رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الحادى والثلاثون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الحادى والثلاثون
خرجت حميدة من المكتب وانفجرت من الضحك قائلة :-
_ حلاوتك يا سمكة ده انتي هتخليه يخبط دماغه في الحيط...
ضغطت على زر الاتصال وهي تكتم ضحكتها بالكاد...
**بغرفة السطوح**
كانت سما ممددة على الفراش بأعين دامعة.....تضع احتمالات كثيرة لردة فعلـه...غير واثقة تمامـا أنه سيغضب اشتياقـاً بل توجست أن يتقبل الأمر بلامبالاة...يتقبل الغياب !!
الأكثر ألم هو تقبل الغياب بين الأحباب...تقبل الفرقة والهجر حتى لو مؤقتاً
تنهدت بالم يشق صدرها من ثقله....تأففت من هذا الركود الذي يجعل افكارها تعصف بجميع الاتجاهات فنهضت لتشغل نفسهـا بأي شيء...قررت تنظيف المكـان...
كادت أن تخرج من الغرفة حتى انتبهت لرنين هاتفـها...توجهت إليـه بخطوات كسولة حتى تفاجئت أن المتصل "حميدة"
ابتلعت ريقها وفكرها يتخبط بين الأمل وفقدانه...أجابت سريعاً :- الو؟
احبت حميدة التلاعب بالحديث قليلًا فقالت بخبث :-
_ عاملة إيـه دلوقتي يا سمكة ؟
الهدوء التي تتحدث به حميدة لا يبدو أنه سيريح قلبهـا وأن ما تنتظر سماعه قد حدث...أجابت بيأس :- كويسة
غمغمت حميدة بشيء لم تستطع سما كنّه أو الانتباه لـه فتساءلت :-
_ مش سامعة...بتقولي إيـه ؟!
ابتسمت حميدة بمرح وأجابت:- خايفة عليكي تيجي بكرة والله
تعجبت سمـا ودق قلبها بتوتر هائل...قالت بتلعثم :-
_ ليـه حصل إيه ؟! طردني ؟!
قالت حميدة بضحكة :- بصراحة اللي يشوفه يقول كده بس هو اتعصب أوي عشان ما اتصلتيش بيه وعرفتيه أنك هتغيبي....اتعصب زيادة عن اللزوم بصراحة..
اطرفت سما بظل ابتسامة وقالت بلهفة :- طب وده معناه إيه ؟
قالت حميدة بصدق وهي تجلس على مقعدها امام المكتب :-
_ بيقول أن في حاجة من ناحيته...حسيت كده ، أنا بقولك كده عشان عارفة نفسيتك عاملة أزاي بس ده يخليكي تبدأي تتقلي بقى وتعرفيه أنك مش سهلة...
قالت سما بحيرة :- طب اعمل إيه دلوقتي ؟! اتصل بيه ولا أطنش ؟
صمتت حميدة للحظات ثم قالت :-
_ سبيه النهاردة وكده كده بكرة شبكتي ومش جاية الشغل أصلًا ، اعتبري نفسك اجازة معايا ولو كلمك في الخطوبة أبقى اعتذري بس بطريقة جد أوي...ماتحسسيهوش انك مهتمة..
ضيقت سما عينيها بابتسامة خبيثة وشعرت برغبة عارمة بالقفز فرحا فقالت :- فهمتك يا حميدة يا عسل ، مش هكلمه خالص خالص ،وهعمل كل اللي هتقوليلي عليه بس قولتيله سبب غيابي إيه ؟
اجابت حميدة بضحكة :- ماقولتش عشان احيره شوية ، لما يسألك قوليله أنك كنتي مضايقة شوية ومخنوقة من الشغل لدرجة أنك فكرتي تقدمي استقالتك...خوفيه عشان يبطل يعلي صوته عليكي
سما بسخرية :- ما انا عملت كده من كام يوم وفعلًا بقى كويس يومين ورجع أسوء من الاول....أنـا بس لو أعرف اللي بيضايقه مني مش هعمله..
حميدة بدهشة :- لازم يكون ليكي شخصية معاه أكتر من كده يا سمكة ماينفعش آمين كده في كل حاجة !! عمومـا لما ارجع من الشغل لينا كلام تاني....هسيبك دلوقتي بقى مع السلامة...
اغلقت حميدة الهاتف بابتسامة وقد تأكدت من ضحكة سما أنـها كانت تتلهف لسماع ما حدث....غريب أمر الحب !!
وضعت سمـا الهاتف من يدها وفعلت من رغبته وقفزت ضاحكة....هو الآن يشتعل غيظاً للغياب...عادت لتنظيف المكان بهمة عاليـة وابتسامة لم تهجر ملامحها...
***********
**بمكتب جاسر**
يوم بعد يوم تتحول هذه الفتاة لأكثر جمالًا بعينيه....لا يعرف لمَ يراها الأفضل ؟!
ربما لأنها ترى نفسها هكذا....
جزء من قيمة الأخرين بأعيننا هو ثقتهم بأنفسهم....
لا يعرف سر هذا الشعور الذي يجعله يبتسم بشوق مجنون عندما يتخيلها بين ذراعيـه !!
تبدو أنوثتها متواضعة....ولكنَّ دفء عينيها عاصف الإغراء..
خرج من شروده عندما لمح ضوء هاتفه يعلن اتصال....رفع الهاتف أمام عينيه ليتفاجئ بأتصال من "توتو" حمد ذلك الحذر الذي جعله يفضل الوضع الصامت للهاتف والا كانت ستلاحظ تردده في الرد!!
نظر اليـها بحيرة وهي تتفحص بعض نتائج المتابعة للمواقع ثم نظر للهاتف...نهض بتوتر وقال :-
_ اطلبلك حاجة تشربيها قبل ما نروح الموقع الجديد ؟
هزت جميلة رأسها بالرفض قائلة :- لأ...لسه شاربة لمون
قال جاسر وهو يفتح باب المكتب :- طب هروح اعمل فنجان قهوة بنفسي...بحب اعمله بطريقة معينة
خرج سريعاً من المكتب فرفعت جميلة رأسها من الأوراق بتعجب...نبرته مرتعشة ومتوترة !! لم تعتاد أن تراه هكذا !!
عادت للأوراق مرة أخرى وتركت هذا الأمر جانبًا فربما توهمت بذلك...
**********
اتجه جاسر للمطبخ ليجد رضوى ترتشف قطرات من كوب ماء ويبدو انها كانت تتحدث مع عامل البوفيه العجوز.....
نظر لهما بضيق ثم قال للرجل :- اعملي قهوة ياعم مرزوق لو سمحت
أومأ الرجل موافقاً برأسـه ثم تركت رضوى المكان وعادت لمكتب رعد...ولم تعطي للأمر اهتمام فالموقف يبدو طبيعياً....
لم يفطن جاسر أن رضوى ربما تخبر جميلة بذلك فتشك الأخرى...قال للرجل العجوز :- ممكن تجيبلي مسكن للصداع من الصيدلية اللي جنب العمارة ياعم مرزوق ؟ وانا هعمل القهوة
وافق الرجل وذهب بعدما اعطى جاسر بعض النقود لـه....تنفس جاسر الصعداء ونظر للممر أمام المطبخ الذي يقع على بُعد مناسب من جميع المكاتب يساعده فأن لا يسمعه احد....نظر للهاتف ليبحث عن آخر مكالمة فائته ثم ضغط على زر الاتصال....
اجابت "توتو" وبدا صوتهـا مرهقاً :- ايوة يا جاسر... مش بترد ليـه ؟!
قال جاسر وشعر بشيء غريب من سماع صوتها بعد هذه المدة من عدم التواصل...أجاب بعجالة :- مش هينفع نتقابل يا توتو الفترة دي
قالت بسخرية :- سمعت أنك هتتجوز...مش كنت تقولي !!
تعجب من المرارة التي تتحدث بعدها وقد غلفتها بالسخرية فقال :-
_ واقولك ليـه ؟! اللي بينا كان مدفوع حقه قبل ما يحصل ، واظن دي شغلتك أنا ماضحكتش عليكي !!
ارتعش صوتها ببكاء وقالت بصدق :-
_ انا محتاجة أشوفك واتكلم معاك يا جاسر...في حاجات كتير لازم تعرفها...وأظن أنت بتقابل كريمان لسه اشمعنى أنا اللي مش عايز تقابلني ؟!
هتف بعصبية :- كاريمان عارفة حدودها ومابتديش لنفسها أهمية أكتر من اللي بديهالها...لكن أنتي وصلتي لدرجة أنك كنتي فكراني ليكي لوحدك...
صاحت بغضب :- ولما أنت توبت وخلاص عايز تستقر ليه بتقابل كاريمان ؟! هو أنت فاكرني متمسكة بيك للدرجادي ؟!! فوق يا جاسر مش أنت لوحدك الشاب الغني الوسيم اللي معاه فلوس والبنات هتموت عليـه !! فيـه زيك كتير ماتقلقش عليـا...أنا مش بكلمك عشان زعلانة انك هتتجوز
تساءل بضيق :- اومال بتتصلي ليـه ؟!
اجهشت توتو بالبكاء قائلة :- أنـا حامل منك....عارفة أنك هتتصدم وممكن ما تصدقنيش ، لكن هي دي الحقيقة....انا اجهضت مرتين منك وماقولتلكش ومكنش الموضوع هاممني اصلًا... بس المرادي الدكتور رفض لأنه اكتشف أني مريضة وممكن الاجهاض يبقى خطر على حياتي وأني ممكن ما اخلفش تاني كمان وده أخف النتايج ....النهاردة بس حسيت أني قذرة وأنت كمان قذر وكل اللي عرفتهم زيك....محدش شاف فيا غير اللي عايزه وبس ولا حد حاول ياخد بإيدي...
يمكن لو حد نصحني كنت فوقت وما اترمتش بين ايدين كل واحد فيكوا شوية....مش عارفة لو جرالـي حاجة هقابل ربنا أزاي وهقوله إيه ؟!
انا ما عملتش حاجة حلوة في حياتي اصلًا استحق عليها الرحمة...
تجمد جاسر مكانه من الصدمـه....حاول استيعاب ما سمعه للتو...فقال بغضب بعدما خُيل له خداعها:-
_ حـامل !! وأنتي فاكرة أن الكدبة الغبية دي هتدخل عليـا ؟! طبعا ده المتوقع منك لما عرفتي أني هتجوز وأنك خلاص مش هيكون ليكي وجود في حياتي...
يمكن لو مكنتيش توتو كنت صدقتك !!
قال هذا الحديث بسخرية لاذعة فأشتد بكائها وقالت :-
_ مش بقولك أني كنت عارفة أنك مش هتصدقني !! صدقني أنا مش عارفة مع مرضي هقدر اكمل الحمل ولا لأ...بس لو في قلبك رحمة تعالى بنفسك ليا وهتتأكد من كلامي...أنا مش عايزة ابني يتقاله زي ما كان بيتقالي ومايعرفلوش أهل...
هتف جاسر بعنف دون أن يدري مدى ارتفاع صوتـه :-
_ أنا مش عايز أعرفك ولا أشوفك تاني أنتي فاهمة ؟!
وكل كلامك ده مايدخلش دماغي ولا هيأثر فيـا ، أنا قرفت منك ومن كل اللي عرفتهم أصلًا ....كفاية كده بقى وسيبيني في حالي
أغلق الهاتف بعدما كادت أن تتحدث ، تنفس بحدة وتوتر فار بعينيه....هل كانت تقول الحقيقة ؟! كيف لعاهرة أن تصدق في القول فهي آلة للمجون وكل ما هو قبيح...استدار ليخرج من المطبخ حتى اتسعت عينيه بوجود جميلة...انتفض قلبه بذعر وهو يترقب نظراتها الثابته عليـه....
منذ دقيقة فقط قد اتت لتستمع إلى حديثه الآخير...ورغم أنه يتضح أنـه يتحدث مع إمرأة ولكن ما قالـه دون دراية أنها تسمعه أرضاها....قالت جميلة مبتسمة :-
_ مكنش قصدي اسمعك...بس أنا مبسوطة باللي سمعتـه
ضيق عينيه بذهول وردد :- مبسوطة ؟!!
هزت رأسها بتأكيد وقالت :- اكيد...لأنك بتحاول تبعد عن كل اللي فات...بس كلامك اوحالي أن علاقاتك مكنتش مجرد____
قاطعها بقلق وصحح ظنها بتوتر :-
_لا ما تخليش دماغك تروح لبعيد يا جميلة...ده...يعني..عادي زي شباب كتير بتعرف بنات بس مش للدرجة اللي في دماغك...
نظرت له قائلة بلطف :- صفحة ولازم تنساها عشان انا كمان انساها ، يلا بقى يا استاذ نروح الموقع
قالتها ببعض المرح فابتسم على مضض...ابتسامة لم تصل لعينيه...حتى لا يثير شكها بينما هو وكأنه وقع من منحدر مرتفع....
***********
**بقصر الزيان**
أخذ وجيه طعام الفطار من خادمه العجوز خارج الغرفة ثم دلف للداخل مرة أخرى....
ابتسمت للي وهي ترقبه يتوجه إليـها والطعام بين يديه فقالت :-
_ هو مافيش حد في القصر غير عم نعيم بس ؟!
وضع وجيه صينية الفطار على الفراش وقـال بلطف :-
_ في بس انا مش بثق في حد غيره ، لكن من النهاردة هخلي واحدة مسؤولة عن طلباتك...ماينفعش حد يطلع هنا حتى لو كان عجوز زي عم نعيم كده...
ابتسم وهو يجلس بقربها وبدأ يطعمها بمهل...مضغت الطعام بابتسامة وقالت :- مش هتاكل ؟!
ابتسم بخبث وأجاب :- خلصي أكل وبعدين اكليني بإيدك
هربت بعينيها من فرط الخجل التي تشعر به من نظراته واحاديثه الماكرة حتى اتسعت عينيها بذهول وقد انتبهت لرداء آخر غير الذي كانت ترتديه قبل الإغماء....حقا لم تنتبه سوى الآن فقد خطفها حديثه وكلماته عن التركيز بأي شيء آخر....كان ينتظر تعليقها على الأمر ولكنه ابتسم بمزيح من المرح والمكر الذي يتمايل بمقلتيه لتقل بحدة :-
_ فستاني راح فين ؟ وأزاي لبست الفستان ده ؟!
أخذ وجيـه كوب العصير الخاص به ثم نهض بنظرات متسلية قائلا بهدوء :- فستانك اديته لبنت بتشتغل في القصر عشان تجففه
تنفست الصعداء وقالت :- هي اللي غيرتلي صح ..اكيد صح
ارتشف كن كوب العصير بابتسامة ماكرة ثم أجاب ببساطة :- لأ مش صح
حملقت للي بذهول....ارتجفت وقد فهمت الاجابة من نظراته الماكرة فأشارت له بتردد قائلة :- تقصد أنك أنت اللي____
هز رأسه بالإيجاب بابتسامة واسعة متسلية بإرتباكها وخجلها وارتشف قطرة أخرى من كوبه بثبات....
نظرت للي للطعام أمـامها وظهر عليها الضيق والاستياء فقال وهو يجلس أمامـها مرة أخرى :-
_ اكيد مستحيل كنت اخلي حد يعمل كده حتى لو بنت ، وبعدين مش معقول بعد ما غرقتي في حمام السباحة كنت اسيبك كده !! هو أنتي ناسية أنك مراتي ولا إيه ؟!!
هزت رأسها بالنفي وهي تنظر للأسفل بخجل شديد واعتلت وجنتيها حمرة شديدة من الخجل....اجابت بتلعثم :- لأ مش ناسية
ثبت نظرته عليـها بابتسامة ماكرة حتى ارتجف ونهضت من الفراش لتذهب من أمامه بأقصى سرعة.....شعرت بقبضته على معصمها عندما كادت أن تركض للشرفة ليجذبها إليـه ببطء...
همس بأذنها قائلا بصوت خفيض وهو يرفع دبوس شعرها الفضى ويتركها مسترسلا على كتفيها بحرية:-
_ خلي شعرك كده...يمكن يداري كسوف عنيكي اللي بعشقه
طالت نظرته بعينيها...نظرة محبة ، صدق ، اشتياق ولهفة...ابتسمت تدريجيًا وقالت :-
_ أجمل حاجة حصلت ما بينـا أننا ما استنيناش أدلة تثبت لكل واحد فينـا أن التاني بريء ، رمينا كل حاجة وراها ضهرنا عشان نبقى مع بعض...لما ببصلك بحس أني راضية عن كل اللي فات والصبر والوجع اللي حسيت بيـه...كفاية عليـا تبقى أنت الهدية بعد الدموع...أنا اتوجعت كتير أوي يا وجيه وعمري ما حسيت أن ليـا ضهر حتى وأهلي موجودين...
تطلعت لدمعة مرت من عينيها لوجنتيها بهدوء فأقترب لعينيها قائلا بحنان :-
_ اعتبريني كل حاجة...يا كل حاجة...
ابتسمت لـه دامعة العينين ليتابع بدفء :-
_ مش عارف ليـه في احساسي غريب في وسط مشاعر كتير بحسها لما ببصلك...بحس أنك بنتي...ليهـا حق السماح جوايـا لو غلطت....ساعات كتير بتمنى لو كنت قابلتك من سنين فاتت وعشت معاكي العمر اللي ضاع مني..
تعلقت برقبته بدلال وقد تحكمت بدموعها قائلة بهمس :-
_ أنت قلت بنفسك قبل كده...كل عمر وليـه دقاتـه ، أنا مكنتش هقبل غير اللي أنـا شيفاه في عنيك دلوقتي...ده اللي مافيش واحدة في الكون ما تتمناهوش...
نظر لعينيها بعمق...سؤال صارخ بعينيه...
والإجابة...علامة الرضا في الصمت والحياء...
ابتسمت بخجل شديد وهي تنظر لجهة أخرى من عينيه المتسائلة بما يربكها بقوة.....
لو كانت الشياطين تزين اللقاء بالرغبة الشيطانية المحرمة...فأن الملائكة تهنأ شرعية اللقاء وترحل بخفة للخصوصية...
امتلأت عينيه بالدفء وهو يقترب حتى انتفضت للي بذعر عندما صدح صوت عيار ناري فجأة بصوتٍ مدوي بالهواء...ابتعدت وهي تضع يدها على اذنيها بصراخ....
استدار وجيه بذهول للشرفة فجذبتها برعب وهي تبكي من الخوف :- اكيد هو...مش هيسيبني وهينفذ تهديده أنـا عارفة
أغلق وجيه باب الشرفة جيدًا ثم ربت على كتفيها بلطف كي تطمئن بعدما اصابتها هيسترية البكاء مرة أخرى....قال :-
_ خليكي هنا على ما أشوف إيه اللي بيحصل...
هتفت برفض وهي تتعلق بيديه :-
_ لأ ما تمشيش خليك هنا ، ده مجرم أنت ماتعرفهوش ، هو عارف أني بخاف من الصوت ده أنا متأكـدة أنه هو...
كبت وجيه موجة غضب شرسة بداخله كي لا يخيفها فقال بثبات :-
_ ما تقلقيش يا للي ، خليكي هنا على ما ارجع ، ما اتخلقش اللي يهدد ولا يمس أي حد يخص وجيـه الزيان...
تركها وخرج من الغرفة وانتبهت أنه يغلق الباب بالمفتاح الخاص به....وقفت تنظر للباب باكيـه بذعر وهي ترتل أدعية كي يحفظ رب العالمين زوجها الحبيب....
*****
صدح صوته وجيـه بإرجاء القصر بعنف حتى تجمع الحرس بخوف من غضبه وثورته هذه....هتف بعنف :-
_ صوت المسدس ده جه منين ؟! وأزاي حد يقرب للقصر ويعمل كده وانتوا موجودين ؟!!
تلعثم قائد الحرس قائلا :- أنا بعتذرلك يا باشا بس الصوت جه من باب الجنينة والخارس بتاع الباب ده خد أجازة النهاردة عشان تعبان وبعت اجيب حد غيره...مش هتحصل تاني
أشار وجيـه بتحذير:-
_ جيب طقم حرس تاني غيركوا ومش عايز مخلوق يقرب للبوابة اللي برا وإلا أنت عارف هيحصلك إيـه...
تأسف الرجل مجددًا وقال :- غلطة ومش هتكرر يا باشا ، واللي عمل كده هجيبه...
انصرف الحرس بعد قليـل ليعود وجيـه لغرفته بالطابق العلوي...
دلف للحجرة ليجد للي تتمدد على الفراش بوضع الجنين وهي تنتفض من البكـاء...أسرع إليـها بقلق ثم أخذها بين ذراعيه ليطفأ نوبة هذا الذعر بدفء قلبـه....ضمهـا بقوة قائلا :-
_ اطمني مافيش حاجة تقلق....الصوت من برا القصر على الطريق ،مايقدرش حد يدخل هنا اصلًا...
قالت وهي تنتفض من الخوف وتتمسك بملابسه بقوة :- أنا مش خايفة على نفسي اد ما خايفة عليك أنت...
سجنها بين ذراعيـه بحماية وقال بتأكيد :-
_ الموضوع ده هينتهي خلال ساعات...اوعدك
ظلت سجينة ذراعيه حتى هدأت تمامًا...تنهد وجيه بشعور شرس بالانتقام من هذا المجرم....تمنى لو يقع بين يديه حتى يشب اظافره بعنقه وينتهي من امره للأبد...
*******
***بموقع العمل ***
كانت جميلة تتحدث وتتساءل عن بعض الأشياء بينما جاسر يقف بين العمال ينظر للفراغ بتيهة...انتهت جميلة من الحديث فرحل رئيس العمال.....تطلعت به باستغراب متساءلة :-
_ جاسر ؟! جـــــاسر ؟!
انتبه جاسر ونظر إليها بتوتر قائلا :- معاكي
قالت وهي تدقق بحيرة نظرته وتردد نبرته وتلعثمه :-
_ أنت مش معايـا خالص !! مالك تايه كده وسرحان ؟!!
هز رأسه بنفي وحاول التظاهر بالمرح فقال :-
_ لأ ابدًا ....كنت بفكر في شوية حاجات كده تخص خطوبة يوسف ومش عارف اجيب هدية إيه ! تعالي اختارلي هدية اقدمها لحميدة خطيبة يوسف انتي اكيد عارفة ذوقهـا...
ابتسمت قائلة :- ده اللي محيرك ؟!! بسيطة...في محل هدايا كبير أعرفه...إيه رأيك نروحلـه ونختار هديـه حلوة كده ؟
قال موافقا بابتسامة :- واختاري لنفسك احلى هدية...أنتي هدية كبيرة أوي يا جميلة...فعلًا كنتي تستاهلي حد احسن وانضف مني..
قالت جميلة بينما سرا احتارت من اسلوبه الغامض بهذا اليوم:-
_ أنت قلتلي أنك عايز تتغير ، وأنا وافقت اكمل على العهد ده...أنت مش وحش يا جاسر بدليل أنك شايف نفسك كده وما انكرتش...أنا هصبر عليك لحد ما تبقى زي ما بتمنى وتقرب لربنـا وتبقى انسان تاني غير اللي كنته في السنين اللي فاتت..
ابتسم بمحبة وقال لأول مرة دون أي مكر بداخله :-
_ خايف أقولك نفسي في ايه دلوقتي تفهميني غلط ، بس أنا متمسك بيكي زي المريض اللي بيموت ونفسه يعيش...أنتي ما تستاهليش أني بس اتغير عشانك...أنتي تستاهلي اعيشلك عمري كله بكل لحظة فيـه أعيشها جانبك...أنتي كبيرة في نظري أوي..
توردت وجنتيها خجلا وابتسمت لثوانِ ثم قالت بتظاهر الثبات :-
_ طب يلا عشان نجيب الهدية ومنتأخرش...
أشار بنظرة حنونة :- يلا بينـا
*****
**بمكتب آسر**
ظل يذرع الغرفة ذهابًا وايابًا بعد تم الغاء اجتماع اليوم لفريق المهندسين....أخرج من مكتبه ملف بيانتها الخاصة ثم دون رقم هاتفـها على هاتفه وأجرى اتصال وهو يزفر بغضب هائل....
تلقت سما اتصال برقم مجهول...نظرت للرقم بتعجب وهي تأكل قطة من "البطيخ " التهمت قطعة قائلة :-
_ رقم مين ده ؟! مش هرد...
القت الهاتف من يديها وعادت للطبق المليء بقطع البطيخ وقالت بشراهة تطل من عينيها :- بطيخة عسل عسل هستفرس بيها قبل ما العيال يجوا...
صدح صوت هاتفها مجددًا فنظرت للهاتف بتأفف وقالت بغيظ :-
_ ده أنت رقم جزمة ، فايقة وباكل بطيخ وانت عمال تيت تيت
فتحت الاتصال وهتفت دون أن تدري ما تتفوه به :-
_ مين الغتت أو الغتته اللي بيتصل دلوقت وانا باكل بطيخ ؟! دي مش غتاته دي حماقة !!
هتف آسر بعصبية :- حماقة !!
اتسعت عين سما بذهول وقالت بتلعثم :- حماقي..
كاد أن يعود للحديث بصياح فأغلقت الخط وهي ترتجف من التوتر...
نظرت للهاتف للحظات لتنفجر من الضحك ثم نظرت للهاتف بثقة وبمكر...قالت وهي تأكل قطعة أخرى من الفاكهة اللذيذة:-
_ ما استحملش غيابي فيمتو ساعتين...ده انت قلبك اتمرمط يا بني...عشان تبقى تتجاهلني في الجاهلية هههههههه
وضع آسر الهاتف من يده بغيظ وعصبية ورغم ذلك شيء بداخل ابتسم لقولها العفوي....هي دائمًا تتصرف بعفوية مع الجميع وتقل كل شيء...
عاود الاتصال بها فنظرت سما للهاتف بتوتر...احتارت من الاجابة أو تجاهله....بعد قليل ارسل لهـا رسالة نصية محتواها يقل...
(تتردلك في الأفراح...استني كام ساعة بس )
تعجبت من الجملة ولم تفهم ما يقصده فقالت :-
_ يقصد ايه بالافراح؟ ثواني كده....خطوبة جميلة بكرة !! يالهوااااي
********
**بمكتب رعد **
ظل يرمقها من وقت لآخر بينما هي تظاهرت أنها تعمل....فكرها يشرد فيما قالـه بتعجب وحيرة...قالت فجأة متساءلة :- انا مستغربة أن في مسابقة تطلب منك الطلب الغريب ده ؟!! لو شغل شركات كنت قلت ممكن عشان الاقامة وكده لكن مسابقة فده غريب شوية...لأ كتير مش شوية !!
قال بغيظ :- مسألتهمش السبب والله...لازم أنفذ الشرط وخلاص من غير اسئلة مش هتجيب نتيجة ، هو احنا دلوقتي في الشرط ولا في العروسة ؟!!
قالت بعصبية :- واشمعنى أنا اللي اخترتني ادورلك على عروسة ؟! أنت بتشتغل واكيد تعرف بنات كتير ليه ما اخترتش واحدة منهم وريحت نفسك !!
رمق تلك اللمعة الحزينة بعينيها فرفق بها قائلا :- لأني واثق فيكي يا رضوى ، أنا عمري ما شغلني أي بنت اشتغلت معايا...
قالت ساخرة رغم المرارة بحلقها :- ليه وحشين مثلا !!
نفى قائلا :-
_ بالعكس...احلى مما تتخيلي...بس مش أنا اللي أحب واحدة بتعري جسمها قدام الجميع عشان شوية فلوس ، اللي بشتغل معاهم مش بتبان في عنيهم لحظة خجل أو حياء وهما لابسين مايوه وبيتصوروا قدام كاميرا....اللي كده مابتغرنيش يا رضوى لأنها متاحة...كل الرجالة اللي حواليها عارفين كل تفاصيل جسمها من كتر ما اتعرت في التصوير ، تفتكري يوم ما اخلى واحدة تشيل اسمي هختار واحدة منهم ؟!! مستحيل
رغم اعجابها بعقلانيته وحديثه ولكنها احتارت فيما يريده فقالت :-
_ اومال أنت عايز ايه ؟!
نهض من مقعده...هناك أحاديث لا تحب المسافات البعيدة....وقف امامها قائلا :- ممكن توقفي دقيقة
رفعت نظرتها إليه بتوتر فتابع بهدوء :- متخافيش
وقفت ببطء وبتردد ونظرت له بارتباك وخجل فقال مبتسما بحنان :-
_ عايزها زي أمي بالضبط ، جمالها كله في حنيتها وهدوئها ، دفا بيخطف القلب من غير مانحس ، أمي مكنتش اجمل ست والدي قابلها في حياته ، كان دايمًا بيقولها أنتي اميرة عمري السمرا ، كان بيحكي عن حبه ليها للكل ، فاكر مرة زعلت منه لشيء معرفش ايه هو ، تعرفي عمل ايه ؟
قالت بتلهف للمعرفة :- عمل ايه ؟
ابتسم بعشق :- خدها غصب عنها وسافروا ، ساب كل حاجة عشانها ، صالحها بطريقته...هو ماحبهاش عشان الأجمل...هو حبها عشان قدرت تاخد كل الاماكن جواه...الزوجة ماينفعش تبقى زوجة وبس هتفشل اكيد....الزوجة أم وصديقة واخت وكل حاجة...عرفتي اخترتك أنتي ليه ؟
نظرت له برجفة فكأنه قصد شيء آخر بجملته الآخيرة...فتمم بتصميم :- أنا مش أقل من والدي في التحدي...ومش ناوي أسافر لوحدي...
ادمعت عينيها وقالت بقصد :- خايفة تتوه مني ومالاقيهاش ، ماتعتمدش عليـا..
قال بثقة ودفء :- أنا واثق فيكي وواثق من اختياري...هتعب شوية ممكن بس في الآخر هتبقى جانبي أنا متأكد...
مسحت عينيها ونظرت له بصمت فهز رأسه بابتسامة مؤكدة...ابتسامة أخبرتها أن تطمئن....
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا