رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثامن والعشرون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثامن والعشرون
لم تستطع لجم ضحكاتها وشعور المرح الذي انتابها فجأة وهي ترى سقراط يركض متوجهاً للخارج بخوف...سيظل الطفل طفلا حتى ينعم بالرجولة..
تطلع بها بنظرات عصبية ، وغيظ مفرط ، وتأمل ضحكتها التي اوضحت لمعات عينيها واحمرار وجنتيها بشدة...قال بنبرة قصد فيها الحدة:-
_ هتفضلي تضحكي كده كتير ؟! أنتي فرحانة باللي حصل ده ؟! أزاي تخلي طفل زي ده يعاملك كده ؟!
تحكمت بنفسها وهي تبتلع ريقها كي تستعيد رزانتها واجابت بهدوء :-
_ أولًا أنا ما خليتهوش يعاملني كده...هو اللي بقى كده لوحده ، تاني حاجة أنت بنفسك قلت طفل...ده مراهق يعني برضو لسه طفل وأي تصرف عنيف معاه بيرجع بنتيجة عكسية....كنت بفهمه بهدوء أن كل اللي بيحسه هو حاجة مؤقته وطبيعية في سنه الصغير ده...
قال بصوت اوضح بنبرته الاتهام :-
_ عجبك أني غيرت صح؟! لعلمك دي مش غيرة
قالت بتحدي وهي تبتسم سرا :- اومال ايه ؟!
ارجع ظهره للخلف واستند بظهره على المقعد...قصد الهدوء وسيلة كي يخبرها أنها أقل مما تظنه بنفسها
أضاف وجيه وأرادف:- تحذير...تقدري تعتبريه تحذير....زي ما أنتي بتطلبي أني احترمك على الأقل قدام الناس فده حقي اللي المفروض تعمليه مش غير ما اطلبه...أنا مش هسمحلك تتصرفي أي تصرف يحرجني قدام حد..
وجدت للي أنه الوقت المناسب كي تخبره الحقيقة...يظن ما يظن...يصدق أو يُكذب...فسيأتي يوم وتولد الحقيقة أمام عينيه...
تطلعت بعينيه للحظات لتستشف منهما حالته الحاضرة ومدى تقبله للاستماع...قالت مباشرةٌ:- ممكن تسمعني...في شيء مهم لازم تعرفه...يمكن أهم شيء لازم تعرفه عني..
اكثر ما قلق منه بهذا الوقت هو ميل قلبه إليها...ميله لرؤيتها ،وللنظر لعينيها ،ولسماع صوتها حتى لو كان مجرد صوت الأنفاس ، لطرفات أهدابها الناعسة...لحضورها القوي أمامه ،وسطوة أنوثتها على مقاومته كرجل...كرجل يريدها ويشتاق ، وكعاشق يريدها ويجن لعشقها تواق...إذا وافق سيفتح الباب لخداعها ، وإذا رفض سيبخل على قلبه بالأمل في الوصال...
القرار...الصمت
صمت وكانت هذه الإجابة لرجل عاشق يتريث بالخطوات...حتى لا يُطعن من نصل حديثها مجددًا....أخذت جولة تأمل وترقب لتعابير عينيه الحائرة ، أرادت أن يوافق حتى لو كان موافقته بها الغضب ثائر...ستقتنص الفرصة...ولكن القدر أراد بتر حديثها بمجيء النادل...انتظر النادل اختياراتهم في قائمة الطعام...أشار وجيه إليها كي تختار شيء فأعتذرت بوجوم...نظرة عين غاضبة منه كانت كفيلة أن تغير مجرى رفضها فرفعت القائمة أمام عينيها ،ترى اللاشيء...الكلمات غائبة عن رؤيتها...
اختارت رقم من القائمة بشكل عشوائي...حتى أنها لا تعرف هذه النوعية من الطعام...ابتعد النادل بعد أخذ الطلب لينتظر وجيه حديثها وقال:-
_ تقدري تكملي...بس ما تطلبيش أني اصدقك
أسدلت جفنيها للأسفل...كأنه اغلق الباب بوجهها قبل الدخول !! ربما لابد أن تُقرع !! تلعثمت قبل حتى أن تبدأ الحديث !
فبدأت بإبتلاع ريقها ببعض القلق ثم قالت بنبرة متوترة:-
_ مش هتكلم عن أول مرة اتقابلنا..هتكلم لما اتقابلنا في فرنسا...لا أنت كنت عارف أنك هتشوفني ولا أنا كمان كنت عارفة أني هشوفك...اللي حصل أن______
*******
بالمكتب....
وقف يوسف يرمقها بشوق وهي تحمل حقيبتها وتستعد للعودة إلى المنزل...وضعت حميدة هاتفها بالحقيبة الخاصة بها ثم وقفت أمامه وتجنبت نظرته لها فقالت بجدية:-
_ نكمل الشغل اللي فاضل من النهاردة بكرة أن شاء الله...
قال وقد فاض العشق بقلبه :- محتاج أقولك بحبك...محتاج أقولهالك بطريقتي...هو لازم استنى لحد الفرح عشان اتكلم وأقول كل اللي عايزه ؟
ابتسمت بخجل شديد جعل وجنتيها كحبات الكرز...قالت وعينيها تتهرب من نظرته العميقة بعينيها:-
_ مين قالك يا يوسف أني مش عايزة اسمع ؟! أنت ما تعرفش أنت بالنسبالي إيه...كل الحكاية أني مؤمنة أن كل شيء بآوان ، كل كلمة لازم تتقال في وقتها الصح عشان نحس بحلاوتها ، عشان الكلمة الحلوة ما تتعكرش بالخوف...الخوف من اللي جاي...ومن الظروف
اقترب يوسف خطوة بسيطة إليها...خطوة كي يخصها بالحديث فقط...قال بهمس رقيق ومثير بآنٍ واحد :-
_ عندك حق ، كلمة بحبك لازم بعدها اخدك في حضني..وطبعاً ده مستحيل دلوقتي...
رمقته بنظرة تحذيرية فقال وقد اتسعت ابتسامته :-
_ خلاص بقى هنلتزم بالقوانين ، ما تزعليش مني
هزت رأسها بابتسامة خجولة وقالت :- مش بعرف أزعل منك أصلًا
ضيق عيناه بمكر وابتسامة متراقصة على شفتيه حتى خرجت جميلة من مكتبها وخرج جاسر خلفها ويبدو على نظراته الغيظ....أشار لجميلة وقال :-
_ خدي المفاتيح دي خليها معاكي عشان لو جيتي قبلي المكتب
أخذت جميلة المفاتيح منه وقالت باستفسار :- مفاتيح إيه دي ؟!
قال جاسر بسخرية :- مفاتيح قلبي ودقاته
نظر يوسف لجميدة وكتموا ضحكاتهم حتى قالت جميلة بنظرة ساخرة :- هعمل بيهم ايه ؟! اسلقلهم بضتين ؟!
نظر جاسر ليوسف الذي على وشك الانفجار من الضحك وقال بغيظ :-
_ جاري تحميل الضحكة....خدي المفاتيح دي عشان ورايا حاجة مهمة لازم اعملها وهتأخرني بكرة على ما أجي..
قالت جميلة بحدة وعصبية:- وراك إيه أن شاء الله ؟!
صمت جاسر وهو ينظر لهم بإستياء فكررت جميلة سؤالها بعصبية وأجاب جاسر بثقة وهو يضع يديه بجيوب بنطاله :-
_ ورايا غسيل...لازم افسر يعني ؟!
ضحكت جميلة رغما عنها وشاركها يوسف وحميدة في ذلك فقال جاسر بغيظ وعصبية من ضحكاتها وسخريتها :- ولا يهمني...
أشار يوسف لحميدة بنظرة فهمتها فخرجت من المكتب وانتظرت أمام المصعد فخلفها يوسف للخارج....قال جاسر بنظرة ماكرة وابتسامة:-
_ بقولك ايه ما تيجي تساعديني ده أنا يتيم وماليش حد....أن شاء الله اصعب عليكي...
رفعت حاجبيها بسخرية وقالت :- يا شيخ ؟!
هز رأسه مؤكد وتابع :- ايوة...عنيا رغرغت بالدموع وانا بكلمك مخدتيش بالك ؟
تابعت بذات السخرية:- آه خدت طبعا...الدمعة كانت هتفر يا عيني
قال بتأثر مصطنع :- عارفة ولاد عمامي دول...أنا اللي شايل مسؤوليتهم زي ولادي...طول عمري شايل المسؤولية لوحدي...
كتمت جميلة ضحكتها وهي ترى آسر يقف مدهوشا بما يسمعه وقد خرج من مكتبه منذ ثواني...قال آسر ذهول:-
_ يخربيتك ده أنا صدقتك !!
استدار جاسر بنظرة تحذير لآسر من التفوه بشيء عن ماضيه...قال آسر بغيظ:- مسؤولية ايه ؟! هو غسيل الهدوم بقى مسؤولية ؟! طب ما أنا بنضف الشقة ؟
خرجت سما من المكتب بنظرات حادة لآسر ويبدو أنه اغضبها في شيء ،مرت من أمامهم للخارج وتبعتها جميلة....
تساءل جاسر بشك :- شكلها عكيت في كلامك كالعادة ؟!
انسحبت نظرة آسر لباب الخروج ورمقها وهي تتجاهله بنظرة بعيدة عنه وأجاب بضيق :- ماتديش الموضوع اكبر من حجمه ، دي مجرد سكرتيرة والشغل مافيهوش طبطبة...
اجاب جاسر بتعجب:- هو حد قالك طبطب ؟! بس كمان ماتبقاش قليل الذوق في تصرفاتك وبعدين انا اصلا بتكلم على أنها سكرتيرة ولا أنت ليك رأي تاني ؟!
رمقها جاسر بمكر وبعض الشك فتلعثم آسر قائلًا :-
_ لا رأي تاني ولا تالت...ماتتكلمش في الموضوع ده تاني
قال جاسر بعتاب وفهم تجنبه لهذا الأمر :- على فكرة المفروض تعتذر لحميدة ،المفروض انها بقت خطيبة يوسف وهتبقى مراته قريب ، اكيد يوسف مش هيقولك كده مباشرة بس أنا متأكد أنه زعلان..
اومأ آسر رأسه بموافقة فقال :- هعتذرلها رغم أنها برضو نرفزتني ، بس هعتذرلها عشان خاطر يوسف ، أنا مش بحب أشوفه زعلان مني...ولا بحب أشوفه زعلان أصلا...
ابتسم جاسر بصدق وقال :- يوسف تحسه اخوك وصاحبك وابنك في نفس الوقت...
قال آسر بتردد:- وساعات بحسه أبويا كمان
امتقع وجه جاسر وتبدل للضيق والألم...يبدو أن هذا الأمر الذي لم يستطع تجاوزه للآن...قال آسر معتذرا:-
_ أنا أسف.يا جاسر...بس لازم____
هتف جاسر بغضب :- أنا مابحبش اتكلم في الموضوع ده وكلكم عارفين...
صمت آسر معنفاً نفسه حتى عاد يوسف ناظرا لهما بشك وتساءل:- مالكوا عاملين كده ؟!
لم يجيب احدا بل ابتعد جاسر ودلف لمكتبه صافقاً الباب خلفه بقوة وزاد وجه آسر ضيق....قال يوسف بقلق :- ايه اللي عصب جاسر كده ؟!
أجاب آسر بإستياء :- الموضوع إياه طبعاً ، مكنش قصدي بس الكلام جاب بعضه وجت سيرة عمي الله يرحمه...كان لازم أخد بالي واكون حذر اكار من كده...
ظل يوسف صامتاً لبرهة ثم قال بثبات :- لأ....انت مش غلط ، الموضوع ده لازم جاسر ينساه قبل ما يبدأ حياة جديدة ويبني أسرة ليه...ماينفعش يفضل متعقد منه ويخليه الشماعة اللي يعلق عليها كل حاجة غلط بيعملها...
قال آسر بزفرة حارة وعبوس :- اللي لاحظته أنه خايف خطيبته تعرف حاجة عن ماضيه ، بس ده ممكن يعمل مصيبة لو اكتشفت الحقيقة بعدين أو هو رجع للي كان بيعرفهم...انا مش مصدق أنه حتى لو اتجوز هيستقيم !!
يوسف بقلق :- ربنا يستر ، انا بتمنى أنه ينسى اللي فات ويكمل حياته بإحترام مع انسانة بتحبه وهتصونه....
شعر آسر وكأن الحديث موجه له فضجت عيناه من الهم وذهب من أمام يوسف دون إجابة....
**********
كانت تتحدث وتتحدث...تنظر إليـه تارة...وتارة أخرى تتيه بعينيها للبعيد...ماذا تقول ؟! ما تقوله كاد أن يؤدي بعقله للجنون...اكانت ستغتصب ؟!!! أم هذه خدعة جديدة ؟!
عيناه ككومة الاخشاب المتقدة بلهيب جعلها كتل من الفحم الأسود....قاطعها بغضب لم يستطع كبته وقال:-
_ لو فاكرة أنك بكده هتقدري تكسبيني تبقي غلطانة....أنتي ليه بتعملي فيا كده ؟!
قالت للي مؤكدة :- لأن دي الحقيقة ، أنا مش عارفة اثبتلك أزاي بس خايفة أقولك أسأل سها صاحبتي متصدقنيش ، معنديش دليل غيرها
قال ساخرا بعينان تبصق غضب :- لأنك عارفة أني مش هقدر اوصل لأي شيء لأن اللي حصل...حصل في فرنسا وده لو كان حصل فعلًا...موضوع زي ده حتى لو حقيقة فمش سهل اتأكد منه وأعرف حقيقته...
اغمضت عيناها لدقيقة بيأس ثم قالت :-
_ كنت عارفة أنك مش هتصدقني بسهولة..لكن اللي متأكدة منه أنك مضحكتش عليا لما طلبت تتقدملي أول مرة...بدليل أنك خلتني اجيلك بنفسي وعرضت عليا الجواز....لو انا في نظرك مستهترة وكدابة أو مش أقل من العاهرات زي ما قلت قبل كده...ليه طلبت تتجوزني؟!! ليه مش عايز تعترف أنك بتحبني ؟! ليـه نسيت احساسك وافتكرت بس تنتقم ؟! ليـه_____
قاطعها بنبرة خرجت من شفتيه بتحذير وهتف:-
_ ما تحاوليش تبرأي نفسك قدامي قبل ما اتأكد بنفسي...على ما اتأكد من صدق كلامك للأسف هاخد وقت لأن الموضوع ده طالما وصل للشرطة الفرنسية مش سهل أن أي حد خصوصا لو من جنسية تانية يوصل لأي معلومة فيه...وأنا مش عارف هقدر أثق في اللي هسأله أزاي عشان يتأكدلي ؟! الموضوع ده يمسني شخصيًا وماينفعش يتقال لحد غريب..
نظرت له بألم...تمنت أن تنكشف الحقيقة ويعود إليها حبيب الأمس....قالت:-
_ على ما تعرف الحقيقة بتمنى كمان تأجل انتقامك مني...ما تقساش عليا
تحرك عصب فكيه بعصبية جاهد كي يلجمها....أخرج من سترته علبة صغيرة مزينة...فتحها بحركة سريعة ورفع منها خاتم من الالماس الزيتي المائل للأصفرار.....
تحركت عينيه على نظراته المتهربة من عينيها....احياناً تشعر أن القسوة لا يعرف منها سوى كلمات تُقال أوقات الغضب فقط...يبدو على الخاتم أنه يقدر بثروة هائلة...الرجل ما يقدم شيء بهذا الثمن إلا لو كان يهمه الأمر...المهم في ذلك أنه لا يعتبر هذه الزيجة مؤقته....
اشار لها لتقرب يديها ففعلت ذلك ببطء....وضع الخاتم بأصبعها وقال :-
_ الأسورة بتاعته هتجهز بعد كام يوم...شبكتك....مبروك عليكي
نظرت للخاتم بأصبعها بتمعن...رغم أنه بدا رائعاً بيديها ولكنها لم تكترث كثيرا له وقالت بشرود :-
_ دايمًا كنت بعتبر الجواز اتنين عايزين يكملوا مع بعض...حابين كده...تحت أي ظروف...تعرف يا وجيه...بالنسبالي كنت اتمنى أنك تكون انسان عادي بس فرحتك بيا تكون ظاهرة وحياتنا نبدأها بسعادة....انا مش محتاجة فلوس واقدر اجيب كل حاجة عايزاها بسهولة...ورغم كده مقدرتش احس بلحظة سعادة...
أجاب بمرارة :- مافرقش عنك كتير...يمكن اكتر منك...كل حياتي وشغلي والورث اللي ورثته ابا عن جد....ماحسسنيش لحظة بالراحة...كل يوم كان بيجي...كان بيجيب وجع ووحدة...كان بيجيب هم وعمر على عمري ، بياخد مني اللي كان نفسي الاقيه...
تساءلت بلهفة :- ايه اللي كان نفسك تلاقيه ؟
ترقبت اجابته بشغف...ويبدو أن الاجابة كانت ثقيلة حد الصمت الذي انتابه فجأة....يأست من اجابته فنظرت لرجفة يديها بضيق حتى تفاجئت بقوله...:-
_ الحب...مافيش انسان مش محتاج للحب..مش محتاج يتحب...مافيش حد مش بيحلم بمكان فاضي وبعيد عن الجميع الا الناس اللي بيحبهم...من غيرهم هيبقى الهدوء ده فوضى وشيء مزعج...أي حاجة من غير الناس اللي بنحبهم هيبقى ناقصها كل حاجة...
ابتسمت بحذر وقالت بهمس:- وايه كمان ؟ عايزة اسمعك
رمقها بشك للحظات...استند بمرفقيه على الطاولة وقال بمكر:-
_ ممكن اطلب منك طلب ؟
وافقت قائلة ببعض التوجس:- قول
لما رفت بسمة خفيفة ماكرة على ثغره...كأنه يضمر شيء بخاطره ويروق له؟! قال بنظرة خبيثة:- يوم كتب الكتاب...البسي الفستان اللي شوفتك بيه يوم حفلة الفندق في فرنسا...مش هنكر أنه كان يجنن عليكي
ارتبكت بخجل وانسحبت عينيها لجهة أخرى بحياء...قال هذه الجملة بنبرة جعلتها ترتجف...صوته كالصفحات تروي بكل كلمة قصة عشق تنتظر الاعتراف....
*******
وقفت رضوى مختبأة بقرب النافذة وراقبت رعد وهو يحاول رؤيتها بين الحين والآخر...ابتسمت بمرح وهي ترى زفرته الغاضبة وتمتمته بعصبية....تسللت سما إليها ببطء ثم هتفت فجأة :- ررررررررضوى مستخبية ليه ؟
استدارت رضوى بفزع إليها وكادت أن تسقط من المفاجئة...جذبتها للبعيد بغيظ وقالت :- ياغبية وطي صوتك...هستخبى ليه يعني ؟!
نظرت سما للنافذة ثم الى رضوى وقالت مبتسمة بخبث :-
_ شكلها السنارة غمزت يابت ، طب مش تقوليلي عشان افيدك ؟!
اجابت رضوى بسخرية:- طب اتنيلي على خيبتك ، سنارة ايه ياختي أنا كنت هقفل الشباك وبستخبى من الهوا عشان عندي برد وكده
هزت سما رأسها بضحكة :- ايوة ما انا عارفة أن الهوا السبب وربنا عارفة هههههه
لكمتها رضوى بغيظ على ذراعها وقالت لتبدل مجرى الحديث :-
_ حميدة وجميلة فين؟!
سما :- بيجيبوا اكل ، ماهما عارفين انك تعبانة واكيد ما عملتيش أكل
نهضت سما قائلة :- هروح اغير هدومي....روحي استخبي تاني عشان الهوا كان بيبص من شوية
ركضت سما ضاحكة بعدما القت رضوى احد الوسائد بوجهها...ترددت في النهوض ولكنها تحركت متوجهة إلى النافذة بحذر....تسحبت إليها ثم نظرت بخفاء لتجد رعد يقف متأففا بعصبية وعاد للداخل مجددا...ابتسمت بتسلية واستغلت ذهابه حتى تغلق النافذة حتى ظهر امامها وهو يضيق عينيه بغيظ وقال :-
_ بتصل بيكي مش بتردي ومش باينة خالص وكنت قلقان عليكي
توترت رضوى وهي تجيب ويديها على باب النافذة الخشبي :-
_ كنت...نايمة
هدأ بعض الشيء وتساءل :- عاملة ايه دلوقتي ؟
اجابت بإختصار :- كويسة...
اغلقت النافذة سريعاً من الارتباك ليقل بغيظ وعصبية :-
_ أنا حمار باربع قرون عشان حبيتك ، مش لسانك اللي فيه لدغة ده قلبك اللي مضروب بالشبشب ،اتجوزك بس والله لأخليكي تحلمي بيا..
********
اجتمع الفتيات بعد تناول طعام العشاء بالغرفة المشتركة بينهنّ....قالت سما بتعجب:- هو احنا مش هنقول للشباب أن للي تبقى هي عروسة عمهم ؟!
اجابت حميدة:- هي طلبت بنفسها مايعرفوش حاجة ، يوم كتب الكتاب نبقى نقولهم اننا اتفاجئنا زيهم وخلاص وعادي يعني صدفة وبتحصل !
جميلة بحيرة :-
_ طب هيبقى كتب كتاب بس ولا فرح كمان ؟
قالت رضوى بعدما سعلت :- هي قالت انها هتتجوز يوم الجمعة ، يبقى كتب كتاب وفرح ، ممكن تبقى حفلة عائلية كده وزغروطين وخلاص ، ماتنسيش أنها اتجوزت قبل كده
سما باعتراض:- وايه يعني ؟! ده حقها !
حميدة بتفهم :- اكيد حقها بس جميلة تقصد أنها مش هتحب يتعمل فرح كبير وكده...غالبًا ده بيحصل لأي واحدة بتتجوز لتاني مرة...
سما بغيظ :- اشمعنى؟!!
تدخلت جميلة واجابت :- لأن اللي بتطلق وتيجي تتجوز تاني مش بيهما المظاهر بتاعت أول مرة...بيهمها بس الشخص لأنها بتكون اتعلمت من تجربتها الأولى وعرفت أن الجواز مش فستان أبيض وزيطة وخلاص..الجواز اتنين يأما يعرفوا يبقوا كيان واحد يأما يفضلوا منفصلين نفسيا وفكريا حتى لو كملوا مع بعض...
تساءلت رضوى بحيرة :- يعني هو لازم نتجوز اكتر من مرة عشان نتعلم ونختار صح ؟!!
حميدة بهدوء:- وليه ما نتعلمش من اخطاء غيرنا ؟! ليه مانفكرش في الخطوة دي مليون مرة قبل ما نغلط مرة واحدة؟!...ربنا ادالنا عقل نفكر بيه ،وادالنا لسان نسأل ونستشير بيه ، وادالنا قلب نفرح بيه لو كانت الفرحة تستاهل...عمر القلب مابيفرح لو شاكك في فرحته..
تاهت رضوى بالفكر للحظات ثم قالت بألم :-
_ افتكرت منال صاحبتي....فضلت خايفة ومش عارفة تفكر وفضل يقربلها عشان تحبه ، حلف أنه صادق !! بنالها وهم كبير وعيشها فيه لحد ما فاقت منه على خيانة...كانت خلاص بقت زوجة وام كمان...وفجأة اعترفلها أنه عمره ما حبها...هي بس كانت صعبة عليه ، عجبته اللعبة واتحدى فيها نفسه وطلع وهو كسبان غروره...بعد ما كسرها ، خلاها ازاز مكسور هتأذي أي حد هيحاول يقربلها سواء هو أو غيره...كسر جواها الآمان
نظرت لها جميلة بوخزة خوف ، بلمسة من النيران الراكدة تنتظر النفث فيها...لتقل حميدة بتوضيح :-
_ منال ما فكرتش كتير ، ما سألتش حد ، ماحطتش مصطلح ممكن جواها ، صدقت أنه اتغير عشانها وماصبرتش عشان تتأكد...وافقت بسرعة عشان حبته...قلبها خرس أي صوت جواها بيقولها فكري قبل ما تقرري...
نهضت جميلة بتوتر واضح بعينيها وقالت :-
_ هقوم اخد دش بسرعة قبل ما انام...
راقبها الثلاثي وهي تبتعد لتقل سما بغيظ :- اكيد خافت من كلامكم
قالت حميدة بقلق :- جميلة حبيته ، وانا خايفة عليها ، انا اقصد كل كلمة قلتها ، جاسر مش سهل زي ما انتوا فاكرين ، ده عرف بنات مالهمش عدد ، عارف يدخل أزاي لأي واحدة...اتمنى يكون اتغير عشانها بس لازم تنتبه منه كويس قبل ما الفاس تقع في الراس وجميلة لو اتجرحت عمرها ما هتنسى أبداً...
********
مرت الأيام حتى أتى يوم الجمعة....
اجتمع بمنزل *للي" بعض المعارف إليها....وبعض من اقارب وجيه وكان من ضمنهم أبناء اشقائه....
اجتمع الفتيات بغرفة للي بعدما تم عقد القران وتعالت الزراغيد...وقفت للي أمام المرآة تتفقد زينتها لتقل سما :-
_ تعالي بقى نخرج ليهم اكيد بيسألوا علينا...احنا هنكمل السهرة في القصر صح ؟
اجابت حميدة:- لأ ، الحفلة هتكون عائلية وهنا ، يوسف قالي كده لأنهم مش عايزين يدخلوا القصر غير لما السنة تخلص زي ما قالوا لعمهم
تساءلت رضوى بتعجب:- كان ممكن تعملي حفلة كبيرة يا لولو وكنا هيصنالك
ابتسمت للي وهي ترتدي ذلك الرداء الذي اختاره لهذه المناسبة سابقاّ واجابت:-
_ مش بحب الدوشة يا رضوى ، كفاية عليا الناس اللي معايا وأعرفهم....أنا مابحبش الدوشة...النهاردة بداية حياتي معاه
ربتت جميلة على يدها قائلة بحنان :-
_ ربنا يسعدكم يارب ويبعد عنكم الشر....
دوت زغرودة من فم سما وحميدة عندما دلف سقراط للغرفة وقال ل"للي" بشيء من الابتسامة الممزوجة بالعتاب:-
_ فلتي مني المرادي بس لو جبتي بنت هتبقى عروستي ماشي يا جلاشة؟
ضحكت للي بصوتٍ منخفض واجابت :- ماشي اتفقنا بس اتشطر أنت في المدرسة وانجح ومالكش دعوة...
لكمته حميدة قائلة:- يلا يا لمض خد للي في ايدك كده ووصلها لعريسها...
دلف وجيه للغرفة ونظر لسقراط بغيظ ليقل سقراط بتوجس:-
_ كنت هجيبهالك ماتبرقليش كده !! خدها اهيه مش عايزها
أشار سقراط ل "للي" وقال :- الف مبروك يا جلاااااشة
ركض سريعا وهو يضحك وكأنه نال من وجيه فانفجر الجميع ضحكا دون أن يدرك احدهما السبب الحقيقي لمعاملة وجيه لهذا الصبي...لم تخبر للي احدا بتلك المقابلة التي اعتبرتها كوميدية بينهما...
غمزت حميدة للفتيات للخروج...
خرج الفتيات وتركوهم بمفردهما لبعض الوقت....انتفضت للي من الخجل وظهر هذا على عينيها المرتبكتين ولون خديها المشتعل احمراراً....
نظرا إليها بتمعن...أصبحت زوجته !! دقائق وستكن بمنزله !!
لا عصيان في أي شيء بعد الآن...
جذبها إليه فجأة...أصبحت قريبة للغاية...اناملها على صدره...وجهها قريبًا قرب خطر من عينيه....يديه تحاوط خصرها بقبضة قوية ، تملّكية ، خطرة على ثباتها....انتفضت بين يديه وكأنها عروس عذراء لأول مرة تتزوج !!
وأن كان جسدها فقد ذلك بزواج سابق ولكن قلبها بالعذرية باق...
انفاسه كانت تلفح وجهها وهو يقترب لجبهتها....قبلة رقيقة على جبهتها ، راقية في شعورها ، تتوج هذه الليلة بالمحبة والتقدير...همس بدفء :- الف مبروك
لشد ما خجلت وهي ترفع نظرتها إليه ، لترى تحديقه بها بدقة...حتى ضيق عينيه على شفتيها بشوق....تساءلت بلهفة:- بتحبني ؟
نظر اليها بغموض للحظات ثم أجاب :- لما أعرف واتأكد من الحقيقة هقولك
نظرت له بعتاب وقالت :- يبقى لما تعرف وتتأكد من الحقيقة ابقى____
قطعت جملتها بخجل وحرج فهزها من كتفيها بغضب بعدما فهم ما ترمي اليه :- أنتي فاكرة ايه ؟ فاكرة أنك هتقدري تتحكمي فيا ؟! فاكرة أنك هتتشرطي عليا ؟! ماتنسيش انك دلوقتي مراتي !!
قالت بنفي والدموع تتلألأ بعينيها :-
_ مش بتشرط ولا بتحكم ، بس أنت مش فاهمني ، أنا مش عايزة يحصلي زي زمان ، ماتبقاش زيه...
هز بعنف مرة أخرى وهتف :- بطلي بقى كلام عليه ومش عايز اسمع عنه اي حاجة انا مش زي حد !! القرار ده قراري انا وبس...ده حقي وانا مش بتنازل عن حقوقي...
ابتعدت عنه تفاديًا لعنفه حتى جرها من معصم يدها إلى صدره مجدداً ثم......
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا