مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية اجتماعية واقعية جديدة للكاتبة إلهام رفعت ورواياتها التى نالت مؤخرا شهرة على مواقع البحث نقدمها علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السابع من رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت
رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل السابع
تابع من هنا: روايات رومانسية جريئة
رواية قطرات الحب بقلم إلهام رفعت - الفصل السابع
غمرها بدفء تحنانه، ورسم مخطوطات مدنفة استعاضت بها عن جفائه الفترة الدابرة، وبرمت معه قبَالة عززت به ولائها له، وأقرت ناظريها بأوقات الألفة التي جمعتهما، وصدقت على ذلك بأنها ستفعل المستحيل لتنقية حياتهما من الشوائب الزائلة، وبداخلها تراقصت أوتارها طربًا من شواظِ حُبها له، ولم تخفي ذلك وهي تعبر عن ما يخالجها أمامه، سواء بعبارات الحب والامتنان؛ أو بأفعالها الدمثة التي تروق له. استسلمت سمر لتلك اللحظات التي استلبتها من أوقات فراغه؛ لتحيي مشاعر مكنونة، لم تنتبه لها من قبل، وكانت تخطفهما فتراتُ وردية كانت أغلبها على الشاطئ، حين جلست برفقته وهو يضمها من الخلف، وكانت في صدارة استقبال نسمات الهواء، واشباع نظراتها بما يغدقها به، مع رؤية الأمواج تتزاحم أمامها.
وعلى النقيض هو، فقد زيف زين واقع ما هي عليه الآن، بمشاعر مراوغة، تصنّعها فقط ليخلق جو أسري يفتقده، وتمنى رسم أحلامه مع من أحبها؛ لكنه ارتضى بما عليه، وأقنع نفسه باعتياصٍ أن ذلك الصواب، ثم وجه بصره لـ سمر، التي تتأمل المياه بصبوة، وأدرك أنها حاليًا لربما انخدعت بزيف ما منحه لها، ثم تنهد بعُمقٍ كبير، ولم يحتمل البقاء هكذا أكثر من ذلك، فخاطبها مخفيًا لابتئاسه:
-اليومين خلصوا، يلا نرجع علشان فيه شغل متعطل عندي.
انتفضت مغمومة من انتهاء لذة ما عاشته، مكتربة من العودة لحياة الغلاظة والازورار السابقة، استدارت له قائلة:
-يعني هترجع لشغلك وتسيبني لوحدي
تأهب زين لينهض حين سحب المنشفة ليغطي أكتافه، قال:
-مش هنفضل يعني هنا على طول، أنا عندي شغلي وبكرة جامعتك تفتح
ثم نهض وقد قرر المغادرة، فلحقت به ثم وقفت أمامه مذعنة لما انتواه، قالت:
-المهم تفضل معايا كويس كده على طول، بلاش طريقتك معايا أول ما اتجوزنا
طلبت منه بتخوف ألا يكرر جفائه، فابتسم لها نافيًا ما يقلقها، قال:
-عاوزك تنسي اللي فات، من هنا ورايح إحنا زي أي اتنين، ومتقلقيش هكون كويس معاكِ
قالها بمحبة وهو يطبع قبلة على وجنتها، فتهللت أساريرها، قالت:
-وأنا هاعمل اللي يسعدك، وهحاول مخيبش ظنك فيا
لف ذراعه حول كتفها ليسحبها معه أثناء سيره؛ متوددًا إليها بقدر منحها ما افتقدته من لطف معه، وهما في طريقهما للعودة للفندق، قالت:
-عاوزين كل جمعة نيجي هنا، نقعد على الشط شوية، المكان مش بعيد علينا، والجو هنا ظريف
قال متقبلاً ذلك:
-هيحصل!
تنفست بغبطة جمة فقد استقرت حياتها، وفي ظل ما هي عليه، عاد التفكير في رغبته للإنجاب تطاردها، فتبدل وجهها قليلاً للتوجس والقلق، الذي حاولت اخفائه، ودق قلبها فجأة بشيء نغص فرحتها، وبقلة حيلة اعتزمت ترك الأمر لوقته، فلتعش لحظاتها الآن، لربما قادمًا تجد الحل الأفضل لكليهمـا.......!!
___________________________________
انحنت بجزعها لتتأمل هذه المواد الكيميائية جيدًا؛ متفحصة كل واحدة على حدا، اعتدلت رسيل معربة عن إعجابها بنظافة المعمل ومدى الجهد المبذول للتسنم به، وجهت حديثها للسيدة إيما التي ترافقها قائلة:
-المكان بالفعل ممتاز، والمواد والأدوات التي به ستساعدني كثيرًا
بدت إيما مستنكرة أن طبيبة أطفال مثلها تقوم بتلك المهمة، فعلقت بغرابة:
-ما تفعلينه يعارض مهنتك الأساسية!
ابتسمت رسيل ووضحت لها بدراية:
-لقد درست الطب سبع سنوات، وتخصصت في السنة الأخيرة، اخترت قسم الأطفال من أجل أولادي؛ لكن ذلك لا يمنع إن لدي مواهب وأفكار أخرى
أعجبت إيما بثقتها ومدى الذكاء التي تتسم به، فذاك جعلها متيقنة أنها ستفلح في مهمتها، قالت:
-كما ترين سيدة رسيل، لدينا كل شيء؛ لكن ينقصنا المال لتنفيذ هذه المبادرة التي نسعى لتحقيقها
مطت رسيل شفتيها بتفهم وهي تمرر نظراتها على المواد مجددًا، قالت:
-سأحاول مساعدتكم؛ لكن المال ليس كل شيء، أقصد لابد من النجاح أولاً في صنع أدوية مفيدة، وينجح أيضًا مفعولها
-صحيح سيدة رسيل، ونحن الآن نضع آمالنا عليكِ
قالت رسيل بابتسامة ممتنة:
-أشكرك
قالت إيما باحترام وسماحة:
-اتمنى أن تكون أوقاتك سعيدة معنا، تفضلي لترتاحي قليلاً، فالغد مليء بأعمال كثيرة!
ثم دعتها لمغادرة المعمل والسير معًا نحو الخارج، فتحركت رسيل معها وهن يتحدثن بألفة؛ حتى وصلن لـ نور التي تتحدث مع السيد هانك والسيد زاك، وكانت تقول بلباقة:
-أنا مسؤولة عن عملية الشحن والتفريغ، دي شغلتي، يعني هساهم باللي أقدر عليه، وهاعمل دعاية كتير في مصر، وبإذن الله هنتوفق فيها
انضمت رسيل لهما قائلة:
-جيد جدًا هذا، لدي إحساس بنجاح كبير قادمًا
هتف السيد هانك برزانة:
-الجهد الكبير سيكون على عاتقك سيدة رسيل، فنجاحك أولاً فيما ستقومين به، سيدفعنا للنجاح بالتأكيد
قالت رسيل بجدية:
-الغد بإذن الله سأبدأ التجارب في المعمل، وسأري المواد اللي سأحتاجها، حتى بعد عودتي لمصر
قالت إيما بعملية:
-هذه مجرد زيارة لمعملنا، اعتقد أنك ستكررين الأمر، فربما تحتاجين لمكان مجهز للقيام بتجاربك، مثل هنا!
بالفعل فكرت رسيل في ذلك، فضيق الإمكانيات ربما سيعوق ما تسعى لفعله، قالت:
-اعتقد سأفعل ذلك لاحقًا!
غابت نور بعقلها عن مشاركتهم الحديث، حيث ظلت مراقبة جيدة لأفعال السيد زاك ونظراته تجاه ابنتها ماريان، ومن فهمها أدركت إعجابه بها، ونظرًا لخجل ابنتها من ذلك، اعتزمت الرحيل بها من المكان، قالت:
-هنروح الأوتيل نرتاح شوية، لأن ماريان بنتي لسه مش متعودة على الشغل وكده
ابتسم زاك لـ ماريان وقال:
-إذا أحببت السيدة ماريان أريد أن أرافقها للتجول في المدينة قليلاً بعيدًا عن العمل
قبل أن ترد ماريان قالت نور برفض لطيف:
-شكرًا مستر زاك، هي مش بتحب تخرج مع حد غريب، عادات مصرية، لأنها كمان خجولة شوية
وقفت ماريان ملتصقة بوالدتها، غير راغبة في التحاور مع أحد، ومتهربة من نظرات هذا الرجل المباحة نحوها، وعندما أحست رسيل بالموقف وتفهمته سريعًا، قالت:
-نستأذن إحنا، لأن بجد عاوزين نرتاح.........!!
___________________________________
بدا مبهورًا بأناقتها وهي تجلس على المكتب الذي خصصه لها، وجزء بداخله أحب فكرة أن تكون بجواره حتى في مكان العمل، ثم وقف يتمعن النظر فيها، وهي تتدرب على معرفة كل شيء تجاه عملها المسنود إليها، بينما شعرت زينة بأنها افتقدت ذاك الإحساس الممتع منذ تركت جامعتها، ودفنت نفسها بين أمور شتى أخذت منها أجمل سنوات، حين كرّست وقتها لتربية الأبناء فقط ونسيانها أشياء أفضل، ووصفت نفسها بالرعناء.
طلب آيان من الموظفة المغادرة، ليكون هو برفقتها، ابتسمت زينة حين خاطبها معبرًا عن قبوله ما تفعله قائلاً:
-لايق عليكِ يا زينة، سيدة أعمال بجد
نهضت من مقعدها بوجهٍ مشرق، أغلقت زرار بذلتها وقالت:
-آه طبعًا، إنت بس اللي مستقل بيا، أنا طول عمري شيك وحلوة، وإنت عارف كده!
قالتها بثقة شديدة وهي تتحرك ناحية النافذة تتابع ما يحدث خارج المبنى، فتحرك آيان خلفها ثم حاوطها بذراعيه من الخلف، قال:
-عارف كويس، أومال باحبك ليه!
مالت رأسها للجانب لتتحدث معه عن قُرب أكثر، قالت:
-شغلي هنا مؤقت، بعد كده تشغلني معاك!
ضحك بخفوت وقال مطيعًا:
-أكيد، أنا أصلاً عاوزك جنبي!
ثم لفها لتكون في مواجهته، فتلقائيًا طوقت عنقه بود، أكمل:
-أي حاجة مش فهماها تكلمي مدام ألفت اللي كانت هنا، هي رئيسة العلاقات العامة، وبتدرب أي حد جديد
قالت بحماس:
-هتعلم بسرعة كل حاجة، وفجأة هتلاقيني أحسن منك
قهقه معجبًا بحماسها ذاك، هتف:
-أما أشوف!
ضيقت نظراتها وقالت معلقة على كلامه:
-أومال مامتك بتقول ليه إنك هتعلم لين لما تيجي هنا؟!
تضايق آيان من حديث والدته، كونه سيسبب تكدر لحياته مع زوجته، تنهد وقال:
-على فكرة لين هتشتغل برة عند حد تعرفه، بس جنى حابة تيجي هنا
تفاجأت زينة بذلك، وزاد تحيرها، وظنت أنها تدبر مخطط ما جهلت تفسيره، فهذه الفتاة شيطانية، قد تلقت من سمومها الكثير، ابتعدت زينة عن آيان ثم تحركت بضع خطوات، قالت بتجاهل مصطنع:
-أحسن!
ثم توجهت لتجلس مجددًا، فخشي آيان أن ذلك يحدث فجوة بينهما، لمشاكل تقف متربصة على أعتاب حياتهما، قال متجهًا نحوها:
-متشغليش بالك، هنا مكان شغل، مش حاجة تانية!
نظرت لعينيه بقوة وقالت:
-أيوة مكان شغل، علشان مش هسمح بحاجة تانية!
وقف بجوارها ثم مرر أنامله على قسمات وجهها، قال بوله:
-من غير ما تتعصبي أو تفكري في أي حاجة، أنا باحبك ومفيش ست هتخشي قلبي بعدك
ارتخت تعابيرها التي بدت منزعجة، ثم ظهرت بسمة صغيرة وقد أحبت ذاك العشق، فهي تدرك جيدًا مدى تفانيه في إسعادها، وما ترتاب فيه، حث والدته في التفكير في غيرها، لذا قالت بتشدد:
-وهو دا اللي أنا عاوزاه منك......!!
____________________________________
ظلت تتحايل؛ كي تجعله يتراجع عن ملازمتها ومن ثم معاونتها في نقل الأثواب والأقمشة للشقة؛ لكنها فشلت بالطبع، وقد رهبت من تزمت زين إذا علم بحضوره لشقته، وحين انتهت لمى من وضع كل شيء في الشقة؛ رغم عدم ترتيبه، قالت:
-متشكرة يا سيف، اتفضل إنت وأنا هرتب كل حاجة
كما هو رفض وقال:
-هساعدك ننظمهم، لوحدك هتتعبي دول كتير!
بداخلها تأجج وجل شديد من مكوثه أكثر من ذلك، فشددت من شكرها واعتراضها على ذلك قائلة:
-لو سمحت يا سيف أنا هاعملهم لوحدي، اتفضل إنت
أعلن ضيقه من عدم تقبلها وجوده في شقتها، لذا عاتبها قائلاً:
-على الأقل اعزميني على قهوة، دا أنا أول مرة أدخل شقتك!
ذابت أوصالها وتحيرت في التصرف معه، فقالت بتعقل:
-أنا خايفة إن وجودك هنا كتير يكون غلط، زين ممكن يعمل حاجة تأذيك وإنت معايا!
ما وصله من حديثها أنها تخشى عليه من الأخير، فابتسم بود لها وقال:
-أنا حياتي فداكِ، وميهمنيش يعمل أيه!
نبرته الودية في رده البكتها، وأدرك انها زادت الأمر سوء بفهمه الخاطئ له؛ لكن ذلك لم يغيّر من نيتها في رحيله، قبيل معرفة زين بذلك، قالت بهدوء ظاهري:
-متشكرة قوي يا سيف، أنا كمان مش عاوزة مشاكل
امتثل لرغبتها وقال:
-زي ما إنت عاوزة يا لمى، أنا همشي، ولو فيه حاجة عاوزاها قوليلي
ابتسمت ممتنة لشهامته الدائبة معها، قالت:
-أكيد هكلمك!
تحرك سيف للخارج وسط نظراتها، وحين خرج وأغلق الباب تنفست الصعداء وهي تضع يدها على قلبها، فالشقة ليست لها كما تدعي، بل ملك لـ زين، تحركت لمى للداخل، متجهة ناحية ابنها الذي يلعب على الأرضية بألعابه، انخفضت لمستواه ثم قبّلت رأسه؛ ورغم أن زين لم يعرف به للآن، أحبت أن يكون بالقُرب منه، تمنحه وجود الأب دون دراية، مناشدة الرب أن يكتشف الأخير ذلك بنفسه، وعلى الأقل يدقق النظر فيه، يستشف مدى التشابه بينهما، تنهدت لمى بقوة وهي تتخيل ألفة زين مع الولد، وحاجته الملحة ليكون هم الثلاثة في مكان واحد يغطيه التآلف والمحبة.
رن هاتفها الجوال فنظرت للمكان الذي وضعته فيه، نهضت تاركة الصغير يلهو، ثم تحركت ناحيته، وحين وجدته هو، تملك منها لهف عجيب، فلم تره يومين كاملين، حافظت على ثباتها ثم أجابت عليه، فقال:
-نقلتي؟
غلظته في الحديث ضايقتها قليلاً، قالت:
-أيوة نقلت كل حاجتي، ناقص أرتبها
ترددت في سؤاله عن سبب غيابه؛ لكن سألته بحذر:
-بقالك يومين مكلمتنيش، خير ليه؟!
أسند ظهره على مقعد مكتبه، وكانت حالته غير مفسّرة، وظهر عليه تهكم طفيف من سؤالها حين رد:
-عاملة مهتمة قوي، ملكيش دعوة، أنا أتكلم وقت ما أحب
عبست لمى من غطرسته معها، قالت:
-طيب أنا ورايا شغل كتير، كنت عاوز حاجة؟
رد باكفهرار:
-أيوة كنت عاوز.... عاوز مشفكيش مع اللي اسمه سيف، لو وصلني إنك بتكلميه مش هيحصل خير، المفروض إنك ست مع جوزك، يعني وساخة من ورايا أدفنك
قالت باستياء:
-أنا مش ممكن أعمل حاجة غلط، أو حرام، متتكلمش عني كده
ضحك بغضب فقد استفزته، هتف:
-لما تتكلمي كده تاني، بصي للواد اللي معاكِ وراجعي كلامك يا شريفة!
ودت لمى أن توبخه على اتهامات؛ لكنها تأنت وتماسكت، فليس الآن، استطرد زين بأمر:
-جهزي كل حاجة علشان جاي، يعني ظبطي القاعدة، ويا ريت تسربي ابنك ده في أي داهية، المهم ما أشوفش وشه
وجهت لمى بصرها للصغير وشجنت، فانصاعت لطلبه قائلة:
-حاضـر!
صدمها حين أغلق الهاتف دون وداعٍ أو ما شابه، فتنفست بغيظ ثم ألقت الهاتف أمامها على المقعد، وقفت تحدق للفراغ وهي تفكر وتتساءل، إلى ماذا ستنتهي هذه العلاقة؟، وتوجست من فشلها في تحقيق مسعى ما أرادته، اغتمت لمى وهي هكذا، فما تمر به يوجع القلوب، ويبعث عدم الراحة والاستقرار، ثم نفضت أن تشغل فكرها بما يجهدها، وتحمست لتذهب في ترتيب أغراضها وما جلبته معهــا........!!
____________________________________
ثبت ما تفهمته حين لاحظت علامات التأزق تنجلي عليها، فجلست بجانبها على الأريكة بالجناح الذي يجمعهن، قالت:
-إوعي نظرات الراجل لـ ماريان تكون مضيقاكِ!
انتبهت لها نور وهي ما زالت تفكر بشرود في الأمر، فقد اختلف عن السابق، قالت:
-الموضوع فعلاً ضايقني، وطريقته قلقتني
ردت رسيل بعقلانية:
-ما أظنش غرضه مش كويس، إحنا جايين في شغل مهم، وهو دكتور ومش ممكن يبوظ مشروع زي ده في إنه عينه من ماريان
هتفت نور بامتعاض:
-أومال ليه بيبصلها بالشكل ده، دا عينه منزلتش من عليها؟!
قالت رسيل بتخمين:
-يمكن معجب، هي بنت حلوة، وتلاقيه افتكر إنها مش مرتبطة
تفاجأت نور من ذلك، قالت مستنكرة:
-حتى لو معجب، هو أصلاً مينفعش يرتبطوا، إلا إذا كان فاكر إننا ساهلين لكل من هب ودب زيهم
فشلت رسيل في توقع الأكثر، ثم طلبت منها أن تتغاضى عن ذلك قائلة:
-متشغليش بالك، لو اتكرر الموضوع أنا مش هسكت، وهخلي استاذ ممدوح يحجز وننزل، ويبقوا هما الخسرانين
ابتسمت نور من لطفها وردة فعلها تجاه ما حدث مع ابنتها، قالت:
-هتضيعي مشروع حياتك علشان واحد بص لبنتي
هتفت رسيل بضيق شديد:
-طبعًا، أنا مرضاش بكده!
أحبتها نور عن السابق، وتمنت بداخلها أن تكون زينة مثلها؛ فرغم صلة الدم والقرابة، لم يشبها بعضهن، سوى في الملامح فقط، قالت:
-ميرسي يا رسيل، ويا رب ميجبش مشاكل، لأن حبيت الشغل معاكِ.
-على أيه، أنا باعمل اللي يمليه عليا ضميري
ثم تابعت رسيل بمفهوم:
-عبد الرحمن هيوصل بكرة، هو ابن استاذ ممدوح، ودرس معايا بس هو تخصص جراحة عامة، وهيساعدني
-كويس، أهو يبقى معانا، علشان محدش يتطاول علينا
قالتها نور بتكشّر، بينما نفت رسيل تدني أخلاق السيد هانك وجميعهم، قالت:
-ما افتكرش ناس في مستواهم يكون تفكيرهم رخيص كده، أنا شايفة الجدية في كل حاجة بيعملوها
كم تمنت نور ذلك، فابنتها تختلي بنفسها منذ تمادى الرجل في النظر إليها، وتراجعت عن المشاركة في بعض الأمور، فتذكرت رسيل دعوة السيدة كارمن لتناول العشاء، فقالت:
-مدام كارمن عزمتنا على العشا.
ردت نور بحسم:
-بس ماريان مش هتيجي معانا، لأنها متضايقة........!!
___________________________________
أخذها معه كمعاون لتدوين ما سيبتاعه اليوم من أفضل محلات الأقمشة بالأسكندرية، وكان مالكها استرالي الأصل ويدعى جورج!، ثم جلست مايا مقابله أمام مكتب السيد جورج تعمل بجِد وتركيز، وذلك ما أعجب به سيف، فتحدث سيف مع جورج بعملية:
-بصراحة يا مستر جورج كل حاجة عندك هايلة وتستاهل تكون غالية، بس يا ريت تتهاون معانا في السعر
لاحت سماحة السيد جورج في نبرته المريحة وهو يرد:
-أنا تحت امرك هبيبي، ومهلي كمان، البضاعة عندي ممتازة ومستوردة من أفخم مهلات أوروبا
لم يشك سيف في ذلك وأجزم به، قال:
-هما فعلاً خامة كويسة، وهكتبلك الكمية اللي عاوزها علشان تبعتهالي في أقرب وقت، لأن محتاجها
-تمام!
ثم أشار جورج لعامل لديه بأن يتقدم، فوجه سيف بصره لـ مايا، قال:
-روحي معاه يا مايا عرفيه هيجيب أيه!
نهضت مايا وبداخلها انزعجت، فبدت كالخادمة لديه؛ لكنها تساهلت ومرت الأمر؛ محبةً في لمى وأنه في بداية عمله، فتحركت دون جدال مع العامل لداخل المخزن، بينما ظل سيف يتحدث مع السيد جورج بعملية، ولم ينتبها لولوج أحد إلا حينما استمعا لصوت انثوي راقٍ يقول:
-هاي مستر جورج!
التفت السيد جورج لها وكذلك سيف، الذي ظل يحدق بها؛ متأملاً هذه الفتاة الراقية والجميلة، قال السيد جورج مرحبًا وهو ينهض:
-مدموزيل لين، مهلي نوّر بوجودك
ابتسمت برقة وهي تصافحه، فدعاها للجلوس، فجلست مقابل سيف، الذي لم تفارق نظراته هيئتها، قالت:
-جيت في ميعادي، يا ريت تكون حضرت اللي طلبته منك
رد ببشاشة وطاعة جلية:
-كله تمام مدموزيل لين، وكل اللي طلبته جاهز
ثم انتبه لـ سيف واستطرد:
-أعرفك بـ لين هانم
ابتسم سيف لها بأناقة وهو يمد يده بالمصافحة، فصافحته لين والسيد جورج يقول:
-دا مستر سيف، هياخد نفس الطلبية بتاعك!
مطت شفتيها متفاجئة، فاردف جورج بمعنى:
-مدموزيل لين كان بيدرس برة، وجاي يعمل نفس مشروعك
نظر سيف لها قائلاً بابتسام:
-واضح إن تفكيرنا واحد
جاءت فكرة في عقل جورج فاقترحها موجهًا حديثه لـ لين، قال:
-أيه رأيك مدموزيل لين تشارك مستر سيف، إنت بتدور على مكان، وهو عنده مكان مميز كتير، وكمان أنا واثق فيه!
احرجها السيد جورج باقتراحه فهو شاب لم تعرفه من قبل، وتلجلجت في الرد، بعكسها سيف الذي تحمس وقال:
-يشرفني طبعًا!
جملة سيف جعلها ترتاح له، وتحبذ ولو بالقليل مشاركته، قالت:
-معنديش مانع، بس ادوني فرصة أكلم بابا وأفكر هاعمل أيه
استولى سيف على الحديث ليوجهه لها مباشرةً، قال:
-هديكِ تليفوني، ومنتظر تكلميني، لأن بجد محتاج حد فاهم معايا، وممكن ينفع تنفيذ مشروعي
ثم أخرج سيف كارته الخاص، ناوله لها فابتسمت لين بخجل وقالت:
-إن شاء الله!
ثم نهضت لين مخاطبة جورج:
-هتودي الطلبية على المخازن اللي بابا قالك عليها، على ما أشوف هاعمل أيه
نهض سيف ليودعها؛ متنميًا أن تتقبل مشاركته، فقد جذبته بشكل غير طبيعي، ودعته بخجل طفيف:
-فرصة سعيدة مستر سيف!
قال مبتسمًا بود:
-لينا لقاء تاني، مستني تردي عليا
اومأت له بتأكيد ثم استأذنت بالرحيل، ولم تفارقها نظراته إلا حين اختفت، وللآن عذوبة صوتها ونعومتها ما زالت تتردد في أذنيه، وطيفها ما زال عالقًا في المكان، ولم يخرج من حالة الشرود تلك إلا على صوت مايا تخاطبه:
-خلصت يا سيف، هنمشي؟!.........
_______________________________________
لم يأتي ليلة أمس كما أخبرها؛ رغم أنها استعدت لملاقاته، وحين تأخر كثيرًا أدركت عدم حضوره وتلاعبه بها، حقًا يريد الانتقام، لذا جعلت صغيرها يغفو معها على الفراش، فبالطبع لن تتركه في غرفة بمفرده بعيدًا عن ناظريها، وغفت وهو في أحضانها.
فتح زين الغرفة عليها حين حضر الثانية صباحًا، وتفاجأ بابنها معها، طغى عليه غضب مستطير وهو يدنو منها، فقد حذرها ولم تجيب عليه، وقف بجانبها مستشاطًا، وبعينين حاقدتين ظل يحدق بالصغير بكراهية، أيضًا هي، ولم يتحمل كثيرًا حتى هزها بقوة فنهضت مضطربة، نظرت له مصدومة فنهرها باحتدام:
-أنا قولت أيه، كمان منيماه على سريري
اعتدلت لمى مفزوعة لهذه اللحظة من وجوده في تلك الساعة المتأخرة، عاود أمرها بحزم:
-هتفضلي بصالي كتير، يلا شيليه من هنا
ثم خبطها في ذراعها؛ كي تعجل بالنهوض، فأسرعت لمى بحمل ابنها ثم نهضت به مرتبكة، دلفت للخارج سريعًا لتضعه في غرفته، فتعقبتها نظرات زين الشرسة، وانتوى لها..
اتجه ليشلح بذلته ويبدل ثيابه، وأثناء ذلك جاءت، وهي ما زالت موترة الأعصاب وغير متفهمة لما تأخر، نظر لها زين شزرًا وهو يبدل ثيابه، بينما وقفت هي تنتظره، وحين انتهى تحرك نحوها فاختلج بدنها، هتف بانفعال:
-ليه مسمعتيش كلامي، ولا مش خايفة مني؟!
ردت مبررة ما فعلته:
-لقيتك اتأخرت، فقولت أكيد مش جاي، ونيمته جنبي
هتف بنظرات محتقنة بغضب:
-حسيتي إني مش جاي تروحي تنامي جنبه، مش في سريري، ولا شكلك واخدة على كده، ما إنت عملتيها مع راجل غريب وإنتِ متجوزة، هاستنى تجيبي مين تاني
ثم رمقها باحتقار أحزنها، قالت بأسف:
-مش هاعمل كده تاني، سامحني
استخدمت اللطف معه؛ حفاظًا على سلامتها وسلامة ابنها، قال كاتمًا حنقه:
-أنا جعان!
قالت بمفهوم:
-أنا مجهزة الأكل وكل حاجة، هسخنه تاني لأنك اتأخرت
أشار لها بأن تذهب، فتحركت لمى بخطوات زموعة لتفعل ذلك، سار زين خلفها؛ كي يجلس على المائدة، وسط اجتهادها في إتمام تجهيز الطعام مجددًا، وحين انتهت خاطبته:
-اعملك أيه تاني!
دُهش من طاعتها الشديدة، فقد بدت أمامه كخادمة، قال بمدح:
-لا كويس بتعرفي تمثلي، بس دور الخدامة ده لايق عليكِ ويعجبني
ابتلعت إهانته ولم تعلق عليها، فشرع هو في تناول الطعام، وجلست كالمتفرجة تنتظره، وتساءلت في نفسها عن سبب مجيئه متأخرًا؛ وكأنه تفهم عليها وسبر أغوار عقلها ليجيب دون أن تسأله علنًا، قال:
-جيت متأخر أصل استنيت لما المدام نامت، مش معقول هزعلها لما تعرف إني على علاقة بواحدة زيك وبجيلها
أثار حنقها وعارضت لمي أن يستخف بها لهذا الحد الوخيم، هتفت:
-أنا كمان مراتك وقبلها، وأكيد هي عارفة بجوازك مني، لزومه أيه الكلام ده؟!
توقف عن الأكل وبدت نظراته متضايقة، قال محذرًا:
-متقارنيش نفسك بيها، لأنك أوسخ بكتير
أجبرها بحديثه الشنيع في حقها على الصمت، ولم يدفعها ذلك لإخباره بالحقيقة، ثم أطرقت رأسها ملبية أمره، ابتسم في تهكم ثم تابع تناول طعامه، فحبست لمى دموعها، وللحظة خاطفة ندمت على عودتها إليه، فزواجه من الأخيرة أضحى كالعلقم المر في حلقها، ماذا سيفعل معها؟، كيف ستبدو الحياة هكذا قادمًا؟، تحيرت لمى وشُل عقلها من كثرة التساؤلات التي تلعب برأسها، وما يهدأ من توترها هو أن ابنها لديه الحق ليكون معه، وله الأفضلية ليحفظ وجهه ويعتاد عليه.
انتهى زين ثم انتبه لجموحها الشديد، فصاح بها بغلظة:
-اللي واخد عقلك
ازدردت ريقها في توتر فتابع متجهمًا:
-طول ما إنتِ معايا مش عاوزك تفكري في أي حد غيري
هزت رأسها بانصياع فقال متأففًا:
-هتفتحيلي الشقة لخياطة، أيه القرف ده!
خطفت نظرة للفساتين المعلقة جانبًا ثم قالت موضحة:
-أنا قولت لماما إني هشتغل هنا، فلازم أعمل كده، مش قولت جوازنا محدش يعرف بيه
نهض زين مختنقًا، فنهضت هي الأخرى، ثم تتبعت سيره ناحية ما جلبته من أثواب وأقمشة، وقف زين يتأملها بتعابير ساكنة، وهي تقف من خلفه تترقب، قال:
-وليه التعب دا كله، المفروض مامتك ست مقتدرة
استدار لها وتابع:
-عاوزة تفهميني إنك ست مكافحة، مش لايق عليكِ، أنا بقيت شايفك واحدة تانية
تيقنت أنه سيظل مزعوجًا منها، فما فعلته لن يغتفر؛ لكنها عكس ما يراه، دنت لمى منه ثم وضعت رأسها على صدره في حركة مباغتة، ويديها تلتف حوله، صُدم زين وهي تفعل ذلك، ولم ينخدع في تمثيلها المكشوف له، وود صفعها وتهشيم عظامها؛ لكنه أبرم معها تعهد بعدم تطاوله عليها، قالت لمى بصدق:
-بأحبك يا زين، سامحني أرجوك
ثم رفعت رأسها لتنظر إليه، قالت بتذلل:
-أنا مش زعلانة من اللي عملته معايا، بس أرجوك سامحني، بلاش تعامل طفل بالشكل ده
أحد إليها النظر بحنق، قال:
-لما يكون ابنك من اللي خنتيني معاه يبقى لازم أكرهك وأكرهه
فتحت شفتيها لترد فوضع إصبعه على فمها ليمنعها، فنظرت له مشدوهة، قال:
-افتكر عارفة بجيلك هنا ليه
لمّح لها برخص شخصها وأردف:
-عاوز أنبسط
قابلت ما يفعله بمحبة أدهشته، ولم تتأثر باحتقاره ذاك، قالت بتملك وهي تطوق عنقه:
-أنا تحت أمرك، ما إنت جوزي..........!!
______________________________________
-أيوة لسه مكلمهم، وحبيت أشكرك يا أيهم على اللي بتعمله
هتف زين بتلك العبارة عبر الهاتف؛ ممتنًا لـ أيهم، فقال الأخير بتودد:
-مراتي أكيد مش هسيبها تكون لوحدها، واستاذ ممدوح معاهم خطوة بخطوة، والليلة دكتور عبد الرحمن هيوصل عندهم، وكل خطوة بيعملوها بتوصلني
-ربنا يعدي الإسبوع ده على خير، ويا ريت ميتكررش السفر ده
رد أيهم باحتجاج:
-مش هوافق طبعًا يتكرر، كفاية لحد كده!
ولج ماجد المكتب عليه أثناء ختام أيهم الحديث مع زين، فاغلق أيهم الهاتف منتبهًا له، فقال ماجد:
-من شوية كلمت ماجد الجديري، وقال هيبعت الشحنة بعد بكرة
سأله أيهم بتذكر:
-صحيح اللي سمعته ده، سالي اتجوزت واحد من قبرص؟!
تأكيد ماجد صدمه حين قال:
-أيوه، أعلن إسلامه وبعدين اتجوزته
هتف أيهم متفاجئًا:
-أنا افتكرتها هتتجوز ماجد، علشان عرضه لسفرها معاه
رد موضحًا:
-اللي عرفته إن ماجد كان بيحب مراته ومخلص ليها، ورافض يتجوز بعدها، فتقريبًا اهتمامه بسالي كان علشان البنت الصغيرة، وإنها تكون قريبة من جدتها
لم يهتم أيهم كثيرًا بالأمر وتجاهله، قال:
-كنت جاي ليه؟
رد ماجد بمفهوم:
-كان فريد بيه عم المدام عامل عقيقة لولاد عمرو، وكان باعت خبر ليك إنها يوم الخميس، بس تليفونك مشغول فبلغني
-عرفته إن رسيل مسافرة؟
-أيوة، وقال لو مرجعتش على الخميس ممكن يأجلها لوقت ما ترجع، هو حابب لمتكم حواليه
تفهم أيهم ولم يعلق، ثم انتبه لرنين هاتفه، اندهش من ذاك الرقم الغريب الذي تضيء به شاشة هاتفه، رد باحتراز:
-أيوة!
رد المتصل بنبرة مضطربة:
-أيوة يا أيهم بيه، أنا الدكتورة راندا، مديرة أعمال دكتورة رسيل
انتصب أيهم في جلسته متعجبًا من مهاتفتها له وقال:
-خير؟
هتفت بنبرة قلقة:
-من شوية كنت بكلم الدكتورة رسيل، والخط قطع فجأة، بس صوتها مكنش مريحني، أنا خايفة عليها
استمع أيهم لها بخوف شديد ثم نهض، هتف:
-إمتى ده حصل؟!، أنا من نص ساعة مكلمها وكويسة!
ردت بحزن:
-حالاً الكلام ده، حتى اتصل بيها وشوف
وجه أيهم حديثه لـ ماجد الذي نهض وجلاً ومترقبًا، هتف:
-كلملي ممدوح بسرعة، واحجزلي على أول طيارة رايحة أمريكــا.................!!
تابع من هنا: جميع فصول رواية أرض زيكولا بقلم عمرو عبدالحميد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا