مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والروايات الرومانسية في موقعنا قصص 26 مع رواية جديدة من روايات الكاتب علي اليوسفي؛ وسنقدم لكم الفصل الثالث من رواية أشلاء بقلم على اليوسفى هذه القصة مليئة بالعديد من الأحداث والمواقف المتشابكة والمليئة بالكثير من الغموض والأكشن والعشق.
رواية أشلاء بقلم على اليوسفى - الفصل الثالث
رواية أشلاء بقلم على اليوسفى - الفصل الثالث
(طفلة جميلة لم تتعدّى الثلاث سنوات من العمر، تتسلّق شجرة زيتون مُعمّرة كبيرة، تشبثت بالأغصان الكثيفة المتداخلة ببعضها، ابتسمت هذه الصغيرة بانتصار طفيف وهي تمدّ يدها الصغيرة لتُمسِكَ غصناً تصله للمرة الأولى، وهناك أسفل تلك الشجرة وقف صبيٌ صغير، لم يتعدّى الثماني سنوات يصفق لها بتشجيع، اتسعت ابتسامتها السعيدة وهي تستمع لتشجيعه لها، نظرت اليه لتخبو ابتسامتها سريعا وهي ترى مكانها على عُلوٍّ شاهق بالنسبة إليها، باغتها الدوّار فجأة لتنزلق قدمها وتقع عن الشجرة، لتستقرّ بين ذراعيه ويضمها إلى صدره بخوف، ثوان مرّت حتى هدأت أنفاسه ،ثم رفع وجهه ليُطالع عينيها الزيّتونية وابتسم لها حتى ظهرت غمازتيه ، بادلته الابتسامة ذاتها وقبل أن يقترب ليُقبلها على شعرها الكستنائي سمعا صوت جلبةٍ خفيفة.))
انتفضتُ جالسةً بعد هذا الحُلمِ الغريب ، لم تكن تلك المرّة الأولى التي أُشاهدُه فيها ، ولكن هذه المرة رأيت وجه هذا الصبي الذي شجع تلك الفتاة ،ولا اعرف لمَ أحلمُ بهذا الحلم دائماً ، مرّت دقائق عدة حتى تذكرتُ مكاني أنا الآن في الجوّ، وهذا السرير الذي أرقدُ فيه هو سريري الخاص في طائرة والدي الخاصّة، عمار الفايد ، رجل الأعمال اللبناني الذي قضى جُلَّ عُمْرهِ خارجا ، والدي رجلٌ عِصامي، بنى نفسه دون مساعدةٍ من أحد ، كان يخبرني بكمّ الأعمال الوضيعة التي عَمِلَ بها حتى يؤمّنَ قوت يومه، وهو الشاب اليتيم الذي رباه عمه بعد وفاة والديه عندما كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات في انفجار الفرن الخاصّ بهم نتيجة تسرّب الغاز فيه، ثمّ أتبعه ذلك وفاة عمّه عندما بلغ من العمر سبع سنوات، تشرّد بعدها في الطرقات والأزقة، حيث أن عمّه لم يكن يملكُ منزلاً ،بل كان يستأجر غرفة صغيرة لضيق ذات اليد في ذلك الوقت في لبنان، بسبب الظروف السياسية فيه.
دوماً كان والدي يُخبرني كيف استطاع جمع المالِ بشقاءٍ وكدٍّ ليُسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك بدأ يعمل بعدة وظائف حتى إستطاع تأمين بعض المال ليفتح مشروعاً صغيراً خاصّاً به ،كان مشروعه عِبارةً عن محلٍ صغير في حيٍ فقير ،يبيع فيه التُحف زهيدةَ الثّمن ،أو مانسميها نحن بالأنتيكات .
وتدريجياً كَبُرَ عمل والدي وتوسّع حتى إستطاع افتتاح شركةٍ صغيرة لبيع التحف وتوزيعها،وصنع الاغراض التذكاريّة ، عَمل بجهدٍ جهيد حتى تحولت شركته الصغيرة تلك إلى شركات كبرى ، تتخذ أفرعاً لها في جميع البلدان، وأصبح والدي من رجال الأعمال ذائعي الصّيت، وها هو اليوم يعود إلى بلده الأم الذي رحلَ عنه منذ مايُقارب الثلاثون عاماً ،خرج منه مُعدماً فقيراً ،ليعود إليه اليوم رجل أعمال كبير له اسمه ومكانته العريقة، بعدما أسس فرعاً لشركته الكبرى هنا.
خرجتُ من غرفتي المخصصه في هذه الطائرة، لأجد أبي يجلسُ في كرسيّه،ماإن رآني حتى اتّسعت ابتسامته وهو يشير إلى الكرسي الآخر بجانبه قائلا: تعالي عزيزتي كنتُ على وشك إرسالِ أحدهم إليكِ لإيقاظكِ ،اجلسي هنا و ضعي حزام الأمان، نحن على وشكِ الهبوط.
فعلت كما طلب مني والدي، ثم سألته بعد أن ربطتُ الحزام: هل وصلنا بهذه السرعة ابي؟؟
ابتسم ابي باتساع وهو يجيبني: نعم عزيزتي، لقد وصلنا .
ثمّ أدار وجهه إلى الناحية الأخرى حيث النافذة، صدح صوت الطيّار من خلال المُكبر الموجود في الطائرة، ليطلب منّا عدم التحرك من أماكننا حتى نهبِطْ.
بعد ثوانٍ قليلة حضرت عليا وهي تلهث،جلست تلك السيدة الأربعينية على كرسي في الطرف الآخر من الطائرة،لتربط حزامها وهي تضع يدها على صدرها، أغمضت عينيها وبدأت بقراءة آياتٍ قرآنيّة بينما بدأت الطائرة بالهبوط.
أرى أنكم تتسائلون عن عليا؟ حسناً إنّها مُربيّتي، تولت رعايتي بعد وفاة والدتي الحقيقية أثناء ولادتي، لم اشعر يوماً بأنني أقلّ من ابنتها التي لم تنجبها، دائماً ماكانت تُغدِقُ عليّ بحنانها وعطفها، لكنّها في الوقت ذاته حازمةٌ في كلّ أمر يخصني، عليا لها مكانتها الرفيعة في منزلنا، هي الآمر الناهي فيه، بعد والدي طبعاً.
وعلى ذكر والدي، دوما ماكنت أشعر بأنه لايتقبلها او يتقبل حزمها في المنزل، وأشعر بأنها هي أيضا لاتكنّ له مشاعراً طيبة،، ولكن يوما لم أفهم السرّ....
Flash Back.
هبطتْ الطائرة على المدرج ، انتظر الجميع دقائق معدودة حتى استقرّت الطائرة أخيراً،تحررّوا من أحزمتهم ليخرجوا منها نحو صالة الوافدين في المطار، ماإن خرجوا حتى تفاجأوا بعددٍ هائل من الصحافيين والمصورين، ومضات كاميرات كثيرة لمعت في وجوههم ، احتمت( أميرة) خلف والدها ، لتسأله بهلع طفيف: مالأمر أبي؟؟ لمَ كلُّ هؤلاء المصورين هنا؟؟
ابتسم عمّار ليجيبها بحنوّ : لا تخافي حبيبتي،هؤلاء صحفيون علموا بعودتي إلى هنا، فجاؤوا ليحصلوا على سبقٍ صحفي.
عشرات الأسئلة انهالت عليه من هؤلاء المصورين، لم يُعرهم اهتماماً،بل استدار نحو ابنته الخائفة ليسألها: عزيزتي إذا لم ترغبي بالبقاء معي،يمكنكِ الذهاب مع عليا برفقة الحراس؟؟ سيخرجوكم من هنا بسرعة ودون أن يعترض أحد طريقكم؟؟
نظرت من خلف ظهره إلى الجمع الكبير أمامهم، وكان حرس والدها الشخصي يدفعونهم بعيداً عنه، أشارت له بالإيجاب ،فقبلها على جبينها،وأشار إلى أحد الحراس بأن يؤمن طريقاً لتخرج أميرة وعليا التي بقيت في الخلف تتفقد الأمتعة مع بقية الخدم.
نفذ الحارس الأوامر بخفة عالية، أوصل أميرة ومربيتها إلى القصر الكبير الذي اشتراه والدها قبل عامٍ تقريباً، ترجلت من السيارة لتركض كالأطفال وتدخل إلى القصر الضخم، جذب انتباهها أولاً تلك الحديقة الكبيرة ،لقد كانت ساحرة للغاية، وقد حرص والدها على تواجد زهورها المُفضلة ( زهرة اللّيلك) بكثرة في أحواض متقاربة ،اصطفت على جانبي الطريق إلى باب القصر الداخلي، لطالما عشقت تلك الزهرة التي كانت تسمى زهرة الجمال الملكي ، خاصّة بلونها الأبيض الذي كانت تعتبره رمزاً للبراءة والنقاء.
اتسعت ابتسامتها وهي تركض إلى داخل القصر، كانت السيدة آمال مُدبرة المنزل الجديدة في انتظارهم، استقبلت أميرة لتعرفها على نفسها بلباقة، دخلت عليا بعد قليل وهي تُحدّق في السيدة آمال بتفحص وجمود.
امتازت عليا بالبشرة السمراء الخفيفة، والعيون الخضراء والشعر الرّملي الناعم ،لقد كانت جميلة جدا وهي في هذا السنّ المتقدّم، لكنها تحمل ملامحاً قاسيةً وصارمةً للغاية.
تجوّلت أميرة في أرجاء القصر الكبير، كان مؤلفاً من ثلاثة طوابق، الأول كان مقسّما إلى بهوٍّ كبير لاستقبال الضيوف، ومطبخ كبير منفصل عنه ومطلٌّ على الحديقة ، وايضاً احتوى هذا الطابق من الخلف على ثلاث غُرَفٍ خاصة بالخدم.
اما الطابق الثاني فكان مقسّماً إلى غرفة كبيرة خاصة بصاحب القصر السيد عمار، ملحق به غرفة أخرى خاصّة بالملابس وحمام واسع، وبجانب غرفته كانت هناك غرفة المكتب، وغرفة واسعة جدا خُصصّت لاستقبال الضيوف أيضاً ، وقد زُينت هذه الغرفة بتحفٍ وأنتيكات فريدة وثمينة، وكان في البهوّ السفلي ايضاً نفس تلك التحف الثمينة.
اما الطابق الأخير فكان مؤلفاً من سبعِ غرفٍ متجاورة، إحداها خُصصت لأميرة، والثانية لمربيتها الصارمة وتُرِكت الأُخريات مُغلقاتٍ.
اما خارجاً فقد كان هناك الحديقة الواسعة، وايضاً كان هناك غرفة للمعدّات الرياضية، أما غرف الحرس والأمن فقد تُرِكتْ خارجاً.
دلفت أميرة إلى غرفتها وهي تتفحصها بسعادة، تأملت سريرها الذي كان باللون الزهري الرقيق،وكذلك جدران الغرفة، وقد كانت هناك غرفة أخرى خاصة بالملابس والاحذية وحمام ملحق بها.
استلقت على سريرها بلهفة وهي تُمني نفسها بنومٍ هادئ،احتضنت وسادتها لتدفن وجهها فيها ،قبل أن تدخل إليها عليا بوجهٍ مبتسمٍ لا يظهر إلا معها، لتقول بحنو صادق: هيّا عزيزتي لاتتكاسلي،أولا عليك اخذ حمام ساخن لتنفضي عن نفسكِ تعب السفر، ثم عليك تبديل هذه الملابس أيضاً.
اجابتها أميرة بتذمر وهي تدفن وجهها بالوسادة اكثر: لا عليا ارجوكي، دعيني انام هكذا!!.
- لاعزيزتي بالطبع لن أسمح لكِ، هيا تحركي أمامي إلى الحمام لأخرج لكِ ملابساً لائقة.
نفخت أميرة بضيق ثم اعتدلت في جلستها وهي تنظر إليها بنصف عين، لتقول بقلة حيلة: حسنا ،سأدخل الحمام، ولكن أخبريني أولا عليا، أولستِ لبنانيةً أيضاً؟؟
ارتبكت عليا قليلا عندما باغتتها بهذا السؤال، لتجيبها بإيماءةٍ بسيطة، فأضافت أميرة: إذاً أليسَ لكِ أهل او أقاربٌ هنا؟؟
تنفست عليا بعمقٍ وهي تجيبها: لا عزيزتي،لا أهل لي .
رفعت أميرة حاجبيها باستغراب،فأردفت الأخرى: والداي توفيّا معاً في حادث، ولم يكن لي سوى شقيقٍ واحد وقد مات منذ أمدٍ بعيد.
وقبل أن تواصل أميرة أسئلتها المُربكة لها ،استدارت لتوليها ظهرها وخاطبتها بحزم: والآن يكفي كلاماً،هيا إلى الحمام، لاتنسي فاليوم لديكِ حفلةٌ كبيرة.
توجهت أميرة إلى الحمام دون أن تعلق، تاركةً عليا خلفها تتأمل الفراغ،لتغوص بذكرياتٍ بعيدة، أغمضت عينيها لتحرّر دمعةً ساخنة سقطت من عينيها الخضراء، وهي تتذكر وفاة شقيقها الوحيد
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
- حفلة؟؟؟
قاطعتها شادية متسائلة باستغراب، فأجابتها ليلى بابتسامة خفيفة: نعم، تعرفين،كون والدي،،،،،،تنحنحت بارتباك عندما أدركت خطأها، لتكمل بتصحيح: أقصد كون والد أميرة كان رجل أعمالٍ مشهور،فمن الطبيعي أن يُقيمَ حفلة بمناسبة عودته.
هزت رأسها بتفهّم ، وقبل أن تنطق بحرف آخر رنّ جرس الباب ،استغربت كلتاهما الامر، فاستقامت ليلى لتسير نحو الباب تتبعها شادية، ليطالعهما وجه راشيل المبتسم بتهذيب، تحدّثت راشيل باللغة الإنكليزية : مرحبا سيّدتي، انا راشيل مدبرة منزل السيدة شادية.
ابتسمت ليلى بينما خاطبتها شادية باستغراب: مابك راشيل؟؟ هل عاد هاني؟؟؟
نظرت لها راشيل مجيبةً : اطمئني سيدتي،فالسيد هاني لم يعد بعد، لكنني حضّرتُ كعكة التفاح كترحيب بالجارة الجديدة.
ثم رفعت طبقاً مغطىً أمام اعينهما، تابعت بما يشبه اللوم وهي ترفع يدها الاخرى التي تحمل كيساً من الأدوية : وأيضاً لقد نسيتي موعد أدويتك.
ابتسمت شادية وهي تتناول الكعكة منها ،قدّمتها إلى ليلى وهي تقول: عليكي تذوّق هذه الكعكة، لا أحد يعدّها بهذه اللذة سوى راشيل.
تناولت ليلى الطبق منها، بينما أردفت شادية: والآن يجب أن ترتاحي، وتوضبي منزلك، وايضاً يجب أن تُزيلي قِطع الزجاج . سأعود إليك في الغد.
أنهت حديثها وهي تشير إلى قطع الزجاج التي تناثرت على الارضية، ودّعتها شادية لتستدير مع راشيل متجهتان نحو منزل الاولى، توقفت شادية قبل أن تقطعا الطريق، قابلت راشيل بجسدها وهي تتمتم: راشيل، هل لي بأن أطلب منكِ أمراً؟؟
هزت رأسها موافقة لتضيف شادية: أريدكِ أن تساعدي ليلى في ترتيب منزلها، فهي وحيدة هنا ولا أحد سيساعدها.
ابتسمت راشيل باحترام لتجيبها: حاضر سيدتي، دعيني أوصلك إلى المنزل أولا.
،،،،،، ، ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عادت راشيل إلى منزلها ،بعد أن ساعدت ليلى في ترتيب المنزل، كما طلبت منها شادية.
جلست ليلى تفكر فيما فعلت،وهل يصحُ ان تروي لأحدهم قصتها؟؟ ماذا إن كانت شادية تعرفه؟؟ فهي لبنانية مثله.
هزت رأسها بنفي إنكاراً لتلك الحقائق التي وصلت إليها، فهي قد أخبرتها أن هذه ليست قصتها هي فلا داعي لهذا التوتر والقلق، ظلّت تفكر حتى ذهبت في سباتٍ عميق.
.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في اليوم التالي،
ذهب براء إلى منزل عائلته كما وعد والدته، ورغم الحزن والعتاب الذي ملأ قلب والده المُقعد السيد عادل ، إلا أنه سامحه بمجرد أن اقترب منه ليقبل يده ورأسه ، فهذا ليس براء القاسي الصلد الذي كان يعرفه.
، جلس معهم ليتجاذبوا أطراف الحديث، والذي كان أغلبه عن جواد ومغامراته في فرنسا.
جواد هو الابن الحقيقي لزينب، لكنه ليس شقيق براء في الحقيقة، درس علم النفس ليلتحق فيما بعد بجامعة السوربون الفرنسية عن طريق منحة دراسية، سافر إلى فرنسا ليتخصص هناك،وها هو يعود اليوم بعد غياب ست سنوات كاملة.
بعد الغداء توجه عادل إلى غرفته ليرتاح فيها، دفعت زينب الكرسي المتحرّك الذي يربض فوقه زوجها،
تاركةً الشابين لوحدهما.
وقف جواد ليدفع كرسيه حتى غدى قبالة براء، جلس عليه ليسأله: ماهذه الحال التي أنت فيها براء؟؟ لم أعهدك هكذا يوما!! أين براء ذلك الضابط القاسي الذي لايهاب ولا يخشى أحدا ؟؟؟ مالي أرى هذا الحزن العميق في عينيك؟؟
أغمض براء عينيه لثانية، اخذ نفسا عميقا زفره على مهل، ثم تطلع إلى جواد متمتماً: هل أخبرتك أمي أن تلعب معي لعبة المريض وطبيبه؟؟؟
ثم تابع ساخراً: هل تريدني أن اجلب سريراً لأستلقي عليه وأغمض عيناي واتكلم معك كسائر المجانين؟؟؟
هز جواد رأسه نافيا: لا براء، لا أريدك أن تكلمني كطبيب،بل كلمني كصديق،ما رأيك؟؟
سكت براء دون أن يعلق فعلياً هو بأمس الحاجة إلى أحدٍ ما ليفصح له عن مكنونات قلبه ، مرت عدة لحظات كان كلاهما صامتٌ بشكل مريب، ثم قطع هذا الصمت صوت براء السائل: متى تريدني أن أبدأ؟؟
ابتسم جواد مجيباً بهدوء: متى تكون مستعدّا صديقي.
أسندَ براء رأسه إلى الخلف، أغمض عينيه ليزفر بثقلٍ بالغ، ثم تنفس بعمق وهو يبدأ حديثه: منذ ثلاث سنوات تقريباً، كنتُ أُحقق في جريمة قتل شابٍ لم يتعدّى عُمره العشرون عاماً قُتِلَ في مشاجرة ما، اكتشفتُ فيما بعد أنه مُروّج مخدرات ، وقد قادنا التحقيق إلى شخصٍ ما يعمل سائقاً خاصّا لدى شركة رجل الأعمال الشهير عمار الفايد، تحريتُ أكثر عن السائق لأعلم أنه على صلة وثيقة برجل الأعمال وقد كان يعمل معه في أمريكا قبل أن يعود إلى هنا.
شككتُ في تورطه ،وفي اليوم ذاته توارد إلى مسمعي وصول السيد عمار عائداً إلى بلده بعد غيابٍ طويل، لذا اعتزمت على أن أذهب إليه وأسأله عن الأمر بنفسي.
Flash Back.
وصل براء بسيّارته ذات الدفع الرباعي أمام القصر، وقف رجال الأمن المسؤولون عن تأمين الحفلة في وجهه ليمنعوه من الدخول، فأمر أحدهم أن يقوده ألا سيده بعدما أبرز له شارته.
مشى رجل الأمن بزيّه الرّسمي يتبعه براء، حتى وقف أمام طاولة أجتمع عليها عمار وإلى جانبه وقفت ابنته الوحيدة، وفي مقابلهما كان هناك رجل أعمال يشرب بشراهة، اقترب رحل الأمن من أُذُنِ عمار ليهمس له بأمر ما، عقد عمار حاجبيه ومدّ يده نحو براء وهو يتمتم؛ أهلا حضرة الضابط، لقد شرّفت منزلي بقدومك.
بادله براء التحية معرّفاً عن نفسه: براء عبد الساتر، ضابط في القسم الجنائي.
لم تهتزّ ابتسامة عمار وهو يتابع مُشيراً نحو ابنته: وهذه أميرتي وابنتي الوحيدة أميرة.
ابتسمت هي ومدّت يدها نحوه بلباقة، فقابلها بنظراتٍ باردة للغاية ،ليجيب بجمود وهو يرمقها بنظراته المتفحصه تاركاً يدها معلقه في الهواء: لم آتِ لأتعرف بأفراد عائلتك سيد عمار.
ثم تابع بنبرة ذات مغزى: لقد أتيتُ لأسألكَ عن أمرِ ما بالغ الأهمية، ولايحتمل التأجيل.
جحظت عيناها من فظاظته وبروده المتعّمد، فأخفضت يدها بحرج،بينما أشار له عمار إيجاباً ، ثمّ تنحّى للجانب مشيراً إليه أن يتقدّمه، ربّت على خدّ ابنته مبتسماً، ثم استأذن من الرجل الآخر ليلحق ببراء.
وقف براء على بعد عدة خطوات، تبعه عمار مع رجلٍ آخر ضخم الجثة، كأنه المرافق الشخصي له.
ابتسم عمار بخفة سائلاً: تفضّل سيادة الضابط، هلّا أخبرتني كيف استطيع مساعدتك؟؟
رمقه براء بنظرات متفحصه وهو يسأله بغتة : جئت أسألك عن فهمي جابر، ما علاقتك به؟؟
لمح براء تلك الرجفة اللا إرادية في عين عمار اليسرى،إضافة إلى اهتزاز ابتسامته المصطنعه، فأيقن أنه على معرفة بالرجل المقصود حتى ولو أنكر،ومن البديهي أنه على علمٍ بعمله المشبوه.
شعر عمار بما خلف هذا السؤال المتواري،لذا عَمِد إلى المواربة، اجلى صوته وهو يجيب بثبات: وهل من المفترض أن أعرف من يكون؟؟؟ فأنا لا اعرف أحدا بهذا الاسم.
ابتسم براء ليجيب ساخراً: وهل من المفترض أن أصدقك الآن؟؟ الرجل يعملُ لديك منذ مايقارب السنتين، ألا يذكرك اسمه بشىٍ؟؟
ابتسم عمار بمكر وهو يضيف: سيادة الضابط، كما تعلم فأنا رجلٌ مشهور وأملك العشرات بل المئات من الموظفين، طبعاً أنت لا تتوقع مني حفظ أسماء جميع الموظفين، أليس كذلك؟؟.
نظر إليه براء بتمعّن ليدرك أنه يقف الآن أمام ثعّلبٍ ماكر، هو على يقين أنّ عمار يختبأ خلف اسمه الكبير،لكنه للأسف لا يملك سوى حدسه، لذا استأذن ليخرج من الحفل كما دخل.
ظلّ عمار ينظر إليه، ليهمس له الرجل الآخر باحترام: ماذا سنفعل الآن سيدي؟؟
أجابه عمار ببرود : لقد انكشف الغطاء عن فهمي جابر، قمْ بالتنظيف.
تلك الكلمة كانت مقتضبه لكنها مفهومة بالنسبة لسيمون، حارس عمار الشخصي.
،،،،،،،، ،،،،،،،،،، ،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،، ،،،،،،،،،،،،،،
كان براء في طريقه للخروج من الحفل،قبل أن يلفت انتباهه سيدة ما تقف مع بعض الخدم تملي عليهم أوامرها، تأمل ملامحها التي كانت مألوفة بالنسبة اليه بشكل كبير، زوى مابين حاجبيه وهو ينظر لها باستغراب،حتى التقت نظراتهما، فتسّمرت مكانها وأصابها الجمود وهي تتأمله، مرّت ثوان معدودة حتى استطاعت تدارك نفسها، فأشاحت بوجهها بعيدا عنه.
ظلّ هو على حاله، لم يخرج من شروده إلا على صوت أحد رجال الأمن ليقوده خارجا، وهو لايستطيع التغافل عن ذلك الشبه العظيم لتلك السيدة بأخرى مزروعة في خياله.
.......
قاطعه جواد قائلا: ألم تستطع التعرّف عليها أو تذكرها ؟؟
أجاب براء وهو مغمض العينين مستندا على الكرسي خلفه : لا لم أستطع تذكرها يومها.
اكتسبت نبرته قسوة و حدّةً وهو يتابع: ، ولم أتمكن من ذلك إلا بعد ثلاثة أشهر من ذلك الحفل، يوم مقتلِ عمّار.
تابع من هنا : جميع فصول رواية احببتها في انتقامي بقلم عليا حمدى
تابع من هنا: جميع فصول رواية وكفى بها فتنة بقلم مريم غريب
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا