مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة رحاب إبراهيم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل واليوم مع روايتها التى نالت مؤخرا شهرة كبيرة جدا على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الستون من رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم
رواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الستون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسيةرواية إمبراطورية الرجال بقلم رحاب إبراهيم - الفصل الستون
بأحد القرى السياحية.....
كان مضى على مجيء يوسف وحميدة لهذا الفندق يومين لقضاء عطلة شهر العسل...انتبه يوسف صباحاً لطرق على الباب فتوجه إليه بخطوات واسعة حتى فتح الباب وظهر وجه أحد العمال من خدمة الغرف....قال العمال برسمية :-
_ صباح الخير...الفطار يا فندم
أخذ يوسف منه عربة المأكولات الخفيفة وتحدث معه قليلًا حتى غادر العامل.....اغلق يوسف الباب وجر العربة إلى الشرفة المطلة على البحر....نظر لغرفة النوم بابتسامة ثم توجه اليها....
خرجت حميدة من الحمام بعدما اغتسلت قليلًا ووقفت تمشط شعرها أمام المرآة ورغم ذلك لا زالت عينيها تضم الكسل وتتحرك ببطء...دلف يوسف للغرفة وظل ينظر لها لبضع ثوانِ حتى لاحظته حميدة وقالت بابتسامة :-
_ بتبصلي كده ليه ؟
وضعت المشط من يدها حتى تفاجئت بيده التي تجذبها اليه في لهفة...تطلع بعينيها بعشق وهمس:-
_ مراتي وبموت فيها...بلاش ابصلها ؟ ولا تحبي ابص برا !
ابتسم بمشاكسة حتى لكمته على كتفه بغيظ وقالت بتحذير :-
_ تقدر ؟!
هز رأسه بنفي وأجاب بمحبة :- لأ ما أقدرش...مش هلاقي زيك تبقى غالية أوي كده...
ابتسمت تدريجيا ولا زالت تنظر له بقوة...ليهمس بأذنيها بشيء جعلها تبتسم ابتسامة خجولة ثم قالت بجدية :-
_ هنتفسح ولا هنفضل هنا !
صمت لدقيقة بإشارة التفكير ثم قال مقترحا :-
_ تحبي نروح سينما ، أو أي مكان تاني....ولا تسبيلي المهمة دي
أجابت مبتسمة بمرح :- سيبتلك المهمة دي ، أنا مجيتش هنا قبل كده ومعرفش اروح فين...
كاد أن يتحدث يوسف حتى ارتفع صوت هاتفه فنظرت حميدة بتعجب وتساءلت :- أنت فتحت تليفونك ؟!
تحرك يوسف اتجاه الطاولة واجاب عليها :- فتحته النهاردة...اتصلت كتير على آسر لكن تليفونه مقفول...فسيبت الفون مفتوح يمكن يتصل بيا..استني أشوف مين بيتصل...
أجاب يوسف بنبرة صوت جدية وبدأ يقطب جبينه قليلًا وهو يستمع للمتصل ثم قال :- هحاول اوصله
الطرف الآخر :- " جون مايك" دخل المستشفى فجأة وحالته الصحية ماتنفعش خالص يجي مصر...الحل البديل أن مستر وجيه يسافرله لأن ماينفعش الاوراق دي تتسلم لحد تاني وحتى ما ينفعش تتبعت على الأيميل لأن كده برضو هيكون ناقص مقابلة بقية العملاء في لندن...مستر وجيه محدش عارف هو فين بقاله يومين ومش عارفة أوصله والشغل كله واقف على رجوعه...
زفر يوسف بضيق وقلق ثم قال لسكرتيرة مكتب عمه :-
_ اكيد في سبب ورا اختفائه ، لو ما وصلش هسافر أنا يا نيرمين ....مع السلامة..
اغلق يوسف الأتصال فاقتربت له حميدة بتساؤل :-
_ في ايه يا يوسف ؟!
تبدلت ملامح يوسف من الهدوء للقلق الواضح واجاب :-
_ عمي وجيه اختفى ومحدش عارف هو فين وفي سفرية شغل ولازم يسافر...مش مهم السفرية...المهم يكون هو بخير...
توتر نظرة حميدة وقالت :- طب اتصل بالقصر وشوف هو فين !!
هز يوسف رأسه بموافقة وقال وهو يجري اتصال بالخط الأرضي الخاص بالقصر :- هعمل كده فعلا ...
أجاب أحد الخدم بالقصر وتحدث معه يوسف لعشر دقائق ثم انتهى الاتصال....ازداد القلق داخله وقال :- كده الامر مش طبيعي...مرات عمي مشيت الأول وبعدها هو اختفى وغالبا راحلها ...بس ليه ما رجعش !!
حميدة بخوف :- ربنا يستر
نظر يوسف للهاتف للحظة وتذكر شيء....قال :-
_ في رقم خاص بينا انا وولاد عمامي وعمي وجيه...بس الرقم ده نادرا أوي لما عمي بيفتحه ،هتصل بيه يمكن يكون شغله...
بحث يوسف عن الرقم للحظات حتى وجده بقائمة هاتفه...اجرى اتصال عليه وتمنى أن يكن خط الاتصال متاح....حين وجده يعطي الخدمة تنفس بأمل حتى أجاب وجيه بعد قليل ويبدو أن بالسيارة من صوت الهواء والسيارات حوله....قال وجيه :-
_ ايوة يا يوسف معاك
قال يوسف بلهفة :- أنت بخير يا عمي ؟ طمني عليك
رد وجيه بهدوء :- أه بخير الحمد لله....ما تقلقش
قال يوسف بتوضيح :- طب الحمد لله...سكرتيرتك اتصلت بيا وقالتلي أن جون مايك في ازمة صحية ومش هينفع يجي مصر...لازم أنت تروحله بنفسك وتجتمع مع بقية العملاء للعقود..
اطرق وجيه على عجلة القيادة بعصبية وقال :-
_ مش وقته خالص !! مش هينفع أسافر نهائي...
يوسف بقلق :- أنا مش فاهم حاجة...انت قلقتني عليك
شرح وجيه الأمر كاملا واستغرق منه الأمر قرابة النصف ساعة....ليقل يوسف بغضب :-
_ راشد صبري !! اللي طول الوقت بيتكلم عن النزاهة طلع مجرم !!
وجيه بسخرية :- ما تستغربش ، أنا شوفت من عينته كتير شيء مش جديد....المهم دلوقتي انا ماينفعش اسيب لِلي ، وماينفعش أسافر....حاول تتواصل مع جون يا يوسف وتتكلم معاه...
يوسف :- ماينفعش اتواصل معه تليفون لأن جون صديق وعميل لشراكتنا بقاله سنين وكون أنه مريض هيبقى شكلها وحش لو اتصلت بيه واجلت المشروع...بص يا عمي أنا هسافر بنفسي على ما أنت تحل مشكلتك...
وجيه بأسف :- أنت في شهر العسل يا يوسف ! هينفع تسافر؟...انا مرضيتش أقولك كده...
تفهم يوسف الأمر وقال :- لا مافيش مشكلة....كام يوم وهرجع...ماينفعش حد غيرنا يسافر لجون....خلي بالك من نفسك يا عمي وما تقفلش الخط ده عشان أقدر اوصلك واطمن عليك..
قال وجيه بمحبة :- ربنا ما يحرمنيش منك يا يوسف...توصل بالسلامة بأذن الله..هكون على اتصال معاك لحد ما توصل تاني....
تحدث يوسف قليلا ثم انتهى الاتصال.....تنهد ببعض الراحة ليجد حميدة تنظر له بصمت....تطلع بها بنظرة اعتذار وقال :-
_ أسف يا حبيبتي لكن...
قاطعته حميدة بوجه لا تعابير له وقالت :-
_ يلا يا يوسف عشان نفطر..
تحركت من أمامه فجذبها من رسغ يدها وضمها بحنان قائلا بأسف :-
_ من حقك تزعلي بس لو عرفتي اللي حصل هتعذريني...
قالت بضيق :- مش عايزة ادخل في مشاكلكم وابقى حشرية...كفاية أني اطمنت لما عمك رد عليك وانه بخير هو وللي...لكن أنت ببساطة اقترحت أنك تسافر وكأنك زهقت مني ! لو زهقت قول..
التمعت عينيها بدموع فقبّل جبينها بعشق قائلا بابتسامة هامسا :-
_ أنا زهقت !! ده لو بإيدي أعيش جانبك العمر كله ما اتحركش...لكن الحياة مش كده يا حميدة...والسفر جه غصب عني وعمي ماينفعش يسافر دلوقتي....أسبوع بالكتير وهرجع...غير كده انا مش قايم مسافر بكرة !! ده لسه التذاكر واستعدادات السفر...
نظرت له بألم وقالت :- خدني معاك وهكون مبسوطة...مش هعمل صوت خالص ومش هتحس بيا...آه والله
ابتسم وهو يقربها اليه وقال :- لو الباسبور بتاعك كان جاهز مكنتش هستنى لما تقولي كده بس للأسف معندكيش باسبور اصلًا....وبعدين بقى فكي التكشيرة دي ونفرح لنا يومين قبل ما اسافر واشبع منك...أنا بحبك اكبر من قلبي يا حميدة....ماتنسيش ده...خليكِ فاكرة أنك كنتِ دايمـًا احلى ما في عمري...
ابتلعت ريقها بوخزة خوف وقالت بنظرة قلقة :-
_ بتقول كده ليه يا يوسف ؟!
همس بأذنها بمكر :- بصالحك...
طفرت دمعة من عينيها وتعلقت ذراعيها برقبته بضمة قوية... دقة قلب تسارعت بخوف اجتاح سكناتها وبقاعها المطمئنة...
***********
سانتوريني....
طلت الشمس بأشعتها القوية على المياه....اختبأ رعد خلف صخرة كبيرة قريبة للشاطئ وراقبت تلك التي تسبح على مقربةً منه واحدى يديها متمسكة بصخرة قريبة خوفا من الموج....التصقت ملابسها بجسدها فبدت تفاصيلها ظاهرة بعض الشيء.....
نظر رعد حوله وحمد تلك البقعة من الجزيرة التي اختارها بدقة بعيدة عن الأعين...لم يجد أحد حوله بالمكان فعاد ينظر لها بابتسامة ماكرة ويمعن النظر جيداً بها.. بلهفة ، ومحبة ، وشوق لقربها حتى يبعث الأمان والعشق لقلبها وتطمئن تلك الخائفة دائمـًا....
يبدو أنها قررت أن توقف وتخرج من المياه....تسلل رعد للكوخ دون أن تراه ثم تظاهرت بالنوم حتى أتت رضوى بملابسها المبتلة والغريب أن رباط رأسها محكم ولم يكشف من شعرها شيء....تأملت رعد الممدد على الفراش بطوله الفارع وجسدها القوي في ابتسامة ثم رافق ابتسامة مكر وتسللت لتأخذ ملابس نظيفة من دولابها....
استغرق الأمر لحظات وابتلت الأرض من قطرات المياه المتساقطة من ملابسها ثم اسرعت للحمام...
كتم رعد ابتسامته بالكاد حتى شعر بباب الحمام الذي نصفه زجاج مكسور وهو يتحرك....انتظر دقيقة حتى اعتدل بفراشه في بطء....اتسعت ابتسامته بالتدريج وهو يراها حتى عاد نائما بتظاهر عندما وجدها تفتح الباب بعدما ابدلت ملابسها....
الآن أخذت نفسا عميقاً براحة تامة وتستطيع أن تيقظه....اقتربت له والابتسامة على وجهها طبيعية لتمس كتفيه قائلة برقة :- رعد
تمتم رعد سرا :- يا روحه...قوليها كام مرة يا لدغة حياتي.
قالت رضوى مرة أخرى عندما لم يستيقظ :- اصحى بقى يا رعد !!
همس لنفسه سرا مرة أخرى :- احلى رعد في الدنيا...
مطت رضوى شفتيها بغيظ وقالت :- ما أنت لو مهتم كنت صحيت وحضرتلي الفطار زي كل يوم...
ردد مرة أخرى بخفوت :- مهتم !! يخربيت غبائك !! غبية بس عروسة البحر وقمر...يا صورة توب من غير فوتوشوب..
انتبهت رضوى لتمتمه خافته فاقتربت لرأسه وهو ممددا على وجهه....وضعت اذنها بغباء اتجاه اذنيه فحرك رعد رأسه واصبحت شفتيه بقرب اذنها...نفخ بخفة ثم اغمض عينيه وتظاهر بالنوم....
شعرت رضوى بفحيح هواء بأذنيها فابتعدت بانزعاج...فركت اصبعها بأذنيها بضيق واقتربت له مجدداً....قالت بعتاب :-
_ أنا جعانة ومش بعرف اشغل البوتاجاز اللي عامل شبه سبرتاية الجاز ده...يرضيك افضل جعانة يارعودي ؟
اعتدل رعد بصدمة وعينيه متسعة بقوة....نظرت له رضوى بخوف وهو يحدق فيها هكذا فقالت بخوف :- أنت مبرأ كده ليه ؟ أنت هتتحول !
قبض على معصم يدها فصرخت بخوف قائلة :-
_ أنت مش رعد أنت جني مش كده ؟ عينك ازرقت اكتر وهتبلعني
قربها اليه وقال بضحكة :- جني !! ده أنتِ اللي تجني ! تعالي هنا وقوليلي أنتِ قولتي ايه ؟ طمنيني على أنوثتك..
لكمته بغيظ وقالت :- ليه أنت عندك شك !
قال بتحذير :- حبس وجوع طول اليوم لو ما قولتيهاش تاني...يابنتي انطقي هو انا هتحايل لحد امتى على كبريائك اللحظي ده ؟!
قالت بتحدي وهو يحاوطها بين ذراعيه :- معرفش
قال بابتسامة ماكرة :- ماهو كبريائك اللحظي مع اصراري المتمكن مش هينفع....علاقتنا محتاجة تفاضل وتكامل عشان تتحل يا رضوتي...وانا بروفيسر في الرياضة والعلاقات المعقدة...والعرجا احياناً...
قالت بغيظ :- ايوة يعني عايز ايه دلوقتي ؟!
اقترب لوجهها بابتسامة ماكرة وأجاب :- عايز احل المعادلة..في جذر تربيعي مأثر على نفوخك ، لازم تضربي عشان يتفك..
عقدت حاجبيها بعبوس وقالت وكأنها ستبكي :- هتضربني يعني !
اقترب من خديها بقبلة سريعة فقالت بشهقة :- ايه ده !
أجاب ببساطة :- ده حساب مثلثات....
اطلق ضحكة عالية حتى تخلصت يديها من قبضته وضربته بالوسادة على كتفيه مع ابتسامة اخفتها. ..
**********
بأحد الشواطئ بالمنتجع السياحي....
تحرك لانش كبير من اللون الأبيض يتخلله بعض الخطوط الزرقاء نحو الماء فوقف جاسر بداخله يحرك اليد الحديدية للتشغيل.....
جلست جميلة بزاوية منه تتأمله وهو يعمل بجد حتى يحرك اللانش.....دقائق وكان يسير على المياه بدفعة قوية بالبداية ثم بدا الأمر طبيعيا بعد ذلك....
قالت جميلة ببعض القلق :- أنت متأكد أنك هتعرف تتعامل مع المركب دي ولا هنغرق !
حرر جاسر ضحكة عالية من شفتيه وقال بثقة :- مركب يا جاهلة ! وبعدين اطمني...أنا معلم في الموضوع ده...ياما جيت هنا مع...
صمت عندما كاد أن يتحدث عما كان يفعله بماضيه فصحح :-
_ المهم يعني أني بعرف اشغله ، ما تقلقيش
تنفست جميلة بحدة بعدما فهمت ما كاد يقوله....نظرت بجهة بعيدة عنه فاقترب منها وبلحظة أخذ يدها وأوقفها عنوة.....
همس بقرب عينيها :- ما تخلينا بقى في رحلتنا وننبسط ولا لازم تدوري على حاجة تعكنني علينا بيها !! مملكة البؤس
قالت بعتاب :- ما أنت اللي بتتكلم وبتضايقني...فكر كده لو كنت بعرف واحد قبلك وكل شوية افتكره قدامك و...
شدد جاسر قبضته على خصرها بقوة نابعة من عصبية تملكت منه بحديثها...قال بحدة :- ما فيهاش تفكير اصلا...مستحيل اقبل كده
تطلعت به بدهشة وقالت :- بس قابله عليا !!
تنهد جاسر بأسف وقال :-
_ أنا عارف أن لساني طويل...وممكن بقول كلام ما بحسش بيه ، لكن أنا نسيت اللي فات ولازم تتأكدي من ده...
رفعت يدها اليمنى ولمست جانب وجهه بنظرة مُحبة وقالت بابتسامة :-
_ خلاص...خلينا في دلوقتي...
نظر بمكر لأناملها على وجهه وقال مبتسما بخبث :- ايوة كده...
*********
مرت عدة ساعات....بمنزل الفيوم
وقفت سيارة وجيه أمام المنزل الذي تحاوطه بعض الأشجار والأراضي الزراعية الواسعة.....كان الهواء نقي منعشاً للأنفاس...والزهور تتسابق الفراشات لأخذ رحيقها اولاً....
الهواء رائحته جميلة معطرة....ترجل وجيه من سيارته ثم خرجت بعده لِلي....وقفت تتأمل المنزل المكون من طابقين ، يبدو وكأنه من القرن الماضي بتصميمه الذي يبعث بالروح عبق الذكريات....به لمحة من بساطة الأجداد وطيبتهم...به شيء يخص صدق الزمان...
تشابكت ايديهما حتى فتح وجيه باب المنزل بمفتاح ظل سنوات بميدالية مفاتيحه....دلف للمنزل وهو يحمل حقيبة الملابس ومعه زوجته التي كانت تنظر لكل شيء حولها...
كان أول ما وقع عينيها عليه هو السلم الذي يتوسط المساحة الكبيرة بالداخل....وعدة آرائك كلاسيكية ولكنها تبدو باهظة الثمن أيضا تملأ الزوايا.....وشاشة تلفاز كبيرة جدٌا قد حدثها وجيه منذ سنوات قليلة....كأنه قصر صغير.....ابتسمت بإعجاب شديد حتى جذبها وجيه للأعلى فصعدت معه للطابق الثاني.....
كان الطابق مكون من عدة غرف وشرفة كبيرة منفردة تطل على الممر أمام الغرف....اسرعت للي اليها بانبهار وقالت :-
_ الله...إيه البيت التحفة ده !! احلى من القصر كمان
مضى وجيه اليها حتى أحاط خصرها بقوة وقال هامسا :-
_ نفس رأيي...كنت بهرب هنا من كل مشاكلي...سواء كانت مشاكل نفسية أو بسبب ضغط الشغل...
استدارت له بقلق :- مشاكل نفسية !
هز رأسه بالإيجاب وصرح :- قابلك....الوحدة رغم انها كانت باختياري ولكني اعترف انها مكنتش سهلة....صعب أن الاقي عمري بيضيع مني قدام عيني من غير مايكون حد جانبي...يفضل جانبي بأشد الأوقات...
ابتسمت له بحنان وقالت :- كمل
تنهد بقوة ثم استطرد وهو ينظر للفراغ والمكان الخالي من المبانِ :-
_ الاختيارين كانوا الأصعب...اتجوز واحدة وخلاص ومايكونش بينا أي مشاعر...أو افضل لوحدي...عرفتي بقى لما مشيتي حياتي كلها وقفت ليه!! لأني عارف ومتأكد أني مش هعرف احب تاني...مش أنا اللي بيحب بسهولة أو بتلفت نظره واحدة لمجرد انها جميلة...لو كده كنت اتجوزت من سنين...
تساءلت :- هي خطيبتك الأولانية كانت حلوة ؟
أجاب وجيه بصدق وهو يتطلع بعينيها :- حلوة جدٌا...اجمل مما تتخيلي...لكن جمال زي التمثال الجميل من غير روح.. مايتحسش....اعجبت بيها لما اتفقنا فكريا في حاجات كتير...تخيلت لفترة أني بحبها...بس الحقيقة أن قبل ما نسيب بعض كنت اكتشفت انه مكنش حب ومع ذلك سبتلها قرارا الانفصال عشان ما اكونش ظلمتها أو جرحتها...وارتحت لما اختارت تبعد...
تساءلت للي مرة أخرى :- أفرض أنا اللي رفضت اتجوزك زمان بسبب ولاد اخواتك...كنت هتسيبني أمشي ؟
ابتسم لها وجيه بمحبة وقال :- مش هفرض لأنك مش بالجبروت ده.. لما حبيتك فأنا عارف أنا سلمت قلبي لمين...احنا عرفنا بعض في انسب وقت لينا...مش دايمـًا الانسب بيبقى واحنا صغيرين...
رفت بسمة على شفتيها بنظرة عاشقة وقالت وقد تملكها احساس بالدفء والأمان بهذا المنزل الذي وكأنه منعزل على العالم....قالت :-
_ حاسة أني هعيش في البيت ده أجمل أيام حياتي...كفاية اننا بعيد عن كل حاجة وكل الناس...حتى شغلك ، كل وقتك هيبقى ليا وبس...
همس لعينيها بخفوت :- مش كل وقتي...كل عمري يا عمري...
********
بسماء الإسكندرية.....
سارا سوياً على كوبري ستانلي بين ضحكات متشاركة وغمزات مستترة.....قال متسائلا :- تحبي تروحي فين بعد السينما ؟
أجابت سما وهي تُلعق الايس كريم بتلذذ :- تعالى نروح القلعة...ما روحتهاش خالص....هتعرف توديني ولا هنتوه ؟
قال آسر بثقة :- عيب
اوقف آسر سيارة أجرة مخططة بالأسود والأصفر من الطريق وجلسوا بداخلها ثم نهبت السيارة الطريق سيرا....
بعد مرور ما يقرب من النصف ساعة وقفت السيارة على بُعد خطوات من مدخل كبير....ترجلا من السيارة ودلف للمكان الكبير التي تحاوطه المياه برهبة....
حصن كبير حجري ، به عبق التاريخ وكأنه يتكرر بأزمنته الماضية كلما مضيت بداخلها خطوة....صعد آسر وسما تتأبط يده حتى صعد لمكان به فواصل تصلح للجلوس وتطل البحر بمشهد مذهل....حاولت أن تجلس سما ولكنها كانت قصيرة بعض الشيء فارتفعت ضحكة آسر بمرح ...وقفت تتأمل البحر براحة تغمر عينيها...وقف آسر خلفها محاطا خصرها برقة وقال بهمس اختلط معه صوت الأمواج :-
_ اعمل ايه عشان اصدق أنك معايا دلوقتي...من كتر اللي حصل والله ما عارف اصدق !
ابتسمت سما ولمست يديه على خصرها وقالت :- قولي بحبك يا سمكة..
همس بعشق :- بعشقك يا سمكة...بتحبي البحر عشان أنتِ سمكة ؟
هزت رأسها بضحكة عالية ومرحة...كأنها لم تحزن يوماً...
**********
_ مرت عدة أيام حتى استعد يوسف للسفر صباحاً.....
كان عاد يوسف للقصر ليترك حميدة به حتى يعود...استيقظت حميدة مبكراً وارتدت ملابس مناسبة للخروج...وظلت تنظر له وهو يتحرك بالغرفة الخاصة بهما ويستعد للذهاب...كتمت دموعها بالكاد حتى انتهى يوسف من ارتداء ملابسه أمام المرآة واستدار اليها قائلا :-
_ تعالي يا حميدة
نهضت حميدة من مقعدها ووقفت أمامه وهي تنظر للأسفل...رفع وجهها اليه وتعمق بملامحها بصمت غريب.....نظرت له حميدة وبكت فجأة قائلة :- أنت بتخوفني أكتر بطريقتك دي !!
ضمها بقوة متنهدا بشوق :- بشبع من عينيكِ لحد ما أرجع..
التفت ذراعيها حول كتفيه بقوة وظلت تبكي لدقائق...ربت على ظهرها برقة وقال ليطمئنها :-
_ ما تقلقيش عليا ،هرجع بالسلامة بأذن الله ، أسبوع بالكتير واكون هنا وارجعك اغيظك واستفزك تاني يا حميدووو
قالت ناظرة له بدموع :- ربنا ما يحرمني منك ابدًا...أنا حضرت نفسي وهوصلك للمطار...
هز يوسف رأسه برفض :- لأ...أنا مابحبش اللحظة دي وبعدين كلها اسبوع يعني مش مستاهلة وجع قلب.. خليكِ هنا مرتاحة ياحبيبتي لحد ما ارجعلك بالسلامة...
كان يضم وجهها براحة يديه فنزفت عينيها دموع أكثر وقالت راجية :- عشان خاطري خليني حتى اوصلك...
رفض بتصميم وقال :- خاطرك غالي والأغلى لكن ماتصعبيهاش عليا...ماتبقاش سفرية اسبوع ونخليها بالشكل ده !!
ربتت على يديها الحاضنة وجهها وقالت :- خلي بالك من نفسك..
ابتسم واقترب لجبينها بقبلة طويلة...وقال :-
_ لو عايزاني اخلي بالي من نفسي خدي بالك عليكِ...ما أنتِ عارفة أنك روحي يا حميدة....هتصل بيكِ أول ما أوصل ، مش هتعدي ساعة غير وأنا بتصل بيكٍ...أشوف وشك بخير.
ودعها بعناق طويل دافئ امتزج به دموعها مع عشقه واشتياقه لها....
وغادر....
*******
بمنزل الفيوم.....
راوغت لِلي في ردها على راشد بمقابلة هامة....ظلت تعطيه موعد لقاء ثم تتركه يذهب وينتظر ولا تذهب....
جلست حول مائدة دائرية محاطة بين الزروع خارج المنزل بعدما أعدت طعام الفطار صباحاً....وبين مروج الأشجار حولهما ابتسمت لوجيه الذي أتى توا وجلس وعلى كتفيه منشفة جفف بها وجهه....أعربت عن قلقها وقالت :-
_ خايفة من راشد ، مش معقول يصدق أني مش بلعب بيه بعد ما اديته كام معاد وما اروحش !
رفع وجيه كوب عصيره الطازج لشفتيه وبعد دقيقة أجابها بابتسامة ماكرة :-
_ خليه مش عارف حاجة كده....احسن وقت لرمي السهم لما الهدف يكون مش عارف الضربة جياله منين....راشد دلوقتي مش عارف أن كنتِ هربانة منه ولا مني...بتديله معاد ومابتروحيش بس في غيرك بيروح...
تطلعت به للي في تساءل وقالت :- تقصد مين ؟ الضابط رأفت ؟
تطلع بها بابتسامة وأجاب بمكر :- طبعا رأفت بيراقبه من بعيد بس اللي اقصده هي....مراته...چين ثابت.
اتسعت عين للي بدهشة وقالت لأنه لم يخبرها بالأمر قبلا :-
_ جين هي اللي بتروح !! الضابط رأفت قالي فعلا أن الحل في ايد چين...
ابتلع وجيه ما بفمه وقال بخبث يطوف بحدقتيه :-
_ مش بالسهولة يا للي...چين عشان تاخد موقف ضد راشد لازم تكون متأكدة أنه فعلا بيخونها وناوي يتجوز عليها...ده غير اللي زرعته في شركة راشد واللي بيوصل الأخبار لچين بطريقة غير مباشرة لأنها جزء من مجلس الإدارة وهي دي كانت خطتي...
استفسرت للي بعدم فهم :- خطتك !!
استوى وجيه في مقعده بارتياح ثم وضح خطته الذي احكمها منذ مساء اول يوم له بالفيوم....اعقد عدة امور مع شخصا ما من رجاله يثق به ليحول حياة راشد جحيما....قال بإيضاح :-
_ قبل أي شيء كان لازم اخلي چين تفقد الثقة في جوزها بالتدريج...كل المواعيد المزيفة اللي اديتيها لراشد وماروحتيهاش بسبب أنني بدور عليكي وبراقبك وكل الكدبة دي كانت چين بيوصلها الميعاد قبل ما راشد اصلا يعرفه...فبالتالي كانت بتراقبه....وشيء طبيعي أنه مايقولهاش هو رايح فين ولو قال هيكدب طبعا وده اشتغلت عليه....
رأفت مكدبش لما قال أن الحل بإيد چين مرات راشد ولكن أنتِ ما تعرفيش العيلة دي بتفكر أزاي...دول تعابين مش بيهجموا من أول لحظة...بيستنوا الوقت المناسب...
للي وقد بدأت ان تفهم مقصده :- وامتى الوقت المناسب ؟
زفر وجيه بحدة وظهر في قسماته العصبية وقال :-
_ للأسف أنتِ هتقابلي راشد وهتقوليله أني طلقتك بالفعل والموضوع متوقف على الاجراءات الرسمية للطلاق ولكن مش هتوافقي تتجوزيه بعد شهور العدة غير بشكل رسمي لأن جالك جواب من المجهول اللي تبع حسام أنك لازم تتجوزي راشد رسمي في حالة طلاقك...ودي الخطوة التانية من الوصية....راشد هيخاف من تهديد الاوراق اللي ممكن تكشفه مع المجهول اللي سايبه حسام ولكن مش هيعترض كتير ولا هيفكر بالعكس...هياخد الحجة دي سبب لجوازه منك قدام مراته....اللي وصلها نص الوصية الأصلية من محامي راشد اللي استلم ملف الوصية من البداية واللي مكانش من ضمن الشروط أن راشد يتجوزك اصلا !!
ضيقت للي عينيها بابتسامة وقالت :- وبكده چين هتتأكد أن راشد بيكدب عليها وزود في شروط الوصية عشان يتجوزني....
اضاف وجيه بسخرية :- ولحسن الحظ أن راشد اصلا كان بيخطط من سنين أن شركات عيلة چين كلها تبقى ملكه وده بمستندات اللي وصلني نسخة منها....
شهقت للي من الذهول وقالت :- أزاي !! ده اكيد محتفظ بيها بشكل سري محدش يعرفه....
هز وجيه رأسه برفض وسخرية :- الفلوس بتأثر على بعض الناس والنسخة اللي وصلتني كلفتني مبلغ كبير بس مش خسارة في اللي هعمله فيه....اللي يفكر يمس كرامتي وشرفي ما يلومش غير نفسه...أنا أول مرة استخدم الطرق دي بس الحرب خدعة وانا بدافع عن أهل بيتي اللي اتجرأ واحد حقير وفكر يقربلهم....
نهضت للي من مقعدها واقتربت له بضمة قوية ثم قبلته من خده بمرح وقالت :- أنا بموت فيك اقسم بالله
تابع من هنا: جميع فصول رواية عاد لينتقم بقلم شيماء طارق
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا