مرحباً بكم أصدقائي وأحبابي عاشقي القراءة وأجمل الروايات الممتعة والروايات الرومانسية مع رواية رومانسية جديدة للكاتبة المتألقة منال محمد سالم والتي سبق أن قدمنا لها العديد من الروايات والقصص الرائعة من قبل علي موقعنا قصص 26 وموعدنا اليوم مع الفصل السادس والعشرون من رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال محمد سالم .
رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل السادس والعشرون
إقرأ أيضا: حدوتة رومانسية
رواية الطاووس الأبيض ج2 بقلم منال سالم - الفصل السادس والعشرون
بنظراتٍ حاقدة، نطقت عما تجيش به نفسها من بغضٍ شديد، معتبرة نفسها في مركز قوة، شحذت قواها، واستجمعتها معًا، بالرغم من الألم الذي يئن في أنحاء جسدها، أظهرت "خلود" الجانب المظلم في شخصها المريض، دون حاجتها لارتداء أقنعة الاضطهاد والخنوع، لاسترقاق قلب طليقها، وتسول مشاعره .. ركزت عينيها على ملامحه المصدومة، وأضافت بتلك النبرة المميتة، التي جعلت شعيرات ساعديه تنتفض فزعًا على حبيبة لا تعرف عن حبه الصادق شيئًا:
-ومش هندم للحظة.. هي مش أغلى عندي من اللي كان في بطني!
أكدت عليه جدية نيتها الوحشية وهي تكمل:
-طول ما واقفة بينا يا "تميم"، ومنعاك ترجعلي، فأنا هاموتها.
استفاق من غيبوبة عقله المؤقتة على الكارثة التي تخطط لها علنًا، وصرخ فيها باستنكارٍ:
-إنتي بتقولي إيه؟ استحالة تكوني طبيعية!
تجاهلت عصبيته، وأراحت ظهرها على الوســادة لتساومه بما يشبه الاختيار:
-حياتها قصاد إننا نكون سوا، اختار يا معلم!!
رأى "تميم" في وجهها استمتاعًا مريضًا بهوسها غير العقلاني بتملكه؛ وكأنها تسلبه حريته بتهديدها الشرس، وما أكد ذلك قولها المشدد:
-اثبتلي إنك ليا وبس، بتاعي لوحدي، وإنك مش في بالها زي ما بتقول .. واتجوزني.
رفض الخضوع لها، وهدر بها محتجًا، بعروقه التي انتفضت ثائرة في وجهها؛ معترضًا على تجبرها غير الطبيعي:
-سامعة نفسك يا "خلود"؟
ردت بابتسامة غريبة:
-أيوه.. وعارفة أنا بأعمل إيه كويس...
لم تبعد أنظارها عنه، وتابعت مشيرة بيدها:
-إنت من حقي أنا لوحدي، أنا اللي أخلصت ليك في حبي، مفرقش معايا عمري يضيع واستنيتك تخرج، وتكون ليا ..
سأم بنفورٍ انعكس على ملامحه المتجهمة، من تكرار نفس الأسطوانة المستهلكة على مسامعه، في أي وقت تسنح لها الظروف بهذا، وكأنها وحدها صاحبة الفضل في التكرم على شخصه، والموافقة على الزواج منه، وليس باتفاقٍ من الطرفين، قاطعها - قبل أن تستأنف نفس السيل من الكلمات العقيمة- متسائلاً بأنفاسه المنفعلة:
-عايزاني أعيش معاكي إزاي بعد كل اللي حصل بينا؟
ردت بهدوءٍ استفزه؛ وكأنها قد استحضرت الإجابة مسبقًا في عقلها:
-سهلة أوي، انساه، ونبدأ من جديد، على مياه بيضاء.
رمقها بتلك النظرة الحانقة، قبل أن يسألها بصوته المتشنج:
-بالبساطة دي؟
غاصت برأسها في الوسادة، وأرخت ذراعها إلى جانب جسدها، ثم ابتسمت قائلة له ببرودٍ تام، مناقض للغضب المستبد به:
-إنت اللي عاوز تعقدها يا حبيبي، والحكاية مش عايزة ده كله، خد اللي بتحبك، وشارياك، ومستعدة تعمل أي حاجة عشان تكون جمبك...
ثم اتسعت ابتسامتها، وأخبرته بتنهيدة:
-احنا طول عمرنا لبعض، مش من النهاردة، لأ من زمان يا حبيبي.
وصل النقاش معها لطريق مسدود، لن تقتنع مطلقًا بحقيقة انتهاء ما كان بينهما في يومٍ، ولم يكن ليقبل أبدًا بفرض ذلك الاختيار عليه؛ العودة إليها. تحكم بأعجوبة في أعصابه المنفلتة، ضبطها ليرد برسمية شديدة، ضاغطًا على كلماته؛ كأنه ينعتها:
-عارفة يا بنت الـ.... أصول.
تطلعت إليه بابتسامتها السمجة، فأضــاف مهددًا:
-لولا إنك بنت خالتي، وعامل حساب للي كان بينا في يوم، كنت عملت اللي ما يخطرش على بالك.
رفعت ذراعها أعلى رأسها، وأراحتها فوقها، ثم بادلته تلك النظرة غير المبالية، قبل أن تجلي صوتها المتحشرج، لترد بعدها باستخفافٍ، متعمدة ازدراء تهديده:
-طب عارف يا "تميم"، إنت بتاع كلام وبس...
استشاطت نظراته من تعقيبها الفج، وأكملت مؤكدة على ما نطقت به:
-أيوه، دي الحقيقة اللي الكل عارفها عنك، عمرك ما هتعمل حاجة تأذيني بيها، أقولك ليه؟
انتظرت للحظة لتضمن استحواذها على كامل تركيزه، لتستكمل بعدها بأسلوبها المغتر الواثق، الذي يغيظه:
-لأنك بتخاف على العيلة دي، وأنا يا حبيبي من العيلة، وكنت مراتك، وهارجعلك تاني، وبمزاجك.
علق بتهكمٍ، وهو يحدجها بنظراته الحادة:
-الظاهر البرشام عملك دماغ متكلفة..
ضحكت ساخرة منه، وهزت رأسها بالنفي؛ لكنه أعلن صراحةً لها، بنبرة مختلفة كليًا عما اعتاد التحدث به:
-شوفي يا بنت خالتي، يا اللي معتبرة سكوتي ده ضعف، وعشانك من العيلة، لو انطبقت السماء على الأرض مش هارجعلك!!
ابتسم لها لثوانٍ معدودة ليبدو غير مبالٍ بما هددته به، ثم اختفت تلك الابتسامة كما ظهرت، وغطى وجهه تعبيرًا محذرًا، ليتوعدها بعدها مشيرًا بعينيه اللاتين غلفهما القسوة:
-وفكري تقربي من الأبلة، ساعتها بس هاتشوفي وشي التاني، اللي عمرك ما تعرفي عنه حاجة.
ببرودٍ سمج تحدته قائلة، وقد ارتخت نظراتها:
-هترجعلي يا "تميم"، وبكرة أفكرك يا معلم.
تحرك في اتجاه الباب، وأخبرها دون أن ينظر إليها، قبل أن يصفقه في وجهها بعنفٍ:
-ابقي اتغطي كويس..
انجرحت أحبالها بألمٍ، حين صاحت بأعلى صوتها، ليصله:
-احنا لبعض يا "تميم"، إنت جوزي، وأنا مراتك، هنفضل مع بعض لحد ما نموت سوا.
بدت غير طبيعية بالمرة، وصراخها يخترق الكتل الخشبية ليصله، اندفع متجهًا إلى المصعد رافضًا البقاء في مكانٍ واحد يجمعه بها، لا يمكن أن يعود أبدًا لما كان عليه من قبل معها، لن يستطيع إجبار نفسه على العيش معها؛ لكنه بقي أمام عقبة خطيرة، تهديدها غير المازح لطاووسه، فكيف سيحميها من شرها الخفي؟
............................................................
انزوى كلاهما بغرفتها المعزولة عن الخــارج، ليتحدثا سويًا، بعد أن تأزم الوضع، واتخذت المشاجرة العابرة، منحنًا قانونيًا، يستلزم حلاً فوريًا حاسمًا لإنهائه، قبل أن يتم تصعيده، أو يزداد تعقيدًا. سحبت "خلود" زوجها من ذراعه، ووقفت إلى جواره عند الشرفة، رمقته بتلك النظرة غير المتسامحة، وأخبرته بصوتٍ خافت؛ لكنه صارم:
-زي ما أمك وقعتنا في الخيّة دي، تطلعنا منها.
رد "هيثم" وهو يهز كتفيه، كتعبيرٍ ظاهري عن قلة حيلته:
-وأنا بإيدي إيه ومعملتوش؟
صاحت به بنبرة ارتفعت نسبيًا:
-اتصرف.. وبعدين إنت أخوها، يعني المفروض ليك كلمة عليها.
علق في تهكمٍ:
-لأ مش مع دي، إنتي متعرفيش "خلود" كويس يا "هموسة"..
ارتسمت بسمة هازئة على شفتيه وهو يختم جملته:
-ده تلاقيها دلوقتي بتتعاون مع أمي على الإثم والعدوان.
احتفظ وجهها بتكشيرته العظيمة، وهتفت به:
-إنت هتهزر يا "هيثم"؟ أختي هتتسجن ظلم، وإنت فايق للتنكيت.
ازدرد ريقه، وخفف من ابتسامته، ليرد بحذرٍ؛ وكأنه ينصحها:
-إن شاءالله مش هتوصل لكده، وهيبقى ليها حل.
ارتخت عضلات وجهها المتصلبة، حين قالت بحدية أقل:
-يا ريت والله، لأن بجد حرام أوي اللي بيحصل في "فيروزة" ده كله، هي ماتستهلش كده.
امتدت يد "هيثم" لتمسح على جانب ذراعها؛ وكأنه يداعبها، قبل أن يطلب منها بلطفٍ:
-اهدي بس إنتي، أعصابك يا "هموس".
نظرت لحركة يده، صعودًا وهبوطًا على طول ذراعها، ومنحته تلك النظرة الصارمة، لتوبخه بعدها بتحفظٍ شديد:
-وده وقته، شيل إيدك!
رفع كفيه في الهواء متراجعًا عن الاقتراب منها، فلم تكن في مزاجٍ جيد لتقبل مزاحه؛ لكن ابتسامته لم تفتر نحوها.
........................................................
على الجانب الآخر، جلجل صوت "فضل" المتزمت بين جدران غرفة الصالون، ليعلن عن سخطه الصريح تجاه ما حدث مع "فيروزة"، بل وأكثر من ذلك حملها المسئولية كاملة عن وقوعها في تلك المصيبة؛ وكأنها كانت تتصرف برعونة –ودون تفكير- لتزج بنفسها في المتاعب، بإرادتها الحرة. تحفز في جلسته، ولوح بذراعه في وجه أبيه متابعًا تذمره:
-قولتلك يابا من الأول، أعدة الحريم لوحدهم بتجيب نصايب.
رد عليه والده بزفيرٍ منزعج:
-خلاص يا "فضل".
تحولت نبرته لشيء آخر، يحمل الشدة، وأيضًا الإلزام، عندما أكمل حديثه، وعيناه موجهتان نحو زوجة عمه:
-لازمًا ولابد يكون في راجل معاهم، والكلام ده نهائي.
عاتبته "آمنة" قائلة بنظراتها الحزينة، ووجهها التعس:
-مالوش لازمة تقول كده يا "فضل"، احنا طول عمرنا في حالنا، وماشيين جمب الحيط، لا حد سمع عنا حاجة، ولا بنعمل مشاكل مع خلق الله.
سألها "فضل" بصوته المتعصب، وعرقه الغزير يتجمع عند جبينه، بسبب انفعاله المغتاظ:
-أومال اللي حصل ده تسميه إيه؟
ضغطت شفتيها قليلاً، قبل أن تجيبه:
-النصيب..
علق بأسلوبٍ متنمر، وشفتاه مقلوبتان:
-كلام خايب!
رد عليه "اسماعيل" بنفاذ صبر:
-مش وقته يا ابني، عايزين نشوف هنعمل إيه..
توقف ثلاثتهم عن الحديث، حين ولجت "همسة" إلى الغرفة، حاملة بين ذراعيها صينية بها عدة فناجين للقهوة، أسندتها على الطاولة التي تنتصف الأرائك، وتراجعت لتجلس في واحدة شاغرة، وعلى مقربة منها جلس "هيثم"، بعد أن انضم إليهم. ارتكزت أنظار "فضل" على وجه زوج ابنة عمه، رمقه بنظرة مغلولة، وصوت هدير أنفاسه شبه مسموع، ثم تشدق هاتفًا بنزقٍ، مستخدمًا يده في الإشارة نحوه:
-ولما إنتو عيلة في قلب بعض، ومافيش مشاكل، ليه أخت الأفندي اللي متجوزاه "همسة" اتبلت على البت أختها؟
شعرت "همسة" بإهانة واضحة تسيء لتوأمتها في كلامه عن شخصها، ناهيك عن تقليله من شأنها هي شخصيًا؛ وكأنها نكرة، فصاحت فيه تحذره:
-أختي مش بت، ليها اسم تناديه بيه.
تصلب في جلسته، وقست ملامحه إلى حد كبير، وهو يرد بنوعٍ من الهجوم:
-إنتي هتعلي صوتك عليا؟
قبض "هيثم" على كتف زوجته يمنعها من النطق، وانتفض واقفًا ليرد منذرًا إياه، بنفس أسلوبه العدائي:
-إلزم حدودك! دي مراتي اللي بتفكر تغلط فيها، هي مش سايبة، ولا شغل فَتونة، هتقل أدبك عليها، هتلاقيني معَلم عليك في الناحية التانية من وشك.
هتفت "آمنة" بحرقةٍ، وقد فاض بها الكيل من تلك المشاحنات الجانبية:
-يا ناس كفاية خناق ومشاكل اللي يكرمكم، احنا كلنا هنا عشان نشوف حل للمصيبة اللي فيها بنتي.
رفعت "همسة" ذراعها لتمسك بمعصم زوجها، جذبته منه ليجلس، وهي تقول له:
-تعالى يا "هيثم".
غمغم بتبرمٍ خافت، ونظراته الحانقة مسلطة على وجه "فضل":
-قريبكم ده أعوذو بالله.
ردت عليه بصوتها الهامس:
-مكانش كده زمان، كانت أعدته حلوة، ودمه خفيف، والكل بيحبه، معرفش قلب كده ليه!
التفت ناحيتها ليحدجها بنظرة مغتاظة غاضبة، وهو يرد من بين أسنانه المضغوطة:
-نعم .. في إيه؟
سألته بعدم فهم، بنفس النبرة الخفيضة:
-إيه اللي في إيه؟
احتدت نظراته نحوها، وأجابها متسائلاً بصوتٍ بدا محمومًا:
-إنتي هتتغزلي فيه قصادي؟
نفت على الفور سوء فهمه، لتصحح له:
-لأ يا "هيثم" مقصدش، بس حساه بقى واحد تاني.
جاء رده صارمًا بشأن تلك المسألة، وهو ينهرها:
-لا تحسي ولا غيره، الكائن ده مايتحطش في أي جملة مفيدة ولا ضارة.
هزت رأسها بقبولٍ، لترد بعدها:
-حاضر.
ثم تابع مخاطبًا إياها بصوته الهامس، وعيناه تتطلعان إليه:
-ده تنح، ودمه واقف.
تلقائيًا نظرت في اتجاه "فضل"، والذي تجشأ بصوتٍ خافت، بعد أن انتهى من تجرع زجاجة المياه الغازية، ليمسك بفنجان القهوة، وردت بنفورٍ انتشر على محياها:
-معاك حق.
...............................................................
انتهى عامل القهوة من رص أكواب الشاي الساخنة الجديدة، على الطاولة المربعة الموضوعة بين ثلاثتهم، ليجمع بعدها الأكواب الفارغة من أمامهم، وينسحب تاركًا إياهم يتناقشون في اهتمامٍ حول الموضوع الشائك، المطروح على الساحة، وعلى غير العادة، كان الجد "سلطان" متواجدًا في الدكان لوقتٍ متأخر؛ لكن الخطب جلل، وحتمًا سيحتاج حفيده لمشورته. لم يمد "تميم" يده ليمسك بكوبه، وتطلع إلى والده الذي سأله بتعابيرٍ جادة:
-يعني مالهاش حل؟
أجابه بوجومٍ شديد، وظهره محني قليلاً:
-مش عارف، بس أنا استحالة أرجعلها.
علق "بدير" في يأسٍ:
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
أراح ابنه ظهره للخلف؛ لكن بقي كتفاه متهدلان، حين أضاف بحنقٍ:
-الواحد إزاي كان مخدوع فيها كده، ده أنا بأفهمها وهي طايرة، أبقى غبي للدرجادي؟!!
عقب عليه جده "سلطان" بنبرة عقلانية:
-صوابعك مش زي بعضها، وزي ما في العيلة الكويس، فيها برضوه الوحش.
التفت برأسه ناحيته ليرد بندمٍ لم يجاهد لإخفائه:
-وكانت قدامي الفرصة أسيبها، ولا تظلمني ولا أظلمها.
وفجــأة خاطبهما "بدير"؛ وكأنه تذكر ما غفل عنه:
-احنا ناسيين حاجة مهمة يابا.
تركزت الأعين عليه؛ لكن بادر "سلطان" بسؤاله:
-إيه هي يا "بدير"؟
أجاب مشيرًا بعينيه:
-الكاميرات اللي ركبت.
نظر له "تميم" بغرابةٍ، ولم يتفقه ذهنه إلى مقصده، بينما علق الجد مشاركًا في حواره:
-صحيح، إنت كنت قولت هتجيب واد يركبهم.
هز رأسه مؤكدًا، وقد لانت ملامحه:
-أه وعملت ده فعلاً وقتها.
ليقتل الفضول الذي يساوره، تساءل "تميم" على الفور:
-كاميرات إيه اللي بتحكوا عنها دي؟
بأريحيةٍ أجابه والده، دون أن ينتبه لكونه لم يأتِ على ذكر تلك الحادثة من قبل:
-بعد السرقة إياها، كان اللواء معرفتي قالي أركب كاميرات للأمان في العمارة، وده عملته واحدة ناحية المنور، وواحدة عند المدخل، ما نشوف كده جايز تكون بينت حاجة.
استنفر في جلسته، وتطلع إليه بنظراتٍ حادة، قوية، متسائلاً في ضيقٍ بائن على تقاسيم وجهه:
-سرقة؟! إيه ده كمان؟ وإزاي أنا معرفش أي خبر بيها؟
تدارك والده خطأه غير المقصود، لعق شفتيه، وقال متهربًا من إجابته:
-مش وقته يا ابني.
أصر عليه بعنادٍ، وكل الضيق يتجمع في عينيه الملتهبتين:
-لأ يابا وقته، هو أنا قاعد كده معاكو زي الأطرش في الزفة ولا إيه؟
رد عليه جده بهدوءٍ:
-موضوع وعدى بقاله فترة، وخلصنا منه.
استدار برأسه في اتجاه جده، وقال له بإلحاحٍ، رافضًا تمرير الأمر:
-لازمًا يكون عندي عِلم بيه، مين اللي اتجرأ وفكر يخش البيت؟ وبعدين افرضوا كان الحرامي ده عمل حاجة فيكو ولا آ....
قاطعه "بدير" موضحًا له:
-ما هو مكانش حد غريب.. طيش عيال وراح لحاله.
احتقنت عيناه بشدةٍ، وهتف في استنكارٍ:
-كمان؟ يعني حد نعرفه؟
لم يكن والده موفقًا في التطرق لذلك الموضوع تحديدًا، وبات مرغمًا بالحديث عن تفاصيله، فأردف طالبًا منه بملامح جادة:
-أيوه، بس قبل ما أقولك مين هو اوعدني الأول ما تتهورش عليه، الموضوع ده كان اتحل وخلص من زمان.
توزعت نظراته بين وجهي أبيه وجده، وقال في صدمةٍ غاضبة:
-شكل الحكاية كانت كبيرة.
رد عليه جده ملطفًا من حدة غضبه:
-لأ مش أوي.
بجملٍ مرتبة مختصرة، قصَّ عليه تفاصيل حادث السرقة، والذي وقع خلال ليلة عرسه، حيث قام "هيثم" بالتسلل خلسة للمنزل، عبر منور العمارة، وتسلق الشرفات غير المستخدمة، المطلة عليه، ليقتحم المكان من المطبخ، ومنه إلى الدرهة الطويلة، وصولاً إلى غرفة النوم، وسرقة الدرج العلوي الذي كان يحوي بعض النقود، ثم هروبه، واكتشاف السرقة، ومعرفة هويته بمساعدة غير رسمية من أحد رجال الشرطة. اِربد وجه "تميم" بالغضب الشديد، وهدر من بين شفتيه بانفعالٍ مغتاظٍ:
-ابن الـ.......، ويوم فرحي كمان!!!
عقب عليه الجد محاولاً تهدئة انفعالاته الثائرة:
-خلاص يا "تميم"، الواد تاب ومكررهاش تاني، وأبوك عمل معاه الصح.
توعده بهسيسٍ:
-وقعته سودة، بس أفوق من اللي أنا فيه ده.
رد عليه "بدير" بضجرٍ ظاهر عليه:
-هتخليني أندم إني قولتلك.
قال له معاتبًا:
-كان لازم أعرف بنصيبته دي من بدري يا حاج.
سأله والده بتبرمٍ:
-يا ابني الواد ماشي زي الألف، هنرجع نحاسبه تاني على القديم؟
ضم شفتيه في غيظٍ، كان في موقفٍ مُحير، واستدار برأسه ليحدق في وجه "سلطان" الذي استطرد يقول لهما:
-سيبكم من الهري ده، وخلونا نشوف الكاميرات، جايز نلاقي فيها اللي عايزينه.
غمغم حفيده على مضضٍ:
-ماشي.
في حين أضــاف والده قائلاً:
-هاجيب الواد اللي ركبهالي، ونشوف.
زفر وهو يهز رأسه بإيماءات متتالية:
-طيب.
................................................................
لم يكن مُحنكًا فيما يخص استخدام التكنولوجيا الحديثة، فقط معلومات عامة أولية، تمكنه من التعامل مع أجهزة المحمول المتطورة؛ لكن فيما يتعلق بالمستجد والمستحدث من الأدوات الالكترونية وتعقيداتها، لم يكن ملمًا بها، ولهذا –وبشكلٍ بديهي- لم ينتبه "تميم" للجهاز العجيب الموضوع على (الدرسوار) في صالة منزله، والذي يشبه تلفازًا صغيرًا، معتقدًا أنه أحد قطع الديكور، المُهداة ربما من زوجته أو شقيقته، خاصة مع تغطية والدته له بقماشٍ مطرز، لحمايته من الاتساخ، كعادة معظم الأمهات.
كان المنزل خاليًا من والدته، وبالتالي كانت المهمة بسيطة، لا أسئلة، ولا استفسارات فضولية تحتاج لتبرير. جلس الشاب المختص بتركيب الكاميرات وتفريغها على مائدة الطعام، موصلاً حاسوبه الشخصي، بالجهاز الآخر، تطلع "تميم" إلى شاشة الحاسوب المحمول، وحملق فيها مراقبًا ما يفعله بحيرةٍ، ما استطاع أن يفهمه من ثرثرته المملة، طوال عمله المتلكع، أن الذاكرة المستخدمة في تسجيل ما يدور، تمحو تلقائيًا ما يُوجد عليها، بعد وصولها لعدد معين من الساعات، وامتلائها، لتبدأ عملها من جديد، وسعة تلك الذاكرة يجعلها تستغرق ما يقرب من الأسبوع. تنفس الصعداء، فهناك احتمالية كبرى لتسجيل الشجار، ارتكزت كامل حواسه على تفريغ الأشرطة، وكانت المفاجأة، من الزاوية العالية الموضوعة بها الكاميرا، حين رأى "خلود" تبعد مسافة خطوتين عن "فيروزة"، ولا تمكن الأخيرة بأي حالٍ من الوصول إليها، ودفعها، كما أظهرت انزلاق قدم الأخيرة بميلها الزائد للخلف، دون أن تلمسها يد. رفع أنظاره نحو والده وجده اللذين كانا يراقبان الشاشة مثله، نطق والده أولاً؛ وكأنه يحاول الكشف عن نواياه:
-هتعمل إيه يا ابني؟
أجابه "تميم" مبتسمًا بثقةٍ وبكلمة موجزة:
-الصح..
ثم وجه حديثه للشاب بما يشبه الأمر:
-حطلي الفيديوهات دي على فلاشة.
هز الشاب رأسه طواعية وهو يرد:
-ماشي يا معلم.
رفع "تميم" رأسه في اتجاه والده، حين طلب منه والده بهدوءٍ جاد:
-تعالى يا ابني، عايزك في كلمة.
انصرف معه بعيدًا عن الشاب، لكون الموضوع حرجًا، وخاصًا، استطرد "بدير" يحذره بلهجة جادة:
-خالتك مش هتعدي ده على خير.
وقبل أن يعلق عليه، رد "سلطان" الذي تبعهما بحسمٍ:
-بنتها السبب، تستحمل بقى غلطها.
قال له "بدير" بتوجسٍ:
-الموضوع كده هياخد سكة تانية خالص يا حاج، بوليس ونيابة، وجايز محكمة، و"بثينة" دماغها شيطان.
تنحنح مرددًا بتريثٍ:
-هنحاول نلمه.. وبالعقل.
هتف "تميم" بنبرة عازمة، وعيناه تلمعان بوميضٍ غريب؛ لكنه مشرق، وممتلئ بالحماس:
-هنشوف حكايتها بعدين، المهم دلوقتي الغلبانة اللي اتظلمت بسببها، وكانت هتضيع من غير ذنب.
...........................................................
ساعاتٍ مكثها أمام القسم الشرطي، منتظرًا قدوم الضابط المسئول عن التحقيق في البلاغ المقدم ضد "فيروزة"، وبصحبة محاميه، من أجل تقديم دليل براءتها؛ وإن كان يعني ذلك نشوب مشكلات عائلية لاحقة، لتوريطه طليقته السابقة في مسائل قانونية، تخص تقديم البلاغ الكاذب وتبعاته، وربما لجوء الأولى لرفع قضايا ثأر شخصية، لرد الاعتبار. لم يكترث لكل ذلك، المهم حاليًا أن يوفي بوعده الذي قطعه لها، وما إن التقاه الضابط "محمود" حتى أعطاه (الفلاشة) على عجالةٍ، ليقول له موضحًا:
-دي نسخة يا باشا، وتقدر تشوف الأصل من الكاميرات عندنا.
تفحصها الضابط بأصابعه، قبل أن يضعها في المكان المخصص لها، ليوصلها بجهازه، ثم قام بتشغيل محتوياتها، وتابع ما تعرضه التسجيلات باهتمامٍ، ليهز بعدها رأسه في استحسان، أوقف تشغيل ما يُعرض، والتفت إلى "تميم" ليسأله بنوعٍ من الفضول:
-بس مش غريبة إنك بنفسك جاي تعمل كده؟ والموضوع كله يخص مراتك؟
صحح له بنظرات نافذة، وتلك البسمة الخفيفة تتشكل على زاوية فمه:
-طليقتي يا باشا، وماينفعش أسكت عن الحق.
مط ثغره في إعجابٍ للحظةٍ، ثم قال:
-تمام.
تساءل "تميم" في تلهفٍ متحمس، ونظراته تتجول على وجه الضابط، ومحاميه:
-إيه اللي هيتعمل بعد كده؟
هنا أخبره المحامي بهدوءٍ:
-متقلقش يا معلم "تميم"، ولا تشغل بالك، الإجراءات معروفة، وأنا هتابع بنفسي كل حاجة، وهتأكد إن الأستاذة "فيروزة" معدتش طرف في أي حاجة.
تحولت أنظار "تميم" نحو الضابط "محمود" الذي أضاف عليه بابتسامة متكلفة، وهو يسحب فاتحة الأظرف من غمدها ليعبث بها، كلازمةٍ معتادة منه:
-زي ما المحامي قالك.. اطمن.
نهض واقفًا، ومد يده لمصافحته، وهو يشكره بامتنانٍ:
-متشكرين يا باشا.
تراجع "محمود" في مقعده، وأراح ظهره معلقًا بقليلٍ من السخرية:
-أنا معملتش حاجة، بالعكس إنت اشتغلت شغل الداخلية!
منحه "تميم" ابتسامة صغيرة صامتة؛ لكن صوته الداخلي انطلق في جنباته، وعقله يجسد ملامح وجهها في مخيلته:
-طالما ليها، أنا مستعد أشتغل أي حاجة.
.......................................................................
انتصفت الشمس في كبد السماء، ولم تمنع الستائر الخفيفة أشعتها من اختراق الزجاج لتملأ الأرضية بها، وطيف وجهه المتلهف خوفًا عليها، يحتل المساحة الخالية على البلاط اللامع. باعدت "فيروزة" نظراتها الشاردة عن وهم صورته، لتحدق في وجه الضابط "محمود" الذي جاء إليها خصيصًا، ليخبرها بالتطور الجديد في البلاغ المقدم ضدها، وكيف انتهى بأعجوبة لصالحها. لم ترمش بعينيها رغم صدمتها من تصرف "تميم"، فلم يخطر على بالها مطلقًا، أن يبذل قصارى جهده -وأزيد- لأجلها، بدا الأمر محيرًا وموترًا، ملبكًا إن دق التعبير، توقفت عن شرودها، محافظة على جمود ملامحها، لتسأله بلهجة هادئة:
-يعني أقدر أمشي من هنا؟
أجابها ببساطة:
-أيوه طبعًا، إنتي حرة تتحركي، وكمان الأمن اللي واقف برا خلاص مالوش لازمة.
هزة خفيفة من رأسها صاحبها ردها المختصر:
-كويس.
وقبل أن ينصرف "محمود" من الغرفة، أشار لها بسببته مرددًا:
-حاجة أخيرة بس محيراني.
نظرت له بحاجبين معقودين، وهي ترد:
-إيه هي؟
أمسك بقبضته حافة فراشها المعدني، وأجاب:
-إنتي مزعلة مين عشان يوصي عليكي بالشكل الغريب ده، رغم إنه محضر عادي، لسه قيد التحري؟!
زادت تعبيراتها تعقيدًا، وهتفت:
-مش فاهمة!!
بسّط لها سؤاله المحير قائلاً:
-يعني في حد حاطك في دماغه، وحد مش سهل كمان!
سكتت للحظاتٍ تدير الأمر، وتفكر فيه مليًا في عقلها، بلعت ريقها في حلقها الجاف، وسألته بحيرة ملموسة في صوتها:
-وأنا المفروض أقلق ولا أعمل إيه؟
رد بدبلوماسية:
-خدي بالك وخلاص ..
ثم ابتسم منهيًا حديثه معها بقوله:
-وحمدلله على سلامتك مرة تانية.
قوست شفتيها قليلاً لتظهر ابتسامة باهتة عليهما وهي ترد:
-الله يسلمك.
شيعته بنظراتها إلى أن خرج من الغرفة، لتستغرق في أفكارها الحائرة مجددًا، وبشكلٍ أعمق، سؤالاً واحدًا ظل يلح عليها:
-مين ده اللي عايز يأذيني؟!
لكن أفعــال "تميم" وشهامته الزائدة معها، عادت لتطفو على السطح، وتلهيها عن التفكير مؤقتًا في أي شيء .. سواه!
................................................................
لم يمر الكثير بعد على زيارة الضابط "محمود"، لتأتي إليها "علا"، حاملة بطول ذراعها لباقة من الورد الطبيعي الأبيض، أسندته على طرف الفراش، وجلست إلى جوارها ماسحة بيدها على كفها، نظرت نحوها، وابتسمت قائلة في لطفٍ:
-حبيبتي.. قلبي عندك.
وقبل أن تخبرها "فيروزة" بشيء، تجمدت الكلمات على طرف لسانها، بسبب رؤيتها لـ "آسر" الذي انضم إليهما، وفي يده علبة شيكولاته فاخرة، وضعها على الطاولة، واستقر في المقعد متسائلاً في اهتمامٍ مبالغ فيه:
-عاملة إيه دلوقتي؟
أجابت على مضضٍ، وبضيقٍ لم تسعَ لتغطيته:
-الحمدلله.
أشــار بعينيه نحو باب الغرفة المفتوح، وعلق متسائلاً:
-بس مش غريبة إننا ملقناش حد من الأمن برا؟ يعني على حسب ما عرفت كانوا مانعين الزيارة وآ...
قاطعته بجدية بحتة، وعيناها تحدجاه بنظرة غامضة:
-ما هو الأخبار الحلوة مابتوصلش زي الوحشة.
سألتها "علا" مستفهمة، ووجهها يعلوه ذلك التعبير الحائر:
-يعني إيه؟
التفتت برأسها نحوها، وأجابت على مهلٍ، بدون التطرق لأي تفاصيل:
-المشكلة اتحلت، كان في سوء تفاهم..
ثم استدارت في اتجاه "آسر"، وأكملت:
-ومكانش في داعي تتعبوا نفسكم.
ردت عليها "علا" بعتابٍ رقيق:
-إزاي تقولي كده؟ أنا والله اتجننت لما عرفت من "ماهر" باللي حصل، وبعدين تتصلي بأخويا وماتكلمنيش أنا؟
تنحنحت بخفوتٍ، وابتسمت وهي تجاوبها:
-محبتش أقلقك، على أساس إن ساعتها مكونتش عارفة أتصرف إزاي، وهو بيفهم في الحاجات دي، بس الحمدلله، كله بقى تمام.
تحركت أنظارهما في اتجاه الباب، عندما بادر "آسر" مرحبًا بأحدهم بودٍ شديد:
-جاي بنفسك يا "وجدي"؟ إيه الصدف الحلوة دي؟
تحرجت "فيروزة" من كثرة الزيارات الذكورية، والتي لا طائل منها سوى إرهاقها، وتقييد حريتها، بالطبع رسمت تلك الابتسامة السخيفة على محياها، وهي تشكره على قدومه، ولم تسلم من بعض النصائح الوجوبية منه، بضرورة تجنب كافة أنواع الشجارات والمشاكل، والتي تنتهي بتواجدها في قسم الشرطة. قبل أن ينصرف، تساءل "وجدي" مُخاطبًا "علا":
-لو خلصتي أخدك في سكتي، أنا رايح ناحية بيتكم.
التفتت تلقائيًا ناظرة إلى "آسر"، كان التردد واضحًا عليها؛ لكن تلك النظرة الغامضة من الأخير، منحتها الجواب الحاسم، بالذهاب معه، وتركه بمفرده مع "فيروزة"، عبثت بحقيبتها، وردت بابتسامتها المشرقة:
-أوكي.. أنا مش عايزة أتعب "فيرو"، هي أكيد محتاجة ترتاح.
ثم نهضت لتحتضنها، وودعت "آسر" قائلة له؛ وكأنها توصيه:
-خد بالك منها
رد بابتسامة عريضة:
-في عينيا، متخافيش عليها.
كانت حيلة مكشوفة، ومفهومة لها، ظلت محافظة على هدوئها، ورفيقتها تلوح لها بيدها لتنسحب مع "وجدي"، حاولت "فيروزة" ألا تحدق في اتجاه زائرها الأخير، ضغطت على أصابعها في توترٍ، حيث أن تواجده معها في الغرفة، بمفردهما، لم يكن من الصواب، اختفت ابتسامتها الباهتة، وطلبت منه، بتحفظٍ:
-تقدر تمشي يا أستاذ "آسر"، أنا بقيت كويسة، وكمان عشان معطلكش.
ارتبكت، وكسا وجهها الشاحب القليل من الحمرة، حين وجدته ينهض من مكانه ليقرب مقعده من فراشه، تقريبًا ألصقه به، ورد في عتابٍ محب، ورأسه ينحني في اتجاهها:
-أستاذ وتعطليني؟ ينفع كده يا "فيروزة"؟
رمقته بنظرة صارمة وهي تطلب منه:
-لو سمحت ممكن تبعد شوية؟ كده أي حد ممكن يفكر إن بينا حاجة، وأنا مش عايزة شوشرة
بامتعاضٍ منزعج قال لها:
-حاضر.. طالما ده اللي عايزاه.
تراجع بمقعده خطوتين للخلف؛ لكنه أبقى انحناءة ظهره نحوها، واستأنف حديثه معها قائلاً بأسلوبه الناعم:
-أنا مش فاهم إزاي يعملوا كده مع واحدة محترمة زيك؟
كانت غير رائقة المزاج لتبادله الحديث، يكفيها ما مرت به، ليعيد تذكيرها بالتفاصيل البغيضة إلى نفسها، اشتدت تعبيراتها، وحملقت ناحيته باستغرابٍ، وقد هتف عاليًا:
-أنا استحالة أسكت عن المهزلة دي؟ هو كل حد يقول كلمتين خلاص يصدقوه ويجرجروه على الأقسام؟ البلد دي فيها قانون، وإجراءات رسمية لازم تتعمل قبل ما حتى يفكروا يقبضوا عليكي.
علقت في هدوء:
-الموضوع اتحل، فمالوش لازمة نتكلم فيه.
أسبل عينيه نحوها يُخبرها بكلماتٍ بطيئة:
-لأ ليه لازمة، إنتي غالية عندي أوي، حتى لو مافيش نصيب بينا ..
أحنت رأسها على صدرها حرجًا منه، لم تحبذ تطرقه لتلك الجزئية، المصحوبة بذكريات مذلة، تزيد من إحساسها بالخذلان، ابتسم "آسر" وهو يعاتبها:
-وبعدين ينفع أعرف من برا، ومش منك؟ ده لولا "علا" كلمتني تستنجد بيا، مكونتش هعرف باللي حصلك!
ضغطت على شفتيها قبل أن تحررها لتعلق عليه:
-أستاذ "آسر"، أنا آ....
امتدت يده لتمسك بكفها، انتفضت في ارتباكٍ حرج، ورمقته بنظرة حادة، كانت على وشك جذب يدها من أصابعه القابضة عليها؛ لكنه رفض تركها تتملص منه، واعترف لها، وعيناه تسبحان في نظرات عينيها:
-أنا بأحبك يا "فيروزة"!
لم تتوقع بوحه بمشاعره، رغم صدها له بكل الطرق الممكنة؛ ولكن هز الغرفة صوتًا رجوليًا غاضبًا، يتهمها بوقاحةٍ، عرفت صاحبه الفظ على الفور، دون الحاجة للنظر في وجهه المقيت:
-إيه جو الغراميات ده؟ إنتي عاملة فيها عيانة ولا مقضيها مسخرة وقلة أدب هنا؟!!!
استعادت "فيروزة" يدها، وهتفت محتجة على اتهام "فضل" المسيء لها:
-ماسمحلكش
في حين انتفض "آسر" من مكانه ليحدجه بنظرات معادية، وحذره بشدةٍ:
-إنت مين يا كابتن؟ وإزاي تدخل علينا الأوضة كده؟
قست ملامح "فضل"، وزجره بسبابٍ حاد، قاصدًا التشاجر معه، وبكراهيةٍ واضحة اندفعت من عينيه:
-أنا ابن عمها يا (...)!
استشاط "آسر" على الأخير من إهانته الوقحة له، وأمام من؟ من يعدها خطيبته؛ كان شيئًا يمس هيبته، وإن كانت رجولته منقوصة؛ لكنه لن يقبل أبدًا بالتحقير من شأنه، بينما رمقته "فيروزة" بتلك النظرة الساخطة الاحتقارية، فمجيئه كما عهدت منه –مؤخرًا- كان مصحوبًا بنوايا غير بريئة نحوها، لن تسلم منها، ولن تقوى على مجابهتها، نظراته الاتهامية نحوها أكدت لها ذلك، سيحطم ما تبقى منها بمزاعمه المهلكة لروحها التي ما زالت تتعافى .. وقبل أن يزيد الطين بلة، صرخت فيه لتوقفه، بما لم تتخيل أنها سترتضي به:
-ملكش دعوة بخطيبي!
تصريح مفاجئ وصادم، خرج من داخل الغرفة، ليرن صداه بقوة في الردهة، فهز بقساوته الجارحة، بدن ذاك القادم من على بعد، ليشعر "تميم" فجأة بخفقة قابضة اعتصرت بشراسة لا ترحم صدره، فجعلت مباهج الدنيا تختفي كليًا، وحلت تعاسة أبدية في عينيه، انسحب هاربًا، وعبراته تختنق في حدقتيه، كانت حالته أشبه بمن فقد عزيز لديه، هبط الدرجات سريعًا، وقد أدرك الحقيقة المريرة، أن ما ظنه حبًا ينمو بين ضلوعه، اُغتيل بغتةً في مهده، ولا عزاء إلا لنفسه ............................................... !!!
تابع من هنا: جميع فصول رواية دموع هواره بقلم لولو الصياد
أو أرسل لنا رسالة مباشرة عبر الماسنجر باسم القصة التي تريدها
إرسال تعليق
يسعدنا تلقي اقتراحاتك أو تعليقك هنا