رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل التاسع عشر
تابع أيضا: قصص رومانسيةرواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل التاسع عشر
مضت تلك الأيام مسرعة، لإزدحامها بالأحداث والإستعدادات التقليدية، مابين تجهيز الجناح الخاص بـ "ثائر" و "همس"، وإنشغال "همس" و"ضحي" ببعض التجهيزات الخاصة، وأحياناً تنضم إليهم "هيا".
وكان الحدث الأكبر بها عقد القران بمشيخة الأزهر الشريف.
*****
يوم الفرح.
شقة "عبد العزيز ".
تعالت دقات قوية بباب الشقة، ليتجه "عمر" نحوه فاتحًا إياه ببعض السخط، ليزداد تدريجيًا ويصحبه بتلك الإبتسامة المصطنعة، مرددًا :
-طنط، و"قاسم"! ... بس الفرح بليل مش دلوقتي.
دفعته "أم قاسم" بقوة، مردفةً بغضب:
-إوعي من وشي يا واد إنت، معتش غير العيال كمان هي اللي هتقابلني وتقولي الفرح بليل.
بينما إشتعل غضب "عمر" و تأجج، وتطايرت نيرانه من مُقلتاه، لتنفر جميع عروق وجهه ورقبته، وكاد أن يتفوه بألذع الكلمات، لتردف "حنان" بإبتسامتها المصطنعة هي الأخري :
-صباح الخير يا" أم قاسم"... إتفضلي يا حبيبتي بيتك ومطرحك..... وأكيد إنتي عارفة يا روحي إني أصغر عيل في عيلتنا راجل ويعتمد عليه، ولا إيه يا "قاسم" يا إبني.
أجابها "قاسم" بكلمات متهكمة :
-أكيد يا طنط...
لتهتف "أم قاسم" بصوت عالي نسبيًا :
-خير يا حبيبتي مش قولتوا بنتنا مش بتفكر في جواز دلوقتي، ومستقبلها وشغلها، والمحروس إبنك إداني محاضرة طويلة عريضة عن حرية المرأة.
قوم إيه!!! بين يوم وليلة نلاقيها بتتجوز وتتصلوا بينا إمبارح بليل تعزمونا، ليه الإستعجال ده يا حبيبتي، يعني لو فيه حاجة كده ولا كده قولولنا ده إحنا أهل برضه وربنا يستر على بناتنا كلها يارب.
هنا إستشاطت "حنان" غضبًا، ونهشت أحشائها نيران جحيمية ، لتهتف بصرامة :
-إنتي إتجننتي ولا إيه؟!! إيه التخاريف اللي بتقوليها دي يا "أم قاسم"... لأ يا حبيبتي عريس بنتي راجل بجد وله مركزه وإسمه وشغله، وجه هو وعيلته كلها عشان يطلبوا إيد بنتنا.... عيلة "السيوفي" لو تسمعي عنها، بس دي هتسمعي عنها إزاي وإنتي ما بتقلبيش عن المسلسلات الهندي بتاعتك، بس ممكن المحروس "قاسم" يكون سمع عنها.
وإلتفتت بأنظارها نحو "قاسم" مردفةً بتهكم :
-أكيد سمعت عنها قبل كده يا "قاسم"، يلا إتشطر كده وإتخرج وأنا أقول لـ "ثائر" جوز بنتي يشغلك عنده في شركة من شركاتهم.
لتخرج "همس" و"ضحي" من الغرفة مهرولين لإستكشاف أسباب تلك الضجة والأصوات المرتفعة، فتزداد ملامحها تجهمًا؛ بعدما وقعت أنظارها على ذلك القاسم ووالدته المزعجة، لتردف بهدوء :
-إزيك يا طنط، إزيك يا "قاسم"... فيه إيه يا ماما؟!!... إيه الأصوات العالية دي؟!!
إلتفتت نحوها "حنان" بإبتسامتها المرحة، مربتةً على كتفها بحنان :
-مفيش يا قلب ماما، دي طنط زعلانة إننا ماقولناش لهم من بدري، وبعدين يلا هتتأخري على عريسك.... يلا يا بنات اليوم طويل.
وإلتفتت نحو "أم قاسم" بإبتسامة، مرددة :
-معلش يا حبيبتي، أصل "ثائر" حاجز لها جناح في الفندق اللي هنعمل فيه الفرح عشان تجهز فيه.
بينما دمغت "همس" قبلتها الفرحة على جبين والدتها، مردفةً بكلمات إلتهمتها مشاعر السعادة والسرور :
-أشوفك بليل يا ست الكل ما تتأخريش علينا بقا.
لتردف "حنان" بإبتسامة ماكرة :
-وصل أختك لجوزها تحت البيت يا "عمر"، ومتتأخرش يا حبيبي، وسيب باب الشقة مفتوح، عشان بابا مش هنا وعيب يكون في راجل في الشقة في عدم وجودك إنت أو بابا، حتى لو في مقام إبني.
وتوجهت بكلماتها نحو "أم قاسم" :
- و أه... الله يبارك فيكي يا حبيبتي، الحمد لله كتبنا الكتاب إمبارح، عقبال "قاسم" إن شاء الله على بنت الحلال اللي يستاهلها.
إتفضلي إقعدي يا حبيبتي، هجيبلكوا واجب الضيافة.
وغادرت متجهة نحو المطبخ، زافرة نيران فشلت في إخمادها طويلًا.
بينما جلست "أم قاسم" على أحد الأرائك وجذبت إبنها نحوها لتهمس بالقرب من أذنه، بسخرية :
-شوفت كتبوا الكتاب إمبارح، أكيد الموضوع ده فيه إنّا. ،ماهو الجواز مش سلق بيض كده يعني.... أكيد بيصلح غلطته، ماهو إبن "السيوفي" اللي بيقولوا عليه ده هيبص للمعرقبة دي ليه؟!
لينتفض جسدها فزعًا، بعدما وضعت "حنان" صينية العصير بقوة أعلى تلك الطاولة الصغيرة، وأردفت بحنق :
-العصير يا حبيبتي، معلش كان بودي أقعد معاكي بس للأسف مشغولة.... أم العروسة القمر بقا.
لتهب "أم قاسم" من مقعدها بضيق، وهي تجذب يد ولدها بقوة مردفةً بسخرية :
-طيب يا أم العروسة نسيبك بقا لأشغالك، مش حابين نعطلك.
بينما أردفت "حنان" بتهكم :
-ماشي يا حبيبتي، عقبال ما تنشغلي بفرح "قاسم"، نشوفك بليل بقا في الفندق .
********
إستقلت الفتيات المقعد الخلفي للسيارة بسعادة، لينطلق بها السائق متجهًا نحو ذلك الفندق الشهير. لحظات وصدحت تلك الأغنية (تحيرك... عمرو دياب) بكلمات إخترقت قلب من إستقبلت سهام نظراته بتلك المرآة الأمامية، لتتسع مقلتاها صدمة، فينتزع عنه تلك القبعة الحاجبة لملامحه ، ملتفتًا نحوها بعشق، وهو يردد:
-صباح الفل يا اللي محير قلبي.
لتبتسم "همس" بمكر فهي دائمًا مفتاح دلوف خالد لحياة "ضحي".
أما تلك الحانقة ظاهريًا، أردفت بإستياء :
-قلب مين يا كابتن إنت؟! ، إحنا هنهزر، وبعدين إيه جابك هنا مش المفروض العربية دي ليها سواق.
ليضم "خالد" قبضته، ويضعها موضع قلبه هامسًا بعشق متيم :
-قلب "خالد" يا روح قلب "خالد"، و عمر "خالد"، والنفس اللي بيتنفسه "خالد"، ونور عيون "خالد".
سرت رعشة عاشقة بأوردتها، لتتلاطم دقات قلبها المشتاق، وتشتعل وجنتاها خجلًا، أرادت كثيرًا التفوه بكلمة توبخه بها، لكن جميع أحرفها تمردت وإنحنت خضوعًا لعشقه المتيم، بل ذابت بين ثنايا قلبها لتندثر بجوف حلقها الجاف.
راقب "خالد" أنفاسها المتوترة بسعادة وعشق، ليردف بصرامة وحزم :
-الفستان أنا عدلت عليه يا هانم كنتي فاتحة فيه سقف وبير سلم، وبعدين الميكب يكون هادي، وشعرك ده يتلم إوعي ألمحه مفرود، مش عايز مياصة ومرقعة في الفرح... عيني هتكون عليكي..... وبعدين ما ينفعش كده هو أسبوع وأتجوزك فاهمة.
ويستدير نحو عجلة القيادة، لينطلق مسرعًا دون إنتظار الرد ممن فقدت إحساسها بكل ما يدور حولها، فكانت كالمسحورة بأساطير العاشقين.
*******
قصر "السيوفي".
رُفعت حالة التأهب القصوى من الجميع فاليوم هو زواج ثائر تلك الأسرة العريقة، الذي لطالما ألحت عليه جدته بالزواج من العديد من الفتيات، ودائما ما كان رفضه نهائي وقاطع، لكن حينما إقتحمت أميرته قلبه وتوجت بتاج مملكة عشقه، فإنقلبت الموازين، قطع هو الطريق وإختطف تلك الأميرة من عالمها بمهارة وإحترافية.
غرفة "هيا".
إلتقطت ماتبقى لها من أدوات لتضعها بتلك الحقيبة المتوسطة بهرولة وحنق. لتتعالي تلك الطرقات الرزينة بباب غرفتها، فتهتف بلا مبالاة :
إدخل.
فتح الباب ودلف حاملًا بين يديه ذلك الغلاف المخصص لأرقي فساتين السهرات، مردفًا بإبتسامته التي دائما ما أسرت قلبها :
-صباح الفل يا "يوكا"... ممكن أطلب منك طلب؟
أردفت "هيا" بدهشة :
-أكيد طبعًا... إتفضل.
ليتنهد "حمزة" براحة، مردفًا :
-ممكن تدي الفستان ده لـ "ملك" عشان تحضر بيه الفرح.
هتفت "هيا" مستنكرة :
-"ملك"!! .... بس "ملك" أبيه "حاتم" جابلها فستان فعلًا.
أجابها "حمزة" بترجي :
-معلش..... خليها تلبس ده لو سمحتي.
بينما حملت "هيا" حقيبتها بغضب، وهي تلتقط ذلك الفستان وقد إستوطنت الغيرة قلبها، وأشعلت نيران روحها، لتردف :
ماشي.... بعد إذنك.
وغادرت لإصطحاب "ملك" والتوجه إلى الفندق للإنضمام إلى "همس" و "ضحي".
ليتبع "حمزة" أثرها بنظراته الولهة، لتتسع إبتسامته المرحة، مطلقًا صافرات سعادة وعشق أشعل الفؤاد.
*****
غرفة "حاتم"
تأنقت "منة" بفستان صيفي مثير، لتنثر ذرات عطرها التي أهلكت من يقف خلفها بهيام، ليقترب منها واضعًا يده أعلى عيناها برقة، هامسًا إلى جوارها بعشق :
-ممكن تغمضي عيونك اللي دايما بتأسرني دي.
أردفت "منة" بدلال :
-لأ... مش ينفع.... لازم تكون أسيري لأخر يوم.
ليهمس بعشق ووله :
-بس أنا فعلًا أسير عنيكي ومن أول يوم، ولآخر يوم في عمري.
وإبتعد عنها بيده، واضعًا ذلك الطوق الماسي مقابلًا لعينيها، ليردف بتمنى :
-يارب يعجبك... مع إني متأكد إن جماله هيختفي مجرد ما يلمس رقبتك دي.
ويقترب من عنقها فيقبله بعشق وشغف.
فتزيح هي خصلات شعرها بإغراء مردفةً بهمس :
-هنشوف.
وضع "حاتم" الطوق حول عنقها برقة، هامسًا بعذوبته المهلكة :
-تراهني....
أومأت برأسها قبل أن تردف :
-أراهن.... بس على إيه؟
لتتعالي دقات باب الغرفة، فتتحول نظراته إلي كتلة من النيران المشتعلة، ليهتف بإستنكار :
-مين الزفت اللي جاي دلوقتي؟!
تعال ضحكات "منة"، وأردفت بسعادة :
-هتلاقي الكوافير، والميكب أرتست، ميعادهم دلوقتي.
ليعقد "حاتم " جبينه مستنكرًا :
-هنا!!!... مش إتفقنا هتجهزي مع "همس" في الفندق... حتى أنا حجزتلك أوضة عشان تجهزي فيها.
حركت "منة" رأسها نافية :
-لأ... أنا قولتلهم يجيوا على هنا، هكون مرتاحة أكتر.
ليتنهد "حاتم" بقوة، مردفًا :
-ماشي يا حبيبتي... اللي يريحك إعمليه، هروح أنا أشوف "ثائر" والشباب.
*****
بهو القصر
جلست "نجلاء " إلى جوار "فريدة" ترتشفا قهوتهما بتلذذ، لتردف "نجلاء" بهدوء:
-كنا خلينا البنات اللي جت لـ "منة" تعملنا يا ماما.
أجابتها "فريدة" بثبات :
- أنا مش برتاح غير مع الصالون اللي بتعامل معاه طول عمري، وهو أكدلي إنه بعت ناس وزمانها على وصول.
لينضم إليهم "خالد" ، ويجذب فنجان القهوة من يد" نجلاء" ويرتشف ما تبقى به بسعادة مرددًا :
-الله... حلوة القهوة دي يا "نوجا"... تسلم إيدك.
أردفت "نجلاء" بمكر :
-القهوة برضه اللي حلوة؟!!، ولا إنت اللي كنت مع الحاجات الحلوة.
إبتسم "خالد" بسعادة، ليردف بجدية :
- عايز أتجوز يا "نوجا" بس بعد أسبوع بالكتير.
-هيحصل.... :
كانت تلك الكلمة البسيطة التي بثت أكسير الحياة بروحه المتيمة، ليلتفت نحو من أطلقها، مردفًا بسعادة :
-بجد يا "ثائر"..؟!!!
أجابه "ثائر" بثباته المعهود :
-أكيد.... بس مش هنعرف نعمل فرح كبير عشان خاطر وفاة باباها.
نهض "خالد" من مقعده متجههًا نحوه بسعادة، وهو يردد:
-ياعم أنا موافق بكتب كتاب بس، بس أتجوز ياناس..... أتجوز.
لتتعالي ضحكات السعادة وتدوي أصدائها بأرجاء القصر.
******
الفندق .
إنتهت الفتاة من تجهيز "همس"، فكانت أية من الجمال والروعة بحجابها الذي يحاوط ملامحها الهادئة كجوهرة مكنونة، فزادها حسنًا وبهاء. لتنهض من مقعدها مستديرة نحو والدتها التي إنهمرت دمعات السعادة من مقلتيها بسخاء، فبدأت بتمتمتة بعض الأدعية وآيات التحصين، لتستعين بالله في حماية إبنتها من أعين الحاسدين والحاقدين، مردفة بسعادة :
-ماشاء الله، ربنا يحميكي يا بنتي.
لتهتف "همس" بتذمر طفولي :
-إيه لازمة الدموع دي يا "نونا"، والله أعيط والميكب ده يبوظ بقا.
لتلكمها "حنان" بخفة، هاتفةً :
-دي دموع الفرح يا بت.
وتلتفت نحو الفتيات الأخريات بسعادة، وهي تردد:
-وإنتوا ماشاء الله عليكوا يا بنات قمرات، ربنا يحميكوا يارب.
بينما هتفت "ضحي" بتذمر وإستنكار :
-قمر إيه بس يا طنط بأم الفستان الغريب العجيب ده فكانت تتأنق ضحي بفستان ( أسود طويل يحاوط جسدها الممشوق بتملك، وذلك الدانتيل الذي زين أكمامه وصدره ليضيف أناقة وجاذبية له )
ولا بشعري الملموم ده كمان كأني عندي خمسين سنة ناقصني بس نضارة وأكون تيتة "ضحي".
أجابتها "حنان" بنبرة إعجاب :
-والله الفستان تحفة يا "ضحى"، وشعرك لما إتلم كده جمالك زاد ونور.
وتضمها نحو صدرها بحنان هامسةً :
-عقبال فرحك يا حبيبتي يارب، ربنا يرزقك بإبن الحلال اللي يريح قلبك.
إرتسمت صورة ذلك العاشق أمامها، لتبتسم بسعادة مشددة من إحتضان "حنان".
لتجذبها "هيا" بمشاكسة، صائحة :
-إبعدي كده يا بت إنتي، لما نشوف رأي طنط في فستاني أنا و"ملك".
كانت "هيا" تتأنق بفستان وردي قصير منفوش، عاري الأكتاف، ضيق من الخصر، بحزام فضي لامع ، أطلقت العنان لخصلات شعرها الطويلة، وتزينت بمكياج ناعم وهادئ زادها رقة وجمالًا.
أما "ملك" فتأنقت بذلك الفستان الذي أهداها إياه "حمزة" بلونه الأحمر الغامق، وظهره المكشوف وطوله الذي يغطي الركبة بقليل، وأجمعت شعرها بشكل عشوائي زادها جمالًا وجاذبية.
لتردف "حنان" بإبتسامتها :
-طبعًا قمرات يا حبيبتي، ربنا يحميكوا كلكوا يارب.
*****
بهو الفندق.
درج رخامي طويل توسطته تلك السجادة الحمراء. إصطفت على جانبيه تلك الفراشات الصغيرة بفساتينهن البيضاء القصيرة، وكل منهن تحمل بين يديها سلة صغيرة مزينة بأجمل الورود وأندرها.
أسفل الدرج وقف ثائرنا الوسيم، بطالته الخاطفة للأنفاس، والمحطمة لقلوب الكتير من الفتيات، فتلك الحلة التوكسيدو التي زادها أناقة وجاذبية، بخصلاته المصففة بنعومة مهلكة، وعبق عطره الذي فاح وإنتشر بالأرجاء فأذهب عقل الجميع سُكرًا.
وإلى جواره "خالد"، "حمزة"، "حاتم" و "عمر" كل منهم كان كأمير وسيم يوم توليه عرش المملكة، فجميع الأنظار ملتفة نحو أمراء عائلة "السيوفي".
ومضات تلك الكاميرات التي أذن لها "حاتم" بتغطية هذا الحدث الأهم خطفت الأنظار. لتبدأ تلك الموسيقى الهادئة بالإرتفاع تدريجيًا معلنةً عن ظهور من تربعت على عرش فؤاد ذلك الأمير، ليستدير نحوها بسعادة.
إستقرت نظراته العاشقة نحو معشوقته التي تأنقت بفستان أبيض ضيق من أعلى الصدر إتسع من الخصر نزولًا إلى أسفل فكانت كأميرات العصور الوسطى، وذلك الحجاب الذي زينته برقة ملامحها... ويدها تلك التي تتعلق بذراع والدها بتشبث، وإرتباك ، ونظرات الخجل التي إشتعلت و توهجت بعيناها لتُزيدها جمالًا.
بينما هبط "عبد العزيز " تلك الدرجات بقلب أب فاض بسيل من المشاعر المتضاربة، ودمعاته المتحجرة بمقلتاه، ليقابله ذلك الفارس قاطعًا تلك الدرجات بقلب تراقص طربًا على أنغام دقاتها المتسارعة.
صافح "عبد العزيز " بتقدير وإحترام، ونطراته المتعهدة بالأمان والحماية لقرة أعين والدها.
بينما إلتقط "ثائر" يدها ليقبلها بعشق وغرام، دامغًا صك ملكيته لها تحت أنظار الجميع.
لتسري تلك الرعشة القوية بأوردتها، وترتجف يدها بقوة إثر لمسته العاشقة لها، ليربت عليها بيده الأخرى ويتشبث بها جيدًا ليهبطا ذلك الدرج سويًا وسط هتافات السعادة من البعض، ونظرات الحقد والحسد من البعض الآخر.
فتحت أبواب القاعة الكبرى على مصرعيها، لإستقبال ملوك تلك الليلة، وبعدها دلفت أسرته، ومن ثم أوصدت أبواب القاعة بإحكام.
ليتوسط "ثائر" و "همس" ساحة الرقص، وتتعالي تلك النغمات الهادئة، ويحتضن معها "ثائر" خصرها بذراعه ليضمها نحو صدره بعشق، واليد الأخرى تحتضن كفها بحنان عاشق.
أما هي فقد أقسمت أن تهلكه لآخر ذرة به حينما وضعت يدها لتجتس دقات قلبه الثائرة، ليقترب من أذنها هامسًا بعشق :
-ناوية تعملي فيّا إيه تاني "همسي".
رفعت عيناها الولهة لتذوب بعالمه الخاص وتغرق ببحور عينيه العميقة، لتردف بهمس:
-ليه أنا؟!!
تمايل "ثائر" مع الألحان بإحترافية ولياقة، ليهمس بهيام :
-بحبك.
تضاعفت رجفتها آلافًا، وتلاطمت دقاتها مئاتًا، لتهمس بتوتر :
-إزاي؟!!، إمتى؟!!
أجابها "ثائر" بتنهيدة حارقة :
-إزاي.... العشق مالوش أسباب
إمتى... أول مرة شوفتك فيها من شباك "حاتم"، لمحتك بس.... حتى ملامحك ماكنتش واضحة يومها، بس قلبي اللي عمره ما دق عشان حد، يومها كان زي ماهو تحت إيدك دلوقتي.
همست "همس" بغرام :
-عارف يوم ماكان "خالد" في المستشفى، وقابلت تيتة فريدة أول مرة... حسيت بدقات قلبي غريبة وغامضة، ومن يومها دايما كنت بتكون معايا في أحلامي، وعمري ماحسيت بغربة عنك، بالعكس كنت دايما مِني وأنا جزء منك، دايمًا كانت عنيك وطني ومكاني.
لتكمل بعشق مُهلك:
-بحبك... وعمري ماحسيت بده غير بعد ما دخلت حياتي.
إحتضنها بنظراته المتيمة، ليهمس :
-بحبك يا كل حاجة فيًا، بحبك يا كل دنيتي، بحبك وإنتي جانبي، و بموت وإنتي بعيد عني...... إنتي همسي اللي محدش غيرك هيسمعه ويحس بيه، أنا إتخلقت في الكون عشانك وليكي، وهكمل أيامي بيكي ومعاكي....
بحبببببك "همسي".
لتدفن رأسها بين ذراعيه بخجل، وتتوسط صدره القوي بإعلان تملكها لدقات قلبه أمام الجميع، لتهمس برقة زلزلت كيانه وتملكت من خلاياه :
-بعشقك "ثائر".
ثنائى أخترق جميع قوانين الحفل، ليفتح لهما باب القاعة على مصرعيه وسط دهشة الجميع، فمن تجرأ وضرب بقوانين "ثائر السيوفي " عرض الحائط.
دخول أسطوري لذلك الوسيم الذي نافس "ثائر السيوفي" ببراعة وقوة فكم أشعل من قلوب؟!! ، كم دمر من نساءٍ توددت لقضاء دقائق في حضرت وسامته؟!!!...
وتلك الملكة التي أهلكت آلاف القلوب وأحرقتها، تلك الفولاذيه التي إنصهرت وذابت بعشق من خُلق لأجلها، لمن أوصد أبواب قلبه بها ولها.
نعم يا سادة.... إنه مُهلك النساء المقدم "على إبراهيم"... أجل ... لقد ترقى وتوج بالعديد من الأوسمة والنياشين،..... لكن يبقى أهمها وسام عشقه الأبدي لمن دكت حصون قلبه وإحتلته بإنتصار.
"لينا عبد السلام" التي لطالما أسرت قلوب وسحقتها، فهناك قلب واحد أقسمت أن تُحيه وتحيا به، ملكها المتوج وعشقها الآسر. (أبطال رواية ماضي)
" على" بحلته السوداء التي إنحنت لوسامته وكبريائه.... "لينا" بفستانها الأزرق الملكي بأكتافه العارية، وخصلاتها المتمردة دائمًا وأبدًا فالآن تمردها في حضرت معشوقها إزداد وإشتعل.
هنا توقف "ثائر"، وإتسعت إبتسامته الساحرة، ليفتح ذراعيه بحفاوة، مرددًا بصرامة:
-مفيش حد يتجرأ يخالف تعليمات" ثائر السيوفي" غير المقدم "على إبراهيم".
ليردف "علي" بتعالي وكبرياء :
- مفيش باب مقفول قدام "على إبراهيم" يا "ثائر يا سيوفي".
ويحتضنا بعضهما البعض بأخوة، فيربت "على" بقوة علي ظهر "ثائر" مردفًا بإستنكار :
-كده تعملها قبلي ياد!!... مش الأقدمية ليا ولا إيه؟!
ليبتعد عنه قليلًا، ويجذب" همس" نحوه بهيام، مرددًا :
-نعمل إيه باللي خطفت قلبي من أول نظرة.
بينما جذب "على" " لينا" نحوه بعشق لائم، مرددًا :
-أعمل إيه في اللي خطفت قلبي ومش راضية تحن عليا وتوافق على الجواز.
وإتجه بنظراته نحو "همس" مردفًا بجدية :
-مبروك يا مدام "همس"، لو زعلك في أي وقت إتصال واحد أبيتهولك في الحبس.
جاوبته "همس" بإبتسامة خجولة :
-الله يبارك في حضرتك.
وإلتفتت بنظراتها نحو معشوقها مكملة :
-عمري ما أزعل منه.
ليلتفت "علي" نحو "لينا" هاتفًا بتذمر :
-شوفتي... مش إنتي اللي مش هاين عليكي تقوليلي كلمة حلوة.
أردف "لينا" بدهشة مصطنعة :
-أنا.... حرام عليك .
وتتجه نحو "همس" بإبتسامتها المشرقة وبيدها علبة صغيرة من المخمل الأسود، مردفة:
-مبروك حبيبتي، ودي هدية بسيطة من "على" ومني ويارب ذوقنا يعجبك.
"همس" بإبتسامة أكثر خجلًا :
-ميرسي لحضرتك.
إلتفتت "لينا" بنظراتها نحو "ثائر" مردفةً بمشاكسة :
-مبروك منافسي الصدوق.... بجد مبروك يا "ثائر" فرحنالك والله .
أردف "ثائر" بسعادة :
-الله يبارك فيكي صديقتي اللدود، مبسوط بوجودكوا جدًا عقبالكوا يارب.... إتشطروا بقا عشان نفرح بيكوا.
بينما أشار "علي" بطرقعة أصابعه لتتعالي تلك الموسيقى الهادئة مرة أخرى، فيلتقط كل منهما يد معشوقته بغرام صارخ، ويضمها إلى صدره بتملك أسر. لتتهادي خطواتهم بعشق أحرق أساطير العاشقين غيظًا وحقدًا.
ضمها إلى موطنها بكبرياء عشقٍ توجت به وتربعت على عرشه بسلطان هواها. لتصرخ نظراته العاشقة بإشتياق صاخب لأنفاسها التي تعم عالمه بالدفء الذي لطالما أفتقدته أيامه السابقة
أنامله التي تحاوط خصرها بحماية وأمان توغل إلى ثنايا روحها المشتعلة عشقًا.
بينما حاوطت هي عنقه بذراعيها معلنةً إنصهارها بذرات من أخفق القلب بأحرف إسمه فدمغتها بصك ملكيتها له، لتهمس :
-بحبك "لولي".
رفع أنامله مداعبًا خصلات شعرها بعشق، مغمضًا عيناه بإستمتاع لعذوبة صوتها الذي دقّ على أوتار قلبه بإحترافية، ليهمس هو الآخر :
-قلب "لولي".... بحبك يا نبض قلبي ودقاته، بحبك "لي"،.... وحشتيني.... إمتى هتكوني في بيتي وبين أحضاني؟، مش كفاية كل اللي ضاع من عمرنا وإحنا بعيد....
لترفع سبابتها برقة، وتضعها أعلى شفتاه بعشق صريح، فتقطع كلماته بهيام :
-موافقة.
فيهتف بسعادة :
- قولي والله.
لتهمس "لينا" بخجل عاشقة متيمة :
- والله.
حينها حملها بين أحضانه بعشق ليدور بها بقوة هاتفًا بسعادة :
-بحبببببك "لي" بحبببببك.
وسط تصفيق وهتافات البعض وكذلك نظرات الحقد والحسد من البعض، أما "ثائر" و "همس" فتوقفا عن الرقص ليستمتعا بمشاهدة هذا العاشق المجنون، حتى وطأت قدما "لينا" الأرض فأكملا الرقص سويًا لينضم إليهم "حاتم" و"منة" بسعادة.
ويجذب "عمر" يد "ضحي" بسعادة فينضما إلى ملحمة العاشقين الذين يتوسطون ساحة الرقص، فيتمايلا بمزاح وسط نظرات "خالد" المشتعلة، وأنفاسه الملتهبة.
لحظات، وإلتقط يد "ملك" لينضم إليهم بنظراته الغاضبة، ويتمايل بالرقص بهدوء، فبين الحين والآخر لا مانع من دفعة قوية لـ "عمر"، وركلة أقوى بقدم "ضحي" التي كانت تستمتع بنظرات الغيرة المتأججة بحدقتاه، فتتعالي ضحكاتها المرحة، لتتعالي نيرانه المستعرة.
وهناك من تراقب تلك السعادة بأعين لامعة بدمعات الإشتياق لمعشوق أطال البعاد والهجران، لتجد من يقترب منها رافعًا يده نحوها بإبتسامته السمجة، مردفًا :
-أنا "قاسم" إبن عم "همس" ممكن تسمحيلي بالرقصة دي؟
قبل أن تتفوه بكلمة واحدة، وجدت من يلتقط يدها معلنًا ملكيته لقلبها النابض بحروف إسمه، مردفًا بصرامة :
-لأ.. مش هتسمحلك يا إبن عم "همس".... عن إذنك
وينضما إلى ملحمة العاشقين التي أشعلت الأجواء عشقًا وهيامًا، ليردف "حمزة" بغضب :
-إتجنن ده ولا إيه؟!!... قال تسمحيلي بالرقصة دي، فرحة العمدة هو.
لتحتضن عيناه بنظراتها المتيمة بعشقه الأبدي الذي أنبت وأزهر بقلبها مع مرور سنوات عمرها.....
فالسؤال الأهم الآن...
متى ستجني ثمار عشقها؟!!!
أم أن هناك من يتربص بتلك الثمار ليقتطفها بإنتصار؟
بينما إقترب "خالد" من "عمر" هامسًا :
-معلش يا "موري" ممكن ترقص مع ملك أصلها مكسوفة مني.
ليرمقها "عمر" بإعجاب مردفًا :
-ماشي.... بس فيه مشكلة.... أنا دلوقتي برقص مع البت "ضحي" يعني ما ينفعش أسيبها كده، أينعم "ملك" صاروخ أرض جو، بس برضه عيب أسيب "ضحي" لوحدها.
تصنع "خالد" التفكير، ليردف بمكر :
-فعلًا هي مشكلة، ويبقى شكلها وحش قوي... بس بص أنا عندي الحل.... أنا ممكن أرقص مع "ضحي" وإنت مع "ملك" وآهي الدنيا ضلمة ومحدش هيشوف حاجة.... إيه رأيك؟
فكر "عمر" قليلًا، وأومأ برأسه مردفًا :
-ماشي... خد البت دي، وهات الصاروخ اللي معاك ده.
ليجذب "خالد" "ضحي" نحوه وهو يهتف بصرامة :
-إنتي يا ست هانم قاعدة ترقصيلي مع سي "عمر" ولا كأني موجود، وبعدين إيه أم الحلاوة اللي تجذع دي، وأم الفستان ده! ماله حلو عليكي كده؟ ! ، ياريتني كنت ولعت في أمه قبل ما تلبسيه.
رمقته بنظراتها المندهشة، لتهتف بإستنكار :
-أنت مجنون صح؟!! ... إزاي تتجرأ وتعمل كده، إبعد كده الناس بتتفرج علينا.
أحكم "خالد" قبضته على يدها، ليردف بإستنكار هو الآخر :
-أبعد إيه ياختي؟!!!... دا أنا بيني وبينك نص متر بحاله، إنتي مش شايفه كل واحدة في حضن حبيبها إزاي... ماعدا أنا والواد "حمزة"، وبعدين ناس إيه دي اللي تشوفنا، أنا خليت الواد بتاع الإضاءة يخفف الإضاءة.... يخففها على قد ما يقدر، دا حتى أنا مش شايفك.
إبتسمت "ضحي" بسعادة لحال مجنونها المشاكس الذي دائما ما يسعى لإسعادها والتقرب منها.
ليهتف "عمر" بسعادة :
-أنا أمي دعيالي النهارده والله يا "ملك"، قالتلي روح يا إبني إلهي تخبط في برطمان نوتيلا بالقشطة .
تعالت ضحكات "ملك" لبراءة ذلك المشاكس الصغير، وأردفت مستنكرة :
-نوتيلا بالقشطة ؟!!!
جديدة دي طول عمري أسمع عنها إنها نوتيلا بالبندق .
ليردف "عمر" بصرامة مصطنعة :
لأ... نوتيلا بالقشطة بيبقى طعمها أحلى بكتير... إسمعني مني بس.
**
بينما همس "ثائر" بعشق :
-بحبك.
لتجاوبه من أسرت فؤاده بهيام :
- بحبك.
***
إرتكز "علي" بنظراته المهلكة ليذوبا معا بعالم عشق متيم، مردفًا بوله :
- بحبك.
لتهمس من أفقدته حلاوة الدنيا لأعوام طويلة إلى أن بثت إكسير الحياة بشراينه :
-بحبك.
***
ضمها "حاتم" إلى صدره بشغف ليهمس إلى جوارها بنبرة أشعلت نيران عشقها :
-بحبك.
لتشدد من إحتضانه بقوة، هامسة بدلال :
-بحبك.
****
بينما همس "خالد" بإندفاع عاشق هائم : - بحبك.
لتشتعل وجنتاها خجلًا، فتطرق رأسها أرضًا، ودقات قلبها تتلاطم صارخة بين جنبات الفؤاد :
-بحبك.
***
إحتنضنها "حمزة" بنظراته المغرمة، لتصرخ عيناه بعشق :
- بحبك.
لتغمض هي عيناها بعشق أهلك قلبها وأضناه :
-بحبك.
****
بينما أردف "عمر" بجدية وصرامة :
-تفتكري يا"لوكا" أكمل مع البت "بسنت" ولا أديها صابونة.
لتعقد جبينها بتفكير عميق، وهي تمط شفتاها بتذمر :
-طب وأنا يا "موري" هتسيبني لمين؟!!
"عمر" بحزم :
-أنا خدت قراري.... خلاص أنا هكمل معاكي إنتي ياقمر بلا "بسنت" بلا بطيخ.
لتتعالي ضحكات" ملك" بسعادة حقيقية لطالما إفتقدتها.
*********
إقتربت " حنان" من "نجلاء" و "فريدة" بإبتسامة سعادة لا تفارق ملامحها، مرددة :
-مبروك يا "نوجا" ، مبروك يا "فريدة" هانم.
لتربت "نجلاء" على كتفها بود، مردفةً :
-الله يبارك فيكي يا "نونا" عقبال ما نفرح بأولادهم كده يارب.
وأردفت "فريدة" برجاء من المولى عز وجل :
-يارب..... وبعدين ممكن يا "نونا" تقوليلي ماما "فريدة" زي "نوجا"، لو ده مش هيضايقك طبعًا.
"حنان" بسعادة :
- أضايق؟!!
إزاي تقولي كده يا ماما "فريدة"... أكيد إنتي ماما لنا كلنا.
*******
تلقى " عبد العزيز" التهاني والمباركات من جميع أهل الحي الذين جاءوا خصيصًا ليشاركوه فرحته وسعادته بزفاف إبنته بل إبنة كل بيت بالحي، لطيبة قلبها، وتواضعها وعطفها على الجميع ومسارعتها بفعل الخير.
الفرحة عمت الأجواء إلا القليل فقط.... فـ "أم قاسم" إشتعلت حقدًا وكرهًا، تتمنى أن تحرق الجميع بنيران حقدها، ليردف "محمود" بهدوء :
-إبتسمي شوية يا حبيبتي، الناس هتقول علينا إيه؟
رمقته بنظراتها الغاضبة، لتهتف بإستنكار :
-ناس؟!!!... ناس إيه يا خويا، هو حد معبرنا ولا باصص لنا من أصله، بوص حواليك وإنت تعرف الناس دي عايشة إزاي!!!
وشوف مقصوفة الرقبة دي هتعيش في مستوى عامل إزاي؟
حظها نار، واقعة واقفة مش زيي.
ليتنهد بيأس من زوجته ونقمها الدائم والمستمر.
*******
مضت ساعات الفرح بسعادة للجميع وضحكات نابعة من أعماق القلب، وعشق إنتشر واقتحم قلوب هائمة.
بدأ الجميع بالإنصراف، ليترك "ثائر" "همس" قليلًا مع أسرتها، لتستطيع توديعهم، فهي ستقيم الليلة بالفندق، وباكرًا ستتجه بصحبة زوجها إلى جزيزة "السيوفي" بجزر المالديف.
بينما إنضم "ثائر" إلى إخوته، ليودعهم هو الآخر، ويؤكد عليهم ما إلزمهم به.
ليجد من يربت على كتفه بقوة، مردفًا بصرامة :
-تسع شهور بالظبط وأستلم منك "علي" الصغير، عايزك ترفع راسنا....
ليبتسم "ثائر" بغموض، مردفًا :
-"علي"! ..... لأ مش ستايل.
رفع "علي" أحد حاجبيه مستنكرًا :
-نعم يا "ثائر يا سيوفي" إهدا كده بدل ما أخمد ثورتك دي للأبد.
ويجذبه نحو صدره بقوة ، مربتًا على ظهره بأخوة :
-بجد مبروك يا حبيبي... ربنا يسعدك يارب... همشي أنا عشان "لينا" مستنية بره.
*****
إحتضنت "همس" شقيقها ودمعاتها ترفض الإنقطاع، لتتعالي شهقاتها بين ذراعيه،مردفةً بحشرجة:
-خد بالك من نفسك يا حبيبي، وخاللي بالك على بابا وماما.
أزال "عمر" دمعته المتمردة بأطراف أنامله، ليخرجها من أحضانه، مردفًا بسخرية :
-إمشي إنتي بس الأول، وبعدين نشوف الموضوع ده.... البيت بقا بتاعي لوحدي، و"نونا" و "زيزو" ضيوف عندي.
لتجد من ينضم إليها بملامحه الغامضة، التي تخفي خلفها بركان مستعر أوشك على الإنفجار، ليلتقط كفها بين يده بهدوء، مردفًا :
-بعد إذنك يا عمي، محتاجين نطلع نرتاح شوية.
إبتسم "عبد العزيز" بسعادة مردفًا :
-أكيد يا حبيبي... إتفضلوا إنتوا، بس خد بالك من "همس" دي جوهرة يا إبني، إوعي في يوم تزعلها، ولو زعلتك يوم سامحها.
لتجد من يعتصر يدها بقبضته الفولاذية ونيران الغضب تشتعل بعيناه، بل بأوردته، ليجذبها بقوة ويغادرا سويًا إلى الجناح الملكي بالفندق دون أن ينبس ببنت شفه، وسط نظراتها الذاهلة، وأنينها المكتوم.
إستقلا المصعد إلى جوار ذلك العامل ، ليتحرك بهما قاصدًا ذلك الجناح.
إزدادت قبضته قوة ونيران قلبه تأججًا، نظرات جحيمية إختلسها بين حين وآخر.
لتتأوه بأنينها المكتوم، أصوات إنكسار عظام أناملها تخترق مسامعها بألم أحرق روحها.
وصل المصعد إلى الطابق المنشود، لتنفتح أبوابه على مصرعيها، ويخطو ذلك الثائر نحو هدفه بخطي أوشكت على إختراق الأرض تحتها، وحش ثائر يتربص بفريسته بترقب لإقتناص الفرصة السانحة.
جذب المفتاح بقوة من يد العامل، ليضعه بموضعه، ويفتح الباب مشيرًا لها بنظراته النارية، لتدلف بجسدها المرتجف ويدها التي كُسرت أناملها بلا رحمة أو شفقة من معشوقها.
بينما أوصد الباب بهدوء يخالف ما يثور داخله، لينفث نيران غضبه المستعر، ويقترب بخطواته الثقيلة نحوها، وهي تتراجع بذعرٍ قطع أنفاسها، حتى إصطدمت بذلك الحائط البارد التي أحال بينها وبين تراجعها . ليتعالي صدرها ويهبط فزعًا، نظراتها المرتعبة طوفت وجهه المشتعل.
دقات قلبه أوشكت على التوقف، حارب بكامل طاقته لإلتقاط أنفاسه المتقطعة، جميع أعصاب جسده تيبست. ذابت المسافات بينهما، ليُدير ظهرها نحوها بصمت قتلها. ويمزق ذلك الفستان اللعين، ليسقط عنها بإستسلام، بينما أغمض عيناه بألم يقتل أشد الرجال ويحرق أرواحهم.
ودفعها عنه بقوة ليطرحها أرضًا بهيئتها العارية، واستدار كليًا، ليغادر الغرفة مهرولًا.
بينما إلتقطت هي فستانها بدموع إحرقت قلبها، لتحجب جسدها المرتجف. صدمة أفقدتها القدرة على كل شيء، دموع إنهمرت كفيضان نهرٍ في أقوى مواسمه، روح عُذبت بقسوة صمته، أنفاس إستسلمت للإنقطاع لتهوي فاقدة لوعيها.
غادر الفندق بأكمله في حالة يرثى لها، مغيب عن العالم، تسحبه دوامات الإنكسار نحوها بقسوة. ليسير بالطرقات بغير هدى، وتلك النيران تنهش قلبه وتحرقه بلا رحمة أو شفقة....
ساعات طويلة حتى وجد نفسه بذلك المرساه الذي لطالما إحتوي وجعه بلا تذمر.
ليتعالي صدره ويهبط بقوة، لهث بإفراط، وفتح فمه عله يخرج نيران قلبه المحترق، لتتعالي صرخاته الدامية :
-آآآآآآآآآآه........ آآآآه.
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا