مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثانى من رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثانى
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل الثانى
زحــامٌ لا يطاق سيطر على الأزقة الضيقة والطرقات المؤدية إلى الدكان في ساعة الظهيرة مع ارتفاع درجة الحرارة نسبيًا، كذلك احتلت ناصية الشارع شاحنة ضخمة لتفرغ البضائع التي أتت بها، انهمك العمال في حمل الأقفاص ونقل الخضر والفاكهة إلى مكان تخزينها بالدكان، بينما تحرك "تميم" في اتجاه "محرز" الذي كان يقف على رأس العمال ليتابعهم، سأله الأول بصوتٍ مجهد:
-دي النقلة الكام كده؟
أجابه بوجه متعرق:
-الخامسة يا "تميم".
زفر قائلاً في تعب:
-كده مش فاضل غير نقلتين كمان ويبقى قفلنا التوريد، مظبوط؟
هز رأسه معقبًا:
-أيوه.
سأله "تميم" بجديةٍ ظاهرة على قسماته:
-الفواتير استلمتها؟ لو معاك هاتها، عاوز أرجعها.
تردد للحظة في إعطائها له، فهناك حمولة زائدة تخصه جاءت ضمن المنقول، وليست مسجلة في الأوراق، وربما إن قام بالمراجعة لاكتشف أمرهم، ابتسم "محرز" ليخفي توتره، وقال:
-حاضر يا أبو نسب، أخلص بس دول وهاشوفهم.
تعقدت تعابيره متسائلاً في استغراب:
-ليه؟ هما مش معاك؟
أجاب بنفاذ صبر:
-هما موجودين جوا، بس إنت شايف الشغل الكتير و..
أنجده من افتضاح أمره رنين هاتفه، ادعى بحثه عنه وتابع:
-هاشوف مين بيتصل.
التوى ثغر "تميم" في امتعاضٍ من سماجته ومماطلته، تلفت حوله ليتابع حركة العمال البطيئة، هدر بهم بضيقٍ:
-يالا يا رجالة، مش هانقضي اليوم كله في الكام قفص دول.
هتف "محرز" فجـــأة وقد تبدلت تعابيره للقلق:
-جاي على طول يا "هاجر"، هو واقف جمبي، إنتي بس متتحركيش.
انتبه له "تميم"، وسأله:
-في إيه؟
أجابه وتلك الربكة قد سيطرت عليه:
-"هاجر" بتولد، وأنا رايحلها.
ربت على كتفه قائلاً:
-الحقها، وأنا هاجيب أمي وأحصلكم على المستشفى.
رد عليه مؤكدًا:
-متتأخرش بالله عليك، لأحسن دي موصياني.
علق مبتسمًا:
-يا عم دي أختي، هي حد غريب؟ كفاية رغي وروحلها
-على طول، كملها بالخير معاها يا رب.
هتف "محرز" بتلك الكلمات وهو يهرول ركضًا نحو سيارته ليستقلها، بين اتجه "تميم" عائدًا إلى والده ليطلعه بأمر شقيقته –وكذلك والدته- ليصطحبهما لاحقًا إلى المشفى بينما يتابع هو استكمال الأعمال الناقصة.
...................................................................................
زغرودة تبعتها بأخرى أكثر حماسة وسعادة لتملأ جنبات الغرفة بصوتها المهلل تعبيرًا عن ابتهاجها بولادة حفيدها الأول، اضطرت "ونيسة" مرغمة أن تتوقف عن ذلك بناءً على الاعتراض الجدي من إدارة المشفى لأجل توفير الهدوء للمرضى، غطت علامات الفرحة أوجه كل المتواجدين، ورغم أنين "هاجر" الخافت إلا أن فرحتها كانت لا توصف، فاليوم قد وضعت رضيعها، أدارت رأسها للجانب لتحدق في فراش المولود الملاصق لفراشها، مسحت والدتها على جبهتها بيدها، وانحنت عليها تقول:
-حمدلله على سلامتك يا قلب أمك.
تساءلت "هاجر" بصوتٍ واهن:
-وابني؟
أجابتها بفرحة تغمر صوتها ونظراتها نحوه:
-بخير يا حبيبتي، أهوو جمبك نايم زي الملاك، ربنا يحفظه من العين.
هلل "محرز" صائحًا ببهجة عارمة:
-الحمدلله ربنا رزقنا بأول حفيد للعيلة...
ثم دنا من حماه وأضاف بلؤمٍ ماكر:
-وبعد إذنك يا حاج "بدير" أنا ناوي أسميه "سلطان" عشان تحل البركة علينا.
ربت الأخير على كتفه مرحبًا:
-وماله يا ابني، ونقوط "سلطان" الصغير جاهزة.
هتفت "ونيسة" من خلفه معقبة:
-ده غير أحلى ليلة وسبوع هيتعمله، ده أول فرحتنا، بس تقوم أمه بالسلامة إن شاء الله.
اتسعت ابتسامة "محرز" المنتشية، وقال بامتنانٍ:
-ده ابنكم قبل ما يكون ابني.
بالطبع كان مترقبًا على أحر من الجمر لتلك اللحظات حتى يحصل على جزءًا آخرًا من تلك الثروة التي لا تنضب، يحتاج لملء جيوبه بالمزيد من الأموال، وإن كان بالتملق والتدليس، المهم ألا يخرج فارغ الأيدي.
.......................................................
لم تترك لها الخيار سوى الذهاب إليها، وإجبارها على الحديث معها في مقر عملها، فإن كانت ترفض مواجهتها وتتجنبها، وكأنها غير موجودة، فهي لن تستسلم وترتضي بعزوفها عنها، لن تترك الأمور معلقة بينهما هكذا، ستدفعها للإصغاء إليها وتقبل وجهة نظرها، تشجعت "همسة" واتجهت إلى محل الهدايا الذي تعمل به توأمتها، سحبت نفسًا عميقًا لفظته دفعة واحدة قبل أن تلج لداخل المكان، ألقت نظرة مترددة على من فيه، شعرت بقليل من الارتياح لعدم وجود زبائن فيه، ستكون على أريحيتها، التفتت برأسها للجانب حين نادتها "علا" بترحيب ودود:
-مش معقول، "همسة"! إيه المفاجأة الحلوة دي؟!
ابتسمت برقةٍ وهي تسألها مجاملة:
-إزيك يا "علا"؟
أجابتها بحيويةٍ وقد امتدت يدها لتصافحها:
-أنا تمام ..
ثم أحنت رأسها عليها لتقبلها من وجنتيها قبل أن تتراجع "همسة" لتقول ونظراتها تتجه ناحية شقيقتها:
-مش هاعطلكم كتير، أنا كنت جاية لـ "فيروزة".
هزت "علا" رأسها في تفهم، كانت على علم مسبق بالخلاف بينهما، دعتها للبقاء قائلة بلباقةٍ ومن تلقاء نفسها:
-تعالي يا "هموسة"، ده محلك، كده كده أنا طالعة أسلم أوردرات، خدوا راحتكم.
شكرتها بنظراتها الممتنة، وترقبت انصرافها لتبادر ممهدة للحديث بينهما:
-لسه برضوه زعلانة مني؟
تجهمت تعابير "فيروزة"، ورمقتها بنظرة حادة قبل أن تدمدم في ضيقٍ:
-جاية ليه؟
ابتلعت ريقها وردت:
-عاوزة أتكلم معاكي.
هتفت ببرودٍ، وكأنها تطردها:
-وده مش مكان للكلام، أنا ورايا شغل كتير.
وبالرغم من أسلوبها القاسي المليء بالجفاء إلا أنها تفهمت موقفها نحوها، وقالت بإصرارٍ رافضة الاستسلام:
-مش هامشي يا "فيرو"!
ضاقت عينا "فيروزة" بانزعاجٍ واضح، بينما تابعت "همسة" موضحة:
-ما هو أنا مش عارفة أتلم عليكي في أي مكان، وإنتي مش مدياني فرصة أشرحلك حاجة، وآ....
قاطعتها بحدةٍ لتغلق سبل الحوار معها:
-إنتي حرة في اختياراتك، أنا ماليش دعوة بيكي.
اعتذرت منها "همسة" برأسٍ منكس قليلاً، وعينين حزينتين:
-أنا أسفة يا "فيروزة" .. حقك عليا ...
سددت لها نظرات غاضبة، وأطبقت على شفتيها مانعة نفسها من الكلام، في حين أكملت "همسة" بنفس الوتيرة الهادئة، وتنهيداتها تسبقها:
-أنا مقصدش أحرجك قصادهم، بس فعلاً أنا عاوزة أكمل حياتي مع "هيثم" واتجوزه.. هو بني آدم كويس وبيحبني.
انفجرت صارخة فيها علها تفيق من الأوهام التي تظن أنها تملأ رأسها الفارغ:
-ده مش مناسب ليكي، إنتي تستاهلي الأحسن منه، إيه اللي يربطك بواحد زي ده؟ عشان كلام اتقال من أمه الحقودة ولا أخته الغلاوية؟
اعترفت لها بصدقٍ، ودون ادعاء:
-أنا بأحب "هيثم" زي ما هو بيحبني، دي الحقيقة.
ردت ساخرة منها:
-بتحبيه؟ على إيه بالظبط؟ إيه المميز فيه يخليكي تحبيه؟
أجابتها ببساطة:
-متمسك بيا رغم اللي حصل.
يأست "فيروزة" من محاولاتها الفاشلة لإزالة تلك الغشاوة التي تحجب الحقيقة عنها، وهتفت ترد بإحباطٍ ظاهر على ملامحها، وأيضًا ملموس في نبرتها:
-بصي أنا تعبت من الكلام في الحكاية دي، اعملي اللي إنتي عاوزاه، ميخصنيش.
ثم أولتها ظهرها لتكمل عملها في تغليف علبة الهدايا، ورغم الحزن البادي على وجه "همسة" من جمودها معها، إلا أنها تقدمت نحوها، وضعت يدها على ذراعها، وقالت بما يشبه الرجاء:
-أنا عاوزاكي جمبي زي زمان، احنا روح واحدة وآ...
هتفت مقاطعة جملتها المستجدية لمشاعر الأخوة:
-"همسة" أنا ورايا شغل، مش فاضية.
لم تجد الأخيرة بدًا من النقاش معها، ومع ذلك امتدت ذراعاها لتحتضنها من الخلف، أسندت "همسة" رأسها على كتف توأمتها، وأخفضت صوتها قائلة لها بصدقٍ:
-حقك عليك يا "فيرو"، مسمحاكي مهما زعلتي مني، وبأحبك على فكرة أوي.
اقشعر بدنها من كلماتها العفوية، كانت تفتقد إلى حضنها كثيرًا بالرغم من القساوة التي تدعيها، أدارت رأسها نحوها وردت بصوتٍ شبه مهتز محاولة إخفاء تأثرها:
-ممكن تسيبني أكمل شغلي.
أرخت ذراعيها عنها، وتنهدت قائلة:
-حاضر، بس هستناكي نتغدى سوا لما ترجعي البيت.. مش هاكل غير وإنتي معايا، ماشي؟
وقبل أن تعلق بالرفض انسحبت "همسة" من المحل تودعها:
-أشوفك على خير.
نظرت "فيروزة" مطولاً وبعينين مشفقتين نحو الباب الذي خرجت منه توأمتها وقد تهدل كتفاها، ثم نفخت مرددة باستياءٍ، وكأنها تبوح بمشاعرها المخبأة علنًا:
-أنا خايفة عليكي يا "همسة"، وزعلني منك عشان ترجعي عن اللي في راسك.
...............................................................
بنظراتٍ ماكرة ووجه تحتله أمارات الخبث أصغت "بثينة" –التي جاءت لزيارة ابنتها بعد بضعة أيامٍ- للتطورات الحادثة بين ابنتها وزوجها بعد الحادثة الأخيرة التي كادت تكشف مخططتهما اللئيم في استنزاف رجولته بالأدوية المنشطة .. اشتكت "خلود" لوالدتها من حالة الجفاء السائدة بينهما، وهجر "تميم" للفراش بشكلٍ أصابها بالخوف والحنق لليالٍ متواصلة. احترقت شوقًا لأحضانه، كما تلهفت بجنون لحبه النابع منه وليس بمفعول الدواء الذي يثير غرائزه، اغرورقت عيناها بالدمعات الكثيفة، وهتفت متسائلة في حيرة، والحزن العميق يخيم على قلبها:
-يامه ده مش عاوز يقرب مني من ساعة اللي حصل، وبينام في الأوضة التانية، وأنا هاموت ويرجع معايا زي الأول.
زمت شفتيها قائلة بتعابير جادة:
-كله هيتحل، وبعدين هو إنتي عملتي حاجة غلط؟!
أومأت نافية، فواصلت والدتها القول موضحة لها:
-إنتي اتصرفتي صح، وجدعة إنك رستيني على الحوار من أوله...
ثم شددت من نبرتها حين أضافت تنصحها:
-واتكي على النقطة دي كتير، إنك عملتي ده عشان تخلي أخوكي مايعملش الغلط مع بنات الناس، وما تزوديش معاه في الكلام.
ارتفع الكدر في عيني "خلود"، شهقت قائلة بأنفاسٍ متقطعة بسبب بكائها المتزايد:
-أنا قلبي واقع في رجليا من اليوم ده يامه، خايفة يكتشف الحقيقة، ولا أغلط بكلمة توديني في داهية.
قاطعتها حاسمة الأمر بالنسبة لها لتحثها على السيطرة على خوفها:
-يا بت اجمدي كده، وبعدين قولتلك أي مصيبة تحصل لبسيها في أخوكي والبومة اللي اتنيل خطبها، أل يعني هي عاوزة تخرب بينكم عشان تنتقم لأختها، وكتر خيرك إنك بتحاولي تجمعي بينهم.
برقت نظراتها بشكلٍ أظهر قبولها بكلماتها الخبيثة .. ابتسمت "بثينة" مضيفة في مكر:
-وأنا هافهم المحروس جوزك كده بالمحسوس إنه يراعي ربنا فيكي، إنتي ليكي حقوق عليه، والمفروض ما يقصرش معاكي.
هنا هتفت "خلود" ترجوها، وكأن حية لدغتها لتتوقف نوبة بكائها ذعرًا:
-لأ يامه، كده هتعمليلي مشكلة معاه، هو ما بيحبش نتكلم في المواضيع دي مع أي حد، ده لو عرف إني بأحكيلك أي حاجة هيولع فيا!!!!
هزت رأسها معلقة بامتعاضٍ:
-خلاص هاجيبهاله بشكل تاني، إني نفسي أفرح بعوضكم، أظن ده من حقي؟!
وافقت على ذلك، وردت بإيجازٍ:
-ماشي.
لكزتها والدتها في جانب كتفها، وأضافت:
-وبعدين كده روقي، ده إنتي ربنا ساترها معاكي عشان نيتك الصافية.
كفكفت عبراتها المحتجزة في عينيها لترد بعبوسٍ: موافق
-أيوه.. بس هو مش جمبي.
نظرت لها في ضيقٍ قبل أن تشرد لبرهة لتستغرق في أفكارها، وكأنها تسعى لإيجاد الحل السحري الذي يعيد روابط الود والوصــال بينهما، هداها عقلها بعد تفكيرٍ متعمقٍ لحل بسيط، كانت واثقة أنه سيفي بالغرض .. وبثقة واضحة استطردت تقول:
-محلولة يا بت، وحياة مقاصيصي هيلزق فيكي.
أوحت لها تعبيرات والدتها أنها على يقين كامل من صلاحية اقتراحها الغامض، لذا قطبت جبينها متسائلة في فضولٍ متلهفٍ:
-إزاي؟
أجابت مسترسلة:
-استغلي موضوع ولادة أخته وقوليله إنك عاوزة تقعدي مع خالتلك تساعديها، باعتبار إن البت "هاجر" أختك، وماينفعش تسبيها، وبكده إنتي هاتجبريه يبات معاكي في نفس الأوضة، ولما يبقى معاكي لوحده ادلعي عليه، وبكام حركة كده من إياهم هتلاقي الشوق جايبه.
انفرجت أساريرها مبتهجة لحلها، ودون انتظارٍ ارتمت في أحضانها تحتضنها قائلة بما يشبه الثناء:
-الله عليكي يامه، هي دي الحلول، من غيرك ماكنتش هاعرف أتصرف.
ربتت على ظهرها قائلة بتفاخرٍ:
-ده بنتي، هو أنا هابخل عليكي بحاجة؟
ثم أبعدتها عنها، وتابعت بتعبيراتها المهتمة:
-قومي يالا كلميه عشان تعرفيه إنك هتروحي هناك.
ردت واللهفة تملأ قسماتها:
-على طول.
..............................................................
على غير المتوقع، انتهت كلتاهما من إنجاز العمل المطلوب في زمن قياسي، وتبقى فقط جرد النواقص لشرائها في الغد، فرغت "فيروزة" من معاينة ما يخصها وسجلته في ورقة صغيرة، ثم أضافت عليها "علا" ما تحتاجه لتتولى الأخيرة بعد ذلك الاتصــال بالمكتبة للتأكيد على إرســال المطلوب كاملاً، وبعد نصف الساعة كانت الاثنتان تقفان أمام باب المحل بعد إغلاقه .. مدت "فيروزة" يدها بورقة صغيرة مطوية لرفيقتها، وقالت:
-دي ورقة بالحاجات الناقصة، هنراجعهم لما الطلبات توصل الصبح قبل مانستلم الحاجة.
ردت عليها "علا" بإيماءة صغيرة من رأسها:
-أيوه، المرة اللي فاتت كان ناقص الكروت الكبيرة والجليتر.
أكملت حوارها بجديةٍ وهي تعلق حقيبتها على كتفها:
-أنا عاملة حسابي، مش هاخلي صاحب المكتبة يغالطنا تاني.
تفحصت "علا" قفل المحل بدقةٍ لتتأكد من إغلاقه قبل أن تعقب بإيجازٍ:
-تمام.
ثم التفتت نحو "آســر" الذي تساءل عاليًا بمرحٍ:
-أوعوا تكونوا قفلتوا؟
شعت نظراتها بحيوية غريبة بالرغم من اندهاشها لتواجده، أجابته مبتسمة بفرحةٍ ظاهرة عليها:
-"آسر"! حمدلله على السلامة، إنت رجعت امتى؟
أوضح بهدوءٍ وعيناه تتحولان للنظر نحو رفيقتها المتجهمة:
-دي كانت سفرية يومين وخلصت، مالهاش لازمة الأعدة هناك.
حاولت "فيروزة" ألا تتطلع إليه، كان حضوره ثقيلاً عليها، غير مستساغٍ رغم لطفه الزائد، نظرت فقط إلى "علا" التي ردت بابتهاجٍ كبير:
-بصراحة فرحتني أوي يا "آسر"، وأنا مش واخدة على المفاجآت الحلوة دي.
سألهما مجددًا ونظراته تتوزع بينهما:
-إنتو رايحين فين كده؟
جاوبته بعفويةٍ:
-مروحين، خلصنا بدري النهاردة
على الفور استغل الفرصة ليقول بانتشاءٍ معكوس على ملامحه:
-طب اسمحولي أوصلكم.
هنا بادرت "فيروزة" بالرد بتكشيرة متعاظمة:
-ماشي يا "علا"، أنا هاطلع أركب من على أول الشارع، ورايا مشوار كده هاخلصه
نظرت لها في دهشةٍ، وعلقت:
-غريبة؟ إنتي مقولتليش على كده.
ادعت كذبًا:
-راح من بالي يا "لولو"..
ثم تصنعت الابتسام، وتابعت:
-وبعدين مش هاينفع يا "علا"، خليكي إنتي مع الأستاذ، وعشان معطلكوش.
التوت شفتا "آسر" بابتسامته العذبة، اقترح بلطفٍ مستخدمًا يده في الإشارة قاصدًا الضغط عليها لتقبل بعرضه:
-أنا فاضي يا آنسة "فيروزة"، شوفي إنتي حابة تروحي فين وأنا هاوصلك، وبعدين عربيتي موجودة، وأحسن من بهدلة المواصلات.
تقلصت تعبيراتها بوجومٍ أكبر، وقالت دون أن تبتسم:
-شكرًا، أنا طريقي غير طريقك.
رفع عينيه إلى وجهها، بدا فيهما تصميم عجيب على عدم التفريط بها، ثم هتف بإلحاحٍ:
-أنا مُصر، مش هاقبل بالرفض يا آنسة "فيروزة"، مش معقول هتكسفيني كده كل مرة، قولي لصاحبتك يا "علا".
غامت عيناها من أسلوبه المراوغ في إقناعها، بينما تعلقت رفيقتها بذراعها، أسبلت عينيها هامسة بما يشبه الرجاء:
-ماتبقيش بايخة بقى، تعالي يالا، واحنا هنركب سوا.
ضغطت على شفتيها لترد بصوتٍ خافت:
-يا "علا" آ.....
قاطعتها بتوسلٍ كبير:
-بليز.. عشان خاطري، أنا عاوزة نكون سوا.
تحرجت من الرفض أمام نظراتها المستعطفة، وقالت بسأمٍ لتعبر عن رضوخها:
-أوف.. طيب.
حلت تعابير السرور على وجه "آسر"، وهتف متغزلاً ونظراته ترتكز على "فيروزة":
-ده أنا أسعد واحد النهاردة، الجميلات هيركبوا معايا في عربيتي المتواضعة.
ورغم عبارته التملقية التي يمكن أن تسعد أي فتاة تتوق لسماع معسول الكلام إلا أن تعبيراتها اِربدت بالعبوس الواجم.
..................................................................
كل المؤشرات رجحت إدانته في مسألة تعاطيه لتلك المنشطات إلا أن "تميم" لم يحبذ مفاتحة ابن خالته في الأمر حتى لا يفقده الثقة في نفسه بعد أن تعهد له بدفن الماضي بما فيه من أمور مخزية، تحرج من سؤاله بشكلٍ مراوغ بعد ملاحظته لتعديل سلوكياته المنحرفة مؤخرًا وتركه لكافة الموبقات، ليدع الأمر جانبًا الآن إلى أن تأتي اللحظة المناسبة .. تحرك بسيارته نحو وجهة محددة، منزل عائلة "همسة" لدعوة أفراد أسرتها لحضور حفل الاحتفال بالمولود الصغير في منزل أبيه "بدير"، ذاك الحفل الذي يُصر الجميع على إقامته، ومع ذلك ذهابه لدعوتهم بشخصه زيارة غير مستحب تواجده فيها لأسبابٍ لم يحاول التطرق لها وإن كان بين نفسه .. فضل البقاء منتظرًا في سيارته على ألا يصعد للأعلى، ليس فقط تجنبًا لرؤية من تسبب له التخبط في أفكاره والارتباك في مشاعره، ولكن لكونه قد حسم الأمر بعدم السماح لنفسه بالالتقاء بـ "فيروزة" تحت أي عذر حتى لا يتمادى في تفكيره غير الجائز بها، أقنع نفسه بضرورة التركيز حاليًا مع ما يصيب استقراره الشخصي والعائلي، وخاصة المشكلات التي نشبت في الآونة الأخيرة مع "خلود"، انتشله من سرحانه المحير والمفعم بالتوتر والإرهاق الذهني صوت "هيثم" المتسائل:
-هتعمل إيه يا "تميم"؟
أجابه باقتضابٍ:
-زي ما أنا.
أعاد تكرار السؤال عليه بصيغة أخرى:
-يعني مش جاي معايا؟
رد نافيًا:
-لأ، مالوش لازمة أطلع.
أشـار بيده معترضًا عليه:
-طب ما إنت أخوها، ولما تيجي منك هاتبقى تقدير كبير ليهم، ودي فرصة نقرب حبال الود بين الجماعة.
زفر مرددًا بوجه مكفهر:
-معلش، أنا مش عاوز أتحشر في أي حاجة، مش ناقص مشاكل، وماتضغطش عليا.
تحدث "هيثم" من زاوية فمه قائلاً:
-براحتك.
امتقع وجهه أكثر وهو يأمره بلهجة خشنة:
-بس ماتطولش فوق، انجز معاهم، كلمتين في السريع.
هز رأسه بالإيجاب قبل أن يترجل من السيارة ليرد:
-طيب.
تتبعه بعينيه وهو يتجه للمدخل حتى اختفى بداخله، نفخ مجددًا في ضجرٍ ليتلفت بعدها حوله ناظرًا بغير تركيز، بحث عن ولاعته في جيبه بعد أن أخرج علبة السجائر .. أشعل "تميم" طرف السيجارة وترجل من سيارته ليستند بذراعه على بابها المفتوح، لفظ دخانها الحارق الذي تشبعت به رئتيه في الهواء، ثم استدار برأسه للجانب ليتابع حركة السيارة الأخرى التي تباطأت في سرعتها ليتمكن من لمح وجهها من النافذة الخلفية، خفق قلبه بقوةٍ وارتبك بدنه، دومًا لها تأثير السحر عليه بالرغم من كافة السبل التي يبذلها لمقاومتها، ازدرد ريقه ودقق النظر فيها وقد فتحت "فيروزة" بابها وأطلت بعنفوانها المحفز لحواسه، تحولت نظراته الفضولية لجمرات متقدة حين أبصر "آســر" يترجل من الأمام وتلك الابتسامة السمجة تزين وجهه، قست ملامحه وتوحشت عيناه سائلاً نفسه باستنكارٍ بيِّن:
-إيه ده؟ هي بتعمل إيه معاه .................................. ؟!!
تابع من هنا: جميع فصول رواية دموع هواره بقلم لولو الصياد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا