مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية إجتماعية مصرية مليئة بالأحداث الرومانسية للكاتبة رانيا صلاح والتى سبق أن قدمنا لها رواية أسرار البيوت علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السادس عشر من رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح.
رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل السادس عشر
رواية نيران الهوى بقلم رانيا صلاح - الفصل السادس عشر
مأربُ النفس
-البعضُ إن لم يكُن الجميع في عصرنا، لا يفعل الخيرُ مُطلقاً بل لحاجة في النفس يُريد الحصول عليها، ولهذا قل الخير إن لم يكُن صار نسيًا منسيا...
مرت ثلاث أيام دون جديدٌ يُذكر، سوى روتين يومي بحت، ولكن مع هذا الروتين شاع خبر وفاة "بدرية" لم يكُن الأمرُ مُفجع للكثير، ولكن هُنالك جمعٌ من الناس شعر بالحزن والضيق لساعات، ولكن شِعار الحُزن لم يُخيم سوى على ابنتها فقد، تلك التي قررت الهروب من الواقع في غفوة طويلة؛ خشية من الاستيقاظ والتأكُد من المحتوم..
وهنا بخارج غُرفة المستشفى كانت حرب النظرات تشتعل بين الحاضرين، ليُقرر "سيد" تجاهُل النظرات، فهو ليس لديهِ قُدرة على الجِدال وقلبهُ موجوع لفُراق الأُم، وغفوة الحبيبة الدائمة، تلك الحبيبة التي خارت قوها بين يديهِ وقررت الرفض القاطع لما حل بهم، زفر ببطء وعيناهُ تنظُر لباب الغُرفة برجاء، و شفتاهُ لا تنفكُ عن الدُعاء لها لتنقطع شفتاهُ عن دورها مع صوت...
غزي الحُزن ملامح "فرج" ليس حُبًا لفُراق زوجته، حاشه لله فحبلُ الود بينهم قد قُطع وتلاشت معهُ الذكريات، ولكن حُزن أب يرى ابنتهُ تستسلم للموت بكُل صدرّ رحب، ظل جالسًا في المستشفى منذُ معرفتُه بخبر الوفاء، حتى أنه لم يُكلف نفسهُ عناء الذهاب للجنازة، ليُقرر المُرابطة أمام باب الغُرفة؛ لانتظار تلك اللحظات من كُل يوم ليراها، شاحبه شحوب أقرب للموتى، وعينها النابضة بالحياة أغلقت أبوابها بالمتاريس الصلبة، وشفها المُشاكسة فقدت احمرارُها في إعلان تام للمُقاطعة، خرجت أنفاسُه خائف؛ فالطبيب دخل الغُرفة منذ نصف ساعة ولم يخرُج، ليضع العقل احتمالًا مرفوض :
-اترها رحلت، ليفق من واقع ذاك الاحتمال بقلبه، على حركة زوجتُه...
لم تبرح "سماح" المستشفى منذُ ثلاثة أيام، فتلك فُرصة لن تُعوض لها؛ لرؤية "سيد" لتُقرر بكُل سفور، أنها ستنال ودهُ الذي لم يوصل بها، لتبتسم بتهكُم وهي تُضيف بهمس :
-إن شاء الله تغور زي امها، لتمنع شفتها عن الهمس مع وقوفها أمام "سيد" وهي تمد يدها بكوب شاي تتصاعد ابخرتُه، وبلهجة مُبطنة، ظاهرها التأثُر:
- خد اشرب دا، وقفتك دي مهتعملهاش حاجه... ليتلاشى التأثُر، بوميض عين تقشعر لهُ الأبدان :
-دي بين ايدي ربنا..
لم يبسط "سيد" يداهُ لأخذ الكوب، والقى نظرة مُخيفة لها، لتنفرج شفتاهُ بلهفة؛ مع انفتاح باب الغُرفة وخروج الطبيب :
-طمني يا دكتور..
ابتسم الطبيب ببشاشة :
-الحمد لله فاقت، وكمان شوية هتتنقل غُرفة عادية، عن اذنكم...
أشرق وجه "سيد" وتمتم بالحمد وذهب سريعًا من أمام الغُرفة؛ ليؤدي نذرهُ ويُصلي...
تلاشي الحُزن من وجه "فرج" وتحرك مُسرعًا، واللهفة تقطرُ من عيناه، ليفتح باب الغُرفة، وبسعادة بالغة انفرجت شفتاهُ بالنداء لها :
-"مريم"... لكن لا جواب، ليقطع تلك الخطوات الفاصل بينهم في لمح البصر ويجلس بجوارها على السرير، ويدهُ تتشبث بيدها، وبهمس حار :
-"مريم"...
تضاربت مشاعرها ما بين حُب، وخوف، اشتياق، ونفور، لهفة، وحواء، لتعجز عينها عن التحمُل فتفيض بالدمع، ويجفُ حلقها عن الحديث، رغم غصة مريرة كمرارة العلقم تتجول بداخلُه، لتشعر بيد والدها تربت على يدها، لتبعد يدها سريعًا وكأن الأشواك تنغرسُ بها...
تألم قلب "فرج" لرفضها إياه، وبرجاء :
-سُكرتي....
عل صوت تأفُف "سماح" من الوضع بأكملُه، وببسمة زائفة، وقدمها تتحرك لتقف بجوار "زوجها" :
-حمد لله على السلامة يا حبيبتي..
نظرة مُنهزمة كانت بداية الجواب، قبل أن تنفرج شفتاها، بتساؤل صريح:
-فين "رامي"؟... ولم يكُن سؤلًا بقدر ما كان رجاء لوجوده؛ كي يطمئن قلبها أن هُناك أحد بجوارها...
تلكأت الحروف بشفتي "فرج" قبل أن يُجيب :
-بعتُ يشتري أكل..
حركت رأسها بإيماء، وقبضة من الجليد تعتصر قلبها، وبهمس اخر :
-فين "سيد"... وقبل أن تنتهي من نُطق حروف اسمُه كان يقف أمامها...
انهي "سيد" "صلاتهُ سريعًا، وعاد ليطمئن عليها، ليُصاب بخيبة أمل؛ عندما سمع صوته في سؤال عن أخيها، لتتلاشي خيبة الأمل سريعًا مع سؤالها عن وجوده، لتومض عيناهُ ببريق أخاذ وتهرول قدماهُ ليقف أمام الباب، ليتحرك كمسلوب الإرادة مع نظرات عينها الضائعة، و يداهُ تقبض على يدها بقوة، دون حديث يُذكر....
اشتعلت نيران "فرج"، وارتفع صوتُه في حدة بالغة :
-"سيد"..
تشبثت "مريم" بذراع "سيد"، وبنبرة مُتعبة ، فجرت احدي القنابل :
-"سيد" جوزي، ونظرت لهُ، وهي ترجوا منهُ التأكيد...
رجفة قوية مرت بجسده، وكأن ماس كهربي يسري بعروقه، ليُحرك عيناهُ في تأكيد لها واطمئنان لخوفها، وبحدة :
-ايه يا عمي مش هتبارك!...
جن جنونه، واستشاط غيظًا، وشعر بوخزات حادة في قلبه، وعقلهُ يأبى التصديق، وبنبرة هادرة :
-بتضحك على بنتي يا ابن****.
رسم بسمة مُستفزة، وبنبرة تقطُر برود :
-عيب يا عمي، هو أنا زيك باخد حقوق من صُحابها من غير أذنهم، أنا متجوزها من وقت ما سابت بيتك بإذن أُمها.
سيل حاد من الكلمات البذيئة والنائبة كان يخرج من فمه، وبوعيد :
-ورحمة أبويا ما هسيبك يا "سيد"، ورحل كالعاصفة الهوجاء أخذًا في اثره الأخضر واليابس من الود....
جحظت عين "سماح" لثواني، قبل أن تتشبع بالغضب والضيق، لتُلقي لهم نظرة مُميتة، وترحل وهي تُتمتم بالوعيد لهم....
مرت عشر دقائق والصمت يرنوا في الأجواء، لتنفرج شفتيها عن اعتذار :
-أنا اسفة، ولم تنتظر جوابُه لتُكمل، مكنش ينفع أرجع معاهم، أرجوك متسبنيش وأنا مش.... لتختنق العبارات بداخلها وتسقُط دموعها باحتياج شديد....
انقبض قلبهُ لرؤيها، ولم تسعفهُ الكلِمات للجواب، ليجد يداهُ تتشبث بيدها بقوة أكبر، وبهمس صادق :
-أنا جنبك...
**
عاد "حسن" إلى البيت، وهو يلهث من الركض؛ فقد نسى إحدى الأوراق الخاص ببعثتُه، ليلتقطُها سريعًا، ويهرول على الدرج، ليسرع أكثر وبنداء :
-"وداد"..
امتنعت اليوم عن الذهاب لعملها؛ بفعل الألم الحاد الذي يغزوا جميع أنحاء جسدها، لتتلاشى الرؤية أمامها، وترتخي ذراعها عن درابزين الدرج، وقبل أن تستسلم للسقوط، كان صوت "حسن" ينتشلها من اعيائها، لتُغمض عينها لثواني؛ لكي تتضح الرؤية أمامها، وبسمة مُصطنعة تحاول اغتصابها من براثن الانهاك، ويدها تعود من جديد لتشبُث بالدرابزين بقوة أكبر، وبنبرة جاهدة لثباتها وإخفاء ألمها :
-ايوه يا "حسن"..
كان قد قطع الدراجات الفاصلة بينهم، و بتساؤل قلق :
-أنتِ كويسه؟..
حركت رأسها بإيماء، فلم تجد القدرة على الكلام، تُقسم إن انفرجت شفتها ستشقُ أصوات صُراخها الجُدران...
دقق النظر لدقائق في وجهها المُتعب، وشحوبها الدائم، قبل أن يُجيب :
-مُستحيل تكوني كويسه بالحالة دي، لو محتاجة حاجة أنا هساعدك، ومش هعرف "أيمن"...
-أنا كويسه، عن إذنك واستجمعت قواها الضائعة؛ للخروج بثبات مزعوم من البيت، قبل أن تسقُط أرضًا...
نظر في اثرها بتعجب، وتحرك ليجلب مُفتاح سيارتهُ الساقط أعلى الدرج، والتعجب يطلُ من عيناه...
**
ظل "ياسين" مُرابطًا أمام الجامعة من السابعة صباحًا، عيناهُ تفترس وجوه المارة، ليس للفتنه بينهم، ولكن بحثًا عن شخص بعينه، والأن تدُق الحادية عشر صباحًا، ولم تظهر بعد، ليُلقي نظرة للبوابة في نفاذ صبر، لتقع عيناهُ عليها، فيتألم قلبهُ، ويترجل مُسرعًا....
انهت "رقية "مُحاضرتها بذهن غائب، وكأنها كانت مُجرد جسد وسط الصفوف، لتخرُج من المدرج بشرود، وهي عازمة على عدم إكمال اليوم، كانت عينها أقرب لكوب قهوة داكنة، تناثر ما بداخلُه على الحواف، ووجها البيضاوي صار أقرب لورده ذابلها، لتتوقف أمام ظل كلما حاولت الحركة تحرك معها، لتطلق العنان لجمام غضبها الكامن للخروج، لتتوقف الكلمات بحلقها، وترقق الدمع في عينها، وتحركت مُسرعة من جواره، فما عاد للحديث قيمة....
غصة مريرة طفت بجوفه، واعتصر قلبهُ من الألم، لترتفع يداهُ تلقائيًا للامساك بذراعها، لتنفرج شفتاهُ، بتلك النبرة الرجولية الرخيمة :
-ممكن نتكلم شوية...
دقت أجراس الرفض بداخل رأسها؛ لرفض القاطع، ولكن عجزت شفتيها عن الاستجابة، وبنبرة جاهدت كي تبقى خاوية من مكنون قلبها :
-اتفضل..
-ممكن نتكلم في العربية أو الكافية الي قدام الجامعة...
حركت رأسها بنعم، وتحركت لتعبر بوابة الجامعة، قاصدة الكافية... وبعد مرور خمس دقائق على الأكثر كانت تجلس على احدى المقاعد، وعينها تنظُر من النافذة، بهدوء...
جلس "ياسين" على المقعد المُقابل، وتعثرت الحروف في إسعافُه، ليرتشف رشفة من كوب الماء الموضوع أمامُه؛ ليُخفي جُزء من توتره، ليشرع بالقول :
-"رقية" أنا مش عاوز منك أي رد، لكن... ليزفر بتمهُل، و يداهُ ترفع تلقائيًا لإخراج ورقة مطوية من جيب بذلتهُ، ليمدهُ إليها، وبصوت أجش :
-فكري كويس، وهنتظر ردك...
اخذت الورقة بتعجُب؛ فلم يُكن في أقصى أحلامها الحديث معهُ، ولكن هُناك خطب ما لا تعرفُه، لتبدأ بفتح الورقة المطوية، لتجحظ عينها مع أول كلمة كُتِبت...
"لم ولن أقُل حبيبتي، فما بداخلي لا يكفي الحُب لوصفه...." لتمر نصف ساعة وعينها تعود من جديد لقراءة الورقة، وخفقات قلبها تقرع كطبول الحرب، وعينها تحمل الكثير من السُحب على وشك السقوط، وبعدم تصديق همست :
-"ياسين" أنت مُتأكد..
حرك رأسهُ بنعم، وبنبرة قوية؛ فقد علم جوابها رغم عدم نطقها بحرف واحد، ولكن عينها تحدثت، وخفقات قلبهُ تشعُر بمثلها في الجوار :
-يلا نمشي ، وأنا هكلم "منصور"..
**
جلست "وداد" بهدوء على الكُرسي المُقابل، لمكتب الطبيب الخاص بها، ويدها مُستكينه فوق قدميها، وعينها خاوية من أدنى شعور يُمكن أن يمُر بشخص يومًا ما، فقد الخواء والجمود التام مُنبعث من عينها، وبنبرة صلبه؛ فقد كان بداخلها يقين أن هذا المرض اللعين سيعود ليستوطن جسدها من جديد :
-مش هاخد ول جلسة...
تألم "الطبيب" لحالها، وبشفقة حاول أقناعها من جديد للخضوع للعلاج، مُحاولًا بث الشجاعة بداخلها :
-"وداد" أن مش هقولك لازم تتعالجي لكن أنتِ عارف كويس نتيجة التحاليل، وكون أنك لسه في البداية نقدر نعدي..
-وبعد ما نعدي، هرجع تاني وتالت، اسفة يا "دكتور"، عن إذنك... وتحركت بقوة تُحسد عليها، وعينها لا ترى سوى الضباب، لتخرج من الغُرفة فتقع عينها على الكثير من هم في مثل حالتها، هذا يبكي، وهذا يقبض على الجدار بألم يُزهق الروح، وهذا تبكي والدتُه بجواره، وهذا مصعوق من الخبر ربما هو مريض أو عزيز على قلبهُ، وذاك مُبتسم بتلبُد وقد فقدت عيناهُ مظاهر الحياة، ليتحرك بسكون من جوارها، لتسقُط دمعة حارة كنيران روحها التي اشتعلت، لتهمس :
- يا رب...
**
فتح "سيد" باب الشقة لدخولها، وبنبرة مُشجعة على التحرك :
-ادخلي..
حركت "مريم" قدمها جرًا لدخول الشقة، وعينها تعلقت لثواني باب البيت المُقابل، لتبلع غصة بحلقها، و تستجيب بإذعان لصوت "سيد"، وبهمس مُتعب :
-عاوزه أنام، وتحركت الغُرفة دون انتظار ردهُ، ولكن خُطاها كانت صعبة للغاية، وكأن قدمها مُقيده بالأرض من تحتها، عينها تأبى البحث عن طيف، وعقلها يُنادي للراحلة أن تأتي، ولكن يُقابلُها الصمت، والظلام المُنبعث من أرجاء البيت، لتدخل الغُرفة، و أنفاسها تخرُج لاهثة، وكأن المسافة من باب البيت للغُرفة أميال وليست بضع خطوات....
احترم حالتها، وقرر التحرك للجلوس على إحدى كراسي المائدة، ليترُك لها مساحة من البُكاء والضعف دون ضغط...
**
الخامسة عصرًا
جلس "حسن" على الكُرنيش مُنتظرًا؛ مُنتظرًا قدم "ياسمين"، وعيناهُ لا تحيد عن قدماهُ...
تحركت "ياسمين" بتوتر، وتخبطت قدمها من الخوف، لتقف بجواره :
-"حسن"...
لم يرفع عيناهُ عن موضع قدماهُ، وأشار لها بالجلوس، لتمر دقائق وكلاهما صامت، ليلتقط عدة أنفاس قبل أن يتحدث :
-هسافر أخر الأسبوع....
تعجبت من أخبرهُ إيها؛ فهي تعلم بسفرهم الدائم إلى المُحافظات، لتُجيب بدعاء خالص :
-إن شاء الله ترجع بالسلامة..
لم يِجيب على دعائها، وأكمل قائلًا :
-ههاجر، لحد دلوقتي محدش يعرف غير إني مسافر أكمل دراسة، لكن أنا.... ليصمت مع...
احتل الذُعر عينها، وبعدم تصديق :
-"حسن" مش وقت هزار خالص، أنت بتعمل كده عشان توجعني صح...
بسمة مُتهكمة شقت وجهه الجامد :
-لية شايفه الدنيا بدور في فلكك بس، فوقي يا " ياسمين"، مش كُل حاجه لازم.... ليضحك بمرارة، قبل أن يُكمل :
-أنا تعبت، وتحرك ليرحل بلا عودة، فقد مل السؤال عن أسبابها...
ارتفع صوتها ببُكاء :
-اهرب يا "حسن"..
لم يستدير لها، ليُردف :
-الهروب كان منك يا "ياسمينا"...
-خوفت، في حاجات أنت متعرفهاش، ليه محدش فاهمني؟... ليه كُلكم شايفني بدلع؟.. عاوز تمشي أمشي يا "حسن"، أنت.... وانقطعت عن الحديث مع...
ارتفع صوته بنبرة هادرة :
-افهم ايه!.. افهم أنك ضحكتي الناس عليا؟.. ولا أفهم رفضك الدايم ليا؟... وبصراخ، أنا مش أبوكي ، ول هكون زيوا...
-لا... تفرق أيه عنو؟.. وأكملت بشرود في بئر سحيق، يؤلمها كُل ليلة... هي حبتوا، وهو دور على حُب برة، وبسخرية مريرة، كلكم زي بعض..
ليتحرك موليه ظهرُه، تاركًا أيها تُحارب خوفها الدائم بنفسها اليوم، فقد مل قديمًا المُحاربة معها...
لتتحرك بانهزام، وقد أيقنت أن النهاية وضِعت..
**
تحرك "رامي" بغضب، وبدأ يُزمجر بضيق كأسد حُبِسَ داخل قُضبان ، لترتفع يداهُ لتلكُم الجِدار...
ارتدت "سماح" ثوب الحُزن لحالهم، وبنبرة تقطُر ضيق :
-متعملش في نفسك كدا، مش كفايا أبوك يا حبة عيني، من ساعة ما عرف ول هو دريان بالدُنيا...
سيل من اللعنات، أُطلق من فمه، وبتوعد :
-ورحمة امي ما هسيبوا، والله لأشرب من دمو، وتحرك مُسرعًا نحو المطبخ؛ للأخذ سكين..
ركضت خلفهُ في ذُعر، وبصياح تزامن مع لطم صدرها :
-يالهوي أنت هتعمل أيه؟... استهدي بالله كدة هتروح في شربة مية عشان كلب ول يسوا..
ارتفع صوته بغضب، ودفعها للجدار :
-اوعي يا "سماح"، وربنا لاقتلوا..
لم تُبالي باصطدام جسدها، وظلت مُتشبثة في ذراعة :
-وحد الله يا اخويا، كده أنت هتضيع وأبوك هيموت فيها، لازم تفكير وعلى رأي المثل ، أخذ الحق حرفه، وأكملت دون توقف، اهدي ووحد الله وهات السكينة وأنا عندي حل، وربنا يستر...
استجاب لها بإذعان، واعطاها السكين؛ مُنتظرًا سماع ما تُريد قوله...
سارعت بأخذ السكين، وتمتمت :
-عين العقل يا اخويا، وببسمة خبيثة أقرب لأفعي، بدأت بالهمس بما يتوجب عليهم فعلُه..
**
دخل "منصور" بيته وهو خائر القوى، فمنذُ لقائها قبل أيام وهو يُنهك نفسهُ بالعمل؛ هروبًا من وحوش رأسهُ ليلًا، ليُكمل طريقُه نحو الغُرفة، دون أن يطمئن على احد، ليدخل غُرفته مُتجهًا إلى السرير ليُلقي ثقلهُ فوقة، طالبًا بكُل رجاء من عينه أن تُغلق أبوابها سريعًا، وقبل أن يتحرك جفناهُ كان صوت...
قبل دقائق بالمطبخ انهت "سناء" إطعام "رحيم" وقبل أن تعود للعب معهُ من جديد، سمعت صوت انغلاق للباب البيت، فتحركت مُسرعة لترى من، لترى أبنها يدخُل لغُرفته مُنكس الرأس، وكتفاهُ تكاد تغوص في جسده، لينقبض قلبها سريعًا، وعادت لحمل "رحيم"؛ لتُعطيه لابنتها، وبعد أقل من دقيقة ارتفع صوتها في نبرة هادرة :
-اتقي الله بقا في ابنك، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا "فدوة"، لتخرج سريعًا من الغُرفة؛ قاصدة غُرفة أبنها، ودخلت دون طرق الباب؛ فهي تعلم انه سيدعي النوم ول يُجيب كما في اليومين المُنصرمين، وبنداء قلق على وليدها :
-"منصور"... وتحركت لتجلس بجواره على السرير، ويدها تربت على كتفه، وبقلق عجزت عن اخفائُه :
-مالك يا ضنايا؟...
اعتدل من نومة سريعًا، ومد يداهُ ليرفع يده والدتهُ لفمه، وبثبات يُجيد استخدامُه :
-الحمد لله..
طافت عينها على وجههُ المُجهد، وبهمس صادق بالدعاء :
-ربنا يريح بالك يا بني..
أمن بالقلب على قولها، دون أن يعود للحديث من جديد، في دعوة منهُ لها أنه يُريد الراحة ليس إلا...
تخبطت الحروف بحلقها، فعادت لشحن قوها من حال أبنها، بترسم بسمة حانية على وجهها قبل أن تشرع في القول :
-ايه رأيك في "ياسمين"..
لم يفهم سريعًا ما تُريد قوله، ليُجيب بعدم اهتمام :
-كويسه..
تشجعت أكثر لتقول :
-وأنا موافقه عليها، هي بنت ناس وطيبه وإن شاء الله تسعدك.... لتربت على قدمهُ وتخرج دون انتظار رده..
هل صُعِقَ من قولها، أم تخيل هذا؟.. جحظت عيناهُ من الصدمة، وبدأ كمن رأي شبحًا لتو، ليهمس بعدم استيعاب :
-"ياسمين"... ليرفع احدي يداهُ لتضرب اليد الأخرى سريعًا، وهو يتمتم:
- عليه العوض ومنو العوض، قال "ياسمين" قال...
وعلى الجانب الأخر بالغُرفة المُجاورة، لم تُلقي "فدوة" بالًا لحديث والدتها، ليصدع الهاتف من جديد بالرنين، لتزفر بحنق، وتُتمتم بسخط، قبل أن تُجيب بنفاذ صبر على زوجها :
-لا مُش جايه...
ارتفع صوت "عزت " بحنق مُماثل:
-يعني ايه يا "فدوة"؟.
-يعني الي سمعتوا يا اخويا، رجوع مش هرجع، وسارعت بإظهار عجزه :
- أنا مش هرجع يا اخويا للجوع والفقر تاني، واخدم اهلك، عاوزني تعالي اشتريلي بيت هنا، وسارعت بغلق الهاتف، وهمست :
-جتك القرف، جوازه تجيب الهم وتقصر العُمر..
دخلت "سناء" الغُرفة؛ أثر صوت ابنتها الحاد، وبتساؤل :
-في ايه؟... ولكن الصمت كان الجواب لثواني قبل أن تنفجر القُنبُلة...
انفرجت شفتها بعدم اكتراث :
-عاوزه أطلق ....
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا