رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل السادس عشر
تابع أيضا: قصص رومانسيةرواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل السادس عشر
وضعت "همس" ما بيدها أعلي الطاولة الصغيرة، ليتسلل إلى مسامعها، صوت "خالد" :
-أنا طالب إيد بنتك يا عمي.......
حينها سرت رجفة قوية بيدها فإهتز كأس العصير لينسكب أرضًا.
لكن هناك من يتابع ردة فعلها بسعادة أوشكت على الصراخ فرحًا رغم علامات الغموض التي تكسو ملامحه.
حملت تلك الصينية مرة أخرى وهذه الرجفة لازالت تسري بأوردتها، لتدنو بنظراتها أرضًا وقد إشتعلت خجلًا، وهمست بصوت يكاد يكون مسموع :
-أنا أسفة... هجيب عصير تاني.
وإستدارت مغادرة الغرفة بخطي سريعة،لتتبعها "ضحي" هي الأخرى بصينية الجاتو، وعلامات الصدمة قد رسمت ملامحها بإحترافية.
نظرات الصدمة والإستنكار من الجميع طوفت وجه "خالد"، ليبادلهم نظراته المندهشة من ردة فعلهم، ويلتفت نحو "عبد العزيز" مكررًا مطلبه ثانيةً :
-أنا بكرر طلبي ياعمي، أنا طالب إيد بنت حضرتك.
إعتدل "عبد العزيز " بمقعده والصدمة عنوان تعابير وجهه، فالإتفاق أن من يتقدم لخطبة" همس" هو "ثائر"، إذن فكيف تبدلت الأدوار وطلبها هذا الشاب؟ !!! .
بينما حمحمت" فريدة" بهدوء يشوبه الكثير من الإستنكار، وأردفت:
-إنت بتقول إيه يا "خالد"؟! .....، إحنا جاين نطلب إيد "همس" لـ"ثائر" مالوش لازمة كلامك ده يا إبني.
حينها إلتفت بنظراته نحو ذلك المستكين بغموض أدهش الجميع، فلم يُبدي أية ردة فعل حتى الآن.
فما هذا الثبات الذي يتحلى به يارجل ؟!!
فمعشوقتك هناك من يطمح للإرتباط بها!!
لا وما يزيد الأمر سوءًا، أن أخاك من يخطط لتلك المؤامرة!.
أتتنازل عن عشقك المتيم بكل تلك الدماثة؟!!!
أتنسحب من الميدان، لمجرد أنك قطعت وعدًا بإتمام زيجة أخاك؟!!
ليميل "حمزة" نحو "خالد" هامسًا بإستنكار :
-إنت بتقول إيه يا متخلف إنت؟!!، إحنا هنا النهارده عشان نخطبها لـ "ثائر".
تنهد "خالد" بأسي، وهو يردد بخفوت:
-هموت من غيرها، بقالي أسبوع مش عارف أنام، دورت عليها بين كل الناس اللي بقابلهم. قلبي بيصرخ طالب قربها، عينيها مرسومة في ذاكرتي و مش قادر أمحيها، هي دي اللي هكمل حياتي معاها.
إبتسم"ثائر" إبتسامة خفيفة بعدما إخترقت كلمات "خالد" جدران قلبه، وإلتمس صدق أحرفها ومعانيها.
حالة من الفوضى الهادئة سادت الغرفة بأكملها، فالجميع بحالة من الدهشة والإستنكار.
ليقترب "عمر" من والده هامسةً بإستنكار :
-مين ده كمان اللي عايز يتجوز "همس"؟!!
مش حضرتك بتقول "ثائر" اللي جاي يتقدم لها.
رمقه "عبد العزيز" بنظرة مستنكرة للوضع بأكمله. وإنتقل بنظراته الحانقة يطوف وجوه الجميع ، ليجد "هيا" قد مالت نحو "نجلاء" مهمهمة بعبارات غير مفهومة، وكذلك "منة" التي همست بأذن "حاتم" بعباراتها المتهكمة.
تعالت الهمهمات المستنكرة، وإزداد حنق" عبد العزيز" تدريجيًا، يفكر جديًا في إنهاء هذا الأمر وفضه تمامًا، كاد أن ينهض من مقعده، ليستوقفه ذلك الصوت الرخيم :
- حضرتك أنا جاي النهارده أطلب إيد الأنسة "همس" لنفسي، ويسعدني ويشرفني موافقة حضرتك على إتمام الجواز بينا.
لتزداد دهشة الجميع، فـ"ثائر" دائمًا ما تكون أولوياته الأولى سعادة عائلته.
فما هذا العشق الذي جعله أنانيّا لتلك الدرجة؟!!
عشق حوله من أخ كريم دائمًا ما يسعى لإرضاء وراحة الجميع، إلى متيم أناني بعشقه! .
فنهض "خالد" من مقعده وعلامات الغضب أشعلت عيناه جحيمًا، ليغادر الغرفة بضيق جليّ.
ليبتسم "ثائر" بمكر مردفًا :
-ويزيدنا شرف لو حضرتك وافقت على طلب "خالد" أخويا لإيد الأنسة "ضحي".
إنها حقًا ليلة الدهشة أو الأغلب الصدمات للبعض والسعادة للبعض الآخر.
الجميع متسع الحدقات، متدلي فاهه، علامات الدهشة رُسمت بسخاء وإحترافية.
ليجدوا من يقتحم عليهم الغرفة ممسكًا بتلابيب "ضحي" وسط صرخاتها وسخطها الشديدين ، ليردف بحنق، مستنكرًا :
-إسكتي بقا يا شيخة ، أنا ماصدقت لقيتك،بدور عليكي من يوم البطولة، وإنتي إيه؟ فص ملح وداب... إتهدي بقا.
دفعت يده عنها بغضب جامح ألهب عيناها ، لتهتف بإستياء، وسخط:
-إبعد إيدك عني يا أهبل إنت، تصدق وتأمن بالله أنا اللي غلطانة ، ياريتني يومها سيبتك تقع وتنكسر رقبتك.
تضاعفت دهشة الجميع، ليتبادلون النظرات المنصدمة فيما بينهم، نظرات إستقرت أخيرًا نحو ذلك الساكن بصمت قاتل، لتنتقل نحو هؤلاء المشاغبين، فتتعالي ضحكاتهم المرحة، حينما دوت كلماته المتوعدة بالغرفة:
-بص ياعمي.... أنا مش هسيب بنتك دي يعني مش هسيبها، وهتجوزها حتى لو سيبت عيلة "السيوفي" وإتبريت منهم كلهم ، وطلعنا نشحت أنا وهي على باب السيدة.
ويتوجه بنظراته نحو "ثائر" مردفًا بحزم :
-بص أنا هتجوز "همس" ، وإنت إتجوز أختها التانية اللي وقعت العصىير، والله بنت كويسة وهايلة وزي الفل، وإنتوا لايقين على بعض جدًا.
ليلتفت بنظراته نحو "ضحي" عاقدًا جبينه بإمتعاض ظاهري :
-لكن دي بمنظرها ده!! مش هتمشي معاك صدقني والله، إنت برنس كده في نفسك، وقمر عيلة "السيوفي" وكل البنات هتموت عليك، إلا البت دي طبعًا.
هنا لكمته "ضحي"بقبضتها الغاضبة، وهي تردد بتهكم :
-فعلًا هو برنس، لكن إنت يادوب واحد أهبل كان هيقع من على الحصان، لولا اللي بتتريق عليها دي، هي اللي أنقذته، وكان زمانك راقد في المستشفى لحد الوقتي.
مال نحوها هامسًا بتوعد :
-حسابنا بعدين على كلمة أهبل دي، وبعدين يا شاطرة ده تكتيك عشان "ثائر" يفكر في أختك المدهولة اللي جوه دي، ماهو أنا مش هسيبك يعني مش هسيبك.
إبتسم "عبد العزيز " بسعادة لحال "ضحي" وإندماجها مع ذلك الشاب المجنون التي إنتصرت بوجوده على حزنها الذي أنهك ملامحها لأيام، فإستعادت بريق إبتسامتها، وتلألأت عيناها بسطوع أعمى شحوب وجهها .
بينما تعالت ضحكات الجميع، لتجذب إنتباه "همس" و "حنان" إليهم بتعجب، لتتفاجآن من وجود "ضحي" التي قررت الذهاب إلى مسكنها منذ لحظات قليلة.
لتردف "حنان" بترحيب :
-السلام عليكم...
فيه إيه يا "ضحي" ؟!!، مين ده؟!!
نهض "عبد العزيز " من مقعده، متوجهًا نحو "ضحي" ليصبح فاصلًا بينها وبين "خالد" الذي إشتعل حنقًا من هذا الإبتعاد ، ليبتسم مردفًا بنبرة يشوبها الكثير من الشجن :
-"ثائر" طلب إيد "ضحي" لأخوه "خالد".
ضمت "حنان" "ضحي" إلى صدرها بقلب أم سعيدة من أجل إبنتها، لتردف بدمعات أقسمت أن تسابقها بالإنهمار :
-مبروك يا حبيبتي، ألف مبروك يا "ضحي"
ليتدلي فاهه، وتتسع حدقتاه بدهشة، هاتفًا بإستنكار :
-"ضحي" مين؟!!.
ويلتفت نحوها رافعًا أحد حاجبيه بتعجب، وهو يردد بإستنكار:
-إنتي مين يا شاطرة؟!!... مين "ضحي" دي؟!!
لتردف "ضحي" بتذمر طفولي :
-إيه شاطره دي كمان يا كابتن إنت ؟!!.. بتلاعب بنت أختك ولا إيه؟!!
وبعدين أنا مش موافقة أصلًا..... طلبك ده مرفوض.
تابع الجميع مشاكسة هذا الثنائي بتعجب، هناك سعادة غامرة تسكن قلب "نجلاء" لأجل تلك "الضحى" التي تمنت كثيرًا أن تنضم إلى عائلة "السيوفي".
أما "فريدة" فسعادتها تجاوزت جميع الحدود، لتدفعها إلى النهوض لإحتضان "همس" و"ضحى" بكلتا ذراعيها، لتهتف بفرحة :
-نورتوا عيلة "السيوفي" يا حبايبي.
وسط خجل "همس"، وصدمة "ضحي" المعترضة على هذه الخطبة، والزيجة بأكملها.
وتهب "هيا" أيضا من مجلسها بتذمر طفولي، لتحتضن جدتها، مرددة:
-كده هتنسيني بقا يا تيته عشان القمرات دي هتدخل العيلة.
تعالت ضحكات "فريدة" المرحة، لتهتف بإستنكار :
-ودي تيجي يا "يوكا"... إنتي قلب تيتة، وقمر "السيوفي".
وإتجهت بنظراتها نحو تلك القابعة إلى جوار زوجها، لتومأ لها بإبتسامتها قبل أن تُردف :
-وإنتي يا "منة" مش عايزة تنضمي للفريق ده ولا إيه؟!
حينها إبتسمت "منة" بسعادة، لتنهض مهرولةً نحوهن وتشدد من إحتضان" فريدة" والفتيات.
أما عاشقين عائلة "السيوفي" فكل منهم إرتكز بنظراته الولهة نحو من تربعت على عرش الفؤاد، حينما رفع رايات الإستسلام دون أدنى مقاومة لتيارات العشق المتيم.
إحتضن "ثائر" بنظراته المتيمة عيناها الخجولة، ليبث لها رسائله المدموغة بصك ملكيته لها، ميثاق العشق والهوى، قسمه بأن تكون الأولى والأخيرة... بل الوحيدة التي أشعلت فتيل العشق بقلبه.... عهده بأن يكون وطنها، ملاذها، مسكنها، وأن تكون هي وطنه، وملاذ روحه.
لترفع عيناها نحوه بخجل، فتؤكد هوي أشرق فأضاء كونها. وتتسارع دقات قلبها بشغف وهيام.
بينما طوف "حمزة" ملامحها الولهة بنظراته الآسرة.و أقسم بأن لحظات قليلة ويهب لخطفها؛ كي يسكنها أحضانه التي إحترقت شوقًا لقربها المهلك.
لتبتعد "هيا" بنظراتها المُولعة به، فقد أقسمت أن تستقوي، وتنتصر على ضعفها نحوه، لتتنهد بقوة مسيطرةً على دمعات أوشكت على التمرد والإندفاع.
أما "حاتم" ونظراته الجريئة التي طوفت كل وجه معشوقته الولهة، لتستقر أخيرًا نحو عينيها التي تحذره من وقاحته تلك، لتبتسم بتذمر، وتشدد من إحتضان "فريدة"
أما ذلك المشاغب "خالد" بنظراته البلهاء التي ألقاها بهيام نحو تلك المتذمرة من كل ما يدور حولها.
لتتصارع أفكارها، وتتقاذف...
-من هذا الأحمق التي يراقب أنفاسي بدقة؟!!
كثيرًا ما يوترني بنظراته تلك.
مهلًا.... ماهذا الدفء العجيب الذي لطالما إفتقدته؟!!
نعم... ففي أحضانها الدافئة إستشعرت ما إفتقدته لأيامٍ وليالٍ. آمان إفتقدته بشدة، إعتقدت أني سأفقده للأبد، لكني تيقنت الآن إني كنت مخطئة ، ففي أحضان تلك الجدة إستكانت جميع آلامي ماعدا ألم الإشتياق.
لتتهاوي دمعات سعادة من عيني "حنان" لما تشاهده أمامها من صدق مشاعر بين "فريدة " وتلك الفتيات، لكنها غفلت عما إنتبه له "عبد العزيز " من عشق رُسم بأعين رجال عائلة "السيوفي".
ليهتف "عمر" بتذمر طفولي،_ فكم تمنى أن ينضم لفيضان الحنان الذي أفاضت به "فريدة" على الجميع _:
-هي الأحضان دي للبنات بس يا تيتة ولا إيه؟!!
يعني ماليش نصيب فيها، ده حتى أنا أصغر واحد في العيلة دي كلها على بعضها، يعني المفروض يعني تطردي البت "ضحي" دي وأنا آجي مكانها.
صدحت ضحكات السعادة بأركان الغرفة، لينفض الجميع من أحضان "فريدة" فتفرك "ضحي" يديها ببعضها البعض، طارقةً رأسها لأسفل، لتردف بإرتباك :
-أنا مش موافقة... حضراتكم جايين عشان "همس" فممكن تتفضلوا تكملوا اللي جيتوا عشانه، إنما أنا بره الموضوع ده.
كاد "خالد" أن يتفوه بكلمات معترضة عما تشدقت به تلك الحمقاء، ليقاطعه "ثائر" بجدية :
-تمام يا أنسة "ضحي" إحنا جايين لهدف محدد، وإن شاء الله يتم على أكمل وجه، وأكيد ليكي كامل الحرية في القبول أو الرفض.
ويلتفت نحو "عبد العزيز "الذي لازال مستقيمًا بوقفته، ونظرات الدهشة وعدم التصديق تكسو ملامح وجهه، فأي خطبة تلك التي إنقلبت لفيلم درامي كوميدي بوجود ذلك الأرعن الذي قلب موازين الجلسة، ليردف "ثائر" بهدوء:
- أنا مستني رأي حضرتك يا عمي.
أجابه "عبد العزيز " بإبتسامة:
-طيب إتفضلوا إقعدوا ياجماعة عشان نقدر نتكلم براحتنا،
ويلتفت نحو "حنان" مستطردًا:
-ممكن عصير مكان اللي وقع يا "أم همس".
أومأت له برأسها بسعادة قبل أن تجاوبه :
-من عيوني حاضر، ثواني ويكون هنا...
وتلتفت نحو الفتيات مكملة:
- يلا يا بنات تعالوا معايا .
لتهتف "هيا" بود :
-ممكن أنا كمان آجي مع حضرتك يا طنط.
إتسعت إبتسامة "حنان" لتردف بتأكيد :
-أكيد يا حبيبتي.... يلا يا بنات.
بينما إحتل الجميع مقعده بسعادة غلفت نسمات الهواء التي تطوف حولهم، ليردف "حاتم" بجدية :
-في حالة موافقة حضرتك ياعمي، وموافقة الأنسة "همس" إن شاء الله الفرح يكون آخر الأسبوع، والحمد لله الجناح بتاعهم كامل من كل حاجة... و آنسة "همس" تقدر تختار الفرش اللي يعجبها وإحنا نبدله في الحال، وطبعًا إحنا يزيدنا شرف موافقة حضرتك .
حاول "عبد العزيز" الإعتراض على سرعة إتمام مراسم الزواج، ليستأذنه "ثائر" ببعض الدقائق للتحدث على إنفراد.
ليغادرا سويا قاصدين شرفة الغرفة، بعد موافقة "عبد العزيز ".
******
المطبخ.
بدأت "حنان" بمساعدة الفتيات بتحضير أكواب عصير أخرى عوضًا عما سكبته "همس".
لتردف "هيا" بإسترسال :
-أنا "هيا" عندي ١٨ سنه وأخت "خالد" وأبيه "حاتم "، "حمزة" وأبيه "ثائر" ولاد عمي... أنا بحب أبيه "ثائر" جدًا وأتمنى إنك توافقي وتتجوزوا، لأني حبيتك بجد ونفسي تيجي تعيشي معانا، وتبقى صاحبتي.
وإنتي كمان يا "ضحي" "خالد" أخويا طيب قوي وأكيد بيحبك، تصرفاته بتقول كده، طول عمره بيشوف بنات أشكال وألوان مفيش واحدة حركت قلبه، لكن أول ما شافك إتجنن على طول.... نفسي توافقي إنتي كمان ، لأني حبيتك أنتي و"همس" وأكيد هنبقى أصحاب.
لتحتضنها "همس" بحنو،_ فهي حقًا أحبتها كثيرًا_، وإبتسمت بخجل، مردفة:
-أكيد هنبقى أصحاب يا "يوكا"... بس أنا وإنتي بس إنما البت "ضحي" دي خليها كده طالما مش موافقة على "خالد".
بينما شردت "ضحي" قليلًا لتتذكر ذلك الدفء الذي إستشعرته قربه يوم أن أنقذته، تلك النظرات التي أحدثت الشرارة الأولى لذلك التلاطم الذي صرخ به قلبها.
حقًا.. فهو إحتل كامل تفكيرها، إستوطن قلبها منذ اللحظة الأولى، لكن ما توصلت إليه من سهراته وحكاياته مع الكثيرات ، أنبت القلق واليأس بقلبها، فكل ما تخشاه أن تكون نزوة عابرة بحياته الطائشة.
*******
غرفة الصالون.
دار نقاش مستفيض بين "عمر" و"خالد" تطرقوا به إلى دراسة "عمر" ومدي تخطيه لإختباراته، وترحيبه بزيارة "فريدة" و"نجلاء"، ومدي إشتياقه لوجود "حاتم" بهذا الحي، وبدأ تكوين صداقة جيدة مع "حمزة" الذي أعجب برجاحة عقله.
لينضم إليهم "عبد العزيز " و"ثائر" كذلك "هيا" و "حنان"، ليردف عبد العزيز بمرح :
-خليه شربات بقا يا "أم همس".
إتسعت إبتسامتها وسعادتها الغامرة فلولا حالة الوفاة تلك لتعالت زغاريد الفرحة ودوت أصدائها بالأنحاء، لكنها إكتفت بإبتسامتها فقط، لتتعالي المباركات من الجميع إلى "ثائر".
ليردد " عبد العزيز" مبتسمًا :
-بعد إذنكوا هشوف "همس" وآجي.
****
غرفة "همس"
جلست إلى طرف فراشها ورجفة خفيفة تسري بأوردتها، وإلى جوارها "ضحي" التي قررت أن تهون عليها خجلها هذا، لتردف بمشاكسة :
- بس إيه "ثائر" ده يا بنتي؟! ، ده ولا أبطال المسلسلات التركية، تقيل كده ورزين، وعضلات، حاجة كده من الآخر .
لتلكمها "همس" لكمة خفيفة، نردفة بإستنكار :
-والله!! ... وإنتي وسي "خالد" بتاعك ده، تعرفيه منين؟!! وحكايته إيه؟!
وبعدين مش قولتي رايحة تجيبي حاجة من الشقة وجاية، فجأة ألاقيكي جوه والفتي المتيم قاعد يثبت فيكي.
هتفت "ضحي" بحنقٍ :
-ماتفكرنيش بالأهبل ده، دأنا يادوب هفتح باب شقتكم عشان أخرج، لقيت اللي قابض عليّا كأنه مسك حرامي غسيل، وفجأة لقيت نفسي قدامهم في الصالون.
لتتعالي دقات خفيفة على باب الغرفة، فتهتف "همس" بهدوء :
-إتفضل.
دلف "عبد العزيز " إلى غرفة إبنته وتلك المشاعر المختلطة تفننت في نحت ملامحه الغامضة بعض الشئ، أحقًا طفلته الصغيرة التي كان يلهو معها منذ أيام قليلة مرت بها الأعوام سريعًا ليدق على بابها ذلك الفارس المغوار ويطلب ودها ويدها للزواج؟!! .
لتتمرد دمعة سعادة من مقلتيه، فيسرع بإزالتها. ويقترب منها بإبتسامته الحنونة.
بينما غادرت "ضحي" الغرفة تاركةً لهم مساحة كافية لإنفراد الأب بصغيرته.
ليجذبها "عبد العزيز "نحوه برفق، فتستقر برأسها أعلى صدره الذي ضم بين جنباته ذلك القلب، الذي تتسارع دقاته بسعادة غامرة.
إخترقت تلك الدقات جدران قلبها العاشق لتسيل دمعاتها الحاملة بين قطراتها لكتير من الحب والتقدير لذلك الأب الذي لم يبخل عليها يومًا بحنانه، الذي لطالما أغدق عليها بوافر مشاعره الجياشة، لطالما بذل كثيرًا من العطاء والحب لها ولشقيقها.
طالما كان فارسها الأول، كان ولازال السند والظهر، الأمان والحماية، حتى وإن أتى بعده آلاف الفرسان، فالأب خير سند ومعين لكل فتاة.
لطالما تمنت أن يرزقها زوجًا مثله، يعاملها مثلما يعامل والدتها، دائما ما كان يتقي الله في معاملة زوجته وأبنائه.
ليربت على ظهرها مقبلًا رأسها بحنان، وهو يردد بمحبة :
كبرتي يا حبيبتي، وجه الفارس بحصانه الأبيض عشان يخطفك مني.
إبتعدت "همس" عنه قليلًا، ودمعاتها شقت طريقها بإندفاع، لتردف بدموع :
-ماحدش يقدر ياخدني منك يا حبيبي، إنت الحب الأول يا "زيزو".
ليزيل تلك الدمعات بأنامله الثابتة، ويردف بجدية :
- تمام... أنا جاي أسألك سؤال وعايز إجابة صريحة، إنتي موافقة بطلب "ثائر" ولا لأ؟
أطرقت رأسها أرضًا وقد إشتعلت وجنتاها خجلًا، لتحمحم :
-اللي تشوفه يا بابا.
أردف "عبد العزيز" بمكر :
-أنا بقول كده من الصبح، أنا مش موافق على الجواز دي أصلًا، هخرج أمشيهم.
ويستدير مغادرًا، ليجد من تتشبث بيده، مردفةً بلهفة:
-متبقاش عصبي كده يا "زيزو"!!.. الناس ضيوف عندنا مايصحش نميشهم مكسورين الخاطر، ده جبر الخواطر على الله.
إبتسم إبتسامة خفيفة سرعان ما محاها بنظراته الجدية، ليستدير نحوها بتساؤل :
-يعني إيه مش فاهم، ماهما هيشربوا عصير وياكلوا جاتو وكده تمام قوي....
لتقاطعه بإبتسامة مرحة :
-موافقة يا بابا.... والله العظيم موافقة، أقسم بالله موافقة، أكتبلك موافقتي على ورقة.
ليردف بنفس النبرة الجدية :
-يلا إمسحي دموعك دي، وظبطي نفسك كده وتعالي عشان نقرأ الفاتحة، الصراحة الشاب كويس وراجل يعتمد عليه، وأنا هطمن عليكي وإنتي معاه.
إنهالت عليه بوابل من القبلات الممتنة له، وأردفت بحماسة:
-إتفضل إنت يا "زيزو" ثواني وهكون وراك.
لتلتفت نحو مرآتها، فتعدل من هيئتها ، وتتبع خطوات والدها مهرولة بسعادة.
******
غرفة الصالون.
رفع الجميع يده لقراءة الفاتحة، والدعاء إلى الله بمباركة تلك الخطبة.
نهض "ثائر" من مقعده متوجهًا نحو "همس" الجالسة إلى جوار والدها، لتنهض هي الأخرى، فتكون مقابلة له، ليخرج من جيب سترته علبة مخملية زرقاء تحتضن بين طياتها خاتم ماسي إزداد بريقًا حينما إنتقل بين أنامله ليستقر بسبابتها.
سرت تلك الرجفة القوية بأوردتها عندما لمست أنامله العاشقة يدها معلنةً عن تملكه لمن أسرت الفؤاد. وإزداد إشتعال وجنتاها خجلًا لتزداد معه جمالًا وروعة.
ليقترب منها بمكرٍ هامسًا بعشقٍ أربكها :
-مبروك..... "همسي".
إزدادت رجفتها أضعافًا، لتتشبث بطرف ذلك المقعد الخشبي بيدها الباردة، وسط إبتسامات ذلك العاشق، الذي لطالما نجح في إرباكها.
بينما إلتقطت "فريدة" حقيبة يدها لتخرج منها علبه أخرى وتنهض متجهةً نحوهما، وتلتقط منها سوارًا رائعًا من الماس، لتحاوط به معصمها لتزينه بسعادة. هاتفةً :
-مبروك يا "همس"، ربنا يتمم على خير يارب.
وإنضمت إليهم "نجلاء" هي الأخرى، لتضع تلك القلادة حول عنقها بإبتسامة سعادة وحب لمن إمتلكت فؤاد إبنها، مردفةً بسعادة :
-مبروك يا عروسة إبني.
لتتقدم "منة" بإبتسامة خفيفة، وتقدم إليها ذلك الخاتم المرصع بالألماس، وتردد بود :
-مبروك يا "همس" ده هدية مني ومن "حاتم" مبروك عليكي يا حبيبتي.
لتقترب "هيا" هي الأخرى وتزين إصبعها بخاتم غاية في الروعة والجمال، لتردف بإبتسامة :
-وده هدية "حمزة".
وتخرج خاتم آخر، وتضعه بإصبعها، مردفةً:
-أما ده فمني أنا... مبروك عليكي يا حبيبتي تتهني بيهم.
ليقترب "خالد" بإبتسامة، مشيرًا إلى ذلك الخاتم بيده، وهي يهمس بتردد :
-الصراحة أنا كنت جايبلك الخاتم ده، بس مش هقدر أقدمهولك عشان للأسف هيروح لحد تاني.
ويلتقط يد تلك الشاردة بسعادة صديقتها، ليضعه بإصبعها بشكل مفاجئ، فتنتبه إليه هاتفةً :
-إيه الجنان ده!! ، إزاي تعمل كده؟! .... وتنتزعه عن إصبعها، وتناوله إياه بحنق، هاتفة:
-قولتلك إني مش موافقة.
تطايرت شرارات الغضب من مُقلتيه، ليهتف بصرامة :
-وأنا قولت هتجوزك يا "ضحي" يعني هتجوزك، بمزاجك غصب عنك هتجوزك، والخاتم ده شبكتك، وأنا هجيب لـ "همس" هدية تانية.
وغادر المكان بغضب أحرق روحه فأدمي قلبها، لتغادر هي الأخرى قاصدة شقتها.
ليردف "ثائر" بود :
-أنا بعتذر من حضرتك ياعمي عشان اللي عمله "خالد"، بس صدقني هو بيحبها وبقاله أكتر من أسبوع حاله متغير وبيدور عليها بين كل الناس اللي بيقابلها.
تنهد "عبد العزيز " بأسي، مردفًا:
-أنا متأكد من ده، ماهي سنين العمر دي ماعدتش كده، بس الظروف اللي بتمر بيها "ضحي" الفترة دي صعبة، محتاجة نفس طويل،و محتاجة واحد يحارب عشانها.
لتتعالي ضحكات "حاتم" المتهكمة :
-والصراحة "خالد" أخويا محارب محارب يعني.
وتملأ ضحكات السعادة ذلك البيت البسيط، وسط نظرات "ثائر" الشاكرة لفضل ربه وعطائه.
ليردف بهدوء:
-نستأذن إحنا بقا ياعمي، الوقت إتأخر.
ودع "عبد العزيز"، و "حنان" و "عمر" الجميع إلى الباب، لتراقب" همس" مغادرتهم من بعيد.
ويغلق "عمر" الباب خلفهم، مستديرًا نحو والده بسعادة، هاتفًا:
-ناس طيبة قوي يا بابا، ومحترمين كمان جدًا.
أجابته "حنان" بسعادة عارمة :
-ماشاء الله عليهم تحس إنهم ناس أصيلة وبتقدر الناس، وشكلهم بيحبوا" همس"، ولا إيه رأيك يا "زيزو".
جلس "عبد العزيز" على أحد الأرائك، ليتنهد براحة مردفًا :
-الصراحة ما يتخيروش عن "حاتم" فعلا ناس محترمة وولاد أصول، و"ثائر" كمان راجل جدع، وإن شاء الله هيحافظ على بنتنا، وياارب يكون عند حسن ظني.
إقترب "عمر" بسعادة من شقيقته ليحاوط كتفاها بذراعه ، ويقبل رأسها بحنان :
-مبروك يا حبيبتي.... كبرتي أهو وبقيتي عروسة.
حاوطت هي خصره بذراعيها مشددةً من إحتضانه، لتردف بسعادة :
-الله يبارك فيك يا "موري" عقبالك إن شاء الله ياقلبي.
ليرفع يداه للسماء داعيًا المولى عز وجل أن يقرب بينه وبين "بسنت" :
-يارب.. أصل البت "بسنت" قربت تخلل جانبي.
هتفت "حنان" بإستياء :
دور على مذاكرتك الأول يا أخويا، وبعدين نشوف موضوع ست "بسنت" بتاعتك دي.
لتستمر مشاكسة "عمر" لوالدته، وتستأذن "همس" والدها للإطمئنان على "ضحي"، بينما توجه "عبد العزيز " لغرفته لتبديل ثيابه والإستسلام إلى سلطان النوم.
*******
إستقل الجميع سياراتهم.
لتنضم "هيا" و"فريدة" و "نجلاء" إلى سيارة "حمزة".
بينما إصطحب "حاتم" "منة" وتوجها إلى أحد الفنادق الفاخرة لإكمال سهرتهما به.
وإستقل "ثائر" سيارته، ليتوجه إلى شركته لإنهاء بعض الأوراق المتعلقة بصفقة الغد.
لتنطلق جميع السيارات كل منهم إلى وجهته.
***
سيارة "ثائر"
شرد "ثائر" بإبتسامتها التي أسرت قلبه منذ الوهلة الأولى، منذ أن أطلت عليه من شرفة عالمها الخاص.
منذ تلك الزيارة لمنزل "حاتم"،و منذ ذلك الإتصال الذي جاوبه في شرفة شقته ، ولمح إبتسامتها تلك التي تمكنت من إختراق حصونه المنيعة.
ليجذبه إلى واقعه رنين هاتفه بإستلام رسالة صوتية، فيلتقطه بتعجب فهذا الهاتف الخاص بأفراد عائلة "السيوفي"، ورقمه سري جدًا.
إستكشف تلك الرسالة، ليخترق مسامعه ذلك الصوت الذي لطالما بغضه بشده، بكلماتٍ إقتلعت قلبه من موضعه :
-مبارك سيد "ثائر"... أتمنى أن تنال هديتي إعجاب العروس... لحظات وتتسلم الطرد.
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا