رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الخامس والخمسون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الخامس والخمسون
بالطريق المجهول....
أشار آسر للسيارة التي أنتبه لصوت قدومها بالطريق....توقفت السيارة وخرج من نافذتها رأس أنثوي صغير لإمرأة يبدو أنها لم تتعدى الثلاثين من عمرها...تساءلت المرأة بلطف :- اقدر اساعدكم بحاجة ؟
نظرت سما لآسر بشيء من الغيرة نظرا للجمال التي تتسم به فتاة السيارة وسبقته قائلة :- ممكن توصلينا معاكِ ؟ عربيتنا عطلت ومش لاقيين مواصلة هنا !!
ترك آسر الأمر بابتسامة استطاع أخفائها....كانت سمات الغيرة تتضح بعينيها...فأن الغيرة فاكهة طيبة المذاق كلما أشتد لذع مذاقها..قل الاستمتاع بها...ولكنّ غيرتها كانت محببة لنفسه....
طفولية بعض الشيء....
الغيرة..أثبات المحبة دون أعتراف....دون كلمة أحبك
فكانت نابعة منها بنسمة قريبة لزهور قلبه الذي تفتحت لها فقط.....أجابت الفتاة الأخرى بموافقة :-
_ مافيش مانع...أنا مش هقدر أوصلكم للآخر لأني رايحة لناس قرايبي على بعد ساعة بالعربية من هنا...لو موافقين تعالوا معايا
قال آسر وهو يجذب يد سما إلى السيارة :-
_ موافقين طبعاً....المهم مكان يكون فيه معمار اقدر اتصل فيه بالفندق...
فتح باب السيارة واشار لسما بالدخول فجلست بالمقعد الخلفي وجلس بجانبها.....استدارت الفتاة بابتسامة لطيفة وبيدها هاتفها قائلة :-
_ تقدر تتصل بالفون بتاعي مش لازم لما توصل الفندق...أتفضل
أخذ آسر الهاتف منها بنظرة أمتنان وشكر فرمقته سما بغيظ.....
دبت الحركة بالسيارة ومضت تنهب الطريق سير.....
بعد دقائق قليلة انتهى آسر من الاتصال بالفندق الذي تركه ليخبر سائق العربة الخاص بالفندق أنهم بخير وعليهم أن يرسلوا الحقائب الذي تركوها بالسيارة قبل الخطف الى فندق الاسكندرية ثم املاهم العنوان بالتفاصيل.....
اعطى الهاتف لصاحبته بكلمات شكر صادقة.....همست سما باستفهام :-
_ هنوصل اسكندرية أزاي واحنا مش معانا فلوس ؟!
أجابها وقد أحاط كتفيها بذراعه بشيء من التملك :-
_ لحسن الحظ ان المحفظة بتاعتي فضلت في جيبي وما وقعتش ، وكمان فيها الـ credit card
نظرت سما بابتسامة وقالت بحماس :- عامل باقة يعني...جــــــدع
نظر لها لدقيقة بمحاولة أن يستوعب أجابتها ثم ابتسم لتتسع ابتسامته الى ضحكة جاهد ليكتمها وقال :-
_ آه باقة اجدع ناس...بـ سبعة جنيه وربع ، هغرقك دقايق وفليكسـات
ظهرت أسنانه البيضاء بابتسامة عريضة فرمقته بتوجس وقالت :-
_ هو أنا قلت حاجة غلط ولا إيه ؟! هو مش الكريتيت كارت ده كارت شحن ؟
نظرت له بعينيها الواسعة تنتظر الأجابة فارتفع صوت ضحكته رغما عنه وردد جملتها :- كريتيت كارت !
قالت سما بتصحيح :- يبقى شحن على الهواء...اه كده صح
مرر آسر أصبعه على ارنبه أنفه وتحكم بضحكة مرة أخرى ريثما أنه لمح الفتاة التي تقود السيارة تكتم ضحكتها ويبدو أنها انتبهت للحديث....قال بهزة من رأسه وموافقة :- آه بشحن على الهواء...أصلي ببقى حران وأنا بتكلم في التليفون....واسكتِ بقى
نظر لها بابتسامة عريضة رغم نبرته التحذيرية فقالت بثقة :-
_ دايمًا بتكره اللي فاهمك...الله يمسيكي بالخير يا ابلة توحة
تحدث آسر بابتسامة وقال :- دي مدرسة الانجلش بتاعتك ؟
نفت سما ثم أجابت بفخر :- لأ.....التدبير المنزلي...مش عارفة افتكرتها ليه دلوقتي...يكونش جعانة ؟ اوف كورس
ابتلعت آسر ريقه وقاوم موجة من الضحك فقال :- ده تمامك في الانجلش ؟!
اجابت سما بتأثر :- دي آخر حاجة مستر بهنسي كتبها على السبورة قبل من مايشد في شعره من ذكائنا...ذكائي انا تحديداً...يــــاه...فكرتني بأيام ماشوفتش فيها الفصل قد ما اتذنبت في الحوش...حوش اللسكول بتاعتنا....المدرسة يعني لو مش فاهم
وضع آسر راحة يده على فمها وقال بابتسامة واسعة :-
_ أبوس ايدك كفاية كده...
سهمّت طرف عينيها ليديه على فمها....ونظرته القريبة منها....تبدل مرحها للأرتباك الشديد...لقربه الخطر...
تطلع به ببسمة حنونة...لوعد تاق ان يتفوه به...ووعد أن تظل حبيبة عمره بأكمله...ولهفة من نوعٍ خاص التهبت بها عيناه...
فتبدل المرح سكون منبعث من نظراتهما....من هدوء ما بعد العاصفة..من قوة نظرة قالت أحبك بصمت...فكانت أقوى من جميع الأحاديث..
*******
**بقصر الزيان **
خرجت "للي" من نوبة بكاء جعلت عينيها شديدة الأحمرار...ولأول مرة تحمد تأخر زوجها بالعمل.....جلست بغرفتها بجانب الهاتف بعدما بحثت طويلا عن رقم الضابط "رأفت" بأجندة الهاتف....أجرت اتصال على الرقم حتى أجاب رأفت بعد قليل :- الو...مين معايا ؟
اذدردت للي ريقها بصعوبة وقاومت دموعها حتى تستطع التحدث فقالت بتلعثم :- أنا للي...حرم وجيه الزيان..
تعجب الضابط من اتصالها به وقال في قلق :- اهلا بيكِ... حصل حاجة تاني ؟!
ارتاحت بعض الشيء لفتحه هذا الامر فقد سهل الأمر عليها بالشرح فقالت :- وجيه كلمني عن مساعدتك في موضوعي....عشان كده اتصلت بيك وطالبة مساعدتك مرة تانية لأني في مصيبة ، وخايفة أقول لوجيه لأني عارف هيكون رد فعله ايه....
قال الضابط بثبات :- اتفضلي قولي اللي عندك وما تقلقيش
بدأت "للي" الحديث وروت كل شيء عن تلك المكالمة الكارثية.....حتى ختمت حديثها ببكاء وقالت :-
_ خايفة أقوله ولازم أقوله....بس لو قولتله معرفش الأمور هتوصل لفين خصوصا أن راشد ده مجرم ، اكتر من حسام بكتير..
رد الضابط بعصبية :- حسام ده حقير بشكل مش طبيعي...يخصك في وصيته على أي اساس !!
قالت للي وهي تحاول التحكم قليلا بدموعها :-
_ ماهو عشان مابقاش له سلطة عليا أو أمر...عمل وصية قبل ما ينتحر بأن في ورق ومستندات تخص راشد وأخو مراته توديهم في داهية...المستندات دي مع حد مجهول يعني راشد مستحيل يوصله أو يعرف هو مين....وبكده راشد مش في ايده حاجة غير أنه يضغط عليا أطلق من وجيه وينفذ شرط حسام عشان المستندات ما تتسلمش للشرطة ويتقبض عليه....منهم لله
تمهل الضابط رأفت في الرد ثم قال بعد لحظات :-
_ يعني لو ما اتنفذش الشرط... المستندات هتتسلم للشرطة....طب تمام !
نهضت للي بعصبية وقالت :- تمام ايه !! راشد هددني لو ما اتطلقتش هيموت وجيه !! أنا مستحيل أعرض جوزي للخطر خصوصا أني متأكدة أن راشد مابيهددش وخلاص...طالما قال كده يبقى هينفذ بمنتهى السهولة ومتنساش أن الموضوع مرتبط بيه هو شخصيا وبأمانه يعني أنا في كارثة حقيقية....
زفر الضابط رأفت بضيق ثم قال :- طب سبيلي الموضوع ده وهرد عليكِ بأسرع وقت....ممكن مايكونش في مستندات أصلا وحسام لعب لعبة قذرة وانتحر...
للي بنفي :- ما اظنش...حسام في الفترة اللي اتجوزته فيها كان دايمًا بيشيل أوراقه في خزنة سرية....كنت ساعات بسمعه بيضحك ويقول أن مسيره هيقضي على راشد....لما اتطلقت منه سبتله البيت طبعا واتنازلت عن كل شيء...واكيد هو مش غبي عشان يسيب الورق ده في شقته لسه !
الضابط بدهشة :- لما هو معاه أوراق تدين راشد ليه انتحر !! كان ممكن يبلغ عنه وخلاص !
أجابت للي بتوضيح :- حسام كان مريض نفسي بدرجة خطيرة ، غير كده عارف أن راشد هيكتشفه وهيقتله حتى لو دخل السجن...كان عارف أنه ميت في كل الاحتمالات فقرر يموت نفسه...خمس سنين عشتهم معاه خلوني افهم هو بيفكر أزاي.
فهم الضابط رأفت توضيحها فقال :- طب زي ما قولتلك...سبيلي الموضوع ده لحد بكرة واتصلي بيا زي دلوقتي ، بس ياريت وجيه مايعرفش حاجة لأني مش هقدر اتوقع رد فعله هيكون أزاي...
وافقت للي وقالت :- أنا مرعوبة أقوله....مش منه بس عليه...هتصل بحضرتك زي ما اتفقنا ويارب تلاقي حل
الضابط بهدوء يشوبه بعض القلق :- بأذن الله
انتهى الأتصال....هدأت للي قليلًا كالتي تمسكت بالقشة قبل الغرق ووجدت بها أمل النجاة....
بعد مرور ساعة من الزمن عاد وجيه للقصر وصعد غرفته مباشرةً.....
كانت بهذا الوقت انتهت من الاستحمام وخرجت برداء صيفي قصير بلون الكرز الأحمر....صفت عينيها من تعكر الدموع بعض الشيء ووقفت أمام المرآة تمشط شعرها الأسود الطويل...
فتح وجيه باب الغرفة بنظرة مشتاقة لرؤيتها....ابتسم بمحبة وكأنها الزهرة الوحيدة المتفتحة بموسم الخريف....توجه إليهـا وأحاط خصرها بذراعيه من الخلف وهمس بأذنها قائلا بشوق :- ما رخمتيش عليا النهاردة وانا في الشغل وما اتصلتيش خالص....وحشتيني
كانت تشعر بأقترابه...ولكن تحب ضمته المفاجئة حتى لو هكذا تبدو....استدارت له سريعاً ونظرت له بمحبة وخوف من حرمانها منه.....من انتزاع هذا العشق من أيامها....ارتمت على صدره ولم تستطع التحكم بدموعها.....وبخت نفسها لذلك ، فأحاطها بذراعيه وانتظر سكونها بعد ضمها.....ووضع جميع الأبجادية في لمسة يديه وهو يمررها على رأسها بحنان...قال بقلق :- مالك ياحبيبتي بتعيطي ليه ؟
ابتلعت ريقها وابتعدت قليلًا متظاهرة بابتسامة مزيفة :-
_ لا أبدًا...قلبي اتقبض فجأة لما اتأخرت....بس وصلت بالسلامة الحمد لله
ابتسم ويديه تجذبها مجددًا لصدره وهمس برقة في أذنها :-
_ خلاص مش هتأخر تاني....اوعدك
تنفست بعمق ورأسها على قلبه...تضرعت لربها أن يضع الآمان بقلبها من جديد.....قالت بنبرة هادئة :- هنتعشى هنا
قال بتعجب :- كنا متفقين نتعشى برا النهاردة !!
نظرت لعينيه بمحبة وقالت :- غيرت رأيي....خلينا هنا لوحدنا احسن
رفع انامله لذقنها بنظرة مشاكسة وقال بمكر :- زي ما تحبي...
*********
**بغرفة الفندق**
وقفت حميدة أمام خزانة الملابس بحيرة....شعرت بخجل شديد من ارتداء أحد الفساتين القصيرة المعلقة بالمشجب...وعدد آخر شبه عاري...مطت شفتيها بحيرة وخجل وهي تتمتم....
دلف يوسف للغرفة بنظرة متسلية للحيرة البادية على وجهها ثم اقترب متسائلًا بابتسامة واسعة :- حيران كده ليه يا حميدوو
التفتت له بغيظ وتبدد خجلها لتهتف :- برضو حميدووو !! ماشي يا يوسف....
نظرت للملابس مرة أخرى وانتقت أقصر رداء وقع عليه نظرها وقالت :-
_ لو سمحت ما تكلمنيش ولا كلمة بعد حميدو دي....كده هبقى حميدة
أشارت لما بيدها بغيظ فقال ضاحكا :- كده تبقي حبيبتي....بسرعة بقى عشان بعت جبتلك تشكيلة حلويات من اللي أنا بحبها
ابتسمت بسخرية وقالت :- يبقى كلها أنت !!
أجاب بمرح :- معنديش مشكلة...بس هتفتحي نفسي
اتسعت ابتسامتها بنظرة تحب هذا الطفل في عينيه وقالت :-
_ يوسف أنت أزاي بتاكل كده وما ببتخانش ؟!
أجابها ببسمة واثقة :- قدرات
رفعت حاجبيها تعجباً وقالت :- قدرات ! طب اعمل إيه عشان اكل وما اتخانش زيك ؟!
جذبها اليه بنظرة ماكرة وأجاب :- لأ أنا عايزك تتخني
ابتسمت بنظرة مشاكسة :- يعني بتحب التخان ؟!
أقترب بنظرة عميقة لعينيها وقال بهمس يشوبها المرح :-
_ بحبك أنتِ ، اتخني براحتك يا حبيبتي
ارتفع صوتها ضحكتها فراقبها مبتسما بنظرة عاشق متيمُ....
أمام شاشة التلفاز بالجناح الخاص بهما......
اجلسها بجانبه على الأريكة بالقماش المخملي.....أخذ قطعة من الحلوى ووجهها الى فمها بابتسامة وكأنه يعامل طفلة....تذوقتها بشهية من يديه وفعلت مثله......لمحت ستائر النوافذ تطاير بفعل الهواء المنبعث من الخارج فقالت :- مكنتش اتخيل ابات يوم واحد في مكان على النيل !
نهضت بإنجذاب شديد اتجاه باب الشرفة الشبه مغلق وفتحته قليلًا تستنشق الهواء الحر ملء رئتيها.....تبعها يوسف وأحاط بذراعيه خصرها مسنداً ذقنه على كتفيها بابتسامة حالمة.....أجاب :-
_ هجيبك هنا على طول....هيفضل المكان ده فيه أجمل ذكرياتنا ، أنتِ أجمل حاجة سكنتني....
ابتسمت بتنهيدة وسعادة حقيقية وهي ترى من بعيد الاضواء الساطعة على مجرى المياه الزمردية بقتامة.....ظل يهمس لها بكلماتٍ جميلة....منها ما جعلها تبتسم ومنها ما جعلها ترتبك خجلًا..حتى انتبهت ليده التي امتدت لتغلق النافذة أمامهاونظرته لم تحيد عنها....
**********
بفندق جزيرة سانتوريني......
وقفت رضوى بشرفة الغرفة تنظر بأنبهار لتلك المباني التي يغلب عليها اللون الأبيض وكأنها حليب مسكوب على الصخور....ريثما تحت الأضواء الساحرة لأحد الشواطئ السياحية المطل عليها هذا الفندق....
قالت بابتسامة ونظرة محبة لهذه المناظر الطبيعية الخلابة :-
_ الله....ايه الجمال ده ! شيء مش طبيعي
ارتشف رعد بعضا من مشروبه الساخن وقال بابتسامة ونظرة عاشقة لملامحها السمراء وشرقية عينيها :-
_ كل شيء بيبقى أحلى مع حبايبنا ، تفتكري لو أنتِ هنا لوحدك كان هيبقى ده نفس رد فعلك ؟
نظرت له بتوتر واخفت نظرة عينيها من مكره....اتسعت ابتسامته بمكر وارتشف من المشروب مرة أخرى بنظرة ماكرة.....ابتلع ما في فمه فقالت هي ببعض التمرد :- تقصد ايه يعني ؟!
نظر رعد لما حوله بصمت وابتسامة حتى نظرت لما ينظر اليه لتكتشف ملاحظاته وما يفكر به ، وضع الكوب على الطاولة وجذبها اليه بقوة قائلا بصوت خفيض بأذنها :-
_ يعني أي مكان مهما كان جماله محتاجين اللي نحط ايدنا في ايديه ونجري ونضحك ، لو لوحدنا هنقعد ساكتين مابنتكلمش...احساسنا بالوحدة هينقص متعتنا بالسفر....
همس صوته جعلها كالثملة شاردة في كل كلمة تتلقفها اذنيها....ابتسمت بخجل فلاحظ ذلك بمكر.....قال بنظرة تدقق في تفاصيل حديث عينيها الخجولتين :-
_ أنتِ حلوة كده أزاي ؟! كسوفك ، وشقاوتك ، وسمارك القمر ده وفوق كل ده أدبك.....بتفكريني بأعز مخلوقة على قلبي
رفعت عينيها اليه بصدمة حتى صحح بابتسامة :- أمي يا رضوى ، نفس كسوفها وخوفها....حنيتها واخلاقها وهدوئها....ماشوفتش من نسختها غيرك ، دلوقتي عرفت ابويا ليه كان بيعشقها...
عادت ابتسامتها بخجل وكأن قلبها عادت الحياة له وقالت دون تفكير :- خضتني !!
ضيق عينيه بخبث وقال بابتسامة :- خضيتك !! كنتِ فاكرة في واحدة تانية غيرك ولا ايه ؟
تلعثمت بارتباك شديد حتى قالت :- مش حاجة حلوة يعني أني اتجوز واحد بيفكر في واحدة تانية....ده اكتر شيء مخوفني اصلًا
نظر لها بنظرة متفحصة لما قالته ، وتأكد اكثر من ظنه عندما هربت بنظرة عينيها لجهة أخرى وكأنها توبخ نفسها لما قالته.....وهنا بدأ يعرف ما يؤرقها ويخيفها....لا يعرف للسبب القوي لظنها هذا ولكنه اقلًا اتضح الأمر.....رفع وجهها لتنظر اليه فقال بحنان :-
_ أنا لو سيبتك هكون بتخلى عن روحي...في حد بيسيب روحه تطلع منه بمزاجه ؟
ادمعت عينيها بخوف واضح وقالت :- الكلام لوحده مش تأكيد
قبّل جبينها برقة ثم ضمها اليه بكل قوته قائلا :-
_ كنت عارف أنك خايفة ، ودلوقتي عرفت خايفة ليه....مش هتكلم بس اللي جاي هو اللي هيثبتلك....
*********
وقفت سيارة فتاة الطريق عند مقطع متفرع منه عدة شوارع ويظهر من على أحد الأفرع مبنى فندقي صغير الحجم بسيط الهيئة....قالت الفتاة وهي تشير له :-
_ ده فندق صغير ، ممكن تباتوا فيه لحد ما ترتبوا اموركم
نظر آسر للمكان ووافق على الفور قائلا بأمتنان :- شكراً جدًا على مساعدتك
اجابت الفتاة بابتسامة لكلايهما :- العفو...ونستوني طول الطريق المفروض اشكركم برضو....
خرج آسر ومعه سما من السيارة حتى ابتعدت سيارة الفتاة من أمامهم ثم جذب يد سما واتجه لمكان الفندق......
دلف من الباب الصغير للمبنى وما مرت سوى دقيقتين حتى انقطع التيار الكهربي من المكان فتمتمت سما بضيق :- انا نحس ، أنا نحس وعارفة كده
اخفى آسر ابتسامته حيث أضاء موظف الاستقبال مصباح مخصص لهذه الأوقات.....وقف آسر أمام الموظف متسائلًا عن غرفة شاغرة حتى أجابه الموظف :- أوضة رقم 36 جاهزة لأستقبالكم يافندم ، تحب اوضة دبل ولا سنجل ؟
قالت سما بعفوية بإختيار عشوائي :- سنجل طبعاً
نظر آسر لها بابتسامة امتزجت بين المكر والمرح حتى قال للعامل :- خلاص سينجل بادلته بنظرة واثقة وكأنها تخبره أنها فهمت ما يقوله الموظف بسلاسة....تساءل الموظف باستفسار :- والاستاذة تبقى المدام ؟
اجابت سما مرة أخرى :- آه يا أخويا أنا مدامته
تفهم الموظف الأمر وأتم حجز الغرفة وكتابة البيانات سريعا ثم أعطى آسر مفتاح الغرفة قائلًا :- هنبعت لحضرتك شمع ، النور بيقطع كتير الأيام دي للأسف بس كلها ساعتين ويجي...
بغرفة الفندق.....
دلف آسر وهي معه بينما احمرت وجنتيها بخجل وقالت بتلعثم :-
_ فين اوضتي ؟!
نظر لها بابتسامة ماكرة وقال :- هو مش أنتِ اللي اختارتي يا مدامتي ؟!
ارفق جملته بضحكة مرحة حتى أتى احد العاملين بعدة قطع من الشموع الملونة وقداحة للأشتعال.....أغلق آسر باب الغرفة وأشعل منهما اثنتين وثبتهم على طاولة خشبية دائرية تتوسط الغرفة.....
نظرت سما لمحتوى الغرفة البسيطة المكونة من فراش بالكاد يسع لفردين وخزانة ملابس صغيرة وبالأخير طاولة دائرية تتوسط المكان لا غير.....
سرت القشعريرة بأوصالها وشعرت بأن تكاد تسقط من شدة الخجل من فرديتها معه بهذا المكان ريثما أن الظلام يطوف حولهما.....
أنه زوجها لا تجهل ذلك ولكن فطرة الأنثى ونصيبها من الخجل لا زال بقلبها يتقد كلما أقترب هو اليها.....وبالفعل أقترب ونظر لعينيها قائلًا بشيء من الألم :-
_ في حاجة يا سما لازم تعرفيها عشان تفهمي سبب تصرفاتي الفترة اللي فاتت....
قالت ولم تفصح عن معرفتها المسبقة لما يخفيه....:- قول أنا سمعاك
تلعثم بالقول واشتدت نظرته بعذاب وهو يروي لها كل شيء.....انتهى بعد ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة.....انزلقت دمعة من عينيها لأن ما قاله كان مؤلم أكثر بكثير مما قاله يوسف......تابع آسر بلمعة دمعة بعينيه استطاع كبحها :-
_ حبيت غصب عني...وصممت تبقي لحد ما اقدر اتكلم وانا واثق من حبك ليا....مش قسوة مني لكن خوف ، أنا حبيتك اكتر من أي شيء في حياتي....حتى لما خطبت كان رد فعل لما اتأكدت من مشاعري ومن حبي ليكِ اللي ظنيت أنه نسخة تانية من حبها لأبويا....معرفش ليه قارنتك بيها بس____
قاطعه وهي ترتمي على صدره ببكاء شديد ،وضعت أصبعها على شفتيه وقالت بين دموعها :-
_ انا مش زي حد يا آسر ، أنا حسيت أني هحبك من قبل ما أحبك !! صبرت عليك كتير وكنت بتقسى عليا أكتر ، كنت بتعامل بعفوية وبعترف أني غلطت في بداية تعاملي معاك....بس كنت بنتقم من اليتم وخليت أحلامي أهلي وضحكتي سندي...لكن أنت استكترت عليا حتى أني احلم !! لحد ما كنا خلاص هنفترق..
حاوطها بيديه ، بقوته ، وبضعفه ، بكبريائه ، واستسلامه لعشقها.....تنهد بجانب اذنها قائلا بقوة :-
_ ماتخيلتش للحظة أنك تبقي لغيري...أنتِ دخلتي حياتي عشان تكوني كل حياتي....أنا مجنون بيكِ
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا