مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة دينا ابراهيم الشهيرة بروكا والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع والعشرون من رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم
رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم - الفصل السابع والعشرون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية فرط الحب بقلم دينا إبراهيم - الفصل السابع والعشرون
تابع من هنا: روايات زوجية جريئة
-ريان ألحقني يا اخويا.
ظلت جملة ليان تتردد على مسامع ريان الذي كان يركض في غرفته يرتدي ملابسه تاركًا لريم الرد على بيجاد الذي كان يحاول التواصل معه طوال فترة مكالمته مع ليان لكنه تجاهله حتى أغلق معها.
دقائق قليلة لكنها مرت كذوبان الجليد في القطب الشمالي، وكان ريان مع ريم وأطفاله في السيارة متجهين إلى المشفى، بعد أن طلب من بيجاد الذهاب مباشرة إلى المشفى.
-عيني عليكي يا ليان يارتني كنت معاكي من أول الحمل.
قالت ريم في لهجه حزينة متعمدة استفزاز مشاعر ريان الذي هتف مستنكرًا:
-بطلي اسلوبك المستفز ده، ليان هتبقى كويسة ان شاء الله.
-انا اللي مستفزة واللي أنت كنت فيه طول السنتين اللي فاتوا ده عادي،
كده مبسوط انت لما البنت تروح مننا واخر ذكري لينا معاها اننا كنا بنبعدها عننا.
ضرب ريان قبضته في المقود صارخًا في غضب حارق دون اعتناء بوجود اطفاله تلك المرة:
-كفاية يا ريم أنا على أخري، متخلتيش أنزل وأسيبلكم العربية واروح في تاكسي لوحدي،
ما تتكلميش معايا لحد ما نوصل المستشفى احسن لك!
ابعدت ريم وجهها عنه قبل أن تخفيه بكفيها مستحضرة أصوات بكائها وأنينها المنخفض كي تشعل وتر الذنب وتأنيب الضمير داخله بالقدر الكافي الذي يجعله يرضخ للطيبة في قلبه ويصفح عن ليان.
شعر ريان بالاختناق وكأن مشاعره تتكتل أسفل عنقه بينما الذنب يجثم فوق صدره يداهم ويشوه أسبابه ومعتقداته التي تعلق بها عندما نصب نفسه القاضي الذي يحاكم خيانة شقيقته والجلاد الذي عاقبها باستنزاف مشاعرها والحكم عليها باليُتم والوحدة.
*****
جلست ليان بين أحضان أحمد الذي يحاول تهدئه فيضان المشاعر الذي أصابها ما أن أجابها ريان فمنذ اخبرها ريان المذعور بسرعة قدومه وهي لا تستطيع التوقف عن البكاء بين حزن وسعادة بينما أصابعها المتشبثة في قميص أحمد ترفض إفلاته وتقربه إليها كي يحتويها بحنانه الغامر.
كما ان توالي اتصالات ريان بها خمس مرات في أقل من ثلاثون دقيقة ليطمئن قلبها بانه آتي إليها ويطمئن قلبه هو بأنها لازالت بخير قد لاقى صداه في نفسها وكان عامل أساسي في تهدئة روعها وجعلها تستعيد رشدها لتستكمل ما بدئت به مع ريم.
-ربع ساعة ان شاء الله و....
دخل الطبيب مقاطع لحظتهم الشبة حميمية فأبتعد أحمد مكتفي بضم كفها بين أصابعه وسمح باقتراب للطبيب الذي اوقف جملته السابقة متعجبًا من عيون ليان المنتفخة وحالتها التي لا ترثى لها وكأنها مقبله على هستيريا من نوع ما لكنه ابتسم يخبرها في نبرة مشجعة:
-ايه اللي جر يا مدام ليان ليه العياط ده، قولتلك الموضوع ابسط من كده ومش مستاهل خليكي مؤمنة بربنا.
مسحت ليان عبراتها قائلة بصوت مبحوح:
-متأسفة يا دكتور، أنا عارفة انه بسيط وان حضرتك ربنا يباركلك هتقوم باللازم،
بس أنا محرجة من حضرتك لأني مش هقدر أدخل العمليات أبدًا قبل ما اخواتي يوصلوا.
تدخل أحمد الذي أخبر الطبيب بلهجة متنقله بين الحزن والتوسل:
-لو مفيش ضرر عليها ممكن نستنى شويه؟
-بس يا استاذ أحمد دي غرفة عمليات وليها توقيت وفي حالات تانية مستنية، الموضوع هيبقى صعب وخارج إردتي!
-حضرتك أنا واقعة في مشكلة كبيرة مع اخواتي ومش هدخل غير لما اشوفهم افرض مُوت ولا جرالي حاجة!
-يا مدام بعد الشر عليكي، انتي ليه متشائمة؟
انهمرت الدموع من عيون ليان مرة أخرى وهي تتوسل في صدق:
-انا اسفة يا دكتور، بس أنا عملت المستحيل عشان يرجعوا يكلموني، ومجوش غير لما قولت اني تعبانة وان الولادة فيها مشاكل.
-طيب أهدي يا مدام، وانا هشوف هقدر أعمل ايه، لكن حقيقي الضغط النفسي ده مش كويس عليكي حاولي تهدي شويه لأن ضغطك لو مش مستقر هيسبب مشاكل اثناء الولادة!
اخبرها الطبيب بلهجة جدية مهنية بينما ينقل نظراته بين ليان واحمد، فردت ليان امله:
-حاضر هحاول، بس ارجوك يا دكتور لما يوصلوا بلاش تقول اني كويسة وفهمهم اني حالة صعبة أرجوك يا دكتور.
استمع لها الطبيب بشكل تام قبل ان يحرك رأسه في خجل يخبرها بنبرة مُحرجة:
-والله يا مدام الموضوع صعب، أنا هبوظ الدنيا لاني فاشل في الكدب،
بس أنا هكون في طابق العمليات والتمريض هيوصلك لعندي تحت وبكده مش هضطر اقابل حد منهم.
-متشكر أوي يا دكتور، حقيقي احنا متأسفين على اللخبطة دي.
قال احمد في امتنان وهو يجاور ليان مربتً في خفة فوق ساقها المتربعة المغطاة بشرشف المشفى الخفيف، فرد الطبيب بابتسامه بسيطة:
-لا مفيش داعي، ان شاء الله خير، عن إذنكم.
نظرت ليان إلى أحمد المجاور لها ما أن خرج الطبي، تشعر بالذنب لأنها السبب الرئيسي في انسحاب اللون من وجهه وشحوبه، فمالت تستند برأسها فوق كتفه هامسة:
-هتعدي على خير متخافش.
-مش خايف.
رددت مطلبها من جديد على مسامعه فكرر هو كذبته عليها..
الخوف لا يصف الشعور والذعر الذي يتملك صدره ... هو يعيش حالة من الترقب والتوجس .... وكل هذا الحديث عن القدر جعله يخشى إغماض جفنيه كي لا يخطفها منه الموت ويفقدها.
والأسوأ إنه يتمنى لو تعود به الأيام فيمتنع عن المضي في طريق العلاج الذي كان أغلبه نفسي نتج عنه استعادة ثقته في ذاته وفي جسده بانه شخص كامل طبيعي قادر على الخوض في حياة زوجية صحية مع ليان وها هما ينتظران ابنتهم المرتقبة.
تنفس بين خصلاتها في بطء، ينفث مشاعره المختلطة بين سعادته وانتظاره كي يحمل طفلته بين ذراعيه وخوفه ورغبته في الحفاظ على ليان من أي سوء فارتباطهما ليس مجرد ارتباط جسدي بل روحي إلى أبعد الحدود وان خسرت ليان معركتها الصغيرة الليلة لن تكون وحدها الضحية !...
*****
بعد مرور ثلاثون دقيقة ثقيلة على الجميع، وصل بيجاد الذي ما أن ظهر طيفه عند الباب حتى هتفت ليان باسمه رافعه ذراعيها نحوه تطالب عناقه الأخوي.
-بيجاد!
أبتعد احمد في صمت عن جسدها تاركًا لهم المساحة سعيدًا بالرضا المشع من عينيها، جلس بيجاد جوارها يقبل جبينها بالعًا منتصف جسدها بين ذراعيه، ثم قال في نبرة تكسوها التمني أكثر من التفاؤل:
-عيون بيجاد يا حبيبتي، متخافيش يا ماما هتقومي بالسلامة .
رفعت ليان رأسها عنه تنقل عيناها خلفه في ترقب متسائلة في نبرة متوجسة خافتة:
-ريان فين، هو مش جاي؟
-جاي طبعًا، هو قال الأفضل اجيلك أنا عشان منتاخرش وانه هيحصلني.
هزت ليان رأسها في تفهم مستسلمة لأصابع بيجاد التي قربتها من صدره في حين تعلقت انظارها بزوجها الذي اتخذ ركن بعيد عنهما وكأنه يخشى إزعاج بيجاد الذي كان صريحًا في رفضه لوجود أحمد في حياتها لكنه على الأقل لم يقطعها من حياته بشكل كامل بل كان يحرص على الاطمئنان على أحوالها وسماع صوتها كل فترة بالإضافة إلى المبلغ الصغير الذي اعطاها إياه عندما كانت في أشد احتياجها...
ابتسمت متذكرة المبلغ الذي حوله إليها شقيقها الصامت وحنون شعورها آنذاك فلو كان الأمر بيدها لاحتفظت بدليل اهتمامه هذا إلى الأبد، تنهدت عندما اخرجتها ابتسامه أحمد المشجعة من افكارها المتبعثرة في كل مكان ثم رفعت يدها تطالب اقترابه منها.
ارتبك أحمد ناظرًا نحو بيجاد للحظة ثم أعاد نظره نحوها قبل أن يتخذ القرار ويقترب منها كي يلبي نداءها الصامت.
شبكت أصابعها مع أصابعه بقوة ثم التفت نحو بيجاد مستقرة برأسها فوق صدره وعيونها المرهقة من البكاء تتعلق بعينيه المراقبة لتصرفاتها،
صمت بيجاد لكنه أهداها ابتسامة ضئيلة يعبر عن احترامه لرغباتها ثم سمح ليده بالمرور على بطنها المنتفخ، قائلًا في محاولة لفض التشنج المنتشر في جسد شقيقته:
-هتسميها أيه؟
قاطعهم انفتاح الباب دون طرق واتاهم صوت ريان القلق:
-ليان.
جذبت ليان نفس عميق ثم اعتدلت في ترقب من احضان بيجاد الذي ابتعد ليفسح المجال لشقيقه الأكبر المندفع نحوها ولا شعوريًا همست ليان باسمه منفجرة في بكاء حارق:
-ريان، كنت خايفة ما تجيش.
انهمرت في حالة هستيرية من البكاء مندمجة في كلمات مبعثرة متفرقة وهي تحتضنه لها بقوة لدرجة انها لم تشعر بريم وطفليها اللذين اتبعوا ريان في صمت.
هبطت دموع ريم في حزن للحالة التي وصل لها الأخوين، تلعن العناد والجنون الذي سبب كل هذا، عدلت "عز" بين ذراعيها ثم هربت منها لمحه نحو أحمد الذي كان يطالعها في غموض يكسوه الخجل لحظة قبل ان يبعد عيناه التي استقرت في لهفة فوق جسد زوجته الباكية.
رأت ريم ملامح الحزن والحب صريحة على وجه أحمد مما زاد من راحة قلبها واطمئنانها على علاقتهما الطيبة، ورغم موقفها الحاد تجاه أحمد إلا إنها لا تستطيع إنكار انها تتمنى له السعادة في الحياة لأنه يستحق.
نقلت بصرها نحو ريان وليان فالتقت بنظرات ريان الحارقة الذي لم يمنعه انغماسه بين أحضان شقيقته الباكية من مراقبة ورصد كل حركة تصدر من كلاهما خاصة ريم.
تعمدت ريم التمسك بنظرته مع منحه ابتسامه هادئة مستمرة في إخماد نيران شكوكه بنظرة الثقة التي ترسلها بها صفاء فعلتها وعفويتها.
اخفض ريان بصره متقبلًا ما حدث رغم رغبته الكبيرة في طرد احمد من الغرفة، وركز على ليان التي ترفض التوقف عن البكاء.
-كفاية عياط يا ليان عشان خاطر ربنا.
خرج صوت أحمد متوسلًا رغم انه كان يفضل البقاء بعيدًا يخشى أن تحرك أن يفسد فرصتها في مصالحة ريان اخيرًا.
لكن ريان حافظ على جمود ملامحه تاركًا له ترجمه رغبته ثم أكد على كلماته دون النظر إليه مردفًا في حنو:
-كفاية عياط ولا أنتي عايزة تندميني اني جيت؟
-لا خلاص مش هعيط اهوه.
اعتدلت في جلستها تمسح بكفيها دموعها التي ترفض الجفاف قبل ان تمد يدها لتحاوط ذراع ريان كأنها تخشى ابتعاده، فتدخل بيجاد ممازحًا:
-بنتحايل عليكي تبطلي عياط من الصبح لكن حبيب القلب قال كفاية بقى كفاية على طول.
ابتسمت ليان وهي تنظر إلي ريان تتشرب ملامحه في سعادة فقابلها ريان بابتسامه واسعة بينما يربت على ظهرها مشجعًا إياها بقوله:
-اجبلك حاجة تشربيها عشان تهدي؟
-مينفعش الدكتور قال غلط الأكل والشرب دلوقتي.
نظر ريان بقلق نحو ريم لا يدري لما قد يفعل الطبيب ذلك فرفضت ريم ان تطمئنه محركة كتفيها بعدم فهم، فهي تريده متوجسًا من كل شيء حتى ينتهي الأمر بعقد الصلح بينهما.
ممتنه لأن تجربة ولادتها كانت طبيعية فلم يخرج ريان بخبرات كثيرة من الوضع.
لم يتحدث ريان او يطلب تفسير ليس بسبب خوفه من الإجابة فقط ولكن كي لا يثير ريبة شقيقته فتعود للبكاء من جديد.
صوت طرقات طفيفة قاطعتهم تلاها دخول الممرضة التي صرحت بعيون تتنقل بين الجميع:
-مدام ليان، حضرتك لازم تدخلي العمليات دلوقتي.
ضغطت على حروفها عن قصد كي تفهم ليان صعوبة تأخيرهم للأمر أكثر فردت ليان قائلة بارتباك طفيف:
-أنا جاهزة.
اقتربت الممرضة بكرسي متحرك فابتعد عنها ريان يفسح لها المجال لكن ليان سرعان ما امسكت كفه توقفه مطالبة في خفوت:
-ريان سامحني!
شعر رسان بغصة في حلقة لكنه هز رأسه مرسلًا لها ابتسامة طفيفة مؤكدًا:
-سامحتك من زمان، متفكريش في حاجة دلوقتي هنتكلم بعدين لما تقومي بالسلامة.
عضت ليان على شفتيها محركة رأسها للأعلى والاسفل في موافقة ولكنها رغمًا عنها تشعر بتوجس وطاقة سلبية تسيطر على صدرها وكأنها لن تنجو وهذا الهاجس بالعقاب يحوم داخلها دون هوادة.
اتجه احمد في صمت يساند ليان مع الممرضة حتى جلست في الكرسي المتحرك وعندما تحركت الممرضة هتفت ليان في ذعر وهي تمد أصابعها في هلع كي تقبض على ذراع احمد وتتعلق به به:
-لا أحمد خليك معايا، خليكوا معايا كلكم، محدش يمشي وادعولي بالله عليكم.
تدخلت ريم اخيرًا قائلة في نبرة قوية مشجعة:
-متخافيش يا ليان احنا كلنا حواليكي وهنقف على الباب نستناكي.
تعلقت نظرات ليان المرتعبة بها وأصبحت ريم تائهة لا تفهم متى انتقلت ليان من التمثيل إلى الواقعية، فهذه الدرجة التي وصلت لها ليان من الذعر هي ادرى الناس معرفة بها لأنها أيضًا كان لديها هاجس راسخ بأنها ستفقد حياتها وهي تلد عز وانها ستفقد عمر وريان إلى الأبد ولو كانت ليان الغبية قد افصحت لها عن مخاوفها الحمقاء لأخبرتها كما أخبرها غيرها من قبل بأن تلك الأفكار والهواجس تمر بها جميع الأمهات في لحظة الولادة.
وصلت ليان على باب طابق العمليات رافضة ترك ذراع احمد الذي يحاول بث الطمأنينة في قلبها ثم أخبرها:
-لو غيرتي رأيك وعايزاني أدخل معاكي قولي للدكتور وهو هيدخلني!
حركت ليان راسها في رفض تخشى أن تضع أحمد في موقف قد يؤثر على نفسه مدى الحياة أن حدث لها مكروه.
بدئت ليان في تلاوة بضع الآيات القرآنية تحت انفاسها وحين كادت تختفي وراء الباب اوقفت الممرضة من جديد وهي تُمسك الباب هاتفة:
-ريان.
-نعم؟
اتتها اجابته الملهوفة فقالت بفم مرتعش من خضم مشاعرها المضطربة:
-أمانه عليك لو حصلي حاجه تاخد بالك من بنتي .... ومن احمد هو مالوش حد في الدنيا،
أحمد مش وحش زي ما أنت فاكر، هو غلط غلطة كبيرة بس مين فينا مش بيغلط وهو معترف بغلطه وحسن من نفسه.
طالعها ريان معقود اللسان لا يدري بماذا عليه أن يجيبها فكرههُ لأحمد خارج إرادته ويستوطنه من راسه إلى قدمه لكنه اخفى دواخله مخبرًا إياها:
-متقلقيش مش هيجرالك حاجه وهتقومي تاخدي بالك منه هو وبنتك.
-اوعدني يا ريان عشان خاطري.
اصرت ليان في حرقة وتوسل، جف حلق ريان لكنه استسلم للحزن والخوف المنبثق من عينيها هامسًا في رضوخ:
-حاضر أوعدك.
انتقلت عيونها إلى عيون أحمد التائهة والمتعجبة من عظمة شجاعتها ومشاعرها نحوه وفي نفس الوقت كان يمنع ذاته بأعجوبة من الانهيار تحت انظارها فقد قطع سابقًا وعد لها بانه لن يضعف ومن حقها عليه أن يلتزم بكل حرف وامنية طلبتها منه.
أنغلق الباب اخيرًا ليتسمر أحمد في مكانه بعيون معلقة بالباب بينما ينبض قلبه في عنفوان يكاد يخرج من فمه، عاد للوراء ببطء دون أن ينظر لمن حوله، لم يهتم بوجود مقاعد أو بوجود أحد وجلس على الأرض ساندًا جسده للحائط المواجه للباب غير مبالي برأي من حوله بأفعاله.
فهناك قطعة ثمينة منه خلف تلك الأبواب تقف بين يدي الله منتظرة رحمته، اغمض عيونه وبدء في الدعاء دون توقف.
هبطت دموع ريم وهي تشاهد حالة أحمد وتلك المرة لم تخفي مشاعرها وقد دب الخوف في قلبها.
اقتربت من جسد ريان المتصلب الذي كان ينظر برأسه للأعلى في مناجاة صامته قبل ان تمسك بيده تشد عليها، في تبادل صريح للقوة والعزم ممره يدها بخفه فوق ذراعه تطمئنه وتطمئن نفسها في صمت بأن الأمور ستكون بخير، ولم يتذمر ريان من استعراضها للعاطفة تلك المرة بل احتضن نظراتها الخائفة بنظراته القلقة يشد فوق يدها اكثر في مؤازرة لذاته قبلها.
-ان شاء هتقوم بالسلامة.
نسيت رين الخطة ورغبتها في إشعال ضميره نحو ليان واستسلمت للاضطراب المنبثق من مقلتيه كارهة رؤيته بتلك الحالة، حرك رأسه متقبلًا محاولاتها في مواساته.
أما بيجاد فكاد يجن وهو يتحرك في الممر دون توقف وعيونه تتابع الفراغ وتارة تتابع عمر الجالس حاملًا شقيقه النائم في احضانه بمسئولية وحب ذكرته بمواقفه الماضية مع ريان وليان في الصغر،
انتقل ببصره نحو وسام التي وصلت متأخرة وها هي تجاور عمر أثناء محاولتها في السيطرة على ابنهما "تيم" الشقي.
انفتح الباب المطل على غرف العمليات اكثر من مرة وكل مرة يظن الجميع انها ليان لتخرج امرأة غيرها مُخدرة سبقتها في عملية الوضع وبعد مرور خمسة وأربعين دقيقة تملك الذعر كيان أحمد الذي وقف يخبط على الباب في حدة وما أن فتحت الممرضة شق صغير تختفي خلفه حتى سأل:
-لو سمحتي ممكن اعرف مراتي اتأخرت ليه؟
-مراتك مع دكتور مين؟
-مع دكتور حاتم.
هزت الممرضة رأسها قبل ان تخبره في هدوء استفز مشاعره المتوترة:
-حاضر هدخل أشوف وهرد عليك، مفيش داعي للقلق.
-مفيش داعي للقلق ازاي دي بقالها ساعه جوا، دكتور حاتم قال ان الولادة مش بتاخد تلاتين دقيقة!
-حضرتك ده وقت تقريبي وممكن تكون الحالة احتاجت وقت عشان المخدر يشتغل أو انها لسه ما فاقتش من البنج.
كاد يتشدق أحمد بكلماته المعبرة عن استنكاره عندما تدخل بيجاد ممسكًا بذراعه يحاول تهدئة الوضع، طالبًا من الممرضة في أدب:
-خلاص يا أنسة، لو سمحتي ادخلي طمنينا عليها وهنستنى هنا.
-حاضر.
قالت في وجوم ثم اغلقت الباب في وجههما فتمتم احمد بشكره إلي بيجاد قبل ان يعود للوقوف في مكانه من جديد، مرت دقائق طويلة قبل أن يُفتح الباب فتحرك بيجاد وأحمد نحوه معتقدين ظهور الممرضة لكنهم وجدوا ليان تخرج فوق سرير متنقل مع ممرضتين.
ركض الجميع نحوها وقبل أن تنهمر تساؤلاتهم جاء صوت الطبيب مبشرًا لهم:
-حمد الله على سلامة المدام يا أستاذ أحمد، البنوته طلعت قسم الأطفال فوق تقدر تروح تشوفها.
لم يستمع أحمد لأبعد من جملة "حمدالله على سلامة المدام" وتعلق بكف ليان التي تغمغم بكلمات غير مفهومة لا توال تحت تأثير المخدر الكلي، مسح بكفه العرق المنصب على وجهها لكنه ابتعد حين تذمرت الممرضة بسبب تعطيله لهم.
-ألف حمدالله على سلامتك يا حبيبتي.
همس بجملته قرب وجنتها ثم مال يقبلها قبل ان يبتعد سامحًا لهم بالمرور.
تحرك ريان وريم خلفها في سرعة وقد استعاد ريان انفاسه اخيرًا ما أن خرجت سالمة وظهرت ابتسامته المعبرة عن سعادته ما ان اطمئن عليها فأخبرته ريم المرافقة له في نبرة صادقة:
-مفيش اغلى من الأخت ومفيش اقوى من سند الأخ، أنتوا مالكوش غير بعض، اوعى يا ريان تبعد ليان عننا تاني وكفاية خصام لحد كده ونحمد ربنا أنها جيت سليمة.
وقفا على الباب يتابعان الممرضات ينقلن جسدها المرهق فوق الفراش في الحجرة قبل ان يرمقها ريان بنظرة صادقة مؤكدًا:
-مش هبعدها عني تاني ابدًا يا ريم.
توقف احمد عند باب الحجرة خلفهم يستمع لحديثهم في رضا ثم التفت نحو بيجاد مطالبًا في نبرة خجلة:
-بيجاد ممكن تتابع في قسم الأطفال وتطلع تشوف البيبي وتطمني عليها لحد ما اطمن على ليان.
-اكيد طبعا.
ربت بيجاد على كتفه يؤازره ثم قال في نبرة بشوشة:
-ربنا يباركلكم فيها، متقلقش على ليان أختي قوية.
ابتسم أحمد في خفة فمن غيره أدرى بقوتها وقوة حبها؟
انتبه أحمد لدخول ريان الذي سبقه وكان يمسك بكف ليان التي بدئت تستشعر وجودهم من حولها وصارت تنادي أسمائهم.
أقترب أحمد في لهفة ما أن استوعب حروف أسمه من فمها ليمسك كفها الممتد له من الجهة المقابلة للمكان الذي يقف فيه ريان يرفض ترك يد شقيقته المُحكمة فوق أصابعه:
-أنا بحبكم ... انتوا حلوين أوي...
خرجت جملة ليان ضعيفة مختلطة بتأثير المخدر فسادت البسمة على وجوه الجميع ثم انفجرت ريم والممرضات ضحكًا حتى ريان الجامد الملامح ظهرت ابتسامته على وجهة عندما اخبرتهم في ثقة:
-وأحمد طيب والله يا ريان وطعمه حلو أوي.
ضرب أحمد كفه فوق رأسه مبتسمًا ثم مال يهمس في أذنها ممازحًا:
-مش احلى من طعمك طبعًا.
خرجت ضحكة بلهاء منها لكنه حمد الله في سره بأنها توقفت عن الحديث عنه وبدئت تذكر مواقف من طفولتها خاصة التي تجمعها مع ريان وبعد وقت ليس طويلًا استعادت رشدها بشكل كامل.
انتقل أحمد بعدها تحت أمر منها للذهاب ورؤية ابنتهم لكنه توقف في ادراجه عندما سمع صوتها الواثق وهي تخبره تحت مسامع ريان وريم برغبتها الصادمة لهم جميعًا:
-أحمد أنا هسميها ريم.
انفلتت الابتسامة تدريجيًا من على وجه ريان وللحظة ظن أن أحمد متعلق بريم حتى الآن للدرجة التي تدفعه لتسميه ابنته بحروف أسمها.
تجاهلت ليان الوجوم الظاهر على وجه شقيقها ونظرت في عيون ريم مؤكدة:
-دي محاولة مني اني أعبرلك عن امتناني يا ريم.
-ليان مفيش داعي....
قاطعتها ليان سريعًا:
-هكون مبسوطة كده أتمنى ميكونش الموضوع في مضايقه ليكي.
التفتت ريم نحو ريان تجس رد فعله وتطلب مساعدته لكنها قوبلت بالجمود على ملامحه فهمست في حرج:
-لا أكيد مش هتضايق.
-انا بحبك يا ريان وبحبك ريم اوي وهفرح لو بنتي على اسمها يمكن تاخد صفات كتيرة منها كنت اتمنى تبقى عندي.
تنفس أحمد الواقف كالصنم الصعداء اخيرًا عندما سمع اجابة ريان المقتضبة:
-دي حريتك، أنا مش هعترض دي بنتك أنتي.
ابتسمت ليان في امتنان فتحرك أحمد مغادرًا تاركًا ليان تتمازح مع ريان بضرورة صراخة في طاقم العمل كي يرهبهم ويجبرهم على احضار طفلتها إلى أحضانها في الحال....
تابع من هنا: جميع فصول رواية رواية احفاد الجارحي بقلم آية محمد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا