رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثامن والثلاثون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الثامن والثلاثون
نظرت لها جميلة بتيهة واجابت ببطء :- انا تعبت من التفكير والحيرة ، مابقتش عارفة اكمل ولا ابعد....أنا مش عارفة افكر !! أول مرة أحس أني مش عارفة أخد قرار في حاجة في حياتي !!
قالت رضوى وكأنها وجدت الطريق :-
_ طب بقولك ايه...صلي استخارة وطلعي صدقة لله بنية أن ربنا يبعد عنك الشر ، يعني لو جوازك منه هيبقى شر يبعدك عنه ولو خير تكملي معاه...
هزت جميلة رأسها بموافقة ثم قالت بتساءل :-
_ تفتكروا لو كملت مع جاسر هبقى مبسوطة ؟! كل ما بحاول اتخيل أني مبسوطة بلاقي دماغي راح لحته تانية...
تنهدت حميدة ببعض الحيرة :-
_ يمكن عشان خايفة ، اسمعي كلام رضوى يا جميلة ، لا انا ولا أي حد هيقدر يفيدك ، استعيني بالله وادعي على اد ما تقدري وربنا هيتقبل ومش هيسيبك...
التفتت جميلة لحميدة بعينين مليئة بالعبرات وقالت :-
_ كنت اديتله الدبلة ونهيت كل حاجة بس لبسهالي تاني لحد ما أخد قراري...أنا بحبه يا حميدة ، والحب مرايته عامية وشكلها كده هتتكسر على دماغي !!
قالت حميدة برقة :- أنتي من جواكي عايزة تكملي صح ؟
ابتلعت جميلة ريقها بألم حتى هزت رأسها ببطء دلالاة الموافقة....فقالت حميدة:-
_ طب ما تطولي الخطوبة شوية ؟!
جميلة :- اذا كان كل مشاكلنا بسبب أنه مستعجل على الجواز ومحتاجلي جانبه !! هروح أقوله نأجل ؟!
هزت حميدة رأسها بضيق ويأس ثم قالت :-
_ أنا احترت بصراحة ومش عارفة أقولك إيه ، سبيها على ربنا ومحدش عارف بكرة فيه إيه...
هتفت رضوى :- صحيح يا حميدة نسيت...هو سقراط مشي ليه وسابنا في الحفلة ؟! لما طلعت من الفيلا ما لقيتهوش!!
اجابت حميدة بتوضيح:-
_ ما تقلقيش...الدوا بتاع ستي خلص وأبويا مكنش لاقيه في أي صيدلية هنا فكلم سقراط يجيبه...
******
**بقصر الزيان**
تململت في نومها بطيف ابتسامة على ثغرهـا....يبدو أنهـا نالت قسطا من السعادة حتى في أحلامها....فتحي "للي" عينيها بجفون ثقيلة في اضاءة الغرفة الساحرة...كأن المصابيح الصغيرة في الزوايا هي نجوم السماء بمؤق الليل...
والهواء يُمايل الستائر الحريرية للنافذة.....استنشقت هواء جديد بملأ رئتيها...تأخذ ما تستطع نيله من تلك الأيام المبتسمة بجانبه..
تمر بنا الصعــاب ربما...
تأخذ منا بعض الهدوء انما.....
يبقى الحب دائمـًا هو حياة القلوب.....
اضاءت المصباح الكهربائي بجانبها ثم اعتدلت قليلًا متكأة على مرفقها الأيمن وشعرها يتدلى على كتفيها بنعومة...
ابتسمت بحنان عندما لاحظت ملامحه الهادئة في غفوة تبدو عميقة....وملامح وجهه تحديدا المنحوته كلوحة لتمثال أغريقي لأحد الأساطير القديمة....ربما لأسطورة عاشق لأنه يليق به أن يرق بعد الهيبة....هكذا يجب أن يكون الرجل العاشق...كثيرا من الهيبة وكثيرا من العشق وقليلًا من القسوة...
تعترف أنه بعالمها اجمل الأقدار ، وبعينيه أجمل ما قيل في الحب...اشتاقت يدها أن تمر على رأسه برفق...وتثير رائحة عطره الذكية التي أثارت أنفاسها....
قبلته قبلة سريعة ثم نهضت متوجهة لحمام الغرفة وبيدها الطبقة الحريرية من روبها الروزي...
خرجت بعد دقائق وشعرها يقطر ماء من أطرافه ، أقترب للمرآة ونثرت العطر الخاص به وهي تبتسم ...ثم سحبت المنشفة من ظهر مقعد المرآة بهدوء ثم وقفت تجفف شعرها برفق حتى تفاجئت وهي تبعد المنشفة عن وجهها بوقفوهه مبتسما بمكر أمامها...قال وهو يقترب اليها بنظر خبيثة :-
_ بتستعملي البرفيوم بتاعي ليه ؟! مش عندك برفيوم كتير ؟!
كتمت ضحكتها وتظاهرت بالثبات قائلة بتحدي :-
_ وهسرح شعري بالمشط بتاعك كمان...هتعترض؟!
جذبها الى صدره قائلا بهمس :- طماعة !! ممكن اطلب منك طلب؟
رفعت حاجبيها بتعجب ثم اطلقت ضحكة عالية وقالت :-
_ يا سلام على الديمقراطية !! وبتستأذني كمان..عجبًا !!
اتسعت ابتسامته وقال :- هعتبرك بنوتي وهسرحلك شعرك ، خصوصا أني بعشقه
هزت رأسه برفض وابتعدت وهي تصيح بضحكة :- مستحيل ولا يمكن ، انا مابحبش حد يسرحلي شعري ، حتى ماما مكنتش بخليها تسرحهولي...
قال بضحكة :- انا مش ماما يا حبيبتي ، انا جوزك !! ، يعني تسمعي كلامي ، تعالي هنا يا للي !!
شعرت بنوبة غريبة من الضحك وصاحت :- لأ يعني لأ ، مش جاية
نظر لها بهدوء لدقيقة حتى زادت نوبة ضحكتها أكثر ليسرع اليها فجأة ولكنها تكهنت بأنقضاضه وخرجت من الغرفة....
أشار لها بتحذير كي تعود :-
_ الخدم هيسمعوا صوتك اعقلي احسنلك !!
قالت وهي تشير له بتحذير :- مش هتسرحلي شعري ، قول أنك مش هتسرحلي شعري !
تمتم بخفوت وهو يكتم ضحكته ثم اشار لكي تخفض صوتها :-
_ وطي صوتك يا مجنونة !! هيبة السنين دي كلها هضيع بسببك !!
هزت كتفيها بتمايل وقالت بضحكة :- اوعدني الأول
قال بتعجب :- فيها ايه يعني ؟!
انكمشت ملامحها وقالت بتذمر :- بصراحة...بغير ، كأن حد بيزغزغني
ركضت ضاحكة من أمامه كالطفلة حتى صعدت الدرج للطابق الآخير وركض خلفها بضحكة جاهد كي يكتمها....
******
صعدت بالطابق الآخير...الذي كان يعلو السماء مباشرةً....والأسوار حولها تغطى بالزهور الربيعية....الهواء منعش للأنفاس حد الأرتواء وطيب الراحة....
زهور الريحان يأتي ريحقها من القريب...من يمناها تحديدًا بينما الزهور الجورية بالاتجاه الآخر...وقمر الليل عاليًا بينما قمر عمرها أتى وحاوط خصرها بقوة...قوة محببة قسوتها حانية...كالربته على القلب ليحيا...
استدارت لتواجهه حيث عيناه القريبة...القريبة جدًا
وهمسات أنفاسه الممزوجة بعطر الريحان وعبير الزهور...لم يكن الطقس باردًا ولكنها شعرت ببعض الرجفة تجتاحها...وصدره كان به دفء قريب للقلب العاشق بأضلعها...همس وكأن صوته يأتي من الأحلام :- بموت فيكي في اللحظة بعدد سنين عمري اللي فات.
رددت أسمها لا أراديـًا منها...ربما كانت تريد أن تتأكد من واقعية هذا المشهد الذي لم يأت مثله حتى بالأحلام..
ربما كان الواقع أجمل فقط ضعوا احبابنا بالقرب وخذوا الخيال وارحلوا....
تحدث بكلماتٍ كانت بحنايا قلبه نابضة بالعشق...وقالت له ما جعله مثل الأرض الذي عندما ارتوت عادت ظمأ بعد عناق الصمت لثوانِ !!
تكاد تكون لا ترى ملامحه الا قليلا ، عبق الظلام جائر حولهم !! ولكن للقلب مصابيح تبصر المآقي وضي القمر حاني على قلوب العاشقين...
كان حديث القلوب اكثر جمالا أن حديث آخر ، حديث دقات القلب تتكلم...
******
باليوم التالي....
استعدت الفتيات صباحاً للعمل....قالت حميدة لسمـا بتحذير :-
_ أي كلمة يقولهالك تضايقك سيبي الشغل وأمشي ، أنتي مش مجبورة تشتغلي هنا
قالت سما بتحدي:- انا بتمنى اصلا يعمل كده وتكون حجة وأمشي للأبد...
ظلت جميلة على صمتها حيرتها بعدما اقامت الليل كله حتى صلاة الفجر تدعو وتضرع لرب العالمين.....
تفحصت رضوى مظهرها أمام المرآة بدقة فقالت حميدة بتعجب :-
_ أنتي يابت أنتي !! دي خامس مرة تبصي في المراية !! هو انتي بتشوفي مارلين مونرو في المراية !!
قالت رضوى بسخرية :- أنا احلى !
سخرت نظرات حميدة وقالت بضحكة :- آه احلى يام لدغة ياشبر ونص مش كامل ، اقلعي شبشب ستي اللي في رجلك ده والبسي الجزمة وخلصينا !!
نفذت رضوى الأمر وهي تضحك حتى ذهبوا الفتيات للعمل....
******
**بقصر الزيان**
لسعت شمس الصباح بشرتها....بعدما مالت رويدا رويدا عليهما ، كانت تتوسد صدره على أريكة فسيحة تشبه الآسرة بجانب الزهور....كان يستخدمها أبناء أشقائها في التحدث ليلًا مع بعضهما...رفعت رأسها بابتسامة عاشقة بعدما ادركت أنهما غفيا هنا بالطابق الآخير من القصر....نظرت لوجهه مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت ملامحه مشرقة ومنعشة وتبدو أكثر شبابا بكثير من عمره الأربعيني...
تحركت جفونه بإنزعاج من أشعة الشمس فادركت "للي" ذلك ومالت رأسها على وجهه كي تحجب عنه هذا الضوء ....
أشرقت عيناه بعد قليل لترتسم الابتسامة على وجهه تلقائيًا عندما رأها....همست بنعومة:- صباح بريحة الريحان والورد
نظر لها بمشاكسة ثم نظر حوله وقال بابتسامة صادقة:-
_ حاسس أني طالع من احلامي وصحيت ، أو يمكن فعلا كنت بحلم !!
هزت رأسها بالنفي وقالت بابتسامة محبة :- لأ مكنتش بتحلم
ضمها إليه قائلا بحنان :- كنت فاكر مش هيجي احلى من شعوري يوم ما قابلتك بس الأحلى دايما بيبقى جاي وأنتي معايـا.
ابتسمت بخجل وتوردت وجنتيها بحمرة شديدة اظهرت لون شعرها القاتم...نظر وجيه لوجهها المشرق قائلا :-
_ تحبي تكملي شهر العسل فين ؟
وضعت رأسها على صدره وأجابت :- أي مكان ، هنا أو أي مكان تاني المهم نكون سوا...
قبل رأسها بقبلة طويلة...بث فيه الأمان والدعم وأنه أصبح كل شيء.....
******
**بالمكتب***
دلف الفتيات للمكتب وتعالت بأنظارهن الترقب ، فكل واحدة منهنّ تنتظر ملاقاة نصفها الآخر اما للتحدي أو للشوق....
جلست حميدة بمكتبها كعادتها ثم دلفت كل فتاة للمكتب الخاص بهـا....
**بمكتب آسر**
دلفت سمها وهي تبتلع ريقها بصعوبة...أول خطوة في الطريق تكن الأصعب على الأطلاق...ولكن هذا ليس طريق فحسب !! ولكنه طريق شائك مليء بالأحجار الضخمة العائقة للمرور...
كانت تنتظر ربما ثورة جائعة للقتال ولكنه وجدت الفراغ !! اين هو !! هل تأخر اليوم !! كيف وهو من المفترض كان ينتظرها بشغف !! هكذا ظنت
دائمـًا يدحض ثقتها بنفسها ، يشعرها أنها ما زالت طفلة لا تفقه شيء !! جلست ببطء على المقعد المفترض أنه كان خاصا بها من قبل....اهتزت قوتها ، ثقتها ، ثباتها ، وكل ما رتبته !! أخذت نفسا طويل وعميق قبل أن تبدأ العمل الذي وكأنها تركته منذ أعوام وليس أيام !
*****
**بمكتب جاسر**
دلفت للمكتب لتجده يقف أمام النافذة شاردا للبعيد ، كأنه تائه ولا يعرف طريق العودة ! ويبدو أنه لم يشعر بوصولها...
تنحنحت قليلًا قبل أن تجلس حتى وجدته يتحرك ويلتفت...
تحاشت النظر إليـه حتى جلس أمام مكتبه ونظر إليها بعمق وصمت....تظاهرت بالثبات وهي ترفع رأسها إليه وتنظر له ولكنها تفاجئت بدوائر سوداء حول عينيه وكأنه لم ينم ليلته الفائته...ملامح عابسة ذابلة وعينان تطرفان بأطراف الأرهاق والوهن...قالت السؤال الذي برق بعقلها :-
_ شكلك ما نمتش كويس ؟!
أجاب بصوت أجش ظهر به أيضا الارهاق :- ما أنتي الراعي الراسمي للي أنا فيه!
نظرت له بضيق وقالت :- ما احنا اتخانقنا كتير !!
تنهد بعمق وقال برجاء حقيقي بعيناه :- ماتسبنيش
ازدردت ريقها المرير وقالت بتلعثم دون النظر اليه :-
_ لسه ما قررتش !!
كررها جاسر بقوة والم ينم بعينيه :- ماتسبنيش
صمتت ونظرها على حقيبتها الماكثة على قدميها فقال وهو يرجع بظهره للخلف بتنهيدة عميقة :-
_ لو يرجع الزمن لكام شهر مكنتش وافقت تشتغلي معايا
التفتت له بدهشة ، ربما كانت تنتظر شيء آخر غير هذا الحديث فنظر لها بقوة وقال بعذاب :-
_ عشان ما تذلنيش بالطريقة دي ، أنتي بتذليني بوجودك جانبي ، عارفة أنك مهمة والأهم كمان ، عارفة أنك فارقة ، انا مابقتش عارف اثبتلك أزاي أني بحبك ؟!
قالت بحدة وعصبية وهي تقف :- سهلة وبسيطة بس أنت اللي مصعبها على نفسك !! ، ماتخونيش
وقف وتحرك من مكتبها حتى وقفها أمامها وقال بتأكيد :- والله ما خونتك ، الخيانة دي لما اكون رجعت للي كنت بعرفهم بكيفي لكن دي واحدة جاتلي عشان مش عارفة توصلي وقطعت علاقتي بيها اصلًا !! ، محدش بيتغير بين يوم وليلة يا جميلة واكيد مهما قوامت هيكون جوايا حاجة بترجعني ، بس بحاول وبقاوم والله العظيم بحاول وبقاوم ولو كنت كداب مكنش الموقف اللي حصل بينا ده حصل اصلًا...
هتفت بغضب :- أنت مقدرتش تلمس شعرة مني ولو كنت عملتها يا كنت هموتك او هموت نفسي..
هز رأسه بالايجاب :- دي حقيقة ، اقلبي بقى الصفحة وخلينا نشوف حياتنا اللي جاية ، أنا من يوم فراق معرفتش اغمض ولا ارتاح دقيقة ، حرام عليكي اللي بتعمليه فيا ده !!
انزلقت دموع عينيها حتى قالت برقة :-
_ طب احلفي انك عرفتي تنامي امبارح ؟ او حسيتي أنك مرتاحة ؟
ازدادت دموع عينيها أكثر فقال جاسر مقتربا لها :-
_ عاقبيني زي ما تحبي وبأي شكل تحبيه بس خرجي الفراق برا حساباتك لأني مش هقبله..
مسحت عينيها ثم قالت بارتباك :- طب روح ارتاح وانا هكمل شغل
ابتسم وقد اشرقت شمس عيناه الذابلة وقال بهتاف :- يعني خلاص ؟
هربت بعينيها حتى كررها جاسر برجاء فهزت رأسها بالايجاب ، هتف ببسمة واسعة :- اقسم بالله أنا بعشق أهلك واحد واحد
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا