رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الأربعون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الأربعون
لمحت حميدة خروج سما الذي توجهت فور خروجها من مكتب آسر إلى المطبخ الخاص بالمكتب...
تركت حميدة ما بيدها ونهضت سريعا وتركها يوسف دون سؤال فقد توقع ما حدث ولا ضرورة لتساؤله...
**بالمطبخ**
توجهت سما لملء كوب ماء ترتشفه من جفاف ريقها حتى ما كدت أن تمسح عينيها لتجد أن حميدة تربت على كتفها بلطف...استكانت قليلًا ثم ارتمت بين ذراعي حميدة ببكاء شديد...قالت حميدة بضيق :-
_ كنت متوقعة ، هو قالك ايه المجنون ده؟!
ظلت سما تلتقط أنفاسها من البكاء للحظات حتى وقفت معتدلة تمسح عينيها وأجابت :-
_ أنا مش بعيط من اللي قاله ، أنا بعيط لأني زعلانة من نفسي ، كنت جاية وناوية على حاجات كتير أولها أني خلاص هرميه ورا ضهري وابص لمستقبلي وحياتي بعيد عنه ، لكن النهاردة....
النهاردة اديلته فرصة يتكلم !! كنت عايزاه يقول أي حاجة !! خالد قريبه جه فجأة وقالي أن آسر زعقله...قاله أني مابفهمش في الشغل ومش هنفع اشتغل معاه !! ليه بيعمل كده ليــه ؟!
حميدة بعدما أخذت تنهيدة عميقة اشغلت حيز من فكرها :-
_ خالد مش سهل يا سما ، بدليل أنه قالك حاجة المفروض مكنش يقولهالك اصلًا ووقع بينك وبين آسر أكتر!!
لو ده انسان كويس كان على الأقل فهم من آسر الموضوع على أنفراد...
سما بحدة :- مش يمكن ربنا عمل كده عشان يكشفلي آسر اكتر !!
_او يمكن ربنا عمل كده عشان يكشفلك خالد والاعيبه !
التفت كلًا من سما وحميدة لمصدر الصوت الذي قال هذه الجملة حتى هربت سما بنظرتها لجهة أخرى بضيق عندما وجدته آسر!!
اقترب منهما بخطوات تبدو هادئة ولكن عينيه تقل أن بداخله صراع الوحوش يحتدم...كرر جملته مرة أخرى بنظرة تقل الكثير :-
_ يمكن ربنا كشفلك خالد نفسه واد إيه هو انسان مش أمين حتى على الكلمة اللي ممكن تتقاله !! ماتفتكريش أن عرض الشغل اللي قدمهوله كان عادي !!
نظر آسر لحميدة بعصبية وقال :- قولي لصاحبتك يا آنسة حميدة خالد كان بيعمل إيه في الشركة قبل عمي ما يخليه يمضي استقالته ! قوليلها كان بيتقال عليه ايه !! قوليلها أنه مش امين عليها ويتخاف منه...قوليلها أنتي عشان هي مابقتش تصدقني في أي حاجة...
تابع بألم ظهر بعينيه :- قوليلها يمكن تصدق وتقتنع أني خايف عليها وأن أسوأ شيء حصلها وهي معايا هي عصبيتي !
التفتت سما اليه وردد كلمته بسخرية ومرارة :- عصبيتك !!
نظرت له حميدة بحيرة ،يبدو أنه صادق اللهفة والخوف ، من يره لا يصدق غير انه عاشق يغار على محبوبته !! هناك شيء مخفي خلف هذا الشخص ولابد أن تعرفه....
قالت حميدة بمكر :- أنا معرفش عن خالد غير قليل جدًا ، المفروض هو قريبك وأنت عارفه كويس ولو حاسس أنه مش تمام تفهمها بهدوء وتقولها كل اللي عندك مش تتعصب بالشكل ده ؟!
تطلعت سما بنظرة ضيقة مذهولة إلى حميدة حيث نطق آسر منفعلا :-
_ لو هتسمعني وتصدقني وتصبر عليا مستعد اتكلم معاها
هتفت سما بعصبية :- بعد اللي قلته عليا وقلته قدامي مش عايزة اسمعك ، وفر كلامك لنفسك..
تركتهم سما وذهبت مبتعدة عنهم ، راقب ابتعادها بعين تتعذب حتى قال بألم :-
_ كلكم زي بعض
ابتعد هو الآخر وخرج من المكان ليترك حميدة تطلع بالفراغ بحيرة بعدما استمعت لجملته الآخيرة !!
خرجت من المطبخ وهي تتحدث بتمتمة مع نفسها حتى لاحظ يوسف ذلك وتعجب من أمرها...استندت بذراعيها على المكتب وبدت شاردة للبعيد....تساءل يوسف :- مالك ؟
نظرت له حميدة للحظات ثم قالت بغموض :- يوسف...هو آسر كان في حياته واحدة قبل كده ؟ يعني حب قبل كده أو مر بتجربة حب فاشلة مثلًا؟
تعجب يوسف من طرح هذا السؤال فأجاب :- آسر !! آسر عمره ما كان له علاقة مع بنت سواء حب أو ارتباط حتى البنت اللي خطبها عرفت منه امبارح انهم فركشوا
حميدة بتفاجئ :- فركشوا !! هما لحقوا !
نظر لها يوسف بشك فقال:- مش عارف الاسباب بالضبط بس ده اللي عرفته وعموما آسر اصلًا عمره ما عجبته شاهي ولا لفتت نظره ابدا واستغربنا من خطوبته المفاجأة وكويس أن ده حصل قبل عمي وجيه مايعرف والا كانت هتبقى مشكلة...
حميدة بتساءل :- ليه مشكلة ؟!
احلب يوسف بصدق دون حساب للنتائج :- شاهي كانت بتعرف خالد وبتروحله الشركة وهي السبب أن عمي وجيه طرده قبل كده...
صدمت حميدة وقالت ببطء :- معقول !! مكنتش أعرف الموضوع ده وحتى انا عمري ما شوفت شاهي دي في الشركة قبل كده !!
أجاب يوسف :- لأن مكتب خالد كان بعيد عن المبنى الاداري اللي أنتي فيه فبالتالي ماتعرفيهاش ولا شوفتيها....
نهضت حميدة عندما التمع بعقلها شيء فقالت سريعا ليوسف :-
_ طب كمل انت الشغل يا يوسف وانا هروح اسأل سما على حاجة بسرعة...
*****
**بمكتب آسر**
كان قد ذهب من المكتب كاملًا وترك لها كل شيء...دلفت حنيدة للمكتب لتجد سما تعمل بجدية زائدة على الحاسوب وكأنها ستتشاجر معه...قالت :-
_ آسر فسخ خطوبته على فكرة
رفعت سما رأسها ورغم ما نهض بقلبها الا انها الزمت الهدوء وقالت :- اعمل ايه يعني ؟!
قالت حميدة بحدة :- البنت اللي كان خاطبها آسر كانت بتروح لخالد الشركة وده طرده منها قبل كده ، الموضوع ما يبينلكيش حاجة ؟!
تفاجأت سما مما سمعته حقا فقالت بحيرة :- مش عارفة قصدك ايه ؟!
حميدة بضيق :- مش يمكن خالد بيستخدمك ضد آسر عشان يغيظه ؟! واحدة بواحدة يعني ، آسر خد منه واحدة فيقوم خالد واخدة السكرتيرة بتاعته....
زفرت سما بعصبية ثم قالت :- لأ....لأن خالد عرض عليا الشغل قبل ما يعرف كنت بشتغل عند مين اصلا ، لو الموضوع فيه تحدي يبقى من ناحية آسر وده يفسر أنه فسخ خطوبته لا وكمان مصمم أني أفضل هنا!! ده يأكدلي انه بيستخدمني زي اللعبة في ايده مش عشان خايف عليا والفيلم الهابط اللي بيعمله ده !!
هو وخالد واضح انهم بيكرهوا بعض وبيتحدوا بعض ولو هختار اقف مع حد فهيبقى خالد لأنه ما حاولش يستخدمني ضد حد...
حميدة بعصبية :-
_ انا بقى شايفة انك تسبيهم هما الاتنين وتبعدي عنهم ، أنتي مش اد الحوارات دي يا سما وهتوهي ما بينهم !!
نهضت سما بحدة وقالت :- النهاردة يعتبر اليوم عدى ، فاضل ٦أيام وأمشي من هنا ، كل يوم منهم هخليه يعرف ويتأكد أني عمري ما حبيته ولا فكرت فيه.....
******
مساء....
شردت جميلة وهي تستند برأسها على زجاج النافذة ، أتت حميدة إليها وقالت :- مالك انتي كمان ؟ مش قلتي اتصالحتوا والحمد لله ؟!
اجابت جميلة بشرود :- والله ما عارفة ده حصل أزاي يا حميدة !! لقيت نفسي بقوله آه ، مقدرتش استغنى بسهولة
ابتسمت حميدة وقالت :- يمكن خير ليكي ، وبصراحة جاسر باين عليه الحب ، حاسة أنه مابقاش المستهتر بتاع زمان..
جميلة بتمني :- يارب يكون ظني فيه حقيقي ، تعرفي لو اتأكد انه فعلا بيتغير عشاني هقف جانبه لآخر عمري بس خايفة يكون بيكدب عليا ، خايفة يكون بيعند مع نفسه وبعد ما يطولني يرميني....
حميدة باستياء :- يا ساتر يارب !! ليه التفكير البشع ده ؟! يابنتي اللي زي جاسر ده مش محتاج يعمل حوارات لأن بنات كتير بتجري وراه ، شاب امور وغني وكلامانجي...وبنات كتير بتحب كده
جميلة بغيظ :- مش عايزة اتخيل حتى انه كان بيعرف بنات ، بحاول انسى الموضوع ده
حميدة بتنهيدة :- انا اللي خايفة يا جميلة ، خايفة على يوسف ، يمكن ساعات بحس انه مكار لكن ده ما ينفيش انه طيب أوي أوي ، انا متقبلاه كده ، بحبه كده ، مش عايزاه يتغير ، خايفة في يوم الاقيه بقى واحد تاني معرفهوش...
قاطعها خروج رضوى الذي همت بفتح الباب لتخرج ، تساءلت حميدة بتعجب :- رايحة فين يا أخرة صبري ؟!
اجابت رضوى وهي تفتح الباب :-
_ عم سمعة بعتلي اروحله في الورشة ، هروح اشوفه عايز ايه
تعجبت حميدة وقالت :- ما قاليش يعني !!
مطت رضوى شفتيها بعدم معرفة ثم خرجت ، قالت حميدة بحيرة :- يا ترى أبويا عايز البت رضوى في ايه ؟! لتكون عملت حاجة المنيلة ؟!
جميلة :- لما تيجي نبقى نسألها ، تلاقي في عريس اتقدملها هو بيعمل معانا لما بيكون ده الموضوع....
ابتسمت حميدة بخبث :- عريس!! ده لو رعد سمعك هيخنقك !!
جميلة بنظرة ماكرة :- تقصدي ايه ؟!
ابتسمت حميدة بخبث حتى قالت جميلة بضحكة :- كمللللت وبقينا احنا الأربعة !!
نهضت حميدة من على الأريكة ودلفت لغرفة النوم الخلصة بهما ثم جلست على الفراش واختلست النظر لسما التي تغط بنوم عميق بالفراش الآخر....اخرجت حميدة الاجندة الخاصة بيوسف التي قد بدأت قراءة بها منذ أن أخذتها منه ولكنها لم تخبره بذلك...فتحت الأجندة وبدأت تقرأ بأحرفها....كانت تبتسم احيانا كثيرة...وتنظر بعشق احيانا أخرى ،وتخجل في بعض الأحيان من المكتوب....كل هذا قد دونه دون كلل أو ملل على هذا الورق الأبيض...
******
**في الورشة**
جلس "سمعة" على مقعد خشبي يقابله مقعد آخر كانت تجلس عليه رضوى بنظرات متساءلة...جفف يداه المبتلة بالمنشفة القطنية الملطخة ببقع الزيت ثم قال :-
_ بصي يابنتي انا مش هلف وأدور في الكلام ، هدخل دغري كده في المقصود....بصراحة بقى متقدملك عريس
اطرفت رضوى عينيها بدهشة رغم أن الأمر ليس بالجديد فهذا حدث سابقا وتم الرفض...قالت بعصبية لم يكن مبرر لها :-
_ مش عايزة اتجوز ياعم سمعة أنا____
قاطعها الرجل وأضاف :- خليني اكمل بس....هو أنتي هترفضي من قبل ما تعرفي هو مين حتى ؟!
العريس اللي متقدملك يبقى واحد من الشباب اللي بتشتغلوا معاهم ....رعد
اتسعت عينيها بدهشة...بل صدمت من ما فعله رغم ان هذا أيضا المتوقع ولكن صدمت من استعجاله بالأمر فاستطرد الرجل قائلًا:-
_ هو جالي بعد صلاة العصر وشربنا الشاي مع بعض واتكلمنا ، وكلمني بصراحة وقالي انه فاتحك في الموضوع بس انتي اتكسفتي تردي...ايه رأيك يابنتي ؟
جف ريقها ولم تعرف بماذا تجيب...وصوت بالقلب يغرد مبتسما ولكن الخوف يبدو أنه اشتد أيضا فكرر الرجل سؤاله :-
_ إيه رأيك يابنتي ؟ بصراحة هو محترم وشخصيته عجباني ، هو بقاله هنا في الحته فترة خلتني اخد فكرة عنه...لو وافقتي هنخلي كتب كتابك مع حميدة وجميلة....يعني بعد شهر وتبقوا مع بعض في ليلة واحدة...
نهضت رضوى بنفضة ارتعد لها جسدها بكامله وقالت برفض :-
_ مستحيل اوافق ، شهر ايه يا عم سمعة اللي اوافق عليه ؟! في خطوبة شهر ؟!
الاسطعى سمعة :- لو شاغلك الجهاز ما تقلقيش ، أنا محوش قرشين وداخل في جمعيات وأمي كمان راكنة قرشين على جنب للزمن...واختي بهية الله يرحمها باعت الدكان اللي ورثته من جوزها وحطته في البنك باسمكم من سنين....هتدبر يابنتي ما تقلقيش...ده غير أن رعد فهمني انكم هتسافروا برا يعني حتى لو في حاجة مقدرتش اجيبهالك قبل الفرح على ما ترجعوا هتلاقوها جت...الفرحة بتيجي برزق ربنا عشان تكمل..
تمتمت رضوى وتلعثمت وكأن وضعت بحفرة عميقة بصحراء جرداء فقالت :- ياعم سمعة أنت مش فاهمني ، أنا مش بتكلم عن الجهاز...انا بتكلم عن أني مش هقدر اتخطب شهر لواحدة يعتبر معرفهوش !! مش
قال سمعة مقترحا :- الواد محترم بصراحة وانا حبيته ، ما يتخيرش عن يوسف خطيب بنتي ، لو انتي موافقة عليه قولي آه وسيبي الباقي على ربنا ، هو في حد بيفركش جوازة عشان الخطوبة قصيرة !! وبعدين هو مش مديرك في الشغل والمفروض تكوني عرفاه ؟! اقصد يعني أنه مش حد ماتعرفيهوش خالص !!
رضوى بقلق وتوتر ظهر على ملامحها بشدة:-
_ الشغل حاجة والخطوبة والجواز حاجة تانية
سمعة بحزم :- يعني اقوله كل شيء قسمة ونصيب ولا اسيبك تفكري الأول ؟!
صمتت رضوى بحيرة وملامحها كأنها على وشك البكاء ، رأف سمعة بتوترها وقال :- طالما محتارة يبقى محتاجة تفكري ، هقوله سيبها كام يوم تفكر...
******
عادت رضوى لغرفة السطوح ويبدو عليها التوتر والشحوب ، دلفت للغرفة فلم تجد احدا مستيقظ بل خلدوا للنوم رغم أن الساعة لم تتعدى التاسعة مساءً....
شعرت بأنفاسها تلهث ، تطلعت لبعض الهواء النقي لرئتيها ، اغلقت الباب بخفوت ووقفت بخارج الغرفة على سطوح المبنى المظلم تستنشق الهواء....
دق هاتفها الخاص الذي كان بيدها ، رفعت الهاتف أمام عينيها لتجد أن المتصل "رعد" دق قلبها بسرعة عالية وكادت ان تغلق الهاتف حتى لمحته على سطوح المبنى المقابل يراقبها !!
شعرت بالغيظ منه لأنه لم يترك حتى الفرصة لها لتفكر قليلًا !! نظرت للهاتف مجددًا واجابت بصوت منفعل :- عايز ايه ؟!
قال بنبرة مشاكسة :- عايزك توافقي ، أنا عارف أنك عرفتي اني اتقدمتلك ،شوفتك وأنتي خارجة من شوية واستنتجت اللي حصل...
قالت بحيرة :- انت بتحطني قدام الأمر الواقع ؟!
ابتسم من ملاحظة ثقل الحروف بكلماتها فقال :-
_ ليه ما تقوليش أني مستعجل تبقي معايا ؟! أنا لما بنوي على شيء بعمله من غير تردد
هتفت بعصبية :- على فكرة بقى انا كنت هرفض لولا عمي سمعة قالي فكري الأول قبل ما ترفضي...
صمت لبعض الوقت ، ثم قال :- طب بما أن انتي عصبية دلوقتي نتكلم بكرة في المكتب بأذن الله ، حبيت بس اسمع صوتك قبل ما أنام...
اغلقت رضوى الهاتف فارتفعت ضحكته عاليًا بالهواء ، رمقته بغيظ وتحركت بخطوات سريعة لغرفة السطوح مجددٌا.....
اغلقت باب الغرفة ثم تسحبت ابتسامة لشفتيها لم تمنعها...صوته ، مشاكسته ، عناده ، تصميمه عليها ، شيء يحسب له
******
باليوم التالي.....
قد تاه من عقل حميدة أن تسأل رضوى عما كان سبب المقابلة مع والدها بالأمس فاستعدوا للذهاب باكرا للعمل....
بالمكتب.....
بدأت حميدة عملها مع يوسف كروتين كل يوم بينما ذهب جاسر مع جميلة في زيارة لأحد المواقع...
دلفت رضوى للمكتب بنظرات مرتبكة....أول نظرة ستكن حتميا مربكة ، لأنه حتما ينتظرها ليتحدث معها بأمر الزواج...
دلفت للمكتب فرأته يستند بظهره على حافة المكتب الخشبي ويديه بجيوب بنطاله بثقة عالية ،يبدو أنيق اكثر من كل يوم بقميصه الأسود الذي اظهر لون بشرته البرونية...ابتسم بمجرد ظهورها أمامه وقال :-
_ مستنيكي بقالي كتير
جملته كانت تقل ابعد من المةقف ولكنها تجاهلت كل هذا واخذت مقعدها وبدأت فحص الأوراق....اعلنت بصمت رفض التحدث بشأن هذا الأمر ولكنه عنيد....
تركها تفعل ما يحلو لها ثم أخذ فنجان قهوته وكوب آخر قد ارسل في أعداده لها خصيصا...
وضع كوب العصير أمامها على الطاولة ثم جلس وبيده فنجان القهوة أمامها على مقعد قريب....
بدأ الحديث قائلا :- نتكلم شوية قبل أي شغل ، بالنسبالي ده أهم
وضعت رضوى الأوراق بعصبية وقالت :- أنت متسرع في كل حاجة !! ده شيء يتخاف منه !!
وضع كوب قهوته بهدوء ولم يثيره قولها فأجاب:- مش هنكر أني مستعجل ، بس خليكي فاكرة أن فاضل قدامي شهر ونص للرحلة يعني يدوب اتجوز....
قالت بضيق :- في حد بيتجوز في شهر ونص ؟!
اجابها ببساطة :- لو جاهز يبقى ايه المشكلة ؟! لو هنتكلم عن الشقة وكل الكلام ده فأنا اصلا مش هخليكي تجيبي حاجة لأن ناوي اصمم بيتي بنفسي لما اخد ورثي بعد كام شهر ، أنا عايزك أنتي وبس...
هتفت رضوى بغيظ :- انت هتعمل زي عمي سمعة ؟!
انا مش بتكلم عن جهاز أو شقة !! انا مش هقدر اتخطب شهر ونص !!! مدة قصيرة أوي !!
تطلع بها رعد وقد بدأ يغضب بحق :- ايه اللي يرضيكي يا رضوى ؟
ابتلعت ريقها بتوتر ولم تجد اجابة مناسبة...اكمل عنها :-
_ أنا قلتلك أن في حاجة مخوفاكي ، لو انتي موافقة على جوازنا مش هتفرق معاكي شهر أو سنة
رضوى بعصبية :- وتفتكر هقدر أعرفك في شهر ونص ؟! هقدر اتعود عليك ؟! تفتكر هعرف اتعامل معاك عادي في شهر ونص ؟! انت ليه مش حاسس بيا ؟! لو فضلت تضغط عليا كده هرفض!
ضيق عينيه بغضب لم يترك له العنان فقال :-
_ انا مش بضغط عليكي !! وعموما أنا عندي حل ، رغم ان الحل ده تقيل عليا لكن مش قدامي غيره...
انتظرت حديثه فتابع :- نتجوز
نهضت بنظرات غاضبة فيبدو أنه يسخر منها حتى أضاف ببطء وكأن ما يقوله ثقيل على نفسه وارادته :-
_ نتجوز بس في حكم المخطوبين ، يعني مش هقربلك غير لما تاخدي عليا وتبطلي خوفك مني ده اللي مش فاهمله اسباب!!
توترت عينيها وتحاشت النظر اليه ، يبدو هذا العرض مربكا ومريحا بآنٍ واحد ، ولكنه كان وقحا في قوله بهذه الصراحة!!
قال بنظرة حادة:- كده اعتقد أنك هتوافقي ؟
صمتت ولم تجيبه فقال :- طالما سكتي يبقى تمام ، اصلك لما حاجة بتستفزك بتبقي قطر !!
قالت بتلعثم :- ماهو شهر ونص خطوبة مش حاجة حلوة بالنسبالي ، عموما هفكر
جلست مرة أخرى وبدأت بالعمل مع نظراته المغتاظة....
****
مر يومان.....
بأحد الشاليهات الراقية بمنتجع سياحي حديث.....
كانت تجلس على رمال الشاطئ تنظر لمياه البحر بشرود.....تحت أشعة الشمس الصافية الدافئة....راقبته وهو يسبح بخفة بالمياه ، علمت أنه لم ينفك عن متابعة تمارينه الرياضية بانتظام شديد يحسد عليه....خرج من المياه وهو يمرر يده على شعره ينفض المياه من جبهته....حتى ابتسمت ابتسامة واسعة عندما رأته....قالت :-
_ يلا عشان الغدا جاهز
اقترب اليها وجلس على الرمال مبتسما بأشراق وقال :-
_ انا عارف أنك بتخافي من الميه بس نفسي...
قاطعه نهوضها بوجه متذمر حتى جذبها من ذراعيها لتجلس مجددا....قال هامسا :-
_ مش عايزك تخافي من حاجة ، كل لما بتشوفي بحر أو حتى حمام السباحة بحس بخوفك في عنيكي...
سقطت دمعة من عينيها وقالت :-
_ انا مش بخاف من المية على اد ما بكرها ، بسببها اتحرمت من ابني اللي كنت مستنياه...
شعر وجيه ببعض الغيرة ولكنه تغاضى عن الأمر لأنه يفهم شعورها الأمومي فقال :-
_ لو فكرتي كويس هتلاقي أن ربنا بيحبك ، لو الطفل ده عاش كان هيفضل الرابط اللي بينك وبين ابوه المجرم ، لو كان عاش كان هيتعب في حياته أوي بسبب سمعة والده...
قالت للي بصدق وهي تمسح دموع عينيها :- عندك حق يا وجيه ، قوم يلا جهز نفسك عشان نتغدا سوا...
نهضوا سويا من على الرمال حتى الشاليه البحري....
اعدت للي بالداخل طعام الغداء على طاولة خشبية بلون البحر...بينما ارتدى وجيه ملابس رياضية وخرج للشرفة....
بدأو يتشاركون الطعام والضحكات حتى دق هاتفها الذي تركته على بُعد خطوات منها على اريكة جلدية.....
قالت وهي تنهض :- هروح أشوف مين اللي بيرن وراجعة....استناني بقى ما تاملش غير لما ارجع...
ضحكت ضحكة عالية بينما كانت تسرع للهاتف....ابتلعت آخر ما في فمها من طعام واجابت :- الو ؟!
اجابها صوت يبدو بعيدا ومريبـًا:-
_ نستيني اكيد....أنا ما نستكيش ابدًا ، راجعلك يا للي ، راجعلك والمرادي هتكوني ملكي حتى لو غصب عنك....
اتسعت عينيها بذهول مما تسمعه ،الصوت يبدو وكأنه شبحا !! مزيف بالتأكيد ولكنه شخصا يعرفها !
قالت بارتجاف وخوف :- أنت مين ؟!
اجاب الطرف الآخر :- قدرك يا للي...أنا قدرك
اغلقت للي الهاتف وهي تنتفض من الخوف...لا يعقل أن طليقها المنتحر لا زال على قيد الحياة !!
وقفت عاجزة حتى عن الحركة حتى استدارت وفي التفاتها اصطدمت بجسد....صرخت بذعر ولكنها توقفت عندما وجدته زوجها "وجيه" قال بقلق :- مالك يا للي خايفة كده ؟!
نظرت له للحظات بصمت تام ثم ارتمت بين ذراعيه واجهشت بالبكاء فجأة....التفت يديه على خصرها بقوة وقال :-
_ شكلي خضيتك !! أنا أسف يا حبيبتي
قالت وهي ترتجف وتبكي ومتعلقة بعنقه :- انا خايفة يا وجيه ما تسبنيش ، خليك جانبي ارجوك
ضمها لقلبه أكثر ، همس بقرب اذنيها قائلا بابتسامة :-
_ أنا جانبك وهفضل جانبك للأبد...أنا قدرك
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا