رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثانى والثلاثون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثانى والثلاثون
بالمكتب.....
ظل يوسف جالساً بمكتب آسر يراجع بعض الأوراق الخاصة بالعمـل...رمقه آسر بضيق وحنق وقـال :-
_ روح شغلك يا يوسف ، ماينفعش تسيب شغلك وتاخد شغل حد تـاني !!
تنهد يوسف وهو يضع الأوراق واستغل فرصة الحديث فقـال :-
_ سؤال بقى وتجاوبني بصراحة...أنت بتعاملها كده ليـه ؟!
احتدت نظرات آسر وهو ينهض بعصبية وأجاب :-
_ والمفروض أفرح أن شغلي اتعطل بس اهمال سكرتيرة ؟!
قال يوسف بنظرة مدققة بوجه آسر :- أنت فاهمني كويس وفاهم اقصد إيـه...لو على العطلة فأنت ما اتعطلتش بالعكس أنت اللي عطلت نفسك بنفسك ولغيت اجتماع المهندسين كمان وده تصرف مش منطقي بالمرة !!
إيـه اللي بيحصلك يا آسر وليـه بتعاملها كده طالمـا بتحبها ؟!!
انتفض آسر من مقعده غاضبـًا وصاح مطرقا على مكتبه بقبضة متشنجة من عروق يده :-
_ أنت مش فاهم أنت بتقول إيـه !! الحب ده مش موجود في قاموسي أصلًا...مستحيل أحب..
نهض يوسف من مقعده بثبات وتوجه لآسر الذي تبدل هدوء عينيه لنيران متقدة وكأنه عزم على بدء المشاجرة وقال لــه بهدوء :-
_ مش غلط أنك تحب يا آسر وتعيش حياتك زي ما المفروض تعيشها ، الغلط هو اللي أنت بتعملـه واللي هيضيعها من إيدك...النهاردة غابت بكرة هتمشي بسبب تصرفاتك..
هتف آسر بعنف رغم أن بداخله يئن خوف وألم من فراقها :- أقفل الموضوع ده يا يوسف ومش عايز اسمع فيـه أي كلمة...وإياك تتكلم فيه حتى لو مع خطيبتك..
اومأ يوسف نفيًا وقال :- ما اتكلمتش فيـه خالص مع حميدة...بس أنـا نفسي أشوفك مبسوط ، نفسي تنسى اللي فات لأن مش كل___
هتف آسر بغضب عارم وكأنه مسه شيطان :-
_ ولا كلمة زيـادة يا يوسف...لآخر مرة بحذرك تفتح الموضوع ده قدامي...كانت أكبر غلطة أني قولتلك عليـه..
قال يوسف بنظرات عاتبة :-
_ حقي أني ادور على مصلحتك وراحتك ، أنتوا أخواتي مش بس ولاد عمامـي...سيبني أقولك اللي عايزه المرادي وبعدها مش هتكلم تانـي...البنت بتحبك وبـاين عليـها...في اختلاف كبير يا آسر بينها وبين...والدتك
سخر آسر بمرارة وقـال :-
_ مش اختلاف كبير ولا حاجة ، امي قدرت تقنع أبويا أنها بتحبه والحقيقة أنها اتجبرت تتجوزه...كان دايمًا يقولي كده ، حبها من غير ما يحسب حساب لبكرة....مقدرتش تمثل كتير وظهر بعد أول سنة جواز أنها عمرها ما حبته..وبدأت تصمم على الطلاق وتاخد كل حقوقها واستخدمتني وسيلة ضغط عليـه..وده كلـه لأنه كان غني..
احتج يوسف وقال :- أكبر غلطة عملها عمي أنـه مقدرش يشيل نتيجة اختياره لوحده فشيلك معاه من غير أي ذنب ، صورلك أنهم كلهم كده ، صدقت لأنك كنت صغير وقتها بس لما كبرت كانت الصورة اتحفرت جواك ومش قادر تتخلص منها...مكنش المفروض أبدًا يدخلك في المشاكل دي ولا يخليك تكرهها عشان بدل ما بتستخدمك ضده يستخدمك هو ضدها وتفضل معـاه...
قال آسر بألم يعتصر بمقلتيه :-
_ لأنه كان بيحبها...وهي كانت عارفة كده واستغلت تمسكه بيـها...وده بالضبط اللي بيحصلي دلوقتي.. وبعد اللي شوفته منهم عايزني أحب ؟!! مستحيل...
إيـه اللي يأكدلي أن سما مش بتقربلي عشان غني ؟! أنت مخدتش بالك من أول يوم كانت بتتعامل أزاي ؟! أظن مش معقول تكون حبتني من أول نظرة كده !! واضح أن اللي عجبها حاجة تانية
يوسف بتساؤل :- وليـه لأ ؟! حتى لو كان اعجاب !! بس مش مصدق أنها فكرت بالطريقة دي !! البنات دول عنيهم مليانة مش فارغة...أنت مش بتحاول حتى تعرف أن كانت بتحبك ولا لأ !!
كاد يوسف أن يتحدث ليقاطعه آسر بوجوم :-
_ كفاية كده يا يوسف ، أنت طلبت تتكلم لآخر مرة في الموضوع ده وسمحتلك عشان ننهيه ، لكن مش قادر اتكلم فيـه اكتر من كده وياريت الكلام ده يفضل سر مابينا...
فهم يوسف ما حاول يحذر منه آسر بجملته فأومأ موافقاً وقال :-
_ ربنا يريح بالك يا آسر...بدعيلك من قلبي
جلس آسر أمام مكتبه بصمتٍ مطبق بينما رتب يوسف الأوراق المنتهية الفحص وخرج من المكتب بهدوء...
نظر آسر للفراغ لعدة لحظات ثم عزم على شيء...يبدو جنون ما يفعلـه ولكنه قرار بلا راجعة...
********
مرت الساعات.....عاد الفتيات لغرفة السطوح واستقبلتهم سما بلهفة...سردت حميدة ما حدث بدقة التفاصيل لتصيح ضحكات الفتيات عاليًا....قالت جميلة بضحكة :-
_ ده لما يشوفك في خطوبة حميدة بكرة هيرميكي من الشباك
اعترضت رضوى قائلة :-
_ بالعكس...دي هتكون وحشاه أوي وبتهيألي هينسى كل حاجة وهيحاول يصالحها...يابختك هتغيبي بكرة ، انا وجميلة بس اللي هنروح الشغل
سما وهي ممددة وتضع قدما على قدم بثقة متناهية :-
_ مش قولتلكم هيموت فيـا يا عيال !! واضح أن قلبه بيوجعه ومحتاج حد يدلعه....انا يعني هههههه
ضحك الفتيات عليها فقالت حميدة بابتسامة واسعة :-
_ لا وأنتي بصراحة أهيف من الهيافة....بس أقولك حاجة ،خليكي كده ، اركزي بس شوية لكن خلي جواكي حتت الطفولة دي حلوة أوي..
سما بمكر :-
_ آه عارفة أنك بتحبي الطفولة والأمومة...اللي جابلك يخليلك ياختي...
حميدة بضحكة وسخرية:-
_ مش احسن من دراكولا اللي بتحبيه؟!...يجي إيه في عسل يوسف ولا في طيبته وحنيته...
سما بخبث :- انا ماينفعش معايا غير الحمش ، ده لو قلتله في يوم هروح اجيب كيس سكر من الدكان هيحبسني...
رضوى بتساؤل :- هو في دكاكين جنب القصر ؟!
هزت سما رأسها بتأكيد :- اكيد يا جاهلة ، او يعني أي سوبر ماركو كده في بنزيمه على قمة شارع القصر...
حميدة بدهشة :- بنزيمة وسوبر ماركو ودكان ؟!! ده مش هيحبسك ده مش هيطلعك من البيت لمدد ٥٠ سنة قدام يا عرة العرر
سما بضحكة ماكرة :- انا اصلا مش هطلع هههههه
جميلة بضحكة :- وبعدين كيس سكر ايه اللي هتطلعي تجيبه يا فقرية ؟!
هزت سما كتفيها بثقة :- مش مهم ...هبعت عم عثمان ، اكيد عندهم عم عثمان السفرجي...
ارتفعت ضحكات الفتيات عليها بينما هي تخطط للمستقبل معه على أي وجه الأهم أنها ستكن معه فقط...
*************
باليوم التاليــــ.........
استيقظت للي بكسل وآخر ما تذكرته بالأمس أنـها غفت بين ذراعيه ولم تكتفي بعدة ساعات من النوم بل ظلت طيلة الليل في سُباتٍ عمـيق وكأنها ظلت لأشهر يقظة....
فتحت عينيها ببطء لتجده يستعد للخروج وينثر عطره الرجالي على سترته السوداء الرسمية...راقبته هو يتهيأ للخروج...ابتسمت بمحبة فائقة...مرتب ونظيف لدرجة كبيرة...اعتدلت بفراشها متسائلة :-
_ رايح فين ؟!
وضع وجيـه زجاجة العطر من يده واستدار لهـا بابتسامة لطيفة غزت ملامحه وقال :- هروح الشغل ، حاجة ضروري وراجع ما تقلقيش من حاجة ، في طقم تاني للحرس وصل امبارح بليل وكله تمام...
تمايل شعرها الأسود على ظهرها دون قصد منها ولاحظ ذلك بنظرة دقيقة...نظرة منتبهة لكل حركة أو طرفة عين تصدر منـها....قالت للي بقلق وقد تبدلت ملامحها للخوف :-
_ ماتخرجش يا وجيه...أنا قلقانة عليك مش على نفسي
اقترب إليها حتى جلس على الفراش...أخذها بين ذراعيه بغتةً منـه وضمها بقوة قائلًا :-
_ ما تقلقيش من أي حاجة...بس مكنتش أعرف أنك كسولة كده !!
قال جملته بنبرة مرحة فقالت مبتسمة بتذمر :-
_ عشان نمت كتير يعني ؟! انـا لما بخاف من حاجة أو بتوتر أوي بنام كتير....وممكن أفضل أيام معرفش أنـام خالص...
قال بأذنيها بهمس :- على فكرة....طول الليل فضلت ابصلك وانتي نايمة...
غمر ملامحها الاحمرار وتحاشت النظر لها ابتعد قليلا وقد لمس خده وجنتها في لحظة الابتعاد فارتبكت أكثر...قال مأخوذا ببريق عينيها اللامعة بإغراء :-
_ بحاول أصدق أنك هنا جانبي...ومراتي !!
لأول مرة يمر على قلبها تلك المشاعر العاصفة....ولا تنكر أنها أرادت قربه الآن مثلما يريد هو....فلا خطأ في ذلك فهي زوجته...
ربما لاحظ ذلك بعينيها فأقترب مرة أخرى لأذنيها قائلا ببطء :-
_ مش هتأخر...
التقطت انفاسها بالكاد وقالت بتلعثم :- المفروض اروح للبنات في الحارة عشان خطوبة يوسف النهاردة....المفروض اروح بدري عشان أنا اللي هعملهم الميك أب...
قـال متأملا بملامحها الجميلة :- احنا مش اتفقنا مافيش شغل ! انا مش معترض على شغلك لكن عايز لما ارجع الاقيكي...مش عايزك تتعبي نفسك في حاجة مش محتجالها أصلًا...
قالت مبتسمة :- لأ انا ما غيرتش رأيي ، بس البنات محتاجلي في اليوم ده ، أنـا من نفسي قررت اتفرغ لبيتي وحياتي...
قبّل رأسها بدفء وابتسامة قائلًا :-
_ مافيش مانع....بس استنيني لما ارجع عشان اوصلك بنفسي...
اومأت رأسها بموافقة ثم نهض مودعا بابتسامة....خرج من الغرفة وتركها تبتسم بحياء وهي تترقب خطواته المبتعدة...
********
دقت الساعة العاشرة صباحاً......
انشغلت حميدة بالتجهيزات الخاصة بالخطوبة بينما سمـا كانت تشرد بعض الأحيان فيما ينتظرها...اتت حميدة بغيظ وهتفتت امامها :-
_ يااابت !!! عمالة انادي عليكي بقالي ساعة وانتي ولا هنـا !!
قالت سما بأسف :- مخدتش بالي معلش ، المهم...هي للي مش هتيجي النهاردة ؟!
اجابت حميدة :- انا اتكسفت اتصل بيها واسألها دي يدوب بقالها يومين والمفروض يعني انها في شهر العسل وكده....بس هي اتصلت بيا من شوية واكدت أنها جاية بدري عشان تجهزنا زي المرة اللي فاتت...حتى الفساتين...
ابتسمت سما وقالت :- طب الحمد للـه ، انا بطمن لما بتكون موجودة والله...
جذبتها حميدة من يدها وقالت :- تعالي بقى ساعديني في المطبخ عشان عايزة افضى لنفسي بقى...
ذهبت سما معهـا باتجاه المطبخ لتتلقي بعد لحظات اتصال من رضوى...اجابت بلهفة :- ايوة يارضوى ؟!
قالت رضوى بعجالة :- مجاش لسه ، تقريبـًا خد أجازة هو كمـان !!
اجفلت سما عينيها بحيرة ودهشة.. قالت :-
_ أزاي؟! أنا شيفاه طالع الصبح من البيت !!
رضوى بحيرة :- مش عارفة بس أنتي اكدتي عليا اتصل بيكي واقولك حصل إيه...وروحت اتأكد مالقيتهوش اصلا...بصي انا وجميلة كلها ساعتين وجايين...يلا سلام..
اغلقت رضوى الاتصال ليذهب فكر سما في الشرود مجددًا وبدأت تشعر بشيء غير مريح في اختفائه!!
*********
**بمكتب جاسر**
وضعت جميلة اجندة المتابعة على الطاولة وتطلعت بجاسر الذي كانت عينيه شاردة للبعيد....شاردة بتيهة مريبة...بها شيء من القلق والخوف المترقب...تساءلت :-
_ أنت مخبي عليـا حاجة يا جاسر ؟! شيفاك مش على طبيعتك خالص !!
نظر إليـها وابتلع ريقه بقلق ثم اجاب :-
_ لا أبدًا....بفكر بس أننا هنتجوز بعد أقل من شهرين وانا لسه ما استلمتش ميراثي ، هنعيش مؤقتا في شقة بالايجار وبعد كده هعمل احلى بيت ممكن تتخيليه...
ابتسمت وهي تنهض...جلست بمقعد أمام مكتبه وقالت :-
_ هو ده اللي محيرك ومضايقك أوي كده ؟! انا مش شايفة أن في مشكلة اصلا....بالنسبالي بحب البيت يكون عادي لأن الفخامة الزايدة بتخوفني وبحس انها مش مريحة ، أنت عارف أن الموضوع ده مش شاغلني اصلا !!
قال بنظرة حنونة:- بس ده حقك..
ابتسمت برقة وقالت :-
_ حقي هو أنك تبقى انسان كويس وتتقي ربنا فيـا ، أنا مش عايزة ابقى خايفة منك ولا يفضل بالي مش مرتاح...
قال جاسر بغموض وبعينيه نظرات حزينة :-
_ هو ليـه الانسان يوم ما يجي يتصلح حاله كل غلط اللي فات بيجري وراه ويبقى نقطة سودة ممكن تشوه أي أمل في اللي جاي ؟!
ليـه اللي فات مش بيموت زي ما بيموت جوانـا ؟!
ضيق جميلة عينيها بحيرة وقلق من حديثه الذي يبدو انها القاه دون حرص...قالت بشك :- تقصد إيـه ؟
نهض من مقعده وقد استعاد رشده وقال مصححا :- ولا حاجة ، سؤال جه في دماغي فجأة ، المفروض أنك هترجعي دلوقتي البيت...تعالي اوصلك قبل ما اروح أشوف الموقع...
نظرت له جميلة لبعض الثواني بحيرة فابتسم لها كي يبعد عنها أي شك فنهض وأخذت حقيبتها لترحل معـه...
********
بعد مرور ساعة.....
أمام شقة بمبنى سكني بحي راقي بالقاهرة.....وقف جاسر يضغط على الجرس....مرت لحظات حتى فتحت كاريمان باب شقتها وما أن رأته حتى تعلقت برقبته بدلال وغنج وقح...جذبته للداخل قائلة بضحكة :-
_ وحشتني موت موت ، كنت بتريق على توتو أنها متعلقة بيك للدرجادي ودلوقتي بقيت نسخة منهـا....بس أنـا زعلانة منك
تساءل ببعض الضيق :- ليـه ؟
مرت اناملها على رقبته ببطء وإغراء ثم الى وجهه وشفتيه لتقل هي بصوت ناعم :- المرة اللي فاتت سيبتني ومشيت...افتكرت أني وحشتك بس قلت كلمتين ومشيت....للدرجة دي هونت عليـك ؟!
قال بزفرة حادة وابعد يديها عن صدره وقال :-
_ كان عندي شغل مكنتش فاضي ، المهم أنا عايزك في شيء ضروري
ابتسمت بخبث واقتربت له مججددا قائلة :- إيه هو ؟
ابتلع ريقه وهو يقاوم تلاعب الشيطان بعقله وقال :-
_ هي توتو مريضة ؟ عايز أعرف كل حاجة عنها الفترة دي بس من غير ما حد يعرف أي حاجة....كفاية انك قولتلها أني هتجوز
قالت كاريمان بنظرة ضيقة خبيثة :- هي اللي سألتني وأنا قولتلها أنك خلاص نسيتنا...بس أوامرك يا جاسر ، اللي عايز تعرفه كله هعرفهولك واقولك عليـه...لكن ده ليـه تمن
قال بنفاذ صبر :- اكيد عارف...عايزة كام ؟
اقتربت له بنظرات ماكرة وقالت بغنج :-
_ انا عارفة عنك كل حاجة ، ولما بتنرفز وازعل من حد بقول عنه كل اللي أعرفه لكل اللي حواليه ، ولو مشيت هزعل منك أوي أوي....أنا مش عايزة فلوس...أنت عارف أنا عايزة إيه بالضبط
نظر إليها بذهول...لقد حاول أن يخرج من مأزق فوضع نفسه بمأزق أكبر واخطر.....هذه العاهرة كالشيطان....تريده يقبع بجحر المجون معها مرة أخرى وهو من ظن انه سينقذ نفسه!!....رأت قلقه...فأستغلت ذلك وجذبته لحجرة نومها...لم يستطع أن يعترض
*******
**بقصر الزيان**
مر الوقت ولم يأتي !!.....تصاعد قلقها وخوفها إلى حد الرجفة التي اجتاحت جسدها كلـه....ذرعت غرفتها ذهابًا وايابًا بخوف شديد حتى لم تستطع الانتظار اكثر من ذلك....
بدت خائفة عليه...وغاضبة منه في آنٍ واحد....
انتقت شيء من حقيبة ملابسها وتعمدت ذلك كلافته على غضبها منه ولم تريد أن تستخدم أي شيء بالخزانة الملابس الذي اختارها بنفسه...
رتبت شعرها سريعًا ولمسة بسيطة من مساحيق التجميل ثم هرعت للخارج....
مرت من ردهة القصر دون ان يراها الخدم وخرجت للباب الرئيسي ليعترض طريقها الحرس...قال احدهم :-
_انا أسف بس الباشا محذر محدش يخرج أو يدخل القصر....
قالت للي بحدة :- انت هتمنعني أخرج ؟!! وعلى العموم ممكن حد يجي معايا منكم ...انا رايحة الشركة...
وافق الحارس على مضض وقال :- خلاص ،هوصل حضرتك بنفسي....اتفضلي
جلست للي بأحد السيارة التابعة للقصر وجلس قائد الحرس بالمقعد الأمامي جانب السائق...انطلق السيارة بالطريق بعد ذلك...
********
**بشركة الزيان **
قال الضابط رفعت بغيظ :-
_ كنت مراقب القصر ومجرد ما رجالتي شافوه بيضرب نار مسكوه ، خليته يعترف بنص الحقيقة بس المجنون ضرب نفسه بالنار قبل ما يعترف بالباقي.....مات
تنهد وجيه براحة وقال :- في ستين داهية ، مات الموته اللي يستاهلها ، كفاية اللي عملوه فيها...الحمد لله أنه اعترف باللي عمله الحقير...لو مكنش موت نفسه كنت موته بإيدي...
قال الضابط بضيق :- اللي قاله مش هيفيدني انا كضابط في حاجة...اكيد مرتاح انه اعترف بالشق اللي يهمك بس اللي كان مخبيه اخطر بكتير أوي يا وجيه...طلعته من فرنسا بالسهولة دي مش سهلة ومش أي حد يقدر يعمل كده...
وجيه ببعض الحيرة :- لو حد وراه ممكن يبان الفترة الجاية...وعلى فكرة لو عاش مكنش هيعترف بسهولة واذا اعترف...
قاطعه الضابط قائلا :- كان هيتشكك في قواه العقلية ويطلع في الاخر مجنون ،وهو بصراحة يتشك فعلا في صحته العقلية ،انسان مش طبيعي فعلا...انا شوفت تعابير وشه لما وصلت للمكان اللي رجالتي حبسوه فيه وكان بيصرخ بشكل هستيري...
وجيه بهدوء :- صفحة واتقفلت وخلاص...المهم أني عرفت الحقيقة ، بس البنات اللي محبوسين برا دول عملت فيهم ايه ؟!
اجاب الضابط :- بعتلهم حد من طرفي استجوبهم بوعد انهم لو قالوا الحقيقة هنرجعهم مصر وفعلا قالوا كل حاجة ، وكلامهم كان نفس كلام حسام ....لعبة واتعملت عليك أنت ومراتك...بس ربنا كشف الحقيقة
وجيه بابتسامة :- الحمد لله...الحمد لله جدًا
نهض الضباط قائلا :- طب كده تمام ، لو في أي حاجة كلمني في اي شيء كلمني...
شكره وجيه بشدة وقال :- مش عارف اشكرك أزاي يا رفعت ، انت شيلت حمل كبير من على كتافي....
ربت رفعت على كتفيه بابتسامة ثم انصرف.....
جلس وجيه على مقعده بسعادة وراحة....وكأنه كان ينتظر هذا الشيء ليختم عقله بالمصداقية ويعشقها بكل كيانه....
قرعت السكرتيرة الباب وسمح لها وجيه بالدخول.....قالت برسمية :-
_ مدام للي منتظراك برا
اتسعت عينيها بدهشة فهتف :- وسيباها برا ؟! دخليها فورا
خرجت السكرتيرة سريعاً لتخبر للي بالدخول....
ومثل الزيارة السابقة....كانت بطلة فاتنة....نهض لاستقبالها....
دلفت بخطوات عصبية وملامح غاضبة....تطلعت على مظهرها ببطء وما ترتديه....بنطال من الجينز بلون الثلج يبدوا انثويا عليها بشكل قاتل للمقاومة....معطف صيفي خفيف من اللون الأسود واسفله كنزة صيفية من اللون الوردي بالكاد غطت قليلا الحزام الأسود الرفيع الذي يلتف حول خصرها.....
تطلع بها بنظرة ضيقة لما ترتديه...وتركها تأت اليه بعصبية وهتفت :-
_ ده اللي مش هتتأخر ؟! حرام عليك كنت هتجنن من الخوف ومعرفش جيت هنا ازاي ؟!
شملها بنظرة متفحصة من اخمص قدميها حتى شعرها المسترسل بترتيب حول وجهها...جذبها اليه بحدة قائلا :-
_ ده لبس تخرجي بيه ؟! اظن انا جبتلك لبس شيك جدًا ومقفول عن كده كتير...اللبس ده آخر مرة يتلبس
ارتبكت لقربها منه وقالت بتلعثم :- هو وحش ؟!
نظر اليها نظرة طويلة ثم قال :- بالعكس....بس ملفت أوي...ملفت زيادة عن اللزوم...مُلفت بغباء
ابتسمت بالتدريج وقالت بصدق :- دي غيرة بقى ؟!
ضيق عينيه بغيظ وقال :- ده انتي مبسوطة بقى ؟!
اتسعت ابتسامتها وهزت رأسها بتأكيد قائلة :- بصراحة آه
ابتسم رغما عنه وقال هامسا بمكر :- هسمحلك تلبسيه في البيت بس...
تابع بدفء :-
_ عايز اطمنك أن خلاص اللي كنتي خايفة منه انتهى...اتمسك وبعدها انتحر...
اتسعت عيني للي بتفاجئ....رددت :- انتحر !!
اكد وجيه ذلك فقالت براحة :- مش بحب اشمت في حد ، بس يستحق يتعذب زي ما عذبني ورعبني سنين....انا عايزة انسى الموضوع ده...
قال وجيه بلطف :- قال اللي عمله قبل ما ينتحر..
قالت بابتسامة :- يعني صدقتني ؟
اقترب اليها بابتسامة دافئة :-
_ انا سامحتك مجرد ما دخلتي مكتبي أول مرة ، كنت مستعد اسامحك حتى لو كنتي عملتي كده...مابالك وانتي مظلومة ؟!
ضغط على خصرها هامسا بأذنيها بعشق :-
_ للي...طلبتي مني أقولك بحبك....بس أنا بعشقك....من أول مرة خطفتيني ومعرفتش انساكي....حتى في الطيارة لما نمتي على كتفي من غير ما تحسي...المفروض كنت ساعتها ابعد عنك بس فضلت ابصلك وانا حاسس محدش مبسوط اكتر مني...لما اتقابلنا تالت مرة في المطعم عرفت أن في بينا حكاية ابتدت...انتي كنتي خايفة وجريتي عليا....وانا كنت هتجنن وأشوفك ومن لهفتي جريتي عليكي وسيبت كل حاجة....انا عمري ما حبيت واحدة نص ما حبيتك أنتي...
عمري ما كنت مستعد اسامح حد المفروض أنه أذاني بس سامحتك أنتي وكنت مستعد اصبر عليكي كتير أوي لحد ما تحبيني زي ما بحبك....
اول مرة دخلتي مكتبي كنت هموت واخدك في حضني بس ماينفعش لاسباب كتيرة...اجبرتك تتجوزيني بس مش عشان انتقم....
أزاي حد ينتقم من روحه ؟! أنا مش هقدر أعيش لحظة واحدة من غيرك تاني....
امتلأت عينيها بالدموع...وتبتسم رغم ذلك !!
عاد أكثر مما تمنت.....أكثر مما تحلم به عاشقاً....ايخبأ الصبر تلك الهدايا ؟!! هذه بشرى الصابرين بالحياة....رجل سيكن هو الأحب والأجمل بعمرها كله مثلما هي بنظره أيضاً.....
فكانت نظرته تقل أنها حلم العمر الذي استحقه ونالـه بعد سنوات من الوحدة والعمل الشاق دون لحظات راحة سوى بضع لحظات قليلة من اليوم....
لو عاد للحياة طفلا وخير بين الارتباط التقليدي وما يشعر به سيختار عمره الاربعيني معها....تلك الحبيبة الذي يعشقها بجنون...
ارتمت بين ذراعيه باكية وهي تضمه بقوة...ابتعدت قليلا...قالت ووجهه بين يديها بلمسة رقيقة من اناملها :-
_ وانا بموت فيك...وعمر في قلبي دق لغيرك....أنت كل الحاجات الحلوة اللي استنيتها...
مرت دقائق شاعرية بينهما حتى ابتعد قائلا بمكر :-
_ خلصت شغلي...يلا نرجع البيت
قالت وهي تلتقط انفاسها :- انت ناسي خطوبة يوسف ؟! المفروض اروح دلوقتي للبنات !!
ضيق عينيه بغيظ باتسعت عينيها بضحكة من غيظه....
*********
**بشقة كاريمان **
ظل جاسر ينظر لمرآة الحمام بنظرات كريهة لنفسه ،ولما فعله ،ولما عاد إليـه...
يعرف أنه كان يستطيع أن يعطي حتى مجرد اعتراض ولكنه لم يفعل....كان يريد ولم يستطع القول....لذلك نفسه تتوق لذلك المجون رغم صراخ القلب بالرفض...تلك العاهرة جذبته لذلك الجحيم مجددًا...
أخذ المنشفة وجفف رٱسه وخرج من الحمام عاري الصدر....
ابتسمت بغمزة وهي مازالت بالفراش...كان دخان السيجار يخرج من شفتيها المطلية باللون الأحمر المنتشر على جوانب شفتيها...وقالت بخبث :-
_ يومين بالكتير وهجيبلك كل اللي انت عايزه ،هتجيلي تاني أمتى ؟ ولا تحب اجيلك أنا؟ مستعدة اجيلك في أي مكان تختاره..
ارتدى قميصه بنظرات منفعلة وشعر بكره شديد لذاته وانه مدنس وموصوم بالعهر.. مثله مثلها تمامًا....
أجاب بجفاء :- هتصل بيكي ، ما تتعبيش نفسك
رفعت حاجبيها بتعجب وقالت :- مالك اتحولت كده ؟! ما أنت كنت__
قاطعها جاسر بنظرة عنيفة وصوت صدر بشراسة :-
_ ماتستخدميش الاسلوب ده معايا تاني !! واظن انتي فاهمة اقصد ايه !!
نفثت كاريمان الدخان من فمها بدلال مرة أخرى وقالت :-
_ ما تحسسنيش أنك اتجبرت يعني !! بلاش الطريقة دي معايا يا جاسر انا مش توتو هعديهالك وانسى....طلبك هيتنفذ والمقابل أنت عارفه
نظر لها باحتقار وقال :- أنتي شيطان في صورة بني آدم !!
ارتفعت ضحكتها ولم تبالي بما قاله....خرج من الغرفة سريعا ومن الشقة بكاملها....وكأنه الشيطاين تركض خلفه...
قالت كاريمان بمكر :-
_ هو أنت فاكرني اني هسيب واحد زيك بسهولة يضيع من ايدي ؟!! طب توتر هبلة وبتحبك انما أنا مش غبية....واضح انك خايف تتكشف وانا هعرف استغلك لحد ما اخد منك اللي عايزاه...
********
بالمساء.....استعد الفتيات للخطوبة بمساعدة للي التي ارتدت فستان بلون الكريمة وبدأت بأجمل طلة......
تجمع الجموع بمنزل الاسطى سمعه...ليقترب سقراط للي قائلا :-
_ الحارة مضلمة من غيرك يا جلاشة...
اتى من خلفه صوت وجيه قائلا بحدة :- لأ وممكن عنيك دي تضلم كمان
ابتعد سقراط بغيظ بكتمت للي ضحكتها قائلة بعد ذلك :-
_ نفسي علاقتكم تتحسن عن كده !!
قال وجيه بنظرة حادة :- بيقصد يستفزني...وبعدين ايه جلاشة دي ؟!
قالت بتعجب :- مش احسن من اللي مش بيدلعني خالص !!
قال بابتسامة ماكرة :- وانا يوم ما ادلعك هقولك يا جلاشة ؟!
قالت ببسمة جاهدت لتخفيها :- اومال هتقول ايه ؟!
صمت بنظرة جانبية خبيثة ثم قال بصوت خافت :- هقولك بعدين
دوت أصوات الزراغيد عندما وضع يوسف الدبلة بأصبع حميدة....نظر لها نظرة شديدة الدفء وهمس :-
_ مش عارف اقولك حاجة خالص وسط الزحمة دي
اجابت حميدة بابتسامة وبخجل :- كل ساعة بالكتير وهنقعد ونتكلم...
وقف رعد بجانب رضوى قائلا :- لبستي نفس لون الفستان اللي فات !
توترت رضوى لأنه قرأ افكارها وما طاف بخاطرها....فارتبكت ولم تجيب فأضاف بمكر :- عقبال خطوبتي يارب ، أن شاء الله قريب ، أن شاء الله
نظرت له بحدة فنظر امامـه متظاهرا بعدم الأكتراث بينما أراد ان بضحك بصوتٍ عالي...
نظرت جميلة للحزن الظاهر بعين جاسر ،ما يىاه ويرى وسامته واناقته الآن لا يقل بأنه حزين لهذه الدرجة الظاهرة بنظراته التائهة.....قالت بقلق :-
_ نفسي أعرف مالك ؟ لو تريحني وتقولي !!
نظر اليها نظرة طويلة.....تتحدث وكأنها بعيدة عنه...كأن ما يفصلهما نيران متقدة....وبالتأكيد يقبع هو بالجحيم...اجاب ببطء :-
_ مافيش....مصدع بس
قالت :- طب هروح اجيبلك اي حاجة تضيع الصداع ده...
ذهبت من أمامه وعاد هو لشروده مرة أخرى....وفكرة واحدة مرت بخاطره....هو لا يستحقها...لما لا يتركها تذهب لرجل مثلها....لرجل ليس ماضيه مدنس بالخطايا الذي عكرت حاضره أيضاً...
وقفت سما بردائها الروزي الفضفاض تبحث عن آسر بكل مكان....لم يظهر إلى الآن ولا يعرف طريقه أحد !!
اشارت لسقراط ان يقترب وقالت له :-
_ ما عرفتش هو فين برضو يا سقراط ؟!
نفى سقراط واجاب :- محدش عارف هو فين ، فص ملح وداب ، واتقلي شوية يابت ايه الدلقة دي ؟!
زمت شفتيها بغيظ فابتعد عنها سريعاً.......
قدم وجيه وللي التهاني ثم استأذن بالرحيل.....تعجبت للي من الأمر فنظر اليها لتصمت حتى يتيح لهما التحدث.....
قالت بعدما خرجت وجلست معه بالسيارة :-
_ اكيد زعلوا اننا مشينا بدري !!
حرك سيارته واجاب ببساطة :- لأ....احنا موجودين بقالنا اكتر من ٣ساعات اظن كفاية كده....
قالت له بغيظ :- ما قولتليش رأيك في الفستان عليا !!
نظر لها بنظرة جانبية مبتسمة واجاب :-
_ هو أنا عرفت اكلمك اصلا في وسط الزحمة دي ،بس لو ما قولتش فأكيد عنيا قالتلك وعموما أنتي اتسرعتي....لأني كنت هقولك أنك كنتي قمر منور....
ابتسمت بسعادة ونظرت له بمحبة وهو يقود السيارة بابتسامة لم تهاجر ملامحه.....
وقفت السيارة أمام بوابة القصر اخيراً.....ترجل منها وخرجت بعده حتى دلفا للداخل....
خطوات فارقة للأعلى حتى ارتقت الدرجات ودلفت لغرفتها....دلف خلفها وراقبها وهي تخلع حذاء قدميها...تعمدت ان لا تنظر له من فرط ارتباكها ولكنها ارتجفت عندما شعرت به خلفها....
حاوط خصرها بضمة وقال هامسا :- ٣ساعات معرفتش اتكلم فيه كلمة معاكي بس وحشتيني...
استدارت ونظرت له بعشق قائلة :- كنت مبسوطة وانا متعلقة في ايدك وبقول أني مراتك ، كنت كل ما اقول لحد كنت افرح واطمن
قال بحنان :- اطمنتي؟
هزت رأسها بالايجاب وبخجل شديد اعطاه الاجابة الذي تمناها قلبه....
اقترابه كان يعني شيء واحد فقط.....أنه يريدها مثلما لم يريد أي شيء بحياته بهذه القوة.....
وجذبها معه بعشق لعالما خاص بينهما....عالما تذهب منه الملائكة بمباركة اللقاء الحلال الذي يرضاه الله....
*******
كادت سما أن تنصرف من الحفل بحزن شديد من غيابه ولكنها تفاجئت به وهو يدلف لداخل المنزل ولكن ما جعلها متجمدة هي من تتعلق بيده....نظر عليها بنظرة وكأنه انتقم منها....اقترب إلى يوسف ليقدم التهنئة مع نظرات الجميع لتلك الفتاة معه....فقال ليوسف بعد التهنئة :-
_ أحب اعرفك....خطيبتي
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا