مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية ذات الطابع الإجتماعى والمليئة بالكثير من التشويق والإثارة مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة هند شريف علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل العشرون من رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف .
رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف - الفصل العشرون
رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف - الفصل العشرون
بداية النهاية
...............
وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..
ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ
وعدتُكِ أن لا أعودَ...
وعُدْتْ...
وأن لا أموتَ اشتياقاً
ومُتّْ
وعدتُ مراراً
وقررتُ أن أستقيلَ مراراً
ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ
.......................
شعور بالإختناق والخوف...رجفة سرت في أجسادها والضابط يطلب منها أن تخبره عن كل ما حدث وأن تصف المكان الذي كانت به ربما يستطيع القبض علي الخاطف الآخر الذي لم تكن تريد أن يُقبض عليه أبداً
بدأت تحكي ما حدث منذُ بداية حديثها مع المدعوة سالي سكرتيرة هذا الطارق...ثُم أخبرت الضابط أن الفيديو المصور ضاع بلا رجعة فقد فقدته صديقتها ربما يكون قد حصل طارق عليه ليخفي جريمته...نظر لها مازن الذي كان يحضر التحقيق معها نظراً لحالتها النفسية...كانت الدهشة واضحة علي معالمه ولكنه لم يرد تكذيبها في تلك الحالة تحديداً وفضّل الهدوء حتي تُكمل ما تقوله
الضابط:أنسة أسيل تقدري توصفي شكل المكان الآخير اللي كنتِ فيه؟؟
إبتلعت ريقها بصعوبة والدموع تتدفق بمقلتيها قائلة
أسيل:كان مكان مش نضيف زي عشة كدا المكان اللي لقيتو فيه جثة التاني هو ده اللي كنت فيه
أكمل الضابط أسئلته قائلا
الضابط:طيب ممكن تقوليلنا إيه اللي حصل بالظبط يوم ما رجعتي البيت !!
إنتفاض جسدها المفاجئ ودموعها التي تحررت من مقلتيها جعلته يطلب لها بعض الماء حتي تهدأ لتُكمل التحقيق بينما طلب مازن منه
مازن:مينفعش نأجل التحقيق ياحضرة الظابط حضرتك شايف حالتها عاملة إزاي؟
الضابط:أنا أسف يادكتور مقدرش خالص أولاً ده لسلامتها وثانياً لأن القضية دي خدت وقت أطول من اللازم وبعد اللي نزل في الجرايد طبعا طارق الحداد مش هيسيبها في حالها وهي الشاهدة الوحيدة ع اللي حصل بالأوراق اللي معاها دي
بعدما إرتشفت القليل من الماء وهدأت قليلاً قاطعت حديثهم قائلة بثبات
أسيل:خلاص يامازن أنا كويسة وأقدر أكمل التحقيق...(أكملت حديثها كاذبة وهي تجيب علي الأسئلة قائلة)
كان هو وصاحبه التاني بيتخانقو وفي خلال خناقتهم ده كان فيه مسدس واقع علي الأرض من واحد فيهم أنا مسكته وضربت الرصاص وبعدين وقع مني وجريت علي الطريق السريع وهناك لقيت عربية وقفتها وطلبت منهم يوصلوني ولما شافو حالتي كدا وصلوني من غير أسئلة
كان جسدها ينتفض بشدة والدموع تتدفق وأنفاسها تتسارع مع صدرها التي يعلو ويهبط إلي أن قام مازن قائلاً
مازن:أظن كفاية لحد كدا هي قالت كل اللي عندها والباقي شغلكم إنتوا أما طارق ده ميقدرش يهوب ناحيتها لو إنتو مسكتوه وأظن المستندات اللي معاكو كافية لكدا
كان الضابط علي وشك الإعتراض إلا أن جاءه هاتف رد عليه بإختصار قائلاً
الضابط:أيوه يافندم...طبعاً طبعاً...شاهد جديد!!...حاضر يافندم دقايق وأكون عند حضرتك
إلتقطت أذناها تلك الكلمة وتوقف قلبها عن النبض (شاهد جديد)..تُري أهو هذا الشاهد الذي يقصد!!!
أجفلت عندما سمعت الضابط يخبرها أن تمضي علي أقوالها وتذهب بسلام
أمسكت القلم بيد مرتجفه وضعت إسمها وذهبت مع مازن الذي ترك المحامي يُنهي بقية الإجراءات ويعرف ما يحدث في تلك القضية
عندما صعدت السيارة بجانبه وجدته ينظر لها كأنما يكتم غضبه الشديد ولكن الشرار المتطاير من عينيه أخبرها أنه علي وشك الإنفجار...إبتلعت ريقها بصعوبة وخرج صوتها مهزوزاً بعض الشئ وهي تقول
أسيل:مالك!!
خرج صوته غاضباً رغماً عنه وهو يقول
مازن:ليه كدبتي علي الظابط ليه يا أسيل إنتِ أخدتي الفيديو من أوضتي بس لييييييييييييييه فهميني ليه !!
كانت ترتجف بشدة والدموع تجري علي وجنتيها ولم ترد
ضرب بقوة علي المقود وشتم بصوت عالي ثُم إنطلق بالسيارة وهو مازال غاضباً ويتحدث كأنما يُحدث نفسه
مازن:نفسي أفهم بتحمي مين!! إنتِ كنتِ هتموتي وماما كانت بتموت في اليوم ألف مرة لأنها فاكراكي رحتي منها إيه اللي أنتي مخبياه علينا إنطقي يا أسيل فهميني وهل هو ده اللي حصل فعلاً !!!!
كانت ترتعد بشدة من صوته الجهوري ولم تستطع أن تتحمل أكثر إنفجرت دموعها وهي تصرخ به قائلة
أسيل:بسسسس بقي بس كفاية محدش عارف اللي أنا فيه ابوس إيدك سيبني في حالي دلوقتي كفاااااااايه
أوقف السيارة جانباً سريعاً تفاجئ من ردة فعلها الغريبة إحتضنها بشدة وهي ترتجف بين ذراعيه كالفراشة..ظلّ يهدهدها كطفلة صغيرة إلي أن سكنت آخيراً بين ذراعيه...قبّل جبينها بقوة ثُم أعادها إلي مكانها وربط لها الحزام....فرك رأسه بتعب وهو يتمتم بصوت خافت
مازن:أنا أسف بجد مكنش قصدي ياحبيبتي
إنطلق بالسيارة وقد قرر عدم العودة للمنزل الأن تحديداً بهيئتها المزرية تلك يكفي والدته ما حدث إلي الأن....ذهب إلي مقهي بالقرب من البحر ثُم حاول إيقاظها بهدوء وهو يمسك كفيها الصغيرين
مازن:أسيل حبيبتي قومي
إنتفضت مذعورة في البداية حاول أن يُهدئها قائلاً
مازن:متخافيش أنا مازن..ياحبيبتي إهدي محدش هيأذيكي طول ماأنا عايش
هدأت قليلاً بينما جسدها مازال يرتجف..حلّ حزام الأمان وهو يقول بإبتسامة هادئة
مازن:إيه رأيك في أيس كريم زي اللي كنت بجيبهولك دايماً فاكراه!!
إبتسمت بتعب وهي تومئ برأسها.....أمسك كفيها قائلاً بإبتسامة مشاكسه
مازن:أنا بس بصالحك متتعوديش علي كدا حضرتك
ربتت علي كفيه بإبتسامة
أسيل:ماشي ياسيدي موافقة
جلسوا سوياً علي الشاطئ وهي تلتهم الأيس كريم...ظلّ ينظر لها كم كانت في تلك اللحظة مجرد صورة باهتة لتلك الفتاه المفعمة بالحياة التي كانت تجري معه علي الشاطئ وتلعب وتُلطخ وجهه بالحلوي
أجفلت عندما أمسك يديها قائلاً
مازن:مش إحنا إصحاب وأنا أقرب حد ليكِ؟؟
أومأت برأسها دون أن ترد..بينما أكمل هو قائلاً بصوت هادئ يعاكس تلاطم أمواج البحر في ذلك الوقت من السنة
مازن:الصحاب مش بيخبوا حاجة علي بعض وخصوصاً لما تكوني عارفة إن صاحبك ده عمره ما هيخذلك في يوم من الأيام مش كدا!
إرتجفت يديها تحت كفيه ولكن مرة آخري لم تنبت بحرف...أخذ نفساً عميقاً وهو يكمل
مازن:ليه أخدتي الفيديو من غير ما تقوليلي يا أسيل أو حتي تتناقشي معايا أنا عاوز بس أعرف السبب
سحبت يديها من تحت كفيه ووضعت علبة الحلوي جانباً وهي تنظر للبحر والدموع تتساقط من مقليتها....وقف إلي جانبها واضعاً ذراعيه حول كتفيها قائلاً
مازن:حبيبتي متخافيش كلميني بصراحة أرجوكِ يا أسيل أنا مش متعود منك علي السكون ده
نظرت له نظرة تائهة مشوشة كأنما تطلب الدعم ولكن كيف تخبره بالله كيف!!أخذت نفساً عميقاً وردت عليه قبل أن تعود للسيارة بكلمة واحدة
أسيل:لأنه أنقذ حياتي من الموت والإغتصاب
جملة واحدة كانت كفيلة بإرتفاع ضغط الدم في أوردته...تصلب فكه وعادت شرارة الشر لعينيه مجدداً كأنه ليس طبيب وهو يُلحق بها وبفعل الصدمة لم يستطع أن يقول شيئاً (إغتصاب!!)
...................................
كانت جالسة علي هذا الفراش الواسع تتأمل تلك الغرفة الغريبة عليها منذ يومان تحديداً وهي قابعة بتلك الغرفة فراش واسع نافذة تطل علي أجمل منظر تراه عيناك...خضرة شاسعة تتواري بورودها الفراشات بخجل وتتهادي فوقها زقزقة العصافير في سربها وضوء الشمس الساطعة يُظهر كل وردة بلون مختلف يشع الأمل والنور في قلبك....وتحت النافذة يقبع مجموعة من أزهار الجاردينيا التي تبعث الصفاء علي النفس وزهور البنفسج التي تشير للحب البرئ...في ركن آخر من الغرفة كان هناك مقعد كبير بجانبه مجموعة من الكتب القصصية التي تمتد يديها لأي منها
شعرت بالخواء...نعم هذا هو التعبير لتلك الحالة التي هي عليها...ولكن يجب عليها المثابرة فقد أعطته كلمتها أن تحارب لأجله ولأجلها وستفعل هذا لأجلهما معاً...... تذكرت لحظة تركه لها مقبلاً جبينها كأنه يراها للمرة الآخيرة تركها لمصير لا تعلم إذا كانت تستطبع مواجهته بدونه أم لا!!
وبعدها تدفقت دموعها أنهاراً وظلّ جسدها يتأكل كأنما النمل يجري به وإرتعشت أوصالها إلي أن دخل الطبيب الهادئ نوعاً سحب كرسياً وجلس أمامها قبل أن يبدأ الحديث قائلاً
إياد:تحبي نشوف الأوضة بتاعتك ولا نتكلم شوية ؟؟
كان الصداع بدأ يتمكن من رآسها وهي تتلمس جبينها المتصبب منه العرق الغزير وهي تقول دون أن تنظر له
نادين:لو سمحت عندك أي حبوب للصداع ؟
إعتدل في جلسته بهدوء شديد وهو يقول
إياد:مش بحب أخد أي حبوب خلينا نتكلم الأول عنك
نظرت له بعينان حادتان وهي تفتش في جيب حقيبتها التي كادت أن تتمزق بفعل عصبيتها
نادين:مش مهم أنا أكيد معايا
كادت أن تخرج تلك الأقراص إلا أنها وجدته يسحب منها الحقيبة وهو يقول بحزم
إياد:معلش يا نادين من هتاخدي الحبوب دي ولا هتشوفيها تاني لو عاوزة تتعالجي
هتفت بقهر وهي تحاول إلتقاط الحقيبة منه ولكن طوله الفارع ما كان ليساعد أبداً
نادين:أنا حرة محدش له دعوة بيا متشكرة يادكتور
كتف ذراعيها قائلاً
إياد:مينفعش أولاً لإن ده شغلي وثانياً وده الأهم لأن صديقي بيحبك وبيموت فيكي ووصاني إني أفضل جنبك وحسب كلامه إنك وعدتيه إنك هتكوني أقوي من كدا ومش هتخذليه
كانت نظراته متحدية وجادة في نفس الوقت أما هي فكانت نظراتها مشوشة وتوقفت يديها في الهواء
جلست علي المقعد في قهر متزايد وتدفقت الدموع من مقلتيها
حلّ الصمت المطبق علي المكان عندما عاد هو بدوره لمكانه منتظراً منها الحديث......كانت تبكي بشدة وتركت لدموعها العنان بينما كانت شفتيها تقول من بين إرتجافها
نادين:أنا وعدته إني مش هخذله بس غصب عني مش قادرة دماغي هتنفجر والله مش قادرة بجد
كانت تقول تلك الكلمات وهي تمسك رأسها بين يديها وتضغط عليها بشدة علّها تتخلص من تلك الآلام التي تفتك بها
إقترب منها إياد وهو يمسك يديها في محاولة لتهدئتها قائلاً
إياد:وهو واثق فيكي أوي وعارف إنك مش هتخذليه أرجوكِ خليكي قوية علشانه وعلشانك...هو عارف إنتِ أد إيه قوية وواثق فيكي بلاش تخذليه بقي
كانت كلماته تشد من عضدها وتزرع فيها العزيمة....توقفت الدموع قليلاً ولازال إرتجاف جسدها واضحاً لديه...لامس كفيها برفق وهو يومئ برأسه بإبتسامة هادئة قائلاً
إياد:أنتِ قوية وهتقدري تتحملي صح
أومأت برأسها بتعب..قادها بهدوء شديد نحو غرفتها التي ستقيم بها تلك الفترة ثُم قال
إياد:بصي من الشباك المنظر حلو أوي الخضرة رائعة جدا وكمان في ورود تحت الشباك قدامك شوفي!!
ألقت نظرة ولكنه لاحظ توترها وتشنجها ثُم يديها التي تجري علي جسدها كأنه يأكلها بفعل النمل...نعم هو يعرف فهي تريد الجرعة الأن لقد تأخرت حقاً...لم ينبت بحرف واحد تركها تتأمل المنظر الخلاب أمامها
الخضرة الشاسعه والفراشات التي تمتص رحيقها وسرب الطيور المتسابقة وتلك القطة الصغيرة التي تحضتن وليدتها تحت الأشجار
كان منظر يخطف الأنفاس حقاً....نظرت له بوجه شاحب بشدة وشفتين زرقاوين وهي تقول
نادين:أنا مدمنة بقالي خمس سنين ومحدش يعرف غير مازن وأخته اللي هي صاحبتي...
إحتضنت نفسها بذراعيها كأنما تحمي نفسها من اللاشئ ثُم أكملت بصوت مرتجف
نادين:من فضلك عالجني وساعدني أني أكون طبيعية
إبتسم بتشجيع وهو يضع يديه في جيب سترته الطبية قائلا
إياد:إن شاء الله هتكوني كويسة بس أهم حاجة الإرادة ويكون عندك سبب تكملي علشانه وأظن الإتنين موجودين...أسيبك ترتاحي دلوقتي وتستمتعي بالمنظر الجميل دا
علي ما يبدو أنها لم تلاحظه فكان هذا أفضل إذا أنه خرج وأغلق الباب ورائه بالمفتاح فهي مازالت في البداية وربما تهرب وهي أمانة في رقبته
قام بالإتصال بمازن الذي لم يتركه إلا عندما طرده إياد من المشفي قائلاً أنه هكذا لن يساعد أبداً في علاجها
عادت بذاكرتها إلي تلك اللحظة التي تركها بها إياد وهي مازالت تنظر لنقطة وهمية تحاول بقدر الإمكان عدم التفكير في ذلك النمل التي ينهش في جسدها بالداخل وهذا الصداع الفاتك برأسها والألام التي في أسفل معدتها إلي أن خلعت سترتها السميكة وهي تلقيها علي الأرض بإهمال
تشعر كأن جسدها علي وشك الإنفجار...حرارة تجتاحه بشدة كأنها النار تحرقه بأكمله
حاولت الخروج ولكن الباب كان مغلق بالطبع ظلّت تطرق في البداية كانت طرقات هادئة إلا أنها تحولت بفعل ألامها إلي آخري صاخبة..مصطحبة بصراخاتها ودموعها التي لطخت وجنتيها حتي دخل إياد ومعه بعض الممرضات في محاولة فاشلة لتهدئتها..كانت تصرخ بهستيرية وهي تقول
نادين:أرجوكو مش قادرة هموت نمل بيجري في جسمي كله حباية واحدة
كانت تحارب الممرضات بشراسة وعيناها حمروان كالدم إلي أن تعب جسدها كليا حتي تشنج بقوة وظلّت تصرخ وتأن حتي أعطوها إبرة مهدئة
سكن جسدها آخيراً....بالمختصر تلك هي حالتها منذ يومان كل ليلة يحدث هذا الشي.........دموعها تحررت من مقلتيها فهي رفيقتها في الليالي السابقة عندما تكون مستيقظة بالطبع....معظم الوقت تكون نائمة ولم تكن لتعرف اليوم سوي أن أخبرها الطبيب (السمج) نوعاً ما بالنسبة لها لبروده وهدوءه المستفز لها....أتي ليخبرها بأنه مضي يومان علي مكوثها وأن مازن طلبه ليطمئن عليها ولم يوافق علي إعطائه لها
كانت تود لو تزيل تلك الإبتسامة اللامبالية التي يقابلها بها لما يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ولم يوافق علي حديثها مع حبيبها لأنها( مازالت غير مؤهلة للحديث)!!!!
طريق العودة للمنزل لم يكن شيقاً جداً فقد كان الصمت المطبق هو سمة الطريق
كانت بجانبه بوجه جامد ولكن داخلها يحترق وتتألم بشدة ولكن ضغط مازن بتلك الطريقة كعادته يدخل إلي أعماقها بطريقة تجعلها لا تستطيع الكذب كل هذا جعلها غير قادرة علي المقاومة آكثر والحمد لله أنها لم تقل المزيد....أما هو فكاد أن يكسر المقود تحت يديه مازال غير مستوعب لما أخبرته به للتو(أنقذها من الإغتصاب!!)شقيقته الصغري كانت علي وشك أن تفقد أعز ما تملك يالله ما هذا....حاول عدم التطلع لها ولكنه يعلم من تشجانتها أنها ليست علي ما يرام أبداً وكيف تكون علي ما يرام....عندما وصل للمنزل كانت هي أول من ترجل من السيارة دون أن تنبت بحرف بل إنطلقت إلي غرفتها مسرعة ولم تبالي بنداءات سميحة الملحة التي كانت علي وشك أن تصعد السلالم ورائها فأوقفها مازن قائلاً
مازن:سيبيها ياماما دلوقتي إنتِ عارفة إنها كانت مضغوطة إنهردة أوي وتعبانة خليها ترتاح وبعدين إطلعيلها
نظرت له سميحة بحزن ثُم قالت
سميحة:أنا خايفة عليها أوي يامازن دايما ساكتة ومش بتتكلم وخاسة أوي ومش بتاكل وكمان نادين مش عارفة راحت فين وسابتنا في اللي إحنا فيه ده
شعر بغصة في حلقه عندما سألت عنها رباه كم إشتاق لها...إبتلع ريقه بصعوبة ثُم قال كاذباً
مازن:نادين سافرت لباباها ومامتها هما بعتولها زيارة من وقت ما كانت أسيل مخطوفة بس هي رفضت تروح...ودلوقتي أسيل وافقت إنها تسافر ورفضت إنها تقولك علشان متزعليش منها أو تمسكي فيها وقالتلي أقولك بس أنا نسيت
نظرت له بإنزعاج وهي تقول
سميحة:وأنا يعني كنت همنعها عن أهلها إخس عليكي يا أسيل...البنت تعبت معانا أوي ومن حقها تشوف أهلها بردوا زمانهم وحشوها....بس أنا كنت بقول تفضل مع أسيل شوية إنت شايف حالتها عاملة إزاي وأنا خايفه عليها أوي ودايما نادين كانت معاها طول الوقت وقريبين من بعض أوي
أغمض عينيه بتعب ثُم تنفس بعمق قائلاً
مازن:ماما حبيبتي أنا عمري ما هسيب أسيل ومتخافيش عليها طول منا جنبها إحنا صحاب بردوا أما نادين فقريب أوي هترجع إن شاء الله مش هتغيب...بس دلوقتي قوليلي بابا فين؟
سميحة:يااااارب يابني ياااااارب...بابا في المكتب ياحبيبي مستنيكو من بدري
قبّل جبينها قائلاً
مازن:طيب أنا هروح أشوفه...ومن فضلك عاوز فنجان قهوة سادة ضروري دماغي مصدعة جدا
أومأت والدته برأسها بعدما قبلته من وجنتيه ولكن قلبها معلق بتلك القابعة بغرفتها دون أن تستمع ولا تري أحداً....تري ماذا تخفيه إبنتي فقد إشتقت لكِ ولمشاكستك لي
.....................................
بعدما قرأ ما حدث في الجرائد قام بالإتصال علي النائب العام يخبره أنه سيقابله اليوم ولكن يطلب منه أولاً الحصانة ومعاملته كشاهد علي كل ما سيخبره به....وبالطبع وافق الضابط عما قاله لأنه لم يكن بيده شئ ليفعله وخصوصاً بعدما نُشر كل شئ في الجرائد وتلك الحركة المزعومة بإسم (6 أبريل ) نزلت إلي الشارع تطالب بالقبض علي هؤلاء المجرمين القتلة وحلهم من مجلس الشعب وخصوصاً في تلك الفترة العصيبة وافق النائب العام علي كل شئ بدون تردد....هكذا قريباً جدا سيتطهر من ذنوبه أمام القضاة ولكن ماذا سيفعل ليتطهر منها أمامه هو (الله) أمام من قتلهم...من آذاهم..وخصوصاً ريما التي لا يعلم ما إذا سامحته ام لا ....كل ما يعرفه أنها بدأت العودة لدراستها وهذا جعله سعيد ربما ستبدأ بالعودة لحياتها شيئاً فشيئاً.....أما هو فماذا يفعل كيف سيعود وقد تمكن العفن من روحه
أغمض عينيه في ألم وهو يشتاق لها بشدة...يشتاق لرحيق برائتها
لبحر ثرثرتها..لخجلها المريب بالنسبة له..لأنهار الجميلة..لرقة كلماتها العذبة...لدعائها الذي يخترق حصونه....هو يشتاقها وحسب
كل ما يتعلق بها هو يشتاقه
إنطلق بسيارته التي ظلّ بها منذُ الأمس مختبئاً من رجال طارق الذي لم يتواني رجاله عن البحث عنه طوال الليلتين الفائتتين....متجهاً لبداية التطهر والنقاء ولا يهم أبداً رحيل حياته يكفي أن تتطهر روحه......
وصل بعد حوالي الساعة والنصف ولكنه لم يدخل فقد رأي أن المكان مُحاصر بمعظم رجال طارق لذا قام بالإتصال علي الهاتف الشخصي للنائب العام قائلاً بهدوئه المعتاد
يوسف:تاخد عريبتك دلوقتي حالاً وتطلع علي قسم (...) في الإسكندرية وإلا إبنك اللي في النادي هتجيلك جثته علي طبق من دهب
رد الرجل في ذعر وخوف شديد
عمار:لالالالا أرجوك حالاً والله
يوسف:لوحدك مش عاوز أشوف مخلوق معاك
إستمع عمار لكلماته علي الفور إذ وجده بعد خمس دقائق لا أكثر يستقل سيارته الحديثة مانعاً أي من حراسه بالصعود معه...إبتسم بثقة وإنطلق ورائه مباشرة...ربما لم يكن رجال طارق السبب الرئيسي لتلك الفعلة
كان أسهل عليه أن يسجل كل تلك الإعترافات ويرسلها بظرف إلي أن يتم القبض عليه ولكن شوقه الجارف لها جعله يُقدم علي تلك الخطوة بعدما أعلمه أحد رجاله أنها ذاهبة اليوم لهذا القسم تحديداً لتُدلي بأقوالها مع آخيها الطبيب.....كم يذكره وجود أخيها بجانبها بماضي بعيد كان لا يتركها به آبداً كان هو السند والرفيق لها ولكن عندما إحتاجته حقاً لم تجده...فقدت روحاً وحياة وكان هو بعيداً جداً عنها
تحسس جيب سترته ربما للمرة الألف ليتأكد من وجود هذا المصحف الصغير به..إبتسم بحب كبير وهو يتذكر حديث والده فقط هذه الجملة التي تجعله يعلم أنه علي الطريق الصحيح دائماً (رحمته وسعت كل شئ) وعندما أمعن في كل شئ وجد رحمته وسعت كل الكون
بعد حوالي الساعتين النائب العام الذي كان يحاول تفادي السيارات علي الطريق السريع بأعجوبة وهو ورائه يتلذذ بكل خطوة يقوم بها...بعد نصف ساعة تقريباً كان عمار أمام قسم الشرطة المتفق عليه
جاءه إتصال منه قائلاً بهدوء شديد
يوسف:برافو عليك....إطلع بقي عند رئيس المباحث وعشر دقايق وهكون عندك...ومتقلقش إبنك مجرالوش أي حاجة أنا بطلت أئذي الناس من زمان
كان عمّار يلهث بشده وهو يخرج نفساً عميق بعدما أغلق هذا المتبجح الخط في وجهه وبالفعل قام بإنتظاره عند رئيس المباحث في نفس الوقت الذي كانت تلك الفتاة تُدلي بأقوالها عند ضابط آخر
أما هو ترجل من سيارته سريعاً حتي يُدلي بأقواله هو الآخر ثُم اللحاق بها فقط يراها ولا يريد شئ آخر
بعد عشر دقائق تقريباً في مكتب رئيس المباحث يجلس السيد عمار في قبالته هو واضعاً قدم فوق الآخري وعلي رأس المكتب يجلس رئيس المباحث السيد علاء الذي رحب وبشدة بعمار....كان عمار ينظر ليوسف بغضب شديد ويكاد يضربه علي بروده وعنجهيته ثُم قال
عّمار:طلباتك إتنفذت بالحرف...جيت هنا أهو وهتتعامل كشاهد ملك في القضية وهتكون في مكان أمين لحد ما كل حاجة تخلص
خلع نظارته الشمسية ثُم قال
يوسف:فاضل حاجة واحدة بس
نظر له عمار بفضول محاولاً السيطرة علي غضبه من هذا الكائن المستفز
عمّار:إييييييييه هو ؟
إبتسم بسخرية قائلاً
يوسف:الحصانة اللي عند طارق وهشام لسه موجودة...
قاطعه عمّار قائلاً بنفاذ صبر
عمار:متقلقش جالي قرار إنهرده برفع الحصانة عنهم ممكن نبدأ التحقيق!!
إبتسم بثقة قائلاً
يوسف:لما البنت اللي بتشهد تمشوها ومحدش يسألها عن أي حاجة تاني هي سلمت الأوراق وخلاص وكمان الأقوال اللي مضت عليها متبقاش موجودة الأوراق اللي إتسلمت يتكتب عليها إسمي أنا مش إسمها
ثار به عمار قائلاً
عمار:هو إيه ده إنت بتبيع وتشتري فينا كدا ليه ما تخلص
قال علاء الصامت آخيراً وهو يحاول تهدئته
علاء:إهدي ياعمار باشا هو الورقة الوحيدة الرابحه في إيدينا واللي هنكسب بيها تعاطف الشعب ووقوفه جنبنا من تاني
هدأ عمّار قليلاً ثُم وجه حديثه ناحية علاء قائلاً
عمار:طيب كلم الظابط اللي بيعمل معاها التحقيق خليه يسيبها تمشي
أومأ علاء بالإيجاب وهو يفعل ما آمره به ثُم نظر ليوسف قائلاً
علاء:نقدر نبدأ التحقيق دلوقتي يا أستاذ
إرتخت عضلاته ثُم أكمل بهدوء
يوسف:إتفضل أنا جاهز
كان يتحدث بهدوء شديد ولكن داخله يغلي ويكاد ينهار لم يكن يريد أن يسمع أخطائه من لسانه حاله..كان يستمع لكلامه ولما كان يفعله من أجل طارق وغيره..كأنه شخص آخر الذي يتحدث عنه كيف فعل كل هذا دون أن يرف له جفن..دون أن ترتجف يداه وهو يقتل هذا الموظف..دون أن ينهار أمام إختطافه لشباب من عمره أو يصغرونه أعواماً ولكن مهلاً كاهلي سأتخلص منك قريباً فقط الصبر......تنفس بعمق بينما كان مغممضاً عينيه وهو يتحدث كأنه يري كل من آذاهم الأن أمام عينيه
فتح عينيه وجد زوجان من العيون ينظران له بدهشة فكم المعلومات التي أدلي بها حتماً ستودي لقتل طارق وهشام وخصوصاً بعدما تخلي عنهم أسيادهم كالعادة في تلك المواقف..لم يرف له جفن فما كان يعتمل في صدره أكثر بكثير من تلك النظرات المشدوهة التي تتوق فقط لمعلومة صغيرة تساعدهم علي الإرتقاء بأنفسهم وليس العدالة
إستقام واقفاً وهو يرتدي نظارته الشمسية قائلاً
يوسف:أنا أقدر أحمي نفسي كويس من طارق واللي زيه ياعمار باشا
كل المطلوب مني أني أكون في المحكمة لما يتحدد المعاد تمام؟
إقترب من المكتب وهو يمضي علي ما قاله بإسم (يوسف إبراهيم)
نظر له عمّار بتساؤل
عمار:وأنا إيه يضمنلي إنك هتكون موجود يوم المحاكمة مش يمكن طارق يلاقيك ويديك الفلوس وترجع عن أقوالك وساعتها أبقي أنا اللي خسرت
إبتسم بتهكم شديد ثُم نظر له من تحت نظارته الشمسية قائلاً
يوسف:طارق لو لقاني هيقتلني وأنا عاوزه في السجن أكتر منك ومش محتاج فلوسه في حاجة وأظن إني لما وعدتك وفيت لحد دلوقتي تمام ؟
وافق عمّار علي مضض بينما علاء ينظر له بريبة وهو يقول
علاء:هنستناك ولو مجتش هنجيبك
لم يرد عليه بل رمقه بهدوء شديد وهو يغلق باب المكتب
إستقل سيارته وقام بالإتصال علي أحدهم
يوسف:أيوة..هي فين؟...طيب تمام
أغلق الهاتف وإنطلق إلي شواطئ الإسكندرية علي إحدي المقاهي وجدها تجلس بجانب الذي يراه لأول مرة ولكن من الواضح أنه في حنانه علي شقيقته يشبهه كثيراً..أما فكانت كما كانت أول مرة رآها بعدما تركها
هادئة..حزينة..خائفة..نعم خائفة...إبتسم بشغف وهو يراها تلتهم الآيس كريم كأنها تقتله ....رفقاً بي صغيرته...كم أنتِ شقية وجميلة
عندما تركت علبة الآيس كريم ووقفت إقترب منها أخيها الأطول منها ليضع يديه علي كتفيها إلي أن تحولت نظراتها لآخري تائهة مشوشة
خرج من السيارة لم يستطع تمالك نفسه وهو يقف خلف شجرة ولكن قريبة منها كفاية ليسمع ما قالته في تلك اللحظة التي جعلت النبض في قلبه يتوقف للحظات وأنفاسه المتسارعه تهبط بين أضلعه
(لانه أنقذ حياتي من الموت والإغتصاب)
لم يشعر بشئ بعد بضعة دقائق أجفلته الموجه العاتية لهذا البحر الذي لم ينفك يتلاطم مع تلاطم أمواج حيرته في تلك الجميلة البريئة جدا بالنسبة لشيطانه
إستقل سيارته متخذاً طريقه لمنزلها لا يستطيع يجب أن تراه...يجب أن تعلم أنه بجانبها ولن يتركها أبداً ولكن فقط هو الوقت فلتنتظري قليلاً حبيبتي
..........................................
اليوم هو أولي أيام حضورها للجامعة..يوم جديد وحياة مختلفة ستري كل شئ بعين مختلفة الأن ومنذ تلك اللحظة التي علمت بها أنها مازالت أنثي ولم يممسها بشر ومنذُ أن تعلمت كيف تنظر للناس ومنذُ أن وجدت نفسها
ستري كل من تراه بعين مختلفة.....منذ يومان بالتحديد عادت والدتها من السفر متغيرة تغير تام..هادئة..مهتمة بها وبشدة..تتحدث معها عن كل التفاصيل المهمة..وأهم من هذا كله أنها إعتذرت لها عن تقصيرها في حقها وأن اللوم الأكبر عليها طلبت منها السماح وهي لم تحتاج لأكثر من هذا إرتمت في أحضانها وتلمست بها الأمان الشديد والدفئ الذي كانت تنشده...كانت تتقلب علي الفراش بإبتسامة راضية وهي تتذكر مقابلتها لأحمد ووالدته السيدة عايدة..تذكرت كم كانت محبة وحنونة جدا...
في صباح عودة والدتها إستيقظت وتناولت إفطارها في جو أسري لم تناله منذ زمن ثُم إتصلت بهايدي التي أخبرتها أنها قدمت لها في الجامعة لتُكمل دراستها وغداً ستبدأ كم فرحت كثيراً بهذا الخبر......رن هاتفها حوالي الساعة الرابعة عصراً نظرت له وجدته هو إبتسمت تلقائياً وهي ترد
ريما:ألو
كان يشعر بالإرهاق الشديد ومع ذلك لم يستطع أن يتخلف عن وعده لها طالما أنهي عمله في هذا الوقت المبكر فكر لما لا يجعلها تري والدته منذُ أن حكي لها عنها وهي تريد أن تراها وبشدة لذا قرر أن يجعلها تأتي لتتناول الغداء معه وهو ووالدته هكذا وبكل بساطة...إبتسم بغباء وهو مازال يفكر عندما ردّت عليه بصوتها الهادئ...
أحمد:إزيك يا ريما...حمد الله علي سلامة طنط
ريما:الحمد لله تمام...الله يسلمك ربنا يخليك
أكمل بمزاح
أحمد:الجاكيت بتاعي سليم ولا؟
أجابته بمزاح هي الآخري
ريما:لا سليم متقلقش مش متعور ولا حاجة
ضحك بشدة
أحمد:بنعرف نألش أهو...المهم بقي بصراحة يعني لما قلت لمامتي عنك حبت إنها تشوفك بس المشكلة إنها مش بتتحرك من السرير وطلبت إني أعزمك ع الغدا بس أنا اللي هعمله ها هتيجي ؟؟
دغدغت ضحكته الرنانة مشاعرها ولكنها وفي لحظة إستعادة توازنها عند طلبه الآخير والدته مريضة ويريدها أن تأتي المنزل لتناول الغداء...فكرت بشك هل ستُخدع مرة آخري.......لم يمهلها فرصة للتفكير إذا به يكمل
أحمد:وهاتي طنط معاكي كمان علشان مينفعش تيجي لوحدك ماما هتكون سعيدة أوي لو شافتها
إبتسمت بإرتياح شديد
ريما:طبعاً طبعاً خلاص إتفقنا هكون عندك علي أربعة كدا تمام؟؟
إبتسم بل إزدادت إبتسامته حتي ظهرت غمازتيه
أحمد:خلاص إتفقنا ومتنسيش الجاكيت إتفقنا؟
ريما:إتفقنا
أغلقت الهاتف وهي سعيدة بشكل لا يصدق...قطبت حاجبيها وهي تتسائل كيف سأقنع والدتي بالذهاب معي لمنطقة شعبية وتصعد سلالم متهالكة!!
ظلت تذهب وتجئ بالغرفة وهي تفكر ثُم ذهبت تتهادي في مشيتها قليلاً وهي تتلاعب بخصلات شعرها الأصفر بدلع إقتربت من والدتها بدلال
قابلتها والدتها بإبتسامة خالصة وهي تحاوطها بكتفيها بدأت ريما بالحديث قائلة
ريما:ماما مش إحنا بقينا صحاب وأقدر أقولك علي كل حاجة من غير خوف !!
أومأت نهال برأسها
نهال:طبعاً ياحبيبة ماما ها عاوزة تكلميني فيه إيه؟؟
تنهدت ريما وهي تقول
ريما:اللي حصلي غير فيا حاجات كتير أوي ياماما...وأولها إني مبصش للناس من فوق إني أتعلم إننا كلنا واحد وزي بعض وربنا بيدي الرزق لمن يشاء يعني ممكن كنت أنا أبقي مكان أي حد فقير.....
إبتلعت ريقها والدموع تتجمع في مقلتيها تابي الهبوط
ريما:هايدي إتغيرت من اللي حصل فيا وعلمتني إن البساطة في التعامل أهم من الفلوس وشخص تاني قابلته علمني إن الكرامة والرجولة أهم من مليارات....أنا خليت واحد شاب يخسر شغله بسببي ياماما بسبب غروري ولما حكيت لهايدي قالتلي كلام وجعني خلاني أتغير أوي ولما قررت إني أروح للشاب ده أعتذرله كنت لسه متهورة وعلشان كدا رحتله بيته
كانت نهال تنظر لها بإنشداه فتلك هي المرة الأولي التي تتحدث فيها ريما بتلك الطريقة..وهي أيضاً المرة الأولي التي تتأثر فيها نهال بكلام كهذا
شهقت عندما قالت أنها ذهبت لشاب منزله مرة آخري ولكن قاطعتها ريما وهي تمسك يديها برفق قائلة بإبتسامة من بين دموعها
ريما:الشاب ده كان المفروض يطردني أو حتي يتخانق معايا كل اللي عمله إنه زعقلي علشان جيتله لوحده خاف عليا وهو ميعرفنيش أصلاً ووالدته كانت معاه في الشقة قدملي حاجة وخلاني أمشي وفي مرة تانية شافني بتمشي الساعة 12 بالليل ياماما لبسني الجاكيت بتاعه وزعقلي وروحني من غير ما يعمل أي حاجة....وكل ده وهو ساكن في مكان شعبي منظقة معرفش إسمها إيه زي حارة أو حاجة كدا بس برجولته دي يستاهل أحسن من الفلوس بكتير صح؟
كانت الدموع تتدفق من مقلتي والدتها وهي تحتضنها بشدة وتقول
نهال:إنتي دلوقتي اللي إديتيني درس كبير في الأخلاق ياريما والولد بجد محترم أوي لازم نشوفه ونشكره علي اللي عمله معاكي ده طلع راجل بجد
إبتسمت ريما برضا من بين دموعها هي الآخري
ريما:بجد يامامي بجد!!
أومأت نهال برأسها وهي تري تهلل أسارير طفلتها الوحيدة....
ريما:طيب أنا كلمته علشان هو عاوز الجاكيت بتاعه عزمني علي الغدا أنا وإنتي علشان مروحش لوحدي بس في بيته لأن مامته مبتقدرش تتحرك ها يامامي هتيجي معايا
نظرت لها وجدتها تنظر لها بطفولة شديده وهي تتشبث بقميصها كأنها مازالت طفلة صغيرة إبتسمت نهال وهي تقول
نهال:أيوة ياقلب ماما هاجي معاكي يلا روحي إلبسي وأنا هقول لبابا إننا هنتغدي برا إنهرده ولما نرجع نعرفه كنا فين
إبتسمت بسعادة وهي تحتضن والدتها مقبلة وجنتيها وذهبت كالريح من أمامها لترتدي ملابسها
أخرجت معظم ملابسها من الخزانة الخاصة بها وضعت إصبعها في فمها وهي تفكر ماذا ترتدي أخرجت فستان طويل باللون الزهري وفوقه جاكيت قصير إبتسمت برضا بعدما إرتدته فقد كان هادئ بسيط رقيق بنفس الوقت لم تكن تحتاج لوضع أي مساحيق تجميل فقد كان وجهها مضئ بطبعه وهي لم تعد تفكر بهذا الشكل فلم تهتم أخذت حقيبتها الصغيرة وإنطلقت مع نهال التي أصرت عليها أن تغير ملابسها الرسمية القيمة جداً بآخري أكثر بساطة وأن تذهب معها بسيارتها الخاصة....في طريقهم لمنزل أحمد
نهال:أنا نفسي اعرف إنتي ليه خلتيني اغير هدومي ؟
إبتسمت وشعرها يتطاير مع الهواء قائلة
ريما:ياماما ياحبيبتي إحنا رايحين منطقة شعبية وبعدين أناقة الناس مش لبسها ببساطتها وكلامها
إبتسمت بتفهم
نهال:إممممممم ماشي ياحبيبتي علشان خاطرك بس
عندما وصلوا نظرت نهال للشارع الضيق الذي لم يكن يسع لسيارة أكبر من سيارة ريما أبداً رفعت إحدي حاجبيها وهي تنظر للأطفال في الشارع وهم يلعبون...مطّت شفتيها بإمتعاض وهي تحاول التخلص من هذا الشعور بالندم علي مجيئها لتلك المنطقة
كانت تتابع خلجات والدتها والإبتسامة لا تفارق شفتيها ولكنها قادرة علي تغيير وجهة نظرها صفّت السيارة بجانب المبني المتهالك ومعظم الأطفال يلتفون حولها وهي تبتسم بمرح بينما والدتها تنظر لهم نظرة فوقية شديدة وهي تحاول التخلص منهم والصعود للمبني الذي كان علي وشك الإنهيار من كثرة التشققات
صعدوا السلالم بصعوبة كانت والدتها تضع أطراف اصابعها علي الدرج خوفاً من الأتربة عليه......عندما وصلوا حاولوا إلتقاط أنفاسهم المتسارعة وهي تطرق الباب عدة مرات حتي ظهر هو...حبست أنفاسها من مظهره المدمر لكل أعصابها وعطره النفاذ يتغلغل في أعماقها....كان شعره الطويل مصفف بعناية ويرتدي قميص أزرق مفتوح الأزرار العلوية رافعاً أكمامه قليلاً و بنطال أسود قماش...إبتسم وهو يقول
أحمد:حمد الله علي السلامة أنا عارف الطريق صعب حبتين...إتفضلوا
إبتسمت هي الآخري
ريما:الله يسلمك ميرسي
ضغطت قليلاً علي كتف والدتها الصامتة فخرجت من صمتها مرغمة وهي تقول بأنف متعالية
نهال:الله يسلمك
دخل جميعهم للمنزل بينما هو يدعوهم للجلوس قائلاً
أحمد:إتفضلوا إقعدوا ثواني بس هجيب ماما وأجي
أومأت ريما برأسها وجلست بينما والدتها مازالت تقف وهي تنظر للمنزل نظرة فوقية وتلك الأريكة المتهالكة التي دعاهم للجلوس عليها..حتي قاطعتها ريما قائلة برجاء
ريما:ماما من فضلك بلاش البصة الدونية دي للناس أحمد بجد راجل ومحترم أوي ومش معني إنه مش غني يبقي نتعامل معاه من فوق حضرتك شايفة هو إستقبلنا إزاي أبوس إيدك ياماما بليز
أومأت رأسها بإستسلام وهي تجلس بجانب إبنتها وتفكر في كلامها
نظرت لها مرة آخري وجدتها سعيدة إنها سعيدة حقاً...هادئة النفس وستبدأ في دراستها غداً حسناً يجب أن أتعامل مع كل الناس سواء ولكن يجب علي التأقلم أولاً قطع حديثها لنفسها ظهور أحمد مرة آخري ولكن ليس وحده هذه المرة بل كان يجر كرسي متحرك تجلس عليه سيدة كبيرة في السن نوعاً ما عيناها تشع حنان غريب ورغم تجاعيد وجهها إلا أن صفائه مازال به إبتسامة لم تفارقها تقريباً وهي ترحب بهم قائلة
عايدة:اهلاً وسهلا نورتونا معلش إتأخرت عليكو
قامت ريما من مكانها لتسلم عليها إحتضنتها ريما ولكن عايدة لم تستطع تحريك يديها وهي تقول
عايدة:أنا متأسفة ياحبيبتي بس مبقدرش أحرك إيدي
إبتسمت ريما قائلة
ريما:ولا يهمك ياطنط...اعرفك علي مامتي (نهال)
تقدمت منها نهال ولم تعلم لما دخلت عايدة قلبها كأنها تعرفها منذ زمن ربتت علي يديها برفق وهي تقول
نهال:بصراحة مش عارفة أشكرك إزاي علي تربية أحمد ربنا يحميه
نظرت له بحب وحنان شديد وهي تقول
عايدة:ربنا يخليهولي مليش غيره دلوقتي
جلس جميعهم يتسامرون في بعض الأحاديث العادية بينما شكرت نهال أحمد بشدة عمّا فعله مع ريما .....بعد قليل إستأذن منهم أحمد ليعد الغداء ولكنها وقفت مترددة في منتصف الردهة وهي تنادي عليه قائلة
ريما:أحمد
إستدار لها قائلاً بمرح
أحمد:بعرف أطبخ والله طباخ ماهر كمان متخافيش مش هتروحي المستشفي
ضحكت بشدة ثُم قالت وهي تمد له يديها
ريما:الجاكيت بتاعك قبل ما أنسي
مدّ يديه وهو يأخذه منها تلامست يديه بكفها الرقيق ولاحظ إرتعاشها فسحب يديها سريعاً وهو يقول
أحمد:متشكر...خمس دقايق والغدا يجهز
بعد وقت قليل بالفعل وضع أشهي الطعام علي المنضدة الصغيرة وبدأوا في تناوله بينما نهال كانت متخوفة في البداية ولكن مرح أحمد وعايدة وألفتهم التي لم تعتاد عليها جعلتها تتناوله بل وتتلذذ به أيضاً
أما هو فلم يأكل كما نظر لها وهي تأكل كانت تتناول الطعام كأنها قطة صغيرة تتعلم الأكل في بدايته كان فمها رقيق وكلما وضعت لقمة كلما أتبعتها بالمنديل في يديها....رباه ماذا تفعل تلك القطة في منزلي!!!
بعد حوالي الثلاث ساعات أوصلهم أحمد إلي خارج المبني علي وعد باللقاء مرة آخري ووالدتها سعيدة جدا بهذا اللقاء مما جعلها تشعر أن حياتها الأن علي المسار الصحيح
نفضت الأغطية بسعادة وهي تتمطي ثُم نظرت للهاتف وقررت أن تتصل بهايدي لتقلها من المنزل ليس لها أي مزاج لقيادة سيارة اليوم
إغتسلت وإرتدت ملابسها المكونة من بنطال جينز وبلوزة قطنية باللون الأبيص ومعطف أسود وحذاء رياضي ثُم رفعت شعرها لأعلي وتناولت إفطارها وذهبت لتستقل السيارة مع هايدي إلي الجامعة
كان قلبها يخفق بعنف كلما إقتربت السيارة من الجامعة تذكرت نظراتها لزملائها...تذكرت نظرتهم لها التي لم تكن تبالي بها أجفلت عندما حطت ذراعي هايدي علي كتفيها قائلة بلطف
هايدي:ريما حبيبتي إحنا وصلنا
ريما:ها...أه طيب يلا
فتحت باب السيارة بيد مرتجفه وهي تشعر أن الأعين كلها مسلطة عليها فهي من كانت يقولوا عنها كلمة واحدة( ممنوع الإقتراب)
أمسكت هايدي يديها بحزم وهي تقول
هايدي:متخافيش ياحبيبتي إنتي أقوي من كدا والله إرفعي راسك لأن كل الناس بتغلط والأحسن عند ربنا اللي بيتعلم من غلطه زيك يلا علشان نشوف المواد بتاعتك ومواعيد المحاضرات
كلمات هايدي كانت كالحافز بالنسبة لها رفعت رأسها وهي تمسك بيد صديقتها ثُم تنفست بعمق
ريما:يلا بينا أنا مش خايفة من حد
راجعت جدول حضورها فكانت محاضرتها الأولي بعد حوالي ساعة تقريباً لذا قرروا الجلوس في مقهي الجامعة وقررت أن تخبر هايدي عن أحمد
تنحنحت بخجل وهي تقول
ريما:هايدي كان فيه موضوع كدا عاوزة أقولك عليه
إبتسمت هايدي
هايدي:ها ياستي قولي
بدأت تسرد لها بداية ما حدث عندما ذهبت له إلي أن تناولت الغداء مع والدته هي ووالدتها....نظرت لها هايدي بإندهاش
هايدي:إنتي روحتي حارة!!!! لا وكمان معجبة بواحد بيشتغل إيه؟
إبتسمت ريما بسعادة وهي تقول
ريما:أيوة روحت حارة ومعجبة براجل بجد...بيشتغل مندوب مبيعات ياستي
إبتسمت هايدي وهي تقول
هايدي:طنط عارفة إنك معجبة بيه أوي كدا ؟
عقدت حاجبيها
ريما:الصراحة لأ هي كل اللي تعرفه إنه كان راجل معايا وذوق وشكرت فيه أوي هو ومامته
قاطعتها هايدي
هايدي:شكرت فيه هو ومامته وقالت عليه راجل ومحترم بس معتقدش إنها هتقبل إرتباط بينكم صح؟
صمتت لبرهة وهي تفكر ثُم
ريما:هو أنا يعني قلتلك إنه معجب بيا ياهايدي وبعدين علي فكرا بقي لو حبيت أحمد وهو حبني بجد مش هتنازل عنه أبداً لأنه واثقة إنه هيحافظ عليا واتمني بابا يوافق
ربتت علي يديها برفق وهي تقول
هايدي:حبيبتي أنا مش قصدي حاجة والله...وبعدين خلينا نصبر ونشوف
أومأت برأسها وهي تحتسي النسكافيه ولم تتحدث مرة آخري
.......................................
صعدت للغرفة دون أن تستمع لحديث والدتها بل أغلقت عليها الباب بالمفتاح.....أسندت ظهرها للباب وهي تبكي بشدة وترتجف كيف أخبرت مازن بهذه الصلابة...كيف أخبرت الضابط بكل تلك الكذبات ألهذا الحد تحبه بل تعشقه...إنها تشتاقه وبشدة..تشتاق جفائه..تشتاق بروده
تشتاق رائحته المعبقة بالسجائر....إنها تشتاقه وحسب
أخذت نفساً عميقاً وهي مازالت ترتجف توجهت لنافذة الغرفة ومازالت دموعها تهبط من مقلتيها في صمت فتحت الستار بيد مرتجفة وهي تنظر للسماء الصافية الزرقاء بأسراب الطيور وهي تزقزق
كانت تريد أن تعود كصفاء السماء...تريد أن تعود بإبتهاج الطيور
تسمرت مكانها وهبط قلبها بين أضلعها وإرتعش جسدها كله وهي تلمح هذا الخيال الذي ينظر لها بإبتسامة ولكنها كانت إبتسامة عاشق حتي النخاع.....توقف الزمن عند هذه اللحظة..وتوقف قلبها عن النبض
كانت أنفاسها متسارعة وصدرها يعلو ويهبط.....إنه هو بشحمه ولحمه
توقف بسيارته أمام المنزل وظلّ ينتظر وينتظر إلي أن تخرج
ربما تخرج...ربما يخبرها قلبها أنه ينتظرها أن تراه وتعلم أنه بجانبها ولن يتركها ربما
توقف قلبه عندما فتحت الستار ليظهر بهاء حسنها متعانقاً مع زرقة السماء كان وجهها شاحباً كالعادة ولكن جمالها لم يضاهيه جمالاً عندما خرج من سيارته ظلّ ناظراً لها يتأمل أدق تفاصيلها ليحفرها في قلبه ووجدانه حتي نظرت للأسفل وعرفته
توقف الزمن بينهم كأن الكون تلاشي ولم يبقي سواهم
......................................
أحبك جداً وأعرف أني أعيش بمنفى
وأنت بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحـار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية
*********************
إلي هنا ينتهي الفصل العشرون من رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا