رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل السابع والعشرون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل السابع والعشرون
بذات المساء...وقف وجيه واضعاً أحد يديه في جيب بنطاله بثقة وهو يقف مستقيمًا أمام المسبح الخاص بحديقة القصر "قصر الزيان"
كانت ابتسامة تطل على شفتيه من وقت لآخر وهو شارداً....ثم سار بخطوات هادئة وبطيئة...يفكر
كأنه وفى بوعد لقلبه بوصالها...كأنه تعهد أن يجدها...ولكن ما يؤرق مضجعه ذلك الذي فعلته...الخداع !!
كأنه غض البصر عن الحقيقة ؟! وتغافل عن أنها كذبت والقت بمكرها حول عنقه كالأفعى...أخذ تنهيدة حارة من رئتيه بحيرة حتى أتى إليه خادمه العجوز وتساءل :-
_ اعملك حاجة تشربها يابني ؟!
وقف وجيه أمام الرجل وقال بلطف :- لأ....مش عايز أشرب حاجة
كاد الرجل أن ينصرف حتى قال وجيه بحيرة :-
_ استنى يا عم نعيم هسألك على حاجة
قال الرجل العجوز :- انا سامعك
أخذ وجيه تنهيدة أخرى وقال بشيء غامض يتمايل بعينيه:-
_ خلاص روح ، الوقت متأخر
رمق العجوز نظرة وجيه المترددة وقال :-
_ وانا موجود في أي وقت حبيت تسألني ،تصبح على خير
ترك العجوز وجيه يقف ناظرا لمياه المسبح وذهب.....
تنهد وجيه بحدة وقال :-
_ حتى لو الوردة اللي عايزها مليانة شوك ، هاخدها ليا ، عارف أنها هتوجعني بس بحبها ومحتاج وجودها جانبي ، يمكن في يوم تتخلى عن شوكها وتختارني !!
***********
باليوم التاليــــــ
لم تقم "للي" من الليل إلا لمامًا...كانت تتململ في نومها كثيرا بيقظة....على بُعد ايام من الآن ستكن أمرأة متزوجة ومن مَن ؟!
من الرجل الوحيد الذي تمنت أن تكن له زوجة!! الذي مكث بقلبها منذ رؤيته لأول مرة !! كيف لا وهو يحمل من الوسامة والهيبة ما حمله الأربع شباب أبناء اشقائه !!
قارنت بينه وبينهم للحظات في عقلها....كان الرابح وليس فقط لأنها تحبه ، بل لأنه اكثرهم وسامة بالفعل....له هيبة مسيطرة تفوق حدودها الطبيعية...تعترف أن أي امرأة ستكن سعيدة بمجرد الحديث معه فكيف بالاقتران به ؟! وكيف لو تحداها كي يقترب ؟!
ابتسمت بخفة وشعرت برجفة طافت بجسدها حتى ارتفع صوت الهاتف الخلوي...اعتدلت للي والتقطت سماعة الهاتف المثبت على المنضدة الخشبية بجانبها...قالت بصوت به شيء من الكسل :- الو ؟
انتبهت لتنهيدة التي تدل أنه يحاول التحكم بنبرته قبل البدء في الحديث...قال بصوت أجش :-
_ ما اتفقناش هنتقابل فين وامتى ؟!!
صمتت وهي تبتلع ريقها بتوتر وارتباك فتابع :-
_ يستحسن نتقابل برا الشركة ، هكون قدام بيتك الساعة ٦م
تساءلت بنبرة متلعثمة :- وليه مش هينفع في الشركه؟!
ادرك أنها خائفة منه...متوجسة ومترقبة من افكاره ، راقه ارتباكها فقال بنبرة اقرب للمكر منها للهدوء :-
_ متخافيش أوي كده !! أنا لما بخطي خطوة فبخطيها وهي من حقي ، احنا هنتكلم في شوية تفاصيل بخصوص الفرح
تفاجئت للي وقالت بصدمة:- أنت هتعمل فرح ؟!!!
ضيق عيناه بتسلية من خوفها وأجاب :- الأمر يرجعلك ، لو عايزة هيتعمل معنديش مشكلة ، انا عارف اللي ليا وعارف اللي عليا
قال جملته الأخيرة بتحدي ، وبقوة ، وبقصد شيء فهمته دون أن يعترف به....قالت وقد حاولت الثبات دون ارتباك :-
_ لما نتقابل هنتكلم في حاجات كتير ، لأن في حاجات أنت ما تعرفيهاش
قال بحدة :- اتمنى أن تأليفك المرادي يكون مقنع عشان مش هصدقه بسهولة...
قالت بإستياء وسخرية :- كنت عارفة أنك هتقول كده !!
ختم المكالمة بجملته الأخيرة :- نتقابل في مطعم (...) ، هتلاقيني قدام بيتك الساعة ٦م
اغلق الخط وحمدت أنه فعل ذلك...التقطت أنفاسها اللاهثة وهي تضع سماعة الهاتف وتتنهد بضيق...يبدو أن مهما قالت لن يصدق !!
**********
استعد الفتيات كعادتهنّ بصباح كل يوم باستثناء رضوى....قالت حميدة متساءلة :-
_ الا الواد مصيلحي مابقتش أشوفه خالص راح فين ؟!
مطت جميلة شفتيها بضيق وقالت :- افتكريلنا حاجة عدلة !!
ضحكت سما بصوتٍ عالِ وقالت :-
_ سمعت أنه سافر يشتغل في مطروح ، قال يعني سابلها الحارة كلها وكده
قالت حميدة وهي تغلق حقيبتها وتنهض :- كده احسن ، وجوده هيجر مشاكل وهو لسانه طويل مش بيسكت
قالت رضوى بوجه يبدو مرهق للغاية :-
_ انا حاسة اني تعبانة ومش قادرة أقف ، مش عارفة هروح الشغل أزاي؟!
توجهت حميدة إليها وحسست على وجنتها وجبينها ثم قالت :-
_ جسمك مش سخن ! ، يمكن شوية صداع بس
جلست رضوى وقالت :- هغيب النهاردة ، أنا مصدعة أوي وراسي تقيلة
قالت سما بقلق :- هجيبلك برشام الصداع اللي باخده من التلاجة ، غيبي النهاردة يا رضوى مش مهم شغل
ذهبت سما لتحضره فقالت جميلة :- هتصل بيكي اطمن عليكي كل شوية
ربتت حميدة على كتف رضوى قائلة :- ما تعمليش حاجة لحد ما نيجي ، هبعتلك سقراط يجيبلك أكل جاهز
اتت سما ووضعت الأقراص بجانب رضوى وقالت :-
_ خلي بالك من نفسك لحد ما نرجع يابت يا رضوى
اومأت رضوى بالإيجاب حتى خرج الفتيات من غرفة السطوح ....
تمددت رضوى على الفراش وغطت في نوم عميق من الارهاق والمرض...
********
**بالمكتب**
دلف الفتيات للمكتب لتجد حميدة أن يوسف أخذ مقعدها وانهمك في تسجيل بعض البيانات على الحاسوب فتوجهت له بابتسامة بينما ذهب الفتاتان الآخران لمكاتبهنّ....
قالت حميدة بمشاكسة :- ده شغلي على فكرة !!
نظر لها يوسف بابتسامة واسعة وقال :- أنا تقريبًا خلصت ، قلت اريحك شوية واريح عنيكي من الكتابة على اللاب...
تطلعت به بمحبة ثم سحبت عيناها بخجل حتى نظر اليها قائلا بضحكة :-
_ اوعي تكوني فطرتي هزعل منك ، هنفطر مع بعض
اجابت لتغيظه :- فطرت
انكمش حاجبيه بتذمر وقال بتصميم :- مش مهم ، هتفطري تاني معايا ، ده انا خلصت الشغل مخصوص بدري عشان اخطف وقت اتكلم معاكي يا عمري شوية...
قالت حميدة بابتسامة رغم أن نبرتها محذرة :- انا قلتلك خلي كل الكلام لبعد كده ولا أنت مش عايز تسمعني ؟!
نظر اليها بنظرة سريعة ماكرة وقال :- لا طبعاً عايز اسمعك أوي ، ماشي هصبر بس ده مش معناه انك مش هتفطري معايا ده أنا بستناكي مخصوص عشان تفتحي نفسي...
قالت بمرح :- لو على الفطار سهلة
قال يوسف بابتسامة خبيثة :- نخلي كل الكلام لوقته ماشي ..
*********
كادت جميلة أن تنفجر ضحكا وهي ترى جاسر يضع رأسه بين يديه على المكتب ويغط في سُباتٍ عميق...قالت وهي تخبط على كتفه بخفة :-
_جـاسر ؟!!
اكثر ما اضحكها تلك الابتسامة البلهاء على محياه وكأنه يرى حلما يروقه...فتح جاسر عيناه ببطء وكسل عندما انتبه لهتافها ثم فرد ذراعيه بتثاؤب وقال مبتسما :- بتصحيني ليـــه بس !!
قالت بابتسامة ساخرة :- صح النوم أنت في الشغل يا استاذ مش جاي تنام ؟!!
تنهد جاسر بابتسامة شاردة كسولة وقال بمكر وهو يتطلع بها :-
_ كنتي سيبيني اكمل الحلم ده يا مزعجة ، أما حتت حلم
جلست جميلة واجابت :- معلش ، فوق كده عشان نبدأ شغل
نهض جاسر وهو يرمقها بنظرات ماكرة ، توجه اليها ووقف أمامها للحظات صامتًا حتى رفعت نظرها اليه متساءلة بتعجب :- واقف كده ليه ؟!
قال بابتسامة ماكرة وهو يعقد ساعديه امام صدره :-
_ يارب تكوني زي ما شوفتك في الحلم يا كوكو ، كنتي كيوت لدرجة الاستهبال ، حاجة كده شبه الايس كريم بالچلي وانا مش عايز اوضح بقى
رمقته بحدة وهتفت :- شكلك لسه ما فوقتش
قال مدافعا :- انا كنت بحلم ؟! هو حد مسؤول عن احلامه كمان ؟!
قالت ساخرة :- اضغاث احلام معلش
اجاب ببسمة متمتما :- يارب تجيلي كل يوم الاضغاث دي ، دي مش اضغاث دي مشاعري المحبوسة
قالت مستفسرة:- بتقول ايه ؟!!
رمقها بغيظ وقال :- اقول ايه هو أنا قادر انطق ؟! ربنا على المفتري
قالت وهي ترمق ملف متابعة المواقع :- روح طس وشك بشوية مية وفوق كده عشان نشتغل
قال بعصبية رغم صوته الخافت:- من جود مورنينج بيبي لطس وشك بشوية مية !! تنطسي أنتي في قسوتك يا جاحدة..
*******
**بمكتب آسر**
تظاهر آسر بأنشغاله في التصميم الذي اعد بالأمس....جلست سما بالقرب تتفحص بعض الأوراق وتسجل أشياء أخرى على الحاسوب....
سقط القلم من يدها رغماً وتدحرج لجانب حذائه...نظر آسر للقلم بالاسفل وجثا ليتقطه بينما اخفضت سما رأسها لتأخذها بأصطدم رأسيهما ببعضهما وتأوهت لثوانِ....كان شكلها مضحكا بعض الشيء فابتسم آسر بالتدريج حتى تحولت ابتسامته لضحكة....رمقته بغيظ وهي تعتدل بجلستها مجددًا وهتفت وهي تتحسس رأسها :-
_ ده ايه الفرحة دي ؟!
وضع القلم أمامها وقال بضحكة عالية :- في واحدة تتخبط وبدل ما تقول آه تقول اوهوو ؟!! مش عايزاني اضحك أزاي ؟!
ضحك مرة أخرى بقوة...لأول مرة ترى ضحكته بهذا الشكل...ابتسمت بالتدريج حتى اخفت ابتسامتها عندما بدأ يلاحظ....
تحكم بتصرفاته وقال بثبات :- على فكرة أسعد هيخلص المشروع اللي متفقين عليه وهيمشي
حملقت سما بذهول وقالت :- هتمشيه برضو ؟! حرام عليك تقطع عيش حد !!
رمقها بغيظ وقال :- هو اللي طلب يمشي من نفسه مش أنا اللي مشيته !! مكنتش فاكر أنك هتزعلي للدرجادي !
تنفست الصعداء ثم قالت :- كنت هزعل لو مشي بسببي انما طالما هو اللي طلب خلاص براحته..
اراحته اجابتها وقال ببسمة ماكرة :- يمكن زعل لما زعقتيله امبارح عشان قالك يا سما من غير أي رسميات !! يمكن اتعشم من طريقتك..
نهضت سما بعصبية ووقفت أمامه هاتفة:- تقصد إيه ؟!
يعني إيه اتعشم من طريقتي ؟! خلي بالك من كلامك لأن معناه مش حلو
أجاب بثبات:- يعني مكانش المفروض حتى تبتسميله وهو بيكلمك ولا توقفي معاه من أصله لأي سبب
تأجج الغضب بداخلها وصاحت :- أنت بتفكر أزاي ؟! أنا عاملته بذوق لا اكتر ولا اقل واكيد مش هيعاملني باحترام وازعقله من غير سبب واعامله وحش !! الطريقة اللي بتتكلم عنها دي هي اللي أنت عايزني اتعامل بيها مش عشان هي الصح !!
هتف هو الآخر بعصبية :- آه لازم تتعاملي كده مع الكل..هو ده اللي هيريحني
ضيقت عيناها بدهشة وقالت :- يريحك ؟! وأنا ليه المفروض اعمل اللي يريحك ؟! انا بتعامل معاك في حدود شغلي اكتر من كده مش مطلوب مني حاجة
زم آسر شفتيه بغضب كالبركان وود لو هتف بإعتراف أنه يعشقها ، هي ملكه فقط ، ابتسامتها ، نظراتها ، ضحكاتها ، تخصه فقط ولكنه مقيد بقيد الماضي....قال :-
_ ما تحاوليش تضايقيني بتصرفاتك تاني ، أنا مش بحسب ردود افعالي وانا عصبي ، وكمان مش غلط لما انصحك ماتنسيش انك بتشتغلي معايا واعتبرتك مسؤولة مني
قالت سما بحيرة :- تفتكر أنا لو اشتغلت مع حد تاني هيعاملني كده زيك ؟ هو كل اللي بيشتغلوا بيتعاملوا زيي كده ؟!
اجاب آسر وهو يخفي عينيه عنها :- محدش هيعاملك زيي ، وبعدين انا مش هسمحلك اصلا تشتغلي مع حد غيري...
استاءت من ثقته بنفسه وهتفت بغضب حقيقي دون تظاهر :-
_ انا حاسة أني في سجن مش في شغل ، متعودتش أن حد يعاملني كده ، ولو فضلت تعاملني كده همشي...أنا مش مجبورة استمر !!
استدار لها بعين تطاير غضبها وتوجه لها مقتربا حتى جلست على المقعد منكمشة بداخله بخوف من عيناه فصاح بغضب :-
_ بقى مافيش أي حاجة تخليكي تفضلي هنا ؟!
ادمعت عينيها وهي تنظر له وقالت :- ما تزعقليش كده
ابتعد متوتر من نظراتها الباكية واعتذر بنظرات هربت لجهة أخرى :- خلاص بطلي عياط...
نظرت له بألم وحيرة....لأي مدى ستصل قسوته في الحديث ، واذ كان يحبها لما يأبى الاعتراف ؟! واذا كان لا يحب لما كل هذه الغيرة المشتعلة بعينيه ؟!!
تنهدت تنهيدة حارة خرجت بثقل من انفاسها ولا تعلم أين ستذهب بها الأيام مع هذا الغامض الغاضب دائمًا...
********
انتظر رعد مجيء رضوى حتى مل الانتظار....خرج من المكتب وبيده حقيبة الكاميرا وقال ليوسف بالخارج :-
_ أنا ورايا شغل برا يا يوسف وهرجع بليل
اومأ له يوسف بالموافقة ثم انشغل مع حميدة بالعمل مرة أخرى....رمق رعد حنيدة بتعجب فإذ كانت موجودة لماذا لم تظهر رضوى معها ؟!
قال بتردد :- هي رضوى فين يا آنسة حميدة ؟!
رفعت حميدة نظرتها اليه وأجابت بضيق :-
_ تعبانة شوية مقدرتش تيجي النهاردة ، كنت لسه هبعتلك يوسف يقولك
امتقع وجه رعد بإستياء وخرج من المكتب بعدما بدا متوترا ومتلعثما ومرتبكاً.....قال يوسف بابتسامة لحميدة :-
_ حميدو حميدو ....قولي يوسف كده تاني...بس قوليها برقة من بتاعتك
ضيقت عينيها بابتسامة حاولت أن تخفيها :-
_ وأنا من امتى عاملتك برقة ؟!
قال بغمزة خبيثة :- لما اعترفنا لبعض ، اجمل مرة قولتي فيها اسمي ، انا مابحبش اسمي اصلا غير لما بسمعه منك أنتي....
قالت ساخرة :- اومال انت بتقولي يا حميدو لحد دلوقتي ليه ؟!
قال بنبرة قريبة للهمس :- لأ ده في الشغل بس ، لكن لما نكون لوحدنا بعد كده مش هقولك يا حميدة حتى
قالت بارتباك وخجل :- اومال هتقولي ايه ؟!
ابتسم متسليا بارتباكها واحمرار وجنتيها :- هقولك ياروح قلب يوسف...ينفع؟
نظرت حميدة للحاسوب برجفة الحياء من نظراته الماكرة ثم قالت بتعجب :- ساعات بستغرب كنت مخبي المكر ده فين ؟!
مرر انامله على رأسه شعره شديد السواد بضحكة وقال :- ده نفحة بسيطة بس ، انا خبيث أوي على فكرة بس مدكن....
كتمت ضحكتها وحاولت التظاهر بالثبات والجدية ليقل بابتسامة:-
_خلينا في الشغل لحد ما نكتب حتى الكتاب مش عايز مشاعري تتهور ابوس ايدك
نظرت له بثقة وقالت :- على اساس أني هسماحلك ؟!! لا ده أنت ما تعرفنيش لما بتعصب
قال بابتسامة :- وانا كمان مش هسمح لنفسي بس يعني الانسان ضعيف وكده بس أنا على وضعي ثابت حتى كتب الكتاب....
هزت رأسها بنفي وقالت لتغيظه :- وانت الصادق لحد ما ادخل بيتك قبل كده ما تحلمش حتى...
ضحك بضحكة عالية :- ياستي أنا موااافق طالما في الآخر هتبقي معايا على طول... انا بحب التشويق
انفجر ضحكا عندما رأى عينيها التي تحولت للخوف وهي ترمقه....
********
**بغرفة السطوح**
انتبهت رضوى وهي ممددة على الفراش لصوت شيء يدفع من النافذة...نظرت بنصف عين للنافذة فلاحظت احجار صغيرة وكأن أحد يُلقيها!! اعتدلت في فراشها وظلت لدقيقة تنظر امامها ببعض التيهة ثم ارتدت حجابها سريعا ونظرت بحذر من النافذة فرأت رعد وهو يلقي بمشبك خشبي خاص بالملابس بعدما نفذت الاحجار معه....اصطدم المشبك برأسها فصرخت بتأوه :- ااااه دمااغي
اتسعت عين رعد بصدمة وقال سريعا :- ااااسف ، والله ما اقصد
فركت رضوى موضع الصدمة برأسها بألم وقالت بضيق :- انت مش المفروض في الشغل ؟!!
رفع هاتفه لها وقال :- هكلمك فون مش هعرف اكلمك كده وصوتنا عالي ، افتحي تليفونك عشان مقفول..
نظرت رضوى للهاتف الذي تركته على الشاحن الكهربائي بعدما نفذت طاقته....توجهت اليه ودقيقة وكان الهاتف يُضاء ويستعد لأستقبال الاتصالات.....تلقت الاتصال من رقمه واجابت بصوت ظهر كسولا متعبا :-
_ ايوة عايز ايه ؟!
ظهر بصوته بعض العصبية وقال :- يعني أنا سايب شغلي في الاستديو وسايب شغل المكتب وجيت هنا عشان اطمن عليكي وفي الآخر تكلميني بالشكل ده ؟!!
قالت بتعجب :- اكلمك أزاي طيب ؟! وبعدين أنا كنت نايمة وانت صحيتني وانا بتعصب من الحركة دي !
ابتسم رعد من ثقل لسانها بحرف "الراء" بجملتها وقال :-
_ انا أسف مرة تانية ، عاملة ايه دلوقتي طمنيني ؟
قالت بصدق :- دماغي بتوجعني اوي ، وحاسة أني داخلة على دور برد جامد لأن حرارتي عليت ...
قال بضيق وقلق :- هجيبلك دكتور واجيلك دلوقتي
رفضت رضوى بشدة وقالت :- لا لا ما تعملش كده ، ماينفعش تيجي هنا وانا لوحدي ،ده برد مش بموت يعني!!
قال وقد المته جملتها :- بعد الشر عليكي يا رضوى ، بس انا مش هعرف اروح شغلي واسيبك كده ، فيها ايه لو جبتلك دكتور ؟!
قالت وقد تسللت ابتسامة على شفتيها :-
_ انا خدت مسكن وهبقى كويسة ما تقلقش ، روح شغلك
قال برفض :- لأ مش رايح ، انا اعتذرت اصلا ، يأما توافقي اجيبلك دكتور واجيلك يأما تيجي معايا اوديكي للدكتور بنفسي ..
قالت بحدة :- لا كده ينفع ولا كده ينفع...ماينفعش اخرج معاك وانت غريب عني ولا ينفع تجيلي وأنا لوحدي مايصحش
هتفت رعد بعصبية :- هو انا هاكلك ؟! ده انا عايز اطمن عليكي !! دي غلطتي أني سيبت كل حاجة وجيتلك ؟!
قالت بنبرة اظهرت العتاب :- انا بكلمك وانا مش قادرة اتكلم اصلا وانت عمال تزعقلي !! ينفع كده ؟!
قال بصدق :- لا ما ينفعش ، بس مش قادر اسيبك كده واقف عاجز مش قادر اعمل حاجة !!
قالت بهدوء :- هبقى كويسة بعد شوية
قال بتنهيدة وضيق :- خلاص هقفل معاكي بس كل شوية هتصل بيكي اطمن عليكي ، سيبي الشباك مفتوح ولو احتاجتي حاجة انا هنا...ماتنسيش...انا هنا جانبك
ابتسمت بشعور قوي بالطمأنينة وقالت :- خلاص ماشي ...
انتهى الاتصال ليضع رعد الهاتف بجانبه بابتسامة وقال :- هتعصبيني في مرة لحد ما تخليني اتجوزك غصب عنك وتبطلي تقوليلي غريب عني
جلست رضوى على الفراش مرة أخرى وتاهت بالفكر شاردة....لم تترك قلبها دون أن تتأكد انه يريدها بصدق ، ترتعب كلما تخيلت انها ممكن أن تكن مجرد نزوة يمر بها ، وتذكرت صديقة قديمة لها مرت بذات التجربة فقالت :-
_ لأ مش هسيب نفسي واحبه ، مش عايزة ابقى زي منال صحبتي ، كده احسن ، خليني بعيد احسنلي
*********
اتت الساعة السادسة مساء....
وقفت للي أمام المرآة تنظر لمظهرها جيدًا....عقارب الساعة تبدو بطيئة في حركتها !! نظرت لعينيها الكحيلة بعناية ولمظهرها التي أخذت كثيرا من الوقت حتى استقرت على ذلك الرداء الانثوي....فستان طويل محتشما من اللون الفيروزي...يشبه ذلك الرداء الذي ارتدته بسهرة باريسية معه ذات يوم...وحذاء بكعب عالي ولكنها يبدو مهما ارتدت من علو فلن تصل حتى لكتفيه !!
التفتت أمام المرآة لتنظر لنفسها من جميع الجهات...قالت بقلق :-
_ فاضل دقايق وتيجي الساعة ٦ ، متوترة أوي كده ليه ؟!
مرت الدقائق وهي ترتب ما ستضعه بحقيبتها الصغيرة المطرزة برقة...الرداء عليها يجعلها تشبه عروس البحر...لو كانت تدري مدى انوثتها ما كانت سترتدي مثل هذا الرداء المحتشم المغري بذات الوقت...
انتبهت لرنين هاتفها فادركت أنه هو ، ركضت للهاتف وتلعثمت عندما رأت رقمه..اجابت بخجل :- الو؟
قال وجيه بثبات :- انا قدام بيتك...مستنيكي
قالت بتوتر :- دقايق وهكون قدامك
انتهى الاتصال وهي تلتقط أنفاسها...لم تتعجب في معرفته لعنوان منزلها فقد اخبرها سابقاً انه علم عنها كل شيء...
*******
وقف سقراط بالتوكتوك بالقرب من بنايتها وقال بتعجب :-
_ يا ترى للي مجاتش النهاردة المحل ليه ؟ لازم اطمن عليها ده واجب برضو...كويس أنها قالت قدامي العنوان وهي بتتكلم مع البت اختي...
استعد سقراط للخروج من التوكتوك حتى وجدها تخرج بطلتها الرائعة من المبنى السكني وتتوجه إلى أحد السيارات...
كاد أن يذهب اليها حتى ظهر رجل ضخم الهيئة يقف خارج السيارة المتوجهة هي اليها...قال سقراط بغيظ :-
_ اكيد هو ده اللي ما يتسمى ، هموته ضرب ، هشرب من صفايح دمه وافضيهالك ، هملاها جاز واولع في اهله
دخل التوكتوك مرة أخرى وراقب من بعيد....
********
تأخرت لدقائق فخرج من سيارته ولكنه توقف فجأة عندما رأها ، طلتها فاتنة كعادتها ولكنها تبدو الآن اكثر فتنة ، هذا الرداء كان سيبدو متواضعا لو كان لإمرأة أخرى ولكن معها الأمر مختلف...حتى بابسط الأشياء فتنتها وانوثتها تتحدث صارخة...ما كان عليه أن يقابل تلك الفاتنة التي تسحق ثباته كرجل...
حاول أن يتجاهل اقترابها اليه بابتسامتها الواضحة بعينيها...
مابها تبتسم وكأنها ستذهب معه لسهرة غرامية وليس اتفاق على صفقة زواج !!
اتأمل اكثر من ذلك ؟ الم يكن هو يتمنى أكثر من ذلك ؟!!
تنهد بضيق من نفسه ومن قلبه ومشاعره التواقة إليها بشوق مجنون...ولعناقها بدفء حنون...ولقبلة على رأسها ثم ....
هتف بغضب لنفسه سرا...ما هذا الذي سرح به؟!!
وقفت أمامه تنظر له بتعجب من شروده ، تحكم بنفسه قليلا وقال :- اتأخرتي دقايق...يلا بينا
جلست بجانبه وهي تخفي ابتسامتها ، لم يغفل عنها نظرته المعجبة ، ذات الابتسامة بعينيه ، ذات الحنان وذات الدفء فيه ، تمنت أن يكن ظنها بمحله وأن يكن صادقاً....
********
بأحد المطاعم الكبرى....قد تم حجز طاولة بأحد الزوايا الخاصة لشخصين...أشار النادل إلى الطاولة بتهذيب وابتسامة رسمية فتوجه وجيه ومعه للي اليها....قالت مستفسرة عن سر هذا الترحيب الخاص به بالمكان فقال :-
_ انا جيت هنا كتير ،كلهم عارفني تقريبًا
ظهر عبوس على ملامحها وضاقت من جملته فلاحظ ذلك بتسلية ، قالت بتردد وشيء قوي يريد معرفة من كانت معه بالطائرة:-
_ اكيد مع البنت اللي شوفتها معاك في الطيارة ، جميلة فعلا ، حاجة غريبة أنك ما ارتبطش بيها ، كان باين انكم منسجمين على الآخر...
ابتسم ابتسامة ماكرة وراقه عصبيتها الواضحة فقال :- دي اخت صديق ليا ، رجعت مصر لأن الدكتور بتاعها كان هنا واتفقت معاه تعمل العملية هنا في مصر ، بالنسبة لموضوع منسجمين فهي بالنسبالي اختي الصغيرة لو كنتي مضايقة!!
قالت وقد ارتاحت واطمأنت لمعرفتها الحقيقة :- لا ابداً وهضايق ليه ؟!
تابع بنظرة عميقة ماكرة :- طريقتك اللي قالت كده ، انصحك ما تفكريش بالطريقة دي لأنك هتقابلي كتير ، مش معقول هتتعاملي بالعصبية دي مع كل واحدة تقرب مني أو اكون عارفها !!
رمقته بانفعال وقالت :-
_ يعني ايه تقرب منك أو تكون عارفها ؟! انت ناسي أني هبقى مراتك والمفروض تحترمني ؟! ولا من ضمن خطة انتقامك أنت تهنيني قدام الناس ؟!
ضيق عيناه بغضب وقال :- انا عمري ما هينت واحدة ولا هسمح لنفسي أني اعمل كده وبالذات لو كانت مراتي ، خطة انتقامي منك ليها حسابات تانية ما تقلقيش
قال ذلك ببعض الخبث بنظرته فنظرت بجهة أخرى متجنبة تطلعه بها والتسلية بعيناه...انتبهت فجأة لصوت تعرفه :-
_ أنت بتزعقلها كده ليه يا طويل أنت ؟!
استدارت للي بصدمة لسقراط بينما ضيق وجيه عينيه بدهشة واستهزاء لذلك الصبي الذي ينظر له بحدة قال متسائلا :-
_ وانت مين بقى أن شاء الله ؟!
اجاب سقراط بثقة :- أنا خطيب للي...لوليتا
اتسعت عين للي بذهول والتجم صوتها من الدهشة ، رفع وجيه حاجبيه وهو ينظر له بسخرية وقال :- شكلك مجنون !!
قالت للي اخيرا :- جيت هنا أزاي يا سقراط ؟!
نظر لها وجيه بدهشة وقال :- انتي تعرفيه ؟! سقراط مين ده ؟! سقراط الحكيم ؟!
سخر سقراط وقال :- لأ سقراط خطيبها...ها ايه تاني ؟
نهض وجيه من مقعده ونظر لسقراط وبدأ الغضب يظهر عليه فوقفت للي تمنعه قائلة:- استني يا وجيه ده اخو حميدة خطيبة يوسف ، هو بس بيخاف عليا ومايعرفكش
نفض سقراط يديه وكأنه سيبدا الشجار وقال :- لا سبيه ، أنا مستعد للمواجهة...اللي هيكسب هيتجوزك يا جلاشة
نظر وجيه له بصمت حتى جر من ياقة قميصه وقال بتحذير :-
_ مش همد ايدي على عيل صغير لسانه طويل ، يلا ارجع بيتكوا عشان المدرسة وبلاش جلاشة دي عشان انا عصبي
رفع سقراط نظرته اليه وقال بتهديد :- سيب قفايا لو سمحت ، انا مش حملك ولا طولك وهتروح فيا في داهية..
تركه وجيه بنفاذ صبر وقال له بعصبية :-
_ لولا أنك عيل صغير كان زمان ليا تصرف تاني
نفض سقراط يديه مرة أخرى واعترض بصياح :- طولك وعضلاتك دي مش هتنفعك ، واجهني يا وجيه
نهض وجيه بعصبية فقال سقراط للي وهو يهم بالركض:-
_ هستناكي في التوكتوك برا يا للي ، انتي هتتجوزي غضنفر ده أزاي ؟!
ركض من امام وجيه سريعاً ، صمتت للي للحظات حتى جلس وجيه ممتقع الوجه فانفجرت من الضحك فجأة....
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا