رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل السادس والأربعون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل السادس والأربعون
**بالحي الشعبي **
فاضت دموعها على وجنتيها...من الشوق لقربه...واللهفة للابتسامة عند حديثه...وابتسامة مخبأة تتسع كلما ظهرت غيرته عليها...ومع هذا كله هناك حاجز قد وضع كحجر اساس هذا الرباط بينهم...
حجر يفصل بينهما ويجعل العلاقة مشوشة...يتخللها شيء من الضباب والعتمة والمشاعر المعكرة بالخوف والترقب للآت..
قبل أن تدخل المبنى القديم هتفت للي من خلفها....استدارت سما سريعا لمصدر الصوت لتجد للي قد خرجت من سيارتها للتو وتقترب إليها بابتسامة واسعة....اسرعت للي إليها وفي بُعد الخطوات الفاصلة بينهما لم تلمح عبرات العين...عانقتها للي بقوة وابتسامة عريضة وقالت :-
_ وحشتيني موووت يا سمكة ، أنا جيت أشوف البنات في البيوتي سنتر عملوا ايه في اللي قولتلهم عليه ومتخيلتش أني هشوفك بس بجد فرحااانة موووت
ابتسمت سما ابتسامة شاحبة ، يتسلل اليها الألم ويظهر في توترها....انتبهت للي لذلك فأنكمشت ابتسامتها وقالت بقلق :-
_ شكلك معيطة !! مين اللي زعلك ؟!
ظلت سما على ثباتها لدقيقة ثم ارتمت بين ذراعي للي ببكاء فربتت الأخيرة على كتفيها بتوتر....قالت للي :-
_ طب تعالي معايا نتكلم براحتنا وتكوني هديتي
أخذتها للي من معصم يدها لسيارتها حتى اجلستها بداخلها وقالت :-
_ هنروح أي مكان نشرب حاجة ونتكلم براحتنا
قادت للي سيارتها بسرعة متوسطة وسما بجانبها تائهة في موجات الدموع بطريق لا ترى فيه ضياء....
*****
بكافيه مكون من طابقين وتغلب على واجهته النوافذ الزجاجية العريضة...يظهر من خلفها من أفراد....دلفت للي ومعها سما للكافيه وحاولت أن تبدو مرحة فقالت :-
_ استأذنت وجيه عشان أجي أشوف السنتر بتاعي بس ماكنتش أعرف أني هاجي هنا ، لما اروح هكلمه وأقوله
أشار النادل لطاولة تطل على الطريق مباشرةً....اتجهت للي اليها ومعها سما ثم جلستا على المقاعد بهدوء حتى تفحصت للي قائمة المشروبات وأشارت لأحدهم لفردين....ذهب النادل ملبياً الأمر فعادت للي تدقق النظر بعين سما التي لا زالت تبك!
قالت بهدوء :- جينا في مكان هادي عشان تريحي أعصابك ، ممكن بقى أعرف سبب الدموع دي ايه ؟! هو مش أحنا صحاب !
ابتلعت سما ريقها المتكورة به غصة عالقة بالحلق من فرط الألم....بدات تتحدث ببطء وتذرف الدموع مع كل كلمة...الكلمات تطل من شفتيها كأنها مشاهد تحدث أمام عينيها وتؤلمها كلما تكررت....فغرت للي فاها من الصدمة ورددت بذهول :- ده كله حصل في الفترة اللي هي بعد جوازي صح ؟ اكيد صح اومال امتى يعني....بس يا سما هو قال انه جاي يصالحك ليه مش تديه فرصة ؟!
أغمضت سما عينيها بدموع تنساب كالشلال وقالت :-
_ المشكلة مش في اللي قاله ، المشكلة أني مابقتش أثق فيه ، ولا في كلامك ،ولا نظراته ،ولا أي حاجة من ناحيته ، كنت قريبة وكان بيعاملني معاملة وحشة أوي ، لما حد كان بيقربلي كان بيتجنن وكنت بفرح وأقول بيحبني وبيغير عليا...فضلت أقنع نفسي لحد ما فجأة لقيته خطب واحدة تانية ! فين الحب بقى ؟!
عملت نفسي مبسوطة وجبتله هدية بقى هيتجنن !! أزاي ما اتكسرش وما اتوجعش ؟! هو بنفسه قالي كنت مستني أنك تزعقلي وتغضبي وتعملي اي حاجة غير أنك تقبلي اللي بيحصل.....
قررت أمشي...تفتكري سابني ؟! ابداً
مجرد ما عرف أني هشتغل مع خالد قريبه مابقاش في وعيه ، هددني بالعقد اللي مضيته واللي كان فيه شرط أني استمر في الشغل سنة....ولما صممت قالي طب كملي اسبوع لحد ما الاقي بديل....الفترة دي بقى حد تاني...رجع آسر بتاع زمان لدرجة أني شكيت في اوقات كتير أنه هيقولي بحبك....لما خلاص كنت همشي والاسبوع هيخلص وشافني مع خالد... طردني !! اداني ملفي وقالي امشي بمنتهى البساطة...
واللي برضو ما سابنيش وجه ورايا شركة الزيان وبيكمل كدبه....تقدري تقوليلي بعد ده كله أزاي أثق فيه تاني ؟
أعرف منين أنه مش بيقول كده عشان يخليني أقرب ولما أقرب يرميني من سابع سما !! زي عادته يعني !
للي بتقطيبة ظهرت على وجهها :- في قلبك ده كله وساكته ؟!
سما بحزن :- هعمل ايه غير كده ! حتى حميدة وجميلة ورضوى مشغولين بتجهيز كل حاجة عشان فرحهم ، حرام انكد عليهم وادوشهم بمشاكلي !
ربتت للي على اصابع سما بعطف وقالت برقة :-
_ انا جانبك يا سمكة ، وأن شاء الله ربنا هيعوضك بواحد ينسيكي كل حاجة وجعتك..
امتلأ الحزن بعين سما....رغم ما فعله بقلبها ، ورغم عظم ثقتها بها ،ولكن قلبها لم يمهد كي يستقبل حبيبا آخر....لم يتخلص من مشاعره بعد..قالت ببكاء :-
_ نفسي أمشي من الشركة بس مش هيسيبني أنا عارفة ، هو قالي كده...أنا بجد تعبت ونفسي انساه ومش عارفة..
اقترحت للي :- تحبي اتكلم مع وجيه في____
قاطعتها سما برفض :- لأ بلاش ، ماهو عشان يفهم اللي بيحصل صح لازم هيعرف كل حاجة ، انا مش عايزة حد يعرف
للي بقلق :- بس خالد ده يتخاف منه وبصراحة مش صح أنك تكملي شغل معاه ، حتى لو بتشغلي في شركة ومش لوحدكم ولكن برضو في خطر عليكي...أنا قلقانة....
سما وهي تمسح عينيها :- ما تخافيش عليا
قالت للي بحزم :- خلاص طالما انتي اشتغلتي في الشركة هقول لوجيه يوصي عليكي ويحذر خالد لو حاول يضايقك ، يمكن كده لو التاني ده في دماغه حاجة يبعد...
********
تسلل آسر لغرفة السطوح بينما وجد الغرفة مغلقة بقفل حديدي من الخارج....وضعت أمامه علامات الاستفهام...أين ذهبت ؟!
نظر لكافة الارجاء بالمكان ولم يوجد أثر لبشر......شعر بالقلق الشديد حتى خرج من المبنى وعيناه تبحث هنا وهناك....
توجه الى مكان القهوة الشعبية حيث تجمعات الرجال من ساكني المنطقة فوجد سقراط وحوله حشد من الأطفال ويشير لهم بيديه كأنه يروي لهم قصة أحد الأساطير القديمة.....
نظر سقراط للأطفال الذي يشكلون حوله دائرة واعينهم محدقة به بقوة كأنهم يرون فيلم رعب أو شبحا ما....قال سقراط بنظرة حادة :-
_ وقومت ناااااطط على رئيس العصابة ومسكته بإيد ، والراجل اللي معاه المسدس اتهز واغمى عليه أول ما شاف بصيتي ليه....بصيتله بصة اميتاب باتشان قبل ما يضرب بالنار ويموت
قال احد الأطفال بتعجب :- طب والتالت والرابع يا سقراط ؟! هما مش كانوا اربعة ؟!
ضرب سقراط الطفل على كتفه بلكمة وهتف بإعتراض :-
_ ماتسمع وأنت ساكت يلا !! ما انا جاي في الكلام اهو !
قال الطفل بضحكة :- طب تعالى بسرعة هههه
ارتفعت أصوات الأطفال بالضحكات حتى جر سقراط الطفل بيده وتمتم قائلا :- نفسي أضربه قلم زي اللي اتلسعتهم على وشي
اقترب آسر اليهم وأشار له ليأتي....رمقه سقراط بابتسامة وقال للأطفال :-
_ راجعلكوا يا عيال خليكوا جنب العجل بتاعنا
اقترب لآسر مرحبا وقال بضحكة :- واااااحشني واااحشني واااحشني
ابتسم آسر راداً لتحيته ثم صافحه بود وقال بعد ذلك :-
_ بقولك ايه....ماشوفتش سما ؟
اتسعت عين سقراط بقوة وتظاهر :- هي مش المفروض في الشغل ؟! وبعدين أنت بتسأل عليها ليه ؟! وبصفتك ايه ؟ وعايز ايه اخلص !
اغتاظ آسر منه ولكنه مجبر أن يراوغ ويتحكم بأعصابه فقال :-
_ وأنا اللي بقول أنك صاحبي ؟! ده أنا مش ناسيلك ليلة الخطف يا راجل !
ابتسم سقراط بثقة وقال :-
_ ههههه آه فاكر فاكر ،قولتلي بتسأل عن ايه ؟
آسر بمحاولة الوصول لهدفه :- سما فين ؟ هي سابت الشركة من حوالي ساعة ونص راحت فين ؟
سقراط :- شوفتها راكبة مع للي عربيتها ، هتلاقيها جاية بعد شوية ،جايبة لعب وحاجات هاها هههه
نظر آسر بغيظ لضحكة سقراط العالية ثم تركه وذهب عائدا لسيارته مرة أخرى للعمل حيث أن اليوم يبدو أنه لن يستطع رؤيتها بسهولة......
*******
بالمساء.....
تجمع الشباب بغرفة كبيرة مخصصة لهم للألعاب الرياضية......نظر جاسر للغرفة بتمعن وقال :- بقالي فترة ما لعبتش رياضة
يوسف بضحكة :- اتاريك طولت !
لمح رعد ارتباك آسر وقال :- يابني ما تعترف بقى أنك بتحبها وعايز تتجوزها...بص قولها كده في جملة واحدة وما تتكسفش
سوم يوسف نظرة ماكرة لآسر وقال :- أنت محتاج نصيحة
ابتعد رعد عدة خطوات لأحد الآلات الرياضية وبدأ يستخدمها حيث قال جاسر :- لو أعترفت هديك نصيحة تخليها شيكولاته في ايدك
يوسف وهو يبتلع ريقه :- الله شيكولاته !
رفع آسر قلادة فضية تحمل صورتها قد اعدها اليوم وقال وهو ينظر للقلادة بقوة مبتسما :- مش بحبها
يوسف بغيظ :- يا سواد ليلك ، شايفك بيتزا مافيهاش موتزريلا ولا زيتون ولا كاتشب ، تسد النفس
أضاف آسر بنظرة عاشقة لصورتها :- بعشق الهوا اللي بتتنفسه
جاسر بابتسامة ماكرة :- وايه كمان يا حبيبي !
كتم رعد ضحكته فهو يعلم ذلك منذ وقت طويل.....
يوسف بتنهيدة :- اهو كده ، بقيت صينية بشاميل طازة ، أحبك
هتف رعد بتعجب :- ما تبطل بقى أنا جوعت بسببك !
تطلع به جاسر بنظرة ماكرة ثم قال :- بما أنك اعترفت أنك وقعت فأنا مش هبخل عليك بالنصيحة
اتسع بؤبؤ عين يوسف وهتف :- يانهااااار...يااارعد الحق آسر قبل ما جاسر ينصحه.
تابع رعد تمارينه الرياضية وقال بلهاث وبدأت حبيبات العرق تقطر من جبينه :- وأنت ما تنصحهوش ليه ؟
قال يوسف وهو يبعد عينيه عنهم بتوجس :- طالب دليفري وزمانه جاي ، متوتر....
أشار جاسر اتجاه آسر وقال بابتسامة ماكرة :- اللي هقولهولك ده مش من فراغ...دي خبرة سنين أنحراف
نهض رعد من على الألة الرياضية والتقط المنشفة ليجفف وجهه وقال لجاسر :- بذمتك أنت منحرف كده مع خطيبتك وبتطبق نصايحك دي ؟!
اجاب جاسر بصدق :- مقدرش أقسم بالله....بتشخط فيا
نظر آسر لجاسر بدهشة وقال :- إيه ؟!
جاسر بتوتر :- ايه !
عادت النظرة الماكرة بعين جاسر حتى همس بشيء بأذن آسر جعله يبتسم مبتعدا وقال آسر بضحكة :- أنت فعلًا سافل !!
يوسف بغيظ :- ما تسمعش كلامه يا آسر ،أنا بشوف جميلة خطيبته بتزعقله لما بيبصلها أوي ، شوفته بعنيا الجوز وهو بيتهزأ وساكت
نظر جاسر ليوسف بحدة حتى قال رعد بلطف :- سيبك من ده كله
انطلق يوسف قائلا :- اااااه ، استمع بقى الفنان موسيقار العزف بالبطيء ...
أهمل رعد حديث يوسف ثم أستطرد قائلًا :-
_ طالما هي بتحبك يبقى هتسمعك ، قولها أنك بتحبها وهتتقدملها يوم خطوبتي بعد كام يوم....سيبها بقى وما تكلميهاش خالص لحد ما تكلم عم سمعه وعمي يكون معانا بالمرة....
اقترح يوسف :- طب مش احنا رايحين معاك النهاردة الحارة عشان تتقدم لرضوى.....طب ما آسر كمان يبقى معاك !
رعد :- ماينفعش....هي لسه زعلانة وممكن في عصبيتها ترفض ، هما البنات كده مجانين ، لكن لما يعترفلها الأول ويسيبها تهدأ هيكون احسن...
تساءل جاسر :- هتيجي معانا يا آسر ولا نظامك ايه ؟
وافق آسر على مضض......
**********
**بغرفة وجيه **
ارتدى وجيه سترته الكحلية الأنيقة أمام المرآة ثم نثر عطره القوي....التفتت للي بابتسامة وقال :- هتوحشيني على ما ارجع
عدلت للي رباط عنقه بنظرة محبة وقالت :- وأنت كمان
قبل رأسها قبلة طويلة ثم رمقها ببسمة رقيقة وغادر الغرفة.....
******
**بغرفة حميدة بمنزل والدها**
ارتدت رضوى رداء مناسب حيث الاستقبال فقط حيث قالت حميدة بضيق :- نسينا الجزمة بتاعت الفستان فوق وشريط الفستان كمان ، على الكنبة...
قالت سما بثبات :- هروح اجيبهم بسرعة...
خرجت سما من الغرفة واتجهت للخارج حتى ما كادت أن تخطي خطوة خارج باب المنزل وقد قابلها وجيه وهو يصعد على الدرجات وخلفه الشباب واحدا خلف الآخر.....
نظرت لهم بتوتر ولمحت آسر وهو يرمقها بابتسامة ماكرة حتى ركضت وصعدت لغرفتهم بالسطوح.....
دلف وجيه للمنزل بعدما القى السلام بينما همس آسر لرعد قائلا :-
_ ابقى قول لعمي أني نسيت حاجة في العربية وبجيبها
ضيق رعد عينيه بمكر وقال :- أنت رايح فين ؟ ما تتغباش !
وكزه آسر لينفذ حديثه حيث تسلل آسر للأعلى دون أن يراه أحد وهو خلف الشباب......
************
نظرته ،ابتسامته ، كل شيء به يربكها !! ماذا يقصد بتلك الابتسامة ؟!
ايقصد الود الذي فرغ ؟ أم يقصد ايلامها أكثر ؟!
دلفت للغرفة وهي تلهث....للحظات قد غاب عن عقلها لماذا اتت بالتحديد...كانت تنظر حولها وكل الأشياء أمامها غير مرئية.....تنهدت بضيق حقيقي...من ميلها لعذابها من جديد....من ضعف الحب الي اكتسح نبضها....منه هو ومن إصرار بالقرب والبعد بذات الخطوة !
بالكاد استطاعت تذكر ما اتت اليه ،أخذت الحذاء وشريط أسود يخص رداء رضوى ثم خرجت من الغرفة.....
السطوح غالبًا مظلم ، سوى أضواء النجمات ، خرجت بخطوات واهنة ، تجرها جرا حيث تخشب جسدها فجأة عندما انتبهت لصوته !!
يتقن الأختباء ، والانزواء ، والكبرياء ،ولكنه يريد عذابها ولا تعرف لماذا ! استدارت ببطء وقد جف حلقها تقريبا والتمعت بعينيها دمعة لم تعرف لما حضرت الآن....هل للسعادة أم الخوف ؟
عندما تقابلت أعينهما لم يلقي السلام...بل كان السلام هو ترجمته الحقيقية....قال بكل ما فيه من عشق :-
_ بحبك
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا