مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السادس والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل السادس والعشرون
اقرأ أيضا: روايات رومانسية
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل السادس والعشرون
حالة من الهرج والمرج سادت بالمكان بعد تصريح الشرطي باتهام كرم بقتل ابنة عمه، وإعادة فتح ملف القضية من جديد، كانت الأسبقية في ردة الفعل من نصيب منار، التي ركضت نحو ابنها تجذبه بعيدًا عن الشرطي وكأنها قادرة على حمايته منهم، وراحت تحذره وهي تتمتم ببعضِ الكلمات المبهمة، صوبت أنظار الجميع على كرم وأمه، وانقسم حال المتواجدين إلى قسمين، قسم يتابع بصدمةٍ وهو حال المدعوين وعائلة عزام، وقسم أًصابه التيه وراحوا يهذون بطرقهم المختلفة، صدمة نجيب، صراخ منار وهرولتها بين الجميع، كانت تستنجد بأحدهم لعلها تجد من ينقذ ابنها، وأثناء انهيارها الذي لم يستغرق ثوانٍ تلاقت أعينها بأعين سمية التي كانت تطالعها بتشفٍ ومازالت تجلس تضع قدمٍ فوق الأخرى، وابتسامة ماكرة لم تعتد عليها احتلت محياها، أخر المتواجدين ابداءً لردةِ الفعل كانت يسر التي ظلت تحدق بمن حولها بذهولٍ، كان على أحدهم توضيح هذا الهراء لها، فالتفتت إلى مراد تنوي سؤاله، حاولت التحدث فلم يطاوعها لسانها، رأت تلك الدمعة المتجمعة بعينيه حزنًا على حالها؛ هربت بأنظارها عنه لا تريد تصديق أن ما سمعته حقيقة، ونظرت نحو والدتها، في البداية لم تستطع التعرف عليها، بدت وكأنها شخص جديد لم تألفه، لم تعرفه من قبل، غريبة، حزينة، مبتسمة، منكسرة، حاقدة، قوية، مالت بنظراتها أكثر نحو خالها وكأنها تسأله ماذا يقولون، عن أي كرم وياسمين يتحدثون، هل ياسمين خاصتنا، هل كرم ابن عائلتنا، بالأصل من هذه، لما تبتسم هكذا، لما نظراتها غريبة هكذا؟ لجأت إليه لينفي ما تسمعه وتراه لكن نظراته الخجلة أكدت ذلك، التفتت نحو مراد مرة ثانية توسلت إليه لينتشلها من كابوسها، فقبض على كتفيها وقال بصوتٍ مرتبكٍ:
" يسر أهدئي، سأخذكِ ونذهب من هنا"
وقررت أخيرًا أن تُنهي المشهد التصويري المميت الخاص بعائلة الدالي، ونظرت إلى ذلك الواقف لا حول له ولا قوة، بالتأكيد ستجد اجابتها بعينيه، لم ترى سوى الخوف والكثير من الندم؛ ركضت نحوه بكل ما أوتيت من قوةٍ، من يراها وهي متوجهة نحوه على هذا النحو يظن أنها ستعانقه تودعه، أو ترتمي بين يديه تجذبه إليها تحميه منهم، أو تحتمي به، لكن الحقيقة أنها فور وصولها إليه،مدت يدها كانت ستعانقه، لكن لم تكد يدها تلامس صدره وأبقتها معلقة في الهواء، صُمت أذانهما عن صراخ منار وتساؤلات المتواجدين، سألته نظراتها كل الأسئلة التي سألتها لخالها، عاتبته، قتلته بنظراتها، وأخيرًا قالت له:
" هل قتلت أخوتي؟"
الاجابة أقوى من أن تُنطق، أصعب من أن يجهر بها، والسؤال قاتل للحد الذي يستحيل له إجابة، لذا طأطأ رأسه في خجلٍ، فبهذه الجريمة هو المذنب البريء، إن قالوا له أنتَ قاتل سيصمت فإن ثبتت براءته سيتورط أكثر، دفعته، نهرته، انهالت عليه بوابلٍ من اللكمات والكلمات الموجعة:
"سارق، سرقت أموالنا وقلبي وسعادتي، سرقت عائلتي مني، قتلت ياسمين، أصبت أبي بالشلل، أحنيت رأس أمي، نعيش بجحرِ الفئران بفضلكِ، فعلت بنا أمكَ ما يفوق قدرة تحمل البشر"
صمتت للحظةٍ تحدق به وكأنها ترفض ما ستبوح به، و تابعت ويديها ترتجف، تحاول لمسه لكن قوة ما منعتها من ذلك:
" هل كان ياسين صادقًا، هل تخلى عن الحياة عندما لم يصدقه أحد، أي شيطان أنتَ، أي شيطان أنتَ"
ظلت تردد هذا السؤال إلى أن سقطت مغشي عليها، كاد يلتقطها بين يديه، لكن أيدي مراد كانت الأسرع، حدق به بتحذيرٍ وقال وهو يحيط جسدها بذراعيه:
"ارفع يدكَ عن زوجتي"
جملة مراد كانت آخر طعنة بقلب كرم، ارتد على إثرها للخلف كمن أصابته الصاعقة، وكأنه يقول له بينما ارتكبت كل هذه الجرائم بحقها لن أضع يدي عليها، اندفعت شروق نحو يسر بينما احتضنت مريم ابنتها، وحاول مراد بشتى الطرق أن يجعل يسر تعود إلى وعيها.
ووسط تلك البلبلة اصطحب رجال الشرطة كرم معهم، وسط صراخ منار، لكن قبل أن يختفي عن الأنظار هدرت سمية:
"كرم"
التفت إليها هو ورجال الشرطة، فقالت:
" ألم أقل لكَ، أموت ولا أعطيها لكَ وإن مت سأترك لها ما يجعلها تكرهكَ، لقد حفرت قبركَ بيدكَ عندما قررت لمس يسر بيدكَ القذرة كما فعلت مع ياسمين"
لم تدرك أن يسر استفاقت واستمعت لما قالته، وتابعت اتمام دورها الانتقامي على أكمل وجه عندما جذبت منار من ذراعها ثم مالت عليها قائلة:
"كيف حالكِ الآن، هل مرارة فقدان الابن تؤلم، هل تمزق النياط؟"
حدقت بها بذهولٍ لا تصدق أن ما حدث من تدبيرها، لجم لسانها، صمتت تستوعب الأمر، في حين انهار جسد نجيب وهو يتابع ما يحدث، ولم يلحظ أحد ما آل إليه حاله، أو غيابه عن المشهد ظلت عينيه تتابع رحيل ابنة رفقة الشرطة إلى أن اختفى كالسراب، وعند تلك اللحظة تلاشت الصورة بعينيه، وانقطعت أنفاسه، ويبدو أن القدر سيقول كلمته.
أدركت يسر ما قامت به والدتها، فطلبت من مراد أن يأخذها بعيدًا عن المكان على وجه السرعة، تاركة خلفها منار تحترق على ابنها ولأول مرة تشعر بالعجز، وتتجرع من نفس الكأس الذي تجرعت منه والدتها لسنواتٍ، ذهب من ذهب وبقى من بقى، وأول الراحلين بعد يسر كانت سمية وشقيقها، ومن بعدهم الكثير اللهم عدد قليل قرر الوقوف بجانب منار خاصة في غياب ابنتها واكتشاف حالة زوجها الصحية، وعلى صعيدٍ آخر كانت تعيش رهف أجمل لحظات عمرها لا تدرك المصيبة التي حلت على رؤوسهم.
جاور مقعده مقعدها وقال وهو يمسك الهاتف المحمول بين يديه، يحدق به بنفاذِ صبرٍ وتذمرٍ:
" نجلس ننتظر أفيندار، في ليلة احتفالنا بزواجنا"
"المهم أننا نجلس سويًا، أفيندار من أولى اهتماماتي إن كنتُ ستمنعني عن متابعتها لي حديث آخر معك؟"
ابتسم لها بعذوبةٍ وقال:
" حسنًا لنتابع أفين لعلها تكتب لنا كلماتٍ رومانسية هذه الليلة"
ثم راح يقرأ ما خططته أفين بصوتٍ رخيمٍ.
**أفيندار**
"ترددت كثيرًا قبل أن أكتب رسالتي، لكن أنا بحاجة للمساعدة ولم أجد سواكِ، لدي خوف كبير، خوف مما هو قادم، فكرة أن من حولي يضعون أمالهم على عاتقي تقتلني، أشعر أن هذه الحمل يفوق قدرة تحملي، نظرات الرجاء بأعينهم كي لا أخذلهم تقتلني، القلق والخوف قد سيطروا عليّ تمامًا،ولا يشعر بي أحد، لم يفكر أحد بمساعدتي، أو يُشعرني أنني لست بمفردي، يطمئنني، يقول لي لا تخافي أنا بجانبك، لكنني متأكدة مليون بالمائة أنني لن أجد من يفعل ذلك فما رأيك أفيندار؟"
{ سأخبركِ أمرًا بالبداية أنتِ أقوى من هذا الضعف الكامن بين أحرفكِ، لو كنتِ ضعيفة لِمَ وكلكِ من حولكِ بحمل هذه المسؤولية، أنتِ حنونة، عطوفة تمتلكين من طيبة القلب وسعة الصدر ما يؤهلكِ لتحمل تلك المسؤولية، فقط أحيانًا أعباء الحياة ترهقنا وتشعرنا أننا بمفردنا، ونحتاج لمن يساندنا، وهنا يتوجب أخذ قسطًا من الراحة فاصل قصير نستجمع به قوانا ونعود أقوى بوجه مبتسم لنتخلص من هذا اليأس المسيطر علينا، اهدئي، انعزلي عن ضغوطات الحياة ليومين، افعلي ما يسعدكِ، أو ما يُحسن حالتكِ النفسية، فكري بايجابية بمن حولكِ ستجدين من يحاول الوقوف بجانبكِ لكنكِ في خضم مسؤولياتكِ، وتلك النبرة البائسة بكلماتكِ أغمضتِ عينيكِ عن رؤيته، وإن لم تجدِ لتساندكِ قدميكِ، صدقيني بعدها ستعثرين على تلك القوية بداخلكِ}
**
التفت حمزة إلى رهف وقال مبتسمًا:
"دومًا ما تبهرنا أفين بقوة شخصيتها، وحكمتها في مجابهة الأزمات، ومواجهة الأمور"
قالت رهف وهي تتطلع بشاشة الهاتف تنتظر نهاية تحميل الفيديو الخاص بالخاطرة:
"مسكينة بطلة أفيندار اهتمت بالجميع ولم تجد من تتكئ عليه"
"ألا يمكن لأنها عودتهم على ذلك، ولم تُظهر لهم مدى احتياجها للمساندة؟"
تنهدت بحزنٍ غريب على تلك الليلة المبهجة وقالت:
"من يعتاد على تحمل الآخرين لمسؤولياته، أضعف من أن يقف بجانب أحد، ثق بهذا عن تجربة شخصية"
كاد يتحدث لكنها أشارت له ليصمت، وقالت بلهفةٍ:
" لنشاهد أجمل قسم بالليلة"
وراحت تستمع للموسيقى المبهجة المفعمة بالأمل المرفقة بالفيديو الخاص بالخاطرة، وتقرأ كلمات انتظرتها بلهفة.
{ تسير بينهم كالنسمة، لها ضحكة لا تقتصر كونها بسمة، ضحكة تحمل الكثير، ما بك طمئنني عليك، هل أنت بخير؟ إن كان يحزنك شيء لنشاركه، أينقصك شيء أكملك، أتحتاج شيء أوفره لك، ألديك ما يرهقك روحك كالجاثوم يجثم على صدرك أحمله عنك؟
هذه هي حنونة، قوية، متسامحة، لكن هل تساءل أحدهم خلف تلك الأقنعة ماذا يوجد؟ كيف لهذا الأمل وسط اليأس أن يولد؟ أم أنهم اعتادوا على الآخذ، وعند الحاجة باعوا القوية بثمنٍ بخسٍ، آن الأوان للقوية أن تُظهر احتياجها ليس للآخرين ولكن لنفسها، تنفسي، ابتسمي، تحدثي، أخرجي ما يكتظ به صدركِ، اغتنمي من الحياة ما يُبهج قلبكِ، عودي إليهم أقوى، مهيأة للشكوى، لا تجعلي من حزنك عدوى}
**
قال حمزة وهو يضع الهاتف بجيب سترته:
"انتهت اطلالة أفيندار، لنعود إلى موضوعنا"
" موضوعنا!"
" نعم عشقنا يا زوجتي الجميلة"
لم يكد ينهي جملته إلا وتلقى من مراد مكالمة وضعته بموقفٍ لا يحسد عليه، فكيف سيخبر زوجته بتلك الكارثة التي حلت على أسرتها؟
**
آثرت الصمت طوال الطريق لم تنبس ببنت شفة، تفهم وضعها خاصة بعد أن رفضت الحديث مع والدتها،، صعدت إلى غرفتها بصمتِ ينم عن بركان سينفجر بعد قليل، كرم قاتل سارق و ما رفضته حقَّا إن كان قاتل ياسمين من أقام العلاقة الغير شرعية معها؟ هل اكتشف سوء خلقها فعاقبها، هل كان ياسين يعلم أنه القاتل وآثر الصمت؟ هل هناك ملابسات لم تكشف بعد؟
أبدلت يسر ثيابها بمساعدة مريم ثم تدثرت جيدًا بفراشها، وأغمضت عينيها مستسلمة لأفكارها القاتلة بينما أجرى مراد عدة مكالمات هاتفية، أَلَمَّ بعدها بمجرى الأحداث وعلم بما حدث مع نجيب الدالي وتعرضه لأزمة صحية، ثم توجه إلى غرفته يطمئن على زوجته، دلف إلى الغرفة في هدوءٍ وجلس على طرف الفراش مرر يده على رأسها بحنوٍ وقال:
"يسر"
لم تجيبه، صمتت، لأنها إن تحدثت ستسأل وإن سألت لن تعجبها الاجابة، لكنه لم يستسلم وتابع:
" لستِ نائمة، ولا داعِ للهرب، لن أترككِ تحملين هذا الهم بمفردكِ لنتشارك حزنكِ كما تشاركنا كل شيء من البداية"
أدركت أن حديثها سيؤلم روحه فقررت السكوت، لأول مرة تُفكر به على هذا النحو ولم ترد كسره، أو تحطيم قلبه في رثاء حبيبها السابق أمام عينه، لكنها بحاجة للدفء، للحنان، لمن يسكت تلك الحرب الدائرة بروحها؛ فقالت دون تفكير لثانية واحدة لماذا أقدمت على هذا الفعل الأهوج:
"مراد، أوصاك أبي ألا تتخلى عني، لقد جاء دورك لتعوضني غيابه، أنا قوية للغاية لكن إن ضعفت أسقط وإن سقطت لا أنهض، أنكسر وأرتجف، أبرد ولا يدفئني سوى عناقه،عانقني وكأنكَ أبي ملاذي وموطني"
طلب يسر بمثابة فتح باب زنزانة لسجين قضى عمره بداخلها فلم يضِع الفرصة وهرول راكضًا إلى الخارج، وهذا ما فعله مراد فور طلبها لعناقها، استلقى بجانبها ألصق صدره بظهرها، حاوطها بذراعيها يخبئها من وحش كاسر سيفتك بها، وحش الشك والخوف من اليقين، ظل صامتًا صامدًا أمام رجفة جسدها، كاد يصرخ بها
"لا يستحق كل ذلك، ليس إلا رجل وضيع تكالب على كل ما تملكين وسرقه دون شفقة" لكن ضعفها رحمها من كلماته القاسية التي أبدلها بأخرى عاشقة عندما همس:
"يسر نامي الآن، أنا بجانبكِ وإن تخلى عنكِ الجميع"
إلي هنا ينتهي الفصل السادس والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا