رواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثالث والعشرون
تابع أيضا: قصص رومانسيةرواية همس السكون بقلم فاطمة علي محمد - الفصل الثالث والعشرون
مجموعة السيوفي.
"حمزة" بمكتبه يتابع عمله عن طريق حاسوبه النقال، يراسل تلك الشركة الألمانية التي أبرمت معها "السيوفي جروب" إتفاقية تعاون مشترك . يقضي وقته مابين الأوراق الهامة والحاسوب إلي أن أخرجته من تركيزه تلك الدقات الهادئة بباب مكتبه، ليردف دون أن يرفع أنظاره عن شاشة الحاسوب :
أدخل.
فتحت الباب، ودلفت إليه بخطواتها الرزينة حاملة بين يداها مظروف أصفر كبير يُعنون بكلمة" سري جداااااا " بخط أسود عريض.
لتصل إلى مكتب "حمزة" مردفة بجدية :
-المظروف اللي حضرتك منتظره يا فندم وصل وإستلمته بنفسي.
رفع "حمزة" أنظاره نحوها، ليهب من مقعده بإستقامة ويدور حول مكتبه ليصبح مواجهًا لها ويلتقط منها هذا المظروف مردفًا بصرامة :
-حد شافك وإنتي جايباه يا مدام "أسما"(تبلغ من العمر ٣٨ عام جادية وعملية لأبعد الحدود... محل ثقة أفراد أسرة السيوفي جميعًا.... متزوجة وأم لبنتين مظهرها دائما رسمي بنظراتها الطبية وشعرها القصير وحلتها ذات الألوان الداكنة للأبد إلا أنها تنمق معها دائما قميص فاتح اللون ).
أردفت "أسما" بنظرات ثابتة ونبرة جادية :
-تعليمات حضرتك إتنفذت بالحرف يا فندم... إنتظرت المندوب قدام الشركة وإستلمت المظروف بنفسي، حتي كنت بعيد عن الأمن، يعني محدش يعرف حاجة ولا شاف حاجة.
إتجهه نحو مقعده، وإستقام بجلسته، وهو يرمقها بنظراته الحازمة مردفًا :
-تمام كده يا مدام "أسما" معلش أخرتك على البنات النهاردة.
لتردف "أسما" بجدية :
-ولا تأخير ولا حاجة يا فندم تحت أمر حضرتك في أي وقت، عمومًا الساعة عدت خمسة والكل إنصرف ماعدا أنسة "ملك"... تؤمرني بحاجة تانية حضرتك قبل ما أمشي
حرك "حمزة" رأسه نافيًا :
-لأ... إتفضلي حضرتك، وممكن تقولي لأنسة "ملك" إن السواق منتظرها تحت عشان يوصلها.
غادرت "أسما" المكتب برزانة موصدةً الباب خلفها، لتنضم إلى "ملك" المشغولة بمراجعة ما بيدها من تدوين ملاحظاتها الخاصة، لتردف "أسما" بجدية :
-أنسة "ملك"... أستاذ "حمزة" بيقولك السواق في إنتظارك تحت عشان يوصلك، ميعاد الإنصراف لموظفين المجموعة الساعة خمسة، وإحنا دلوقتي داخلين على ستة، يعني ممكن تروحي دلوقتي.
نهضت "ملك" من مقعدها، لترمق تلك الساعة التي تتوسط الحائط المقابل لمكتبها، مردفةً بدهشة :
-يا نهار أبيض... أنا فعلا ماحستش بالوقت، الشغل فعلًا ممتع جدًا وسرق الوقت من غير ماحس بيه،بس هو أستاذ "حمزة" مش هيروح ولا إيه ؟!!
"أسما" بجدية :
-عنده شغل لسه... وبيقولك إتفضلي روحي إنتي مع السواق.
وتلتقط حقيبتها لتغادر الشركة مكملةً :
-يلا هتيجي معايا.
حركت "ملك" رأسها نافية، وهي تردد:
-هدخل أشوف أستاذ "حمزة" الأول، وبعدين أمشي.
لتومأ "أسما" برأسها وتغادر المكتب بخطواتها الرزينة ، وتستقل المصعد، لتهبط إلى مرأب السيارات الخاص بمدراء المجموعة لإستقلال سيارتها والإنطلاق بها إلى مسكنها.
بينما إتجهت "ملك" إلى باب المكتب لتطرقه بدقاتها الخفيفة، وتدلف إليه مباشرة بإبتسامتها الرقيقة، مردفةً بتعجب :
-لسه ما خلصتش شغل يا "حمزة".
لينهض "حمزة" من مقعده ويدور حول مكتبه، ويجلس على سطحه رامقًا إياها بنظراته الغامضة، مردفًا بثبات :
-لسه.... لسه قدامي شوية ورق محتاج مراجعة، لكن إنتي السواق منتظرك قدام المجموعة..... يلا عشان ما تتأخريش أكتر من كده الساعة ستة.
إتسعت إبتسامتها، لتردف بتذمر طفولي :
-كده مش حلو خالص على فكرة يا مدير.... أنا كده عايزة أوفر تايم ما ينفعش أشتغل كده ببلاش.
بينما إبتسم "حمزة" ضاربًا كلا كفيه ببعضها البعض، مردفًا بإستنكار :
-أوفر تايم؟؟!!... وببلاش؟!
يا بنتي إنتي إسمك لسه متسجل بالقلم الرصاص يعني ممكن أمسحه دلوقتي حالًا.
تعالت ضحكاتها المتذمرة، لتردف :
-رصاص؟!!.... وتمسحه !!..
ماشي يا عم... عموما أنا همشي دلوقتي بدل ما تلاقيني رئيس مجلس إدارة مكان "ثائر السيوفي" من الصبح.... يلا سلام.
ليلوح حمزة بيده مودعًا إياها، وينهض مستديرًا نحو مقعده ويحتله بكبرياء مستكملًا عمله بجدية.... ليقاطعه رنين هاتفه برقم شقيقه "ثائر السيوفي " فيلتقط الهاتف بجدية، مردفًا:
-لسه فاكر تتصل.... عمومًا كله تمام الأوراق بين إيدي هبدأ أراجعها وأشوف المطلوب إيه؟
"ثائر":........
"حمزة " بتأكيد :
-عارف إن مستقبل وإسم المجموعة على المحك، وأي خطأ أو تسريب لأي معلومة عواقبه وخيمة.....
"ثائر" :........
"حمزة" بصرامة:
-أكيد جهة سيادية زي دي إختارتنا عشان إسمنا وسمعتنا في السوق، وإن شاء الله نكون عند حسن الظن، ونكون قدها وأكتر كمان.
"ثائر" :........
"حمزة" بصرامة أقوى :
-عندك حق الموضوع يمس أمننا القومي وإن شاء الله خير.... عمومًا سلام دلوقتي وأشوفك بليل.
وأنهي" حمزة" إتصاله مع "ثائر" الذي أكد له على أهمية وسرية تلك الأوراق، وتلك الصفقة التي تمس الأمن القومي للبلد، ليفتح هذا الظروف ويبدأ بمراجعة ما به من أوراق ومستندات.
*****************
قصر السيوفي.
حديقة القصر.
إنفرد "عبد العزيز" بإبنته للإطمئنان عن حالها وتوجيه بعض النصائح كإحترام زوجها وأسرته، وتقوى الله فيهما.
ليلتقط يدها الصحيحة بين يديه ويربت عليها بحنان الأب، مردفًا :
-أخبارك إيه يا حبيبتي؟... و "ثائر" أخباره إيه؟
أردفت "همس" بإبتسامة سعادة :
-الحمد لله يا بابا أنا كويسة جدًا و"ثائر" الحمد لله كويس، معلش هو كان وراه إجتماع ضروري عشان كده ماقدرش يقعد معاكوا.
ربتت على يدها مرة أخرى، مردفًا :
-ربنا يقويه يا بنتي، "ثائر" إبن حلال وكويس حافظي عليه وحافظي على أهله، أسرار بيتك ما تطلعش بره حتى لأقرب الناس ليكي، واللي بينك وبين جوزك مايعديش عتبة باب أوضتك..... كوني الضحكة الحلوة اللي في حياته، كوني ليه أم وأخت وصاحبة وبنت وحبيبة.... "ثائر" بيحبك وأنا متأكد إنك بتحبيه.
لتشتعل وجنتاها خجلًا، وترتمي بين ذراعي والدها، مردفةً بمشاكسة:
-إنت اللي حبيبي يا "زيزو".
ربتت على ظهرها بحنان الأب مردفًا بدعاء:
-ربنا يسعدك يا بنتي ويرزقكم الذرية الصالحة.
إلتف "نجلاء" و"حنان" و "فريدة" حول طاولة مستديرة يتناولون قهوتهم ويتسامرون بسعادة لتردف "نجلاء" بتمني :
-عايزين نتجمع كده كل أسبوع مرة على الأقل بس يكون "ثائر" و"حمزة" و"حاتم " معانا.
لتردف "فريدة" بإقتراح :
-إيه رأيكوا نروح المزرعة الجمعة الجاية... أهو نغير جو والشباب يركبوا خيل، والبنات تشوف المزرعة.
أجابتها "نجلاء" بتأييد :
-فكرة حلوة قوي يا ماما.... إيه رأيك يا "نونا"؟
إبتسمت "حنان" بخجل مردفة :
-مش عارفة والله، هشوف "أبو همس" ونتفق ونرد عليكم.
لتقاطعها "فريدة" مردفةً بحزم :
-مفيش كلام تاني أنا كبيرة العيلة دي كلها وكلمتي تتسمع، الجمعة الجاية هنروح المزرعة يعني هنروح المزرعة، كلام نهائي.
بينما إلتفتت "نجلاء" نحو "حنان"، مردفة بإبتسامتها الودودة:
-"فريدة" هانم السيوفي أصدرت فرمان سلطاني والرعية عليها السمع والطاعة.... يعني مفيش نقاش يا "نونا".
لتبتسم "حنان" بسعادة وتغمض عيناها متنهدة براحة، شاكرة المولى عز وجل على تلك العائلة التي أنعم بها الله على "همس" و "ضحي" لتكونا أحد أفرادها، وتفتح عيناها مرة أخرى مردفةً :
-خلاص يا ماما "فريدة" ... اللي تشوفيه يمشي.
لتلتفت نحو تلك المشاجرة المحتدمة بين "ضحي" و" خالد" فهما يقومان بشواء بعض اللحوم والدجاج بحديقة القصر....
ليجذب "خالد" ما بيدها من لحوم تامة النضج ليتذوقها بتلذذ وسط صرخاتها المستاءة، فتردف بغضب :
-مش هتاخد حاجة تاني يا "خالد"، أنا كل ما أشوى حاجة تاكلها.. هات اللحمة دي.
رفع "خالد" ما بيده لأعلى بعيدًا عن متناول يد "ضحي" مردفًا بتحدٍ :
-لو طولتيها خوديها... أنا ماعنديش مانع والله.
قفزات متتالية لأعلى مع تشبثها بذراعه القوية، لكن لا سبيل للوصول فهناك فارق كبير في الطول، لتهتف بضجر :
-نزل إيدك شوية، كل ده طول؟!!!
جذبها "خالد" من ياقة كنزتها بيده الأخرى ليحركها يمينًا ويسارًا، مردفًا بسخرية :
-يا بنتي إنتي اللي أوزعة ومش باينة من الأرض أصلًا، مش عارف أنا مافكرتش في الموضوع ده ليه قبل ما أنطس في نظري وأتجوزك.
لكمته بيدها لكمات متتالية بصدره، هاتفة بصياح :
-إنت كنت تطول يا إبني، أنا اللي جبرت بخاطرك ووافقت عليك، غير كده كان زمانك قاعد من غير جواز، صح يا "عمر"؟
لا جواب لسؤالها فصاحب الجواب فمه مشغول، فهو يلوك قطعة لحم شهية بتلذذ، لتلتفت نحوه، مردفةً بتعجب :
-صح يا "عمر"؟
لتتسع مقلتاها صدمة، وتدفع "خالد" بعيدًا وتركض ناحية ذلك المتسلل الذي إستغل إنشغالها بـ "خالد"، وينقض على ما تبقى من شواء وإلتهامه بتلذذ، لتصرخ ببكاء متصنع :
-أنا هلاحق من مين ولا مين ؟!!!
يارب واعدني بإتنين طفسين.... حرااام.
وبعدين ماتروحوا للي بيعملوا السلطة هناك دول، كفاية لحوم بقا عشان الدايت..
إستندت "هايدي" و "هيا" على تلك الطاولة الرخامية وبدأن بتقطيع الخضروات الطازجة للسلطة الخضراء، لتردف "هايدي" بجدية :
-سلطة إية دي اللي ماتعرفيش تعمليها يا "يوكا" وتنادي الشغالات تعملها، ده لعب عيال يا حبيبتي.
تنهدت "هيا" بأسي مردفة وقد إنصهر ذلك الحزن الدفين بأحرف كلماتها المتقطعة:
-عارفة يا "ديدا".... عمر تيتة ما وفقت إن واحدة صاحبتي تدخل القصر هنا وتقعد معايا ونحكي ونهزر زي البنات كده، بالعكس كله لأ لأ لأ.... بس من يوم ما عرفت "همس" وكل حاجة فيها إختلفت للأحسن.
ضربتها "هايدي" على يدها بخفة هاتفةً :
-كده بتقطعي غلط، وبعدين بلاش جو "أمينة رزق" ده وقوليلي إيه حكاية "حمزة"؟!!.. شكله ساكن القلب وقانون قديم كمان.
إتسعت مقلتا "هيا" دهشة، لتردف بتعجب :
-إنتي تعرفي "حمزة" منين؟!!
رفعت "هايدي" أحد حاجبيها مردفةً بإستنكار:
-هعرفه منين يعني؟!!
مش إنتي اللي كنتي بتقولي الصبح "حمزة" لسه، ومش مرتبط وكلام أهبل كده.
هنا أومأت "هيا" برأسها، لتتنهد مردفةً :
-ولا حاجة... مفيش حكاية ولا حاجة، "حمزة" إبن عمي وخلاص.
مطت "هايدي" فمها بلا تصديق، مردفة :
-يا شيخة... تصدقي أقنعتيني.... يا بنتي إنتي الغيرة كانت هتقتلك وإنتي بتتكلمي.
هتفت "هيا" مستنكرة :
-غيرة إية دي؟!!!... مفيش الكلام ده.
لتجد من تردف بتأكيد :
-فيه وبالتلاتة كمان.
لتلتفتا نحوها بدهشة، فتردف "هيا" متسائلة:
-بجد يا "ضحي"؟!!... إنتي كمان أخدتي بالك.
:-وأنا كمان أخدت بالي، شكلك كان باين قوي على فكرة.
هذا ما أكدته "همس"... ليلتفوا أربعتهم حول تلك الطاولة وتبدأ "هيا" بسرد تفاصيل الحكاية إلى أن تتنهد مردفةً :
-وكان سفري لأمريكا ده قراري النهائي.
بينما شردت "همس" قليلًا بتفكير عميق، لتردف بجدية :
-سافري يا "هيا"
************
مكتب "حاتم".
إنكبت السكرتيرة الخاصة بـ "حاتم" على بعض الأوراق أمامها بجدية وإخلاص، ليتسلل إلى مسامعها دقات ذلك الحذاء الأنثوي بأرضية المكتب، فترفع عيناها نحو القادمة بطالتها الفاتنة، لتبتسم إبتسامتها العملية، مرددة:
-مساء الخير يا فندم... أقدر أساعد حضرتك إزاي؟
جاوبتها تلك الزائرة بإبتسامة خفيفة :
-مساء النور... ممكن أقابل باشمهندس "حاتم".
تمسكت بطرفي القلم بين أناملها الرقيقة، لتردف بجدية :
-باشمهندس "حاتم" عنده "meeting" مهم، بعتذر لحضرتك.... ممكن أحدد ميعاد تاني لحضرتك.
إلتفتت نحو باب مكتبه لتخطو نحوه بغضب بدأ يتسلل إلى أوردتها لتدفع الباب بقوة مردفةً :
-أنا ما بخدش مواعيد يا حلوة.
لتجد "حاتم"يجتمع بأحد رجال الأعمال الوطنيين لإبرام إتفاق بينهما على إستلام مكتب "حاتم" الهندسي لبعض المشاريع القومية الذي ينتوي إقامتها بالعاصمة الإدارية الجديدة.
إلتفت "حاتم" نحوها بغضب أشعل حدقتاه نيرانًا، ليهتف بحدة :
-إزاي تدخلي بالشكل العشوائي ده؟
إبتلعت السكرتيرة التي تبعت خطوات "منة" لتمنعها من الدلوف إلى المكتب ريقها بتوتر، مردفة بتلعثم :
-أـ.. أنا... أسفة يا باشمهندس، المدام هي اللي إقتحمت المكتب ودخلت.
بينما رمق "حاتم" "منة " بنظراته النارية، ليردف دون أن يلتفت نحو سكرتيرته :
-دي مدام "منة السيوفي" تدخل في أي وقت إتفضلي إنتي على مكتبك.
أردفت السكرتيرة بإرتباك جليّ:
-بعتذر من حضرتك يا مدام "منة"... بعد إذن حضرتك يا باشمهندس.
أشار "حاتم" بعينيه لها نحو أحد المقاعد، لتخطو نحوه بثبات وتحتله بكبرياء واضعةً ساق فوق الأخرى، ويلحق هو بعميله مستكملا إجتماعه بعدما إعتذر عن تلك المقاطعة.
دقائق وأنهي الإجتماع بعدما وقع العقود، ليصافح ذلك العميل بحفاوة، ويرافقه إلى باب الشركة الرئيسي، حتى غادر الشركة تماما.
زفر زفرة قوية، ليخطو بخطواته الحانقة نحو باب مكتبه، فيتوقف قليلًا ملتفتًا نحو سكرتيرته مردفًا بثبات :
-ممكن تروحي، وأنا هقفل المكتب وأمشي أنا ومدام "منة".
ودلف إلى مكتبه واصدًا بابه خلفه بهدوء ليستدير نحوها وشرارات الغضب تطايرت وإشتعلت، وأردف بصرامة:
-ده مكتب هندسي محترم مش سوء عشان تدخلي بالعشوائية دي، خليتي منظري ومنظرك زي الزفت قدام العميل والسكرتيرة.
هبت من مقعدها صارخة بغضب جلي، لتردف بسخرية وتهكم :
-السكرتيرة.... قولي بقا إن حضرتك متضايق عشان شكلك قدام السكرتيرة.
لوح "حاتم" بيده في الهواء، مردفًا بجدية :
-إنتي شكلك إتجننتي على الآخر، وأنا مش فاضي لجنانك ده.
بينما إلتقطت هي حقيبة يدها لتستدير مغادرة الغرفة وهي تردف بتهكم :
-لا فاضي ولا مش فاضي أنا ماشية، خليك براحتك.
ليصرخ "حاتم " بغضب جامح :
-ماشي... بس أوصل القصر ألاقيكي هناك، لو وصلتي بعدي مش هتدخليه تاني.
ركلت "منة" الأرض بقوة قدمها الغاضبة واستدارت مغادرة المكتب بأكمله.
*************
قصر السيوفي.
إصطف الجميع أمام الباب الرئيسي للقصر ليودعوا "عبد العزيز " وأسرته بسعادة غامرة يتخللها القليل من الضيق لذلك الوداع فصحبة الصالحين لا تقدر بثمن، لتردف "فريدة" بتأكيد :
-زي ما إتفقنا يا أستاذ "عبد العزيز " يوم الجمعة الجاية إن شاء الله هنروح كلنا المزرعة، وإنتي كمان يا "هايدي" يا بنتي.
أجابها "عبد العزيز" مردفًا بمحبة :
-كلامك يمشي على رقابتنا يا "فريدة" هانم حضرتك كبيرتنا كلنا وكلمتك لها إحترامها، وبالنسبة لـ"هايدي" أنا هتصل بوالدها وأستأذن منه.
لتردف "نجلاء" بأسف :
-معلش والله "ثائر" و "حمزة" و "حاتم" عندهم شغل مهم وكان نفسهم يكونوا موجودين.
حرك " عبد العزيز "رأسه نافيًا قبل أن يردف :
-ماتقوليش كده يا هانم، إحنا مقدرين تعبهم في الشغل، ربنا يقويهم يارب.
وإحتضن "خالد" كتفي "عمر" بذراعه، مردفًا بتأكيد :
-ميعادنا يوم الجمعة إن شاء الله يا "موري"عشان أعلمك ركوب الخيل .
أومأ "عمر" برأسه مردفًا :
-إن شاء الله، وماتخافش أنا تلميذ شاطر وبتعلم بسرعة.
بينما قاطعته "ضحي" بكلماتها المتهكة :
- الصراحة يا "عمر" أستاذك نجيب جدًا وكان هيقع من على الحصان في البطولة الأخيرة.
ليلكمها "خالد" لكمة خفيفة بكتفها، مردفًابحنق ظاهري :
-بالغش يا حبيبتي... لولا السرج كان مقطوع عمرك ما كنتي تحلمي بالبطولة دي، إوعي تكوني يا بت إنتي اللي قطعتي السرج.
دفعته بعيدًا عنها بغضب، لتردف بسخرية :
-أنا اللي قطعته!!! ، وأنا اللي هنقذك...!!!
لو مش عارف مين اللي عمل كده تبقى......
وأخدت تفكر في كلمة مناسبة لتلك الجملة فلم تجد سوي كلمة "أهبل" فأردفتها لذاتها، لتكمل مربتةً على كتفه بسخرية :
-بس ما تقلقش هو دلوقتي إيده مكسورة ومرمي في المستشفى بقاله ٣ أيام.
رفع "خالد" أحد حاجبيه بدهشة، ليردف مستنكرًا:
-هو مين ده اللي مرمى في المستشفى؟!!
إبتسمت "ضحي" إبتسامة جانبية متهكمة، مردفة :
-مش عارف مين اللي عمل فيك كده؟!!... عموما أنا ردتها وقطعتله سرج الحصان بتاعه في التمرين والحمد لله وقع وإيده إتكسرت.
لتتسع حدقتاه من الصدمة، مرددًا بذهول :
-إنتي اللي عملتي كده؟!!!.... إنتي مجنونة يا بنتي .
أردفت نافية :
-لأ... أنا مش بسيب حقي..
غمر لها بعينه، مردفًا بهمس عاشق :
-وأنا حقك... صح؟.
لتشتعل وجنتاها خجلًا وتحمحم مردفةً :
-يلا يا جماعة روحوا بقا عشان ما تتأخروش.
رمقتها "همس" بدهشة، لتردف مستنكرة:
-إنتي بتقولي إيه يا بنتي؟!!!
بينما إنضمت إليهم "ملك" مردفةً بإبتسامتها المرحة :
-مساء الخير يا جماعة، إوعوا تقولوا إنكم ماشيين، أنا ملحقتش أقعد معاكم.
أردف الجميع بإبتسامة :
-مساء الخير يا بنتي.
وإبتسم "عبد العزيز" مردفًا :
-عندها حق "ضحي"... لازم نمشي عشان ما نتأخرش... يلا سلام عليكم.
إستقل "عبد العزيز " وأسرته إحدى السيارات الفارهة التي تقتنيها عائلة السيوفي لينطلق السائق متجهًا نحو ذلك الحي الهادئ.
ودلف الجميع إلى الداخل، لتستأذن "ملك" للدلوف إلى غرفتها وتبديل ثيابها.
بينما وجدت "همس" من يجذب يدها برفق، لتستدير مردفة بدهشة :
-"هيا"!!! .... فيه حاجة يا حبيبتي؟!
أجابتها "هيا" بمكر :
-ممكن تيجي معايا... عايزة أخد رأيك في حاجة.
أومأت "همس" برأسها مردفةً :
-أوك يا حبيبتي.... فين الحاجة دي؟
لتجذبها "هيا" برفق، وتتجها سويا نحو المصعد ليستقلاه وسط دهشة "همس" فما هذا المكان الذي يتوجب عليهم إستخدام هذا المصعد للوصول إليه؟!
ضغطت "هيا" زر الصعود، لتبدأ همس برحلتها نحو مجهول قد يعصف بعشقها المتيم وينهيه إلى الابد.
لحظات قليلة وتوقف المصعد وفتح بابه تدريجيًا، لتجد "هيا" تدفعها خارج المصعد برفق، مردفةً بإبتسامة عذبة :
-دوري إنتهى لحد هنا..... يلا يا قلبي.
رمقتها "همس" بنظرات دهشة إنصهرت برجفة خفيفة لقلبها، وأردفت برجاء :
-إستني.... أنا مش فاهمة حاجة.
بينما ضغطت "هيا" زر إغلاق باب المصعد مردفةً بمشاكسة :
-إكتشفي عالمك الخاص.
وأغلق باب المصعد، ليبدأ بالهبوط مباشرة.
بينما فركت "همس" أنامل يدها الصحيحة بعضهما البعض، لتستدير موليةً ظهرها لمكان المصعد، فتدب رجفة خفيفة بأوصالها فالظلام بدأ يسدل أستاره بالأنحاء وهذا مكان غريب عليها، فلا تعلم خباياه ولا تفاصيله.
لحظات ووجدت، لوحة إلكترونية متوسطة الحجم زُينت بأحرف كلمة "همسي" التي توهجت بأضواء هادئة، وموسيقى آسرة بدأت تصدح بالأرجاء..
وبدأت تلك الأضواء الخافتة تحدد ملامح طريقها الذي يتوجب عليها السير قُدمًا به.
لتخطو أولى خطواتها وعلامات الدهشة والإنبهار تتصاعد تدريجيًا، كلما خطت خطوة كلما أنارت زهرة بذلك المكان الغامض....
خطوة تلو الأخرى، والأجواء الخافتة تتوالى بالإشراق، لينقشع ذلك الظلام ويحل محله عالم يخطف الألباب والقلوب.
حتى وطأت قدماها تلك الدائرة المُحاطة بأشجار قصيرة القامة توهجت بنورها المبدع حينما دلف إليها، ليبدأ الضوء في الإنتشار تدريجيًا للخارج بشكل بديع وساحر، ليكشف عن معالم جنة الله على الأرض، فذلك العالم تجاوز حدود الخيال بمراحل عديدة، عالم أبعد ما يكون عن تخيلانها، عالم يعجز الجميع عن وصفه، أزهار نادرة بألوان ساحرة فإبداع الخالق ليس له وصف سبحانك ربي....
أشجار قصيرة القامة تفوح بأرقي أنواع العطور التي تنافس وتفوز على أرقى العطور الفرنسية.... حمام سباحة متوسط الحجم يتوسط تلك الجنة وتلك الورود الحمراء تكسو سطحه لتبدأ موجة خفيفة تحركها تدريجيًا لتتحول إلى جملة "همسي... أنتي عالمي الخاص".
إلتفتت يمينها لتجد تلك الأرجوحة تتمايل مع نسمات العليل محدثة موسيقى هادئة أسرت قلبها وأحكمته.
لتتسع إبتسامتها تدريجيًا، وتسيل دمعات السعادة وتفيض، وتزداد قوة النسيم تدريجيًا لتحرك معها أغصان الزهور فتفوح رائحتها التي إمتزجت بعبق عطره الآسر، الذي دائمًا ما يُسكرها ويجذبها إلى عالمه المهلك، تغمض عيناها متنهدة بعشق أقسم على إهلاكها لآخر ذرات عقلها.
تسلل إلى مسامعها صوت تلك المروحية التي قررت إقتحام عالمها الهادئ بصوتها وضوئها الذي تزكز حولها بقوته لتضع يدها أعلى عيناها بشكل تلقائي. سيل وفيضان من الزهور الحمراء التي نُثرت نحوها من تلك المروحية، لتتسع عيناها دهشة، وتدلي فمها فكاد أن يصل إلى الأرض.
لحظات وغادرت المروحية بعد أن أتمت مهمتها، ليبدأ عالمها بالسكون مجددًا، فتعالي كلماته العاشقة التي دقت علي أوتار قلبها المتيم فأرقصته طربًا :
-بحبك.... "همسي".
إلتفتت نحو ذلك الثائر أو بالأحرى العاشق الذي أطلّ عليها بحلته الزرقاء ورابطة عنقه الزرقاء أيضًا، وخصلات شعره التي إستلمت لتلك النسمات الهادئة فتمايلت معها بنعومة ورقة لتُزيد وسامته أضعافًا.
كانت كالمشدوهة تتوسط تلك الدائرة كمن تسمرت بمحلها، فجميع حواسها رفضت الإنصياع لإشارات عقلها المغيب، ماعدا عيناها الشاردة بنظراته المهلكة.
خطاه الرزينة إقتربت منها، لتنافسها دقات قلبها بالطرقات، تسارعت وتلاطمت بقوة، كادت أن تجتاح جدران القلب لتهوي بين ذراعيه القوية وتنعم بالكثير من الأمان والدفء.
أصبح مقابلًا لها ليلقط كفها المُحاوط بتلك الجبيرة اللعينة التي أفسدت كل شيء، فقد أعاقت لمساته الحانية، ليضعها نحو مضخته الثائرة مردفًا بأحرف غُزلت بخيوط عشق متيم :
-أسف.... "همسي".
أغمضت عيناها بخجل إحتل كيانها، لتتنهد براحة فقد إشتاقت كثيرًا لأن يتنغم معشوقها بأحرفها، نعم إشتاقت لأن يدوي إسمها بالأنحاء بنبرته المتملكة، فقد إنقطع عن التفوه بأحرفه منذ تلك الليلة، كم أنت قاسي "ثائري"؟
ليلتقط يدها الأخرى ويلثمها بشفتاه الولهة، فتشتعل خجلًا وعشقًا، ليردف بهيام عاشق مشتاق لمعشوقته :
-وحشتيني..
إستعذبت صوته العاشق الذي إشتاقت له كثيرًا، لتردف بهيام :
-وحشتني.... "ثائر".
تنهد بعشق طارحٍ رأسه للخلف ليتأمل تلك النجمات التي أضاءت عالمها، فتراقصت سعادة وطربًا لإعتراف عاشقين متيمين بالإشتاق.
وجذبها نحو موطنها برفق، ليشدد من إحتضانها مربتًا على ظهرها بيده الحانية، وهو يردد بسعادة :
-"همسي"... القدر كان شايلك ليًا وكنتي أجمل هدية من ربنا.... قدرتي تقتحمي قلبي اللي طول عمره شايف الحب ضعف وإنكسار.... شايف كل بنات حوا "فريدة" هانم السيوفي بنسختها القديمة.
ويبعدها عنه قليلًا ليذوب بعينيها العاشقة مردفًا :
-كنت رافض الحب، والإرتباط ليوم ماشوفتك قلبي إتمرد وإستسلم لعشقك إنتي.
تحولت نظراتها إلى لوم وعتاب، مردفة :
-طب ليه إتحولت ١٨٠ درجة؟!!
ليه قسيت عليّا؟!!
ليه بعدت عني؟!!!
ليه كنت تقرب وف لحظة تبعد؟!!
كنت شايفة عشقي في عنيك، وكنت واثقة فيك وف حبك، عشان كده كنت متأكدة إن فيه حاجة، بس إيه هي؟!!
جذبها من يدها ليتجها نحو تلك الأريكة التي تحتل جانبًا من عالمهما، ليُجلسها ويجلس إلى جوارها.
وإعتدل قليلًا ليصبح مواجهًا لها، فيحتضن يدها بين يديه الدافئة، زافرًا زفرة قوية، مردفًا :
-غصب عني والله، إستسلمت لوسواس شيطان رجيم، مشيت ورا عقلي اللي أول مرة يخوني ويخدعني، وكذبت قلبي اللي أول مرة يدق ويكون صادق معايا.
ضيقت عيناها بعدم إستيعاب، لتردف :
-مش فاهمة قصدك إيه؟... شيطان مين ده؟!!
زفر زفرة أقوى يطرد بها حنقه من ذاته التي إستسلمت بسهولة لوساوس ذلك الوغد ، مرددًا :
-"قاسم" إبن عمك.
عقدت جبينها بإستنكار مردفةً :
-ماله؟!!.. عمل إيه؟!!
حينها إشتعلت حدقتاه غضبًا جحيميًا، ليبتعد عنها بنظراته مردفًا ببعض الحدة :
-خلاص... مش عايز أتكلم في الموضوع ده.
رفعت يدها نحو وجنته لتدير نظراته نحوها، مردفةً بعشق :
-أنا عارفة إنه حيوان وحقير وعمري ما إرتحتله، مش هزعل بس ياريت تقولي إيه الموضوع.
تنهد "ثائر" بقوة، وبدأ بسرد تفاصيل الخدعة الخبيثة التي إشتركت فيها زوجة عمها مع ذلك الوغد، حتى معرفته صدفة بأسباب ذلك الجرح ، وكم كان أحمق عندما إستسلم لتلك الإفتراءات الكاذبة.
لتنفض يدها من بين يديه بقوة، وتهب واقفة وعلامات الصدمة والألم تنهش ملامح وجهها بلا رحمة، ودمعاتها التي إنهمرت بلاتوقف، لتردف ساخرة:
-وإنت طبعًا صدقت كل الهبل ده.... صح؟!! .
نهض من مقعده هو الآخر، ليردف متألمًا :
-أي راجل مكاني هيشوف الصور والرسايل دي هيصدق.
لكمته بقوة في صدره، لتصرخ بأسي :
-ليه؟!!.. ليه تصدق؟!! جايبني من الشارع، شوفت إيه في تصرفاتي يخليك تصدق؟
عمري تجاوزت معاك في حاجة؟....
لأ طبعًا... الحمد لله بابا مربيني على كتاب الله وسنة رسولنا الكريم....
يعني معقول واحدة حافظة كتاب ربنا هتعمل الأرف اللي بتقول عليه ده.
وإنهالت على صدره باللكمات القوية، صارخة بوجع مزق خيوط قلبه :
-شوفت مني إيه عشان تصدق؟!!
قولي يا "ثائر"... ليه تجرحني الجرح ده؟!!
ليه تطعني بخنجر الشك ده؟!!!
ليه دايما الراجل بيسلم عقله للشيطان؟!!
ليه دايما البنت متهمة ومُدانة؟!
ودفعته بكامل قوتها للخلف، صارخة بحزم :
-أنا اللي مش عاوزه أكمل معاك يا "ثائر يا سيوفي".... ومش هستني الفترة اللي إنت عاوزها، هنزل من هنا على بيت بابا...
كلماتها خنجر مسموم طعن قلبه ببراعة، ليهوي صريعًا بين يداها.
أحقًا حسمت أمرها وقررت الإبتعاد عنه؟
فقد سيطرته علي كل مايملك من حواس، أنفاسه رفضت الإنصياع له، دقات قلبه تتهادي ببطئ.
نظراته الزائغة تراقب رحيلها عنه دون أي تدخل لإيقافها، نعم رحلت عنه وتركته.
*************
مجموعة السيوفي.
دقت الساعة التاسعة لتجذب أنظار ذلك المنهمك بمراجعة تلك الأوراق الهامة، ليرفع أنظاره مغمضًا عيناها بقوة، ليخفف من آلامها.
إسترخي بمقعده طارحًا رأسه للخلف، ليلمح ذلك الضوء الهادئ المنبعث من خلف باب مكتبه، ليتبعه ظل ما يتهادي بخطاه أمام الباب.
نهض من مقعده بعزيمة وإصرار على كشف حقيقة ما يمر به. إتجهه نحو الباب ليقبض على مقبضبه بقوة ويديره فاتحًا الباب بشكل مفاجئ... تلك الفتاة التي لطالما تفننت بالظهور له، تعاود ظهورها له من جديد.
تخطو برواق الشركة بفستانها الأبيض و خصلات شعرها المتطايرة حولها بتمرد، ونظراتها المتوعدة له.
ليخطو خلفها بخطوات سريعة، صارخًا بقوة :
-إنتي مين؟... عايزة إيه؟!!... إشمعني أنا؟!!
دوت تلك الكلمة ببئر عميق، لتصدح أصدائها بالأنحاء :
-"حمزة".
إزداد غضبه وتضاعف، أقسم أن يتمكن منها هذه المرة، ركض خلفها، وركضت هي بأقصي ما لديها من سرعة، هبطت الدرج للهروب منه، لكنه مازال يتبعها بإصرار وعزيمة.
حتى وصلت إلى مرأب السيارات، لتختفي خلف أحد الأعمدة الخرسانية التي تتوسط المرأب، فيدور حول نفسه باحثًا عنها بنظراته المشتعلة غضبًا، ليصرخ صائحًا :
-إنتي فين؟!!...
أنا "حمزة" قدامك أهو عايزة إيه؟!!
إنتي فين؟!!!
بينما توارت هي بذلك المكان وأنفاسها تتلاهث بقوة، دقاتها تتلاطم خوفًا وفزعًا، لتكتم أنفاسها بكفها الصغير... فتجد شئ ثقيل يهوي أعلى رأسها، فتترنح قليلًا وتسقط فاقدة وعيها، محدثة ضجة مكتومة.
إلتفت "حمزة" نحو ذلك الضجيج ليجدها تفترش الأرض كجثة هامدة. إقترب منها راكضًا ليدنو بجذعه نحوها، ويحركها بحرص كاشفًا عن وجهها، فيجد أنفاسها تتباطئ تدريجيًا، فيرفع يدها نحوه ليجتس نبضها بأنامله الحادة، ليجده طبيعي ومنتظم.
إلتفت يمينًا ويسارًا حتى إستقرت عيناه نحو سيارته، فتركها أرضًا وركض نحوها ليأتي بزجاجة من المياه وتلك الكوفية خاصته، ويركض نحوها مرة أخرى ويُجلسها إلى ذلك العمود الذي كانت تتواري خلفه، ويحكم وثاق قدماها ويداها.
نثر بضع قطرات من الماء على وجهها، فأخدت تحرك أهدابها ببطئ حتى إستعادت كامل وعيها و فتحت عيناها تمامًا.
وقعت أنظارها على ذلك الغاضب المشتعل، لتدب رجفة قوية بأوصالها وتنكمش على ذاتها صارخة بتوسل :
-والله ماعملت حاجة... مش عايزة أموت... والله ما عملت حاجة.
لتجد صفعة قوية تهوى على وجنتها، فيرتطم رأسها بالعمود خلفها وتسيل دماؤها نحو عنقها، لتصرخ بقوة من أثر الصفعة :
-آه.....حراام عليك... اتوسل إليك مش عايزة أموت... مش عايزة أموت.
دنى نحوها ليتكأ على أحد ساقيه مردفًا بنيران غضب تتصاعد ألسنتها مع أحرف كلماته :
-إنتي مين؟.... وعايزة مني إيه؟!!!
إرتجفت بقوة، ليزداد إنكماشها، مردفةً بفزع أربك حروف كلماتها :
-م.... مش... عايزة... حاجة.
لتجد صفعة أخرى أقوى هوت على وجنتها الأخرى، فتصرخ متوسلة :
-والله ماعملت حاجة..... أبوس إيدك ماتموتنيش عايزة أعيش.
أحكم قبضته القوية على خصلات شعرها المنسدلة حولها ليجذبها نحوها مردفًا بفحيح :
-لو ما تكلمتيش هقتلك وأدفنك مكانك، ومحدش هيعرفلك طريق جرة.... فاهمة.
أومأت برأسها مرارًا وتكرارًا مردفةً برعب جليّ :
-حاضر... هقول والله... هقول.
ليتركها "حمزة" ويبتعد عنها قليلًا زافرًا زفرة قوية، مردفًا بصرامة :
-كلي أذان صاغية.... إنطقي.
إبتلعت ريقها بتوتر مردفةً بتلعثم :
-الله يحرقه الواد "سيد" خطيبي، قاللي ورانا شغلانه بسيطة وفلوسها حلوة، ومش هتاخد وقت ولا مجهود.
صرخ "حمزة" بغضب :
-هااا وبعدين.
لتردف بتلعثم أكثر :
-خـ... خادني لواحدة ست منقبة.
إلتقط "حمزة" هاتفه النقال من جيب بنطاله، ليفتحه مفصحًا عن صورة لـ "ملك" صارخًا بصوت جهوري أرعبها :
-هي دي؟... بصي كويس.
رمقت الصورة بتركيز شابه الكثير من الإرتباك لتردف محركة رأسها بخوف:
-مش عارفة.... كانت منقبة، ماشوفتش وشها.
صرخ "حمزة" بقوة :
-ركزي في عنيها... أكيد المنقبة دي شوفتي عنيها.
حركت رأسها نافية قبل أن تردف:
-مش عارفة والله... بس التانية عنيها كانت زرقا.
زفر "حمزة" بغضب أقوى :
-كانت عنيها ولا عدسات؟
لتردف بخوف :
-والله ما أعرف، أنا ماشوفتهاش، ومعرفش كانت عنيها الأصلية ولا عدسات.
صرخ "حمزة" بقوة :
-وبعدين...؟!!!
جاوبته بإرتباك وتلعثم :
-لبستني الفستان ده وعملت شعري بالشكل ده وصورتني فيديو وأنا بتحرك، سمعتها بتقول للمصور إن اللقطات دي هتكون كويسة لإستخدامها في حاجة إسمها هوجرام.
أغمض "حمزة" عيناه متنهدًا بقوة، وهو يردف بهمس :
-هولوجرام.
( تقنية الهولوجرام أشعة ليزر : هي طيف من الألوان ثلاثية الأبعاد يوحي إلى المشاهد أن الجسم موجود فعلًا في مكان ظهور هذا الطيف وكأنه تجسيد حقيقي للواقع، فتمتلك هذه الأشعة خاصية فريدة تمكنها من إعادة تكوين الأجسام ثلاثية الأبعاد وكأنها أنوار في الهواء ومعالم واضحة. )
فرك "حمزة" وجهه بكفه متذكرًا المرة الأولى التي ظهرت له بها تلك الفتاة، ليصرخ :
-وبعدين.
أكملت الفتاة:
-مفيش قعدت فترة محدش يكلمني، فقولت خلاص الموضوع خلص على كده، لقيتها من كام يوم بتتصل بيا وتقولي هنعمل المشاهد دي بس على الحقيقة، يوم ما جيت ليك القصر.
-ضغط "حمزة" على كل حرف تشدق به بغضب جحيمي :
ودخلتي القصر إزاي....؟
إبتلعت ريقها برعب، مردفةً :
-كان فيه باب جانبي في سور القصر ومتغطي بشجرة كبيرة، لقيته مفتوح دخلت منه وخرجت بعد ما خلصت المطلوب مني.
صرخ "حمزة" لاكمًا العمود الخرساني بقبضته؛
-يا ولاد الكلب..... وبعدين؟؟ .
إنتفض جسدها بقوة، لتهتف بصوت متحشرج :
-لقيتها بتتصل بيّا النهارده عشان أظهرلك في الشركة، دي شكلها عايزة تجننك.
تعالت ضحكاته المتهكمة، ليردف بسخرية:
-وإنتي فاكرة لعبة حقيرة زي دي هتقدر تجنني، تبقوا أغبيا.... ممكن أكون أتهزيت شوية ووصل الموضوع إني أشوفك في الحلم من كتر ما الموضوع شاغل بالي، يعني ماقدرتش توصلوا لهدفكم الغبي ده....
ليقطع جملته بغتة، وتتسع مُقلتاه صدمة، ويركض صارخًا :
-الورق.
ركض بكامل طاقته نحو المصعد، ليضعط زره مرارًا وتكرارًا لكنه تمرد عليه هو الآخر، ورفض تلبيه أوامره، ليركل بابه بقدمه عدة مرات متتالية صارخًا بقوة :
-آآآآه.
فركض نحو الدرج وصعده بقفزات واسعة، لحظات وكان برواق مكتبه، ليركض نحوه ويقتحمه بغضبٍ جليّ.
ركض نحو مكتبه لتتسع مُقلتاه صدمة فقد إختفت تلك الأوراق من أعلى سطح المكتب. أخذ يبحث عنها بين جميع أوراقه، بين جنبات أدراج مكتبه، بين حاسوبه النقال.... لكن لا فائدة من كل هذا فالأوراق إختفت بالفعل، أو بالأحرى سُرقت فكانت هي هدفهم ومقصدهم.
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا