مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية ذات الطابع الإجتماعى والمليئة بالكثير من التشويق والإثارة مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة هند شريف علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الرابع والعشرون من رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف .
رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف - الفصل الرابع والعشرون
إقرأ أيضا: رواية غرام
رواية فى جحر الشيطان بقلم هند شريف - الفصل الرابع والعشرون
باباً مغلقاً
................
كانت تتأمل الخضرة الشاسعة المزينة بالفراشات الملونة وهي تتذكر تلك المقابلة الكارثية مع والدتها...هطلت دمعة ساخنة علي وجنتها وهي تعود لتلك الذكري منذُ شهران عندما دخلت عليها أسيل الغرفة وتتبعها تلك التي تسمي والدتها بخطوات خائفة بينما هي لم تعطي لها الفرصة بالحديث بل إنتفضت من مكانها صارخة في وجهها بإنفعال والدموع تتسابق علي وجنتيها
نادين:أهلاً أهلاً وفاء هانم...جاية دلوقتي ليييييه ها..جاية تشوفيني وانا بتعذب ومدمنة وتشوفي إذا كنت أنفع أبقي بنتك ولا لأ؟؟...عارفة روحي إشتري بنت تانية بفلوسك بس لما يحصلها اللي حصلي عمرك ما هتقدري تعالجيها بفلوس الدنيا كلها
كانت تلوح بيديها يميناً ويساراً وعيناها تنضح بالألم الخالص بينما أسيل أخذتها بين أحضانها تحاول تهدأتها قليلاً وهي تهدهدها كطفلة صغيرة وبالفعل هدأت وهي تجلس علي الفراش وتحتضن أسيل بشدة
أمام تلك الذاهلة الشاهدة علي الموقف فقط ولم تجرؤ علي الوقوف بجانبها في أشد لحظاتها إحتياجاً لها...نظرت لها وهي تتفكر في السنوات الفائتة التي تركتها فيها بين أيدي هناء ومع صديقتها وعائلتها التي علي ما يبدو أنهم يعرفونها أكثر مما تعرفها هي...يشعرون بها وتشعر بهم..يحبونها وتحبهم شعرت بالألم الشديد عند هذه الفكرة (إبنتها لا تحبها إنها تكرهها ولكن هل لها الحق أن تلومها بعد كل ما حدث معها وبسببهم هم فقط!!)
أعادت النظر لها وجدت هذه الفتاة التي تشعرها بأمومتها تهدهدها بكلمات رقيقة كالبلسم وهي تقول بحنان بينما تمسح دمعة هاربة عن مقلتيّ نادين
أسيل:نادين ياحبيبتي هي مامتك وهتفضل مامتك مهما غلطت في حقك بس عمرها ما هتكرهك في يوم عارفة ليه..لأن غريزة الأمومة دي ربنا زرعها فينا مش بإيدينا أبداً..يمكن هي بعدت وغلطت لما دورت علي الفلوس بس يمكن بردوا ده الوقت الصح اللي المفروض هي تكون جنبك فيه
لاحظت الرفض في عينيها لذا إحتضنت أناملها ثُم إبتلعت ريقها قائلة
أسيل:عمرك ما هتكرهيها مهما حصل..مهما كنت أنا ومازن جنبك دايماً هتحتاجي حضنها..مهما حسسناكي بالأمان مش هتحسي بيه غير في حضنها هي ومعاها...أرجوكِ بس إديها فرصة علشان خاطري أنا ومازن...صدقيني يمكن ترتاحي وأنا هفضل دايما جنبك
أخفضت رأسها وهي تنظر لتلك الطفلة المذعورة الذاهلة في آخر الغرفة كأن ما يحدث بعيداً عنها...أخذت نفساً عميقاً تملأ رئتيها بالهواء النقي ثُم نظرت لأسيل بتصميم
نادين:عاوزة أقعد معاها لوحدنا بس خليكي جنب الباب ممكن !
قبّلتها من رأسها وهي تبتسم وأومأت برأسها وهي تخرج بينما نظرت نادين لوالدتها والدموع حبيسة مقلتيها ذهبت قبالتها وجثت أمامها علي الأرض ثُم نظرت لها بألم السنوات الفائتة وقالت بصوت هادئ يناقض مشاعرها المنتفضة
نادين:تعرفي إن كل اللي كان نفسي فيه هو حضنك وإني أحس بالأمان....عمر فلوس الدنيا ما كانت هتعوضني عن إهتمامك وحبك وحنانك اللي إحتجته من يوم ما إتولدت (إبتلعت ريقها وهي تضع يديها ناحية قلبها ) دورت علي الأمان اللي إحتاجته برا ولما لقيته كان مزيف وعلشان الفلوس بردوا وبسببه أدمنت ولما عرفت إني مدمنة خرجته من حياتي بس مقدرتش أتخلص منها أبداً
إنهمرت دموعها أنهاراً بعد الكلمة الأخيرة بينما وفاء تضمها رغم رفضها وهي تقول بندم حقيقي
وفاء:سامحيني يانادين..كنت فاكرة إن الفلوس ممكن تعوضك عننا وعن حناننا...كنت فاكرة إن أي حاجة بتحتاجيها ممكن تلاقيها بالفلوس بس كنت غلطانة وأوعدك إني أصلح غلطي ده
وقفت نادين وقد إستعادت رباطة جأشها قليلاً بينما قلبها يعارضها بصخبه نظرت للأفق شاردة وهي تقول بهدوء
نادين:هحاول أصدق كل اللي بتقولي ومع ذلك محتاجة فرصة ووقت أطول أصدق فيه وتثبتيلي فيه إنك أمي بجد
شعرت بقبضة تعتصر قلبها ألماً وندم شديد كيف تهاونت في حق فلذة كبدها هكذا..كيف فقدت كل حس للأمومة لديها...كيف كان جمع الأموال أهم ما تريده!!
علمت بشكل أو بآخر أنه لم يعد هناك كلام ليُقال بل تبقي للأفعال أن تثبت وستعمل جهدها حتي تثبت أنها أم حقاً....
أخذت نفساً عميقاً فمنذ تلك الهدنة التي عقدتها مع والدتها تأتي لها يومياً تجلس معها تتحدث بحنان يناقض ما كان يحدث منذُ سنوات مع الوقت تبدلت طريقة نادين الجافة في الحديثة مع وفاء إلي أخري أسهل ولكن عندما عاد والدها الذي أظهر إستيائه الشديد وخوفه مما يسمي (فضيحة) فإبنة السيد حافظ رجل الأعمال الشهير المعروف داخلياً وخارجياً (تتناول المخدرات) بينما وقف فارسها المغوار في وجهه رد عليه بكل قسوة وللعجب إتفقت وفاء بشدة مع مازن فيما قاله عندما طلب حافظ أن تسافر معه للخارج حتي تتم علاجها ثُم تعود أو تخرج من هذه المشفي وتبدأ في مرحلة العلاج من المنزل بينما هدر مازن في وجهه بعنف قائلاً
مازن:نادين مش هتتحرك من هنا لا برا مصر ولا حتي في البيت ولو ع الفلوس هي مش محتاجة منك حاجة...كل اللي كانت محتجاه حنانك ولو مش موجود متشكرين علي وجودك يا أستاذ حافظ
أردفت وفاء والدموع تتدفق من عينيها أمام عينيّ حافظ الرجل الرزين الذي لطالما حافظ علي هدوءه وبروده..الذي لم يكن لديه أهم من كنز الأموال والزواج من فتاة إبنة عائلة ثرية كوفاء...
وفاء:مازن عنده حق كفاية اللي حصلها وإحنا بعيد عنها أنا مش هعرض بنتي لنكسة تانية...ومش مهم عندي أي حد يعرف المهم صحتها وعمري ما هحسسها أبداً إنها منبوذة مننا أو من أي حد
تفاجأ من صلابتها الغير معهودة فقد كانت تستمع له دون مناقشة حتي في سفرها عندما كانت تتألم لفراق إبنتها الوحيدة لم تستطع إلا أن تخضع لأمره بالسفر معه للخارج....وافق علي مضض بينما يمط شفتيه بإمتعاض
حافظ:إنتو حرين أهم حاجة محدش يعرف ولما تبقي كويسة تبقوا عرفوني...ولو عوزتي فلوس هتلاقي في البنك
هكذا ثُم غادر بكل بساطة دون أن يكلف نفسه عناء السؤال عنها أو الإطمئنان علي أحوالها...ولكنه لم يكن يعلم أن هناك من تستمع لكل هذا الحوار المؤلم من وراء الباب فتعلم عن حق أنه وبعد مرور شهر فقد تغيرت والدتها بينما والدها مازال كما هو قاسي...بارد المشاعر لا يأبه سوي للمناظر الخادعة.....ولكن مازال لديها بطلها وحبيبها الذي لم يخن ثقتها ولو مرة واحدة دائماً يُثبت لها وجوده بجانبها وعشقه الأبدي لها أيما كانت ظروفها
إبتسمت عندما تذكرته كان قد تعوّد بعدما إفتتح عيادته الجديدة قبل شهرين أن يزوها نهاية كل أسبوع يقص عليها كل ما حدث خلاله..يُقبلها من جبينها حيث يسلب لبها بتلك القبلة الطويلة كأنه يمنحها الأمان الذي تنشده ثُم يرحل...عبست وهي تفكر رغم كل هذا هناك شئ ما يقض مضجعه ليس هو فقط بل أسيل أيضاً...تُري ما هو هذا الشئ !!
أخرجها من أفكارها صوت طرقات هادئة علي الباب علمت علي الفور أنها وفاء هذا هو موعد مجيئها وبالفعل كانت وفاء ولكن معها هذا الطبيب إياد الذي لم ينفك طوال شهرين متتباعين أن يتواجد كلما تواجدت أسيل معها بل ويحاول جذب أطراف الحديث مع تلك الصغيرة الهادئة المنكمشة علي نفسها والتائهة منذ فترة طويلة...مهلاً يوجد وجه جديد سيدة قصيرة بعض الشئ يبدو عليها الهدوء الشديد مع لمحة من الملائكية محببة للنفس بشدة
إقتربت منها وفاء وهي تقبلها من وجنتيها قائلة
وفاء:عاملة إيه ياحبيبتي ؟
ردت بهدوء ومازالت عينيها مثبتة علي تلك الباسمة
نادين:الحمد لله بخير يا ماما
قال إياد وهو يضع يديه في سترته الطبية
إياد:صباح الخير عاملة إيه إنهردة؟
ردت دون أن تلقي نظرة نحوه قائلة
نادين:كويسة أحسن كتير الحمد لله
قال وهو يشير للمرأة المثيرة للفضول
إياد:أحب أعرفك الدكتورة هدي هتقعد معاكي شوية ممكن ؟
نظرت بتساؤل لوالدتها التي ربتت علي كفيها برفق وهي تبتسم قائلة
وفاء:هترتاحي معاها أوي أنا هستناكي برا ماشي؟
لا تعلم نادين سوي أنها شعرت بالراحة لتلك الواقفة أمامها بعدما رحلت والدتها وإياد...لديها عينان تشبه زرقة السماء في ليلة مضيئة بالقمر..وجه مستدير يوحي بالراحة والإطمئنان من مجرد النظر إليه..زادها حجابها البسيط رونقاً هادئاً كالملاك الحارس..إبتسمت هدي بلطف وهي تقول
هدي:الجو حلو أوي إيه رأيك نتمشي شوية في الجنينة!!
إبتسمت بإضطراب ثُم إبتلعت ريقها قائلة
نادين:مفيش مشكلة
ذهبتا معاً بينما نادين تتأمل المنظر المحيط بهما...خضرة تحيط بها من كل مكان مُسلط عليها بخجل قرص الشمس المائل للحمرة في هذا الوقت يداعب الزهور الموزعة علي جانبي الحديقة فأعطاها جمالاً فوق جمالها خصوصاً مع رفرفة هذه الفراشات الملونة تمتص رحيق الأزهار
بدأت هدي الحديث معها قائلة
هدي:إنتي أكيد عارفة مراحل العلاج من الإدمان صح ؟
إرتجفت قليلاً فأحاطت نفسها بذراعيها ولسبب ما علمت ما هي وظيفة هدي في تلك المرحلة لذا أخفضت رأسها فغطت خصلاتها البنية شعرها وهي تقول بتحشرج
نادين:أيوة عارفة...وأظن إن المرحلة النفسية هتبدأ إنهردة صح؟
أمسكت هدي بيديها المرتعشه وهي تقول بإبتسامة هادئة
هدي:أيوه وقريب أوي هتخرجي وتبقي أحسن ألف مرة مما كنتي..تعرفي إن فيه ناس كتير لو كانوا مكانك كانوا مكملوش بس إنتي ربنا بيحبك وعندك إرادة قوية وناس بتحبك....مش نفسك تفضلي معاهم علي طول ؟
أومأت رأسها بضعف دون أن تنظر لتلك الواقفة أمامها بينما قادتها لطاولة صغيرة ثُم إقتطفت وردة صغيرة من وسط الورود وآخري ولكنها لم تكن بنضارة الأولي ثُم قالت
هدي:شايفة الوردة دي يا نادين كلنا زيها ساعات بنكون دبلانين كدا ومش لاقيين حاجة تروينا بس في لحظة بنلاقي ناس بتحبنا وتقربنا من الحياة بنقطة مية فنبقي زي الوردة التانية اللي مش دبلانة دي
إحنا بقي في إيدينا نبقي بنضارة الوردة الحمرا دي أو بذبول الوردة الزرقا دي فهماني ؟
إخترقت كلماتها البسيطة قلبها فنظرت لها والدموع تغشي عينيها شعرت نفسها في الماضي كتلك الوردة الزرقاء الذابلة التي لم تجد من يرويها ويسقيها هتصبح بنضارة تلك الوردة الحمراء بينما جاء مازن ليُعيد لها الحياة في لحظه فيرويها من حنانه وإهتمامه فأصبحت كتلك الوردة النضرة...إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تقول
نادين:هو أنا هقدر أكون وأفضل زي الوردة الحمرا دي؟
إبتسمت هدي وأزاحت خصلات شعرها البنية بحنان
هدي:طبعاً تقدري لو عندك يقين وإيمان بالله وإيمان بقدرتك علي نفسك
إحنا إنهردة هتحكيلي عن طفولتك بس ومش هنتكلم عن حاجة تانية ممكن؟
أومأت نادين رأسها بالإيجاب بعدما إستعادت بعضاً من شعورها بالهدوء والثقة بالنفس
وبدأت طريقها نحو العلاج النفسي كما بدأته منذُ شهور نحو العلاج الجسدي
............................................
-ياعزيزي أنت غير رحيم بالمرة
-تُري أنت تعبث بأكثر الأشياء قيمة
-أنت تطرق باباً مُغلقاً دون أن تطرقه حقاً
-أيا قوي العزيمة..لقد تكسرتُ منذُ زمن مضي
-أيا كثير الرفض أسمح لي أن أراك بطرقي
نعم لقد تكسرت كل قيمة وكل مبدأ وكل معني في الحياة أمامي
ولكن بطريقة ما..لا أعلم ما هي تمثلت كل هذه الأشياء بك
يا صديقي ورفيق درب إنتقامي...لا تتركني وحيدة أحارب طواحين الهواء
يا سيدي وملجأي لا تغضب عليّ فأنا مجنونتك المتهورة علي كل حال
يا أعقل الرجال وأصدقهم..أصدقني القول أ لجراحي من شفاء!!
يا من تملك مفتاح قلبي بعد أن فقدته أنا ...قل لي أين وُجد..فلم يكن يوماً بسارق
يا عزيز النفس أري فيك نفسي التي أريد بنفس غير مشوهة
يا قاهر الشهامة أراك فأري ما كنت أنتظره ولا أستحقه
صدقني يا من لن تكن لي..أنا بقايا أنثي أبحث عن حناياي المفقودة
ليتنا تقابلنا في زمن آخر...ليتنا يا عزيزي..يا من حُرم عليّ مناداته بأكثر من هذا-أحبك-وياليتني أستطيع أن أبوح بها
سقط قلبها بين أضلعها وإهتز كيانها بأكمله من مجرد كلمة واحدة...إرتعشت أناملها تحت كفه الذي لم يتركه بينما تدفقت دموعها أمام هذا الرجل الرائع الذي يخفق قلبها له كل يوم أكثر ولكن في لحظة واحدة أدركت أنها لا تستحق منه حبه وصراحته تلك دون أن تكون صريحة معه...وكأن إدراكها هذا حدث متأخر جداً لذا هربت خارج المطعم وهي ترتعش..وضع بضع ورقات نقدية وذهب ورائها سريعاً أمسك ذراعها وشعرها الذهبي يتطاير حول وجهها يزيدها رقه وجمالاً ثُم قال بقلق
أحمد:مالك ياريما في إيه؟
لم تخفي عليه العشق الذي ينضح من عينيها ولكن ظلله ألم كبير في عمقهما ثُم قالت بإنفعال ومازالت مقلتيها ممتلئة بالدموع
ريما:أنا مستاهلش يا أحمد مستاهلش حبك ونبلك ورجولتك دي إنت تعرف عني إيه قبل ما أكون ريما اللي حبيتها
رد بهدوء يناقض ما يعتمل في صدره من قلق وخوف من القادم
أحمد:ميهمنيش إنتي كنتي إيه يهمني إنتي إيه دلوقتي
لم تستطع السيطرة علي نفسها أكثر بينما تهدر بعصبية وهي تلوح بيديها
ريما:حتي لو عرفت إني روحت شقة راجل غريب الساعة 12 بالليل ونمت عنده ؟؟
صمت خيم علي المكان إلا من أنفاسهما اللاهثة...هو بنظرات جامدة لا تعبر عن شئ إطلاقاً بينما هي مخطوفة الأنفاس ومبهورة بما قالته للتو وضعت يديها علي فمها تكبت صرخة بكاء...وجدته يغمض عينيه ويطبق فكه حتي كادت تسمع صوت إصطكاك أسنانه ثُم فتح عينيه لتجد محل الغضب لا شئ..نعم لا شئ تعبير غامض وبلهجة آمرة
أحمد:إيه اللي حصل بالظبط ياريما؟
تفاجئت مما قاله لذا تراجعت للوراء قليلاً حتي إرتجفت من لهجته الحازمة وهو يعيد عليها السؤال بهدوء شديد كأن ما ستقوله لا يعنيه
أحمد:إيييه اللي حصل ؟؟
إبتلعت ريقها ثُم أحاطت نفسها بذراعيها كأنها تستمد القوة وهي تنظر حولها بتوتر بينما هو لم يعطيها الفرصة إذ أخذها من ذراعها متوجهاً إلي المطعم مرة آخري ولكن إلي طاولة منزوية بعيداً عن أعين الفضولين ثُم نظر لها يحثها علي الحديث....أخذت نفساً عميقاً ورأسها مطأطئ بخجل والكلمات تنساب من بين شفتيها المرتجفتين وهي تحرك يديها بتوتر في حجرها تجاهد ألا تنظر له حتي تري مشاعره في تلك اللحظة
عندما إنتهت من الحديث كان جسدها يرتعد للذكري بينما دموعها تنساب علي وجنتيها كشعرها الذهبي المنساب علي وجهها
أما هو فأطبق شفتيه حتي كاد أن يدميها بينما تقلصت قبضته علي الطاولة حتي إبيضت سلامياته وطلّ من عينيه غضب شديد ثُم عمّ الصمت المطبق المكان للمرة الثانية...للحظة شعرت أنه تركها وذهب كأنه يشمئز منها ولكن صوت أنفاسه العنيفة بجانبها جعلها ترفع عينيها إليه لتري غضبه الشديد بينما يهدر بها غير مبالي بمن حوله بحدة
أحمد:علشان غبية ومتهورة ومتعلمتيش لأ ده إنتي في عز أزمتك جتيلي بردوا وباليل....وكنتي هتنتقمي منه إزاي بقي ياهاااانم ها جاوبيني إزاااي
فكرك إن صاحبه كان هيبيعه بالسهولة دي ولا فكرك إنه كان هيسكت علي اللي عملتيه .....غبية ياريما ودلوعة لأبعد الحدود ومغرورة جداً كمان
أخذها من ذراعيها وهو يخرج بها كي يستنشق بعض الهواء النقي ويسترجع بعضاً من هدوءه...إبتلع ريقه وهو ينظر لها تجهش بالبكاء... تتمتم بإعتذارات واهية رقّ قلبه لتلك الغبية المتهورة فأخذها بين ذراعيه دون تردد مما جعلها تتزداد في بكائها أكثر وأكثر وجسدها يرتعد بشدة مع صخب قلبه الذي يهدر في صدره متناغماً مع دقات قلبها التي تتراقص في صدرها لإحساسها بالأمان بين ذراعيه.....ملّس علي شعرها الحريري وهو يقول بصوت دافئ
أحمد:هشششش خلاص إهدي مفيش حاجة هتحصل تاني...أنا معاكي
........................................
كلما أعددت نفسي لإنتظار قدومك....إزددت إبتعاداً
بعد مرور أسبوع كامل لم تراه فيه حيث أمرها مازن بصرامة ألا تذهب وأنه سيُلازمه طوال فترة مكوثه في المشفي...كان الشوق يضنيها وهي تمتثل لأوامر أخيها علي مضض ولكنه قال لها بالحرف وبنبرة حازمة
مازن:خلاص يا أسيل مش عاوز نقاش في الموضوع ده تاني..إنتي هتروحي البيت وهتقولي لبابا وماما إني عند واحد صاحبي عيان..لاحظي إن مفيش أي صلة بينكم غير حبكم وأنا إحترمت ده بس مش معناه إني أسيبك معاه
كانت تعرف وبشدة أنه علي صواب في كل ما قاله لها ولكن ماذا تفعل بهذا القلب الذي يشتاقه وكلما إقتربت منه خطوة إبتعد مئات الخطوات ولكنها تعرف اليوم أن مازن قد ذهب لعيادته التي أهملها مؤخراً لذلك قررت وبتهورها المعتاد أن تذهب إليه لتراه فقط....لن يعرف مازن هكذا وبكل بساطة تتطمئن عليه لن تتحدث...ولن تضمه لقلبها كما تتمني أن تفعل...إتسعت تلك الإبتسامة الشقية ثُم إرتدت ملابسها علي عجل وأخذت حقيبتها ثُم خرجت وقلبها يرقص فرحاً للقاءه...تذكرت عندما سألتها سميحة عن وجهتها أخبرتها أنها ستطمئن علي نادين وتعود ولن تنسي أن تأخذ هذا الحارس الشخصي الذي يلازمها كثيراً وخصوصاً منذُ ما حدث أمام المحكمة قبل أسبوع....كانت قد أخبرت والدتها منذُ عودة وفاء عمّا حدث لنادين ودعمتها كثيراً حتي أنها رحبت عندما عرفت بعشق مازن لها فهي تحب نادين كما أسيل بالضبط...هكذا وبكل بساطة ولأجله أصبحت الكذبات تنساب من فمها وهي تشعر بعشقه يتغلغل في أعماقها أكثر وأكثر...حسناً لم يتبق الكثير فقط ليصبح بخير ثُم سيواجه العالم بآسره من أجلي كما سأفعل أنا.....
كل شجاعتها ذهبت أدراج الرياح وهي تطرق بضع طرقات مرتعشة علي باب غرفته التي سألت عنها في الإستقبال كان بجانبه طبيب شاب يتفحص ضغطه وهي يقول بإبتسامة
الطبيب:لأ إحنا بقينا عال العال أهو الحمد لله
تكسرت إبتسامته علي شفتيه وهو يري من كانت تؤرقه في أحلامه ويقظته طوال أسبوع كامل لم يراها به....رباه كم إشتاقها..كم إشتاق تورد وجنتيها الذي يعلو وجهها كلما رأها...كم يود لو يجعلها تخترق أضلعه فتسكن بداخل قلبه لتعلم مدي عشقه لتلك الصغيرة القوية والضعيفة في نفس الوقت....ولكن لا,ليس الأن يجب أن يري يوسف أولاً..يجب أن يعود يوسف ليوسف...يجب عليه أن يُجنبها ما يعانيه فهي بكل رقتها وبرائتها لن تتحمل ولن يستطيع هو أن يُحملها ما لا ذنب لها به...إبتلع ريقه وهو يرسم علي وجهه قناعه الجامد الذي تحلي به قبل أن يعرفها
إرتعشت من نظرته الجامدة التي لم تعهدها منه مؤخراً بينما تنظر للطبيب بإبتسامة مرتعشة وهو يقول
الطبيب:أخيراً جالك ضيوف غير صاحبك الدكتور...بلاش تجهد نفسك بالكلام كتير..هسيبكم دلوقتي..عن إذنكم
لم ينبت أي منهم بحرف كان كل منهما يبث أشواقه للآخر عبر كل نفس يخرج من صدره...عبر كل نظرة تائهة وخائفة من الماضي المؤلم والمستقبل الغامض...عبر خجلها الواضح لديه ومن خلال إنقباض أصابعه المعلقة بالمحلول أغمض عينيه بقوة...لا يريدها أن تري الإشتياق والحب في عينيه بينما هو غير قادر علي منحها سوي كلمات مجرد كلمات لا أكثر
إقتربت منه وكالعادة تخترق حصونه إختراقاً بصوتها الرقيق ونبرتها الحنونة
أسيل:حمد الله علي السلامة..
رد بإقتضاب يناقض قلبه الذي كاد أن يخرج من بين أضلعه
يوسف:الله يسلمك....إيه اللي جابك أخوكِ مسابنيش لحظة ؟
تفاجئت من رده المقتضب بشدة بينما شحب وجهها ثُم إبتلعت ريقها محاولة التماسك..قالت بتحشرج
أسيل:جيت أطمن عليك...مكنتش عاوزني أجي ؟
غامت عيناه بحزن عميق وهو ينظر للأفق شارداً
يوسف:مكنش ينفع تيجي...مينفعش يكون ليكي مكان في حياتي
نظرت مبهوتة بما قاله للتو...إنفجرت الدموع من عينيها أنهاراً فكانت سكين بارد ينغرس في صدره مرة بعد مرة فيؤلمه أكثر وأكثر ولكنه لم يظهر أي من هذا بل تماسك بوجهه البارد لأجلها هي فقط إرتعش كفه فقبض عليه بقوة وهو يكز أسنانه...بعدما إستعاد شيئاً من بروده وقسوته نظر لها وهو يبتلع ريقه
يوسف:أنا مقدرش أكون معاكِ من فضلك شوفي حياتك بعيد عني...إنتِ هتكوني في خطر وإنتي معايا (غامت عيناه بشئ من الندم وهو يكمل)غير إني قاتل دي صفتي ودي حياتي بقالي أكتر من 8 سنين بقتل ناس أبرياء ملهومش أي ذنب غير إنهم في طريقي...إنتي ذنب مقدرش أشيله معاهم
أرجوكِ سبيني أتخلص من ذنوبي لوحدي
لم تكن أبداً لتصدق قسوته وبروده بعدما رأت أي رجل هو...إلا أن شلال الدموع لم يتوقف حتي ظهر بريق الحزن في عينيها العسلتين وهي تقترب منه تتلمس كفه المنقبضة...خرج صوتها مرتجف رغماً عنها
أسيل:أنا معاك عمري ما هسيبك والذنوب دي نواجهها سوا ربنا رحيم...أنا هرجع يوسف ليوسف
أجفلت عندما نفض يديها بقسوة رافضاً ما تفعله..ورافضا ما يشعر به من إضطراب بلمستها الدافئة....بينما خرج صوته بارداً بعيداً قاسياً
يوسف:لو سمحتي إخرجي من حياتي زي ما إقتحمتيها زمان...مينفعش يكون ليكي مكان فيها دلوقتي
ظهر بريق التحدي في عينيها رغم إرتعاد جسدها الواضح وإرتعاشة شفتيها وهي تقول بعصبية
أسيل:مش من حقك أبداً تبعدني عن حياتك بعد ما بقيت جزء منها...مش من حقك بعد ما أخدت قلبي تمشي...ده مش عدل مكنتش خطفتني ومكنتش حمتني...بس تهرب مني وأنا بواجه العالم عشانك ليييييييه ؟
إبتلع ريقه بصعوبة يُغالب زرعها بين أضلعه وضرب كل القيود بعرض الحائط....ألقي نظرة علي المنضدة بجانبه وأمسك بين يديه السلسلة التي كانت أعطته له...وضعها بجانب قلبه وهو يقول بصوت مبحوح
يوسف:أرجوكِ متصعبيش الأمر علينا إحنا الإتنين...خلاص إنسي كل حاجة بيننا..إنسي إنك شوفتيني أو حبتيني عيشي حياتك البريئة من غير واحد مشوه من جوا ومن برا زيي...السلسلة دي عمري ما هسيبها وهتفضل دايماً معايا وهحافظ عليها زي ما وعدتك
أشاح بنظره بعيداً حتي لا يري الرفض والألم في عينيها يكفيه ما يشعر به من خنجر ينغرز ببرود داخل صدره فيؤلمه وكأن نبضات قلبه تشاركها رثائها فتثور عليه هو وترفض ما يقوله......كان صدرها يعلو ويهبط بوضوح ومقلتيها أصبحت مغشية بالدموع الساخنة...أطبقت شفتيها المرتعشتين حتي كادت تدميها وهي تقترب منه بعصبية واضحة وتضربه بكفيها الصغيرين علي صدره المتألم غير مبالية بآلامه الجسدية ودموعها تنهمر عليه هو قائلة
أسيل:حرام عليك...كفاية تعذب نفسك وتعذبني...إنت ليه قاسي كدا...حرااااااام متعملش فيا كدا أنا..
لم تكمل جملتها بينما هو يحيطها بذراعه الحرة فيضغط عليها حتي كاد أن يُسكنها بين أضلعه...تجمعت الدموع في مقلتيه رافضة الخروج وهو يُقبل قمة رأسها...تبكي علي صدره ومتشبثة بقميصه وكأنها علمت أنه لا مفر من الوداع
...................................
بعد خروج آخر مريض كان يشعر بإرهاق شديد في كل عضلة في جسده المتشنج...أرجع رأسه للوراء وهو يغمض عينيه مدلكاً مؤخرة عنقه بإرهاق شديد...إبتسم وهو يتذكر عندما تقابل مع يوسف لأول مرة عندما أفاق من المخدر كان يقف أمام غرفته هو وأسيل التي أصرت بتهورها المعتاد أن تبقي فقط لتطمئن عليه... رفض رفضاً تاماً أن تدخل أسيل معه عندما أخبره الطبيب أنه أفاق وهو بخير أمرها وبحزم أن تعود للمنزل وأنه لن يفارقه...دخل عليه كان يبدو علي وجهه الإرهاق ولكن مع ذلك يبدو عليه القوة والصلابة شاب في مثل عمره تقريباً ربما أكبر بسنوات قليلة تعلو وجهه نظرة هادئة لا تنم أبداً عمّا بداخله حاول مازن كالعادة السيطره علي نفسه بألا يضربه..فبعد كل شئ هو من إختطف شقيقته...
لذا قال بهدوء يناقض كل هذا
مازن:حمد الله علي السلامة
رد بهدوء مماثل
يوسف:الله يسلمك
إقترب منه مازن ثُم إستند علي الحائط بالقرب منه وهو يقول
مازن:أنا دكتور مازن أخو أسيل
إبتسم بكل هدوء ثُم
يوسف:عارف..متشكر إنكم فضلتوا هنا لحد ما فوقت
جلس علي المقعد بجانبه وهو يسأله مباشرة
مازن:إنت ليه عملت كل ده ليه شيلت الليلة كلها وبعدت أسيل عن الموضوع ؟
قال بنبرة ساخرة
يوسف:علشان كنت عارف إن ده هيحصل وكفاية اللي هي إتعرضتله بسببي وعمرها ما كانت هتقدر تواجه طارق واللي زيه
رد بجدية
مازن:أيوة بس إنت كان ممكن تموت لولا ستر ربنا
أشاح برأسه وهو يقول بلا مبالاة مصطنعة
يوسف:عادي غيري كتير ماتوا وبسببي...وبعدين إنت مش كنت خايف عليها ولا إيه؟
أجاب علي الفور وبقسوة
مازن:طبعاً خايف وعلشان خاطرها بس أنا قاعد معاك
إبتسم بشحوب
يوسف:ربنا يخليهالك...أنا عارف إحساس الأخ كويس أوي وحاسس بيك جداً
للحظة تلألأت الدموع بمقلتيه ولكنه أغمض عينيه وهو يتألم بصمت...
مازن:هو أنت هتعمل إيه لما تخرج من هنا ؟
إبتلع ريقه بصعوبة ثُم
يوسف:لسة مش عارف أول حاجة هعملها هروح أشوف بابا
شعر مازن بمدي ألم هذا الرجل الذي يحاول جاهداً أن يخفيه أمامه..ثُم قال بتعاطف
مازن:أنا وأسيل سافرنا القاهرة وروحنا شفناه
تقلصت عضلة في خده الأيمن وخفق قلبه بشدة وبدون أن ينظر لمازن
يوسف:عرف أي حاجة عن حياتي!!
تعجب مازن من سؤاله فهو لم يكن يعلم أن والده لا يعرف ما هو ولم تحكي له أسيل أي شئ سوي أن شقيقته تم الإعتداء عليها وأنه قتل من فعل بها هذا...قال بصوت خافت
مازن:الحقيقة أنا مدخلتش مع أسيل هي طلبت تتكلم معاه لوحدها وكل اللي عرفته منها إن إنك قتلت الحيوان اللي إعتدي علي أختك
لاحظ إنقباض كفيه وكيف يحاول السيطرة علي غضبه بينما عيناه بها غضب أسود وحمروان بشدة...لم يكن ليلومه أبداً لأنه لو كان مكانه كان فعل المثل بالتأكيد...حاول أن يتخطي هذا الحديث فقال
مازن:عموماً أنا هجيلك كل يوم لحد ما تخرج من هنا وبعد كدا لينا كلام كتير مع بعض تمام!!
أومأ رأسه بالإيجاب ثُم نظر لمازن وقال بهدوء
يوسف:شكراً علي كل حاجة
توقف مازن عن سيل الذكريات وهو يفكر حقاً هذا الرجل يمتلك قوة غريبة وهدوء أغرب عيناه بها غموض بقدر ما بها من حزن وخوف كيف ستتأقلم أسيل معه بل كيف أحبته !!
أجفله صوت الهاتف فوجده الحارس الشخصي لأسيل رد مسرعاً
مازن:ألو يامحمود خييير....تااااااااني ياأسيل مفيش فايدة...طيب هي فين دلوقتي..طيب سلام سلام
ضرب بقبضته علي المكتب وهو يتوعد لها كيف تتهور وتذهب له..بل كيف تخالف أوامره بهذه الطريقة...ظل يتميز غيظاً وغضباً سينتظر إلي أن تعود للمنزل هي الأن عند نادين..آآآآآه كم إشتقت لكِ حبيبتي....كم أريدكِ وأحتاجكِ...وضع رأسه بين يديه فقط يريد أن يرتاااااح ولكن يبدو أن عودته لمصر كُللت بالتعب والإرهاق النفسي والجسدي فقط
أخذ مفاتيح سيارته وإنطلق للمشفي فاليوم هو آخر أيام الأسبوع وسيراها آخيراً أما أسيل فستري منه ما لم رأته من قبل يكفي عند هذا الحد...
قابل وفاء عند باب الغرفة إستقبلته بإبتسامة
وفاء:أهلاً يامازن جاي بدري يعني
إبتسم بتوتر وهو يقترب
مازن:إزيك ياطنط..أيوة أصلي خلصت شغل بدري وعرفت إن أسيل هنا فقلت أجي بقي ونروح سوا
أومأت برأسها وهي تطرق عدة طرقات ثُم دخلوا....كانت نادين تجلس علي الفراش رافعة شعرها لأعلي بدبوس صغير وضامة ركبتيها إلي صدرها وهي تمسك بكف أسيل المرتعش بوضوح التي أشاحت ببصرها بعيداً عندما رأت مازن
إقترب من نادين بإبتسامة لا تنم عمّا يشعر به ناحية شقيقته في تلك اللحظة
مازن:ها عاملة إيه إنهردة ؟
إبتسمت بتردد
نادين:الحمد لله تمام إنت عامل إيه؟
إقترب أكثر ناحية أسيل بل وجلس بجانبها وهو يضع يده علي كتفها قائلاً
مازن:بخير الحمد لله...مقلتيش إنك جاية يعني يا أسيل ؟
نظرت له نادين بلوم ولكنه لم يبالي بل إنتظر رد تلك المرتعشة بجانبه
إبتلعت ريقها ونظرت له
أسيل:مازن عاوزة أتكلم معاك شوية وبعد كدا هسيبك مع نادين براحتك ممكن؟
تفاجأ ممّا قالته ولكنه أومأ رأسه وهو يقودها بلطف خارج الغرفة بينما نادين تودعهم بإبتسامة صامتة............
بعدما خرجوا للحديقة الخلفية باغتها بالسؤال قائلاً
مازن:ليه روحتي عنده يا أسيل وأنا قلتلك مفيش مرواح وكمان من ورايا؟
لم تنهار باكية كما توقع ولم تنفعل بل قالت بجمود غريب
أسيل:كنت بطمن عليه وأوعدك معتش هروحله تاني...ومعتش هيكون فيه بيننا أي صله بعد ما يخرج
سألها بتعجب
مازن:يعني إيه مش فاهم!!
ردت بنفس الجمود والهدوء
أسيل:يعني إحنا لقينا إننا مش هنقدر نتخطي العقبات اللي بيننا بسهولة علشان كدا قررنا نبعد
رد بإندهاش شديد
مازن:بالبساطة دي !! مش معقول بس إنتِ كنتِ ناوية تحاربي الدنيا علشانه وكنتِ عارفة العقبات دي من قبل ما تقابليه حتي إيه اللي إتغير كدا؟
لاحظ إرتعاش شفتيها وهي تحيط نفسها بذراعيها تمدها القوة الزائفة وهي تقول
أسيل:إكتشفت إني مش هقدر أحارب الدنيا علشانه وهو إكتشف إنه حياتنا مع بعض مستحيلة....وده أحسن ليا وليه وأعتقد إن دي حاجة ترضيك مترضاش يعني إن أختك تربط حياتنا بواحد كان قاتل صح؟
تفاجأ بشدة من هدوئها...جمودها...شجاعتها الزائفة
أمسك كفها المرتجف وهو يقول بحنان
مازن:أسيل ياحبيبتي أنا كنت مستعد أقف جنبكم وأساعده خصوصاً بعد ما قابلته وقولتيلي ع اللي حصل مع باباه...وإنتِ عارفة إن كل اللي يهمني إنك تكوني سعيدة
لم يبدو أنها كانت تسمعه سوي من دمعة خائنة سالت علي وجنتها وهي تمسحها بعنف ثُم إستدارت وهي تقول
أسيل:خلاص يامازن من فضلك أنا مش عاوزة أتكلم في الموضوع ده خالص تاني مبقاش ينفع أصلا نتكلم فيه....أنا هروح دلوقتي وهقول لماما إنك هنا متقلقش
ثُم هربت سريعاً دون أن تترك له الفرصة للرد...لا يعلم ماذا حدث ولكنه علي يقين بأن أخته الصغيرة أبداً لن تعود كما كانت بعد هذا اليوم
لقد رأي في عينيها نظرة الإنكسار..الإستسلام..والحزن العميق
كأن كل شئ بينها وبين أحلامها باباً مغلقاً ولن يُفتح أبداً علي ما يبدو
.................................................. ........
عادت للمنزل تائهة...خائفة حتي دموعها رافضة مؤازرتها كأن الكون إجتمع علي حزنها بعدما كانت مشرقة..سعيدة..الأن أصبحت حزينة..لا ليست حزينة بل تشعر بجرح غائر في صدرها لا تعلم مصدره حقاً
تشعر بفراغ بين حناياها...دلفت إلي غرفتها أغلقت الباب ورائها ولم تبالي بنداء سميحة المتتالي فقط ردت بكلمة واحدة (أريد النوم)
إرتمت علي الفراش بملابسها فقط خلعت حجابها ورمته بإهمال علي الأرض تحدق في السقف بجمود....إرتعدت أوصالها بشدة وكاد صدرها أن يخرج من بين أضلعها وهي تتذكر كلماته القاسية....لا تعلم لماذا لا تبكي حتي تفرغ بعضاً من شحنات الغضب والحزن..عيناها تأبي مطاوعتها وكأن الدموع جفت..وكأن الكون قد إختفي من حولها وكل ما فيه يعاندها
لا تعلم كم من الوقت ظلّت هكذا جامدة لا تتحرك جسد بلا روح
أغمضت عينيها بألم وهي تضع أناملها ناحية قلبها وتضغط عليه بل تضربه بشدة وكلمات مبتورة تخرج من بين شفتيها المرتجفتين
(لييييييييه..بطل تدق....بطل تحبه...كفاااااية)
شعرت أنها لا تري شئ وعيناها زائغتان بينما صخب قلبها يهز جسدها بشدة إلي أن فقدت الوعي تماماً
.................................................. .....
بعدما إطمأن أنها الأن بخير وضع كرسي بجانب فراشها ومدد قدميه علي الفراش وهو يغمض عينيه علّه يرتاح قليلاً بعد هذا اليوم المشحون
مازال يتذكر هاتف والدته المرتعبة وهي تخبره بكلمات متقطعة عن عودة أسيل تائهة وبعد قليل عندما ذهبت لتطمئن عليها لم ترد بل زادت طرقاتها علي الباب كثيراً ولم يصلها رد...إنطلق بسيارته سريعاً بعدما وعد نادين أن يطمئنها..كسر باب الغرفة وجدها ممددة علي الفراش بلا حراك توقف قلبه قليلاً ثُم إستعاد بعضاً من تركيزه وهو يقيس لها النبض ويتحسس وجنتها الباردة بشدة لفها بالغطاء وطلب من والدته أن تأتيه بعصير بارد
بعدما أفاقت..كاد قلبه يتمزق حزناً عليها وهي منفعلة بهذا الشكل ودموعها تنهمر من مقلتيها بشدة وتضربه في صدره دون أن تراه حقاً حيث كانت نظراتها زائغة تماماً بينما يضمها هو لصدره ويربت علي شعرها برفق ثُم أعطاها حقنة مهدئة...وبعد قليل سكن جسدها تماماً حتي غطّت في نوم عميق....وها هو يجلس بجانبها يتأملها بعد إلحاح شديد لإقناع سميحة أن يبقي معها بدلاً منها
فتح عينيه وهو ينظر لحاجبيها المعقودين ودموعها الجافة علي وجنتيها ويتسائل بألم..هل كان علي شقيقته الصغري أن تعاني كل هذا..هل كان عليها أن تُختطف فتُعذب بعشق مستحيل فتنهار باكية..خائفة!!!
غلبه النعاس والأفكار تعصف برأسه فغط في النوم هو الآخر ولا يعلم ماذا يُخبئ المستقبل لتلك الزهرة التي ذبلت مع مرور الوقت
.................................................. ........
في صباح اليوم التالي قررت الذهاب لنسمة فقد مرّ وقت طويل دون أن تكمل زياراتها لتلك الفتاة المسكينة حاولت ألا تفكر بما حدث بالأمس وكيف أفضت بكل مشاعرها لأحمد....وكيف إحتضنها بل كادت أن تسمع طقطقة عظامها تحت ذراعيه وهو يتملكها ويهدهدها مثل طفلة فقدت الأمان
لم تشعر بالأمان هكذا طوال حياتها بل لم تشعر أنها تنتمي لأحد من قبل كما شعرت أنها تنتمي لهذا الأحمد...فارسها المغوار كما إعتادت أن تسميه
إرتدت ملابسها علي عجل وتورد وجنتيها من تلك المشاعر التي تجتاحها تزين وجهها الجميل....قامت بالإتصال علي هايدي حتي تأتي معها ولكنها كانت مشغولة لزيارة حماتها المستقبلية اليوم لذا إستقلت سيارتها وإنطلقت للمشفي حيث أشرف ينتظرها
دلفت للغرفة التي تواجدت بها تلك الفتاة الرقيقة بعدما طرقت علي الباب عدة مرات
جلست بجانبها علي الفراش وهي تقبل وجنتيها وتبتسم لها ثُم قالت
ريما:عاملة إيييه؟
لدهشتها ردت بصوت خفيض
نسمة:الحمد لله تمام (ثُم إبتلعت ريقها وهي تكمل) مش إنتي وعدتيني إنك مش هتسبيني وهتفضلي جنبي ليه مبقتيش تيجي زي الأول؟
شعرت بالندم لغيابها طوال هذه الفترة أمسكت كفيها برفق وهي تقول بحنان لم تكن تعلم أنها تمتلكه
ريما:أنا أسفة بجد حقك عليا عارفة إني مبقتش أجي زي الأول بس علشان إمتحاناتي وكدا..بس أوعدك إني هجيلك علي طول (ثُم أردفت بمرح) وبعدين إنتي مش ناوية تخرجي من هنا بقي ولا إيه؟
إرتجف كفيها تحت أناملها وهي تنظر لها بتردد
نسمة:هو أنا ينفع أخرج من هنا ؟
أشرق وجه ريما
ريما:أيوة طبعاً ينفع وكمان ينفع تشتغلي وينفع كمان تخرجي وتعملي كل اللي نفسك فيه....(ثُم أكملت بجدية)..إنتي أطهر وأشرف من أي حد وواجهي العالم كله لأنك مغلطيش صدقيني يانسمة الدنيا أصغر بكتير وأتفه من إننا ندي للناس أهمية
تفاجئت عندما إرتمت في أحضانها وهي تبكي بشدة وتقول بتحشرج
نسمة:أرجوكِ خليكي جنبي وعلميني إني أبقي قوية في مواجهة كل حاجة أنا محتاجالك أوي
شددت من إحتضانها ودمعة تسبق الآخري علي وجنتيها
ريما:أنا هفضل جنبك طول العمر متخافيش...
هكذا إتفقت معها علي الخروج من المشفي والتعافي في المنزل حتي أنها قدمت لها وظيفة عندما تتعافي بالكامل وتبدأ مجدداً في إستعادة حياتها وروحها شيئاً فشيئاً
............................................
نفس الحبل الذي يلتف حول رقبته يخنقه بشدة..ووجوه كثيرة ربما يتذكرها وربما لا...ولكن جميعها إجتمع علي نظرة واحدة (نظرة الكره والحقد)...وجه آخر يظهر من بين الظلام الدامس إبتسامة بريئة..يد تمتد له وبعينيها عشق خالص ولكن فجأة يسحبها شئ وهو يحاول أن يمد يديه ليمسكها وهي تبكي وتحاول أيضاً ولكن ما يسحبها كان أقوي منهما معاً فكانت هي تلك الوجوه التي تكرهه ولا تريد له البقاء معها بينما يشتد الحبل علي رقبته حتي يخنقه....توقف كل شئ مع صرخته بإسمها وهو يستيقظ فزعاً
كان جسده يتصبب عرقاً ويرتعش بشدة حتي كاد أن يؤذي جرحه ورغم ذلك أبعد الممرضات بخشونة عنه قائلاً
يوسف:أنا كويس سيبوني لوحدي..قلت أنا كويس سيبوووني بقي
بحث عن المصحف بعشوائية بعد خروجهم ثُم ضمه إلي صدره وهو يبكي كثيراً ومُغمضاً عينيه بشدة هامساً بخوف
يوسف:يارب يااارب خلصني وريحني من ذنوبي اللي مش راضية تسيبني
يارب بلاش يحصلها حاجة بلا ش هي
بعد مرور أسبوع آخر علي وجوده في المشفي دون أن يزوره أحد حتي مازن لم يعد يأتي إليه سوي مرة واحدة التي سأله فيها عمّا حدث بينهم جعل أسيل منهارة بهذا الشكل....وكم تألم عندما علم كل هذا ولكن إجابته كانت جافة بما فيه الكفاية لتمنع مازن من الحضور مرة آخري
شعر بوخزة في قلبه يعلم مصدرها جيداً ألا وهو الإشتياق بل الموت شوقاً لها...كور قبضتيه وإبتلع ريقه وهو يهمس لنفسه بصبر قليل
(فقط الصبر....صبراً حتي أعود أنا فتعود لي هي )
أوقف سيارة آجرة وإنطلق إلي مكان إشتاق له كثيراً وإشتاق لهذا الرجل الذي كان السبب الأول في دخوله لهذا المكان
كما توقع وجده يجلس في ركن بعيد من المسجد بيده مسبحته يلهج بذكر الله....إقترب منه بإبتسامة واهنة بينما يلحظه الرجل فقال بنبرة قلقة
محمد:يوسف!! كنت فين وإيه اللي حصلك ؟
كان ذراعه مازال معلقاً علي حامل بينما وجهه شاحب جلس بإرهاق بجانب محمد وهو يمسك كفيه يتلمس منه الدفئ
يوسف:متخافش عليا جت سليمة...ده ضريبة اللي فات من حياتي وبدفعه
إحتضن كفيه قائلاً بإبتسامة حانية
محمد:ألف سلامة عليكي..وعامل إيه دلوقتي طمني ؟
فجأة ظلل عينيه خوف وحزن عميق وهو يرتجف بشدة
يوسف:بحلم بكل حد أذيته وقتلته...بحلم بكل روح بتطاردني ومش عارف أعمل إيه ولا عارف أنام...نفسي يسامحوني ونفسي ربنا يسامحني وخايف دايماً بصحي من نومي خايف ومرعووب حاسس إن فيه حبل علي رقبتي ومش عارف أفكه...قولي أي حاجة أخفف بيها الحمل إنت قلتلي إن ربنا رحمته وسعت كل شئ أكيد فيه تكفير عن ذنوبي
تهدج صوته بشدة وإلتمعت عيناه بالدموع الحبيسة ونظر له بأمل طالباً الحل
رد عليه بهدوء قائلاً
محمد:شوف يا يوسف الحل الوحيد في إنك تقابل أهل كل إنسان إنت قتلته وتحاول تطلب منهم السماح وإذا رفضوا يبقي تدفع دية مُسلمة زي ما جه في القرآن الكريم..دية مُسلمة يعني فلوس...بس إدعي ربنا إنهم يسامحوك وخلي عندك يقين وأمل في ربنا لانه سبحانه بيقول
(أنا عند ظن عبدي بي...فيظن بي ما شاء) يعني لو ظنيت الخير بربنا وكان عندك يقين فيه إنه هيساعدك يبقي هيساعدك لو ظنيت العكس يبقي هتخسر كتير.....سامحني يابني لكن ده اللي أقدر اقولهولك
إنفجرت الدموع من مقلتيه وهو يتخيل كل نفس قد قتلها بغير حق..كل طفل تيتم بسببه..كل زوجة فقدت زوجها بسببه...كل من آذاهم بشتي الطرق فهل من خلاص!!!
إحتضنه بشدة ومازال جسده يرتجف وعيناه دامعتان...خائف بشدة مما قد يحدث هل ستكون لديه القدرة لمواجهة ذنوبه...وهل يستطيع أن يطلب من ضحاياه السماح!!
هل يوجد أمل لرجوع يوسف ليوسف أم أن الأمل إندثر مع أول خطوة ناحية الذنوب!!
.................................................. .......
مر أسبوع وهي مازالت علي نفس الحالة من الجمود وعدم الشعور بما يدور حولها فقط تأكل..تصلي..تبتسم إبتسامة شاحبة في وجه والديها حتي لا يشعروا بالقلق...ولكن أين هي وأين قلبها لا تعلم حقاً
جالسة علي كرسي مريح في غرفتها تقرأ في المصحف الصغير إلي أن قطع خلوتها مازن الذي قال بإبتسامة وهو يقترب منها
مازن:حبيبتي عاملة إيه ؟
إبتسمت بشحوب قائلة
أسيل:الحمد لله تمام....وإنت؟
جلس بجانبها وهي يدلك رقبته بإرهاق
مازن:مرهق أوي إنهاردة العيادة كانت مليانة
لمست كتفه برفق وهي تقول
أسيل:معلش ربنا يعينك يارب وبعدين الحمد لله إنها مليانة والناس بتيجي ولا إيه ؟
أومأ رأسه بالإيجاب ثُم نظر لها بعمق قائلاً بهدوء
مازن:مش ناوية إنتي كمان بقي تبدأي شغلك؟
لاحظ إرتجافها الشديد وهي تحيط نفسها بذراعيها وتضغط عليها كأنها تحاول التماسك ثُم حاولت أن تقول بثبات خادع
أسيل:أكيد هبدأ أكتب إن شاء الله بس محتاجة شوية وقت
قال بنفاذ صبر
مازن:لحد إمتي ياأسيل ؟؟
نظرت للأفق البعيد شاردة ثُم قامت وإستندت علي الشرفة قائلة
أسيل:شوية بس يا مازن أرجوك إديني شوية وقت لوحدي لأني مش قادرة أتكلم دلوقتي
قبّل قمة رأسها
مازن:وأنا دايماً جنبك يا أسيل ومش هسألك أبداً عن اللي حصل لأني لما روحتله وسألته رد زيك بالظبط بس عاوزك تعرفي إني دايماً معاكي
علم أنها لن ترد فخرج تاركاً إياها وحيدة تحارب نفسها وشوقها الغبي له
إرتجف قلبها خوفاً وشوقاً وهي تميل برأسها للأسفل علي الشارع علّها تجده ينتظرها كما كان يفعل...علّها تجد نظرته المشبعة بالعشق ولكن لا شئ فقط أوراق الأشجار المتطايرة بفعل الهواء...
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس لنفسها (لن أبكي..لن أبكي) ولكن خذلتها مقلتيها بالدموع التي شعرت بها تُبلل شفتيها أغمضت عينيها بشدة وهي تضع يديها علي شفتيها في نشيج صامت
.................................................. .....
بعد أسبوع
كان قد وجد وظيفة كمحاسب في فرع من شركات الصياد بالقاهرة..كانت الشركة لا تقبل الموظفين إلا بالكفاءة ولهذا بالتحديد عمل بها...كان سعيد جداً بأولي خطواته نحو النجاح وخصوصاً وأن ريما وعدته أن تظل بجانبه مهما حدث...أسبوع خيالي مرّ عليه دون أن يراها حقاً فكانت هي منشغلة بالمذاكرة وهو بالتدريب في العمل حتي يثبت نفسه جيداً واليوم سيراها سيتشرب ملامحها....لا يعلم شئ سوي أنه يحبها..يعشقها بكل ما فيها من جرأة وخجل وغباء كما أصبح يسميها في الآونة الآخيرة
كان يؤيد بعض الحسابات عندما رنّ هاتفه رفع السماعة وهو يرد بجذل
أحمد:وحشتيني (لم ترد فإبتسم قائلاً) طيب إزيك ؟
سمع صوتها المرتجف
ريما:الحمد لله إنت عامل إيه ؟
أرخي جسده علي المقعد وهو يقول
أحمد:الحمد لله هشوفك كمان ساعة ماشي؟
ريما:خلاص إتفقنا عموماً أنا دلوقتي مع هايدي هخلص وأكلمك تمام؟
إتفقا علي أن يتقابلا بعد العمل أغلق الهاتف وهو يبتسم بحب وأكمل عمله في إنتظار أن يراها بشوق شديد
أما هي فأنهت المكالمة وهي تحتضن الهاتف بسعادة بينما هايدي تنظر لها متصنعة الغضب
هايدي:هتفضلي حاضنة التليفون زي الهبلة كدا ؟
ضربتها علي كتفها بخفة وهي تضع الهاتف قائلة
ريما:وإنتي مالك متغاظة ليه....واحدة وبتحب
ضحكت هايدي بشدة وهي تحتسي كوب النسكافيه
هايدي:براحتك ياستي هو أنا قلت حاجة يلا بقي نروح نجيب الورق بتاع المواد
كانت سعيدة بشدة ولا تحتاج إلي أي شئ يعكر صفوها...ها هي منذ أن أخبرها بعشقه لها..وأنه لن يتواني لحظة في مساعدتها لتخطي كل ما فات وأنه سيفعل المستحيل ليكون بجانبها...أصبحت لا تريد شئ من الحياة سوي هو ...هو فقط
بعد حوالي الساعتين جاءها منه إتصال أنه ينتظرها علي كورنيش النيل...نعم الكورنيش فهي تريد أن تكون طبيعية مثل كل الناس لا أن تعاملهم بفوقية شديدة....و لا أن تجلس في المطاعم الفاخرة لتناول الغداء...ضحكت من نفسها بشدة عندما طلبت منه أن يشتري لها ذرة ويتمشي معها علي النيل...هل هذه هي ريما حقاً..أم أنه تشكلت علي يديه لآخري تحبها بل تعشقها !!
.................................................. .....
خرج من المسجد بعد الصلاة وقلبه مثقل بشدة ولكن أول ما قرر فعله هو التخلص من كل ما يلوث روحه وأوله أمواله التي إكتسبها بقتله للآخرين وأذاهم...ولكن كيف أتخلص منها..بل كيف أتذكر كل من أذيتهم علي مدي ثماني سنوات..كان يهيم في الشوارع تائهاً يبحث عنها بين الوجوه
يري إبتسامتها علي وجه طفل برئ....يري عيناها الحزينة في عين كل فتاة تبكي...يراها في كل من حوله....يري دموعها الحبيسة وهي تتركه وترحل بعيداً فتأخذ روحه معها بعيداً جداً
إتخذ قراره آخيراً للقيام بأولي خطوات تطهره لذا إستقل القطار إلي القاهرة
.............................................
كانت تجلس مع هدي التي إعتادت أن تأتي لها كل يوم في الصباح تحدثها عن كل شئ وتسترسل في الحديث إلي أن تتوقف بإرادتها هي دون أن تضغط عليها أبداً
هدي:ها عاملة إيه إنهردة حاسة يتحسن؟
أرجعت خصلة من شعرها وراء أذنيها وهي تبتسم
نادين:الحمد لله أحسن كتير...علي الأقل مبقتش ببقي ملهوفة علي الحبوب زي الأول
أومأت هدي برأسها وهي تجيب بهدوء
هدي:طيب الحمد لله..ها تحبي نبدأ منين إنهردة ؟
فركت يديها بتوتر شديد بينما تتورد وجنتيها قائلة
نادين:أكلمك عن مازن !
إبتسمت وهي تري اللمعان الشديد بعينيها
هدي:إتكلمي عن مازن
غامت عينيها بمشاعر عاصفة وهي تهمس بخجل
نادين:مازن حالة خاصة أوي وغريب جداً....يعني أجمل أخ بيساعد أخته ويخاف عليها أوي..متحمل للمسئولية بشكل غريب(توردت وخفق قلبها بشدة)..عصبي حبتين تلاتة...(ضحكت بخفوت ثُم إبتلعت ريقها ) إتغلغل جوايا بسرعة غريبة....معرفش إيه حصلي بجد غير إني مقدرتش أقاوم حبه وطريقته وحنانه وإهتمامه اللي فقدتهم من زمان أوي....
(إبتلعت ريقها وهي تكمل بينما يزداد البريق بعينيها) علشان كدا أنا كمان بحبه أوي ونفسي أخف بسرعة علشان أكون معاه
لم يكن أي منهما يحسب حساب لذلك الواقف غير بعيد يسمع كل تنهيدة منها وكل همسة خرجت من بين شفتيها وتخيل وجنتيها المتوردتين وهو يتكتف بذراعيه علي صدره وعلي شفتيه إبتسامة جذلي
.................................................. ....
كانت تقف معه بجانب بائع الذرة مبتسمة برضا وهي تراه بهيئته الجديدة قميص قطني باللون الأبيض أزراره العليا مفتوحة فأظهرت بعضاً من صدره الصلب وسروال أسود من القماش بينما شمر عن ساعديه فبدي جذاباً جداً يلتهم الذرة وكأنه وجبة شهية...ضبطها تتأمله فأطرقت رأسها خجلاً حتي يفضحها تورد وجنتيها وإرتعاش يديها...إبتسم وهو يقول
أحمد:ها عجبك الدُرة؟
همست بسعادة
ريما:حلو أوي أول مرة آخرج في جو زي ده..أتمشي ع الكورنيش وأكل درة أحس نفسي زي الناس يعني
أزاح خصلة من شعرها الذهبي وهو ينظر لعمق عينيها قائلاً
أحمد:عاوزك دايماً مبسوطة وسعيدة كدا لأني مش هسمح بحاجة تأذيكي تاني أبداً فاهماني ؟
كانت علي وشك الرد إلا أن عينيها تجمدت تماماً وإرتجفت بشدة وهي تنظر لنقطة معينة هامسة والدموع ملئ مقلتيها
ريما:فارس!!
بين صدمة وذهول..غضب أسود وندم شديد
تابع من هنا: جميع فصول رواية مشاعر حائرة بقلم تسنيم عبد الله
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا