مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث عشر من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثالث عشر
اقرأ أيضا: روايات رومانسية
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثالث عشر
_حمزة أحتاجك وبشدة، أود الهرب من كل شيء والاختباء من الجميع بين أضلعك، أيمكن أن يحدث هذا،أيمكن أن تختطفني للاختباء بين حصونك،لم تعد الحياة تستهويني،لولا وجودك لما تحملت ؟
قالت رهف، فتعجب حمزة من ضعفها والحزن البادي في عينيها، نبرة صوتها تشي بأن قلبها محطم،ونظراتها تحكي له الكثير؛ فالتفت يراقب من حوله بتوجس؛ ليستكشف ما إن كانا على مرمى أعين أحدهم أم لا، فبعد جدالها مع أمها وتلقيها تلك الصفعة ركضت إلى الحديقة، تملكها الحزن وشعورها أن لا أحد بجانبها كاد يقتلها؛ فشعرت أنها بحاجته، بحاجة أن تشكو له أفعالهم، أن تستمد الطاقة منه، أن تستشعر دفئه وحنانه، فقامت بالاتصال به وجاءها على وجه السرعة، مجيئه إليها مهرولًا واستشعارها خوفه عليها كانا بمثابة تأكيد لها أن خطبتها منه كانت مصالحة القدر لها بعد خصام دام لسنوات، اقترب منها متحليًا بالصبر على من كانت سببًا في دموع طفلته، وهو يدعو ألا يدخل الآن إلى الفيلا ويفتعل المشكلات ويخلصها من بطشها، جذبها إلى صدره وغابا في عناق دافئ يحمل الكثير من المشاعر بطياته،عانق يُعني لهما الكثير، وبعد أن شعر أنها هدأت ابتعد عنها قليلًا وتعمق بالنظر بداخل عينيها ثم قال:
_لما العلاقة بينكما هكذا؟
تنهدت بحزن واستطردت:
_ العلاقة بيننا هي علاقة إنسان بإنسان آلى، ماما تعاملني هكذا، كأني آلة يمكنها أن تحركها كما يحلو لها، بالعنف بالطبع وليس باللين والود، لن أقول أن هذا أسلوبها المتبع معي دومًا، هي أم جيدة إلى حد ما، إلا عندما يصل الأمر إلى عائلة العم طاهر تصبح غير، إهانة وصراخ ومعاملة سيئة، لم أعد احتمل كل هذا،خذني إليكَ.
كلمتها الأخيرة كانت طعنة بقلبه فقال:
_ ووالدكِ؟
_ بابا وضعه مختلف، حنون، عطوف لكن بأوقات فراغه، غالباً إفلاس شقيقه سبب له حالة من الرهاب، يعمل ليلًا نهار حتى يصبح أقوى، حتى لا تطاله الخسارة يومًا، وغياب الابن بالطبع له تأثير لقد أصبحت كل الأعمال على عاتقه.
أراح ظهره على الأريكة ثم تطلع بها
بأسى وقال :
_وحيدة أنتِ يا صغيرتي، كوردة ضعيفة بين أشجار عملاقة تحاول الصمود بوجه الريح فتصيبها فروعها بالأذى أثناء تخبطها هنا وهناك، ولا تقوي على حماية نفسكِ .
انسابت دمعاتها بغزارة على وجنتيها، فكفكفتها بأناملها وقالت:
_ لم أعد كذلك، أنتَ هنا من بعد الآن، سأصمت حتى لا يؤلمني قلبي ولن اتجادل معهما،لن أتحدث من بعد الآن،سأنتظرك لتخلصني.
انتفض جسده وتبدلت ملامحه الكئيبة بأخرى يسودها الأمل وقال:
_ حبيبتي لا تصمتي، تحدثي قولي ما تريدين، افصحي عما بداخلكِ، اطلبي وسأنفذ، يكفي ألا تسجُني مشاعركِ بداخلكِ، أنتِ وردتي الغالية لا يمكن لأحد أن يكسركِ ما دمت حيًا.
حمدت ربها أنه بجانبها فقالت:
_حمزة إياك أن ترحل.
داعب أنفها بحبٍ وقال:
_ أنا معكِ للأبد.
**
شقة طاهر الدالي
جلست سمية تحتسي قهوتها الصباحية بالشرفة،تفكر بما ستفعله وتعد العتاد لخطواتها القادمة، فهي وإن غدر بها الزمان، مازالت سمية الدالي ابنة أعرق أسرة من الطبقة الارستقراطية، ولابد ألا تسمح لشروق بالنظر لابنتها نظرة متعالية؛ لذا توجب عليها التحرك على هذا الأساس، ابتسمت براحة عندما تذكرت محادثتها مع مراد عبر الهاتف وما أخبرها به عما يفعله بابنتها اطمئنت أكثر عندما قال لها أن خطتهما تسير على ما يرام، نظرت لذلك الإرث الثمين القابع بين أصابعها وابتسمت بسمة من الممكن أن تكون بسمة مكر أو انتصار أو بسمة سعادة ليفسرها كل منا كما يحلو له، فهي بسمة تحمل الكثير من المعاني، فها هو إرث عائلة الدالي الثمين يعود إلى ابنة عائلة الدالي مرة أخرى ، إرث سبب الكثير من المشكلات بين الأسرتين،ومازالت الحرب قائمة عليه، لقد جاهدت لتحافظ عليه وبالفعل نجحت بالأمر، دلف كرم إلى الشرفة وهو يبتسم لها بإعجاب بالغ ثم قال وهو يجلس جانبها واضعًا قدم فوق الأخرى :
_ لستِ بقليلة يا سمية، كان معكِ لسنوات وفرطتِ به بإرادتك،واحتفظتِ به رغم الحرب الدائرة عليه، لكن أحذركِ ما ستقومين به اليوم سيشعل الحرب من جديد.
نظرت بجمود للفراغ أمامها،وقالت:
_آن الأوان أن استرد حقوقي يا كرم، خسرت عائلتي ولم يبقى لي سواها،و زوجتها من مراد حتى يعاونك فيما هو قادم، كما تعلم ستقوم القيامة بين أفراد عائلتنا عما قريب.
_ لا تقلقي عزيزتي مازال الحقير مختبئ بجحره لكنه بدأ بعد الأمتعة، والآن ماذا سنفعل بكنزنا الثمين.
نهضت ووجها يوحي براحة وسعادة غابت عنها منذ سنوات، ثم قالت:
_ سنهديه لمن يستحقه،هيا سأتجهز وأنتَ هيا افعل، دعنا لا نتأخر وتذكر لابد أن نليق باسم عائلتنا.
**
توتر العلاقة بين مريم وزوجها ضابط الشرطة أمر يلاحظه الجميع بل الأعمى يلاحظ أنهما وصلا إلى النهاية، لكن مريم تكابر من أجل ابنتها التي لا ترى والدها إلا سبعة أيام بالشهر، أيام إجازته التي يقضيها نائمًا معظم ساعات النهار وحينما يستيقظ تبدأ سلسلة صراعات ومشاحنات بينه وبين زوجته ولا تنتهي إلا إما بهروبها إلى غرفتها والانخراط بنوبة بكاء تصيب صغيرتها بالهلع، أو رحيله عن المنزل، وفي كلتا الحالتين يذهب إلى رفيقاته من الساقطات ويمارس معهن ما يجرح كبرياء وقلب أي زوجة، وهذا ما يحزن مريم،ويفتك بروحها يومًا بعد يوم، لذا قرر مراد وضع حد لتلك المهزلة قبل أن ينفذ ما خطط له لحماية يسر من بطش والدته.
كان ينهي بعض أعماله من خلال الحاسوب المحمول بغرفة مكتبه، فجال بفكره حالة يسر بالصباح، لقد كانت شاردة للغاية و عينيها متورمتان ويبدو أنها قضت ليلتها في البكاء، حتى وقت تناول الإفطار لم تتمالك نفسها واستأذنت لترتاح، لم يكن يريد اظهار خوفه عليها أو قلقه حتى لا تفسره على أنه تودد إليها، لذا قرر أن يستخدم الصغيرة في تحسين مزاجها وبنفس التوقيت يلهيها عن أمها حتى تسنح له الفرصة ليتحدث معها، غادر مكتبه باحثًا عنها وبعد وقت وجد ضالته، تقف تداعب الزهور بالحديقة رفقة أمها الشاردة،انحنى إليها وحملها ثم همس بأذنها ببضع كلمات فانفرجت شفتيها بسعادة، لاحظت مريم وجوده فقالت:
_ مراد، أين يسر لم أرها منذ الصباح؟
_بالغرفة تستريح، وطلبت مني أن أحضر الصغيرة،سآخذها إليها.
اشاحت بيدها وقالت بلا مبالاة تشكره على إزاحة عنها حِمل العناية بالصغيرة:
_ تفعل خيرًا.
امتعض من حالتها؛ فقال:
_ سأعطيها لها، وأعود إليكِ، بيننا حديث طويل، لنرى حالتكِ تلك إلى أين ستصل بكما.
أولته ظهرها بعدم اكتراث وراحت تحدق بتلك الزهرة الذابلة،وتساءلت بداخلها لما وكيف وصلت إلى هذا الحال، ولعلها أفضل من يجيب على هذا السؤال، فحالها كحال زهرتها، الإهمال والفتور هما سبب ذبول أي وردة مهما كانت حيويتها سابقًا.
طرق عدة طرقات على باب الغرفة وعندما سمحت له بالدخول دلف يحمل الصغيرة بين ذراعيه، و عينيها تكسوها السعادة المبالغة نعم إنها مازالت صغيرة لكن علاقتها بيسر مميزة، سار بخطوات واثقة إلى داخل الغرفة، بينما كانت تراقب خطواته بصدمة، فمازالت تجلس على الفراش بعد أن نهضت مفزوعة عندما سمعت الطرق على الباب، تعجبت من تلك البسمة التي تزين ثغره وهدوء أعصابه على غير عادته، لكن سرعان ما تبدل الفزع إلى السعادة عندما هتفت ليان:
_لوسا،"عروس".
وضعها بين يديها وجلس بجوارها، فراحت تهدهدها على حجرها وانهالت عليها بوابل من القبلات وهي تردد:
_اشتقت إلى رائحة المسك، ما هذا الجمال يا صغيرتي، أبقى بمفردي هنا أين كنتِ،هيا لأعلمكِ نطق اسمي،ما هذا إن سمعكِ أحدهم وأنتِ تهتفين لوسا ماذا سيقول عنا؟
لم تجيبها الصغيرة بل لم تدرك ما تقوله، لقد كانت تردد بعض الهمهمة الغير مفهومة، قال مراد وهو يمسد على شعر ابنة أخته:
_ أرى انكِ ستبدئين بمرحلة التقوقع، ونحن اعتدنا عليكِ كقطة شرسة تخربش بمخالبها كل من يقترب منها، لذا لن ادع لكِ الفرصة للانخراط بحالة اكتئاب لا داعٍ لها، الصغيرة تسأل عنكِ اقضي معها بعضًا من الوقت بدلًا عن النوم، هيا يا كسولة.
_عن أي تقوقع تتحدث! من قال أنني أمر بحالة اكتئاب الآن، أي جنان هذا مراد؟ لقد تبدلت أين مراد العاقل مدير الشركة، ما بكَ لما تحدق بي ببلاهة هكذا؟
نهض وهو يرسل قبلات في الهواء إلى الصغيرة قاصدًا إصابتها بالغيظ، ثم قال:
_ مراد مدير الشركة يبقى بها ولا أجلبه معي للمنزل،أنتم عائلتي، الود والمعاملة الطيبة أساس التعامل بينا، لنتعامل وفقًا لهذا.
التفت ليغادر لكنها اوقفته قائلة :
_ لن نتعامل مجرد أيام وسأغادر منزلكَ.
قال بلا مبالاة دون أن يلتفت لها :
_ إذًا اعتادي علي إلي أن تحين لحظة مغادرتكِ، اعتني بالصغيرة، حالة أمها بعد قليل لن تسمح لها بالاعتناء بها.
لم تفهم مقصد حديثه لكنها اغتاظت منه فبالفترة الأخيرة يغلف حديثه الغموض وكأنه يتعمد ذلك لمضايقتها، اخفضت رأسها ثم طبعت قبلة على جبين الصغيرة وراحت تدغدغها وهي تقول:
_قطتي، كيف لهذا البغيض أن يكون خالكِ!
**
جلس جانبها، ولاحظ شرودها بالفراغ، فحاول قراءة ما تفكر به، تُرى هل تشتاق له، تحزن منه، تشتعل غضبًا كونها متزوجة مع إيقاف التنفيذ، إلا أياما قليلة من كل شهر، أتحبه، أتكرهه، أتغار عليه، أم فقدت منه الأمل؟ هذا ما فكر به، لكنه ترجمه على أرض الواقع عندما قال:
_أين زوجكِ يا مريم؟
لم تجيبه فصرخ بها:
_مريم أحدثكِ أين زوجكِ؟
التفت بفزع وقالت :
_هممم
_مريم أمجد أين.
_بعمله أنسيت!
_متى سيعود ؟
_نحن بنهاية الشهر غالبا يعود هذه الأيام.
حدق بها مشدوها وقال:
_غالبا! مريم ألا تعرفين متى سيعود زوجكِ؟
فهمت ما يرنو إليه فقررت الهرب منه، فهي كالمجرم الذي يهرب من الحديث عن جريمته حتى لا ينكشف فقالت:
_مراد أهذا تحقيق أم ماذا؟ أنت تعلم جيدًا أمجد لا يحدثني كثيرًا بسبب انشغاله بالعمل.
_ وتبررين له، تبا لكِ ولغبائكِ، يبدو أنكِ فقدتِ عقلكِ أيضًا.
_ وماذا فقدت قبله؟
_ وتسألين! لقد فقدتِ شبابكِ, روحكِ، كرامتكِ، وقلبكِ، هذا اللعين سلب منكِ كل شيء جميل بكِ، كيف ترضين ذلك على ابنتكِ، لم أره يتصل بكما، الصغيرة بالكاد تتذكره، أي الآباء هو؟!
_مراد هذه الأمور بيني أنا وزوجي من فضلك لا تتدخل.
نهض وهو يركل المقعد بقدمه ثم هدر به:
_سأتدخل وهذا الحقير سيأتي إلى هنا ويُحاسب على ما يفعله بكِ، إما يحسن معاملتكِ أو يترككِ لنا نضعكِ بأعيننا، اتصلي به وأخبريه غدًا مساءً سأنتظره.
قاطعته:
_ لكن، علاقتنا تسير على ما يرام، لم أشتكي لكَ.
_لستُ بحاجة للشكوى، ضوء غرفتكِ لا ينطفئ ليلًا، التفكير يقتلكِ، تقضين الليل بأكمله في التفكير إذا ما كان يخونكِ أم لا، طوال اليوم تنتظرين منه اتصالًا ولا يفعل، ذبلتِ بعد أن كنتِ أجمل وردة، هل سأقف أشاهدكِ مكتوف الأيدي؟ لا يا أختي العزيزة ،سيأتي ونضع حدًا لمهزلتكما.
ركضت مسرعة بعد أن ألقى حقيقتها المرة بوجهها؛ فزفر بضيق وهو ينظر إلى السماء لعله يجد راحته، فسقطت أنظاره على يسر تتنصت عليهما، وتستمع إلى شجارهما وهي تحمل ليان، هز رأسه بعنف وكأنه يعنفها على تواجدها بالشرفة بهذا التوقيت، فحدقت به وكأنها تخبره أن لا شأن له بها،و بداخلها تموت من الفضول لتعلم سبب الجدال فمنذ مجيئها وهي ترى علاقته بمريم جيدة للغاية.
كان يعلم بمجيء عائلتها لزيارته منذ الصباح، لقد هاتفته والدتها وأخبرته بذلك، لذا قرر الحديث مع والدته ليطلب منها أن تُحسن معاملة عائلة زوجته وأخبرها أن احترامهما من احترامها له، وأي موقف سيبدر عنها لن يتقبله وبالفعل اولته ظهرها بعدم اهتمام بعد أن املاها الوصايا العشر كما أطلقت عليهم تمتمت وهي ترحل قائلة:
_لولا تهديدكَ لي لما مكثت تلك المشئومة بمنزلنا ليلة واحدة، لكن ليكن مؤكد ستغرب عن وجهنا ذات يوم.
أنهى جميع أعماله التي تراكمت عليه،وعقله منشغل تمامًا بمن بالأعلى الشقيقة التي جرحها بحقيقتها، والزوجة التي لا يعرف شيئًا عن الحرب الدائرة بداخلها، شقيقته معاناتها ليست وليدة اليوم بل منذ زواجها لكنها ضحت كثيرًا لتسير الحياة، حتى شحبت وباتت كالجماد ومهما تظاهرت بالحياة ستبقى بلا روح؛ لذا مداواة جرحها لن تجدي نفعًا الآن ولابد من بتر العضو المصاب حتى تتخلص من العلة ومن بعد ذلك تأتي مرحلة العلاج، أما معرفة ما يدور بعقل زوجته وما يؤرق مضجعها طوال الليل يقع على عاتقه هو فقط، لذا اتخذ قراره سيبدأ بتنفيذ المرحلة الثانية من خطتهم، تعجل بالأمر قليلا لكن سوء مزاجها هو ما تطلب ذلك، تذكر أمر الصغيرة ومشاغبتها فابتسم بمكر وهمهم:
_ ستكونين أمًا رائعة، أراكِ بأجمل حالتكِ مع ليان.
**
كانت تجلس على الأرض بالشرفة وهي تقوم بعمل حركات بهلوانية، ومن ثم تجثوا على ركبتيها وتستند بكفي يدها على الأرض، ثم تقوم بالتحرك صوبها، وهي تتحدث بنبرة شبيهة بنبرة الأطفال، ومن ثم تضع وجهها بعنق الصغيرة وتقوم بمداعبتها برفق، فتعلو صوت قهقهاتها بالأرجاء ومن ثم تبتعد وتتظاهر بالبكاء وتجلس وهي تعقد يديها أمام صدرها، صدم مراد مما تفعله لكنه لم يفهم لما تتظاهر بالحزن هكذا، فتابع مراقبتهما ولاحظ تعمق نظراتهما ببعضهما البعض بجدية، وكأن الصغيرة تتأهب لفعل شيئًا ما، بينما تقرأ يسر نظراتها،انحنت ليان فجأة لتأخذ بجسدها نفس وضعية يسر عندما كانت تلاعبها، وبدأت تحبوا صوبها قلصت المسافة بينهما وفجأة داهمتها وراحت تتظاهر وكأنها تلتهمها، استلقت يسر على ظهرها وحملت الصغيرة وانخرطتا بحالة من الضحك، تابعهما بإعجاب صريح لم يستطع إخفائه عندما قال:
_ أنتِ وهي أراكما بأجمل حالتكما عندما تكونا سويًا، هي أحبتكِ منذ اللقاء الأول ، وأنتِ الأمومة تليق بكِ وبشدة محظوظ من ستكونين أمًا لأبنائه.
اعتدلت بجلستها وهي تضع الصغيرة على حجرها وقالت:
_ لا يوجد سعيد حظ، ببساطة لأني لن اتزوج حتى يصبح لدي ابناء.
تفاجئ بإجابتها، التي اغضبت جزء به لم يستطع تحديده، لكنه انجرف نحو غضبه وقال وهو يقلص المسافة بينهما ويجلس بالقرب منها وتكاد تكون المسافة معدومة بينهما:
_ لكن هذه إهانة كبيرة لي، أنسيتِ أنا زوجكِ سيدتي! .
انتفض جسدها على إثر قربه ثم نهضت ومازالت تحمل الصغيرة وقالت:
_ مراد زواجنا مشروط سينتهي عما قريب.
نهض وقال:
_حسنًا يا يسر، لن نتجادل، أين هاتفكِ؟
_لا أعلم، اغلقته بيوم عقد القران ولم أعاود تشغيله.
_ عجيب أمركِ، ترفضين الزواج حتى لا تتركين أِمك بمفردها، وتغلقين الهاتف لكي لا تتحدثين معها.
_ وبالطبع أنتَ تحدثت معها، فأنتما فريق وتعقدان المؤامرات والتحالفات من خلف ظهري.
ابتسم بفخر وقال:
_ أمي العزيزة، اتصلت بي اليوم تخبرني بمجيئها،و خلال ساعة من الآن ستكون بالأسفل لذا تجهزي، وحاولي إخفاء تورم عينيكِ، المفترض أنكِ عروس من يراكِ يفهم أنكِ قضيتِ الليل تبكين.
_ لن أقابل أحد.
_يسر لا يوجد داعٍ للعناد، ماما تعتقد أن زواجنا حقيقي ولابد أن نسير بعلاقتنا على هذا الاساس، كما أن أمكِ قلقة بشأنكِ، هيا سآخذ الصغيرة إلى أن تتجهزين.
أثناء التقاط الصغيرة منها، اوقفته وهي تسأله :
_لما كنت تتجادل مع مريم؟
توقع السؤال لذا شرع بتنفيذ الخطوة الثانية في علاقاتها وقال:
_تسألين بصفتكِ زوجتي، أم فتاة أجبرتها الظروف على العيش بمنزلي؟.
_اسأل بصفتي ابقى بمنزل مريم، وأجلس أتناول معها وجبات الطعام الثلاث ونتسامر، ولم أرى منها إلا كل خير.
اغضبته بذكرها أنها تعيش بمنزل مريم ونكرانها أنها زوجته فأولاها ظهره قائلًا:
_ إذًا اذهبي إليها لتخبركِ.
زفرت بغيظ منه، لكنها قررت استفزازه أكثر لذا توجهت إلى حقيبتها لتخرج منها ثوبِا ما يلاءم اللقاء، لكنها فوجئت بهاتفها المحمول بداخل الحقيبة، ترددت كثيرًا في إعادة تشغيله لكنها حسمت أمرها عندما تذكرت رهف، وكيف ستجن عندما لم تصل لها،وفور إعادة تشغيله تلقت إشعارات بالكثير من الرسائل النصية وإشعارات بالمكالمات التي لم تصل إليها، تفقدت الرسائل معظمها من رهف، كرم، أمها، وشركة الجوال، لكن هناك رسالة كادت نبضات قلبها ستتوقف على إثرها، وأصابت روحها بالوهن، شحب وجهها كمن رأى شبح الموت عندما قرأت أول كلمة بنص الرسالة "سو" فعلمت مصدرها، إنه لقب فيد من نوعه لم يناديها به سوى شخص واحد، نبضات قلبها راحت تتسابق وكأنها في سباق سينتهي بتوقف قلبها عن العمل، وهي تقرأ فحواها بصوت خفيض
( سو مرحبا بكِ يا جميلتي كنت أود تهنئتكِ على زواجكِ لكن كما تعلمين صديقتكِ العزيزة لها ظرف خاص، لذا لم أستطع المخاطرة، فأرجأت أمر التهنئة لوقتٍ آخر ربما أهنئكِ على انكاشف الحقيقة، لكن أحييكِ على براعتكِ وضعتِ خطتكِ وقمتِ بتنفيذها بمهارة، وسقط ابن عزام صريعًا بين يديك، ترى هل يعلم شيئًا عن مكركِ وخداعكِ، هل يعلم من هي يسر الحقيقية، هل يدرك مدى عيشه بالأوهام، هل تعرف على يسر الكاذبة المخادعة أم سيستغرق الأمر وقت كما حدث مع من قبله؟}.
إلي هنا ينتهي الفصل الثالث عشر من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا