مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل الثالث عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.
رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث عشر
رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل الثالث عشر
طرفُ خيط
-تُصيبُنا الهموم، فتتبعُها المشكِلات، وتعنُقها الدموع، وعليها نسقطُ في بئرٍ سحيق لا سبيل لنا سوى العثور على طرفُ خيط النجاة، ولكن ذاك الطرف ضائع في كومة من الخيوط المُتشابكة فلا نحتاج الا لعقلٍ بدأ يرى النور..
تمرُ الأيام سريعًا وكأن الأمس لم يأتي، ومن قوة المرور نجد نفسنا تجاوزنا الشهور وليس الأيام ، انهت "وداد" تمشيط شعر "ريتا" ، وملامح وجهها عابسة؛ من شدة الألم الذي لا يترُكها منذُ أيام، رفعت يدها لتضع احدي الفرشات في شعرها وانحنت تُقبلها بعُمق، وبلهجة فعلت الكثير لتخرُج طبيعية :
-يلا اسبقيني؛ هغير هدومي وأنزلك..
حركت "ريتا" رأسها بنعم، وقبلتها على وجنتيها في تحية كالمعتاد، وركضت للخارج، غافله عن أُخري تكاد تتمزق حنجرتُها من كتم الصُراخ، سارعت بارتداء ملابسها، وقدمها تتخبط؛ من عدم القدرة على التحمُل، ليصدع عقلها مُشجعًا :
-هيا فقد تحملتِ الكثير، وهذا بالتأكيد سيزول كالسابق.... لتُحرك رأسها بإيماء خافت، وكأنها تُحدث شخص وتؤكد على ما سمعتهُ، لتنزل درجات السلم بقوة واهنة، وتُنادي :
-"ريتا" يلا هنتأخر...لتصدم ب..
خرجت "فادية" من غُرفة المكتب، وتحركت بعجله فالساعة قاربت على السابعة والنصف، لتصدم بـ "وداد" فتشتعل عينها، وبنبرة حادة :
-حاسبي يا مُتخلفة..
ابتلعت الإهانة، ورسمت بسمة مُميته، و بهدوء :
-يلا يا "" ريتا"..
استشاطت غضبًا، فبدت كوحش مُخيف :
-قريب أوي هتخرجي منها... وتحركت بخيلاء نحو الباب، وهي عازمة على طردها من البيت شر طرده، ولكن بهدوء؛ من أجل نتائج مُذهلة، لترتسم بسمة خبيثة على وجهها، وومضة من ليلة أمس تُنير عينها المُظلمة بالانتقام..
دقت الساعة الثانية عشر، وعينها لا تستطع النوم؛ بفعل الأرق، لتنهض من فورها لجلب كوب حليب دافئ رُبما يُساعدُها هذا في الغفو سريعًا، لتلتقط أُذنيها صوت همهمات خارجه من أحدى الغُرف، فتُهرول لمعرفة غُرفة من، وتبتسم بخبث مع سماعها تلك المُكالمة بين "وداد" ورجلٌ بتأكيد... لتتلاشى الومضة مع بوق السيارات المُزعج، فتُسارع بركوب السيارة، بجوار "حسن"...
تعجب "حسن" من تأخُرها اليوم، وظل ينظُر لبوابة العِمارة من أن لأخر، وقبل أن يلتقط هاتفهُ للاتصال، لمحها تستقل الدرج بشرود غريب بدلًا من المصعد ، خلال دقيقة تجلس بجواره بصمت غريب، فقفز السؤال من شفتاهُ :
-فوفا أنتِ كويسه.
رسمت بسمة عريضة، وبنبرة تحمل الكثير :
-ايوه، يلا هنتأخر.... وبدأت بإلقاء سيل من التعليمات أهمُها:
-كلم التوكيل وشوف هنستلم العربية أمتى؟
بدأ بتشغيل مُحرك السيارة، مع دخول "وداد" و "ريتا"، ليُجيب :
-كلموني أمبارح، وهروح استلمها النهاردة..
اكتفت ببسمة مُتكلفه، وذهنها يسبح فيما تُخطط، ليحل صمتٌ مُهيب على الجميع...
**
ترجلت "مريم" من الحافلة، وسارعت بالوصل لشركة، فمنذُ عملها وهي تأتي قبلهم جميعًا عدا في بعض الأحيان تجد "أيمن" بالداخل، توقفت أمام باب الشقة لتحمد الله؛ أنهُ لم يأتي أحد، فتُهرول لتفتح النافذة، وتضع حقيبتها أرضًا، وتلتقط دفتر المواعيد لليوم، وقبل أن تفتحهُ...
دخل" أيمن" مكتبهُ بهدوء مُعتاد، ليُسرع بالدخول لمكتبه، وبنبرتهُ المُعتادة من الصرامة :
-"مريم" هاتيلي رسومات شقة الدُقي.
حركت رأسها بنعم، مع صوتها :
-حاضر، وتحركت للجهة الأخر من مكتبها؛ لتُخرج الملف من الدُرج، وتسارع بالذهاب إليه، طرقت الباب بوجل، خوفًا من غضبه :
-مستر "أيمن"...
جلس لتو على كُرسيه، وبدأ بتنظيف إطار نظارتهُ، لينتبه لطرقاتها الخافتة، فيُحرك رأسهُ بالسماح لها بالدخول...
تحركت مع إشارة رأسه، وخلال أقل من دقيقة كانت تُعطيه الملف، وتمسك بقلمها لتسجيل ما يُريد..
تفقد الملف، وأظلمت عيناهُ أكثر، وبنبرة مُرعبة :
-فين "ياسين"؟..
خرجت حروفها مُرتبكة، فهي تخشي بطشُه :
-لسه موصلش..
-لما يوصل تبلغيني..
تمتمت بنعم، وفرت هاربة للخارج، تحمد الله إنهُ لم ينفجر بها، فلن تنسى غضبهُ قبل يومان مع أخيه؛ على إخفاقُه في إحدى الحِسابات، لتجلس على مكتبها، وتبدأ بتفقدُ الحاسوب، وتنظر لحقيبتها بأسي ، لتهمس:
-ملناش نصيب نخلص النصوص، لتبدأ رحلة اليوم في عملها، وعينها لا تبتعد عن الحاسوب والقلم لتدون بهِ...
**
ضجيج حاد يملأ بيت "منصور"؛ فـ "رحيم" لم ينفك عن البُكاء منذُ أذان الفجر، ولا احد يستطيع مُراضاته..
خرج "منصور" من غُرفته، ليحملهُ من والدتهُ، وبمحايلة :
-"رحيم"... ليحملهُ إلى غُرفته صافعًا الباب خلفه؛ فالعلاقة بينهُ وبين "فدوة" لا تتجاوز الصباح والمساء، تحرك يمينًا ويسارًا، وهو يُتمتم ببعض آيات الذكر الحكيم، ليشعُر برأس "رحيم" على كتفه، فيضعهُ في سريه ويتدثر بجواره، وصندوق الذكري يفوح بما يحمل من ندوب...
قبل خمس سنوات، عندما أعلنت "فدوة" عصيانها لهُ، وقررت عدم الالتحاق بالجامعة، لتُحالفها والدتها بقرار الزواج من أول طارق للباب.... ليتوقف الصندوق عن البوح مع طرقات باب غُرفته، فتنفرج شفتاهُ بالأذن :
-ادخلي يا "روكا".
سارعت بفتح باب الغُرفة؛ عندما التقطت أذنيها الأذن بالدخول، وبشاشة :
-صباح الخير.
تمتم بالتحية المُماثلة، وتحرك نحو دولابه؛ ليستعد للخروج، ليتوقف مع...
لم تعلم هل ما تقولهُ خطأ أم صواب، ولكن ذاك السؤال يورق مضجعها، وبارتباك :
-هو أنت كرهت "فدوة "..
غامت عيناهُ بالعواصف، وقبض على تلك القطعة القماشية بين يداهُ، وبنبرة تحمل ما لا يُمكن وصفة :
-الأب مبيكرهش ولادوا، أخر ياخد على خاطروا شوية، لكن مبيكرهش..
شعرت فداحة قولها، فتمتم :
-اسفه، لكن أنا مش فاهمه ول عارفة وبنبرة تقطُر حُزنًا :-"فدوة" مبتكلمكش وماما كمان، وهي بتقول أنك ظلمتها...
تحرك من موضعه؛ ليربُت على كتفها بحنان أبوي، وبهمس صادق :
-محدش عارف الظالم والمظلوم، وأمك وأنتِ عارفها شوية وهتروق لوحدها..
-طيب، أنا همشي، وسارعت بالخروج من الغُرفة، وهي تتخبط فيما سمعتهُ قبل قليل، لتخرج أنفاسه متوترة قبل أن تضع تخبُطها جانبًا، وترحل لجامعتها.....
**
اغلق "رامي" هاتفهُ بقنوط، وتحرك بتكاسُل شديد، فليلة أمس امتنع النوم عن عيناهُ؛ بفعل ذاك الصُداع الشديد، ليتحرك بألم قاتل في كُل خلية جسدُه، ليتوجه إلى المطبخ، داعيًا القدير أن يجد "سماح"؛ لتُريحُه من هذا الألم...
أنهت "سماح" جليّ أطباق الإفطار، وتحركت بغنج وهي تُدندن إحدى الاغنيات الرائجة "المهرجانات"، لتفزع من...
خرج صوتهُ كنداء استغاثة :
-"سماح".
صمت يدها صدرها سريعًا، وتمتمت بهمس بعدنا بصقت في ملابسها :
-سلامًا قولًا من رب الرحيم، وبتهكم ساخر... بيطلعوا أمتى دول؟..
بدأ الألم بالتزايُد، حتى شعر أن النيران ستخرج من رأسه، وبنبرة واهنة :
-أعملي فنجان بسرعة، دماغي هتطير منيّ...
بسمة خبثيه شقت وجهها المُتهكم، وسارعت بالقول البائس :
-كان على عيني أخر فنجان قهوة الحج لسه شاربوا قبل ما ينزل..
هل ستنشق حنجرتيهِ عن الألم أم ستصمُد؟.. لم يعرف ماذا يفعل، فيداهُ بدأت بحك سائر جسدُه، وبرجاء :
-أتصرفي يا "سماح" هموت..
بدأت كمن ستحلُ احدي الأمور السياسية، قبل أن تُجيب :
-طب استني هنزل اشتري بن محوج وأجي، بس أوعى تقول لأبوك إني خرجت..
حرك رأسهُ بنعم، وبنبرة مُشجعة :
-طيب، روحي بسرعة، وجلس على كُرسي المائدة يُكمل حك جسدُه، ولُعاب فمُه يتزايد....
**
شُحنات كهربية تقفز هُنا وهنُاك، وانفعالهُ لا يقل بل يزداد، وبنبرة هادرة :
-دا استهتار..
تمتم "ياسين" بالاعتذار، وحاول إصلاح الأمر، فهو يُقصر في عمله :
-خلاص أنا هصلح الأخطاء.
وبنبرة صارمة، تخللُها الأمر :
-بكرة الصبح يكون على مكتبي كامل..
-حاضر، ليُسرع للخارج، وهو يلعن غبائهُ، وتخبطه بين ما يُريد القلب والعقل، ليعزم على حديث مُطول مع اخته فور دخولهُ البيت، ليفق من شروده مع اصطدامُه "بحسن"، فيُلقي تحية فاترة، ويُكمل طريقهُ نحوه مكتبه...
رفع "حسن" حاجبيهِ باستغراب، و بتساؤل :
-في أيه؟.
بلهجة مُميته :
-فين عقود عميل اسكندرية؟.
فهم إن اخيهِ مُشتعل، ليتقدم لإعطائُه العقد، ويُكمل :
-هروح التوكيل..
حرك رأسهُ بنعم، وأشار لهُ بالانصراف، وبدأ يقرأ بنود العقد من جديد وكأنهُ لم يعرفها من قبل، لكن هوسهُ الدائم يجعلهُ يقرأ للمرة الأولى، ليتوقف عن القراءة مع رنين هاتف بجواره، ليظن أنهُ هاتف "مريم" ولكن مع عدم انقطاع الاتصال، قرر الخروج لها، لتصطدم قدماهُ بالهاتف أرضًا، فينحي لالتقاطُه، فيري هوية المُتصل "وداد"، ليعلم أن الهاتف لأخيه، فيضغط على زر الاستجابة، وقبل أن تنبث شفتاهُ بأذني كلمة، كان الهاتف ينقل كلامُها...
**
علي الجانب الأخر قبل دقائق، وعلى وجه التحديد بفناء المدرسة، توقفت "وداد" عن السير، وجلست علي إحدى الدرجات الفاصلة بين الفناء وبوابة المدرسة، وبإعياء شديد، بدأت يداها تقبض على طرف الدرج، وشفتها تكتم صراخ مُلتع من شدة الألم، لتُخرج هاتفها، وتجري اتصالًا بـ "حسن"، وبنبرة جاهدت أن تبقى ثابته، فخرجت دون إرادة مُتذبذبة :
-"حسن" ممكن تجي تروح "ريتا" عندي مشوار مُهم، فتُسارع بغلق الهاتف، وأنين خافت يخرُج من بين شفتيها، لتبحث عن احدي المُسكنات بحقيبتها، فتأخذ حبتان، وتهرول للخارج، وهي تُجري اتصالًا أخر بالطبيب، فتقول :
-نص ساعة بالكتير وهكون موجودة، أرجوك متتأخرش، لتخرج من البوابة غافلة عن...
تحركت" فادية" لإلقاء بعض الأوامر علي حارس البوابة، لتلمح "وداد" تتحرك بتخبُط قبل أن تجلس وترفع هاتفها للحديث مع أحدهم، لتتحرك بحذر؛ لمعرفة الحديث، فبالتأكيد سيكُن ذاك العشيق، لتتسع عينها بعدم تصديق، مع قول "وداد".. نص ساعة وهكون موجوده... لتبتسم بخُبث وتعود لمكتبها؛ لإجراء اتصالًا، بعد مرور خمس دقائق، كانت تجلس على مكتبها بأريحية، وتنتظر الجواب من ابنها، وبلهجة مُتأثره :
-"أيمن"..
ظل ينظُر للهاتف بتعجُب، قبل أن يصدع رنين هاتفُه، فتُحرك ليلتقط مفاتيح سيارتهُ، ويُجيب :
-ايوه يا هانم..
أجادت رسم قناع البؤس، وبلهجة متوترة؛ لنقل صدق الحديث :
-"أيمن" أنت فين؟.
تعجب من سؤالها :
-في الشغل..
-و"وداد" فين؟.
-معرفش.
- متعرفش، هي مش معاك!
-لا.
-أمال راحت فين؟ أصل.
-في ايه؟.
-والله يا بني مش عارفة اقولك ايه! من شوية سمعتها بتتكلم في التليفون، وبتقول نص ساعة وأكون عندك، فكرتها عندك في الشغل، وبتصل اشوف مين هيروح "ريتا"..
أظلمت عيناهُ، وتحول ليلها لعاصفة قوية قادرة على الفتك بالجميع، ليُغلق الهاتف، وبدأ بالاتصال بها، لكن لا جواب، ليُطيح بما فوق مكتبهُ أرضًا ، ويركُض إلى الخارج..
**
ودعت "فريدة" صاحبة المحل بسعادة، فالفترة السابقة، أخذت منها الكثير من القطعة بل كانت تأخذ شغلها بأكملُه، عدا بعض القطع التي كانت تصر على بيعها للمارة، شقت بسمة حالمة مع مرور طيف مُحبب لروحها، لتتوقف تلتقط أنفاسُه، والطيف يأبى المُغادرة، لتبتسم بسعادة وتهمس لنفسها :
-وبعدين يا "فري"، لتطرُق احدي الافكار رأسها فتُسارع بالركض في الشارع، غير مُباليه بالمارة، قاصدة مكان بعينه.. ..
**
قارب الشفق الأحمر على المغيب، و تسللت الخيوط الحمراء من نافذة المكتب لتعقد "مريم" حاجبيها بعبوس فالدقائق المُنصرمة كان المكتب كُتلة من النيران، بداية من صُراخ "أيمن" بـ "ياسين" ومرورًا بالثانية ظُهرًا حينما حطم حاسوبه، ليركُض نحو الخارج وكأن وحوش الجن تُطاردهُ، زفرت بهدوء، وتحركت إلى مكتب "ياسين" تطلب منهُ إذن المُغادرة....
كان "ياسين" مُنهمكًا في عمله، و يداهُ تنقر فوق حاسوبه من آن لأخر، لإنهاء ذاك الملف، ليقطع تركيزهُ طرقات الباب، فيُجيب :
-أدخل..
فتحت الباب بهدوء، و بتساؤل :
-مستر "ياسين" محتاج حاجه؟.
فهم ما تُريد، فأردف :
-لا يا "مريم "" تقدري تروحي.
-طيب، عن إذنك... ورحلت لتلتقط حقيبتها، فلم يتبقي الكثير على عودتها للبيت، ولا تُريد بث الريبة في قلب والدتها....
**
عل صوت "فاطمة" بتذمُر واضح، وبنبرة لائمة :
-بقى كده يا "فري"..
قهقهت "فريدة" بسعادة، وحركت حاجبيها بمشاكسة :
-لا مش كده خالص، بس...
رفعت حاجبيها باستفهام :
-بس ايه يا بنت "حلمي"..
حركت كتفها بدلال لا يلق سوي بها، وركضت لتتوسد رجليها، وبنبرة ماكرة :
-متحكيلي...
ببلاهة :
-احكي عن أيه؟.
-عن بابا..
تنهيدة حارة كانت بداية الجواب، قبل أن تغفل للحظات في زمنٍ ليس بالبعيد، لتخرُج الحروف من بين شفتيها، كمُراهقة تتخبط في أودية العشق :
-الحنان كلوا كان فيه، رغم قستوا، عارفة كُنت بخاف منوا لكن عمري ما شكيت خوفي غير ليه، تقدري تقولي كان هو الدنيا ليا.... لتنقطع الكلِمات مع دمعة حارة بنيران الشوق..
نهضت من رقدتها، وقبلت جبينها بعمق، وبهمس :
-كان نفسي أشوفوا أوي، كانت ديما ماما متحكيش عنوا غير لما الشوق يأخُدها قوي، لدرجة انها هربت من مصر كلها خوفًا من شوقها ليه، كنت ديما استغرب هو في راجل يستاهل يتحب كده، لترتفع يدها بارتعاش، وتُزيل تلك القطرات العالقة في جفنيها، لتُكمل... :
-كُل يوم كُنت بشوف في عينها حنين كبير أوي، وخصوصًا لما كُنا بننزل مصر، كانت بتحب نفسها في غرفتها ومتخرجش، ولما كُنت اسئلها كانت تقول "العهد مبيتهدش غير بالموت"... لتتوقف الكلِمات مع شهقات كلاهُما، وبحر الشرود تختلف، لتهب "فريدة" واقفه وتُتمتم أنها ستنام، وفرت هاربة تُزيل دموعها، لتُسرع لحقيبتها وتُسرع بإخراج تلك القطعة على شكل هرم نُقش على أحد جوانبهُ أُحبك، والجانب الأخر صورة كانت التقطتها لهُ يوم المعرض، والجانب الأخر فارغ، لتقبض بقوة، وهمسات شفتها تخرُج لغريب يستوطن قلبها على وجه الدقة والدتها :
- حبيت عشان مينفعش محبوش، سامحيني، لتشهق في بُكاء يُقطع نياط القلب، وعينها لا ترى سوى طيفُه وهو يبتسم تارة، وغاضب تارة، وجامد في كلماتُه تارة، لرفع وجهها والدموع قد بللت وجهها، لتهمس لنفسها :
-مش هكون زيك وأهرب، وبهمس خائف، مُتردد، مُتخبط "أُحبك منصوري"...
**
ترجلت "مريم" من التاكسي، وعينها تبحث عن اللوحة كُتِبَ عليها "المنصور" ، لتقع عينها على تلك اللوحة بنهاية الشارع، لتتحرك صوبها، وعينها تعود لساعة من جديد، فقد تأخرت في الحصول على ثمن مُناسب لخاتمها، لتُلقي توترها خلف ظهرها، ويدها تدفع باب المعرض، وعينها تبحث عنهُ، لتراهُ يقف مع احدي الرجال فترتفع نبرتُها في نداء :
-"سيد".
كان "سيد" يُخبر الرجُل ببعض التعليمات، لتمتنع حروف اللُغة عن مُساعدتُه، ويخفق قلبهُ بقوة، يُقسم أنهُ يسمع صوت اندفاع الدماء بداخل أوردتُه، ليتحرك بغير تصديق، وبتساؤل كان في غير موضوعه :
-خير يا "مريم".
غزي الاحمرار وجنتيها، وشعرت انها غير مُرحب بها، لتمنع تلك الدمعة من السقوط، وبصرامة :
-خير إن شاء الله، وفتحت حقيبتها؛ لتُخرج النقود، و بهدوء:
-اتفضل دي فلوس الإيجار من أول ما انتقلنا شقتك..
صدمة أم ذهول؟ لا يهُم، وبرفض قاطع :
-خلي فلوسك معاكِ.
بنفي مُماثل :
-لا دا حقك، وإلا هنسيب الشقة..
كظم غيظهُ بشق الأنفُس، وبنبرة مُحايلة :
-طب خليهم معاكِ دلوقتي، وهبقى أخدهم بعدين.
-لا... وسارعت بالقبض على يداهُ؛ لتبسط راحتهُ، ووضعت النقود بها..
تجمدت جميع أطرافُه، وزاد وجيب قلبهُ، حتى شعر أنهُ يسترُك أضلُعه، وعيناهُ تعلقت مع اصابعها، ليفق من شروده مع اختفاء تلك القطعة الذهبية من يدها، وبتساؤل :
-فين الخاتم..
توقفت الكلِمات، وشعرت بوقوف الهواء بحلقها، وبتعلثُم :
-أصل... لتُسرع بالقول.. اتكسر وفي البيت.
خرجت أنفاسُه بسرعة البرق، وبلهجة تدبُ الرُعب في اوصلها :
-فين الخاتم؟.
حاولت أزالت يدها من قبضتهُ، وبتوتر تُريد خلطهُ مع الجدية :
-سيب إيدي.
ترك يداها، وشعر بالضيق يغزوا وجدانُه، وبلهجة هادرة؛ لتُخرج انفعالاتُه :
-فين الخاتم يا "مريم" والا..
-بعتوا...
حاول بكُل ذرة تعقُل يمتلكها، أن لا يضربها على رعونتها تلك، وبحروف خرجت مع اصطكاك أسنانُه :
-يلا على المحل...
-"سيد" مينفعش أسلوبك دا، أنت مالك!..
بصرامة :
-ولا كلمة، يلا قدامي، ولما أروحك لينا كلام تاني...
**
دقت الساعة العاشرة مساءً و"وداد" لم تأتي بعد، ظل يطرُق الصالة ذهابًا وإيابًا بتخبُط غريب، ليس حُبًا بها، حاشه لله أن يخفق القلب لمحبوبته، ولك ثأر رجُل بدماء شرقية علم قبل ساعات أن زوجته المصونة تطرُق باب رجُلًا أخر..
راقبت "فادية" ابنها بتلذُذ شديد، ستنتهي من وجود تلك العلكة المُلتصقة بهم قريبًا، لتُمحي تلذُذها بنظرة بائسة :
-اقعد يا "أيمن"، هتتعب يا حبيبي، ولم تكد تنهي جُملتها إلا وانفتح باب البيت...
تشبثت "وداد" بالمقبض، و جسدها يأن من تعبها، لتفتح الباب ، و تتعجب من وجود" أيمن"، ونظرات "فادية" المُتشفية، قررت تجاهلهُم، والمرور دون حديث، فهي بالكاد تحملها قدمها ، لتتوقف مع نبرة...
خرجت كلماتُه قوية، رغم نبرة الشك بها :
-كُنتِ فين؟.
بجمود أجادت استدعائُه :
-أظن زواجنا مفيهوش الأسئلة دي، عن أزنكم، وأكملت صعود الدرج وهي تدعوا القدير أن لا تخونها قدمها...
ظل ينظُر في أثرها بغموض، ليتحرك صافعًا باب البيت خلفه...
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا