجفت قلبه ، نظر لها بفزع ليجد دموعها تنساب قبل أن تبتعد فورا وتدفن وجهها مجددا في صدره .
ظل لحظات بلا حركة يتأكد أنها اقدمت على ذلك ، منذ أزمتها الصحية الأخيرة الناجمة عن تهوره كما يتهم نفسه دائما توقف تماما عن محاولته التنعم برحيقها ، لم يكن يتخيل أنها تشعر ببعده عنها ، وهذا يعنى أنها كانت تشعر بقربه سابقا .
اغمض عينيه بألم وهو يزيد ضغطها لصدره المشتعل ، ياله من احمق غبى !!
ترى ما الذي يدور بعقلها وتعجز عن التعبير عنه ؟
ما الذى يصوره لها خيالها البرئ وتعجز عن تحويله لكلمات ؟؟
وما النتيجة التى سيصل إليها إن فعلت ؟؟
حمدا لله على عجزها عن التعبير فهو لن يجازف بحياتها وإن عنى ذلك احتراقه حيا .
حملها بعد أن هدأت أفكاره التى تدفعه للجنون متجها للداخل ثم إلى غرفته مباشرة ، لا عمل اليوم ، لن يبارح موضعه حتى تستيقظ ويرى ابتسامتها مجددا .
****
أنهى سويلم حمامه وقبل أن يدخل للغرفة سمع بسمة تتحدت بإنفعال واضح : لا يا خالد مااقدرش اعمل كده من ورا سويلم
صمتت قليلا وتابعت : لا هحس انى بخون ثقته فيا .. لا مااقدرش .
اهتزت نبرة صوتها : يا خالد ماتزعلش منى .. انت اخويا وسويلم جوزى واللى بتطلبه ده مش سهل ابدا .
وصلته زفرتها التى تنم عن إصرار خالد على مطلبه : معلش حاول تكلمه الأول وبعدين اعمل لك اللى انت عاوزه .
تراجع سويلم للخلف متعجبا ،
ما الذى يطلبه خالد ؟
ولما تعتبره خيانة لثقته ؟
ظل بالخارج دقائق ثم تقدم للغرفة ليجدها قد أنهت المكالمة ليتساءل : كنت بتكلمى مين ؟
أجابت بهدوء : ده خالد
حمحم لتشعر بغيرته الواضحة : لعله خير !!
جلست أمامه فهى ليست بحالة تسمح بمشاكسته لأجل غيرته فأجابت بصراحة : طالب منى خدمة
قطب جبينه وهو يجلس بالقرب منها : خدمة إيه ؟
نظرت له لتتابع : مش من حقى اقولك .
رفع حاجبيه دهشة لتتابع : من فضلك يا سويلم بلاش نتكلم فى الموضوع ده
سحب هاتفه وتحرك للخارج بصمت ، إنه يغار وما من براءة من غيرته تلك ، يعلم جيدا مكانة خالد لها ومكانتها له وكم ساعده خالد بالفعل إلا أن قلبه يشتعل رغما عنه .
توجه للخارج لتنظر في أثره بضيق ولا تلحق به فهى تعلم أنه سيهاتف خالد .
****
توجه بسول للغرفة التى اتخذتها ملجئا لها الليلة الماضية ، لم تحكم إغلاق الباب فهى لا تمانع دخوله إذا .
بمجرد أن شعرت به تجاهلته واتجهت نحو المرحاض لكنه اعترض طريقها : انت عارفة أنا مابحبش الأمور العالقة .. احب كل حاجة تبقى في النور .
عقدت ساعديها بعند : وأما انت بتحب النور تسمى إيه علاقتك في الضلمة؟ وماتقوليش جواز
مسد جبهته بضيق : نسمة انا اتجوزت ماعملتش حاجة غلط ..و قولت لك كنت مستنى لما تولدى واعرفك .. كنت خايف عليكى مش اكتر
ابتسمت بتهكم : لا حنين اوى
دفعته عن طريقها : تسمح ! عاوزة اخد شاور علشان اروح المحطة .
لم يتزحزح بل إقترب بلين : وحشتينى .
زفرت بضيق ودفعته بقوة : يووه انت إيه يا اخى !
تجاوزته وقد تركها تفعل ليبدأ فى نزع ملابسه ويلحق بها عازما على نيل ما يحب منها فهو يرى هذا القرب ما يذلل كل العقبات ويحل كافة الخلافات ، هى تحتاجه .. يثق أنها تفعل وهو اصبح يعلم جيداً كيف يطوع هذا الاحتياج لرغباته .
قاومته لدقائق لتتاكد ألا جدوى من مقاومته فتبدى له رضا زائف مع كثير من اللوم والعتاب رحب هو بإبتلاعه كاملا .
كادت أن تغفو بعد ساعتين من هذا التوقيت ليمرر كفه فوق ملامحها : حبيبتي مش هتروحى المحطة ؟
تأففت بضيق : لا مش قادرة .
صمت لتتابع بلا تردد : بسول انا محتاجة منك إثبات على حسن نيتك وانك عمرك ما هتتغير معايا أو تفضل حد عليا .
همس بحنان : وايه اللى يثبت لك ؟
لم تفكر لحظة : اكتب لى الڤيلا دى .
ابتسم بسول ، لقد عزمت أمرها مسبقا ولا بأس لديه فى دفع ثمن وجودها بحياته ، هو يريدها بحياته لذا قبل مقدمة رأسها : اعتبريه حصل وبكرة العقد يبقى عندك .
لم تجب بل سمحت لدمعة خائنة أن تعبر عن صراعها الداخلى ، لقد أصبحت مثله تماما ، مفاوضة بارعة تعلم متى يمكنها أن تطلب ما تريد وتحدد جيدا أهدافها القادمة ، وصلت دمعتها لصدره ليتساءل : نسمة انت بتعيطى ؟
هزت رأسها نفيا ليرفع رأسها فتنهمر المزيد من الدموع ، أعادها لصدره هامسا : حبيبتي انت عارفة أنا بحبك انت .. صدقينى عمرك ما هتحسى إن فى حياتى واحدة غيرك ..
وعادت لهفته تشتعل مع استسلام تام منها فهى قد قبلت بالبيع وعليه أن يتمتع بممتلكاته .
****
وقف مازن وعينيه متعلقة بالشاشة الصغيرة التي يرى فيها صغيره المرتقب والطبيبة تشرح لهم وضع الجنين وحالته وتثنى على اتباع هيا للتعليمات التى اثرت إيجابيا على وضع الجنين .
أشار للشاشة الصغيرة : هو ولد ولا بنت ؟
ابتسمت الطبيبة : بنت
اتسعت ابتسامته وهيا تراقب رد فعله لتشعر بالراحة حياله وهو ينظر لها بسعادة : هنسميها إيه ؟
هزت كتفيها بينما ضحكت الطبيبة : تيجى بالسلامة وبعدين اختاروا اسمها براحتكم .
غادرت الطبيبة مقعدها إيذانا بنهاية الفحص ليتحرك فورا ويساعدها فلا تملك رفض مساعدته .
فتح باب سيارته لتجلس صامتة ويتجه هو لمقعده بحماس ، تحرك بالسيارة ليقول : نعدى على اول صيدلية نجيب الدوا .. خلاص هانت انا عارف انك تعبتى فى الحمل .
نظرت له بحدة : مازن انت بتعمل ايه ؟
ذاب حماسه بدهشة : بعمل ايه ؟؟
أجابت بنفس الحدة : انت عاوز تفهمنى إننا زى اى اتنين منتظرين اول طفل !! مازن انا وانت انتهينا وحتى اللى فى بطنى مش بيربط بنا ولا هيكون عمره رابط بنا .
تجهمت ملامحه : قصدك ايه ؟
نظرت للأمام : قصدى إننا نتطلق بهدوء ومفيش داعى للرومانسية الكدابة دى لأنى مابقتش أصدقها .
قبض على المقود منفثا عن غضبه : انا مش هطلقك يا هيا .. هتفضلى مراتى .
نظرت له بتهكم : لو لسه بتفكر تستعملنى انا مش هسمح لك ...
أوقف السيارة بحدة كادت تؤدى لارتطام رأسها ومع الحركة المفاجئة للأمام تألمت لتمسك بطنها بألم ، رأى ألمها ليتراجع غضبه ويتساءل : انت كويسة ؟
اعتدلت بألم واضح ليقول : هيا انا مابفكرش في حاجة ولا عاوز منك حاجة .. إحنا الاتنين غلطنا انا معترف .. بس بنتنا مالهاش ذنب تتعذب بنا .
نظرت له بتشكك ليتابع : خليكى براحتك يا هيا . بس من غير طلاق .
نظرت للخارج ليعيد تشغيل السيارة ويتحرك مجددا مع صمت مطبق حتى اوصلها لمنزل أبيها وغادر فورا .
*****
أجاب خالد ليشعر بضيق سويلم فيقول فورا : سويلم ماكانش قصدى اضايقك والله .. بس انت عارف الحب مش بإدينا .
تساءل سويلم بفزع : حب !! حب مين ؟ انت بتكلم عن إيه ؟
صمت خالد ندما ، إذا لم تخبره بسمة ، لقد تسرع مجددا ، لحظات وصرخ سويلم : ماتنطج يا بنى آدم ؟
حمحم خالد بحرج : صراحة يا سويلم .. انا ماكانش قصدى والله .. يعنى مافكرتش اخونك ولا حاجة
انتفض سويلم مقاطعه بحدة : يااااألله . والله لو ما اتحدت كيه الرچالة لتلاجينى فوج راسك وموتك على يدى
حاول خالد تهدئته : خلاص يا سويلم .. انا بس مرتبك يا اخى بتتعصب ليه انت ؟
زفر سويلم بضيق ليتابع خالد : انا بحب سيلين ..بس والله العظيم لا كلمتها ولا اتعرضت لها خالص .. حتى خليت زينة تسألها لو بتفكر ترتبط دلوقتى والحمد لله طلعت مابتفكرش .
هز سويلم رأسه شاعرا بالغباء : انت جولته إيه ؟؟
جاءت زفرة الضيق تلك المرة من خالد : لا سويلم انا مكتفى والله ماتزودش عليا !
تساءل سويلم : وبسمة مالها ومال اللى بتجوله ده !؟
زفر خالد مجددا : هيكون مالها يعنى ؟ كنت عاوز اعرف رأيها يعنى .. ترضى بيا ولا لا . فهمت يا قفل ؟
لحظة من الصمت أعقبها انفجار سويلم ضاحكا ليثير دهشة خالد الذى تأفف من ضحكاته تلك لكنه لا يملك سوى أن ينتظر رده .
انتهى سويلم من موجة ضحكاته ليقول : أول هام ماتحدتش مرتى تانى من غير وچودى .. تانى هام انا هخليها تسأل سيلين وانا اللى هرد عليك .. تالت هام إذا سيلين وافجت معندناش حاچة اسمها مش عاوزة ترتبط أجله تلبسها دبلة وتبجى في النور .. رابع هام تبجى تنجى كلامك يا جفل .
لم تكن سعادته بتقبل سويلم لمشاعره لترفض بعضا من غضبه . لا بأس سيتحمله للأبد لأجل تلك المجنونة العابثة التى بعثرت مشاعره بطفوليتها وجنونها .
***
عاد سويلم للغرفة بعد قليل وكانت بسمة لاتزال بنفس المقعد تنظر أمامها بشرود ، تعلم أن عشقه لها سيدفعه لتقبل مشاعر خالد ، هى تثق بخالد تماما لذا تنتظر فقط إعلانه الموافقة .
لكنها تشعر بالقليل من الغضب حيال رد فعله لمهاتفة خالد لها . يمكنها أن تقدر غيرته ومشاعره لكنها لا ولن تتقبل نظرة عدم ثقة بعينيه مطلقا .
جلس بجوارها وقد تغيرت حالته للنقيض متسائلا : مالك يا حبيبتي ؟
نظرت له بلوم وهبت واقفة لتوليه ظهرها بنفور واضح : مالاكش دعوة بيا .
لحق بها فورا : واه حوصل إيه بس ؟
دارت على عقبيها تنظر له : مش عارف !! شوف كنت بتبص لى ازاى ؟ انت يا سويلم !! انت مش واثق فيا ؟؟
نهرها برفق : لا طبعا .. مين جال إكده .. بسمة انا وانت واحد .. انت حتة منى كيه تفكرى إكده ؟ انا ثجتى فيكى اكتر من روحى .
ارتسمت علامات الأسى فوق ملامحها : نظراتك قالت كده يا سويلم .. مش لازم لسانك ينطقها .
احاطها ليقربها منه : والله ما حصل .. انا بس ماكنتش فاهم خالد بده إيه منيكى وانت مارضتيش تتحدتى . كنت عصبى مش اكتر بس والله العظيم ما فكرت لحظة فى غير إكده .. وهو بيكلمنى جعد يجول ماجصديش اخونك ولا ماعرفش إيه حديت ماسخ زييه .
تراجعت للخلف ليتبعها بلا تردد : انا بغير عليكى يا بسمة .. بغير من خلاجاتى مش من خالد بس .. بغير من بوكى وخوكى
ارتفع كفه ليغوص بين خصلاتها : بغير من الهوا .نار بتجيد چوايا .
ابتعدت عنه خطوة : الغيرة الزيادة عن اللزوم بتخنق يا سويلم .. سويلم انا بحبك دى حاجة مفهاش شك .. حاول تتحكم في غيرتك علشان خاطري .. علشان الغيرة ماتفسدش حياتنا .
عاد يغمرها مقتطفا كل ما يصل إليه منها بلهفة هامسا : ساعدينى يا بسمة .. ساعدينى انا ..
قاطعت كلماته بلهفتها الخاصة ، لا تحتاج اعتراف منه لشعوره بعدم ثقته بنفسه ، لا تحتاج اعترافا منه لشعوره بالضعف ، يمكنه أن يطرح كل ضعفه بين ذراعيها وهى ستمتص كل هذا الضعف لتخفيه عن العالم أجمع ، حبيبها لم ولن يكون ضعيفا مطلقا ، ستنبع قوته مجددا من فيض حبها له .
****
تحركت همت بخمول لينتفض زيدان فورا ، كانت تنظر للسقف بشرود ليبتسم مداعبا وجنتيها : كل ده نوم يا همت ؟ بجينا العصرية !
تحركت عينيها تنظر نحوه لتبتسم ابتسامة باهتة فيتساءل بحنان : فيكى إيه يا حبة الجلب ؟؟ جولى يا همت !!
هزت كتفيها علامة لا أدرى ليتنهد بحزن ويجذبها نحوه فتتشبث به بقوة زادت من مخاوفه . أنفاسها المتسارعة قرب صدره بعثت هواجس بشكل مختلف ليهمس برجاء : همت !!
همهمت دون حديث وهى تهز رأسها رفضا لتزيده عذابا بهذا القرب وهذا الدفء ، حاول أن يبعدها بلطف لتزداد تمسكا به واعتراضا : زيدااان
استلقى مستسلما لتظل على تشبثها به حتى غفت مجددا بعد قليل ، لم ينتو أن يتركها لغفوة أخرى ، هى بحاجة للطعام والدواء ولم تحصل على اى منهما منذ الأمس ، لكنه أجبر على القبول بغفوتها بدلا من اتباع لهفتها التى لا تفهم والتى ستهلك كل منهما ، نظر لها بحنان ، كم هى جميلة حتى في ذبولها بهذا الشكل ، اقترب متلمسا وجنتها الدافئة ليتمرد قلبه رافضا إلا تذوق رحيقها فيتبع قلبه بتردد وترقب خوفا على قلبها الغر الضعيف من نوبة إنفعال غير مرجوة النتائج .
ابتعد بعد لحظات مغمضا عينيه بألم ليتسلل من الفراش ببطء متجها للخارج ، لن يستسلم لاستسلامها ، سيحافظ على حياتها مهما كان عذابه شاقا .
عاد بعد قليل للغرفة حاملا الطعام ، نادى اسمها لتفتح عينيها بنعاس فيقول : لازم تاكلى ولا ازعل منيكى !
نهضت بتثاقل : لا آكل زيدان .. ازعلش
وضع الطعام جانبا وأمسك كفها متجها معها نحو المرحاض لتغتسل اولا ، شعر ببعض التحسن في حالتها المزاجية رغم بعض الذبول والهالات المحيطة بعينيها لذا قرر إخضاعها للفحص فى اقرب فرصة ، فقط سيقنعها أن تفعل ذلك طواعية .
****
مرت عدة أيام وقد أوفى دياب بوعده ، صحبها للفحص الطبي لتطلب الطبيبة فحصه أيضا ، زادت هواجسه ونمت مخاوفه ، لم يذق للنوم طعما رغم جهادها لتشتيته ، اليوم عليه أن يواجه الحقيقة .
بل عليه أن يواجه مصيره
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل الخامس والثلاثون من رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع من هنا: جميع فصول رواية الشرف الجزء الرابع بقلم قسمة الشبينى
تابع أيضا: جميع فصول رواية الفريسة والصياد بقلم منال سالم
تابع من هنا: جميع فصول رواية اماريتا بقلم عمرو عبدالحميد
تابع أيضاً: جميع فصول رواية انتقام اثم بقلم زينب مصطفى
اقرأ أيضا: رواية شرسة ولكن بقلم لولو طارق
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا