مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والقصص الرومانسية مع رواية اجتماعية واقعية ومثيرة جديدة للكاتبة صفية الجيار علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثامن والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثامن والعشرون
اقرأ أيضا: روايات رومانسية
رواية أفيندار بقلم صفية الجيار - الفصل الثامن والعشرون
"يسر لا تفعلي خسارتكِ ستكون فادحة، لم يتبقَ لكِ سوى سمية ومراد وأنا بالطبع، يتوجب على تنبيهكِ تمردكِ هذه المرة سيودي بكِ للسقوط من الهاوية"
قالها خالها وهو يجلس بصحبتها على الأريكة بحديقة منزلها، ثم مرر يده بحنوٍ على كتفها، لتبث يده ما يريد قوله، وطمأنها بوجوده جانبها مهما عصفت بها الحياة، لم تعير حديثه اهتمامًا، وظلت تحدق بالفراغ من أمامها، كمن اتخذ قراره ومحاولة إثناءه عنه ليست سوى سكب الماء بكوبٍ فارغٍ، يدرك ما آلت إليه الأمور بداخلها، لقد هدم أمين العربي ضابط الشرطة صديق أسرة طاهر الدالي المقرب مدن بأكملها فوق رأسها عندما أفصح عن اتهام كرم بقتل شقيقتها، ثم هدمت سمية باقي القارة فوق رأسها عندما واجهتها بحضرةِ مراد، لتبقى بقايا إنسانة تحت الهدم، لا روح لا جسد، هذه حالة يسر على مدار أربعة أيام منذ مواجهة والدتها وشهادة رهف ضد شقيقها، و رقود عمها نجيب بغرفة الرعاية المشددة يصارع الموت، سنتخطى حال علاقتها بمراد، لأن ما حدث مع يسر نتج عنه اعادة علاقتهما لنقطة البداية، أغراب كما لو لم يحدث معهما الكثير من قبل، التفتت نحوه وقالت بِحدةٍ:
"كرم، كنت أتمنى أن تكونَ مدركًا للنيران المندلعة بداخلي"
خفض من نبرةِ صوت وقال:
"بالطبع مدرك لكل ما يحدث معكِ، رأيت ما تحاولين اخفاءه، وأدركت ما لم يدركه أحد؛ لذا أقول لكِ هذه المرة لا تخسري الشخص الخطأ، بينما تنزفين دمًا من أجل من لا يستحق"
هاجمتها الدمعات التي تقافزت من عينيها بغزارةٍ في سباقٍ، لقد حاولت مرارًا منعها، قالت بصوتٍ مرتجفٍ:
"أشعر وكأن جاء أحدهم وسرق مني خمسة وعشرون عامًا بلحظةٍ واحدةٍ"
"أعلم كرم ماضيكي، وظهوره على حقيقته جعلكِ تشعرين وكأنكِ لم تتعرفِ عليه من قبل، أًصبح شخص غريب عنكِ بالفعل"
شعرت أنها تحارب بمفردها، لا يفهمها أحد، تجدف بمفردها بين الأمواج المتلاطمة؛ فانفعلت قائلة:
"لا على العكس، حقيقة كرم وإن كنت لم أتخيل مدى بشاعتها لكن ليست بأمر جديد عليّ، الطامة يا كرم هي ما فعلته أمي، كيف لها أن تترك قاتل أخوتي دون عقاب!"
صعق كرم مما يجول بخاطرها لقد اتضح أن ما جعلها في حالة عداء تام مع الجميع، مغاير تمامًا عما يعتقدونه، بينما يغضب مراد من حزنها لما يحدث مع ابن عمها، وصُدمت بها والدتها من دفاعها عنه، كانت حزينة منها لتركها كرم حر طليق بعد جريمته، سألها مستفهمًا:
"وما ذنب مراد؟"
"ذنبه أنه يريد أن يكون معي"
تتطلع بها لبرهةٍ وقال:
"تريدين الابتعاد عنه بإرادته، لن تقولي ارحل، لكن ستفعلين ما يجعله يرحل"
"هذا ما يحدث"
"وصورتكِ السيئة بعينه، زوجته حزينة على طليقها، هل أنتِ مدركة لِمَ تفعلين؟"
أسندت رأسها على حافة المقعد وقالت وهي تحدق بالسماء:
"أنا متعبة جدًا، متعبة لدرجة لن أتمسك بمن يرحل، لن أمسك بطرف فستان أمي، ولن أتوسل لمراد لتصديقي أو فهم ما يجول بخاطري، ويمزق نياط قلبي، لن أقول له أحتاجكَ"
"ومن قال أنهم راحلون"
"لم يقل أحد، أنا لا أريدهم من بعد الآن"
"يسر حبيبتي، تفكيركِ خاطئ، الأمور تتضح، كلُّ علم وجهته رهف الآن تمكث بمنزلنا، على الرغم أن سمية تلف حبل المشنقة حول عنق شقيقها، بالله عليكِ هل فكرتِ ماذا تقول أفعالكِ العدائية معهم"
قالت بانفعالٍ:
" قلت ابتعدوا"
قال باستياء:
"لماذا؟"
"أخشى الفراق"
فسألها:
"وابتعدوا"
"بعد أن اقتربوا"
"وماذا عن الفراق؟"
انهارت فاحتضنت رأسها بكفي يدها وقالت باكية:
"مازلت أحترق به"
وهنا أدرك كرم أن يسر تجاهد ألا تنصاع لما يريده قلبها، يسر تُبعد مراد عنها حتى لا تعتاد وجوده ويغيب، حتى لا تعطيه ثقة ويخونها، فما كان منه سوى أن يثبت له أنه بجانبها درع يحميها من المخاطر والأوجاع، وترك أمرها مع مراد للأيام تثبت مدى تمسكه بها.
أسوء أنواع الرحيل، الرحيل دون تكبد عناء المصارحة، دون ابداء سبب، أن يجبرك الطرف الآخر أن ترحل عنه ولا يرحل منك، أفعاله تتغير، كلماته تصبح بلا روح، جافة وكأنه يقوم بدوره فقط، مرة يحضر مرة يغيب، يضع خطة ويعتمد تنفيذها، يبتعد تدريجيا لا يبرر غيابه، لا يكترث للدموع، لا يهمه الإجابة على التساؤلات، لما ابتعدت؟ هل بدر منا ما يحزنك؟ كل ما يفعله هو أن يغيب عن عالمك ويحضر بعوالم أخرى، وهنا لا يسعك سوى الرحيل، وتبقى تختنق بمشاعرك.
**
وقف كرم نجيب بصحبة المحامي الخاص به أمام غرفة وكيل النائب العام ينتظر البت في أمره، بعد ظهور تقرير الطب الشرعي الخاص به، تملك منه الخوف خاصة أنه لا يعلم ما هي الأدلة التي قُدمت حتى تم فتح ملف القضية من جديد، قال مستفهمًا:
"أشعر وكأن الجميع تخلى عني أين رهف وأبي، لِمَ لم يأتيا لزيارتي؟ لم أرهما منذ القبض عليّ!"
أجابه بحكمةٍ:
"السيد نجيب ارتفع ضغط دمه قليلًا ونصحه الطبيب بالمكوث بالمنزل وعدم التعرض للضغوطات، أما السيدة رهف لقد قامت بدورٍ فعالٍ بالقضية، ندعو أن تقف نتائج الطب الشرعي بجانبكِ"
لم يدرك كرم ما قاله الطبيب فيما يخص رهف، لكن اختلج قلبه عندما علم بما ألَّمَ بوالده، مر حديث المحامي مرور الكرام خاصة بعد حلول وقت دخولهما للغرفة ومعرفة قرار النيابة بشأنه.
**
قرر كرم المغادرة، بعد تحدثه مع يسر لبعض الوقت، استأذن منها على وعدٍ لزيارتها في وقتٍ لاحقٍ، كانت سترافقه لكنه رفض وأخبرها أنه ليس بغريبٍ،وأثناء سيره فوجئ بارتطام جسده بجسد أقل حجمًا، أكثر نعومة، إنها مريم، اختلج قلبه من هول المفاجأة لكنه تماسك حينما شعر أن مريم ستسقط أرضًا فأحاط جسدها بذراعيه وظلت أعينهما معلقة ببعضهما البعض، هي ترتجف وأهدابها في سباق مع الحركة وهو كالتمثال، يتشبث بها كما لو أنه حصل عليها بعد سنوات عجاف، والصمت في حضرة جمالها ليس خياره وإنما كان مجبرًا، لقد كتم جمال عينيها أنفاسه، دفعته بعيدًا عنها وقالت:
"عذرًا، كنت أتابع أمر هام على الهاتف، لم ألحظ مروركَ"
ارتبك ثم ارتد خطوتين إلى الخلف وقال معتذرًا:
" أعتذر منك كدتِ تسقطين لذا ساعدتكِ"
قالت وهي تشيح بعينيها بعيدًا عنه خجلة، لم تقترب من أحدٍ إلى هذا الحد سوى زوجها:
"لا عليكَ، برأيي وفر المساعدة ليسر، ستحتاج مساعدتكِ الآن"
لم يستطع إدراك ما تشير إليه فقال:
"لماذا؟"
ناولته هاتفها ليقرأ ما يُعرض على شاشته، ففوجئ بهذا الخبر الصاعق الذي ملأ الصحف الالكترونية، فتطلع بها مشدوهًا وقال:
"اللعنة، عدنا إلى نقطة الصفر من جديد"
وبعد حديث دام لعشرِ دقائق عُقد بينهما اتفاق من أجل مصلحة يسر، اتفاق ينذر ببداية جديدة، اتفاق على أن يرحل كرم لأن سمية بهذا الوقت تحديدًا بحاجته، وذهاب مريم للحديث مع يسر وإلهاءها عن الوصول للهاتف أو الدخول لمواقع التواصل الاجتماعي.
**
تسللت لتجلس بالقرب منها دون أن تلاحظ وتابعتها بصمت لثوانٍ إلى أن أدركت وجودها فقالت:
"يسر كيف حالك حبيبتي؟"
التفتت لها بوهنٍ وقالت:
" بخير اعذريني انشغلت عنكِ بالأيام السابقة، لم اطمئن عليكِ، هل أصبحتِ بحالٍ أفضل؟"
قالت وهي تربت على يدها:
"بخير مجبرة أن أكون هكذا، من يتخلى عنا لابد وأن يرانا صامدين لا منكسرين"
انتقت مريم كلماتها بعنايةٍ، أرادت أن توصل ليسر الرسالة، كرم تخلى عنكِ وعندما يراكِ لابد وأن تكوني قوية صامدة، شردت يسر بحديثها وقالت:
"يبدو أنكِ لملمتِ شتات قلبك، تتحدثين بثقةٍ لم أعدها بكِ"
تنهدت مريم بحزنٍ وقالت:
"أحيانًا نكتشف أن هناك جراحًا تفوق آلامها حدة آلام جراحنا، فنصمد ونقرر أنها فرصة من رب العالمين لنتماسك."
سالت دمعة بائسة من يسر وهي تحدق بالفراغ وقالت:
"أشرس الآلام التي لا يمكن تحملها، الفراق والخذلان"
أزالت مريم دمعاتها بأناملها وقالت وهي تنهض:
" سيعوضنا رب العالمين بمن هو خير لنا هذه ثقتي بربي، ما بكِ تجلسين كالعجوز البائسة هكذا! هيا لنذهب ونتفقد لي لي وماما، ثم نقوم بصنع كعكة الشوكولاتة، ليتحسن مزاجنا قليلًا"
لم تعطها فرصة للرفض وسارت وهي تجذبها خلفها تاركة هاتفها المحمول على الطاولة، ابتسمت بانتصار فهكذا ضمنت مريم أن خطتها مع كرم تسير على أكمل وجه.
**
مر يومه في الشركة بصعوبةٍ بالغةٍ مزاجه سيئ للغاية، ينفث عن غضبه بمن حوله بدا كقنبلة موقوتة ستنفجر بمن لا يحترس منه، تعامل يسر معه بالأيام الماضية جعله يفقد الأمل أن تبادله ما يشعر به، وأيقن أن تخلصها من عشق طليقها حلم لا سبيل في تحقيقه، وما زاد الأمر سوءً هو إخبار كرم له بما تم نشره بالصحف، قرر العودة إلى المنزل ليكون متواجدًا معها عندما تعلم نتيجة تقرير الطب الشرعي، أدرك أن عاصفتها هذه المرة ستهب محملة بالنيران التي ستحرق من حولها.
وفور وصله إلى المنزل، دلف إلى غرفة تحضير الطعام يدور بعينه بحثًا عنها، بعد أن علم من والدته أنها تساعد مريم في تحضير بعض الحلوى من أجل الصغيرة، وجد شقيقته وصغيرتها تتراشقان بالمياه ويضحكان ملء فمهما، فابتسم لسعادتهما وقال:
"عادت البسمة لمنزلنا مرة أخرى"
التفتت له مريم وقالت بتوجسٍ:
"أخي حمدًا لله أنكَ جئتَ، هل قرأت ما نُشر بالصحف؟"
تنهد وهو يفرك وجهه بكفي يده وقال:
"للأسف،أين يسر؟"
"ساءت حالتها قليلًا، منذ الصباح تشعر بالدوار والغثيان وذهبت لتتناول بعض الأدوية، يبدو أن ما يحدث معها يؤثر على حالتها الصحية"
انتابته حالة من القلق عليها فقال:
"سأذهب لأطمئن عليها"
كاد يغادر الغرفة حين قالت:
"ماذا ستفعل يا أخي لقد أصبح ابن عمها الضحية الآن؟"
أجابها بضيقٍ:
"وضعت ماما سمية نفسها بموقفٍ صعبٍ للغاية عندما اتهمته بدونِ أدلةٍ واضحةٍ، ها هي لم تستطع إثبات تورطه بالجريمة"
صوبت مريم أنظارها على نقطة ما خلفه، وراحت ترفع حاجبيها وتحدق بمن تنظر، عله يفهم ويسكت لسانه الذي سيندم على ما تفوه به، وقبل أن يلتفت ليرى ما يحدث، سمع يسر تقول:
"هل ظهرت نتائج التحقيقات؟"
لعن تهوره وشهقت مريم بغضبٍ، لقد هدم مراد ما فعلته بجملةٍ واحدةٍ، بينما تجاهد منذ الصباح كي لا تعلم يسر بما حدث قبل مجيء والدتها، ومعرفة كرم ما حدث بالتفصيل.
**
جلست سمية ونيران الغضب تتطاير من عينيها، لا تصدق ما آلت إليه الأمور، لقد وضعت التكهنات وصوبت أًصابع الاتهام نحو كرم بناءً على ما قالته لها رهف، وخوفه عندما لاذ بالفرار عند مواجهته، والآن أثبت الطب الشرعي عدم تطابق بصمته الوراثية مع بصمة من كان رفقة ياسمين وقت الحادث، سالت الدمعات من عينيها عندما شعرت بقلة الحيلة وتَمَلَكَ العجز منها، مهما بدت قوية هي أم ضعيفة تجاه ابنتها لقد تحملت أن يجول قاتل ابنتها والمتسبب بانتحار ابنها حر طليق حتى لا تزيد من حزنها، ارتأت أن تفقد يسر ياسمين ويكون ياسين قاتل، على أن تفقد إخوتها وابن عمها وزوجها هو القاتل، تحملت نظرة الترفع والتعالي بأعين منار، رغم أنها قادرة على تسليم ابنها للعدالة وحينها سيكون مصيرهم كمصير عائلة طاهر الدالي، وستخسر منار أموالها ووضعها الاجتماعي، تحملت كل شيء في سبيل ألا يصبح كرم قاتل في أعين يسر، وعندما استشعرت أن يسر أقوى وستتحمل تبعات انكشاف حقيقة كرم، وتجرأت وقدمته للعدالة وأقنعت شقيقته لتشهد لصالحهم، برأه الطب الشرعي، يبدو أن النصر حليف منار وابنها هذه المرة، فقالت بيأسٍ:
"لم أظلم أحد بيومٍ، لم أتمنى ما بيد غيري، أحسنت تربية أبنائي، راعيت ربي في معاملة زوجي، أكرمت الفقير واليتيم، لكن كل مرة أخسر أمام تلك الحرباء، أين الخطأ يا كرم؟"
شاركها أحزانها وقلة حيلتها عندما قال:
"آخر مرة شعرت بعجزٍ كهذا كان لحظة سماعي لحكم الاعدام بحق ياسين رحمة الله عليه"
أطلقت زفرة محملة بالنيران التي يتأجج بها صدرها وقالت:
"كنا ننوي كشف حقيقته أمامها، الآن أًصبح المظلوم الذي اتهمته والدتها بهتانًا وزورًا، كيف سنقنعها أنه متورط، بل كيف سنثبت تورطه؟"
ربت على يدها وقال:
"لن نفعل شيء الأمر متروك للقضاء الآن، أما عن يسر ابنتكِ تجاهد ألا تنصاع لما يريده قلبها، ترفض الاعتراف بعشق مراد، سترضخ له عما قريب، خاصة أن مراد يستحق عشقها ويفعل ما بوسعه، على الأقل نضمن أنها لن تركض إلى ذلك الحقير"
تنهدت فتطلعت للأعلى تناجي ربها وقالت:
"أدعو ربي ليحدث ذلك من أجلها هي فقط، كل ما أفعل من أجلها"
**
تعالت أنفاسها وراحت تلهث كمن يعدو في سباقٍ، استندت بكف يدها على المائدة، ووضعت الأخرى على صدرها وكأنها تحاول كبح أنفاسها المتسارعة، حاولت التحدث، لكن صعب عليها إدراك الأمر، بعد أن أخبرها مراد أن نتائج التحاليل الخاصة بكرم نجيب ليست متطابقة مع النتائج الموجودة بملف القضية، لقد أنهكها التأرجح بين الحقيقة والكذب، لم تعد تعرف من تصدق ومن تكذب، من القاتل، من البريء ومن المذنب، غلفت الغشاوة عينيها، وشعرت أنها غير قادرة على إبصار من حولها؛ فقالت بصوت متعب:
"مراد، لست على ما يرام"
التقط جسدها لتصبح بين يديه، وقال وهو يتوجه بها للأريكة بغرفة المعيشة:
"اهدئي، سيمر كل شيء"
استلقت على ظهرها، وتحلق الجميع من حولها فسلطت أنظارهم الخائفة عليها، قال مراد وهو يمرر يده على وجنتها:
"ما حدث بالفترة الماضية أجهدكِ من فضلكِ اهدئي"
قالت بانفعالٍ:
" من قتل أختي يا مراد، أخي أم ابن عمي؟"
رق قلب شروق وقالت:
"بنيتي وجهكِ شاحب منذ عدة أيام ويبدو عليكِ الإرهاق، ولا تتناولين الطعام، اهدئي وكل شيء سيمر، سأطلب لكِ الطبيب المعالج لمريم ليأتي ونطمئن عليكِ"
صرخت:
"ليخبرني أحدكم من هو القاتل؟"
مرت الساعات بطيئة، حزينة على الكل بمن فيهم كرم نجيب الذي غادر سراي النيابة بعد أن قرر وكيل النائب العام محاكمته حر طليق، بعد أن جاءت نتائج الطب الشرعي لصالحه، فور خروجه علم بما حدث لوالده وما قامت به رهف فتوجه إلى المشفى ليطمئن على والده وأقسم أن تعاقب رهف على فعلتها الرعناء تلك، أما يسر طلبت من مريم أن تساعدها في الصعود إلى غرفتها لتنال قسطًا من الراحة، أراد مراد ترك لها مساحة من الحرية، خاصة بعد أن لاحظ شحوب وجهها، بينما ذهبت شروق تحضر الحساء من أجلها، خرجت مريم خلسة إلى الشرفة وقامت بالاتصال بكرم خال يسر وأخبرته أن يسر علمت بما نشرته الصحف وأنها لم تتحمل وساءت حالتها قليلًا، شكرها على اهتمامها بها وطلب منها أن تبقى جانبها وتهتم بها إلى أن يأتي لزيارتها بعد أن يرتب أموره، وبعد أن أنهت المكالمة عادت إلى الغرفة ثم جلست بجانبها وبثت لها الطمأنينة وبعض الراحة من خلال الكلمات المحفزة لها، دلفت شروق إلى الغرفة بعد أن طرقت على الباب طرقات خافتة، قالت وهي تقترب من الفراش وتحمل صحن الحساء بين يديها:
"آن الأوان، لتستريح زوجة ابني ونهتم بها، بعد أن اهتمت بالجميع بالفترة الماضية"
ابتسمت يسر بامتنانٍ فبرغم كل شيء، يسعدها تقبل وتجاوب شروق لها، ما زاد ابتسامها هو تهكمها على تفكيرها الطفولي ووضعها المشوش، تارة تقرر اجبار مراد بجفائها على البعد عنها، وتارة تلجأ له عندما تصاب بالدوار، والآن تسعد لاهتمام والدته لها، قالت وهي تعتدل بجلستها:
"من دواعي سروري اهتمامكِ بي، لكني بخير لم يكن هناك داعِ لذلك"
قالت وهي تمد يدها بالحساء:
" هذا الحساء مفيد، الخضروات ستمد جسدك بالطاقة والفيتامينات، وسيحسن من حالة معدتكِ"
قالت مريم:
"يبدو أن معدتها تتأثر بحالتها النفسية"
ابتسمت شروق والسعادة تغلف صفحة وجهها، وقالت وهي تقرأ ردة فعل يسر بحنان أم لا مثيل له:
"لا ليس لمعدتها ذنب، حفيدي يعلن عن وجوده"
قالت مريم:
"ماذا؟"
أجفلت يسر، وكاد قلبها يتوقف من هول المفاجأة، حركت رأسها نافية، وقالت وهي تطلع نحو مريم:
"لا،لا مستحيل أن يحدث ذلك"
أجابتها مريم:
"ولمَ، مر وقت كافٍ على زواجكما"
ابتسمت يسر ثم اقتضبت ملامحها مرة أخرى، عاودت الابتسام ثم قالت:
"هل ممكن حدوث شيء كهذا؟"
ثم وضعت يديها فوق وجهها، لتواري ارتباكها خلفهما، وعلى باب الغرفة تراقبها زوج من الأعين بترقبٍ، أعين محب لن يكل أو يمل من عشقه سيظل يبث عشقه لها إلى أن تبادله إياه.
إلي هنا ينتهي الفصل الثامن والعشرون من رواية أفيندار بقلم صفية الجيار
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا