رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الحادى والخمسون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الحادى والخمسون
طـل ضياء القمر على شرفة غرفتـه..وتسلل الضوء منها بين النسمـات....نسمات تخللت أنفاسـه وهو يقف شارداً ناظرا أمامه للاشيء !!
ماذا تفعل بنا الحياة؟!
لماذا الحياة ترفض جميع اختيارتنا وتُبعدنا عن كل ما أردناه رغم أنها تضعنا بذات الطريق بعد ذلك !!
يُحبها...غارق تمامـًا في هذا الأمر...ولكنه لن يستطيع أعلان الموافقة على الاقتران بها...رغم أن قلبه يقفز فرحاً !!
هي من وضعت هذا الحاجز بينهما أم هو ؟! ربما كانوا سويًـا على خطى متعرجة بعثرت الأماني المخبأة بينهما دون إعلان مسبق للحب..
ولكنه غير قادر على الرفض أيضاً ! وكيف يقول لا لقربها ؟!
هو رجل...الرجال مشاعرهم تختلف عن الأنثى...لا ينكر أمام نفسه أنه يتلهف للقرب ، لقربها هي وليس غيرها...لابتسامة خجولة...لكلمة تجعلها تحمر خجلا...لهمس صوتها بجانب أذنيه...لعناق طويل بعد عتاب..
تبدو هذه الخواطر بعقله تخصها فقط...
لا يرى بخاطره وجه غيرها يشاركه جميع أحلامه...فتاة كالطفلة ولكنها بعثرت ثباته أمام قوته وكبريائه...
واحياناً يجعلنا الشوق المختبئ في حظر عن الموافقة أو الرفض...عن إعلان المسامحة أو الفراق...عن كل ما نريده ولا نستطيع قوله..
يبدو أن الحب حتى العذاب يبتسم فيه عشقاً....
كان ضوء الغرفة مغلق وهو يقف أمام باب الشرفة في الظلام...يكتفي بضي قمر الأحلام أمام عينيه...حتى أنتبه للضوء ينتشر حوله فأستدار بنظرة منزعجة ليرمقه جاسر بابتسامة ماكرة كعادته وقال :-
_ الـــف مبروك يا آسر
دلف الشباب أيضا وقال يوسف بحماس :-
_ احلى حاجة أن فرحنا كلنا هيبقى في يوم واحد ، كنت بتمنى كده من زمان بصراحة..
اقترب رعد إلى آسر الذي عاد لشروده ووضع يده على كتف آسر بلطف وقال :-
_ لو جتلنا هدية نفسنا فيها من زمان وقومنا وسيبناها يبقى ما نرجعش نزعل لو ضاعت مننا ، ممكن نكون زعلانين شوية بس المهم مانخليش زعلنا ينسينا احلامنا...وينسينا بكرة
ارتبكت نظرة آسر بعدما فهم مغزى حديث رعد ، لم ينظر إليه ، فقال جاسر بخبث :-
_ واحنا احنا هنتكلم بالألغاز ليـه ؟! هو زعلان منها دلوقتي بس اتحداه أن بعد الجواز هيفضل كده ! دي لو قالتله بحبك في ودنه هيتوه !
انخرط يوسف في ضحكات عالية بينما ظل آسر في صمته....استند رعد على الحائط بظهره ووضع يديه بجيوب بنطاله الرياضي وقال بابتسامة شاردة :-
_ اللي يلاقي نصه التاني ويضيعه يبقى غبي....اللي يلاقي انسانه يلاقي فيها قوته وضعفه ويسيبها يبقى هيندم طول عمره...
الزعل والخناق والكبرياء خلى ناس كتير تبعد ، وتعند ، رغم أن كل مشكلة ممكن تتحل بالمسامحة والود ، بالأحترام والحب...
تعرفوا....انا لسه فاكر نظرة أبويا وأمي زعلانة منه ، فاكر برضو نظرته لما بيصالحها...كان هو دايمـًا اللي بيصالحها حتى لو هي اللي غلطانة !
جاسر بإعتراض :- يعني تبقى غلطانة وأنا اللي اتحايل !! لا ياعم انا بحب أسيطر !
ابتسم رعد بسخرية:- سيطرة !! أنت فكرك السيطرة بالشخط والنطر ؟!
السيطرة أنك تمتلك روحها وقلبها...تخليها تخاف على زعلك ما تخافش منك ! يبقى ليك رصيد مسامحه لو غلطت...أصلك بشر وهتغلط اكيد...
يوسف بابتسامة صادقة :- أنا بحب كلامك يا رعد...كمل
نظر رعد بنظرة ماكرة لآسر وقال :- تعرف أنا لو منك يا آسر اعمل إيه؟
نظر له آسر نظرة جانبية متوترة....كان في لهفة ليجد إجابة لحيرته ، ليرشده أحدهم للصواب فتابع رعد بابتسامة :-
_ ما ابعدهاش...أصل رفضها كان قلة ثقة وأنت اللي وصلتها لكده...أخد وقتي لحد ما اروق بس وهي جانبي...مش أقول لأ ومش عايز !! ده الظروف بنفسها اديتلك فرصة تانية!! لو رفضت يبقى أنسى أي فرص للقرب تاني...
تنهد آسر بضيق شديد...وبشيء يعترك بصدره وبقلبه من صراع ما بين القلب والكبرياء...
يوسف بتأكيد :- عندك حق ، والله عندك حق
نظر رعد ليوسف بابتسامة عريضة وقال :-
_ أنت تعرف يا يوسف أنك أنجح واحد فينا في حياته الشخصية ؟
بساطتك وطيبتك وصلتك لقلبها بسهولة...ومش لقلبها بس لقلوبنا كلنا ، بستغرب من نفسي لما مش بغير من قربك لعمي وجيه وانك الأقرب ليه فينا كلنا...
وضع يوسف ساق على ساق بثقة وقال بابتسامة :-
_ عشان أنا الصغير فيكم ولازم ادلع
لكمه جاسر بضحكة على ذراعه :- لأ عشان أنت تافه ، وحد شخصيته حادة زيي محتاج حد تافه زيك في حياته
بدت ملامح يوسف مقتضبة فتعالت ضحكة جاسر بمرح ثم اقترب لآسر وقال بضحكة مكتومة :-
_ أنت أول ما تشوفها بكرة تثبتها كده وتقولها....بت أنا بحبك....وتخشن كده وأنت بتقولها...وبعدين تشتمها
اتسعت ابتسامة رعد بمرح حتى صاح يوسف برفض :- ماتسمعش كلامه يا آسر ده هيوديك في داهية..
تابع جاسر بنظرة متسلية وقال :- لو زعلت قولها...ايه ده أنتِ زعلتي ؟! أنا متأسف ياحبيبتي...وأشخط فيها هما بيحبوا العصبي..
يوسف بغيظ :- انا عرفت دلوقتي خطيبتك دايمـًا بتهزأك ليه !
احتد جاسر وهتف بعصبية :- محدش يقدر يهزأني....
نظر له الشباب ومن بينهما آسر فأعترف جاسر بعبوس :- إلا جميلة
تعالت ضحكات رعد ويوسف بينما ابتسم آسر ابتسامة خفيفة فقال جاسر بضحكة :- ايوة كده اضحك يا كئيب ،يابني أفرح هو حد طايل يفرح !
تاهت الابتسامة من على شفتيه مجدداً ، فالفرحة لا يشعر بها قلب مشتت ، لا يعرف للآمان طريق...
************
**بمنزل الاسطى سمعه**
هبت سمـا من مقعدها بعدما أخبرها والد حميدة أمر خطوبتها....جف ريقها تقريبـًا من المفاجأة...مع سعادة غامرة أخفاها الارتباك...يُجدد عهده !! ورغم ضيقها وما قاله إلا أنه أصرّ على القرب !!
ترددت ابتسامة في الظهور على شفتيها...ربما اخطأت الفهم فنظرت للرجل تريد التأكد فتطلع بها الاسطى سمعه مبتسما وكأنه يعرف ما بداخلها وأكد :-
_ عمه كلمني عليكي وأنا بصراحة مش شايف فيه عيب...شاب عاقل ومحترم وهيصونك ، غير كده أني بحب في الشباب دي أنهم بيكبروا لعمهم وبيعملوله ألف حساب ، ليهم كبير واللي ليه كبير ما يتخافش منه.
ابتلعت سما ريقها بصعوبة وبخجل شديد وودت لو تقفز فرحاً.....
هذه المرة لن تترك فرحتها...لن تترك الشك يتخلل لنفسها ويثقب سعادة القلب بمجيء الأماني على موكب العمر...
وما جعل شكها به يتبدد هو هذا العرض وما قاله خالد عنه....نظرت للأرض بخجل وابتسامة خجولة ثم قالت بتلعثم :- اللي تشوفه يا عمي سمعه
لم تنظر للرجل بل ركضت للخارج وصعدت لغرفة السطوح حيث الفتيات ينتظرنَّ بفضول...
**بغرفة السطوح**
تمددت جميلة بوضعية الجنين على جانبها الأيمن وعينيها لم تنفك عن سكب الدموع...ربتت رضوى برفق على كتفها وقالت :-
_ يعني للي كانت بتكدب لما قالت أن جاسر محدش لاقيه ؟!
حميدة بنظرة مغتاظة لرضوى :- لأ مكنتش بتكدب...أنا سألتها وفعلا جاسر فضل محدش عارفله طريق لوقت كبير لحد ما لقوه ، بس لما كلمت جميلة كانت بتحاول تخليها تفكر مش أكتر...
نظرت حميدة لجميلة التي لا زالت تبكِ وتساءلت بضيق :-
_ هتفضلي تعيطي كده لحد امتى ؟! انا شايفه أنه شاريكي وده شيء يريحك !
مسحت جميلة بضع من دموع عينيها وقالت :-
_ عشان كدب عليا ، فضل مفهمني أن علاقاته كانت عادية وطيش والحقيقة أنه كان....
لم تستطع جميلة المتابعة في الحديث ولكنها تابعت بكاء فقالت رضوى بمواساة :- ده كان قبل ما يعرفك يا جميلة...المفروض تحاسبيه من بعد ما عرفك...
نظرت جمبلة لرضوى بعصبية وهتفت :- طب ما الفيديو اللي سما شافته كان بعد ما عرفني وخطبني كمان !! كل ما اتخيل أنه كان مع واحدة وأنا معاه ببقى هتجنن...مش قادرة اقتنع أنه قاوم ، كل الموضوع أن لا الوقت ولا المكان يسمحوله باللي هو عايزه..
عبست ملامح حميدة من الحديث وقالت :- طب أهدي وحاولي تنامي عشان ترتاحي....
فتحت سما بهذا الوقت باب الغرفة ونظرت لهنّ بنظرة طويلة مبتسمة...نظرة تبعث الأمل....تتألق بالسعادة....ولكن ستتعامل هذه المرة مع السعادة بتمهل وتعقل....دلفت للغرفة والابتسامة على وجهها تدعو للتساءل.....قالت حميدة بشك :- أبويا كان عايزك في إيه ؟
قالت سما بعينين تلتمع بمحبة وأجابت :- آسر طلب إيدي...عمه كلم عمي سمعه واتقدملي..
نظر الفتيات الثلاث لها بأعين متسعة ، حتى جميلة تركت دموعها ونظرت لسما بدهشة ثم تهللت اساريرهنّ وركضوا الثلاثة إلى سما بضحكات ومباركة....قالت حميدة بابتسامة واسعة :-
_ اهو حلمك اتحقق يا سمكة زي ما اتمنتيه بالضبط ، الف مبروك يا حبيبتي
ضمت جميلة سما بقوة وهي تمسح دموعها وقالت بابتسامة :- مليون مبروك يا سمكة ، كنتي منكدة علينا بس الحمد لله هترجعي هبلة وفرفوشة تاني.
اتسعت ابتسامة سما بفرحة حقيقية فهتفت رضوى وهي تحاوط كتفيها بذراعها :- مش لازم واحدة فينا تبقى كئيبة ، خلونا نفرح شوية بقى
نظروا الفتيات لجميلة فقالت سما بلطف :-
_ عياطك مالوش داعي ، خلاص الفرح اتحدد وكله اترتب ، بصي لحياتك الجاية ماتبصيش للي فات
ابتسمت جميلة بأعين حمراء من البكاء :- عقلنا وبقينا ننصح أهو ، بس كده احسن...
تنهدت سما وشردت عينيها ثم اجابت :- كل ما افتكر أزاي كنت مدلوقة وساذجة في طريقتي وتصرفاتي استغبى نفسي أوي ، خليته يشك في تصرفاتي كلها وأن ممكن أتصرف كده مع أي حد...لو كنت أعقل من كده كان هيبقى احسن كتير...
رضوى بهتاف :- بطلوا نكد بقى ، انا مش مصدقة أننا هنتجوز في يوم واحد لأ وكمان هنعيش في مكان واحد ! ده زي ما يكون لما دعينا الدعوة دي باب السما كان مفتوح...
حميدة بنظرة راضية :- الحمد لله.
************
بالصباح.......في شركة الزيان...
**بمكتب آسر**
دلف الشباب الأربعة للمكتب وبدأ رعد في شرح ما سيفعلونه بخالد...قال يوسف وهو يرفع هاتفه على أذنه :- هتصل بحميدة عشان تجيب سما ونفهمها اللي هيحصل....
توترت عين آسر بشوق ولهفة جاهد أن يخفيهم بكل قوته....ورغم ما به من عصبية اتجاهها ولكنه يعشقها فماذا يفعل بقلبه !
انتهى الأتصال ومرت دقائق مرت على آسر ثقيلة مملة....بينما تلهف جاسر لرؤية جميلة ولكنه لن يتعجب أن تأت للعمل اليوم....
ثوانِ أخرى وانتبوا لقرع على الباب حتى فتحه يوسف لتظهر سما وحميدة خلفها......كانت جميلة أكثر من السابق ، اهتمت كثيرا بأناقتها لليوم...وأكثر ما أربكه هي القلادة التي أهداها لها بالأمس...ترتديها اليوم وكأنها تتحداه ! أو ربما تعني شيء ربما تمنى أن يكن صحيحا.....هرب بعينيه وتحرك لنافذة المكتب....مثل ما يفعل دائمًا !!
ولكن هذه المرة لم تغضب بل تمايلت ابتسامة على شفتيها ، تعرف أنه تؤثر على ثباته لذلك يهرب منها....
رمق يوسف آسر بغيظ ثم بدأ يتحدث وهو يعطي لسما أحد الأقراص المخدرة.....وقال :- هتحطيه في العصير....وقبل ما يتوه تخليه يمضي على الشيك ده
اخذت سما القرص وورقة الشيك المصرفي من يوسف حتى استدار آسر بنبرة أظهرت عصبيته :- لأ....تحطله العصير اللي فيه مخدر وتخرج من المكتب فورا...
يوسف بتعجب :- أزاي مش فاهم ؟!
آسر بعصبية :- أنت عايزها تفضل مع واحد مش واعي ؟! أنت مش قولت هتعمل أنت كده ؟!
يوسف بتوضيح :- ممكن يشك ، خالد دماغه تقيلة مش هيتوه بسهولة
هتف آسر بنبرة أشد عصبية :- وأنا قلت لأ يا يوسف
كتم جاسر ضحكته ثم همس ليوسف قائلا :- وافق قبل ما يبلعك
فهم يوسف الأمر فابتسم قائلا :- خلاص ...قدميله العصير بس قبلها بدقيقة رني عليا..
شاهد رعد الموقف بين الجدية والمرح بينما ارتبكت نظرات سما والاعين مسلطة عليها وعلى الحرب الباردة بينها وبين آسر....وسراً أرادت أن تضحك عاليا بسبب الغيرة النارية التي أصبحت من سماته بالآونة الأخيرة....
رمقت حميدة سما بابتسامة ونظرة جانبية ثم قالت :-
_ طيب كده تمام ، سما بقى تروح المكتب قبل ما خالد يجي ، هو مش بيجي بدري....
تحركت سما بجسد ينتفض من الخجل وهي تدرك نظرته المثبته عليها وكأنه يمنع من الابتعاد...
خرجت ومعها حميدة فأغلق يوسف الباب خلفهم وتوجه لآسر قائلا :-
_ ما تزعقليش كده تاني يا آسر !
آسر بعصبية :- ماهو مستحيل اسيبها مع واحد المفروض أنه مش داري ومش واعي باللي بيعمله ! كفاية أني وافقت أنها تكمل الخطة دي !
يوسف بغيظ :- زي ما زعقتلي هزعقلك قدامها ها
ارتفعت ضحكة رعد قائلا :- بطلوا خناق وخلينا في اللي احنا فيه...
**********
**بمكتب خالد**
جلست سما والابتسامة على ثغرها تتسع لضحكة حتى دلف خالد بعد لحظات ولاحظ شرودها وابتسامتها فقال بمكر :-
_ صباح الخير يا سما....انا متفائل
كان يظن أن سيتلقى خبر موافقتها اليوم وتفائل بتلك الابتسامة الصباحية فأجابته بسخرية أخفتها :- صباح النور...وأنا كمان متفائلة جدًا
رمقها بخبث ثم دلف للمكتب وتصنع الجدية بعض الشيء.....تنفست الصعداء وتمتمت بغيظ من سماجته حتى تلقت صوته من جهاز الارسال يطلبها بالمجيء....نهضت وهي تزفر بحدة وأخذت معها بعض الأوراق.....
دلف للمكتب بنظرات جدية فوجدته يقف باستقبالها....تعجبت من الأمر وبدأت الحديث بشؤون العمل.....قاطعها قائلا بابتسامة ماكرة :-
_ شكل الرد هيكون زي ما أنا عايز....وشكلنا هنتخطب قريب
صرت على أسنانها بضيق وغيظ واحتارت بالاجابة ثم قالت :-
_ هيوصلك النهاردة اكيد...ما تستعجلش
نظرة التأكيد بعينيها تعني أن بأجابتها شيء...ظنه الموافقة فاتسعت ابتسامته قائلا :-
_ أخترتي صح
ابتسمت بصدق وتاهت بعض الشيء....رغم أنه مخادع ولكن جملته أصابت الحقيقة...نعم كان اختيارها هو الصواب...ذاك الآسر كان اختيارها دائمـًا وسيظل اختيارها الوحيد...بكل ما به من عيوب تحبه !!
قالت بنظرة راضية وتذكرت المخطط:- اجيبلك حاجة تشربها ؟
ضيق عينيها بتعجب....لأول مرة تهتم بذلك وهذا ما اكد له ظنه بموافقتها....قال بترحاب :- اكيد طبعا...اطلبي أي حاجة تحبيها مع فنجان قهوة ليا...
هزت رأسها بموافقة وخرجت من المكتب....
جذبته تلك الفتاة...ببرائتها ، وطفوليتها ، وسذاجتها ، بكل شيء يظهر منها من ضعف !! ابتسم بتعجب من نفسه وجلس على مقعده مجددًا....
أتى الساعي للمكتب بعد دقائق من طلب سما ووضع المشروبات على مكتبها وذهب....أخرجت سما هاتفها والقت اتصال على يوسف سريعا ثم اغلقت الهاتف ووضعته على المكتب.....ثم وضعت قرص المخدر بالقهوة وتمنت أن لا يتعكر مذاقها ولو قليلًا
انتظرت يوسف حتى أتى وقال بصوت خافت :- ادخلي ولما يشرب القهوة اخرجي وسيبيني معاه....
وافقت دون جدال ثم أخذت المشروبات ودلفت لمكتب خالد بينما تخفى يوسف حتى لا يراه.....
وضعت سما القهوة أمامه على المكتب تحت نظراته المدققة بتفاصيل جسدها وكأنها بالفعل أصبحت ملكه !!
أشار لها لتجلس فوافقت تحت ضغط حتى يشرب قهوته المخدرة...اخذت كوب العصير بابتسامة مزيفة وأشارت له ليرتشف قهوته....
رفع خالد كوب القهوة لشفتيه وبدأ يرتشف ببطء....اعتقدت أن الأمر سيكن أسرع من ذلك ولكنه بدأ يتحدث بعدة أمور وهي تنظر له بتيهة وتنتظر مفعول المخدر......ربما بطأ المفعول بسبب القهوة ذاتها !!
لم يأت بعقلها ذلك الأمر ولكن بالتأكيد سيكن للقرص مفعول وأن قل بسبب الكفايين....مر وقت حتى بدأ خالد يظهر عليه بعض التلعثم في الحديث وعينيه بدت ذابلة وتائهة وكأنه يقاوم الغفوة......
نهضت من مقعدها وقالت سريعا :- طب هرجع واكمل شغلي....
اشار لها لتجلس وهو يقاوم عينيه التي تغلق رغم كل محاولاته ولكنها خرجت راكضة......
استقبلها يوسف بغيظ وقال :- اتأخرتي ليه كل ده ؟!
اجابته سريعا :- مكنش لسه تاه معرفش إيه السبب ، ادخل بسرعة وخلص موضوع الشيك ده...
اخذت سما الشيك الذي اخفته ببعض الأوراق فأخذه يوسف من يدها مع ملف أوراق ودلف للمكتب سريعا....
رمقه خالد بتعجب ثم مرر يده على رأسه بضيق وتمتم :- دماغي...مش عارف مالها !
ادرك يوسف أن مفعول القرص بدأ يعمل فوضع ملف الأوراق أمام خالد قائلا بعجالة :- عمي باعتلك الورق ده تمضيه بسرعة عشان محتاجه
أغمض خالد عينيه بقوة من ثقل رأسه فهتف يوسف يحسه على الانتهاء....رفع خالد قلمه وبدأ يوقع على الأوراق دون مراجعة أو تدقيق فقال يوسف بتحذير:- ركز عشان الورق يبقى سليم ومايرجعش تاني
هز خالد رأسه بالايجاب حتى اتى ورقة الشيك فضغط يوسف بيده على نصف الملف وقال بعجالة :- امضي يا خالد بسرعة مالك كده ؟!
نظر له خالد بأنزعاج وبدأت الرؤية أمامه مشوشة شيء فشيء حتى وقع جميع الأوراق دون أن ينظر لأي ورقة وكانت أنامله تفعل ما اعتادت عليه بينما لم عيناه في التدقيق بسبب ضياع التركيز وحيز كبير من الوعي...
رفع يوسف الملف امام عينيه بابتسامة منتصرة ثم نظر لخالد الذي سقط رأسه بين يديه وبدأ يظهر وكأنه مخمور.....تركه يوسف وذهب المكتب للخارج....أشار لسما باتمام الأمر وقال بعجالة :- تعالي ورايا
وافقت وهي تتنفس الصعداء وأخذت حقيبتها وتوجهت للخارج بينما يوسف توجه مباشرةً لمكتبه حيث ينتظره الشباب.....
خرجت سما من المكتب فتذكرت أنها تركت هاتفها فعادت للمكتب لتأخذه سريعاً.......دلفت مرة أخرى للمكتب ومضت باتجاه الهاتف الخاص بها وحملته ثم همت بوضعه في حقيبتها لتجد من يخرج من المكتب وينظر لها نظرة عميقة.....وخطرة.....
نظرته كانت غائبة عن معنى الصواب من الخطأ ، اذهبت عقله عن كل شيء وبدا تفكيره بالكامل مشوش...جف ريقها وهي تنظر له بخوف وابتعدت عنه لتركض بعد ذلك ولكنه لحقها سريعا واغلق باب المكتب....قبض على معصمها وهو يتحدث بتمايل وسكر.....قال خالد بضحكة عالية تلاها كلمات متقطعة :- بتجري...مني
حاولت الافلات منه ولكنها كانت أضعف من قوته بكثير حتى دفعها بعنف داخل مكتبه فصرخت بأعلى صوتها.....
************
عاد يوسف لمكتب آسر مبتسما سعيدا وصاح بانتصار :- كله تمااام
توجه آسر بتساءل وتعجب :- وسما فين ؟!
نظر يوسف خلفه بدهشة وقال :- كانت جاي ورايا راحت فين ؟!
حملق آسر بوجه يوسف للحظات حتى بدت عينيه ككتل مشتعلة من الجمر وركض من المكتب بأسرع خطواته....تبعه الجميع ومعهم حميدة التي شحب وجهها خوفا من أن يمس سما مكروه....
صرخت سما وهي تبكِ وتشير لخالد كي يبتعد فقد طفا مفعول القرص المخدر وبدا خالد كالمجذوب.....صرخت :- ابعد عني
ضحك عاليا وقال وهو يترنح بغير إتزان :- وليه ابعد طالما عايز أقرب !
بدأ يتحدث بكلمات غير مفهومة وليته يسقط مغشيًا عليه بل وكأنه فقد كل شيء عدى قوته....
انتفض جسدها وعينيها تفطر دموع حتى انتبهت لكوب العصير الذي كانت ترتشف منه منذ وقت.....
كادت أن تأخذ الكوب حتى اقترب خالد فصرخت وابتعدت عنه بزاوية أخرى...
انتبهت سما فجأة لصوت قرع شديد على الباب وصوت آسر يتسرب اليها وهو يلفظ الشتائم ويصرخ بغضب.....
الباب على يمينها وهذا المخمور بالجانب الآخر يقترب اليها....ركضت سريعا لتفتح الباب الذي اغلقه خالد من الداخل ولكنه لحق بها وجذبها بعنف اليه فحركت سما القفل قبل أن تدفعها يد خالد بعنف على المكتب وصرخت ألم شديد من ارتطام رأسها بالمكتب....
استطاع آسر فتح الباب بعدما فتحته سما من الداخل قبل أن يجذبها خالد فهجم على المكتب بنظرات شرسة ومعه جاسر ورعد ويوسف الذي تحولت نظراتهم للكره والاحتقار....
هجم آسر على خالد وسدد له عدة لكمات عنيفة بكل قوته وساعده الشباب في ذلك......
صرخت حميدة عندما اتت راكضة وشاهدت سما تسقط فاقدة الوعي....
انتبه آسر للصوت فاتسعت عينيه بذهول من التي سقطت على الأرض مغشيا عليها....
***********
**بمكتب وجيه**
وقف رعد ويوسف وجاسر بجهة وخالد بجهة أخرى أمام مكتب وجيه الذي كان ينظر لخالد بأحتقار وغضب هائل وهتف :-
_ احمد ربنا أن البنت بخير واللي حصلها مجرد جرح في رأسها والا كنت هسجنك بإيدي يا حيوان
اجاب خالد بعدما استفاق من مفعول المخدر ونظراته تهدد بالانتقام وقال بحدة :- اللي عملته مكنش بإردتي ولو حد يستاهل العقاب فمش أنا ، حضرتك عارف أن اللي حصل كانوا هما اللي وراه انا مش بتعاطى مخدرات !!
جاسر بنظرة غاضبة :- وبالنسبة للفيديو ؟ بتراقبني !
نظر اليه خالد بمكر وقال :- الفيديو وصلني من رقم غريب ، انا مراقبتكش اصلا !! وبالنسبة لسما فعملت كده عشان توافق لأني بحبها ، لكن مكنتش هأذيك حتى لو رفضت..
ضيق جاسر عينيه بسخرية فقال رعد بحدة :-
_ كداب ، وكل اللي بتقوله مش منطقي
يوسغ بعصبية :- الشيك اللي معانا يوديك في داهية ، أنت تخرج من هنا ومش عايزين نشوف وشك تاني ولو فكرت تأذي حد فينا ولا حتى تبصله فجهز نفسك للسجن والا تحضر ١٠٠مليون جنيه تدفعهم !
اقتدح الغضب بعين خالد وشعر أنهم قيدوه بداخل هذا الأسر.....هتف وجيه بغضب :- مالكش مكان هنا يا خالد ، كفاية مشاكل لحد كده ، الشيك ده محدش هيعمل بيه حاجة لو أنت بطلت تجري في الشر لكن فكرت تعمل حاجة ما تلومش غير نفسك وعلى فكرة أنا مكنتش مستني شيك عشان اوقفك عند حدك...لكن صلة الرحم هي اللي موقفاني لحد دلوقتي...بس في النهاية انا معنديش أغلى من ولادي واللي يأذيهم امحيه من على وش الدنيا....قدم استقالتك فورا
نظر خالد لوجيه بنظرة طويلة ضيقة وقال بغموض:-
_ حاضر....هقدم استقالتي وامشي
خرج من المكتب بنظرات شرسة انتقامية حتى تنهد وجيه وقال :-
_ هيضيع نفسه بأنانيته وكرهه للي حواليه ، مكنتش أحب اطرده بس وجوده هنا اكتر من كده هيسبب مشاكل كتير أنا في غنى عنها.....والحمد لله انها جت على اد كده....آسر فين ؟
أجاب يوسف بهدوء :- مستني الدكتور اللي بيكشف على سما بسبب الجرح اللي في رأسها...هو جرح مش كبير الحمد لله ولكن نزف...
نهض وجيه من مقعده وقال :- تعالوا نشوفها
********
انتظر آسر الطبيب حتى انتهى من عمله وخرج معه حميدة وجميلة ورضوى من المكتب حتى هرع اليهم وقال :- عاملة ايه ؟
طمأنه الطبيب وقال :- جرح سطحي ، بس زيادة اطمئنان نعمل أشعة على المخ نطمن...
هز آسر رأسه بموافقة وشيء من الاطمئنان تسلل اليه...تطلعت به حميدة بنظرة هادئة وقالت :- اطمن هي بخير وفاقت وبقيت كويسة أوي
تنهد آسر براحة ونظر لها نظرة امتنان ثم قال بلهفة جاهد ليخفيها :-
_ ممكن أشوفها ؟
وافقت حميدة وقالت :- ممكن طبعا ،بس خلي الباب مفتوح وأنت داخل
دلف آسر للمكتب سريعا واخفت حميدة ابتسامة ثم تحدثت مع الطبيب للحظات قبل أن يرحل.....قالت حميدة للفتيات :-
_ روحوا لمكاتبكم بقى هي بقت تمام وبخير
انصاع الفتيات للأمر وذهبوا لعملهم بعدما اطمأنوا على سما..
***********
استندت سما برأسها على الأريكة الجلدية السوداء وطافت ابتسامة على محياها كلما تذكرت هجومه للمكتب وتفوه باسمها....خوفه عليها لهذه الدرجة أكد حبه ، وصفع مخاوفها....خرجت بهذا المكسب بهذا الجرح الصغير برأسها....تفاجئت بدخوله فشعرت بموجة من الدوار والخجل بآن واحد....
اقترب اليها بخطوات مترددة....ونظرات مرتبكة...قلقة ، وملتهفة لرؤيتها...تطلع بها عن كسب فقالت وهي تعتدل بمقعدها :- أنا كويسة
اجابت على سؤال عينيه.....شعرت بألم بمجرد أن تحركت قليلا فتأوهت بصوت مسموع....ضاق لصوت تألمها وكأنها تصرخ بداخله....قال :-
_ مجتيش ورا يوسف ليه ؟! مكنش حصل كل ده
ابتلعت ريقها واوضحت الأمر بصوت يبدو ضعيف :-
_ نسيت تليفوني ورجعت أخده ، فجأة لقيته قدامه وقفل المكتب قبل ما أهرب منه...
شعر آسر بنيران تشتعل بداخله وشعر بأنه يريد رؤية خالد الآن ليوسعه ضربا مرة أخرى ويشفي غليله....فتابعت ببسمة خفيفة :-
_ بس أنت جيت بسرعة ، فتحتلك الباب وهو زقني واتخبطت في المكتب...
هتف آسر بعصبية :- كفاية بقى !!
قالت وهي تخفي ابتسامتها :- كنت خايف عليا ؟
التفت لها بنظرة غاضبة وعاتبة ، هل ما زالت تتساءل ؟!
ما زالت تشك في عشقه الى الآن ؟! غبية !
كررت سؤالها عندما لاحظت صمته وأضافت :- مش بترد ليه ؟
قال وتظاهر بالجدية واهمل سؤالها عن قصد بينما فتح يوسف الباب ودلف ومعه وجيه وأبناء الأعمام....
وقف وجيه أمامها متساءلا بابتسامة هادئة عن حالتها فأجابت :-
_ أنا بخير الحمد لله
قال وجيه ملطفا الأجواء :- طب خفي بسرعة بقى عشان كلها يومين على الخطوبة يا عروسة...ولا أنتِ رأيك ايه ؟
احمر وجهها بخجل ونظرت لجهة أخرى بابتسامة بسيطة ظهرت رغما عنها قال وجيه بلطف :- يبقى نقول مبروك....
تسللت نظرة آسر اليها في شيء من العشق والتمنع في التراجع عن كبريائه....
هتف يوسف :- نجهز بقى للخطوبة...خطوبة ايه ؟! نجهز لفرحنا يا عمي
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا