مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة والروايات الرومانسية في موقعنا قصص 26 مع رواية جديدة من روايات الكاتب علي اليوسفي ووالذى سبق أن قدمنا له رواية أشلاء واليوم سنقدم لكم الفصل الثالث والثلاثون (الأخير) من رواية وصية والد بقلم على اليوسفى هذه القصة مليئة بالعديد من الأحداث والمواقف المليئة بالكثير من الرومانسية والعشق.
رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الثالث والثلاثون (الأخير)
رواية وصية والد بقلم على اليوسفى - الفصل الثالث والثلاثون (الأخير)
عندما تعطيك الحياة فرصة السعادة فتمسك بها، لا تهدرها بعنادك، فكل جميل راحل، وحين يرحل فلن يعود.
..............................................
خرج أدهم بعد أن فجر قنبلته، وللحق فهي ليست قنبلة عادية، ربما نووية ؟
لا بل ذرية !!!
ظلت ريما تطالع سرابه بذهول، لا تستطيع تصديق ذلك البرود الذي نطق جملته بها، هل الأمر بهذه السهولة ؟؟
ظل الذهول مسيطر عليها حتى دخلت إيمان ، لتجدها على حالها، اقتربت منها حتى أضحت أمامها ، ثم سألتها باستغراب: ما الأمر ريما ؟؟
أجفلت الأخيرة بخفة، تطلعت إليها كمن تفاجأ برؤيتها، شردت في وجه إيمان وهي تفكر بأمر ذينك العنيدين، يجب أن تعرف آماليا قبل أن يتهور أدهم ، لكن كيف السبيل ؟؟
ثوان مرات حتى انفرجت ملامحها ببعض الراحة ، وهل ستجد أفضل من تلك الثرثارة الفضولية لتبعث برسالة خفية إلى آماليا ؟؟؟
ابتسامة ماكرة عرفت طريقها إلى وجه ريما، بينما كانت إيمان ترمقها بنظرات مستغربة، هل أثرت السعادة على عقلها؟؟
تلك المسكينة !!! هل جُنّتْ ؟!!
........................................
كان حفل الزفاف مقاماً في منزل أدهم ، لم يكن الحضور كُثر ، ولم تكن الصالة مبهرجة ولا مزينة بتكلف ، بل كان كل شيء بسيطاً بكمال، بناء على رغبة العروس، وفي صدر الصالة وُضِعت أريكة بيضاء عالية ، ذات حوافّ ذهبية ومفتوحة من أحد جانبيها، مخصصة لصاحبيّ الحفل الميمون.
استأذن أدهم من الطبيب بشأن مجد، فلم يعارض الطبيب البتة شرط ان يقدم وينتظره، حضر مجد إلى غرفة ريما التي عانقته بقوة ، أخرجها من حضنه وهو يربت على وجنتها قائلا بحنان: لا تبكي ريما ، ستفسدين زينتك.
ابتسمت تمنع دمعتها ، بينما هو يرمقها بامتنان، نفخ بخفة قبل أن يتحدث بصدق: آسف ريما، على كل السنوات التي اهدرتها بسببي.....
قاطعته واضعة يدها على وجنته بحنان: أبدا لا تعتذر مجد، أنا لم أضيع عمري هباء ، أنت لي بمثابة ولدي.
أغمض عيناه لثانية ، فتحها من جديد ليسحب شهيقا عميقا ، ثم مدّ يده إليها لتتأبطها بابتسامةٍ متسعة، سار بها في الممر باتجاه السلم، حيث كان العريس ينتظر غزالته بكامل معاني الهيبة، ومن خلفه وقفت شقيقته إيناس مع صغارها وزوجها، كذلك كانت إيمان برفقة عائلتها ، عدد من أصدقاء أيمن بالإضافة إلى بعض موظفي المصنع لدى أدهم ، ومن بينهم كان هادي.
وقفت الصغيرة ريما أمام والدها ببضع خطوات، مرتدية ثوب عروس منفوخ من الاسفل، ليلائم وجهها الطفولي البهيّ ، حاملةً في يدها باقة أزهار من زهرة البنفسج ، كانت الورود بيضاء تخللتها بضع زهور باللون البنفسجي.
وصلت ريما برفقة مجد إلى آخر السلم ، لتستقبلها الطفلة وتهديها باقة الأزهار ببسمتها الطفولية اللطيفة، تناولتها منها وانحنت لتقبلها على وجنتها، تقدم أيمن من خلفها ليقول بابتسامة مرحة: والآن أيها السادة ألم يحن دوري؟؟
رمقه مجد بغرابة للوهلة الأولى ، جزءه المظلم ما زال يحاول الظهور من حين لآخر رغم جلسات العلاج المكثفة ،مازال يشعر بأنانيته تكاد تطفو على السطح ، إلا انه انتبه لنفسه بعد ثانية ليقمعها داخله، بادل أيمن ابتسامته قبل أن يستدير صوب ريما ، دفن كل تلك المشاعر السوداء التي تجاهد لسحبه خلف ظلالها، قبلها على جبينها هامساً: أتمنى لك حياة هنيئة ريما.
سلمها لعريسها ثم ربت على كتف أيمن مهنئا: مبارك لك أيمن .
اجترع غصة مريرة قبل أن يضيف بهمس: أرجوك ، فقط حافظ عليها.
اتسعت ابتسامة أيمن السعيدة ليحول نظره إلى حبيبته مردداً بنبرة صادقة: لا توصِني على روحي يامجد.
اعتلت وجنتيها حمرة الخجل وهي تخفض رأسها ، بينما كان مجد يراقبهما ومازال سياط الذنب يجلده، حتى بعد أن ضمن اجتماعهما ، اصطنع الابتسام منسحباً من الحفل بأكمله ،في حين بدأ الحضور بالتصفيق والتهليل للعروسين، تبع أدهم شقيقه فلم يستطع اللحاق به، إلا أن الطبيب كان ينتظره في الخارج، وقد خمن سبب حالة مجد حالما رآه.
طالعه مجد برجاء ، ثم تساءل بجزع لاهثا بخفة: ألن يهجرني هذا الشعور أيها الطبيب؟؟ ألن أُشفى أبدا؟؟
رفع الأخير يده ليربت على ذراع مجد مجيبا: لا تقلق مجد، ستشفى أعدك ، فقط بعض الإصرار والمثابرة، وأيضا الصبر.
حرك رأسه بتفهم ، إلا أن نظرته تجمدت خلف الطبيب عندما رأى نور وقد حضرت لتوها، ومن خلفها كانت آماليا ،و يبدو أنهما حضرتا منفصلتين، خفق قلبه بشوق لا يُحتمل، وقد ثبتت مكانها حالما رأته ، رآها الطبيب فأشار له بأن يذهب ليحادثها ، فسار نحوها ببعض التردد.
كان أدهم واقفا يراقب مايحدث، إلا أنه عاد ليدخل المنزل بعد أن رمق آماليا بنظرة غاضبة، إلا أنها لم تهتمّ ، تابعت تقدمها إلى المنزل وهي تتأفف داخلها، حسنا لا تجزعي آماليا ، بضع دقائق فقط ثم اهربي.......
.........................
تلقائيا ، امتلأت عيناها بالدمع حالما تقابلت العيون؛ وكل واحدة تبث شوقها وعذابها للأخرى ، ارتجفت شفتاها كمن تريد الحديث، إلا أنها كانت تفشل ، خانها صوتها وهرب في هذه اللحظة.
كان مجد أكثر تماسكاً منها، ورغم اللهيب الذي يلتهم صدره ، إلا أنه أظهر جَلَداً عجيبا أمام عبراتها ، حمحم لينطق بصوت أجش: كيف حالك نور ،؟؟
حسن، من الواضح أنه سؤال أحمق ، فحالها واضح تماما، هي ليست بخير ببساطة....
قرأ إجابتها داخل حدقتيها ، فازدرد ريقه بمرار، قطب جبينه وتلاقى حاجباه ، مسح عبرتها بأصبعه فارتجف جسده بقسوة ، باتت له كأنها فاكهة محرمة ، اخفض يده ثم تابع حديثه ببساطة: أعلم أنكِ تتألمين، و صدقيني أنا لستُ في حال أفضل ، لكن أرجوك تحملي معي قليلا بعد، وسأعود أفضل من ذي قبل.
لم ترغب بزيادة الحمل على عاتقه أكثر ، فهي تعلم مدى مشقة هذا عليه ، تنفست بعمق لتمنع نفسها من مواصلة البكاء ، رسمت بسمة باهتة اصطنعتها ، ثم همست: فقط عدني بأنك ستعود قريبا ؟؟
رغما ً عنه ابتسم وهو يستمع لنبرتها الطفولية العنيدة، أجابها هامساً بصدق التمسته: لن يطول غيابي، أعدك.
التفت مغادراً إلى سيارة الطبيب الذي استقلها بانتظاره، رمقها بنظرة وداع أخيرة قبل أن تتحرك السيارة، شيعته بعينين تلتمعان أملاً في لقاء قريب، وصال أبدي بأرواح نقية ، خالية من الأنانية والنرجسية......
.........................................
جلست آماليا في مكان ليس ببعيد ، بعد أن هنأت ريما وأيمن ، واللذان كانا جالسين على الأريكة العالية التي تصدرت الصالة ، لم تعرف أغلب المتواجدين ، إن استثنينا بالطبع إيمان التي جلست بجانبها ، وهادي الذي تأملها بنظرة حزينة، ثم ابتسم مشيرا لها برأسه ، بادلته بأخرى طفيفة متوترة، فلم تتوقع رؤيته هنا.
لم يخب اعتقادها الأول فحسب، بل أيضا عندما توقعت أن يظلّ أدهم يحاوطها بعينيه ويحاصرها بنظراته، لكنه تجاهلها بكل بساطة ، جالت بعينيها بشكل تلقائي بين الحضور الغرباء، إلا أنها في الحقيقة كانت تبحث عنه ، حتى وقعت عيناها عليه وقد كان يقف برفقة رجل ما يتبادلان بعض الأحاديث.
تحدثت إيمان باعتيادية ، وهي تميل بجذعها إلى آماليا: إنهما يليقان ببعضهما ، صحيح ؟؟
انتبهت إلى حديث رفيقتها، فأشاحت بنظرها إلى أيمن وريما ، حيث كان أيمن ينظر إلى حبيبته بوله، بادلته هي بأخرى خجولة، أمسك يدها ليرفعها إلى فمه فيلثمها برقة، فازدانت وجنتيها بحمرة كالورد ....
لم تشعر بالغيرة من احد في حياتها، إلا أنها فعلت هذه المرة ، ألا ترغب كل سيدة بتلك النظرات نفسها التي يهديها أيمن لريما؟؟
أخفضت عينيها بحزن يعتريها ولا تعرف السبب، لم تنتبه إيمان لكل تلك التفاصيل فتابعت حديثها الفارغ : كم أتمنى السعادة لهما، ومجد ،والسيد أدهم كذلك..
رغما عنها جذبتها كلمتها الأخيرة ، قطبت جبينها باستغراب ، لتستمع إلى بقية جملة إيمان حين أضافت ببساطة: فقد أخبرتني ريما أنه سيخطب عمّا قريب...
رفعت رأسها إليها بغتةً ، وقد شحب وجهها كأنها رأت شبحاً، يخطب؟؟
أدهم ؟؟
مستحيل ؟!!
تلقائياً تحركت حدقتيها إلى حيث كان واقفا، فلم تلحظ ابتسامة إيمان الخبيثة ، والتي أشارت إلى ريما بأن الأمر قد تمّ.
شعر بنظراتها وإن لم يرَها، لكنه لم يأبه، لم يلتفت ولم يهتمّ، رمشت عيناها بهلع وقد أيقنت آماليا حينها أنها قد فقدته، مجدداً ، لكن هذه المرة ، الذنب ذنبها !!!
.............................................
أيام مضت وأيام آتية، لكنها متشابهة جميعا ، روتين يومي ممل حد القتل ، هكذا كانت آماليا تقضي أيامها بعد أسابيع من سماعها للخبر القاتل ، كان لها كحكم الإعدام ، كل ليلة تتأهب ليتم تنفيذه بها، حتى ملّت الانتظار، طعم الصبر كالعلقم لا يُطاق، نفذت قدرتها على التحمل حتى قررت وضع حدٍّ لكل هذا.....
لن تبقى معه في ذات البلد، حتى ذرات الهواء تمردت وأعلنت عصيانها، لتنقل إليها رائحة عطره مع كل نسمة من نسمات الربيع الدافئة ، لن تبقى حتى تشهد ارتباطه المقدس بغيرها، فأخبرت قاسم بقرارها، عرضت أملاكها التي ورثتها عن والدتها كلها للبيع، بالإضافة إلى العيادة، قررت أن تودع المال العائد من المبيع في حساب قاسم حتى يحول الحول، فيتم تنفيذ الوصية كما هي ....
.........................
كانت في شرفة غرفتها كالعادة، تضم ركبتيها إليها ، وتستند برأسها عليهما، خصلاتها الصفراء تلتمع تحت شمس الربيع الجديد، شاردة في الأفق البعيد، ترى هل ستجد خلفها سعادتها؟؟؟
راجعت قراراتها التي اتخذتها خلال الفترة المنصرمة، أربعة أشهر منذ اول مرة رأته ، كانت ملأى بالقرارات الحمقاء ، ربما الهرب كان قرارا أحمق أيضا ، لكنه الأقل غباء منها جميعا، على الأقل بابتعادها تعطي نفسها فرصة النسيان والبدء من جديد، فلا يفوت الأوان أبدا على بداية ٠جديدة ، صحيح؟ ؟؟
سمعت طرق الباب فأجابت بلا اكتراث ، سمعت صوت الباب يُفتح لكنها لم تتحرك قيد أنملة ، أغمضت عينيها وهي تشعر بذراع والدتها وقد التفت حول كتفيها، تنهدت بحسرة أثناء همس عليا: مالذي تفعلينه بنفسك آماليا ؟؟؟
جلست عليا على كرسي آخر بجانبها، ولمَّا تزل يدها على كتف ابنتها ، لم تجبها الأخيرة فأضافت: لا داعي لإخفاء الأمر عني، فقد أخبرتني نور بكل شيء....
للحظات بقيت على وضعها، عيناها مغلقة ووجهها جامد الملامح ، حتى ظنت عليا أن لم تسمعها ، إلا أن خط الدمع الرفيع الذي نفر من عينيها أخبرتها بالنقيض، شهقة ملتاعة صدرت عنها لتتبعها ثانية، ثم أخرى حتى انهارت آماليا بالبكاء ، قهر ووجع سنوات أخرجته بين ذراعي عليا الحنون، التي احتضنتها وهي تربت عليها بكفيها...
همست في أذنها بعطف: يكفي آماليا ، يكفي عزيزتي أرجوك ، لا تحرقي قلبي عليكِ.
حاولت أن تحادثها لكن صوتها كان متقطعا وهي تتمتم بكلمات غير مترابطة، تركتها عليا تبكي حتى هدأت ، أبعدتها عن أحضانها لتنظر إليها بعينيها الدامية ، ثم همست بضعف: لقد خسرت كل شيء أمي ، فقدت أبي ، وشقيقتي.....
بللت شفتيها مضيفة بنشيج منفعل: حتى أدهم فقدته ، لا بل خسرته ، لقد كانت لدي الفرصة لإصلاح كل شيء لكنني اضعتها من يدي بغبائي.
حاوطت عليا وجنتي آماليا لتمسح دموعها ، ثم أخبرتها: لا نخسر شيئا لم يكن لنا من البداية ياابنتي، ولا تفوت الفرصة أبدا على إصلاح خطأنا مهما كان كبيرا.
أشارت بأصبعها على موقع قلبها قائلة: مادمتِ تمتلكين قلباً متسامحاً كقلبك، فلن تفقدي فرصتك أبدا.
تمعنت في تقاسيم والدتها، تبحث عن الأمل فيها، حتى شعرت بدخول أحدهم إليها ،فرفعت رأسها إلى أختها التي وقفت على بعد خطوات قليلة، كانت نور تنظر إليها بتردد ، و على ملامحها أثر البكاء، همست من بين عبراتها باستجداء: أنا آسفة، أعتذر عن كل مابدر مني آماليا ، سامحيني أرجوك.
ران الصمت بين الثلاثة لا يقطعه سوى صوت نشيج نور ، ضغطت آماليا على شفتيها محاولة إبقاء ملامحها الحادة، إلا أنها فشلت في اغتيال مشاعرها تجاه أختها ، تلك الأحاسيس متأصلة في كل خلية فينا ولا يمكن قمعها أبدا مهما تكاثفت الجراح، ارتخت ملامحها لتقف قبالة نور، والتي قطعت المسافة الفاصلة لتحتضن آماليا بقوة، اجهشت كلتاهما بالبكاء فيما كانت عليا تطالعهما بحنان وابتسامة متسعة، لم يكن لديها أدنى شك في عاطفة آماليا و طيبة قلبها مع الجميع، أفلا تسامح شقيقتها؟ ؟؟
فقط رنين الهاتف من قاطع اللحظات الصادقة تلك ، ابتعدت آماليا عن نور وهي تمسح دموعها ، ابتسمت بصفاء غاب عندما رأت رقم المتصل، كان حارس المبنى الذي تقبع فيه عيادتها، يخبرها بوجود شخص ما يودّ رؤيتها ليشتري العيادة ، توترت بداية أمام شقيقتها ووالدتها ، إلا أنها أجابته باقتضاب حتى لا تثير ريبتهما ، أخبرته أنها في طريقها ، ثم ادعت أن إحدى مريضاتها بحاجة إليها ، راقبتها عليا وهي تتناول معطفها المعلق على المشجب ، ثم ارتدته على عجل بارتباك حاولت إخفاءه فبرعت، لكن عيني عليا المتفحصة التقطته ، فعرفت أن ماوراءها لا يدعو إلى الراحة البتة ..........
............................
شعور بعدم الراحة سيطر عليها ، كانت كمن يخون ثقة عائلتها ، حتى بعد مصالحتها مع نور لم تتراجع عن قرار الرحيل، قلبها ينهرها، يؤنبها، يصرخ بها يمنعها من الهرب، لكن عقلها مصمم ، ثابت على قراره، فهو الأسلم على كل حال.
كان باب عيادتها موارباً ، مؤكد أن الرجل الذي يريد شراءها في الداخل ، فالمفتاح الاحتياطي لدى الحارس ،شهقت نفسا بقوة كأنما تخشى الدخول ، عزمت أمرها أخيرا فدفعت الباب ودخلت.
كانت الغرفة المخصصة للانتظار فارغة، ومعتمة كذلك، قطبت جبينها باستغراب ثم وجهت نظرها إلى غرفة الفحص، مشت بخطوات ثابتة نحو الباب المغلق لتفتحه بقوة، واجهت ظهر رجل ما، مواجهاً للنافذة واضعاً إحدى يديه في جيب بذلته الرسمية والتي شابهت لون عينيها ، والأخرى استند بها على طاولة المكتب، خفق قلبها بقسوة حالما تأكدت من هويته، إنه أدهم....
لم تستوعب بعد مايفعله أدهم هنا، فهمست تنادي باسمه بتعجب، لكنه لم يُدِرْ ظهره لها بعد، انتبهت لتوها إلى الباقات الكثيرة من الورد الأحمر ، ملأت سطح المكتب الفارغ، وعلى الأرضية كذلك، كل باقة كانت تحمل ثلاث عشرة زهرة بالضبط مما آثار استغرابها ، خطت خطوة واحدة للأمام ، لكنها لم تنتبه إلى الخيط الرفيع للغاية أسفلها فقطعته، لتنهمر فوق رأسها بتلات كثيرة مقطوعة من الورد ذات العبير المميز، شهقت بمفاجأة أخرستها، صعد صدرها بحركة تناغمية بمزيج من المشاعر المختلطة، نظرت إلى الورد الذي تكوّم على الأرض من حولها ، ومدت يدها إلى شعرها تزيل إحدى الأوراق العالقة، طالعتها بذهول ثم رفعت رأسها إلى أدهم الذي استدار نحوها، كانت ابتسامته تزين محياه، وبانت لمعة الحب في عينيه الرمادية ، بادلته بنظرة مستفسرة و قد توقف عقلها عن التفكير نهائيا.....
اقترب منها بتؤدة ، ومع كل خطوة كانت خفقاتها تتسارع بجنون، وقف أمامها مباشرة ولم ينبس بحرف، هل من الممكن أن يتلاقى البحر بالتراب دون أن يبلله؟؟
زفر من أنفه بقوة، حمل إحدى الباقات المسنودة على المكتب ليرفعها أمام عينيها المثبتة على وجهه، اتسعت ابتسامته متحدثا بهمس: مرت ثلاث عشرة سنة منذ أول مرة التقينا.....
_ و ستة أشهر.
بخفوت قاطعته ، زوى مابين حاجبيه باستغراب ، سرعان ماابتسمت ليضحك بهدوء، أومأ برأسه إيجاباً ليتابع: مرت ثلاث عشرة سنة وبضعة أشهر مذ التقينا أول مرة .....
_ و أحد عشر يوماً.
قاطعته مجدداً وقد لمعت عيناها ، اتسعت ابتسامته حتى بانت نواجذه ليهمس: نعم، ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر وأحد عشر يوما ، مرت مذ تلاقينا، يومها دخلتِ قلبي قبل أن تراك عيناي، ولم يسكنه أحد بعدك.
رفع زهرة واحدة من الباقة ليقدمها لها مضيفا: ولن يدخله أحد.
لم تحدْ بنظراتها عنه وهي تأخذ الزهرة من يده، أعاد الباقة إلى الطاولة، ثم تراجع للخلف بهدوء وأخرج من جيب البذلة علبة حمراء، فتحها ليظهر خاتمه الأنيق ، ركع قبالتها متحدثاً بابتسامة متسعة: آماليا عمار الصاوي، هل تقبلين بأن تكوني ملكة على قلبي؟؟
تنهدت بعمق متسائلة بحاجبين منعقدين ونبرة عابثة: لكنني سمعت أنك على وشك أن تخطب إحداهن ؟؟
ضحك داخله بسعادة وقد استشعر الغيرة في نبرتها، وضعت يدها على خصرها وهي تتفحصه أثناء محاولته إخفاء بسمة ماكرة تحارب للظهور، ضيقت عينيها وهي تحرك رأسها للجانبين قائلة بدهشة: لقد كان الأمر برمته خطة منك أدهم ، صحيح ؟؟
لم يعد يستطيع أن يكتم ضحكته أكثر فقهقه بسعادة مشيرا لها بالإيجاب ، طالعته بذهول للحظات ثم أخبرته بذهول: أنت أحمق أتعلم هذا؟؟
بقي مبتسماً ببشاشة ليجيبها: لكنك تحبين هذا الأحمق صحيح ؟؟
تهدل كتفاها بقلة حيلة قائلة: للأسف نعم.
قطب جبينه ليسألها بجدية، وهو على وضعه ذاته: والآن ألن تجيبي سؤالي عزيزتي؟؟ فأنا الآن أشعر ببعض التنميل في قدمي؟
كتفت كلتا يديها أمام صدرها، زمت فمها وضيقت عينيها متظاهرة بالتفكير ، وقد اكتست تعابيرها ملامح ماكرة ، بهتت ملامح المسكين ليهتف باستجداء يائس: آماليا؟؟
ابتسمت حتى تحولت بسمتها تدريجيا إلى قهقهة خافتة وهي تشير له موافقة ، وقف بنفس اللحظة ليلبسها الخاتم بلهفة قائلا: أخيرا !! لقد أهلكتِ قلبي !!
رفع عيناه إليها وهي تقول بتلاعب: حتى تفكر مرتين قبل أن تعبث معي مجدداً.
سبح شارداً في بحريها الصافيين، رماديتاه كانت تنضح عشقا خالصا أثناء همسه بإجابة صادقة: لن أفكر في الأمر إطلاقا ، أحبك آماليا.
احتضنها بقوة مسنداً رأسه على شعرها ، تعابيره مرتاحة قبل أن تنقبض مجددا وهي تهمس: لن نتزوج حتى يتزوجا نور ومجد....
من الواضح أنها محترفة في إجهاض اللحظات الرومانسية. !!!
لكنه لا يهتم ، فلتفعل مابدى لها ، المهم أنها ستكون له في النهاية......
...................................
جلس أيمن وريما الصغيرة متقابلان ، كلا منهما يضع كفيه المتكورين تحت وجنتيه، بعد أن أخبرتهما ريما بعدم رغبتها في الإنجاب في الوقت الحالي، نفخ أيمن بسأم فقلدته ابنته، زفر بيأس ففعلت المثل، صاح أيمن بملل: يكفي ريما...
تحدثت هي بعفوية: يكفي دادي !!
ضرب على كلتا فخذيه بملل قائلا بامتعاض: غير مقبول، ماقالته ريما غير مقبول البتة.
اعتدلت الطفلة في جلستها تجيبه بحنق طفولي: انا لم أقل شيئا دادي!!
استند أيمن على ذراعه المسنود على قدمه، مط فمه بتفكير حتى خطرت له فكرة، التفت صوب ابنته ليخبرها بخطته، بينما كانت ريما تنجز بعض الأعمال في المطبخ ، خرجت بعد انتهائها متجهة إلى غرفة نومها، وهي تجفف يدها بمنشفة قطنية ، رأت أيمن وابنته جالسان على وضعهما ذاته حيث تركتهما قبل قليل، لم تكن مرتاحة لجلستهما هكذا ، ببساطة تعرف أن هناك لعبة ما ...
كتفت كلتا يديها لتتحدث بشك: مالأمر ؟؟
بدون مقدمات، انفجرت الصغيرة ببكاء مزيف، غطت عيناها و علا صوتها ، صدقتها ريما فجرت ناحيتها لتحتضنها متسائلة بهلع: مالأمر حبيبتي؟ لما تبكين؟؟
شهقت الصغيرة من بين عبراتها الزائفة هاتفة: انا أشعر بالوحدة ريما، أريد أخاً أو أختاً لتسليني.
شعرت ريما بوجود خطأ ما، خاصة عندما اقترب أيمن ليحتضن ابنته ، ليتابع كذبته المتقنة وهو يربت عليها برفق متحدثاً بقلة حيلة: صغيرتي الحبيبة، إنها تشعر بالوحدة....
ضيّقت عينيها قبل أن تنتفض من مكانها قائلة بتساؤل: انتما تخدعاني..؟؟
رفعت الصغيرة رأسها مجيبة بتعجب وقد اختفت دمعاتها ، لتسبق والدها وتفسد عليه تبريره: كيف عرفتِ أننا نخدعك؟ ؟؟
نظر لابنته بقلة حيلة، ثم اندفع ليلقي بنفسه على السرير خلفه متنهدا بيأس ، ضحكت ريما بخفة لتردف: لم اكن متأكدة عزيزتي، أنتِ من أخبرني.
اعتدل أيمن ليهتف بها: ريما فكري في الأمر أرجوك ، هل علينا ان ننتظر حتى تبلغ ريما الثماني سنوات لنفكر في إنجاب ولد آخر.؟؟
تجهم وجهها بجدية، صغرت عينيها فبدت كمن يفكر، حتى نطقت أخيرا: معك حق أيمن.
تهلل وجهه بالبِشر ، قبل أن تغتال ريما سعادته عندما تابعت جملتها ، ببسمة ماكرة: أعتقد أن علينا الانتظار حتى تتمّ العشر سنوات.
ضحكت ريما الصغيرة بصخب لفشل والدها ، فآزرتها ريما بسعادة، ورغم الخيبة التي نالها أيمن إلا أنه لم يستطع منع سعادته لوجود غزالتين في حياته، فلينتظر، عام ، عامان ، وربما خمس.....
لا يأبه ، المهم أنه يعشق عائلته الصغيرة تلك ........
...............................................
السعادة الحقيقية لا تكمن فقط في تحقيق الأحلام ، بل في عائلة تحبها وتحبك، تفعل كل مافي وسعك لأجلها فلا تتخلى عنك في أحلك أوقاتك ، لا أعلم ولكن ، أليس لهذا السبب هم عائلة ؟؟؟
في الحديقة الكبيرة الملحقة بقصر ( عمار الصاوي) ، تربعت الشقيقتان ، نور و آماليا ، لتجاوران عريسيهما الشقيقان ، أدهم ومجد، كانت الفتاتين ترتديان ثوبين متشابهين مع تسريحة متطابقة ، كما تأنق الشابين ببذلات متماثلة، مع فارق لون رابطة العنق، فقد كانت خاصة أدهم زرقاء كعينيّ عروسه ، أما مجد فاتخذ واحدة بلون بني كعيون نوره ، بحضور أصدقاء الأربعة وأقاربهم ، وقاسم أيضا ، تم الزفاف السعيد، ولن ننسى ريما بالطبع ، والتي فجرت قنبلتها السعيدة في الحفل، فهي وأيمن ينتظران مولودهما الأول بعد سبعة أشهر بالضبط.
..
كانت عليا قد اتخذت زاوية قريبة من العروسين الجميلتين؛ التحفت بوشاحها الحريري وهي تشعر بقشعريرة خفيفة تسري في أوردتها، رغما عنها التمعت عيناها بعبرات غبطة لسعادة ابنتيها ، إلا أن غصة غياب عمار لا تزال تخنقها، عام ونيّف مضى على وفاته، لكن ذكراه مازالت تعود كأن لم يمر وقت أبدا.........
ليس مهما إن أقنعت نور مجد وأتيا ليعيشا معها أم لا، وليس مهما أن آماليا تفكر في الفكرة ذاتها، المهم أنهما سعيدتان، وهذا كل ما تريده في الحياة، أعني أي أمنية قد ترغب فيها أي والدة أكثر من ذاك ؟؟؟
........................................................................
تمت بحمدالله .....
تابع من هنا : جميع فصول رواية احببتها في انتقامي بقلم عليا حمدى
تابع من هنا: جميع فصول رواية وكفى بها فتنة بقلم مريم غريب
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا