مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية اجتماعية واقعية جديدة للكاتبة إلهام رفعت ورواياتها التى نالت مؤخرا شهرة على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث والعشرون من رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت
رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثالث والعشرون
تابع من هنا: روايات رومانسية جريئة
رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل الثالث والعشرون
أوحت نظراتها نحو ابنتها ذهول عجيب، فما تخبرها به بمثابة هذيان غير معترف به، بل وكان كالنابع من الخيال، فكيف يتم ذلك؟ وما هي نتائج هذا التطور غير المسبق بأساس الموضوع وجوهره؟؛ لكن حين بادرت بتذكر ما وصل إليه العلم من اكتشافات جديدة، جعلتها إلى حدٍ ما توسع أفقها للإستيعاب أكثر عن هذا الأمـر..
وفي شغفٍ شديد انبلج من السيدة منى تجاه ذلك، سألت ابنتها:
-طيب والموضوع دا اتعمل قبل كده يا سمر؟
اومأت موضحة في حماس:
-أيوة، مش كتير، بس قالولي الموضوع نجح مع اللي عملوه وخلفوا.
تعمقت السيدة في التفكير بتركيز، ودارت أمور ما سيحدث قادمًا في عقلها المدهوش، ومنها أن تخرج رحمها لتودعه في ابنتها، كذلك قلقت من النتيجة ومدى خطورتها، فعادت تسألها في ترقب:
-ودا مش ممكن يسبب خطر يا سمر عليكِ؟!.
ابتسمت في ألم وقالت:
-واللي أنا فيه مش خطر يعني، ماما أنا صغيرة وبحلم يكون عندي بيت وأولاد، أنا بتعذب.
لمحت السيدة اليأس يشع من طلعة ابنتها، فردت عليها في قبول:
-موافقة تاخدي الرحم بتاعي، أنا كلي فداكِ يا حبيبتي، أنا مليش غيرك.
لم تشك سمر في عطف والدتها نحوها، ثم في امتنانٍ دنت منها لتضمها إليها، رددت:
-متشكرة يا ماما، ربنا ما يحرمني منك.
مسحت السيدة على رأسها وقد لاح حزنها من الموقف، قالت:
-يا رب ينجح الموضوع، أنا أول مرة أسمع عنه وبتمنى يكون كويس.
ابتعدت سمر قليلاً عنها لتشرح في اطلاع:
-في أمريكا سألت وقالولي كده، مبقاش فيه مستحيل يا ماما، ممكن أرجع تاني زي الأول.
ابتسمت لها في محبة وقالت:
-خلاص ابدأي في الموضوع ده، وأنا معاكِ يا حبيبتي.
فجأة تبدلت ملامح سمر للإقتطاب؛ وكأن شيء تذكرته عكر صفو مزاجها، فسألتها السيدة بدهشة:
-أي تاني مضايقك؟!
نظرت لها بشجنٍ وقالت:
-زين يا ماما، أنا بحبه قوي، بتمنى أرجعله.
كرهت السيدة معاودة التفكير في ذلك وقالت:
-خلاص ابعدي عنه، كفاية اللي حصل بينكم، وكمان اللي حصله بسببك هيخليه مبقاش حتى ليه رغبة يرجعلك.
تحمست سمر وقالت:
-أنا هاعمل العملية وارجع سليمة زي الأول، والحمد لله محدش عرف باللي أنا فيه، ممكن حضرتك تكلمي طنط مريم نرجع لبعض وأنا راضية بيه حتى بعد اللي حصل معاه.
لم تقتنع والدتها بتكملة هذه الحياة، فيكفي لهذا الحد ما حدث، قالت في تعقل:
-زين شخصيته مذبذبة، مش عارف هو عاوز أيه، ورجوعه لمراته وهو معاكِ بيأكد ده، خليكِ بعيد أحسن وفكري في نفسك
تنهدت في اغتمام وقالت:
-أنا اتعلقت بيه.
ثم تابعت وهي تترجى والدتها على أمل:
-طيب كلميها، قوليلها سمر ندمانه وهتقف جنبه، وعملت كده علشان مش عاوزاه لحد تاني غيرها!
رغم رفض السيدة الظاهر عليها، لم تكسر بخاطر ابنتها، قالت:
-هكلمها يا سمر علشان خاطرك، علشان نفسي أشوفك سعيدة.....!!
__________________________________
كان المسعفون في استقبالها بمدخل المشفى، وكانت الضجة قوية وأيهم قادمًا بها يحملها وهي تنزف الدماء لتلطخ ملابسها وقميص أيهم معها. ثم في سرعة وكأن خطواتهم تعرف الاتجاه المنشود ركضوا بها ناحية غرفة العناية، وهو من خلفهم بالطبع، غير منتبه لحالة التيه والخوف التي ظهرت على رسيل، التي تركض خلفهم مشتتة.
وعند وصولهم أمام الغرفة بادرت رسيل بالدخول لمتابعة الفحص معهم، فمنعها أيهم بمبرر غير مقنع:
-متدخليش معاها سيبيهم يشوفوا شغلهم، إنتِ إيدك بترتعش ومش هتقدرى تعملي حاجة.
حاولت أن تمرق لتتجاهل ذلك؛ لكنه أصر وهو يأمرها:
-رسيل قولت اقفى، مش شايفة حالتك عاملة إزاي.
ثم ضمها إليه وسط تذمرها ليتابع في حنوٍ:
-إهدي يا حبيبتي كده، إن شاء الله هتبقى كويسة
ردت بحزنٍ قاتل:
-لو حصلها حاجة هضيع، أنا هنتهي يا أيهم.
شدد من ضمها ليرد عليها بردوده المشجعة:
-مستحيل وأنا موجود، مش عاوزك تقلقي
وهي بين يديه ارتخت عضلاتها، وكأنها استسلمت لمواجهة المشكلات التي ستلاحقها عمًا قريب، فجعلها أيهم تجلس على المقعد معه وهو ما زال يطوقها، فقالت:
-نور مش هتسامحني، وأكيد مش هتسكت، مافيش خير هيجي بعد كده، كل حاجة خربت خلاص
ثم ابتعدت عنه وهي مقهورة وتبكي، تابعت:
-مش هينفع أقعد اتفرج يا أيهم، لازم أشوف حصل أيه بنفسي
ثم نهضت وهو بالتأكيد معها، نظرت له باصرار وقالت:
-هروح مكتبي أشوف حصل أيه، خليك إنت جنبها.
هز رأسه بقبول فسارت هي في عجالة ناحية قسمها الخاص بالمشفى، بينما وقف أيهم يتابع رحيلها بقسماتٍ غامضة هادئة تثير التعجب، ثم انتبه لأحد الأطباء من خلفه يخاطبه:
-كل حاجة ماشية تمام يا أيهم بيه.........!!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كان صياحها عنيف أعرب عن حالة الهيستيرية التي سيطرت عليها وهي تلقي كل الأدوات في المعمل بهياجٍ صارخ، هتفت بهيئة مدروسة:
-إنتوا إزاي تبقوا بالإهمال ده، شايفين نفسكوا شغالين فين؟.
ثم التفتت ناحية عبد الرحمن لترمقه بغل، خاطبته:
-إنت مرفوض، ومراتك كمان، مش عاوزة أشوفك هنا تاني.
أخفض عبد الرحمن رأسه في خزي، فعنفته بازدراء:
-أنا مش هخلي حد يشغلك، هطلعك من هنا بسمعة زي الزفت.
ثم ابتلعت ريقها لتهدأ قليلاً رغم ارتعاشة شفتيها، أمرت من حولها بحزم:
-كلمولي الشرطة، أنا بتهمه بالتقصير، وهو السبب في اللي حصل
رهبة رسيل وهلعها دفعتها للتصرف بتهور وعدم اتزان، وبردة فعل تلقائية أمسك الأمن عبد الرحمن من كلتا ذراعيه في بادرة للتحفظ عليه، وسط ذهوله بالطبع، فهتف باعتراض:
-دكتورة رسيل أنا مليش دعوة، المفروض توجهي الاتهام لـ راندا، هي اللي عملت كل ده.
تجاهلته رسيل ثم تحركت لخارج المعمل تائهة؛ وكأن ما أخذته من قرار لن يفيد ورطتها الحقيقية في مواجهة نور، ثم سارت بالرواق بمفردها تنتحب، تحت أعين الأطباء والعاملين بالطابق، ولم تنتبه لحضور السيد زاك منكتلاً نحوها في اضطراب، هتف:
-سيدة رسيل!
لفت نظرها له لتتوقف، فأكمل في غضب حين وقف معها:
-أرأيتِ ما حدث، لقد غادر هانك وإيما القاهرة صباح اليوم
حملقت به في جهل واستنكار، فما علاقة ذلك بما هو قائم الآن؟، فأردف شارحًا في غيظ:
-هو المسؤول سيدة رسيل، لقد خدعنا جميعًا من البداية
صدمتها لما تسمعه منه جعلت جسدها يتصلب كالود، وكان السيد زاك يزيد من توالي مفاجآته وهو يتابع:
-كان يستغلك سيدة رسيل، ويستغل أموال زوجك، هذا ما علمت به منذ فترة قليلة.
ترنحت في وقفتها وكأنها ستسقط، فحاول أن يمسك بها السيد زاك؛ لكن تثبتت بصعوبة لتعيد توازن جسدها وهي تشير له بالا يلمسها، فعاد يكمل في استياء:
-ما فعله لم أكن اتخيله، فقد ارتحت قليلاً حين رفضتي عدم اطلاع أحد على أبحاثك، وهذا ما أسعدني حين طلبت ذلك بنفسي لأطمئن وقتها.
لم تستوعب رسيل كم ذلك، فقد ضيف على الموضوع توبيخ أيهم لها، وحقًا لن يسامحها هو الآخر، ثم بكت مرة أخرى بمرارة أشد، استفهمت في ضياع:
-طيب اعمل أيه دلوقتي؟!، أنا أكيد اللي هتحبس......!!
____________________________________
وضعت ابنتها منتصف الفراش، ثم تحركت لتجلب زجاجة الحليب لها، وأثناء سيرها مرقت من جوار هاتف زوجها المسنود على المنضدة، وجدته يصدح، توقفت زينة عن السير لتلتفت له، ولأن زوجها داخل المرحاض يغتسل، أعطت الإذن لنفسها لتجيب هي إذا استدعى الأمر..
وعندما سحبته لترد فوجئت بأنها الفتاة المدعية جنى، فانعكس حنقها على ملامحها لتنزعج، ثم ألقت الهاتف بضيق فبالطبع لن ترد عليها، توجهت زينة مرة أخرى ناحية ابنتها ثم جلست بجانبها تتمتم بتبرم:
-هي مش اتنقلت وخلصنا، أنا قلبي حاسس إنه بيضحك عليا
ثم ظلت هكذا حتى خرج من المرحاض مرتديًا ملابس منزلية ويجفف شعره، وذلك حين عاد الاتصال به مجددًا، فادعت هي انشغالها بأمر الصغيرة، وكانت نظراته عليه بحذر.
أخذ آيان الهاتف ليرى من، وحين وجدها جنى لوى فمه في تأفف داخلي، ثم القى نظرة على زينة، ليطمئن من انتباهها؛ أو من عدمه، ثم وضع المنشفة على المقعد ليخرج بعدها للشرفة؛ كي يجيب عليها في سرية؛ وكي لا يلفت انتباه زينة؛ لكن هي كانت تتابع ما يفعله باهتمام، ثم تسحبت بهدوءٍ حاذر لتستمع إليه وهو يحدثها، حين وقفت متوارية خلف الستارة.
أخفض آيان صوته قدر المستطاع ليرد عليها بضيق:
-جنى قولتلك هتصرف خلاص، وكمان حذرتك تكلميني، قولت هتصل بيكِ
لم تكن جنى تدري بأمر استياء زينة من وجودها بالأساس، لذا ردت عليه في غرابة:
-فيها أيه لو كلمتك، أنا بس عاوزة أعرف هتعمل أيه؟!
جاء رده عليه تحذيريًا:
-هو كده وخلاص، هاعمل اللي لازم يتعمل وبعدين هقابلك واقولك، ومتكلمنيش تاني.
عضت زينة قبضتها بذهول مما تستمع له، وتحسرت على كذبه عليها، ثم تحركت لتقف منتصف الغرفة مصدومة وقد حزنت أيضًا، وتشتتت في كيفية التصرف مع ذلك، فقد عاد كل شيء كالسابق، ثم اتخذت قرارها بمواجهته وتوبيخه الحاد فيما اقترفه من خداع لها.
توجهت للشرفة وقد لاح عليها الغضب؛ لكنهما تقابلا عند الباب حيث انتوى آيان الولوج للغرفة، خاطبها بتخوف شديد:
-أنا رايح لبابا، ماما تعبانة قوي.
ثم مرق للداخل مهرولاً، فقد أتاه اتصال قبل قليل من والده يخبره بما حدث لـ نور والدته، فلحقت به زينة وهي لم تصدق، صاحت بانزعاج:
-أمك برضوه، مفكر هصدقك.
لم يعي آيان ما تهتف به وهو يرتدي حذائه، ثم نظر لها بتعجب، فتابعت زينة باحتقار لم يعجبه:
-لما تخدع مراتك أم عيالك تبقى بني آدم حقير
اعتدل آيان ليقف وهو يرمقها بصدمة ممزوجة بالغضب لما تتفوه به، ولخوفه الشديد مما حدث مع والدته تجاهلها مؤقتًا، هتف كابحًا تعنيفها:
-لما أرجع لينا كلام، أنا مش فاضيلك!
ثم دلف للخارج بسرعة ضايقتها أكثر، فذلك يؤكد خيانته لها في مقابل ما استمعت له، فوقفت مكتربة متحيرة وقد أجهشت بالبكاء، وكان بكاء ابنتها لم يمهلها الفرصة لترد فعليًا على ما حدث، ثم تحركت نحوها وهي مذبذبة الفكـر........!!
____________________________________
كان الفضل الأكبر للطبيب الذي حضر ليخرجها من حالة إغمائها تلك، بعدما فعل زين كل الممكن لتستعيد وعيها، وحين فتحت نور عينيها انثال وجعها على ابنتها حين جاهدت لتعتدل في رقدتها، فعاونها زين قائلاً:
-نور مالك، أيه اللي حصلك؟!
نطقت بتقطع من بين ارتعاشة جسدها بالكامل:
-ماريان، ماريان يا زين مش بخير، تعبانة!
قدّر خوفها ومشاعرها المسهبة نحو ابنتهما وقال:
-طيب عرفيني ليه بتقولي كده؟
بعدت الغطاء عنها بعصبية لتنهض فورًا، هتفت:
-بقولك بنتك تعبانة، كنت بكلمها واغمى عليها.
ثم عجّلت في السير نحو الخارج وكان زين خلفها مذهولاً، خاطبها وهو يهبط الدرج معها:
-نور إنتِ مش قادرة تمشي، استني وأنا وآيان هنشوف حصل أيه.
كان زين محقًا فسيرها غير متزن؛ لكن خوفها كان الحافز لها لتطمئن على ابنتها، رددت:
-لازم اطمن على بنتي!
عند تحركها في البهو تعثرت خطواتها، وكادت أن تسقط؛ لكن أجهض زين سقوطها، هتف في تأزق:
-مينفعش اللي بتعمليه ده.
رفضت بشدة لتتابع الطريقة وصاحت:
-عاوزة أشوف بنتي
أرغمها زين على التوقف حين حملها بين ذراعيه فصرخت بتذمر، فهو لن يسمح لها بالخروج بهذا الشكل المقلق، هتف:
-مش هسمحلك تخرجي كده.
تملصت منه لتنزل وتقف على قدميها؛ لكن ذلك لم يحدث، فقد أسرع آيان بحملها هو في تملك أشد، هتف:
-إهدي يا ماما
خاطبه زين بحزم:
-طلعها فوق بسرعة
رغم رفض نور واستجدائها له بتركها، انصاع آيان لأمر والده، فما يراه هو ضعف وضع والدته الجسمانية، ثم صعد بها حيث كانت..
وبلطف قام بوضعها في تختها؛ لكنها احتجت وصرخت بقوة، هتفت:
-مش حاسين بيا، بنتك بقولك...
-ماريان بخير يا نور مافيهاش حاجة
قاطعها زين بصوتٍ منفعل، فحالتها السيئة أجبرته على الإفصاح عما ضمره، وانصدمت نور لتحدق به في استنكار وتلعثم، بينما وقف آيان كالجاهل في ظل ما يحدث، فأضاف زين بصوت هادئ ليؤكد وهو يدنو منها:
-ماريان كويسة وبخير، وممكن أخليها كمان تكلمك
سألته بنبرة متقطعة من فرط دهشتها:
-هي فاقت يعني و...
قاطعها نافيًا:
-لا محصلهاش حاجة أصلاً، وكل دا تمثيل!
فتحت فمها ببلاهة وعدم تصديق، لتظنه يخدعها لتهدأ؛ لكن حين تابع بجدية خابت انفعالاتها، خاطبهما:
-هفهمكم، بس المهم تنفذوا كل اللي هقولهولكم.......!!
___________________________________
لمحها تأتي من بعيد وهو واقف أمام غرفة ابنه، وكلما تقترب تظهر ملامحها العابسة؛ وكأن شيء ازعجها حدث، فأخد يقترب منها هو الآخر ليستفهم عما بها..
خاطبها حسام باهتمام:
-أيه خير؟!
وقفت مريم أمامه تزفر في حنق، هتفت:
-الست دي باين اتجننت، مش كفاية مسامحين في اللي بنتها عملته.
جهل مرمى حديثها فاستفهم:
-مين دي؟!
ردت في نفور:
-منى يا سيدي، جيالي وطالبة مني أخلي زين يرجع بنتها، ناس معندهاش دم، مش مكفيهم ابني اللي متكسر جوه.
أمرها بهمس وهو يتلفت بنظراته أمامه:
-طيب وطي صوتك إحنا في مستشفى.
نفخت مجددًا لتفرغ ضيقها، تساءلت في اقتطاب:
-زين عامل أيه دلوقت؟!
-نايم، فقولت أخرج برة أعمل شوية مكالمات مهمة
وجهت نظراتها لغرفة ابنها في شرود؛ وكأنها تفكر في شيءٍ ما غامض، ثم عادت تنظر لـ حسام في انتباه، قالت:
-هدخل أطمن عليه، ومش هغيب.
تحركت مريم ناحية غرفة ابنها، ثم أغلقتها خلفها، ومن عند الباب وقفت لبعض الوقت تطالعه بنظرات غير مفهومة، وبدت عجيبة، ثم ببطء تقدمت منه وما زالت عينيها عليه؛ حتى وقفت أمامه تتأمله بذات النظرات؛ لكن وهي تمرر يدها في لطف بين خصلاته الطويلة نسبيًا..
وبعد لحظاتٍ من وقوفها ذاك، انتبهت له يفيق، فاضطربت قليلاً ثم سارعت برسم ابتسامة مألوفة، قالت:
-عامل أيه يا حبيبي؟
نظر لها زين بأعين شبه ناعسة، ثم أخذ يجمع كامل وعيه، قال:
-الحمد لله!
بحذر جلست مريم على طرف التخت في مقابلته، قالت:
-خالك زين كان معايا من شوية، كان قالي سبب سفرك أمريكا
لم يعلق زين فتابعت في عتاب:
-ليه يا زين متقولش لأمك، ليه تخبي عني حاجة زي دي، بالعكس أنا كنت أول واحدة هتقف جنبك وتساندك.
رد معللاً:
-خوفت تزعلي يا ماما، كفاية زعلك علشاني الفترة اللي فاتت
علقت في استنكار:
-طيب واللي إنت فيه ده مش مزعلني، مش واجعني!
-مش بأيدي!
رددها في يأس، فدنت منه برأسها؛ لتقبل جبهته في تعطف، قالت:
-ربنا يحميك، أنا بس كنت عاوزة أعرف هتعمل أيه، مشغولة بيك
تفهم مقصدها فابتسم في تهكم ورد:
-مش هاعمل حاجة، أنا خلاص عرفت حظي، وكفاية اللي أنا فيه دلوقت، ادعيلي بس أخف.
صمتت مريم للحظات مترددة في التحدث معه في أمر لربما يضايقه؛ لكنها بعد تشجيع لنفسها سألته بحذر:
-زين بعد ما عرفت إنك كويس وبتخلف، إنت مفكرتش دلوقتي إن لمى ممكن تكون حامل منك.
تناسى تلك النقطة في بحر ما يمر به، ثم ركز الآن جيدًا فيها، قال:
-تفتكري؟!
تركته يخمن هو فتابع بعدم اقتناع:
-لا مش مني، ابنها طلع من اللي كانت معاه، وكذبت عليا، واللي يخليها تعمل كده، يخليها تقابله من ورايا.
لأول مرة تختلف مريم معه، فانشغالها به الفترة الماضية، جعلها حريصة متعقلة، قالت:
-أنا كنت عند آيان النهار ده، وشوفت هناك الولد الصغير كان بيلعب مع ولاده
نظر لوالدته في تعجب تام من فعلتها تلك، فأكملت بتردد:
-فيه شبه منك!
انتفض داخليًا وتبدلت قسماته للضيق وهي تتحدث عنه هكذا، فسارعت مريم تبرر في شرح:
-زين أنا قصدت أروح علشان أشوفه، لأن أم لمى كانت قالت قبل خروج لمى من الحبس إن الولد ابنك، وهي مش خاينة، وبعدين الكلام اتغير
بدا في حالة من الفوضى في الفكر، ولم يستوعب ما تتفوه به، ولم يعطي المجال لعقله في التدخل، قال:
-إنتِ بتصدقي واحدة زي دي، أنا شايف وسامع كلامها مع أمها، قالت إنها كدبت عليا وابنها منه.
وجدت مريم نقطة مجهولة في الأمر، فطلب منها زين بضيق:
-لو سمحتي يا ماما مش عاوز كلام في الموضوع ده، أنا خلاص سبتها ومش هفكر أرجعلها، أنا كرهتها
ثم أشاح بوجهه متجهمًا، فامتثلت مريم لطلبه وصمتت؛ رأفةً بحالته، وظلت معه بجسدها لا عقلها، فقد أخذ الأمر حيز كبير من تفكيرها، وظل الشبه الكبير بين الصغير وابنها يطاردها كخيالها، ولتعلقها بوجود أحفاد لها، اندفعت لتتقبل أي شيء، لربما تستعيض به ما فـات............!!
____________________________________
موتها كان مفاجأة للجميع، وبالأحرى قتلها، فالجريمة بشعة مخيفة بشكل يولد الرهبة في مواجهة موقفٍ كهذا، حيث عثر رجال الشرطة على الطبيبة راندا مفصولة الرأس في إحدى النواحي الصحراوية بين القاهرة والإسكندرية،
وبمجرد تلقي رسيل ذاك الخبر المفجع، جلست على المقعد في إحدى زوايا المعمل في حالة من التعب الشديد، والصادر من تأزم ما سعت إليه في لحظة باتت فيها هي المتضررة الوحيدة، وفور علم أيهم هو الآخر بالأمر، لم يكن بمزاجٍ جيد فقد فشل ما خطط له برحيلها، وكان استغلالها مؤسف لتلك النهاية التي حظيت بها..
ولج أيهم المعمل على رسيل فوجدها هكذا في حالة مزرية؛ ورغم انزعاجه مما حدث، لان قلبه نحوها فجأة، حين عكس ذلك تضايق جم من أجلها، ثم سار نحوها في استياء، هتف:
-قاعدة كده ليه؟!
ثم جعلها تنهض وهو ممسك بكلتا عضديها، فنظرت له في حزن ووجوم، خاطبها بعبوس:
-مالك؟، مش قولتلك ملكيش دعوة، ليه قاعدة وعاملة في نفسك كده.
ردت بنبرة مبحوحة للغاية:
-هروح في داهية، راندا ماتت!
كان مثلها مزعوجًا؛ لكنه رد بثبات:
-عرفت، هي اللي عملت في نفسها كده، مع إني زعلان من اللي حصل معاها.
ثم خاطبها بجدية وهو يستطرد:
-رسيل أنا عارف كل حاجة، وعبد الرحمن اللي بلغتي عنه أكتر واحد كان شايف شغله ومهتم ومتابع كل حاجة بتحصل.
قالت مستنكرة في وجل:
-أومال لو مش مخلي باله كان حصل أيه أكتر من كده
ترك يديه من عليها وبدت نظراته نحوها هادئة رغم ظلمتها، قال:
-مافيش حاجة حصلت، أيه اللي حصل قوليلي؟
سألها وكأنه يتحامق عليها، فزجرته بضيق:
-أنت مالك كده، مش حاسس بالمصايب اللي بالكوم على دماغي.
حك جبينه بأصبعه وكانت لهيئته غموض وبرود ادهشها، قال:
-كنت عاوز أقولك ماريان قامت بالسلامة وبعدين سافرت شرم أصل جوزها وحشها وناوية تصالحه.
رده كان سريع ولم يأخذ نفس بين الكلمات، الأمر الذي ألجم لسانها وجعلها تحدق به كالبلهاء، فابتسم من شكلها المضحك وتابع:
-رسيل يا حبيبتي أنا مش غبي علشان أدخل فلوسي في مشاريع كده مفهمش فيها
مع استمرار نظراتها المدهوشة عليها تابع في محبة وهو يضغط على ذقنها:
-كمان مش ممكن أسيب مراتي تتعامل مع ناس لوحدها ومكنش حواليها في كل خطوة، أنا بغِير يا رسيل، وبخاف عليكِ.
كل ما يتفوه به كانت تدركه جيدًا، واستشفت منه أن الأمور على ما يرام، فسألته وقد اختفت رهبتها:
-أيهم قصدك كل حاجة تمام ومافيش حاجة وحشة حصلت تضرنا، وكل حاجة إنت كنت عارفها
اومأ لها وهو يوضح:
-أنا اتفقت مع ماريان تعمل كده علشان اوهمهم إن خطتهم تمام، بس للأسف راندا اتقتلت، ومكنتش متخيله مجرم بالشكل ده
ضغطت على شفتيها بقوة لتخفي بسمة متهللة؛ رغم ذلك أعربت لمعة عينيها على الفرح، وتجاهلت ما حدث، ثم بحركة مباغتة عانقته بقوة، وكانت ردة فعله هو أن يضمها، رددت:
-عاوزاك تحبني كده على طول، لأني مش بحب غيرك.
قطع السيد زاك تلك اللحظات الخاصة بدخوله المفاجئ للمعمل، فابتعدا في حرج وهما يحدقان به؛ لكنه لم يعطي الأمر اهتمام ليتحدث معهما في استشاطة:
-أخبرني المطار قبل قليل أن هانك قد سافر بمفرده، ولم تكن إيما معه.
سأله أيهم في غرابة:
-طيب دا معناه أيه، مش اللي عرفناه إن إيما معاه؟!
هنا توجس السيد زاك وقال:
-إيما أنا قلق بشأنها، وأخشى أن يكون قد غدر بها كـ راندا!
ظهر حب السيد زاك لـ إيما؛ رغم أنها تعاونت مع هانك وفضلت الخيانة، ولذلك قال أيهم وقد تأهب لتقديم العون:
-أنا هدور معاك عليها، بس يا رب تكون بخير ومحصلهاش حاجة
كان السيد زاك متأكدًا أنها لربما لاقت مصير راندا هي الأخرى، قال:
-اتأمل ذلك..........!!
___________________________________
مكوثه في شقته، جاء من خوفه في مواجهة والديه لما حدث، فبذلك أثبت لهما عدم مسؤوليته في التعامل مع أموره الخاصة، بل وكان غبيًا، فانفرد بنفسه ليفكر بجدية، فلم يتوقع أن تتفاقم الأمور لهذا الحد اللعين.
ثم وهو في أوج تعمقه الفكري، استمع لقرع جرس الباب، فاعتدل في رقدته على التخت ليجلس متعجبًا؛ لكنه قلق من مجيء هذه الشمطاء له وتهدده مرة أخرى.
نهض ريان بخلقته الشاحبة وشعره الأشعث، ناهيك عن عدم هندمة ثيابه، ثم تحرك لخارج الغرفة؛ كي يفتح للزائر الغامض.
وعند فتحه للباب غلبته الصدمة للمرة الثانية كزيارتها الأولى له، ردد في وجع:
-ماريان!
نبرته الخافتة أعلنت حزنه لما أضحى بينهما من فراق، وكانت بعكسه تمامًا، فقد رسمت بسمة صغيرة ودودة، كان يستغربها، قالت:
-مش هدخلني ولا أيه!
ثم تجرأت وخطت بقدمها لتلج وسط تيبسه الجسدي مكانه، ثم أغلقت الباب خلفها، طالعته بنظرة شمولية وهو أمامها مباشرةً، خاطبته:
-هتفضل واقف كده؟
ثم طوقت عنقه في ألفة، جعلته يتخيل أنه يحلم، وحملق فيها بعدم تصديق، فابتسمت قائلة:
-إنت عند حق، أنا فعلاً مقدرش أعيش من غيرك، حاولت أحب مقدرتش، أنا موافقة تتجوز عليا يا ريان، طالما دا هيخليك جنبي
كلامها أسعده، بل وأحزنه في ذات الوقت، فتابعت بصدق:
-شوف عاوزني أعمل أيه وهاعمله، مش هسمع كلام حد تاني غيرك، يلا قولي عاوز أيه!
تلعثم للحظات من هول المفاجأة، وذلك قد محى حزنه قبل قليل، وابتسم لها ليطوق خصرها في تتيم كبير، قال:
-أنا كل اللي عاوزو تكوني جنبي وبس، سامحيني لو في يوم زعلتك.
ثم دنا منها ليقبلها في عشق وقد تشوق للمسها؛ لكنها منعته قائلة:
-لازم نرجع لبعض الأول.
رد متذمرًا:
-إنتِ وحشتيني.
اتسعت بسمتها وهي ترى الحُب ينبلج من عينيه المسلطة عليها، وهنا أيقنت مدى تعلقه بها، وأن عنادها ما جعل علاقتهما تتوتر، قالت:
-أنا اتعالجت من مشكلة الخلفة، وتحاليلي كلها مظبوطة، ناقص بس نتأكد منها.
تهلل ريان من خبرها المبهج، سألها:
-طيب هنتأكد إزاي؟!
عضت على شفتيها في حجل زيفته بالطبع، قالت:
-علشان اثبت إني بخلف، هيكون إزاي يعني
لعن غبائه في فهمها من أول مرة وضحك، ثم صاح ليعرب عن فرحه بعودته لها وهو يلف بها من حوله، فلامت ماريان نفسها بأنها كانت غير مسؤولة ولم تراعي مشاعر زوجها، وأيضًا أخفت هوية من كانت السبب في مجيئها إليه، ثم كنّت لها الشكر حين هاتفتها في وقت سابق....
-إنتِ ليك عين تكلميني بعد اللي عملتوه فيا؟!
ردت ندى في تجشم من انزعاج ماريان منها، قالت:
-محدش فينا غلط فيكِ، إنتِ السبب في اللي حصل معاكِ
تمنت ماريان رؤيتها ومن ثمَ البصق في وجهها، هتفت:
-عاوزة مني أيه، أنا خلاص شوفت حياتي وربنا وقف جنبي وهخلف، ومعايا الإنسان اللي ساعدني
لم يسع الوقت لتدخل ندى معها في أحاديث أخرى، قالت:
-اسمعيني يا ماريان، أنا بكلمك علشان عاوزة مصلحتك
تهكمت ماريان من ردها المضحك؛ لكن أردفت ندى في جدية:
-أنا وريان مافيش بينا حاجة، دي لعبة عملناها عليكِ
تأجج القلق داخل ماريان تجاه هذه الفتاة، وظنتها تفعل ذلك لتتلاعب بها، لذلك أخذت حذرها منها وانتبهت جيدًا؛ لكن سرد ندى المسهب لها جعلها تستمع لها وهي في حالة من الذهول الغريبة؛ حتى انتهت ندى لتقول في تأكيد:
-دي كل الحكاية صدقيني، ريان بيحبك قوي، وهو دلوقتي ندمان لما عرف إنك هتتجوزي، ومش عارف يعمل أيه.
احتفظت ندى بباقي الأحداث التي أجبرتها والدتها على فعلها، فهي لن تقلل من نفسها، وسارعت لتخبرها قبيل أن تهاتفها والدتها وتفسد العلاقة أكثر من ذلك.
ردت ماريان في ندم:
-يعني أنا ظلمتك، وإنتِ طلعتي بنت كويسة!
لم تكن لتتساءل ماريان، بل وضحت شخصية الفتاة التي رأتها أول مرة، كانت بسيطة وهادئة، وملامحها رقيقة، وقد غارت منها حينها؛ رغم أنها الأجمل، قالت ندى بتنبيه:
-مش عاوزة حد يعرف إني كلمتك؛ حتى ريان
لم تعارضها ماريان لتوافق على طلبها في طاعة، فتابعت ندى بنصح:
-والأفضل إنك تروحيله وتبينيله إنك غلطي في حقه، متخلهوش يحس إنه ندم في حاجة، هو عمل كده علشان بيحبك
علت قيمة ندى في نظر ماريان، ووجدتها فتاة مثالية؛ خاصةً حين نصحتها كشخصٍ قريب منها، فردت عليها في تودد:
-خلاص مش هقوله، وهبين إني ندمانه، لأ، أنا بجد ندمانة.........!!
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا