مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية اجتماعية واقعية جديدة للكاتبة إلهام رفعت ورواياتها التى نالت مؤخرا شهرة على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث عشر من رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت
رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثالث عشر
تابع من هنا: روايات رومانسية جريئة
رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثالث عشر
أدركت منذ خطت بقدمها لبلدتها مدى التهور والاندفاع الذي حظيت به، وافتعلته بتصميم عنيد لترضي غرورها غير المقبول، وما أنكرته تجاهله لها وكأنه كان يترقب حدوث ذاك منها، وهذا ما أغاظها وأكمدها في ذات الوقت.
وجلت زينة مما ستتلقاه قادمًا هنا؛ خاصة في حضرة أخيها، وما بعث بداخلها الرهبة والجزع، هو سطوة أخيها في معاملته معها؛ فرغم ما يحدث بينها وبين زوجها من تشابك، لا يضاهي كم الصريمة والحزم في خطاب أخيها الموجه إليها، ولاحت بوادر ما تيقنت حدوثه حين حدثها بغلظة أثناء ترجله من السيارة، قال:
-يلا انزلي!
فتحت زينة الباب بأيدٍ مرتعشة قليلا وهي تحمل ابنتها الصغيرة، بينما عاون عمرو الولدين على النزول، تحركت زينة للداخل وهي تنظر حولها، تتوقت للمكان الذي تربت فيه؛ لكن ما واجهته من جفاء في المعاملة، جعلها لا تحبذ كثيرًا مواظبة المجيء هنا.
انتبهت لـ جاسمين تتقدم منها متهللة، فابتسمت قليلاً لها؛ حتى احتضنتها الأخيرة قائلة:
-السراية نورت يا زينة!
فشلت زينة في ترتيب أي كلمات ترد بها، بل اكتفت بتزييف الابتسام، فأضاف عمرو بسخرية:
-فعلاً السراية نورت، وهتنور أكتر لما تفضل قاعدة فيها.
أحست جاسمين بقساوة عمرو في الحديث نحو أخته، فنظرت لـ زينة فوجدتها حزينة ومحرجة، خاطبتها بتودد:
-عمي جوه هيموت ويشوفك!
سارت زينة معها للداخل بخزي، فقد ثبط زوجها ظنها وأوجم قلبها بردة فعله التي لم تتوقعها منه، وظلت في نفسها تنهره وتلومه.
حين ولجت السراية تفاجأت بأبيها يجلس ينتظرها ويبتسم ببشاشة، خلقت في نفسها راحة، ومحت تعسف أخيها نحوها، فدنت منه بعجالة. فاردة لذراعيها، ثم ارتمت عليه، طوقها فريد بذراعيه وغمرها بحنانه، قال:
-وحشتيني يا زينة، بقالي كتير مشوفتكيش!
مقابلته تلك أراحت وجلها، قالت:
-ربنا يعلم وحشتيني قد أيه يا بابا!
بالطبع لن تخبره زينة بالسبب الحقيقي في عدم مجيئها هنا، وظلت ترتكز عليه وتلقي بهمومها نحوه، فجلس عمرو بطلعة قاسية معهما، قال:
-ملوش لازمة السلام، الست باين هتشرفنا على طول.
ابتعدت زينة عن أبيها باهتة القسمات من كلمات أخيها الحادة وتجشمت، فعاب عليه فريد بعدم رضى:
-مش كده يا عمرو، أختك مهما حصل لازم نقف ونساندها
علق بحنقٍ واضح:
-وحضرتك شايف إن سبب زعلها دا كفاية إنها تسيب بيتها علشانه، لا وممكن يوصل لطلاق، وتبقى مصيبة.
مسد فريد بلطف على رأس ابنته ليهدئ من حزنها، رد بهدوء رزين:
-إن شاء الله مافيش طلاق، هما بس يبعدوا عن بعض كام يوم وكل حاجة هتكون كويسة.
رد عمرو باستنكار:
-جوزها بلغني إنه مش هينفذ طلبها، ومش هيسمحلها تتحكم فيه، وقالي ترجع زي ما مشيت، هو مغلطش في حاجة.
أحدث كل ذلك غضب في نفس زينة وأحجمته بصعوبة، هتفت باستياء:
-وأنا مش هوافق على الكلام ده، لأنه بكده هيكسر عيني وهيفهم إني ولا حاجة ومش هيعملي اعتبار.
نظرات عمرو المحتدمة أعلنت رده الفظ عليها، فسارع فريد بالتدخل قائلاً بجدية:
-لو سمحت يا عمرو خليك بعيد، لما أموت ابقى أتدخل، أنا هتصرف وهشوف الموضوع!
انفرجت طلعة زينة الكامدة من رد أبيها، بينما صر عمرو أسنانه بقوة، ثم نهض كالحًا وذلك ما أظهر حنقه، خاطب فريد زينة بعطف:
-قومي على أوضتك يا حبيبتي، ومتزعلش طول ما أنا عايش...!!
_____________________________________
بداخل المصعد وأثناء صعودهم لشقة أسرته، وحين فكر جيدًا، أمرها بطلعة باهتة:
-بلاش تقولي لماما على اللي الدكتورة قالته
نظرت له سمر وكأنها كانت تنتظر ذلك منه، واحتفظت بفرحتها لنفسها، وزاد ابتهاجها حين تابع:
-ولو سألتك عن موضوع حملك، قولي محصلش نصيب، لسه بدري، أي حاجة.
كسرة زين وهو يتحدث أحزنتها للحظات، ثم عادت تستمر في مراوغتها له، وتخوفه من معرفة والدته ستساعدها في مهمتها، قالت:
-من غير ما تقول يا حبيبي كنت هاعمل كده، لأن اللي حصل ده بينا وبس!
هذا ما أرادته سمر، فإن علمت والدته، فسوف تنكشف تمامًا، فالأخيرة لن تلبث حتى تبحث عن علاج له، أما الآن فهو مقيد بما تمليه عليه من أقاويل مُدلسة..
استمعت مريم من الداخل لقرع الجرس ففطنت حضورهما، وبنفسها قامت لتفتح لهما الباب، ثم اعتلى وجهها بسمة مشرقة حال رؤية ابنها مصطحبًا زوجته، فكم أحبت أن يكون كذلك..
احتضنته قائلة:
-أهلاً يا حبيبي!
ثم رحبت بـ سمر، وسحبتهما للداخل وهي مغتبطة من وجودهما؛ حتى وصلت لزوجها حسام الذي رحب بهما، هتفت مريم بوجهٍ لامع:
-هتاكلوا الأول ولا عاوزين ترتاحوا شوية؟.
رغب زين في تضيع الوقت بأي شيء، لذا قال:
-ناكل يا ماما، أنا جعان!
توجهوا لمائدة الطعام التي تزينت بالمأكولات الرائعة، التي أُعدت خصيصًا لهما، وأثناء مباشرتهم بتناول الطعام خطفت مريم نظرة معجبة ناحية ابنها وزوجته، وأعرب ذلك عن مدى الرضا بداخلها حين استقر وضعه عن السابق، ثم التقطت بشوكتها بعض الطعام واستفهمت:
-مقالتوش الدكتورة قالت أيه لما روحتوا؟!
تلعثم زين وهو جالس وقد أحست سمر به، وهذا ما أسعدها، فردت بالنيابة عنه مزيفة للحزن الطفيف:
-محصلش نصيب يا ماما، وإحنا مش مستعجلين.
تدخل حسام وقال بتعقل:
-دول لسه متجوزين، خليهم ينبسطوا شوية وميستعجلوش
كانت مريم متفهمة لكل ذلك؛ لكن رغبتها الملحة في رؤية أحفاد لها من ابنها الكبير كانت غالبة، قالت:
-أنا بطمن، لأن هموت وأشوف أحفاد ليا من زين، عاوزة أطمن عليه.
تصلبت نظرات زين الحزينة على والدته، فقد تأثر بكلامها، وأنه لربما سيكون سبب ألمها، وحين لاحظته سمر، قلقت من فضح الأمر؛ أو انكشاف الحقيقة نتيجة طلعته تلك، ثم غمزته بتنبيه؛ كي يرسم البهجة المزيفة، فما يفعله سيفسد مخططها بالتأكيد..
فشرعت سمر بتغيير الموضوع حين استفهمت بتلجلج:
-أخبار شغل لين أيه؟، بفكر أشتغل معاها.....!!
_____________________________________
ما تفعله أمامها زادها غرابة، سواء باهتمامها الشديد لقدومه؛ أو ارتدائها ملابس أنيقة للغاية، وتبرجها ببعض المساحيق؛ ورغم ذلك ظلت معها وتساندها..
وقفت مايا منتصف غرفتها في حيرة، خاطبت زوجة أبيها بتردد:
-أنا حلوة؟!
ردت عليها بتأكيد:
-حلوة يا مايا، بس مكنش ليه لزوم دا دلوقتي، ما هو بيشوفك معاه في الشغل.
اقتنعت مايا بكلام زوجة أبيها، وجاءت فرحتها شديدة لتفعل ذلك دون انتباه، قالت:
- هحاول أغير الميكب أو أخففه شوية.
ثم اقتربت من المرآة لتظبط وجهها، ولتلك اللحظة كانت السيدة إيمان متفاجئة من ذاك الزواج، وتخليت سيف مع ابنتها فقط، وكل ذلك لم يجعلها تحمل الضغينة لابنة زوجها قط..
مرت هذه الدقائق وبعدها دق السيد كارم الباب ثم ولج، فشُدهت مايا من حضوره، فمن المتوقع انتظاره لـ سيف بالأسفل، سألت بتعجب:
-فيه أيه يا بابا؟، المفروض سيف زمانه جاي، مين هيقابله؟
تقدم بضع خطوات منها وكان جامدًا، سأل:
-هو سيف قالك كان عاوزني في أيه؟!
قالت باندهاش:
-عاوز يخطبني!
-قالك كده؟!
استمرت مايا في حالة إنكار لأسئلة أبيها، وقد توترت، قالت:
-لا مقلش، بس...
رد بقسمات مقطبة:
-سيف جه ومشي يا مايا!
هنا استفهمت السيدة إيمان باستنكار:
-هو لحق؟!
كما هو ظل السيد كارم محدق بابنته بعتاب لم تتفهمه، وحين تسعر فضولها سألته بترقب:
-حصل أيه يا بابا؟!
حافظ على ثباته، وأخذ في اعتباره أنه ما سيقوله سيحزنها بالتأكيد، لذا تحدث بعقلانية واعية:
-إنتِ فهمتيه غلط يا مايا، سيف كان جاي عاوز مني أساعده في شغل!
بدت مايا كالود، مصدومة مما حدث، فلم تتوقع ذلك مطلقًا، نظرت لها السيدة إيمان بشفقة، ثم دنت منها لتخفف عنها، قالت:
-الحمد لله إن الموضوع عدا على كده، وإنه مفهمش إنك مستنية يتقدملك، كان هيبقى موقفك محرج.
أضاف السيد كارم بدراية:
-أنا كمان كنت حاذر في كلامي معاه، والحمد لله على كده.
شعرت مايا بالحرج، لربما الخفيف، مقارنةً بما كانت ستجده حال فهم الأخير لما قالته، قالت:
-أنا يمكن فهمته غلط، عادي مافيش مشكلة
حاولت مايا إخفاء حرجها من الأمر؛ لكن ظل ذلك فاضح لنواياها في تمنيها الزواج بالأخير أمام والدها وزوجته، وبعدها توالى لومها له، فقد ظنته يميل لها كما هي الآن، ولتتهرب من نظراتهما التي تلبكها؛ سريعًا رسمت اللا مبالاة حين قالت:
-حصل خير، الغلط عندي..........!!
____________________________________
قضى معه سنوات أدرك فيها مدى تعقله وحذره عند التعامل مع الأمور والحالات باختلافها؛ لكن الآن وجده طائشًا، حين ضحى بهذا المبلغ الكبير من أجل زوجته، دون حتى تدخل ليرى نتائجه.
ثم انتبه له يرفع الورقة البنكية أمامه ويقول:
-الشيك ده أصرفه، وبعدين ابعت الفلوس لـ رسيل في المستشفى
حدق ماجد بالشيك لثوانٍ عابسًا، ثم تناوله منه، قال:
-دي تاني مرة يا أيهم، والمبلغ كبير، ومش عوايدك تحط فلوسك في حاجة متكونش دارسها كويس!
صمت أيهم لبعض الوقت، وبداخله كان غير مقتنع بتضحيته الهوجاء تلك، وجاء تصرفه ذاك من واقع محبته لزوجته ليس إلا، فطلبها له لم يقوى على رفضه؛ فدائمًا كان لها السند والملجأ، ولم يُخيب ظنها مهما حدث، وهذا ما استشفه ماجد، فهو مدرك لكم الحُب الذي يحمله لها؛ لكن هناك حدود..
رد أيهم بتردد:
-إن شاء رسيل تنجح في اللي بتعمله، والفلوس مش هتروح كده، أنا واثق فيها!
زم ماجد ثغره وهو يتأمل المبلغ المدون على الشيك، قال:
-فلوسك وإنت حر فيها، آسف لو بتدخل، دا بس علشان عارف إنك تعبت كتير علشان توصل للمكانة اللي إنت فيها، وإن الفلوس مجتش من الهوا.
لم يلومه أيهم على تدخله قط، بل تحدث بود:
-مقدر ده، بس عاوزك تعمل اللي قولتلك عليه، لأن أنا كمان مش حابب تضيع فلوسي كده.
تذكر ماجد طلبه وقال بامتثال:
-كل اللي طلبته هيتعمل بالحرف، ومن غير مدام رسيل ما تعرف
فكر أيهم في شيء ما مبهم ثم قال:
-علشان اتعرف بالوفد دا أكتر، كنت بفكر اعزمهم في سهرة صغيرة عندي!
أعجب ماجد بفكره ومدحه، قال:
-أيوة ده كويس، وهتوفر علينا حاجات كتير!
الزم أيهم نفسه بتنفيذ ذلك، ثم جاء أمر ما أقلقه، فكلفه بحذر:
-بس فيه حد عاوزك تراقبهولي........!!
___________________________________
عدم رؤيتها له منذ مجيئه للشركة زاد من حيرتها، لذا قررت زيارته في مكتبه، فهي جاهلة لسبب اختلائه المفاجئ بنفسه، ثم استأذنت بالدخول عليه..
فاعتدل آيان في جلسته وحاول التصرف بعمليه حين سألها:
-خير يا جنى؟!
ابتسمت برقة وهي تجلس مقابله، قالت:
-أجلت الاجتماع ليه طالما إنت موجود وكل حاجة جاهزة؟!
رد باحتراز:
-مكنش ليا مزاج، ومكنتش مركز.
تأملت تعابيره المراهقة واستفهمت:
-شكلك تعبان، عندك حاجة؟!
مسح آيان وجهه بكفيه وقال نافيا:
-يمكن علشان منمتش كويس!
رده المقتضب عليها جعلها تنحرج منه، وفشلت في إيجاد أي كلام تتودد به، سوى أنها سألته بتردد:
-هي زينة مبقتش تيجي الشركة ليه، هي تعبانة؟!
اضطرب آيان من سؤالها له، وخشي معرفتها بما حدث؛ أو هي من تسببت في الشجار بينهما دون أن تدري، قال:
-أيوة، لأن العيال عاوزين منها اهتمام شوية!
تكملتها للكلام جعله يتأكد من جهلها لما حدث، وتنفس بارتياح، تبسمت وقالت:
-إنتوا لسه صغيرين، وما شاء الله عندكم تلت ولاد، خصوصًا إنت يا آيان، اتجوزت بدري جدًا، وكان ارتباطك السريع مفاجأة.
تذكر طريقة ارتباطه بـ زينة، وما فعله حينها ليحظى بها، والسرعة التي تزوج بها ليتكتم على ادعائه المخادع وقتها، ووجد نفسه يبتسم؛ لكن بألم داخلي؛ كونه أيقن أنها حتى الآن تحمل العتاب له، وربما ما زالت تتذكر، وذلك سبب عدم قبولها التام له، نظر لـ جنى بهدوء حزين وقال:
-اتجوزت بدري علشان بحبها
علقت جنى بتلجلج:
-كنت فكراك هترتبط بـ لين، لأن من وإنتوا صغيرين قريبين من بعض
-مش شرط دا يكون سبب إني ارتبط بيها.
رد آيان باستنكار شديد؛ فهو لم يحبها، فأحست جنى بعدم قبوله لـ لين، فتضايقت داخليًا لأجلها، ودافعت عن الأخيرة بحذر:
-لين كويسة جدًا، لو كنت إنت مش حاببها، ففي غيرك يتمنى رضاها.........!!
______________________________________
حضورها معه جاء بعد إلحاح منه، فقد رهبت من علم زين بذلك، بعكس سيف الذي لم يعلم بأنها استعادت العلاقة معه، ثم وقفت معه في الجمارك تتابع وصول الشحنة بتوتر، وكان اهتزاز نظراتها ملفت، كذلك نظرها لما حولها كأنها تبحث عن أحدهم، كل ذلك كان كفيل لأن يستفهم سيف، قال:
-مستنية حد يا لمى؟!
عند توجيهه الحديث لها توقفت عما تفعل، قالت بثبات مزيف:
-لا بس أصلي مش متعودة آجي أماكن زي دي، فالموضوع جديد عليا!
سألها باقتطاب:
-اوعي تكوني خايفة إن زين يشوفك معايا، ولا يهمك منه
حركت رأسها بنفي لذلك، فتابع بمعنى:
-لو يعرفك بجد هيحطك في عنيه، رغم إني مش بطيقه بس بحسده إنه كان مرتبط بيكِ وليه ولد منك!
خجلت لمى من طريقته في الحديث معها، وارتبكت من استمراره التقرُب منها كالسابق، قالت:
-سيف يا ريت متكونش بتفكر فيا، أنا قولتلك مش حابة ارتبط بحد.
حزن لذلك فهي فتاة رائعة، وما زالت صغيرة، وود الارتباط بها رغم ظروفها الحالية؛ لكنه تركها دون مكابدة لترتضي به، ثم تحفظ في حديثه معها؛ احترامًا لرغبتها..
وأثناء تبادلهما الحديث حضرت لين؛ رغبةً منها في معاونته، ومشاركته العمل ولو بأقل المجهود منها، ثم انصدمت حال رؤيتهما معًا، بالأخص تصلبت نظراتها على لمى، والتي تعرفها جيدًا، وعادت تتذكر ما حدث، وما فعلته معها، وظلت تراقبهما وهي تتخفى خلف إحدى الشاحنات الكبيرة، ونتيجة للأصوات المرتفعة من حولها، لم تستمع جيدًا لهما، وتعجبت من معرفتها بـ سيف، كذلك ارتابت في أنها لربما جاءت لتفسد سمعتها أمام سيف، وتجعله يأخذ فكرة سيئة عنها، دفعها ذلك لإظهار نفسها لهما، فهي لن تقبل أن تضعها الأخيرة في موقفٍ يقلل منها..
ثم تحركت نحوهما بثباتٍ جم وعلو شأنٍ؛ حتى انتبه لها سيف وارتبك، ومن بعده انتبهت لمى لها وتفاجأت، بل وصُدمت مثلها، خاطبتهما لين وهي تنظر لـ لمى بجأش مزيف:
-هاي!
تركزت نظرات سيف على لمى لمعرفة رد فعلها، فارتعدت لمى من رؤية لين لها، فبالطبع ستتحامق معها كالسابق وتخبر أخيها ولو بالصدفة، وهذا ما توجست منه، هو معرفة زين بأنها ما زالت تعرف سيف وتتعامل معه؛ خاصة بعد هدوء الأجواء بينهما، قالت:
-أهلاً يا لين، إنتِ هنا بتعملي أيه؟!
ازدرد سيف ريقه حين تفصح لين عن سبب حضورها؛ مستعدًا لغضب لمى من ذلك، فردت:
-أنا شريكة سيف الجديدة وجيت استلم الشحنة معاه، وإنتِ هنا بتعملي أيه؟!
وجهت لمى بصرها لـ سيف وقد تفاجأت، فنظر لها متوترًا، ومن قلقها من إظهار سبب حضورها، قالت لمى بتضليل:
-أنا كنت هنا بالصدفة، وشوفت الاستاذ سيف واقف فقولت اسأله على حاجة كده!
اندهش سيف من رد لمى غير المتوقع، وإنكارها لمعرفته، فارتاحت لين من ذلك، فقد شكت في أنها تدلس حقيقتها؛ كونها كانت تبغضها سابقًا، تابعت لمى بتذبذب داخلي:
-استأذن عندي شغل!
ثم رحلت لمى كي تغادر سريعًا المكان، تاركة سيف مشدوهًا، ولم يدرك أن الأمر بات سهلاً، وقد عرقله دون داعٍ؛ رغم أنه ما زال مذهول من رد لمى الذي لم يتوقعه منهــا.........!!
______________________________________
ساعات طوال قضتها في المعمل منذ الصباح؛ حتى هذه اللحظة التي غابت فيها الشمس، تعمل باجتهاد مضني وتجرب بعض الأشياء وتخلط بعضها بالآخر، وهي تدقق النظر في الأوراق المسنودة جانبها، محاولة عدم الخطأ ووضع المقادير المضبوطة لتخرج النتيجة مرضية..
نهضت رسيل من جلستها التي أوجعت ظهرها إلى حدٍ ما، ثم حملت الدواء الذي اخترعته للتو، وتحركت به ناحية راندا التي تعمل جوارها، خاطبتها بمفهوم:
-أنا خلصت يا راندا، تعالي ندي العقار ده للقرد نشوف هيحصله أيه؟
نهضت راندا وقالت:
-بقالك كام يوم بتجربي يا رسيل، ولحد دلوقتي موصلتيش لحاجة
علقت رسيل بإنكار:
-الاكتشافات متاحة للجميع، طالما مسنودة بعلم مسلم بيه، وأنا بعتمد على العلم في اللي بعمله، ولو فشلت مرة عادي، أجرب تاني لحد ما أوصل لنتيجة ترضي شغفي
اقتنعت راندا ولم تناقشها كثيرًا، بل امتثلت لرغبتها ثم توجهت معها لقفص القرد، تأملت رسيل العقار في الأنبوب للحظات، ثم وجهت بصرها للقرد، وحسب ما اعتزمت تكوينه، أن ذاك العقار سيجعله في حالة خمول واسترخاء، وربما يغلبه النعاس لفترة طويلة، ثم تنهدت بقوة وهي تأمر راندا بنظراتها لفتح الباب؛ كي تضع العقار في إناء الماء..
صبت رسيل القليل بحرس في الإناء ثم ابتعدت تتأمله، منتظرة أن يرتشف القرد منه، مرت تلاث دقائق ولم يحدث شيء، فاستمرت تتابع دون أن تمل، وجاء الضجر الحقيقي حين توجه القرد للإناء ليشتمه؛ لكن لم يرتشف نقطة واحدة، بل ابتعد وهو ينفر من العقار، فقالت راندا بعملية:
-هو لما يعطش هيضطر يشرب، ممكن نسيبه براحته.
وافقت رسيل على ذلك وقالت:
-طيب أنا همشي دلوقتي علشان اتأخرت، وخليكِ هنا وحطيه تحت عنيكِ، وأي جديد كلميني......!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دلفت رسيل لخارج المشفى مجهدة، فحضر السائق الخاص بها ثم وقف أمامها، فركبت رسيل في الوراء، واستشعرت أن ما تفعله يحتاج تعب كبير منها، وأن الأمر ليس بالسهل، ومن الداخل كانت مضطربة، فقد ودت رؤية تأثير العقار على القرد، وتمنت أن ينجح الأمر هذه المرة..
قضت رسيل مسافة الطريق بفكرٍ مشغول فيما تفعله وتنجزه، وتحاول أن تختلق بعض الأشياء التي تنفع تجاربها؛ حتى وصلت للفيلا، ثم لاحظت وجود سيارة دخيلة، حين تمعنت النظر فيها وجدتها خاصة بـ نور، فترجلت فورًا مذهولة من حضورها إلى هنا بالأخص...!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كان لحضور نور هنا تخطيط من زين وأيهم، حيث اتفقا سويًا لمكوث نور مع ابنتها هنا، داخل فيلا والده، وعند ولوج رسيل اندهشت من وجودهما، خاصة جلوسهن المتودد للأسرة، والتسامر مع عمتها سميرة، فدنت منهن مبتسمة باتساع، هتفت:
-من غير معرف كده؟!
نهضت نور لتقابلها وترحب بها بحرارة، فاحتضنتها رسيل مبدية سعادتها بوجودها، كذلك رحبت بـ ماريان، ثم جلست معهن وقالت:
-شكلكم قررتوا تقضوا الأيام هنا بدل الأوتيل.
ردت نور موضحة:
-الصراحة لما زين قالي وافقت، علشان حبيت نكون في أمان أكتر، خصوصًا ماريان معايا ومحبتش حد يضايقها.
قصدت نور في نفسها تودد السيد زاك لابنتها، وخشيت أن يتمادى معها، واحترست من التعامل قدر الإمكان، فسألت رسيل بترقب:
-فين أيهم؟!
-بينيم أيهم الصغير فوق
قالتها سميرة، بينما تبدلت قسمات نور للعبوس، قالت:
-كان نفسي آجي وألحق أشوف ولاد آيان ابني، بصراحة مش عارفة ليه زينة عاوزة تبعدهم عننا.
هتفت سميرة باعتراض:
-مش ممكن زينة تفكر في كده، دا حرام حتى، هي تلاقيها حابة تقعد في مكان خاص بيها هي وولادها وجوزها.
علقت نور باستياء:
-وهي لما قعدت معاه لوحدهم حصل أيه يعني، زعلوا من أول يوم وسابتله البيت وخدت الولاد
تدخلت رسيل وقالت:
-الموضوع بينهم وبين بعض، لأن آيان المفروض يشوف أيه اللي يريح مراته ويعمله، خاصةً إن بينهم عِشرة وتلت عيال.
استنكرت نور أن يقبلن بطيش الأخيرة، فمن الواضح جهلهم لماهية الموضوع، فردت بضيق شديد:
-يعني لما تغصبه يخرّج بنت عمته اللي جاية من برة تشتغل معاه من الشركة، دا يرضيكم، والبنت معملتش حاجة، مجرد عِند.
صُدمت سميرة ولم ترتضي بذلك، كذلك رسيل التي لم توضح لها زينة أن الأمر متعلق بقريبته، فاسترسلت نور حديثها بحنقٍ أشد:
-حاجة زي دي لما يعملها، هتسبب في في زعل بين أفراد العيلة، وإحنا على طول حلوين وبينا إحترام..
صاحت سميرة لتلقي اللوم على ابنة أخيها:
-زينة غلطانة، إحنا مكناش نفهم إن الموضوع كده..
بينما قالت رسيل بجدية:
-طالما كده الموضوع محلول، خليه يروح يجبها وهي هترجع معاه وأنا هفهمها إن اللي بتعمله دا غلط.
أقسمت نور ألا تتدخل، ولذلك ردت بعدم اهتمام:
-أنا ماليش دعوة، آيان يعمل اللي يرضيه، واللي فهمته إنه مش هيجبها، وترجع زي ما مشيت.........!!
_____________________________________
مثلها كالبقية رفضت ما فعلته من تهور، أدى إلى تخريب حياتها بكل سهولة، وندمت زينة على مهاتفتها واللجوء إليها في محنتها، فقد أضحت مثلهم، بالأخص حين وجهت لها اللوم قائلة:
-معقولة يا زينة الكلام ده، غلط على فكرة، دي بنت عمته والموضوع ممكن يعمل زعل كبير.
كما هي ظلت تعاند وتبرر، هتفت:
-يخلق أي سبب ويمشيها، أنا مش حابة وجودها، وكمان دي ممكن تلعب عليه زي لين، ولا نسيتي.
حديث زينة ذكّرها بما كانت تفعله مع رسيل من عناد واستفزاز، ومدى محبتها لتفوز بـ أيهم، كان ذلك نابع من عقل مراهقة، ويختلف الأمر هنا، قالت:
-جنى دي مش صغيرة علشان تبص لجوزك وهو متجوز وعنده تلت عيال، فلو شوفتيها بتعمل حاجة واتأكدتي، وقتها الحق معاكِ، والكل هيقف في صفك.
لم تلتقط أعين زينة أي خطأ بدر من الأخيرة، بل جاء تزمتها من وجودها بالقُرب من زوجها، أن حماتها قد افتعلت ذلك خصيصًا لتلهيه عن حبه لها، وربما حيلة مستهجنة منها لتجذب انتباهه لها، وتخرب بيتها بذلك، قالت:
-مافيش دليل، بس البنت دي حماتي أصرت تشتغل معاه، ويمكن قصدت بكده اللي حصل معانا دلوقت، إن يحصل بينا خناق بسببها.
سألت لمى باهتمام:
-وآيان معقول سابك كده تمشي، دا عمل المستحيل علشان يتجوزك.
ردت زينة بتبرم:
-مش فاهمة أيه البرود المفاجئ اللي جاله ده، ممكن يكون فعلاً اتشد للبنت جنى دي وبيفكر يسيبني
تحيرت لمى مثلها وقالت:
-طيب كلميه وشو....
عارضت زينة باحتدام أظهر عنادها الدائم:
-مستحيل أعمل كده، هو أنا معنديش كرامة، أنا هفضل هنا لحد ما يجي ياخدني، ومش بس كده، هيمشي بنت عمته كمان...!!
فشلت لمى في إقناعها حتى بالتخلي عن سبب ضيقها من زوجها، لذلك وصلت معها لطريق مسدود، جعلها تتركها تفعل ما تريد، وعند إنهاء المكالمة، استمعت لقرع الجرس، ظنته زين قد عاد، واستنكرت عدم دخوله فالمفتاح بحوزته، فلا أحد يأتيها غيره؛ رغم ذلك نهضت لتستجيب له، وحين فتحت الباب انصدمت حين وجدت والدتها أمامها، فتلعثمت وهي ترحب بها، قالت:
-مـ. ماما، أ. أهلاً وسهلاً!
خطت السيدة إيمان بقدمها للداخل ثم احتضنتها قائلة:
-لقيتك مبتجيش تشوفيني قولت اسأل أنا
رحبت بها لمى ظاهريًا، ثم دعتها لمتابعة الدخول للشقة، وقد توترت من زيارتها المباغتة تلك، سألت السيدة بشغف:
-يونس حبيب سته فين؟، وحشني قوي!
ما تخوفت منه سيحدث الآن، خاصة رؤيتها للصغير بحالة يرثى لها وإصابته التي لم تخبر أحد عنها، قالت بحذر:
-نايم يا ماما!
تعمقت السيدة للداخل وهي تبحث من بين الغرف، تساءلت:
-أوضته فين؟، هسلم عليه وأبوسه بس!
أمسكت لمى بذراع والدتها لتمنعها وقالت:
-طيب ارتاحي شوية، وخليه نايم أنا خايفة يصحى
اندهشت السيدة من طريقة ابنتها ولم تقتنع، فجلست السيدة وقالت:
-مش هصحيه، من بعيد بس، أصله وحشني.
ردت لمى بارتباك داخلي:
-كنت عاملة حسابي آجي بكرة أنا وهو، فمفرقتش!
لم تتشدد السيدة في طلبها ووافقت على رغبة ابنتها؛ لكن جاء الأمر المريب وهو خوف لمى من مجيء زين وهي هنا، وجلست معها بطلعة جعلت والدتها تشك في أمرها، والتي بدورها سألتها بتكشر:
-إنت زعلانة من زيارتي ليكِ يا لمى؟!
ردت عليها بنبرة متزعزعة:
-لا يا ماما، أنا بس بنام بدري!
أحست السيدة بغلاظة ابنتها في الحديث معها، فعابت عليها بضيق:
-قصدك أقوم أمشي يعني؟!
وبخت لمى نفسها، فشدة خوفها من فضح أمرها جعلتها تهذي بكلمات غير موزونة، وبالطبع ضايقت والدتها منها، وقبيل أن تبرر لها وتتأسف استمعت لباب الشقة يُفتح، فورًا استشفت حضور زين، فذابت أوصالها، بينما تعجبت السيدة من فتح الباب، فما تعرفه أن الشقة لابنتها فقط، فتساءلت بغرابة:
-مين بيفتح الباب، مش المفروض عايشة لوحدك؟!
عند فتح زين للباب وظهور هويته، حملقت فيه السيدة باندهاش ممتزج بالغضب، وهنا فقط استسلمت لمى لمشاجرة ستنشب في التو والحظة، وجلست كالمقيدة، بينما نهضت السيدة وانتبه لها زين، هتفت بهيـاج:
-البني آدم ده هنا بيعمل أيه؟!....................
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا