مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والروايات الرومانسية في موقعنا قصص 26 مع رواية جديدة من روايات الكاتب علي اليوسفي ووالذى سبق أن قدمنا له رواية أشلاء واليوم سنقدم لكم الفصل الثامن والعشرون من رواية وصية والد بقلم على اليوسفى هذه القصة مليئة بالعديد من الأحداث والمواقف المليئة بالكثير من الرومانسية والعشق.
رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الثامن والعشرون
رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الثامن والعشرون
ساكن يساري المسكين ينتفض كعصفور ذبيح ، حتى الهواء تخنقني ذراته كأنني على وشك الاحتضار.
لكنني ما زلت قويا، أجابه تلك العواصف بجبينٍ عالٍ وكبرياء، هبي أيتها العواصف، فأنا مازلتُ كما أنا...
........................
مازال على جلسته منذ الصباح يفكر في طريقة ليفاتح شقيقه بموضوع انفصاله، الأمر ليس هيّناً أبدأ ، ومجد وعلى مايبدو فهو لم يُشفى بشكل تام لذلك عليه توخي الحذر واختيار مفردات آمنة معه.
لم يكن مرتاحاً البتة ولا يعرف لماذا ، نفخ بضيقٍ غير معلوم الاسباب ثم حمل القلم بين اصبعيه يحركه في الهواء بسرعة كطريقة للتخفيف من حدة توتره والذي لم يعرف له سببا لغاية اللحظة ، طرقات خفيفة على الباب جعلته يجفل بخفة، أجلى حلقه ليسمح للطارق بالدخول ، والذي لم يكن سوى أيمن الذي كان مبتسماً ببشاشة ، أصابه الذهول للحظة سرعان ماتمالك نفسه ليقف مرحباً بضيفه بحبور: أهلا وسهلا أيمن، تفضل.
تحرك أيمن ناحيته ليظهر من خلفه شاب آخر يماثله عمراً ، قطب أدهم جبينه باستغراب ثم نقل نظراته إلى أيمن الذي حدثه مشيراً للرجل خلفه: أهلا بك أدهم ، أود أن أعرفك إلى صديقي شاهين، لديه منزل يريد توضيبه ولم أجد أكفأ منك لتولي الأمر.
سكت لثانية مضيفا بغمزة ممازحاً: وأريدك أن تبيض وجهي.
أجبر نفسه على الابتسام وهو يومئ له موافقا، دعاهما للجلوس وشيء ما داخله يحرضه على ارتكاب حماقة غير مسبوقة ، ليست صدفة عابثة من القدر أن يُرسل إليه أيمن وهو يفكر في حياة ريما ، حتى بات عقله المجنون يتساءل بسذاجة: ماالذي قد يحدث لو أنه كشف نفسه لأيمن؟؟
كان شاهين يحدثه عن المنزل وعن التعديلات التي يرغب بها عندما رن هاتفه؛ ارتبك للحظة وهو يرى اسم ريما يضيء الشاشة ، تلقائياً وجه نظره المرتبك إلى أيمن الذي توجه بالحديث إلى شاهين ، كأنه يخفف عنه الحرج لو رغب بإجابة الاتصال.
استأذن منهما ثم ابتعد ناحية النافذة ليجيب الاتصال بخفوت: نعم ريما ؟
أتاه صوتها المهتزّ رغم محاولتها إخفاءه: أدهم ، تعال إلى مشفى (.....) حالا.
داهمه القلق خاصة أنها المشفى التي تعمل بها آماليا فتساءل بريبة: مالأمر ريما ؟؟
سكتت لثوان حتى نطقت بنبرتها المرهقة بما نسف ماتبقى من تعقله:لقد عرف مجد نصف الحقيقة و انتكس من جديد.
_ ماذا؟؟؟
صرخ بها باستنكار لينتبه الشابين خلفه لصراخه، طالعه أيمن باستغراب فيما كان أدهم يغلق المحادثة: أنا في طريقي.
وقف أيمن مقابلا له وقد شعر بالقلق من صراخه ، ومن باب تقديم المساعدة سأله: هل هناك مشكلة ما أدهم ؟
أجابه الآخر فيما هو يلملم أغراضه من الطاولة: إنه مجد، لقد تم نقله إلى المشفى.
دُهش أيمن من مقاله فهتف يسأله بقلق حقيقي: لماذا ؟ ما الذي جرى.؟؟
رفع رأسه نحوه دون إجابة لثانية، ومن بين قلقه على شقيقه زيّن له عقله إظهار الحقائق ، لا يعرف حقا مالذي حدث مع مجد ، لكن بما أنه عرف نصف الحقيقة إذا على أيمن أن يعرفه أيضا ، وبما أن الوضع على وشك الانفجار إذا فليفجر هو تلك القنبلة فإما دمار شامل ، أو فرح عامر.
أجابه بسرعة فيما هو يتجه إلى الباب: تعال معي أيمن.
من دون ثانية تفكير واحدة، تبعه أيمن وهو يحادث صديقه: أراك لاحقاً شاهين.
..........................
لا تعرف ريما كيف ستفسر الأمر لأدهم وهل سيتفهم هو هذه المرة، أم أنه سيسيء الظن بها كما يفعل منذ فترة ؟؟
كانت واقفة في ردهة المشفى ، تحديدا أمام الغرفة حيث أُودع مجد بعد أن أُغمي عليه نتيجة بذل مجهود نفسي كبير.
لم يكن الأمر بهذه الخطورة فهي مجرد إغماءة بسيطة، لكن ليس في حالة مجد ، فمرضه متأزم ومستمر منذ سنوات رغم تقرير الطبيب المختص والذي أفاد بأنه قد شُفي، إلا أن مارأته وتراه ريما من تصرفات مجد يوحي بالنقيض تماما.
جالت ريما بعينيها على المقاعد الفارغة حتى وقعت عيناها على آماليا الجالسة في الزاوية مُنكسة الرأس ، ماتزال تذكر كيف سقط مجد وهو يحاول الانقضاض عليها وربما ضربها ، أغمضت عينيها وهي تشعر بريما تجلس بجانبها ناظرة إلى الأمام، مرت لحظات قبل أن تنطق ريما بهدوء ، كأنها قرأت مايجول في خاطرها: لا تحملي نفسك الذنب آماليا.
رفرفت بعينيها مجيبة ببؤس ومازالت على وضعها: بل أنا السبب فيما حدث.
حركت ريما رأسها بنفي ثم أدارت رأسها نحو الأخرى الحزينة: لا أبدا ، هذا أمر اعتيادي بسبب مرض مجد.
رفعت رأسها إلى ريما بحاجبين ملتحمين ، لتتساءل باستنكار: ماذا تقصدين بمرض مجد ؟؟ واي نوع من الأمراض هو؟
زفرت ريما من أنفها وقبل أن تجيبها سمعت جلبة تصدر من أول الرواق، نظرت كلتاهما ناحية الصوت ، هرول أدهم عندما لمح الفتاتين حتى غدا امامهما ليسأل ريما بداية:كيف حاله الآن ؟؟
شلتها الصدمة لثوان من وجود أيمن قبل أن تتمالك نفسها ، ازدردت ريقها وهي تجيبه بصوت متذبذب: لاتقلق أنه بخير ، يقول الطبيب أنه نائم الآن.
هز رأسه بتفهم وراحة طفيفة تسللت إلى نفسه، لاحت منه نظرة ناحية آماليا ، التي كانت تناظره بآسى أخفضت رأسها حالما التقت مقلتيها بعينيه ، قطب جبينه باستغراب وكأنه فطن ليعلم كيف عرف شقيقه بنصف الحقيقة كما قالت ، ليعود ويسأل ريما: مالذي حدث ليفضي به الحال إلى هنا ؟؟
اصطنعت ابتسامة باهتة على شفتيها مجيبة بنبرة حاولت جعلها طبيعية: لقد كنت أتحدث مع آماليا عنك ، عندما ظهر مجد من العدم وقد سمع حديثنا ، فدخل في نوبة غضب ثم أُغمي عليه.
إجابتها لم تزده إلا شكاً وغرابة، هي وآماليا ؟؟ وتتحدثان عنه؟؟ ومن أين ظهر مجد ؟؟
أسئلة متواترة متلاحقة جعلته في حيرة من أمره، فيما كانت ريما تخطف نظرات سريعة اتجاه الشاب الآخر الذي جمدته الصدمة مكانه حرفيا.
منذ أن دخل إلى المشفى وقد شعر بشيء ينهاه عن المتابعة ، إلا أنه غالب قلقه الغير مبرر حتى دلف مع أدهم إلى الردهة ، هناك رآها، في البداية ظنّها من عمل خياله، لكن لا ، هي هنا الآن ، وأمام ناظريه ومع أدهم ؟؟
لم يكن الأمر بحاجة إلى الكثير من الذكاء ليعرف أن أدهم هو ذاته زوجها ، تجمدت خطواته فأبتْ قدماه متابعة المسير ، أو أن تلتفتا فتسمحا له بالهرب ، كم أنك أبله أيمن ، حقا !!
انتبه أدهم إلى ذلك الذي وقف بعيدا ببضعة خطوات ، تطلع نحوه ليقرأ صدمته ، حسنا هذا بالضبط ماكان يطمح إليه ، أن يعرف الحقيقة ، الحقيقة كاملة دون تزييف ولا يأبه للتوقيت الغير مناسب ، سدد نظراته ناحية آماليا ، فليعرفا حقيقة ماحدث، هما أيضا يستحقان الراحة ، هذان الاحمقان يعتقدان بأن كلا من ريما وأدهم خائن ، إذا لنرَ إن كانا سيظلان على نظرتهما تلك بعد معرفة الواقع.
أعاد نظره إلى ريما ليهمس لها بإصرار عنيد: يجب أن يعرفا هما أيضا.
شحب وجهها كورقة خريف اصفرّت ، وقبل أن تنهاه التفت نحو أيمن مناديا: لو سمحت أيمن ، هلّا تقدمتَ قليلا؟؟
أعاده صوت أدهم إلى رشده ، فاصطنع ابتسامة صغيرة ليتقدم بقدمين ثقيلتين محاولاً ألا ينظر صوبها ، وخافقه يهدر بجنون يزين له الهرب ، حتى بات أمام أدهم الذي وقف إلى الجانب ، ليغدو أيمن وآماليا متقابلين، ثم ربت على كتف أيمن الذي ثبت عيناه في الأرض: أودّ أن اعرفكما إلى بعضكما.
نظر أدهم إلى أيمن الذي أضاف بثبات: أيمن ، أودّ أن أعرفك إلى الطبيبة آماليا الصاوي، حبيبتي.
رفعت رأسها إليه كطلقة رصاص، فيما جحظت عينا أيمن من مقاله الغريب، خاصة أنه كان أمام زوجته والتي ، كانت هادئة بشكل غريب.
لم يأبه أدهم بكمّ الاستغراب الذي قرأه في عينيه ، ليلتفت بدوره إلى آماليا ، محدثا إياها بنبرة أقل حدة ورزانة : آماليا ، أحب أن أعرفك إلى أيمن خليل.
سكت لثانية مضيفا ما جعل الجميع في صدمة و موقفٍ حرج: وهو حبيب ريما !!!
........................................
لا شك بأنه موقف عجيب غريب، فهل سبق وأن قابلت رجلا يعترف بأنه يحب امرأة اخرى غير زوجته امام الأخيرة ؟؟ بل ويخبرك بأن زوجته تعشق سواه ؟؟
لا أظن هذا أبدا !
تلقائياً تنقلت الأنظار بين وجوه الأربعة ، واثنان منهما في إغماءة لحظية ، ماتفوه به أدهم خطير وقد تطير به رقاب، لكن الهدوء الذي يقرآنه في تقاسيم الآخرين مريب.
كان أيمن أول من تمالك نفسه ، لينطق بنبرة مترددة: لا أدهم أعتقد أن هناك خطأ ما....
قطع حديثه عندما ربت أدهم على كتفه من جديد ، قائلا بنبرة جادة: معك حق صراحة ، هناك خطأ ما ويجب إصلاحه.
انسحبت الدماء من جسده وهو لا يعلم معنى كلماته ، حتى أضاف أدهم بحسم: اجلس أيمن ، يجب أن تسمعا الحقيقة.
رغم هلعه من القادم المجهول ، إلا أنه أجبر قدميه على التحرك حتى جلس بالقرب من آماليا ، وقف أدهم وريما مقابلين لهما وكل منهما يقابل حبيبه، سرعان ماسحبهم أدهم جميعا في رحلة إلى دوامة الماضي، وليسرد لهما أحداث ومواقف لا يعلمان عنها شيئا....
................................ ............
كانت نور قد قررت البقاء بجانب خطيبها فى غرفته حيث كان نائماً، تطلعت إلى قسماته المجهدة وهي تشعر بالضياع، حرفيا لا تعرف حقيقة إحساسها في هذه اللحظة ، كل شيء انقلب في ثانية فلم يستوعب عقلها كمّ المفاجآت المتتالية ، ريما ليست حامل، أدهم و آماليا حبيبان، مجد مريض ولم يخبرها ابدا...
تأوهت بصوت مسموع واضعة يدها على رأسها بألم ،أسندت رأسها الى زجاج النافذة وشردت منظر الأفق البعيد ، مالذي حدث ويحدث بحق الله؟؟
أنّةٌ خافتة صدرت بجانبها أخرجتها من شرودها القصير، انتفضت بخفة وهي تقترب من مجد الذي بدى أنه على وشك الاستيقاظ، ابتسامة باهتة رسمتها على ثغرها وهي تهمس باسمه، أمسكت بكفه لتضعه على وجنتها وهي تنظر إليه بحب لم تغيره تلك الحقائق الغائبة.
فتح مجد عيناه ببطء شديد ، حرك رأسه بضعف حتى وقعت عيناه عليها، وتلك الابتسامة الباهتة أخبرته أنها قد علمت بشأن سره، للحظات ظل يتطلع نحوها حتى همس بتعب: آسف لأنني لم أخبرك نور، خشيت أن تبتعدي عني.
وضعت يدها على فمه ليخرس بحركتها، لتتحدث هي بخفوت : ليس هذا الوقت ولا المكان المناسبين لهكذا حديث مجد، فقط تعافى سريعا ونتحدث بعدها.
سكت مجبرا وهو لا يعرف بمَ يجيبها، واحتار في تفسير نبرتها وكلماتها ، ولا يعلم هل خففت عنه عبء التبرير؟؟ أم أنها أنهت مابينهما مسبقاً.؟؟
........................
كانت الصدمة هي كل مااستطاعا تقديمه لهما، فبعد معرفة كلاً منهم بأنه ظلم حبيبه أمور كثيرة تغيرت، فأيمن تطلع إلى ريما بعين جديدة، نظراته امتلأت بالندم والحزن وحتى الانكسار ، ماعانته تلك الغزالة لم يكن بالهين أبدا ، وهو الأبله الذي كان مصرا على جرحها كلما رآها !!
اما آماليا فقد كانت نظراتها لأدهم كلها فخر وأسف ، وعشق لم يتزحزح عن مكانته قيد أنملة.
تحدث أدهم متابعا سرد ماضيه وذكراه: بعد وصولنا إلى المملكة المتحدة، بدأنا معاناة جديدة ، ناهيك عن كل الصعوبات في البداية والتي حاول صديق والدي تذليلها على قدر استطاعته ، كانت حالة مجد النفسية تزداد سوءاً، تعلق بريما بشكل غريب حتى بعد أن شُفيت جراحه.
تابعت ريما بعدما تعب أدهم: حتى اضطررنا في النهاية لعرضه على طبيب مختصّ، رفض مجد أن يتحدث مع أحد ، لكن وبعد معاناة تمكن الطبيب من كسب ثقته ، بدأ مجد يستكين قليلا واعتقدنا أنه في طريقه إلى الشفاء .
سكتت للحظة تعاين وجوه المصدومين لتردف: بعد ثلاثة أعوام من رحيلنا ، توفي عمي الاكبر وهو محراك الشر الأساسي في قضية القتل ، تشرد ابناؤه وتفرقوا حتى نسي الجميع القضية، حينها رغبنا في العودة إلى البلاد، إلا أن مجد لم يسمح لنا.
قطعت كلماتها مستذكرة ذاك اليوم، ليكمل أدهم عنها: يومها رفض مجد بل ودخل في حالة هستيرية تماما كما حدث اليوم ، لنكتشف حينها أن الطبيب والذي كان يعرف بقصتنا كلها، أخبره وكجزء من اختبار بأنني وريما سنتطلق، فنهره مجد وجنَّ جنونه ، وكان ابن ثلاثة عشر عاما ، فأخبرنا الطبيب بحقيقة مرضه .
_ التعلق المرضي العاطفي.
نطقتها ريما بآسىً واضح في نبرتها ، تبادلت مع أدهم نظرات ذات مغزى ، أخفض رأسه لتتابع هي: لقد كان مجد متعلقاً بالعائلة كثيرا ، وبعد وفاة والديه وزواجنا الإجباري تعلق بصورتنا هذه، فتصور أننا عائلة سعيدة ولا يجب أن يخلَّ أي شخص بهذه الصورة.
أغمضت آماليا عينيها واخفضت رأسها ، وهي لا تعلم حقيقة مشاعرها تجاه مجد، هل تنقم عليه أم تعذره؟
فيما تذكر أيمن أن مجد يتحدث عن عائلته بشكل دائم ، ربما لم يسبق وأن ذكر اسم زوجة أخيه ، لكنه كان دائم الحديث عنهم.
تابع أدهم حديثهما المليء بالحقائق الصادمة: قبل أربعة أعوام ، طلب مني مجد بأن نعود إلى هنا ، الحقيقة كان طلبه مفاجئا وغريباً، خاصة أنه لم يعارض بقاء ريما لوحدها هناك وان تتابع دراستها، آثار طلبه ريبتي وطلبت إليه الانتظار حتى أتحدث مع الطبيب، ليفاجئني هو بتقارير موقعة من طبيبه، يؤكد فيها أن مجد قد شُفي تماما.
استجمعت آماليا بعضا من شجاعتها، لتسأله بخفوت: لماذا إذاً لم تنفصل عن ريما بعد شفاء شقيقك ؟؟
لا يدري حقا لمَ ابتسم عندما سمع سؤالها ربما لأنه قرأ نظراتها النادمة ، ليجيبها والحنين واضح في صوته: كنا قد اعتدنا الوضع، فأصبح من الصعوبة بمكان أن ننفصل ، خاصة أن ريما ليس لها أحد سواي.
حركت رأسها بتفهم دون تعليق، ساد صمت مريب مُلهبٌ للأفئدة ، قد علم الجميع بالحقيقة فمالذي سيحدث الآن ؟؟
وقف أيمن مقابلا لهما ، ليتحدث بنبرة متأثرة؛ لقد عرفتما الآن أنه لم يُشفى ، ولن يسمح لكما بالانفصال.
اقترب من أدهم ليربت على كتفه مضيفا: أنت مثال نادر عن الأخوة أدهم ، حقا.
سدّد نظرة أخيرة الى ريما قبل أن يرحل بخيبته تحت أنظارهم المتفاجئة ؛ ولا يدري كيف سيحيا الآن وقد زادت عقده النفسية عقدة، عقدة الذنب وسوء الظن.
.....................................
مرت ساعة كاملة منذ أن رحل أيمن ، بقيت على جلستها وهي تشعر بأنها في متاهة، لم تنبس بحرف لعلمها بأنها ، بشكل أو بآخر ، مسؤولة عما حدث لمجد، كما أن شقيقتها لم تخرج من عنده حتى الآن.
كان أدهم و ريما قد غادرا إلى مكتب الطبيب النفسي بعد أن طلبهما للمناقشة ، ومع خروج إحدى الممرضات من غرفة مجد قررت أماليا الدخول والاطمئنان عليه.
كان مجد واضعا كلتا قدميه على الأرض، تأهباً لرحيله رافضا البقاء في المشفى أكثر، فيما نور كانت داخل الحمام الملحق بالغرفة العادية، دلفت أماليا وعلى محياها ابتسامة صغيرة تاركة الباب خلفها مفتوحا ، لكن مجد لم يرها أو يرفع رأسه في البداية ،حتى أجلت صوتها ليرفع رأسه إليها بغتة وقد شحب وجهه، ادعت الثبات أمام عينيه النارية لتهمس ببسمتها المرتبكة : كيف حالك مجد؟؟
دعونا نكن صريحين، أسوء قرار اتخذته أماليا هو ظهورها الآن وفي هذه الساعة بالذات وأمام مجد، وقف قبالتها رغم وهن جسده مثبتاً مقلتيه الغاضبة عليها ، ليتقدم منها تزامناً مع خروج نور من الحمام ، والتي تفاجأت بوجود شقيقتها و وقفت تشاهد ما سيحدث.
في نفس لحظة خروج ريما وأدهم من عند الطبيب، والذي طلب إلى أدهم إحضار التقارير التي قال مجد أنها حقيقية وبيد الطبيب النفسي، عادا إلى مكانهما لكن أماليا لم تكن هناك، تبادلا النظرات المستغربة ثم سمعا صراخ مجد من باب غرفته الموارب، ثم اندفع كلاهما ليفتحا الغرفة ويجدا آماليا تستمع إلى كلمات مجد الجارحة دون أدنى محاولة دفاع.
صرخ مجد بغله: لماذا آماليا؟ ألم تجدي سوى أدهم؟ لماذا أنت مصرة على هدم منزل يسوده الحب والوئام لماذا؟؟
تنفست بعمق محاولة أن تجيبه بأنه مخطئ ، لكنه بادرها بجملة مريرة مرار العلقم وقد غدى امامها: لمَ لم توافقي على هادي لتتخلصي من عنوستك ونتخلص منك ؟؟ أم أنك تهوين الإيقاع بالرجال المتزوجين أيتها الشيطانة !! لماذا تريدين أن تكوني حجر عثرة دائم أمام مستقبل شقيقتك لماذا؟؟
شهقات مستنكرة صدرت عن ريما ونور ، فيما صرخ أدهم بتحذير: مجد !!
لم يأبه الأخير به وبتحذيره، فقط ثبت عينيه على مقلتيها التي تجمعت الدموع على زاويتها، إلا أن عبراتها ترفض أن تبدي ضعفها أمامه، ليتابع بغل مفضوح: فلتعلمي بأنني لن أقبل بدخولك حياتنا مطلقا، ولن تكوني يوما زوجة لأخي ماحييتْ .
رفعت رأسها بكبرياء واضح لتجيبه بهدوء تحسد عليه: لقد فهمتَ الأمر برمته بشكل خاطئ مجد، فعلاقتي وأدهم تمتد لسنوات.....
- اخرسي.
لم يشعر بنفسه إلا وقد استقرت كفه على وجهها، في لطمة هزت داخلها بشراسة، صرخ أدهم بشقيقه من جديد وقد قطع المسافة بينهما قاصداً إيذاءه بدنياً ،هاتفاً من بين أسنانه المتلاحمة: أيها الوغد.
رغم الدهشة التي مازالت مسيطرة عليها من صفعته، إلا أنها شعرت بأدهم يريد الانقضاض على شقيقه، وقبل أن يصلَ إليه حالت بينهما بجسدها، واضعة يدها على صدر أدهم مما أدهش كلاهما، همست وهي تقاوم انهمار عبراتها: لا أدهم.
تطلع إلى مقلتيها التي تكاد تمطر بضياع، فهربت من نطاق عينيه لتنظر إلى أسفل.
رغم حقده الذي كان واضحا تجاه آماليا، لكنه لم يتوقع ابدا أن يرفع يده عليها، نظر مجد إلى كفه المرتجف، ثم تطلع إليها بدهشة وقد حالت دون تطور المشكلة بين الأخوين.
انا هي فكل مااستطاعته، أن تبقى على حالها هذا حتى تمالكت نفسها، ثم التفتت نحو مجد المصدوم لتخبره بصوت يكاد يُسمع تشوبه مسحة تهكم : لا تقلق مجد ، لن أكون حجر عثرة في طريق سعادتكما انت ونور أبدا.
ألقت كلمتها تلك لتخرج من الغرفة، مارةً بمحاذاة ريما التي كانت مصدومة حرفيا من كل مايحدث، وتحت نظرات نور التي شعرت بدائرة حيرتها تزداد، لم ترفع رأسها إليهم، وكانت خطواتها ثابتة بهدوء تحسد عليه، فيما أدهم كان واجماً يفكر في مقصدها من جملتها الأخيرة، لا إنها الآن غاضبة وتخفي غضبها خلف هدوئها العجيب، ولا شك سوف تتهور، رمق شقيقه الأحمق بنظرة قاسية ،ثم استدار لاحقا بها ، تاركا مجد يكاد يتهاوى لولا كفي ريما ونور اللواتي ساعدنه حتى جلس على السرير خلفه.
.......................................................................
لحق أدهم بها خارج الغرفة ببضعة أمتار، نادى باسمها لكنها لم تتوقف، حتى قطع طريقها بجسده، لم ترفع رأسها نحوه بينما هي تمنع دموعها من الهطول، وتبتلع في صدرها غصة حارقة خنقتها، لهث أدهم بخفة هامسا : أماليا أرجوك، انا أعتذر عمّا فعله مجد.
لا كلمات اعتذار في الدنيا قد تخفف من مرار العلقم في صدرها، رفعت وجهها نحوه وعلى شفتيها ارتسمت ابتسامة ساخرة ببرود، آلمه منظر اصابع مجد التي تركت أثرها واضحاً على وجنتها، ثم سمعها تهمس بثبات: لا تعتذر أدهم، للأسف مجد محق بكل حرف نطقه.
يعلم أنها الآن تتألم، وكم ودّ لو أنه يقتلع الوجع داخلها وليتألم هو عوضا عنها، فابتسمت بلا حياة كأنها قرأت أفكاره: حبنا لعنة أدهم، لن يجلب سوى الشقاء لعائلتينا وشقيقانا.
لم يصدق ماتتفوه به يعرف أنه مجرد كلمات بصقتها، إلا أنها عقدت يديها أمام ثم أضافت بنبرة حاولت جعلها طبيعية: صدقني انا الآن لا أحمل أي ضغينة تجاهك، بل تمنيتُ كثيرا لو أنك وقفت أمامي يومها كما تفعل الآن.....
اهتزت ابتسامتها لثانية، فسكتت لتبتلع النيران التي تتآكلها داخل جوفها، ثم تابعت حديثها بهمس: تمنيت لو أنك وقفت أمامي كما تخيلتك دائما كرجل ، لتخبرني بأنك حاربت لأجلي، لكن القدر كان أقوى منك بكثير، حينها كنت سأعذرك كما أفعل الآن.
بهتت ملامحه وقد استشعر بأنّ حديثها لا يبشر بالخير مطلقا، فيما أردفت هي بصوت خلا من الحياة: اذهب واعتني بعائلتك أدهم، كن بجانبهم دائما، وستبقى بداخلي ذكرى جميلة، قد أرويها يوما ما لأحفادي......
اختنقت بآخر كلماتها، غصّت بدمعاتها لتنهمر دمعة فشلت في ضبطها، ابتسمت من بين دموعها قائلة : ومن يدري، ربما سنلتقي من جديد بعد زمن، وكما يقال الثالثة ثابتة.
البلهاء !!
حقا هي كذلك، لماذا لا تحارب للحصول على الحب الذي تستحقه؟؟
لماذا يجب أن تكون جبانة انهزامية بهذا الشكل؟؟
اهتزت تقاسيمه الجامدة ليرتسم الأسى والحزن على تعابيره، مكتفياً بنظراته اللائمة لتخليها عنه، ولكن هل في يدها حل آخر؟؟
مجد لن يقبل بوجودها في حياته أبدا، وتعرف أن شقيقتها تحبه ولا تريد وضعها تحت اختبار أو بين نارين، حيث تضطر لاختيار أحدهما، لذلك هي قررت الانسحاب ببساطة من حرب ليست لها، وتعلم جيدا أن احتمالات فوزها معدومة، ومن يعلم ؟؟قد يقع حفيده يوما في غرام حفيدتي، فتجمعنا الصدف من جديد؟؟
ابتسمت بداخلها على تفكيرها الساذج، لتتابع مسيرها مارةً بجانبه وقد قررت خطواتها التالية ، لم تستدر للخلف فلم ترَ تلك الدمعة التي سقطت من عينه، وقد أطلقت أماليا رصاصة الرحمة على أوراق حبّ لم يكتمل.
التفت هو يراقب خطواتها الهادئة، كواقفٍ على حافة الهاوية، ومن خلفه ثعبان سام، وهو يقف هناك يحسب أي ميتة ستكون أسهل وأقل ألماً.....
تابع من هنا : جميع فصول رواية احببتها في انتقامي بقلم عليا حمدى
تابع من هنا: جميع فصول رواية وكفى بها فتنة بقلم مريم غريب
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا